الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(197) أحكام الزكاة- الرقاب والغارمون
|categories

(197) أحكام الزكاة- الرقاب والغارمون

مشاهدة من الموقع

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

لا يزال الحديث موصولًا عن أهل الزكاة، وكنا قد وصلنا إلى الصنف الخامس: وهم الرقاب.

أهل الزكاة

الصنف الخامس: الرقاب

لقول الله تعالى: وَفِي الرِّقَابِ [التوبة:60]، والرقاب جمع رقبة، والمراد بها: الأرقّاء، فتُصرف الزكاة في الأرقّاء، وهم المكاتبون الذين اشتروا أنفسهم من أسيادهم، وهو مأخوذٌ من الكتابة؛ لأن هذا العقد تقع فيه الكتابة بين السيّد والعبد.

ولكن قد انقطع الرِّقُّ في العصر الحاضر فلم يعد الرِّقُّ موجودًا، وقد أصبحت القوانين الدولية تمنع من الرِّقّ، وكذلك جميع دول العالم تمنع رسميًا من الرِّقّ، ولكن قال أهل العلم إنه يأخذ حكم الرقيق في هذه المسألة الأسير المسلم، فيجوز أن يُشترى من الزكاة ما يُفكُّ به الأسير المسلم.

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “يجوز أن يُشترى بها أسيرًا مسلمًا، نص عليه الإمام أحمد؛ لأنه فكُّ رقبةٍ من الأسر فهو كفكِّ رقبة العبد من الرِّقُّ، ولأن فيه إعزازًا للدين فهو كصرفه إلى المؤلفة قلوبهم، ولأنه يدفعه إلى الأسير في فكِّ رقبته أشبه ما يدفعه إلى الغارم لفكِّ رقبته من الدين”.

والأسر تارة يكون بالقتال، وتارة يكون بالاغتصاب، وهو ما يسمى في الوقت الحاضر بالاختطاف، فمن اختُطِف فهو أسيرٌ يُفكُّ من الزكاة.

الصنف السادس: الغارمون

والغارمون ينقسمون إلى قسمين: غارمون لإصلاح ذات البين، وغارمون لأنفسهم.

أولًا: الغارمون لإصلاح ذات البين

أما الغارمون لإصلاح ذات البين فيُعطون من الزكاة بمقدار ما غرموا ولو كانوا أغنياء.

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “من غرِم لإصلاح ذات البين، وهو أن يقع بين الحيّين أو أهل القريتين عداوةٌ وضغائن يتلف بها نفسٌ أو مالٌ ويتوقّفُ صلحهم على من يتحمَّل ذلك، فيسعى إنسانٌ في الإصلاح بينهم ويتحمَّل الدماء التي بينهم والأموال فيسمى ذلك (حَمَالة) بفتح الحاء، وكانت العرب تعرف ذلك فكان الرجل منهم يتحمّل الحمالة ثم يخرج في القبائل فيسأل حتى يؤديها، فورد الشرع بإباحة المسألة فيها وجعل لهم نصيبًا من الصدقة، فروى مسلم بإسناده عن قبيصة بن المخارق قال: تحمّلت حمالة فأتيت النبي وسألته فيها، فقال: أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها، ثم قال: يا قبيصة! إن الصدقة لا تحل إلا لثلاثة: رجلٌ تحمّل حمالة فيسأل فيها حتى يؤديها ثم يمسك، ورجلٌ أصابته جائحةٌ فاجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتى يصيب سدادًا من عيش أو قال: قوامًا من عيش، ورجلٌ أصابته فاقة حتى يشهده ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلانًا فاقة، فحلّت له المسألة حتى يصيب سدادًا أو قال: قوامًا من عيش، وما سوى ذلك فهو سحتٌ يأكلها صاحبها سحتًا يوم القيامة [1]”.

ولكن الغارم لإصلاح ذات البين إنما يُعطى من الزكاة إذا التزم للطائفتين المتنازعتين ولم يوفِ من ماله، فهنا ذمّته مشغولة وحينئذ يُعطى من الزكاة.

وهكذا إذا وفّى من ماله بنية الرجوع على أهل الزكاة فيُعطى من الزكاة لئلا يُسدَّ باب الإصلاح، وقد قال الله تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114].

أما إذا كان هذا الذي قد دفع من ماله لإصلاح ذات البين، قد دفع بنية التقرُّب إلى الله تعالى فإنه لا يُعطى من الزكاة؛ لأنه أخرج هذا المال لله تعالى فلا يجوز له الرجوع فيه، وهكذا إذا دفع من ماله ولم يكن بباله الرجوع على أهل الزكاة فإنه لا يُعطى من الزكاة.

ثانيا: الغارمون لأنفسهم

الصنف الثاني من الغارمين: الغارمون لأنفسهم، وذلك بأن تلحقهم ديونٌ وهم عاجزون عن سدادها، ولا بد من أن تكون هذه الديون حالّة وأن يعجزوا عن سدادها، وليس كل مدينٍ تحل له الزكاة، وأكثر التجار في الوقت الحاضر عليهم ديونٌ والتزامات، ولهذا فإن المدين الذي تحل له الزكاة هو المدين الذي حل عليه الدين وهو عاجزٌ عن سداده.

حكم إعطاء الدائن الزكاة من غير تمليك المدين لها

وهل يجوز أن نذهب إلى الدائن وأن نعطيه الزكاة سدادًا عن ذلك المدين من غير أن نملّك المدين هذه الزكاة؟

الجواب: نعم، يجوز ذلك؛ لأن الله تعالى قال: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60]، فأتى ب (اللام) الدالة على التمليك، ولهذا لا بد من تمليك الفقراء والمساكين الزكاة هذا هو الأصل في ذلك.

وأما بالنسبة للرقاب والغارمين قال: وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ [التوبة:60]، فلم تأت (اللام) الدالة على التمليك، وإنما أتت بـ (في) بحرف الجر والتقدير (وفي الغارمين)، وحينئذ يجوز أن ندفع الزكاة إلى الدائنين مباشرة.

هل الأولى دفع الزكاة للغارم أم للغريم؟

ولكن هل الأولى أن نسلِّم الزكاة للغارم ونعطيه إياها ليدفعها إلى الغريم، أو ندفعها للغريم مباشرة؟

الجواب: نقول في هذا تفصيل: إذا كان الغارم ثقة حريصًا على وفاء دينه فالأفضل إعطاؤه إياها ليتولى الدفع عن نفسه، حتى لا يخجل ولا يُذمّ أمام الناس.

أما إذا كان يُخشى أن يفسد هذه الدراهم فإننا لا نعطيه إياها، بل نذهب إلى الغريم مباشرة ونسدد دين هذا الغارم.

حكم تسديد ديون الميت من الزكاة

وإذا مات إنسانٌ وعليه ديون فهل يجوز أن تُسدد ديونه من أموال الزكاة؟

أما إذا كان له تركة فهو غنيٌ بتركته ويجب على الورثة أن يدفعوا الزكاة من هذه التركة، لكن إذا لم يخلِّف تركة تفي بسداد تلك الديون، فهل يجوز أن تُسدد ديون هذا الميت من أموال الزكاة؟

اختلف العلماء في هذه المسألة، والذي عليه أكثر أهل العلم أنه لا يجوز قضاء ديون الميت من أموال الزكاة، بل إن أبا عبيد في الأموال وابن عبدالبر قد حكياه إجماعًا، وإن كانت المسألة ليست محل إجماع كما أشرنا ففيها خلافٌ بين أهل العلم.

لكن القول الصحيح وهو الذي عليه أكثر أهل العلم أنه لا يجوز قضاء ديون الميت من الزكاة؛ وذلك لأن النبي كان لا يقضي ديون الأموات من الزكاة، فكان يؤتى بالميت وعليه دينٌ فيسأل هل ترك وفاءً؟ فإن لم يترك لم يصلِّ عليه، وإن قالوا: له وفاءٌ صلى عليه، فلما فتح الله عليه وكثر عنده المال؛ صار يقضي الدين بما فتح الله عليه عن الأموات، ولو كان قضاء الدين عن الميت من الزكاة جائزًا لفعله النبي .

ثم إنه لو فُتِح هذا الباب لعطّل قضاء ديون كثير من الأحياء؛ لأن العادة أن الناس يعطفون على الميت أكثر مما يعطفون على الحي، والأحياء أحق بالوفاء من الأموات؛ وذلك لأن الحي المدين يلحقه ذِلُّ الدين، بخلاف الميت فإن ذمّة الميت قد خربت بموته فلا يُسمى: غارمًا.

ثم إن الميت إن كان قد أخذ أموال الناس يريد أداءها وعجز عن ذلك أدى الله تعالى عنه، وإن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله تعالى ولم ييسر له تسديد الدين.

ثم إن فتح هذا الباب ربما يفتح باب الطمع والجشع من الورثة، فيمكن أن يجحدوا مال الميت ويقولوا: هذا مدينٌ، ولهذا فالأقرب والله أعلم ما ذهب إليه جماهير الفقهاء من أنه لا تُسدَّد ديون الميت من الزكاة، وإنما هذا خاصٌ بالغارمين الأحياء.

هذا هو ما اتسع له وقت هذه الحلقة، ونلتقي بكم على خير في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 1044.
مواد ذات صلة