بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلاةً وسلامًا على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ومرحبًا بكم -أحبتنا الكرام- في بداية هذه الحلقة الجديدة من برنامج (فتاوى رمضان).
وضيفنا هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
باسمكم وباسم إذاعة القرآن الكريم نرحب بفضيلته في بداية هذه الحلقة: السلام عليكم، ومرحبًا بكم يا شيخ سعد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وحياكم الله، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: حياكم الله وبيَّاكم، ولعلي أعتذر في بداية هذه الحلقة من كثير من الاتصالات التي تأتينا؛ لا نستطيع أن نغطي تلك الاتصالات، وهذه علامة خير في الإخوة والأخوات؛ لحرصهم على معرفة أمور دينهم والفتوى في ذلك.
أيضًا: الرسائل التي تأتينا عبر جوال البرنامج، ولا الرسائل النصية، ولا كذلك رسائل الواتساب، نعتذر من الجميع، ومن نستطيع أن نأخذ أسئلته في الحلقة وإلا فيلعذرنا؛ فالرسائل كثيرة، والاتصالات كذلك كثيرة.
شيخنا أحد الإخوة أرسل برسالة، يقول: شخص مبتلًى بالشَّمَّة، والشمة كما يعرف البعض: هي أظنها مثل التبغ أو ورق التبغ، البعض يأخذها عن طريق الشم، والبعض يضعها بين أسنانه وبين شفته، ويمتص الجسم من ذلك، من هذا التبغ أو الدخان، هذا مبتلًى به من سنوات، والعجيب أنه في رمضان يستعمل هذه الشمة، وعندما يناصح في ذلك يقول: هي لا تُفَطِّر. وهو مقتنع بهذا الأمر، يقول: إنها لا تفطر. فما حكم استعمال مثل هذه الشمة، والتي تسمى التمباك كذلك في نهار رمضان؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فما يسمى بالشمة: هي -في حقيقتها- تبغ غير محروق، وقد يخلط به مواد أخرى، وحكمها حكم الدخان، وهي أنها محرمة؛ لأنها مضرة بالصحة ومسببة لبعض الأمراض، فهي عند جميع الأطباء مضرة، والإنسان ليس له أن يستخدم ما هو مضر لصحته؛ لأن بدنك ليس مِلكًا لك حتى تتصرف فيه كما تشاء، وإنما هو مِلك لله ، ولا يجوز للإنسان أن يستعمل ما يضر صحته، فهذه المسماة بالشمة، هي نوع من الدخان لكنه غير محروق، وهي محرمة ولا تجوز.
وأما بالنسبة لأثرها على الصيام فإنها تفسد الصوم؛ لأنها تتحلل في الفم، ويدخل أجزاء منها إلى الجوف مع الريق، فهي مفسدة للصيام، وعلى من ابتلي بها أن يتوب إلى الله منها، وألا يستخدمها لا في رمضان ولا في غير رمضان، لكنه إذا استخدمها وهو صائم فسد صومه.
المقدم: هذا الأخ من سنوات وهو يستخدم الشمة في رمضان؛ ماذا يقال عن الأيام التي فسدت من صيامه؟
الشيخ: لا بد أن يتصل بأحد أهل العلم لكي ينظر في مدى كونه معذورًا بالجهل أو غير معذور؛ لا ندري عن واقعه هل هو معذور؟ هل هو متأول؟ أو غير معذور؛ فيختلف الحكم بين كونه معذورًا أو غير معذورٍ، فلعله يتصل بأحد المشايخ، أو يتصل بي بعد الحلقة وأستفسر منه عن بعض الأمور ونجيبه إن شاء الله.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
معنا أيضًا سؤال من أحد الإخوة، يسأل عن السجاد في المساجد، يقول: يُعمَل فيها زخرفة، فهل يجوز ذلك، أن تفرش سجادات مزخرفة تؤذي عين المصلي؟
الشيخ: ينبغي أن تصان المساجد عن الزخرفة، فإن زخرفة المساجد أقل أحوالها الكراهة، فهي مكروهة؛ لكونها ربما تشغل المصلي وتلهيه عن صلاته؛ والنبي يقول: ما أُمِرتُ بتشييد المساجدِ [1].
ومعنى التشييد، يعني: الطلاء بالشِّيد أي الجِصِّ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لَتُزَخْرِفُنَّها كما زَخرفت اليهود والنصارى. قال ذلك على سبيل الإنكار، وجاء في حديث أنسٍ : لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد [2]، وإن كان في سنده مقال، فزخرفة المساجد مكروهة عند أهل العلم؛ سواء كانت الزخرفة للجدران أو كانت الزخرفة للفرش، هذه كلها مكروهة، وهي تشغل المصلي.
المطلوب: أن تعمر المساجد بذكر الله ، أن تعمر بالصلوات وبتلاوة القرآن وبالعبادات والتعبد لله فيها، هذا هو المطلوب من المساجد، وليس المطلوب أن تكون بناء للزخرفة وللزينة، وربما أحيانًا في بناء بعض المساجد يصحب البناء نوع من الإسراف عندما يوضع مثلًا، أكثر من منارة للمسجد، ما الداعي لذلك؟ منارة واحدة كافية فلو أخذت قيمة المنارة الزائدة وضعت في مسجد آخر أو وضعت في أمر آخر ينفع المسلمين لكان ذلك أعظم أجرًا وثوابًا، فما الداعي لوضع أكثر من منارة في المسجد، أو وضع هذه الزخارف في المسجد، أو وضع الزخارف حتى في فرش المسجد، هذه كلها من الأمور المكروهة التي ينبغي أن تُجَنَّبَها المساجد.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
أول المتصلين معنا من (جدة) الأخ نايف، تفضل.
السائل: السلام عليكم.
يا شيخ أنا قبل فترة، أكرمنا الله وقمت بإنشاء عمارة سكنية فيها مجموعة من الشقق والمحلات التجارية، وسكنت في بعض الشقق وأجرت الباقي، وكما تعرف، لما قمت ببنائها أخذت مجموعة من الديون من إخواني وأقاربي، الآن، الدخل الموجود أقوم بسداد الديون، هل فيه زكاة في الدخل، أو لا يجب زكاة؟
الشيخ: والدخل طبعًا ما يمضي عليه سنة؟
السائل: لا ما يمضي، أول ما يأتيني أسدد الديون للناس.
المقدم: ما توجيهكم للأخ نايف يا شيخنا؟
الشيخ: نقول: لا زكاة عليك ما دام أن أجرة هذه الشقق لا يمضي عليها سنة كاملة وهي عندك، وتسدد به الديون مباشرة فلا زكاة عليك والحمد لله.
المقدم: معنا من (الرياض) أم عمار، تفضلي.
السائلة: السلام عليكم.
لو سمحت يا شيخ لي سؤالان: أول سؤال: زوجي معه قطعة أرض في مصر اشتراها بقصد الاستثمار، يعني لو زاد ثمنها إن شاء الله سيبيعها، فنحن نعرف أن عليها زكاة، لكن سؤالي: هل الزكاة أخرجها كل سنة، وقبل ذلك سألنا الشيخ مبروك عطية في مصر، فقال لنا: إنها تخرج زكاة سنة واحدة عندما تباع، مع العلم أن ثمنها لا يزيد كثيرًا كل سنة؟
الشيخ: لكن النية جازمة في البيع، ما عندكم تردد في النية يمكن تبنون عليها مسكنًا؟
السائلة: لا، ليس لدينا تردد في النية، نحن نريد أن نعرف كيف نخرج الزكاة، يعني كل سنة أو عندما نبيعها نخرجها سنةً واحدةً؟
السؤال الثاني: نحن ذاهبون -إن شاء الله- إلى مكة من الرياض، ذاهبون إن شاء الله لعمرة فمن الممكن أن نصل قبل الفجر -إن شاء الله- نبدأ العمرة، فهل لو تعبنا يجوز أن نفطر، يعني: نبقى على صيام، أو لا يجوز، ونحن وصلنا، صار لا يصلح أن نفطر؟
المقدم: طيب، تسمعين الإجابة إن شاء الله.
شيخنا سؤال الأخت أم عمار تكرر كثيرًا، إذا كان الإنسان لديه قطعة أرض ويريد بيعها، عَرَضَها للبيع، وبعد سنواتٍ باعها، فهل على كل السنوات يزكي، وهل الزكاة على وقت البيع أو كل سنة، يقدرها ويخرج زكاتها؟
الشيخ: ما دام مالك الأرض جازمًا بنية البيع؛ فيجب عليه أن يزكيها عن كل سنة، ولكن من جهة الإخراج له أن يخرج كل سنة بسنتها، ويجوز أن يؤخر إخراج زكوات السنوات إلى ما بعد البيع، فإذا باعها زكَّى جميع ما مضى من السنوات، فله طريقتان:
- الطريقة الأولى: أن يزكي كل سنة يُقَيِّم الأرض ويزكيها.
- الطريقة الثانية: أن يؤخر الزكاة حتى يبيعها، فإذا باعها زكاها عن جميع السنوات الماضية، وعندما يريد أن يزكي فيزكي الأرض بقيمتها عند تمام الحول، فمثلًا: هذا العام يسأل أهل الخبرة: كم قيمتها؟ ويزكيها، والعام الماضي يسأل أهل الخبرة: كم قيمتها في العام الماضي؟ في العام الذي قبله يسأل أهل الخبرة: كم قيمتها في ذلك العام؟.. وهكذا.
المقدم: تقول سنذهب إلى العمرة، وقد نتعب في أداء العمرة؛ هل يجوز لنا أن نفطر، أو لا نعتبر مسافرين؟
الشيخ: ما دمتم ستذهبون للعمرة والمسافة أكثر من 80 كيلو، فأنتم مسافرون، والمسافر أباح الله له الفطر في نهار رمضان، قال: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، فيجوز لكم الفطر، وتقضون هذه الأيام التي أفطرتموها بعد رمضان.
المقدم: من (الجوف) أم محمد، تفضلي.
السائلة: السلام عليكم ورحمة الله.
الله يعطيكم العافية ويبارك في هذه الإذاعة المباركة، جزاكم الله خيرًا.
أسأل الشيخ عن أوقات الصلوات، أحيانًا هل تدخل أوقات الصلوات قبل وقت التقويم؛ لأن بعض المؤذنين يؤذنون قبل التقويم بوقت يسير، وخاصة العشاء؟
والسؤال الثاني: هل يجوز دفع الزكاة للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن، أو مثلًا لجمعية كفالة الأيتام؟
المقدم: طيب، تسمعين الإجابة إن شاء الله.
شيخنا تكرر السؤال كثيرًا، وقد أجبتم بتفصيل عن دخول وقت صلاة العشاء، وخصوصًا في رمضان، هناك تفاوت في الأذان بين المساجد.
الشيخ: نعم، بالنسبة لوقت الأذان المُثْبَت في التقويم، لا يجوز التقدم عليه إلا في العشاء خاصةً؛ لأن العشاء وضع وقت الأذان في التقويم متأخرًا، وضع عندنا في المملكة متأخرًا ساعتين بعد غروب الشمس، وذلك؛ لأجل التوسعة على الناس، وإلا وقت العشاء الحقيقي يدخل قبل ذلك، ووضع قبل رمضان وبعد رمضان ساعة ونصف على مدار العام، يعني وضع وقتُ أذان العشاء بعد ساعة ونصف من غروب الشمس، وهذا أيضًا من باب التوسعة، وإلا فوقت العشاء أيضًا يدخل قبل ذلك، فهذا من باب التوسعة، فلو أذَّن المؤذن قبل هذا الوقت باعتبار أن الوقت الشرعي قد دخل فلا حرج في ذلك، لكن مع ملاحظة التعليمات من وزارة الشؤون الإسلامية التي أناط بها ولي الأمر تنظيم المساجد، وترتيب المساجد ينبغي لأئمة المساجد أن يلتزموا بتعليمات الوزارة في هذا.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
سؤالها الثاني تقول: هل يجوز دفع الزكاة لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم أو مؤسسات رعاية الأيتام؟
الشيخ: أما بالنسبة لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم فيجوز أن تدفع الزكاة بما تَمَحَّضَ [3] في التحفيظ، وذلك كرواتب معلمي تحفيظ القرآن الكريم، دون ما لم يَتَمَحَّض، فلا توضع الزكاة مثلًا في جوائز لطلاب حلقات التحفيظ، ولا توضع في رحلات، ولا توضع في إعلانات، لكن توضع فيما تَمَحَّضَ، كرواتب المعلمين مثلًا، وذلك؛ لأن تعليم القرآن الكريم داخل في مصرف: في سبيل الله؛ لأن الله تعالى قال: وَجَاهِدْهُمْ بِهِ يعني بالقرآن جِهَادًا كَبِيرًا [الفرقان:52]، سماه الله تعالى جهادًا، ووصفه بالكبير بالجهاد الكبير، ومصرف في سبيل الله يشمل الجهاد في سبيل الله بالسلاح، ويشمل الجهاد في سبيل الله بالدعوة، في أرجح قولي العلماء، وهو القول الذي أقره المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، وذلك؛ لأن الدعوة هي الأصل في الجهاد، وما شرع جهاد السلاح إلا لأجل نشر الدعوة إلى الله تعالى، فيجوز أن يصرف من الزكاة ما تمحض في أمور الدعوة، ومن ذلك أيضًا، في تحفيظ القرآن الكريم، لكن يقتصر على ما تمحض منه كرواتب معلمي التحفيظ.
وأما بالنسبة لجميع كفالة الأيتام، فليس كل يتيم مستحقًّا للزكاة؛ قد يكون اليتيم ورث من أبيه ثروة كبيرة يستغني بها، فعند دفع الزكاة لمؤسسات كفالة اليتيم لا بد أن ينص على أن ذلك المبلغ زكاة، وأنه لا يصرف إلا على اليتامى المستحقين للزكاة، وبعض جمعيات الأيتام أنا وقفت على بعضها، مثل: جمعية الإنسان، زرت بعض فروعها، وذكروا لي أن ما يأخذونه من زكوات لا تصرف إلا للمستحقين للزكاة من الأيتام فقط، فيسأل الذي يَدفع الزكاة القائمين على هذه الجمعية، يقول: عندي زكاة، وأريد ألا تُصرف إلا للمستحقين للزكاة من الأيتام.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
من (تبوك) أبو عبدالملك.
السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عندي أربعة أسئلة:
السؤال الأول: شيخنا دائمًا تكثر كلمة بين الناس عندما يدعو رجلٌ آخرَ لوليمةٍ أو شيءٍ فيريد أن يعمل له غداءً أو عشاءً، يقول: وجه الله عليك. وعذره في هذا يا شيخنا، يقول: إذا لم أقل هكذا، يشعر أنه غير جاد في العزيمة، شيخنا ما حكم من لم يستجب له حتى لو لم تكن عنده ظروف تمنعه؟
السؤال الثاني: بالنسبة للرجل، إذا كان يشق عليه الانتقال بين القيام والجلوس، ويريد أن يقدم ركن السجود على ركن القيام، هل يجب عليه أن يأتي بتكبيرة الإحرام قائمًا ثم يجلس؟ أم يبدأ صلاته جالسًا؟
المقدم: هو لا يستطيع القيام؟
السائل: نعم، هو يمشي ويقوم بصعوبة، ولكن إذا دخل المسجد على قدميه هو الآن عنده صعوبة في الجلوس، يعني البعض الآن قد ينزل على يديه، ويمكن أن يميل على أحد جانبيه الآخر، ربما ينحرف قليلًا عن القبلة، فهل يبدأ جالسًا أم يبدأ تكبيرة الإحرام قائمًا ثم يكمل بقية صلاته جالسًا؟
السؤال الثالث: الإمام إذا سلم سهوًا، مثل من سلَّم بعد التشهد الأول من صلاة المغرب أو العشاء، فما الأفضل للمأموم: هل يسبح وينتظر الإمام حتى يكبر ويتابعه؟ أم ينفصل عنه مباشرة؟ وإذا انفصل عنه والإمام تنبه لهذا، هل يعود المأموم ويتابعه أم يكمل صلاته وحده؟
آخر سؤال: سورة فصلت يا شيخنا، إمام في صلاة الفجر قبل يوم، في الركعة الثانية، عند قوله تعالى الآية 37: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ[فصلت: 37]. ثم ركع، شيخنا، الآن الوقوف عند هذا الموضع يسن أو يستحب سجود السهو أم لا بد أن يكمل بقية الآية؟
الشيخ: الموضع الذي في المصحف؟
السائلة: الإشارة في المصحف عند قوله تعالى: فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ [فصلت:38].
الشيخ: هذا موضع السجود، وهو قدَّم السجود على هذا؟
السائل: نعم يا شيخنا الآية التي قبلها.
المقدم: هو لم يسجد.
السائل: هو لم يسجد يا شيخنا، لكن البعض قال: لماذا لم تسجد؟ قال: لم أصل لموضع السجود.
المقدم: طيب، تسمع الإجابة إن شاء الله، شكرًا جزيلًا للأخ أبو عبدالملك.
شيخنا من الألفاظ الدارجة عند بعض الناس: أنه إذا أراد أن يدعو أحدًا إلى وليمة أو إلى عشاء أو غداء، يقول: وجه الله عليك أن تأتي. ويريد أن يلزمه بذلك حتى لا يقال: إن هذه العزيمة إنما هي من باب المجاملة وليست ملزمة من جهته، فما حكم القول هذا؟ وكذلك حكم من لم يستجب حتى ولو لم يكن عنده عذر؟
الشيخ: نعم، هذه العبارة: وجه الله عليك، تحتمل أن يكون المقصود أنه يستشفع بوجه الله تعالى على هذا المسؤول، وهذا لا يجوز، لا يجوز لأحد أن يستشفع بالله تعالى على أحد من خلقه؛ فإن الله تعالى أعظمُ من أن يستشفع به إلى خلقه؛ لأن مرتبة المشفوع إليه أعلى من رتبة الشافع، فكيف يصح أن يجعل الله تعالى شافعًا عند أحد؟ هذا إذا كان المقصود أن يستشفع بالله تعالى على هذا المسؤول.
ولكن يحتمل أن المقصود بقولهم: وجه الله عليك. أي: جعلت الله بيني وبينك، فإذا كنت تعظم وجه الله فاقبل واستجب لما قلته لك أو لما طلبته منك، فكأنه سؤال بوجه الله، ولا يسأل بوجه الله إلا الجنة، فعلى كلا التقديرين: لا تجوز هذه اللفظة، فلا يجوز أن يقال: وجه الله عليك؛ لأنها تحتمل هذه المعاني غير الجائزة شرعًا.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
سؤاله الثاني يقول: أحدهم يصعب عليه القيام -بلا شك يستطيع السجود- لكن يقول في بداية الصلاة عند تكبيرة الإحرام: هل يشرع له أن يقف ولو كان شاقًّا عليه قليلًا، أو أنه يُكبِّر وهو جالس؟
الشيخ: الأحسن أن يكبر تكبيرة الإحرام وهو قائم، فإن شق عليه القيام جلس؛ لأنه بهذا يصدق عليه أنه اتقى الله ما استطاع، فما دام أن بإمكانه أن يكبر وهو قائم، فإنه يكبر وهو قائم، فإذا شق عليه القيام فإنه يجلس، ويكون معذورًا بهذا الجلوس.
المقدم: إمام سلَّم في التشهد الأول، الآن المأموم ينتظر ويسبح ويخبره بذلك أو أنه ينفصل؟ وإذا انفصل ثم عاد الإمام وأكمل صلاته هل يعود له أو يكمل المأموم صلاته وحده؟
الشيخ: المقصود المأموم المسبوق؟
المقدم: لا يا شيخنا، هو يقول: سلَّم في التشهد الأول، لم يكمل صلاته.
الشيخ: يعني صلى ركعتين ثم سلم سهوًا؟
المقدم: سهوًا.
الشيخ: طيب، والمأموم نبهه على هذا؟
المقدم: أظنه يَفترِض ذلك، يقول: هل يُنَبهه، أو أنه يقوم المأموم وينفصل بصلاته ويكمل الركعتين الباقيتين، أو الركعة إذا كانت صلاة المغرب؟
الشيخ: الواجب على المأموم أن ينبهه إذا سلَّم من التشهد الأول، معنى ذلك أنه لم يكمل صلاته وسلم سهوًا، فالمأموم ينبهه على ذلك، يقول: سبحان الله؛ حتى يقوم ويأتي بما تبقى، فإن لم يستجب فإنه إذا سلَّم يقوم المأموم، ويكمل لنفسه.
المقدم: يقول: في إحدى الصلوات قرأ الإمام بسورة فصلت، وأتى بالآية التي فيها لفظ السجود، لكن موضع السجود في الآية التي بعدها المتأخرة عنها، وهو ركع قبل أن يقرأ بالآية التي فيها موضع السجود، وبعد الصلاة قالوا: لماذا لم تسجد؟ قال: لم أبلغ هذا المكان؟
الشيخ: فعل هذا الإمام لا ينبغي؛ لأنه قرأ جزءًا من آية السجود: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [فصلت:37]، ثم ركع، وتكملتها: فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ [فصلت:38]، وهو قد قرأ جزءًا من آية السجود؛ فكان ينبغي أن يسجد، أو أن يكملها ويسجد، وهذا هو الأكمل، لكن بكل حال سجود التلاوة ليس واجبًا؛ وإنما هو مستحب، فالأمر في هذا واسع.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
من رسائل الجوال أحد الإخوة يقول: هل هذا الدعاء صحيح: «اللهم لك صائمين، وعلى رزقك مفطرين»، هو منتشر عند الناس بأكثر من لفظ، لكنه في الغالب أن الناس يقولون: أفطرت على فضلك، وصمت على طاعتك؟
الشيخ: نعم، روي في ذلك حديث عن النبي أنه كان إذا أفطر قال: اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت [4]، وهذا الحديث أخرجه أبو داود، لكنه حديث ضعيف، أخرجه أبو داود مرسلًا، والمرسل من أقسام الضعيف؛ فهو حديث ضعيف لا يصح عن النبي ، حتى لو أتوا بصيغة الجمع: اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا، هذا الحديث حديث ضعيف، فلا يؤتى بهذا الذكر، وإنما الذي ثبت أنه يقول: ذهب الظمأ، وابتَلَّتِ العروق، وثَبَتَ الأجر إن شاء الله [5]، يقول هذا بعدما يفطر إن كان قد ظمئ بالفعل، وإن كان لم يظمأ لا يأتي به، لكن لو أتى بأي دعاء من غير أن يعتقد أن هذا سنةٌ فلا بأس، والصائم له عند فطره دعوة لا ترد، لكن لا يأتي بهذا الدعاء على أنه سنةٌ: «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت»؛ لأنه لم يثبت عن النبي .
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
من (مكة) الأخت أم ريوف، تفضلي.
السائلة: السلام عليكم ورحمة الله.
يا فضيلة الشيخ، لدي أربعة أسئلة:
السؤال الأول: هل يجوز دفع الزكاة لمن عليه عتق رقبة من القصاص؛ لأن الدية، بعضَ الأحيان، تكون مليونًا، مليونين، هل من الممكن أن أدفع زكاة مالي لعتق هذه الرقبة من القصاص؟
السؤال الثاني: إذا أردت العمرة أقول: لبيك عمرة. تلفظًا أم نيةً في قلبي، كذلك الحال في الطواف، هل أقول: نويت الطواف. تلفظًا أم نيةً في قلبي؟
السؤال الثالث: من أخَّرَت قضاء رمضان إلى رمضان الذي بعده، وطبعًا يلزمها القضاء، لكن مع القضاء هل يلزمها كفارة؟ إن كان يلزمها كفارة، ما مقدارها؟ يعني كم صاعًا؟ وهل يمكن أن تخرجها إطعامًا، يعني مثلًا: أعطيهم طعامًا يكفيهم من عشاء أو إفطار.
المقدم: قبل ذلك أم ريوف، التأخر هذا لعذر أو بدون عذر؟ تسويف يعني؟
السائلة: والله هي جاهلة صغيرة، يعني يمكن تفريط منها.
هناك مادة تسمى (البروتين) تستخدم لفرد الشعر، هل يجوز استعمالها أم لا؟ أنا لا أعلم هل هي تسوي طبقة عازلة أم لا؟ وجزاكم الله خيرًا.
المقدم: شكرًا جزيلًا للأخت أم ريوف.
شيخنا: سؤالها الأول: هل يجوز الزكاة أن تدفع لمن عليه مبلغ كبير لا يعتبر دية، وإنما يكون هناك عتق له من القصاص؛ لأن أهل المقتول يطلبون ملايين الريالات، فالمساهمة في ذلك، هل هو مصرف من مصارف الزكاة؟
الشيخ: ما دام أن هذا القتل هو قتل عمد، وطلب أولياء الدم الدية، أو مبلغًا فوق الدية وهو الصلح، فيعتبر هذا المبلغ دَينًا في ذمة هذ القاتل، وهو دَين مشروط إن سدد هذا الدَّين وإلا فإنه سيقاد، فيكون هذا القاتل من الغارمين؛ لأنه عليه دَين في ذمته، وهو عاجز عن سداده، وعلى هذا؛ فيجوز أن يُعطى من الزكاة لسداد هذا الدَّين.
وهذا بخلاف القتل الخطأ وشبه العمد؛ لأن القتل الخطأ وشبه العمد الدية لا تجب على القاتل إنما تجب على عاقلته، فإذا كانت عاقلته قادرة على دفع الدية لم يجز أن يعطوا من الزكاة، لو كانت العاقلة فقيرة، كلهم فقراء، جاز إعطاؤهم من الزكاة.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
سؤالها الثاني، تقول: هل عندما أريد الدخول في العمرة أتلفظ بـ: لبيك اللهم عمرة. وكذلك عند بداية الطواف، هل أتلفظ كذلك أم أنوي نية أن أطوف؟
الشيخ: يشرع لها أن تتلفظ بالإهلال بالنسك وليس بالنية، فتقول: اللهم لبيك عمرة، وعند الحج تقول: اللهم لبيك حجًّا، هذا يسميه العلماء الإهلال، بعدما تغتسل وتصلي أيضًا صلاة مشروعة، بعد ذلك تقول: لبيك عمرة. أو: اللهم لبيك عمرة. تتلفظ بهذا اللفظ هكذا: لبيك عمرة، أو: اللهم لبيك عمرة، ولا تقل: اللهم إني نويت لك عمرة. لأن النية محلها القلب، النية لا يتلفظ بها، لكنها تتلفظ بالإهلال بالنسك؛ كما فعل النبي ، تقول: لبيك عمرة. أو: اللهم لبيك عمرة.
المقدم: من فرطت في قضاء رمضان حتى دخل عليها رمضان الآخر، مع القضاء عليها إطعام؟ وكيف هذا الإطعام؟
الشيخ: من أخَّرت قضاء رمضان حتى أدركها رمضان من العام الذي بعده، فيجب عليها:
أولًا: أن تبادر للقضاء؛ فإن الله تعالى يقول: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184].
وأما وجوب الإطعام: فإن كانت معذورة فلا يجب عليها الإطعام، وإذا كان ذلك بغير عذر فقد اختلف العلماء في وجوب الإطعام عليها؛ فذهب بعضهم إلى أنه يجب عليها أن تطعم عن كل يوم مسكينًا، وهذا روي عن بعض الصحابة؛ روي عن أبي هريرة وعن ابن عباس رضي الله عنهم، وقال بعض أهل العلم: إن ذلك لا يجب، وإنما يستحب، وهذا هو القول الراجح؛ لأن الله تعالى لم يذكر سوى القضاء: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، ولا نستطيع أن نلزم عباد الله بما لم يلزمهم به الله ؛ فالقول الراجح: أنه يجب القضاء فقط، لكن يستحب الإطعام، يستحب ولا يجب، أن تطعم عن كل يوم مسكينًا.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
بقي لها سؤال يا شيخنا: هناك مادة تسمى (البروتين) لفرد الشعر، هل تعلم عنها يا شيخنا؟ وهل هي تكون عازلة للوضوء ووصول الماء؟
الشيخ: هذه المادة تحتاج إلى تصور لكونها عازلة، وأنها مادة سميكة أو طبقة تعزل الماء عن أن يصل إلى الشعر أم لا؟ لكن على تقدير: وجود هذه الطبقة العازلة، طبعًا إن لم يكن هناك طبقة عازلة؛ وإنما كانت مجرد لون، فهذه لا تؤثر لا في الوضوء ولا في الغسل، لكن على تقدير أن لها مادةً عازلةً، وأنها تمنع وصول الماء إلى الشعر، فهذا لا يضر بالنسبة للوضوء، فتتوضأ وتمسح شعرها فوق هذه المادة، ولا يضر، والنبي في حجة الوداع وضع على شعر رأسه تَلْبِيدًا [6]، وكان يمسح فوقه، لكن إذا أرادت الاغتسال فإن كانت هذه مادة ولها جِرْم فلا بد من إزالتها قبل الاغتسال.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
المتصلة الأخيرة من (الطائف) الأخت لمى، تفضلي.
السائلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عندي سؤال: إذا ظهرت الكُدْرَة والصُّفْرة قبل الحيض بيوم، فما الواجب في الصلاة والصيام، هل أعدها حيضًا أو لا؟ وما الواجب عليَّ عند الصلاة، هل أصلي أو لا؟
الشيخ: لكن هي متصلة بالحيض؟
السائلة: هي في أيام الحيض، تنزل الكدرة والصفرة في أيام الحيض.
المقدم: شكرًا جزيلًا للأخت لمى تسمعين الإجابة.
شيخنا هذه ما تسمى بالإفرازات في وقت الحيض، تعتبر من الحيض؟
الشيخ: نعم الإفرازات أو ما تسمى بالكدرة والصفرة في وقت الحيض تعتبر من الحيض، وتأخذ حكم دم الحيض.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم. هنا سؤال -يا شيخنا- من أسئلة جوال البرنامج، يقول: ما حكم دفع الزكاة لأخي، كونه طالب في الجامعة، ويعيش مع والدي، علمًا بأن أخي ليس لديه عمل، ويحتاج مصاريف الدراسة، وصيانة السيارة للمواصلات وغير ذلك، ووالده كبير في السن وليس لديه وظيفة، وهو مستور الحال؟
الشيخ: لا بأس بدفع الزكاة لأخيك؛ لأنك غير وارث له في هذه الحال، ما دام أن الوالد موجود، بل إن دفعك الزكاة لأخيك، ما دام بالوصف الذي ذكرت، أفضل من دفعها لغيره؛ لأنها تجمع بين الزكاة وصلة الرحم.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك فيكم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة الإمام، أن كنتم معنا، وأجبتم على أسئلة الإخوة والأخوات.
الشيخ: وشكرًا لكم، وللإخوة المستمعين.
الحاشية السفلية
^1 | رواه أبو داود: 448. |
---|---|
^2 | رواه أبو داود: 449، والنسائي: 688، وابن ماجه: 739. |
^3 | المَحْض من كل شيء: الخالص الذي لا يخالطه غيره، أي ما كان متعلقا بالتحفيظ خاصة، وينظر المصباح المنير للفيومي: (م ح ض). |
^4 | رواه أبو داود: 2358. |
^5 | رواه أبو داود: 2357. |
^6 | التلبيد: أن يجعل المحرم في رأسه شيئا من صمغ ليتلبد شعره لئلا يشعث، ينظر مختار الصحاح للرازي: (ل ب د). |