الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(194) أحكام الزكاة- زكاة العقار وزكاة المساهمات المتعثرة
|categories

(194) أحكام الزكاة- زكاة العقار وزكاة المساهمات المتعثرة

مشاهدة من الموقع

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

لا يزال الحديث موصولًا عن أحكام زكاة عروض التجارة، وأتحدث معكم في هذه الحلقة عن جملة من المسائل المتعلقة بها، وأبتدئ الحديث عن زكاة العقار المعدِّ للتجارة.

زكاة عروض التجارة

زكاة العقار

فالعقار الذي يباع فيه ويُشترى ويريد أصحابه منه التجارة تجب فيه الزكاة، ويُزكّى زكاة عروض التجارة، وبناءً على ذلك تجب الزكاة في المساهمات العقارية وتُزكّى زكاة عروض التجارة، بحيث يقدَّر عند تمام الحول من كل سنة نسبة الربح مع أصل الأسهم، ويُخرج ربع عشر قيمتها.

وأما العقار الذي يتخذه الإنسان لسكنى فلا زكاة فيه، وهكذا العقار الذي يُؤجِّره لا زكاة في أصله؛ وإنما تجب الزكاة في غلّته إذا حال عليها الحول، ومثل ذلك المستغلّات عمومًا لا تجب الزكاة في أصولها، وإنما تجب في غلّتها إذا حال عليها الحول.

فالمصنع لا تجب الزكاة في أصله؛ وإنما تجب في غلّته، وكذا المغسلة لا تجب الزكاة في أصلها؛ وإنما تجب في غلّتها إذا حال عليها الحول، وسيارة الأجرة لا تجب الزكاة في أصولها؛ وإنما تجب في غلّتها.

حكم الزكاة في أصول العقارات والأراضي المأجورة

وقد صدر في هذا قرارٌ من مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وجاء فيه: أن الزكاة غير واجبة في أصول العقارات والأراضي المأجورة، وأن الزكاة إنما تجب في الغلّة وهي -أيْ الزكاة- ربع العشر بعد دوران الحول مع اعتبار توافر شروط الزكاة وانتفاء الموانع.

حكم زكاة المساهمات المتعثرة

وأما زكاة المساهمات المتعثِّرة التي دخل المساهمون فيها بنية التجارة، ولكن هذه المساهمات تعثَّرت لأي سببٍ من الأسباب فهل تجب فيها الزكاة؟

هذه المسألة يمكن أن تُخرَّج على ما ذكره الفقهاء في مسألة زكاة المال الضمار، والمال الضمار هو المال الغائب الذي لا يُرجى عوده.

وقد اختلف الفقهاء في حكم زكاته؛ فذهب الحنفية إلى أنه لا تجب فيه الزكاة مطلقًا.

وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه تجب فيه الزكاة إذا قبضه لجميع ما مضى من السنين.

وذهب المالكية إلى أنه يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة فقط.

وهذا القول الأخير هو الأظهر في هذه المسألة والله تعالى أعلم؛ وذلك لأنه في السنة التي قبضه فيها قد أصبح مقدورًا عليه ووجبت فيه الزكاة لتلك السنة، وأما ما قبلها من السنوات فهو غير مقدورٍ عليه وخارجٌ عن يده وتصرُّفه، ومن شروط وجوب الزكاة الملك التام للمال، وهو غير متحقق في تلك السنوات.

ثم إن الزكاة إنما تجب في المال النامي وما في حكمه، وهذا المال الضمار ليس بنامٍ في تلك السنوات، فلا تجب الزكاة فيه.

ومما يدل لهذا ما رواه ابن أبي شيبة عن عمرو بن ميمون قال: أخذ الوالي في زمن عبدالملك بن مروان من مال رجلٍ فأُدخِل في بيت المال، فلما ولي عمر بن عبدالعزيز أتاه ولده فرفعوا مظلمتهم إليه، فكتب عمر إلى ميمون: ادفعوا إليهم أموالهم، وخذوا زكاة عامهم هذا، فلولا أنه كان مالًا ضمارًا أخذنا منه زكاة ما مضى.

وهذه القصة تدل على أن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله يرى أن المال الضمار إنما يزكى لسنة واحدة فقط إذا قبضه، دون ما مضى من السنين.

وتفريعًا على هذه المسألة أقول: إن زكاة أسهم الشركات المتعثِّرة هي كزكاة المال الضمار الذي ذكره الفقهاء، وحيث إنه قد ترجّح في المال الضمار أنه يزكيه صاحبه إذا قبضه لسنة واحدة فقط، فكذلك نقول في المساهمات المتعثِّرة يزكيها أصحابها إذا قبضوها لسنة واحدة فقط، والله تعالى أعلم.

حكم إخراج العروض في زكاة عروض التجارة

ومن المسائل المتعلقة بزكاة عروض التجارة: إخراج العروض في زكاة عروض التجارة بدلًا من القيمة؛ فإن الأصل في زكاة عروض التجارة أنها تُخرج من القيمة فلا تُخرج من عين ما أُعِدَّ للتجارة، ولكن لو أراد الإنسان أن يُخرج زكاة عروض التجارة من العروض نفسها فهل يسوغ ذلك؟

مثال ذلك: رجلٌ يتعامل بالتجارة وأراد أن يدفع زكاته للفقراء، لكن بدلًا من أن يخرجها نقدًا أراد أن يخرجها عروضًا، كأن يدفع لهم مواد غذائية من أرز وسكر ونحوهما، أو يدفع لهم ما يحتاجون إليه من كسوة وملابس ونحو ذلك، فهل يسوغ ذلك؟

اختلف العلماء في هذه المسألة، فذهب الجمهور إلى أن زكاة عروض التجارة لا تجزئ من العروض، بل لا بد أن تكون نقدًا؛ لأنها إنما تجب في قيمة العروض لا في العروض نفسها.

وذهب الحنفية إلى أنه مخيَّرٌ بين إخراج الزكاة من قيمة السلع أو من عينها، وقد بوّب البخاري في صحيحه بقوله: باب العرض في الزكاة، ثم قال: وقال طاووس: قال معاذ  لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثيابٍ خميص -وهو ثوبٌ طوله خمسة أذرع- أو لبيس -أيْ ملبوس-، والصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخيرٌ لأصحاب النبي  بالمدينة.

وذهب بعض العلماء إلى أنه يجوز دفعها من العروض للحاجة أو المصلحة الراجحة، ولا يجوز لغير ذلك، وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال: “هذا القول هو أعدل الأقوال في هذه المسألة”.

ولعل هذا القول هو القول الراجح في هذه المسألة، والله تعالى أعلم.

وبناءً على هذا لو أن رجلًا أراد أن يدفع زكاته لفقير، لكنه يعلم من حال هذا الفقير أنه سيئ التدبير لأمواله أو أنه ربما صرف المال الذي يأخذه من الزكاة في معصية؛ فلا بأس أن يشتري صاحب الزكاة بزكاته ما يحتاج إليه هذا الفقير من مواد غذائية وكسوة، ونحو ذلك، ويسلّمها له بدلًا من أن يسلّمها إليه نقدًا؛ لأن المصلحة في إعطائه الزكاة عروضًا أرجح من إعطائه إياها نقدًا.

وعلى هذا أقول أيها الإخوة: لا بأس أن تتعاقد الجمعيات الخيرية مع محلات مواد غذائية على أن تدفع لها تلك الجمعيات زكوات وتعطيها قائمة بأسماء أسر فقيرة لتشتري هذه الأسر من تلك المحلات حوائجها الأساسية، وأسوق هذه الفكرة للإخوة القائمين على تلك الجمعيات؛ إذ الغالب على حال كثير من الأسر الفقيرة هو سوء التدبير للمال، فإذا أُعطوا الزكاة نقدًا ربما لم يحسنوا تدبيرها، ولكن بتطبيق هذه الفكرة المتفرّعة من القول الراجح الذي اختاره جمْعٌ من المحققين من أهل العلم يمكن أن تُكفى أسَرٌ فقيرة حوائجها الأساسية من الطعام والكسوة على مدار العام والله الموفق.

وعلى المتعاملين بالتجارة أن يُعنوا بضبط زكوات تجاراتهم، وأن يخرجوها إلى المستحقين، وأن يسألوا أهل العلم عمّا يشكل عليهم من أحكامها؛ فإن من الناس من يفتي نفسه بنفسه في زكاة ماله ولا يسأل العلماء عنها مخافة أن يُفتى بوجوب الزكاة فيها أو في أنواعٍ منها فيشقُّ عليه إخراجها، وهذا لا يعفيه من المسؤولية، وليس بعذرٍ له أمام الله تعالى، ولو أن المتعاملين بالتجارة أخرجوا جميع زكواتهم وأوصلوها للمستحقين لسُدّت حاجات كثير من الفقراء والمساكين، والموفَّق من وفّقه الله تعالى.

وإلى الملتقى في الحلقة القادمة إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مواد ذات صلة