الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(199) أحكام الزكاة- أصناف من يعطون من الزكاة مع غناهم
|categories

(199) أحكام الزكاة- أصناف من يعطون من الزكاة مع غناهم

مشاهدة من الموقع

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

حياكم الله تعالى في هذه الحلقة الجديدة من هذا البرنامج، والتي أتحدث فيها معكم عن جملة من المسائل المتعلقة بإخراج الزكاة، وأبتدئ الحديث عن مسألة العاجز عن الحج: هل يجوز أن يُعطى من الزكاة ما يحج به؟

حكم إعطاء العاجز عن الحج من الزكاة

اختلف أهل العلم في هذه المسألة:

  • فمن العلماء من أجاز ذلك ورأى أن هذا يدخل في مصرف في سبيل الله، وهذا القول قد روي عن الإمام أحمد، وقد روي فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما الحج في سبيل الله، وأن رجلًا جعل ناقة له في سبيل الله فأرادت امرأته الحج، فقال لها النبي : اركبيها فإن الحج من سبيل الله [1]، رواه أبو داود.
  • وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يُعطى العاجز عن الحج لأجل أن يحج من أموال الزكاة، فلا يُصرف من الزكاة في الحج، وهذا هو الذي ذهب إليه جمهور العلماء، قال به أبو حنيفة ومالك والشافعي، وأحمد في الرواية المشهورة.

وقد اختار هذا القول الموفق ابن قدامة رحمه الله، قال الموفق رحمه الله: “وهذا القول هو الأصح؛ لأن سبيل الله عند الإطلاق إنما ينصرف إلى الجهاد، فإن كل ما في القرآن من ذِكر سبيل الله إنما أُريد به الجهاد إلا اليسير، فيجب أن يُحمل ما في آية الزكاة على ذلك؛ لأن الظاهر إرادته به، ولأن الزكاة إنما تُصرف إلى أحد رجلين محتاج إليها كالفقراء والمساكين وفي الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم، أو من يحتاج إليه المسلمون كالعامل والغازي والمؤلَّف، والغارم لإصلاح ذات البين، والحج للفقير لا نفع للمسلمين فيه، ولا حاجة بهم إليه، ولا حاجة به أيضًا لأن الفقير لا فرض عليه فيسقطه، ولا مصلحة له في إيجابه عليه، وتكليفه مشقةٌ قد رفّهه الله منها، وخفف عنه إيجابها، وتوفير هذا القدر -يعني من الزكاة- على ذوي الحاجة من سائر الأصناف، أو دفعه في مصالح المسلمين أولى..

قال رحمه الله: وأما الخبر، يعني حديث: أن رجلًا جعل ناقةً له في سبيل الله، فأرادت امرأته الحج، فقال لها النبي : اركبيها فإن الحج من سبيل الله، فلا يمتنع أن يكون الحج من سبيل الله، والمراد بالآية غيره.

أصناف من يُعْطَون من الزكاة مع غناهم

ومن المسائل المتعلقة بإخراج الزكاة: ألا يُعطى أحدٌ من أصناف أهل الزكاة مع الغنى إلا أربعة: العاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، والغارمون لإصلاح ذات البين، والغزاة في سبيل الله.

أما العاملون عليها فيجوز لهم الأخذ مع الغنى باتفاق العلماء؛ وذلك لأن العامل يأخذ أجر عمله، ولأن الله تعالى جعل العامل صنفًا غير الفقراء والمساكين، فلا يُشترط وجود معناهما فيه، كما لا يُشترط وجود معناه فيهما.

وكذلك المؤلفة قلوبهم يُعطون مع الغنى بظاهر الآية، ولأنه يأخذ لحاجتنا إليه أشبه العامل، ولأنهم إنما أُعطوا لأجل التأليف، وذلك يوجد مع الغنى.

وأما الغارمون لإصلاح ذات البين، والغزاة في سبيل الله، فيجوز الدفع إليهم مع الغنى في قول جماهير أهل العلم.

وخمسة من أصحاب الزكاة لا يأخذون إلا مع الحاجة، وهم: الفقراء، والمساكين، والمكاتبون، والغارمون لمصلحة أنفسهم، وابن السبيل، فهؤلاء إنما يأخذون لحاجتهم لا لحاجتنا إليهم، إلا أن ابن السبيل إنما تُعتبر حاجته في مكانه وإن كان له مالٌ في بلده؛ لأنه الآن كالمعدوم.

أقسام أهل الزكاة حسب أخذهم لها

ومن المسائل المتعلقة بهذا الباب: أن أصناف الزكاة قسمان:

قسمٌ يأخذون أخذًا مستقرًا، فلا يُراعى حالهم بعد الدفع، وهم: الفقراء والمساكين، والعاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، فمتى أخذوا الزكاة ملكوها ملكًا مستقرًا لا يجب عليهم ردها بحال.

وقسمٌ يأخذون أخذًا مراعى، وهم أربعة: المكاتبون، والغارمون، والغزاة في سبيل الله، وابن السبيل.

فإن صرفوه في الجهة التي استحقوا الأخذ لأجلها وإلا استُرجِع منهم.

والفرق بين هذا القسم والذي قبله: أن هؤلاء أخذوا لمعنى لم يحصل بأخذهم للزكاة، والقسم الأول حصل المقصود بأخذهم، وهو غنى الفقراء والمساكين، وتأليف المؤلَّفين، وأداء أجر العاملين.

وإن قضى المذكورون في القسم الثاني حاجتهم، وفَضَلَ معهم فضلٌ ردّوا الفضل؛ لأنهم أخذوه للحاجة وقد زالت.

اعتبار البيِّنة في المستحق للزكاة

ومن المسائل المتعلقة بهذا الباب: أن من ادّعى الفقر ممن عُرِف بالغنى لم يُقبل قوله إلا ببيّنة؛ لقول النبي : إن المسألة لا تحل لأحدٍ إلا لثلاثة: رجلٌ أصابته فاقة حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلانًا فاقة فحلّت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش أو سدادًا من عيش [2]، رواه مسلم، ولأن الأصل بقاء الغنى فلم يُقبَل قوله بمجرده فيما يخالف الأصل.

وهل يُعتبر في البيّنة على الفقر ثلاثة أو يُكتفى باثنين؟

هذا محل خلافٍ بين أهل العلم، والأقرب والله أعلم: أنه لا بد من ثلاثة؛ وذلك لحديث قبيصة رضي الله عنه السابق: حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلانُا فاقة [3].

وإن ادّعى إنسانٌ أنه غارمٌ أو أنه ابن سبيل لم يُقبل قوله إلا ببيّنة؛ لأن الأصل عدم ما يدّعيه، وبراءة الذمة، أما إن ادّعى أنه فقير، إن ادّعى الفقر من لم يُعرف بالغنى فيُقبل قوله؛ لأن الأصل عدم الغنى.

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “إذا كان الرجل صحيحًا جلدًا، وذكر أنه لا كسب له أُعطي من الزكاة، وقُبِل قوله بغير يمين إذا لم يعلم كذبه؛ لأن النبي أعطى الرجلين اللذين سألاه ولم يحلّفهما، وفي بعض الروايات أنه قال: “أتينا النبي فسألناه من الصدقة، فصعّد فينا النظر فرآنا جلدين، فقال: إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب[4]، رواه أبو داود.

قال رحمه الله: وإن رآه متجملًا قُبِل قوله أيضًا؛ لأنه لا يلزم من ذلك الغنى؛ بدليل قول الله سبحانه: يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ [البقرة:273]، لكن ينبغي أن يخبره أنها زكاة لئلا يكون ممن لا تحل له، وإن رآه ظاهر المسكنة أعطاه منها ولم يحتج أن يبيِّن له شرط جواز الأخذ، ولا أن ما يدفعه إليه زكاة.

حكم دفع الزكاة لمن ظاهره الفقر أو المسكنة

وبهذا التقرير يتبين أنه يجوز دفع الزكاة لمن كان ظاهره الفقر أو المسكنة، أو من ادعى فقرًا أو مسكنة ولم يُعرف بالغنى، من غير أن يُطالب بالبيّنة، ومن غير أن يطالب كذلك باليمين.

وهذا في الحقيقة يرفع الحرج عن الإنسان؛ لأن بعض الناس يقول: إنني عندما أدفع الزكاة لمن يدّعي الفقر أو المسكنة لست متيقنًا بأنه مستحقٌ للزكاة، ولست متيقنًا بأنه فقير، ولست متيقنًا بأنه مسكين، فنقول: يكفي في ذلك ظاهر الحال، ويكفي أن يدّعي هو الفقر أو المسكنة؛ فيجوز إعطاؤه من الزكاة ما لم يُعرف بالغنى، وإذا شُكَّ في أمره فينبغي أن يوعظ بما وعظ النبي الرجلين الجلدين، عندما قال لهما: إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب [5].

هذا ما تيسر عرضه في هذه الحلقة؛ ونلتقي بكم على خير في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 1990.
^2, ^3 رواه مسلم: 1044.
^4, ^5 رواه أبو داود: 1633، وأحمد: 17972.
مواد ذات صلة