الحمد لله رب العالمين، وصلاة وسلامًا على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ومرحبًا بكم أحبتنا الكرام، إلى حلقة جديدة من (فتاوى رمضان).
ضيفنا هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
باسمكم وباسم إذاعة القرآن الكريم نرحب بفضيلته في بداية حلقتنا: السلام عليكم يا شيخ سعد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وحياكم الله، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: حياكم الله يا شيخنا الفاضل، ومع أول المتصلين من مكة المكرمة الأخ أبو رهف، تفضل.
السائل: السلام عليكم.
لي سؤالان يا شيخ سعد، الله يحفظك:
السؤال الأول: أنا من سكان الطائف، وسأنزل اليوم -إن شاء الله- أصلي المغرب والعشاء في الحرم، هل يلزمني تحية المسجد، الطواف بالبيت، مع أني سافرت قريبًا من أسبوع تقريبًا؟
السؤال الثاني: هناك بعض القراء في (الراديو) نسمعهم، يكون معهم مثلا، كالجمهور يكبرون معهم، فهل يجوز الاستماع لمثل هذه التلاوات؟
المقدم: طيب، تسمع الإجابة، إن شاء الله.
شيخنا، أبو رهف يقول: إنه من أهل الطائف، ويذهب إلى مكة قريبًا، اعتمر، لكن الآن يريد أن يصلي صلوات المغرب والعشاء، هل يلزمه أيضًا أن يحيي البيت بطواف؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فنقول للأخ السائل الكريم: لا يلزمك الطواف، وإنما تحية المسجد الحرام كتحية غيره، وهي أن تصلي ركعتين، فإذا دخلت المسجد الحرام تصلي ركعتين، وأما ما هو شائع عند بعض الناس من أنه لا بد أن تطوف طوافًا كلما دخلت المسجد الحرام، فهذا غير صحيح.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
يذكر أن بعض التلاوات تُسَجَّل في بعض المحافل، وهناك من يرددون في سكتات القارئ؟
الشيخ: الأولى أن يترك مثل هذا الترديد؛ لأنه يشوش على من يستمع القراءة، خاصة إذا كانت مسجلة، فالمستمع للقراءة تشوِّش عليه هذه الكلمات، وهي قد يراد بها التشجيع لهذا القارئ، ولكن الأولى ترك ذلك، وإنما إذا فرغ القارئ من قراءته يمكن أن يشجع بكلمات يسيرة أيضًا ليس فيها غلو، وإنما من باب التشجيع، أما بعد كل آية أو حتى بعد كل مقطع من آية ترفع الأصوات، ويؤتى بكلماتٍ، فهذا غير مناسب، لا يناسب الإنصات للقرآن، وأيضًا: يشوش على المستمع لقراءة هذا القارئ بعد الاستماع لتسجيل هذه القراءة.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
من (جدة) الأخت زينب، تفضلي.
السائلة: السلام عليكم.
سؤالي لو سمحت: عندنا مثلًا في العيد، عدد من البنات معين، نأتي بهدايا، هذه الهدايا كل واحدة تجيء بهدية من عندها؛ الغرض منها طريفٌ أكثر من أن فيها تكلفًا أو شيئًا من هذا، فيصير هناك تبادل، يعني: تكون بالسحب، مثلًا أنا يخرج اسم بنت عمي، وبنت عمي يخرج لها أختي،.. وهكذا.
السؤال الآخر: من جدة إلى مكة هل يعتبر شد رحال، يعني نصلي في مكة في أي مسجد؟
المقدم: أنت تقصدين مكة لمسجد معين؟
السائلة: لا، أي مسجد، أهم شيء أن يكون في داخل حدود الحرم وما فيها، لا مبيت ولا ملابس، فقط نذهب فنصلي ونرجع؟
المقدم: تصلون في حدود الحرم؛ لاعتقادكم أن الصلاة مضاعفة؟
السائلة: حتى لو كان ما هي مضاعفة يكون فيها أجر مختلف عن المساجد الباقية.
المقدم: شكرًا للأخت زينب، سؤالها الأخير استمعت إليه يا شيخ، أنها تذهب من جدة مجموعة نساء إلى مكة في حدود الحرم يصلون في أي مسجد، بدون مسجد معين، هل يعتبر هذا من شد الرحال؟
الشيخ: لا يعتبر هذا من شد الرحل؛ لأن شد الرحل لا بد فيه من أن تكون المسافة مسافة قصر، وأقل مسافة للقصر 80 كيلو مترًا، والآن أصبحت المسافة بين مكة وجدة أقل من ثمانين، فالمسافة بين مكة وجدة أقل من مسافة السفر، وعلى هذا؛ لا يعتبر الذهاب من جدة إلى مكة سفرًا في الوقت الحاضر، ولا يعتبر هذا من قبيل شد الرحل، ولا حرج عليهم فيما ذكرت، ولكن من باب النصيحة، أقول: إذا ذهبتم إلى مكة ينبغي أن تصلوا في المسجد الحرام، أو على الأقل في الساحات المحيطة بالمسجد الحرام، حتى تنالوا أجر التضعيف الوارد في حق من صلى في المسجد الحرام، ما دمتم قد قصدتم مكة فينبغي أن تحرصوا على الصلاة في الحرم، أو في الساحات المحيطة بالحرم، وعليكم بالصبر ربما يكون هناك زحام، لكن عليكم بالصبر واحتساب الأجر ؛فإن أجر الصلاة في المسجد الحرام مضاعفة.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
لديهم عادة في كل عيد، هي وأخواتها وقريباتها، أنهم كل واحدة تأتي بهدية، طبعًا مغلَّفة، لا يعرف ما بداخلها، ثم يُقرِعون بينهم قرعةً، ومن تخرج عليها هذه الهدية تأخذها، هل يعتبر هذا من باب الميسر؟
الشيخ: إذا كانت كل واحدة تأتي بهدية وأقيام [1] هذه الهدايا متساوية، كأن يقال: كل واحدة ممن تحضر العيد تأتي بهدية قيمتها 100 ريال مثلًا، ثم بعد ذلك، كما ذكرت الأخت الكريمة، من باب التنويع والتسلية، يقرع لواحدة لتأخذ هدية والأخرى تأخذ هدية، والأخرى تأخذ هدية، هذا لا بأس به؛ لأن كل واحدة دفعت ما يقابل 100 ريال، وأخذت ما يقابل 100 ريال، هذه الصورة الجائزة.
أما إذا كانت أقيام الهدايا مختلفة: فهذا لا يجوز، حتى لو كانت كل واحدة ستأخذ هدية؛ لأنها ستكون بهذا مترددة بين الغنم والغرم؛ وهذا تنطبق عليه قاعدة الميسر.
وأيضًا من الصور المحرمة: إذا أتوا بهدايا، ثم أُقرِع لواحدة منهن، فهذه أيضًا لا تجوز، من صور الميسر؛ لأن كل واحدة تدخل في هذا السحب، هي مترددة ما بين الغنم والغرم، فهي أشبه بألعاب (اليانصيب).
فإذَنْ، هذه الآن بدأت تبرز، ويكثر السؤال عنها في أيام العيد؛ لها هذه الصور:
الصورة الأولى: جائزة، والصورة الثانية والثالثة: محرمة.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
إذا كانت هذه المبالغ زهيدةً، ربما متقاربة؛ خمسة ريالات، عشرة ريالات، لكنها ليست نفس المبلغ؟
الشيخ: ما دام أن الأقيام مختلفة فهذه تدخل في الميسر؛ لأن من يدخل في هذا السحب إما غانم وإما غارم، وهذه طريقة (اليانصيب)، هذه الفكرة نفسها هي فكرة (اليانصيب) المحرمة.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
من (الرياض) الأخ محمد، تفضل.
السائل: السلام عليكم.
فضيلة الشيخ: أنا زوجتي في السنة الفائتة، كانت حاملًا وعلى وشك ولادة، وكان في شهر رمضان في هذه الفترة، ومع الأسف أفطرَت طول الشهر، أفطرَت شهر رمضان كاملًا، فما هي الكفارة التي عليها مع العلم أنها حامل أيضًا، لكن هي صائمة الشهر هذا بالكامل، ولم تكفر عن السنة الفائتة، ما المفروض عليها عمله لتكفر عن الشهر هذا؟
المقدم: يعني ما صامت رمضان الماضي؟
السائل: لا، ما صامت، كانت في فترة الولادة، وكان من الصعب أنها تصوم، الدكتورة منعتها من الصيام، قالت لها: يفضل أن تفطري.
المقدم: ومن العام إلى السنة هذه كانت تستطيع؟
السائل: ما كانت تستطيع؛ لأنها كانت في فترة الرضاع، فكان من الصعب أن تكفر عن الصيام، لكن السنة هذه، هي صائمة هذه السنة، بالرغم من الحمل؛ لأنه كان في وسط مدة الحمل.
الشيخ: كان يشق عليها الصيام مع الحمل في العام الماضي؟
السائل: بالضبط، الدكتورة التي منعتها قالت لها: يفضل ألا تصومي؛ لأن الحمل صعب مع الصيام.
الشيخ: طيب، لماذا لم تقض بعد رمضان؟
السائل: هي كانت في فترة الرضاع، ومع الرضاع لم تكن قادرة أن تصوم.
الشيخ: يعني كانت معذورة بالرضاع؟
السائل: نعم.
المقدم: طيب، تسمع إجابة الشيخ.
شيخنا ما توجيهكم للأخ محمد؟
الشيخ: نعم، نقول للأخت الكريمة: تصوم بعد رمضان إن شاء الله، تقضي هذه الأيام التي أفطرتها بسبب الحمل بعد رمضان إن شاء الله، ولا يلزمها دفع الإطعام؛ لأنها لم تفرط، فهي إنما أفطرت للحمل، ولم تستطع القضاء لأجل الرضاع؛ فهي لم تفرط بهذا فليس عليها إطعام.
والقول الراجح في الحامل والمرضع إذا أفطرتا: أن حكمهما كحكم المريض يجب عليهما القضاء فقط، وأما قول من قال من الفقهاء: يجب عليهما الإطعام مع ذلك، ومن فصَّل قال: إن خافتا على ولديهما أو خافتا على أنفسهما، فهذا قول مرجوح، والصواب: أن الواجب عليهما القضاء فقط، وهو اختيار شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى، وأن حكمهما حكم المريض.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
من سؤال الأخ محمد يقول: إنها في هذه السنة حامل، واستطاعت أن تصوم، الكلام بعد رمضان، وانشغلت بالرضاع، سيأتي رمضان ثالث أيضًا؟
الشيخ: نعم، الحمد لله، معذورة بهذا، لو قُدِّر أنها أيضًا انشغلت بالرضاع فهي معذورة، لكن يبقى الصيام في ذمتها.
المقدم: أحسن الله إليكم، وبارك في علمكم.
أيضًا من رسائل الإخوة الكرام: هذا الأخ محمد، وهو محافظ على تكبيرات الإحرام -كما يقول- من بداية رمضان؛ اتباعًا للحديث فيما معناه: من أدرك تكبيرة الإحرام أربعين يومًا، كتبت له براءتان من النار والنفاق. يقول: وفي صلاة المغرب -في أحد الأيام- قام الإمام وأنا قريب من المسجد، وكبَّر الإمام وأنا عند باب المسجد، أو قد دخلت المسجد، فهل فاتتني تكبيرة الإحرام أم لا؟
الشيخ: أولًا: نسأل الله الثبات لأخينا الكريم، وننصحه بأن يستمر على ما هو عليه من المحافظة على الصلوات، ومن الحرص أيضًا على تكبيرة الإحرام، ولكن هذا الحديث الذي ذكره الأخ السائل: من صلى لله تعالى أربعين يومًا في جماعة يدرك تكبيرة الإحرام، كُتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق [2]، فهذا الحديث أخرجه الترمذي ولكنه لا يصح، فهو ضعيف من جهة الإسناد ولا يثبت عن النبي ، لكن التبكير للصلوات مشروع، وقد جاء في “الصحيحين” من حديث أبي هريرة أن النبي قال: لو يعلم الناس ما في التهجير -يعني: التبكير- لاستَبَقُوا إليه [3].
فننصح الأخ الكريم بأن يستمر على ما هو عليه، حتى ولو قلنا بضعف ذلك الحديث؛ لأن التبكير للصلوات من الأمور الحسنة، ومن الأمور التي حثَّ عليها النبي .
ثم إن التبكير للصلوات يَكسِب المسلمُ به أجورًا عظيمةً؛ فهو عندما يأتي للمسجد، يأتي بالسُّنة الراتبة إن كان هناك سنةٌ راتبةٌ، أو يأتي بتحية المسجد، ويقرأ القرآن، ويذكر الله تعالى، وأيضًا الملائكة تدعو له، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه [4]. حتى تقضى الصلاة، فهو على خير وإلى خير، فعليه أن يستمر على ذلك العمل الطيب الذي هو عليه الآن، حتى ولو قيل بضعف حديث: كُتب له براءتان.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
من (المدينة) الأخ عبدالكريم، تفضل.
السائل: السلام عليكم.
بالنسبة لصلاة التهجد بعد التراويح، بعض الناس يقول: إنه بدعة؛ بحجة كلام الشيخ الألباني رحمه الله، هل هذا كلام صحيح أو كيف؟
المقدم: قصدك قيام العشر الأواخر؟
السائل: نعم العشر الأواخر.
المقدم: شكرًا جزيلًا للأخ عبدالكريم.
يسأل عن التهجد في العشر الأواخر؟
الشيخ: التهجد في العشر الأواخر سنة، والقول بأنه بدعة، هذا قول ضعيف وشاذ، لا يلتفت إليه، بل هو مخالف لإجماع المسلمين، والمسلمون قد أجمعوا على أن صلاة التراويح ليس لها حد محدود، وأما تحديدها بإحدى عشرة ركعة، فهذا قول شاذ؛ إنما نشأ متأخرًا، وإلا، لا يُعرف عند العلماء السابقين، والنبي يقول: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح؛ فليوتر بواحدة [5]، أخرجه البخاري ومسلم في “صحيحيهما”.
وصلاة التراويح وصلاة التهجد كلها داخلة في صلاة الليل، وهذا الحديث نَصٌّ في المسألة، ولا قول لأحد مع قول النبي .
ثم إن عمل المسلمين من قديم الزمان، من صدر الإسلام، على إحياء ليالي رمضان، خاصة ليالي العشر، والناس في المسجد الحرام، من عهد عمر بن الخطاب إلى وقتنا هذا، يصلون ثلاثًا وعشرين ركعة طيلة رمضان، ويزيدون في العشر الأواخر ما شاء الله، يعني في هذه السنوات الأخيرة يزيدون عشر ركعات، فهذا إجماع عملي من المسلمين منذ ذلك الحين إلى وقتنا هذا.
وأيضًا: في المسجد النبوي، من صدر الإسلام، من وقت عمر إلى وقتنا هذا، وهم يصلون ثلاثًا وعشرين ركعة، لكن في أواخر عهد علي أصبحوا يصلون ستًّا وثلاثين، وذكر الإمام مالك أيضًا ذلك: أنهم يصلون ستًّا وثلاثين، ثم في بعض العصور صلوا تسعًا وثلاثين، وفي بعضها إحدى وأربعين، ثم رجع الأمر إلى ثلاث وعشرين، ويزيدون أيضًا في العشر الأواخر ما شاء الله.
وقد ذكر الشافعي أنه رأى أهل مكة في زمانه يصلون ثلاثًا وعشرين، فهذا عليه عمل المسلمين، والمذاهب الأربعة على هذا، على أن صلاة التراويح أكثر من إحدى عشرة ركعة؛ فمذهب الحنفية والشافعية والحنابلة على أنها ثلاث وعشرون، والمالكية على أنها ست وثلاثون، فهم متفقون على أنها أكثر من إحدى عشرة ركعة، والنبي كان إذا دخلت العشر الأواخر يحيي ليله، كان يحيي ليله غالبًا بالصلاة، فالقول بأنه لا تجوز الزيادة على إحدى عشرة ركعة، هذا قول شاذ لا يتلفت إليه.
والعجيب وصف ذلك بالبدعة! هذا لا يتفق مع النصوص، ولا مع الأصول، ولا القواعد الشرعية، بل إن هذا هو السُّنة.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
من (جدة) أبو جود، تفضل.
السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في الأسبوع الماضي أثناء صلاة الجمعة كان هناك مطويات على الأرض، تتضمن إمساكية للشهر الكريم، وعدد من الكتيبات تتعلق بالصيام، بسننه وآدابه، فأثناء الخطبة كان الذي يأتي متأخرًا ويصلي تحية المسجد ينشغل بـ: إما تبادل هذه الكتيبات فيما بينهم، أو النظر فيها، أو أخذها ووضعها في جيبه، وكذلك الحال في مسجد آخر صليت فيه، أيضًا أثناء صلاة الجمعة، وأثناء قيام الخطيب بخطبته، كان هناك عدد من أعواد الريحان على الأرض في المسجد، وكان البعض يأخذها ليضعها في جيبه، والذي يأخذها من الأرض يضعها على عقاله، وهكذا.
سؤالي الله يجزيك خيرًا: هل هؤلاء يصدق عليهم: من مس الحصى فقد لغا [6]؟ هل هذا يعتبر من مس الحصى يوم الجمعة، وخاصة أنه كان هناك انشغال بالشيء هذا، مع إحسان النية؟
السؤال الثاني: أثناء صلاة التراويح -وهذه لاحظتها أيضًا في عدد من المساجد، وستبرز أكثر في قادم الأيام إن شاء الله في صلاة التهجد في العشر الأواخر- البعض ما بين الركعتين في صلاة التراويح يريد أن يرتاح، ويكون الذي بجانبه يخرج الجوال، وينظر ما الذي ورده من رسائل ونحوها، وبعده باثنين أو ثلاثة واحد يكلم الذي بجانبه، وبعده اثنان أو ثلاثة، فتجد الصف لا يقف فيه إلا واحد، ثم اثنان جلوس، ثم ثلاثة واقفون، ثم اثنان جلوس، تجده متقطعًا من جميع النواحي، فإن كان هذا الشيء غير صحيح، إن كان من كلمة توجيهية -الله يجزيكم خيرًا ويثبتنا وإياكم- وكل عام وأنتم بخير؟
المقدم: شكرًا جزيلًا للأخ أبو جود، شكرًا لحرصك.
شيخنا: ما توجيهكم لما تحدث عنه، عن صلاة الجمعة وانشغال بعض الناس بأخذ الكتيبات أو توزيعها، كذلك غيرها من الأمور، وأيضًا: جلوس البعض بين التسليمات، جلوسًا ربما يكون طويلًا؛ فيكون هناك شيء من خلخلة الصفوف؟
الشيخ: نعم، أما بالنسبة لما أشار إليه من انشغال بعض الناس بالكتيبات وقراءتها وقت الخطبة، وأيضًا ما ذكره من انشغالهم بالورود التي أشار إليها، لا شك أن هذا خطأ، وأن المطلوب من المسلم أن ينصت لخطبة الخطيب، النبي يقول: من مس الحصى فقد لغا [7].
وظاهر هذا الحديث: أنه يَبطُل أجر الجمعة بالنسبة له، أي أنه لا يثاب على صلاة الجمعة، وإن كانت تحصل بها براءة الذمة؛ وهذا بسبب عدم تأدبه ومسه للحصى، فكيف بمن يفعل أكثر من ذلك، فأخذ هذه الأوراق وقراءتها وقت خطبة الخطيب، هو في حكم مس الحصى، ولذلك؛ فيُنكَر على من فعل هذا، وهكذا أيضًا الحديث، يتحدثون فيما بينهم من قال لصاحبه والإمام يخطب: أنصت. فقد لغا [8]. إذا كان من يأمر بالمعروف ومن ينكر المنكر، إذا قال: أنصت. فقد لغا، فكيف بغيره؟!
فهؤلاء يُنكَر عليهم، لكن يُنكر عليهم بعد انتهاء الخطبة، ولهذا؛ أنصح الأخ الكريم بأن يتعاون مع إمام المسجد مع الخطيب بأن يُنبِّه على هذه الأخطاء في وقت الخطبة مثلًا، أو بعد الخطبة، ما دام أن الأخ الكريم وصف أن هذا شائع، فينبه على هذا وقت الخطبة لأنه ربما يكون هناك أناس جُهَّال، وأناس لا يعرفون مثل هذه الأحكام، فينبغي للخطيب أن ينبه على خطأ من يفعل ذلك.
كذلك: ما أشار إليه أيضًا، من الأمر الثاني، وهو تشاغل بعض الناس في صلاة التراويح، وفي صلاة التهجد، بالجوالات وبالرسائل، هذا لا ينبغي، من أتى للمسجد أتى للعبادة؛ فينبغي أن يقبل على العبادة، وأن يترك الجوال؛ لأن بعض الناس لا يترك الجوال والرسائل حتى في بيت الله ، هذا أمر لا يليق ولا ينبغي، فينبغي إذا أتيت المسجد أن تترك كل شيء متعلق بالدنيا، أن تترك المكالمات الهاتفية، أن تترك الرسائل، أن تترك متابعة الأخبار، وأن تقبل على العبادة؛ والنبي يقول: إذا رأيتم من يبيع أو يشتري في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك [9]، ويقول: إذا رأيتم من ينشد الضالة فقولوا: لا ردها الله عليك، فأمر النبي بالدعاء على من يفعل ذلك، وعلل هذا قال: فإن المساجد إنما بنيت لما بنيت له [10]، يعني: هي دور للعبادة، وليست دورًا للبيع والشراء ونِشْدَان الضالة.
وأيضًا كذلك: ينبغي لمن أتى المسجد ألا ينشغل برسائل الجوال ونحو ذلك؛ وإنما يقبل على الصلاة، ويقبل على العبادة.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
الأخ أبو سعد معنا.
السائل: السلام عليكم.
لو سمحت عندي سؤالان:
السؤال الأول: ما يتعلق بالأسهم، عندنا صندوق استثماري متوافق مع الشريعة الإسلامية، هل أتصدق عليه كل سنة أو لا؟
والجزء الثاني الذي هو الأسهم العادية، هناك أسهم، وهذه المقصد منها هو الادخار، يعني متى ما احتجت أبيعها، فما كنت أخرج عليها زكاة كل المدة الماضية.
الشيخ: هل الأسهم فتحتَها في محفظة، أو دخلت في صندوق استثماري للأسهم؟
السائل: لا، هو نوعان: نوع صندوق استثماري للأسهم، وآخر هو محفظة أسهم.
الشيخ: الأسهم التي في المحفظة أنت تركتها ما تبيع وتشتري فيها؟
السائل: لا، ما أبيع، تركتها وعند الحاجة أبيعها، إذا احتجت فلوسًا بعتها.
الشيخ: طيب، واضح.
السائل: والمحفظة كل شهر تُقوَّم، كل شهر لها قيمة معينة، فما كنا ندفع عنها زكاة؛ بحكم أن الشركات السعودية تزكي عن الأسهم، لكن هناك أحد الإخوة قال لي: هناك فرق بين الزكاة التي تفرضها الدولة، وبين القيمة السوقية، فيُفرض أنك كل سنة تقوم أسهمك وتزكيها بالقيمة السوقية، هذا كان الخلاف، فما أدري ما هو الصواب، وإذا كان فيها زكاة فكيف نتعامل مع السنوات الماضية؟
الشيخ: الصندوق الاستثماري عندك من مدة طويلة؟
السائل: نعم.
الشيخ: وما كنت تزكي؟
السائل: لا، ما كنت أزكي عليه.
الشيخ: كان ينبغي أن تسأل؛ لأن البنوك لا تخرج زكوات الصناديق الاستثمارية.
السائل: الأسهم التي فيه هي أسهم شركات، والشركات تزكي، والمحفظة نفس الشيء ما نزكيها.
الشيخ: طيب، أجيبك إن شاء الله.
السائل: والسؤال الثاني، الله يحفظك: كيف نجمع بين حديث الرسول لمن سأله عن أركان الإسلام وقال: لا أفعل غيرها، وشهد له الرسول بالجنة، وبين من يريد الاستزادة من الخير وفعل الخيرات، البعض يحتج بهذا الحديث على أن السُّنن لا يجب أن يفعلها الإنسان ويشق على نفسه، فكيف الجمع بين الحالتين؟
المقدم: طيب تسمع الإجابة، شكرًا جزيلًا.
أولًا: يا شيخنا، لعلك تجيبه على سؤاليه في الأسهم ونوعي الأسهم.
الشيخ: أولًا: الأسهم إذا كانت معدة للمتاجرة، وهي ما يسميها الناس الآن بالمضاربة، يعني بالبيع والشراء، يبيع ويشتري فيها، ويتاجر فيها، فهذه تزكى في نهاية الحول بقيمتها السوقية.
والقسم الثاني: أن يكون مالك هذه الأسهم لا يريد بها المتاجرة والمضاربة؛ وإنما تركها، ادخرها وتركها للإفادة من ريعها وأرباحها، فهذه تكفي زكوات الشركات، والشركات المساهمة عندنا في المملكة العربية السعودية ملزمة بدفع الزكوات إلى مصلحة الزكاة والدخول التي تصرفها في مصارفها الشرعية.
وعلى هذا يكون الجواب عن سؤالَيِ الأخ الكريم السائل: بالنسبة للمحفظة التي عنده ما دام أنه لا يبيع ويشتري في هذه الأسهم، فتكفي زكاة الشركات عنها، فلا حاجة لأن يزكي الأسهم التي في هذه المحفظة باعتبار أن الشركات قد زكتها.
وأما بالنسبة للصندوق الاستثماري الذي هو مشترك فيه، حتى وإن كان صندوق أسهم إلا أن هذا الصندوق للمضاربة هو للمضاربة والبيع والشراء، والبنوك لا تخرج زكوات هذه الصناديق الاستثمارية، وعلى ذلك؛ فلا بد من أن يزكيها، لا بد أن يزكي ما في هذا الصندوق من أسهم، وعليه أن يحصي زكوات السنوات الماضية ويخرجها، وكان ينبغي له أن يسأل، ولذلك سألته: هل هذا عندك من مدة طويلة؟ قال: نعم. فكان ينبغي أن يسأل من حين دخل في هذا الصندوق، لكن الزكاة لا تسقط بالتقادم؛ هي دَين الله ، فعليه أن يخرج زكوات ما يخصه من هذا الصندوق الاستثماري لجميع السنوات الماضية.
إذَنْ، خلاصة الجواب: أن ما عنده في المحفظة لا زكاة عليه، وما عنده في الصندوق الاستثماري فيه الزكاة، ليس فقط لهذه السنة، بل ولجميع السنوات الماضية.
المقدم: يسأل أيضًا، يقول: البعض إذا دعوته إلى أن يقوم بالمستحبات والسنن يحتج بالحديث الذي سأل فيه عن أركان الإسلام أحد الصحابة، ثم قال: والله لا أزيد عليهن. فقال: أفلح إن صدق أو شهد له النبي بالجنة؟
الشيخ: أولًا: الإتيان والاقتصار على الفرائض: صحيح أن من اقتصر على الفرائض أتى بالواجب، لكن هل تضمن أنك أتيت بالفرائض والواجبات كما أمر الله تعالى؟ هذا الحديث الذي أشار إليه الأخ الكريم حديثٌ صحيحٌ، أخرجه البخاري ومسلمٌ، أن رجلًا من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته، ولا يفقه ما يقول، أتى وسأل قال: أين محمد؟ ثم سأل النبي عن الإسلام، قال: خمس صلوات في اليوم والليلة، قال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع، قال: وصيام رمضان، قال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع، وقال: والزكاة، قال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع، فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، فقال رسول الله : أفلح إن صدق [11].
ويلاحظ هنا أن الحج لم يذكر؛ لأن الحج فرض متأخرًا، ومعنى ذلك أن هذا الحديث ليس شاملًا لجميع الواجبات، ولكن هذه قضية عينٍ، وهو يدل على أن من أتى بالواجبات الشرعية فقد أفلح، والله تعالى ذكر السابقين وذكر المقتصدين، قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ [فاطر:32]، فذكر الله تعالى السابقين وذكر المقتصدين، فنقول للأخ السائل: هل تضمن أنك أتيت بالفرائض والواجبات كما أمر الله ؟ لا تضمن ذلك، وإلا؛ فإن الله تعالى قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ [فاطر:32].
فاجعل نفسك من السابقين بالخيرات؛ لأنك إذا اقتصرت على أن تكون فقط من يأتي بالفرائض والواجبات الشرعية، فهذه الفرائض قد يعتريها الخلل، قد يعتريها النقص، وقد لا تأتي بها كما أمر الله ؛ فالنوافل هي في الحقيقة ترقع النقص والخلل الذي يقع في الفرائض؛ ولذلك مقولة بعض الناس: إنني إذا أتيت بالفرائض ما أوجب الله علي النوافل، نقول: لكن الفرائض يعتريها ما يعتريها من النقص والخلل وأنت بحاجة لهذه النوافل، ثم إن النوافل تقرب الإٍنسان من الله تعالى؛ كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: ما تقرب إليَّ عبدي بأحب مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه [12].
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
الاتصال الأخير معنا في هذه الحلقة من (خميس مشيط) أحمد، تفضل.
السائل: السلام عليكم.
لو سمحت أنا طلعت من (أبها) أعمل عمرة، لكن معي (أغراض) تخص العمل أذهب بها إلى جدة، فكيف الطريقة؟ أحرم من أول ما أذهب إلى جدة، أو أوصل (أغراض) وأرجع ثانية للميقات؟
المقدم: أنت من أهل (أبها)؟
السائل: نعم.
الشيخ: طيب، هل يتيسر لك أن تحرم من محاذاة الميقات، وتذهب بالأغراض لجدة ثم تذهب لمكة وتأتي بعمرة؟ هل هذا متيسر؟
السائل: نعم متيسر، ليس هناك مشكلة.
الشيخ: طيب، الحمد لله.
السائل: يعني ليس ضروريًّا أن أدخل الميقات في المسجد؟
الشيخ: لا، يمكن أن تغتسل وأنت في البيت وتلبس ملابس الإحرام، ثم إذا قربت من الميقات حاذيت الميقات، تقول: اللهم لبيك عمرة، ثم تذهب وتنزل الأغراض التي معك في جدة، ثم تذهب لمكة وتأتي بالعمرة، ليس بالضرورة أن تصلي في مسجد الميقات، لكن تحرم من عند الميقات، تقول: اللهم لبيك عمرة. عند الميقات، ويجوز أن تذهب إلى جدة لتنزل أغراضك، ثم ترجع إلى الميقات وتحرم منه، هذا خيار آخر أيضًا.
السائل: سؤال ثاني يا شيخ: بالنسبة لتقصير الشعر، هل له حد معين؛ لأنني أرى بعض الحلاقين يقصر بالشفرة يضعها على المشط ويقصر؟
المقدم: شيخنا، التقصير ما أقله؟
الشيخ: التقصير لا حد لأقله، لكن لا بد أن يَعُمَّ جميع الشعر، يأخذ من أطراف الشعر، ويعم جميع الشعر، أما ما يفعله بعض الناس من أخذ شعرتين من الجانب الأيمن، وشعرتين من الجانب الأيسر، وشعرتين من الأعلى، فهذا لا يجزئ، لا بد أن يعم جميع شعر رأسه، ولذلك؛ الأحسن أن يكون التقصير بالمكينة، فيجعلها مثلًا، رقم 2 أو 3 أو 4؛ حتى يضمن أنه شمل جميع الشعر، أو يكون بالمقص، لكن يتأكد من أنه شمل جميع الشعر على أن الحلق أفضل من التقصير، والنبي دعا للمحلقين ثلاثًا، وللمقصرين مرة واحدة، وما دام أن المسلم ذهب إلى تلك البقاع الطاهرة يبتغي فضلًا من الله ورضوانًا، فعليه أن يحرص على طلب الكمال، لماذا يذهب للتقصير والحلقُ أعظم أجرًا وثوابًا؟! فينبغي أن تختار يا أخي الكريم الحلق؛ لأنه هو السُّنة، ولأنه أكثر أجرًا وأعظم ثوابًا.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم، وشكر الله لكم، في ختام هذه الحلقة، أن كنتم معنا، وأجبتم على أسئلة الإخوة والأخوات.
الشيخ: وشكرًا لكم، وللإخوة المستمعين.
الحاشية السفلية
^1 | أي أثمانها. |
---|---|
^2 | رواه الترمذي: 241. |
^3 | رواه البخاري: 615، ومسلم: 437. |
^4 | رواه البخاري: 445، ومسلم: 649. |
^5 | البخاري: 472، ومسلم: 749، 753. |
^6 | رواه مسلم: 857. |
^7 | سبق تخريجه. |
^8 | رواه البخاري: 934، ومسلم: 851. |
^9 | رواه الترمذي: 1321، وقال: حديث حسن غريب. |
^10 | رواه مسلم: 569. |
^11 | البخاري: 46، ومسلم: 11. |
^12 | رواه البخاري: 6502. |