الحمد لله رب العالمين، وصلاةً وسلامًا على النبي الأمين وآله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بكم -أحبتنا الكرام- إلى حلقةٍ جديدةٍ من برنامج الإفتاء المباشر (فتاوى رمضان)، عبر أثير إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية في هذه الأيام المباركة من شهر الله الفضيل رمضان.
أهلًا وسهلًا بكم أحبتنا الكرام، وأرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية.
باسمكم وباسم إذاعة القرآن الكريم نرحب بضيفنا: السلام عليكم، وأهلًا وسهلًا بكم شيخ سعد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: مرحبًا بكم.
ومع أول الأسئلة في هذه الحلقة، هذه الأسئلة التي وصلتنا من الأخ الكريم سعد من المدينة النبوية، يقول: في صلاة التراويح، هل يقال دعاء الاستفتاح في كل تسليمةٍ؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فكل تسليمةٍ من صلاة التراويح هي صلاةٌ مكتملة الأركان والشروط والواجبات والسنن؛ ولذلك فإنها لا ترتبط بما قبلها ولا بما بعدها، أرأيت لو سجد للسهو في التسليمة الثانية مثلًا؟ ليس لها ارتباطٌ بالتسليمة الأولى ولا بالتسليمة الثالثة، فهي ليس لها ارتباطٌ بما قبلها ولا بما بعدها.
وعلى ذلك: فهي صلاةٌ مستقلةٌ بجميع الشروط والواجبات والأركان والسنن، ومن السنن: دعاء الاستفتاح؛ ولهذا فيشرع أن يكون دعاء الاستفتاح في أول كل ركعتين من صلاة التراويح، وما نجده من تساهل بعض الأئمة -وفقهم الله- من أنهم لا يأتون بدعاء الاستفتاح في كل ركعتين من صلاة التراويح، هذا تقصيرٌ في هذه السنة، فإن السُّنة باقيةٌ.
ثم أيضًا دعاء الاستفتاح لا يأخذ وقتًا طويلًا، ربما أن البعض لا يأتي به رغبةً في التخفيف على جماعة المسجد، يعني عندما يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك [1]، ثوانٍ معدودةٌ، كم تأخذ من الوقت؟ ومع ذلك يأتي بهذه السنة التي كان النبي يأتي بها بفعله، وأرشد إليها بقوله.
المقدم: أحسن الله إليكم، وبارك في علمكم.
نستقبل اتصالات الإخوة والأخوات، أم فايز، تفضلي.
….
شكرًا للإخوة والأخوات.
بقي من أسئلة الأخ سعد من المدينة -يا شيخنا- عن صلاة التراويح أيضًا، يقول: إذا حصل فصلٌ في صلاة التراويح؛ مثل شرب الماء، أو الذهاب لدورة المياه، هل يؤثر ذلك؟
الشيخ: لا يؤثر ذلك إذا حصل الفصل بعدما يأتي بركعتين، أو يأتي بما بعدهما، المهم أن الفصل يكون بعد السلام، إذا حصل هذا الفصل لا يضر، بل حتى لو أراد جماعة المسجد أن يستريحوا؛ مثلًا صلَّوا ركعتين، ثم ركعتين، ثم أرادوا أن يستريحوا قليلًا فلا بأس بذلك.
والنبي عليه الصلاة والسلام -كما تقول عائشة رضي الله عنها- “كان يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا” [2]، فكونه يصلي أربعًا ثم يستريح عليه الصلاة والسلام، كان يصلي ركعتين، ثم ركعتين، ثم يستريح، فمثل هذا الفاصل لا يضر.
المقدم: أيضًا يسأل عن مسح الوجه باليدين بعد دعاء القنوت؟
الشيخ: مسح الوجه باليدين بعد الدعاء عمومًا رُوي فيه حديثٌ عن النبي [3]، لكنه حديثٌ ضعيفٌ لا يصح، وعلى ذلك: فلا يشرع مسح الوجه باليدين بعد الدعاء، بعد الدعاء الإنسان لا يمسح وجهه بيديه.
ثم إن النبي كان يدعو كثيرًا، ونقل الصحابة كثيرًا من أدعيته، ولم ينقل عنه ولو مرةً واحدةً أنه كان يمسح وجهه بيديه بعد الدعاء.
وعلى هذا: فالأقرب تركه، وأن الإنسان لا يمسح وجهه بيديه بعد الدعاء، سواءٌ أكان في دعاء القنوت أم في غيره.
المقدم: الأخت أم فايز سألت عن تغميض العينين في الصلاة، تقول: أعلم أن فيها كراهةً، لكن هذا الأخشع لقلبي؟
الشيخ: تغميض العينين في الصلاة عده الفقهاء من مكروهات الصلاة، وما ذكرته الأخت من أن فيه تشبهًا باليهود، لم يثبت هذا، هذا قولٌ لبعض أهل العلم، ولو كان ثابتًا فإن التشبه محرمٌ؛ ولذلك هو لم يثبت.
والأكثر على أن تغميض العينين في الصلاة نوعٌ من العبث؛ ولذلك قرروا فيه الكراهية، ولم يقولوا بالتحريم، لكن إذا كان تغميض العينين في الصلاة أكثر خشوعًا للمصلي فلا بأس به على القول الراجح؛ كما قرر ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله وجمعٌ من المحققين، قالوا: إنه إذا كان تغميض العينين في الصلاة -خاصةً صلاة النافلة- يحقق الخشوع، وأقرب للخشوع، فتزول الكراهة حينئذٍ.
المقدم: سواءٌ كان أمامه ما يشغله، أو لم يكن أمامه ما يشغله؟
الشيخ: نعم.
المقدم: يعني: إذا كان الأقرب للخشوع من جهته هو؟
الشيخ: نعم، بعض الناس يخشع أكثر بهذا، فإذا كان..، المهم أن يرى أن له أثرًا فعليًّا وحقيقيًّا على زيادة الخشوع.
المقدم: سألت أم فايزٍ عن تَفَلُّت العلم، تقول: أنا طالبةٌ للعلم، وأخشى أن يتفلت العلم مني، ما الوسائل التي تكون سببًا في تثبيت العلم؟
الشيخ: من أعظم الوسائل: المراجعة؛ فحياة العلم: المذاكرة، فطالب العلم الذي لا يذاكر ما تعلمه وما حفظه سرعان ما ينسى، وسرعان ما يتفلت، وإذا كان النبي يقول في شأن القرآن المُيَسَّر للذكر، يقول: تعاهدوا القرآن؛ فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفلتًا من الإبل في عُقُلها [4]، فكيف بغيره؟!
فلا بد من التعاهد، ولا بد من المراجعة، ولا بد من المذاكرة للعلم، خاصةً في وقتنا الحاضر الذي ضعفت فيه الذاكرة لدى كثيرٍ من الناس؛ بسبب اعتمادهم على وسائل التقنية الحديثة؛ لأن الذاكرة تقوى بالتمرين والتدريب، وتضعف بالإهمال.
فالآن وسائل التقنية الحديثة أصبحت توفر للناس كثيرًا من الأشياء التي يستغنون بها عن الحفظ، وهذا له أثرٌ سلبيٌّ على ضعف الذاكرة، وهذا يستدعي من طلاب العلم أن يبذلوا مزيدًا من الجهد في المذاكرة للعلم، وفي المراجعة والتعاهد للعلم وللمحفوظ.
ومن الوسائل أيضًا: أن يكون هناك دروسٌ للمباحثة بين طلاب العلم، والأخت الكريمة يمكن أن تعقد دروسًا مع طالبات علمٍ، ويمكن أن تستفيد من وسائل التقنية الحديثة، يمكن مثلًا أن تضع مجموعةً على (الواتساب) مثلًا مع طالبات علمٍ للتباحث في مسائل علميةٍ، أو لقراءة كتابٍ علميٍّ، ثم التباحث في مسائله، ويكون هذا بمثابة درسٍ أسبوعيٍّ مثلًا، فهذه أيضًا من الأمور التي تثبِّت المعلومات وترسخها في الذهن.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
الأخت نادية من المدينة، تسأل عن صلاة التراويح للنساء، ونريد توجيهًا عامًّا -يا فضيلة الشيخ- في عدم الْتزام كثيرٍ من النساء بصفوف النساء في المسجد، وتأتي شكاوى من كثيرٍ من النساء، ربما البعض منهن لا ينتظمن في الصف أصلًا، كل واحدةٍ تصلي وحدها، وربما لو كانت هناك فرجةٌ لا تسد هذه الفرجة، ربما البعض قد يتقدمن، وتبقى واحدةٌ خلف الصف، فما التوجيه في ذلك؟
الشيخ: هذه المشكلة مشكلةٌ تتكرر، خاصةً عندما تصلي النساء صلاة التراويح في رمضان، فنجد أن بعض الأخوات لا يكون لديهن انتظامٌ في الصفوف، فتصلي بعض النساء مثلًا في طَرَف الصف وحدها، والأخرى في الطرف الآخر، ويكون بينهن فُرَجٌ، وهذا مخالفٌ للسنة.
ينبغي أن تحرص الأخوات على أن يصطففن صفًّا واحدًا، ويكون بينهن تراصٌّ في الصف، ولا يدعن فُرَجًا، ثم إذا اكتمل الصف ينتقلن للصف الذي بعده، وهكذا.
المقدم: مثل الرجال؟
الشيخ: نعم، كالرجال تمامًا، أما هذا الخلل وهذه الفُرَج، وكون بعض النساء يصطف في آخر المسجد، هذا كله يعتبر قصورًا، ويعتبر خللًا، وربما يكون السبب قلة الوعي والجهل.
ولذلك تتأكد المسؤولية في التوعية وفي التوجيه والإرشاد على أئمة المساجد، وأيضًا على الأخوات طالبات العلم، عليهن أن يوجهن بقية النساء إلى الاصطفاف في مصليات النساء، وأن النساء في الاصطفاف كالرجال.
وفي وقتنا الحاضر الذي أصبحت النساء معزولاتٍ تمامًا عن صفوف الرجال، الذي يظهر: أن خير الصفوف هو الأول؛ كالرجال؛ لأن قول النبي عليه الصلاة والسلام: خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها [5]، لما كان النساء يصلين خلف الرجال مباشرةً بدون حواجز، فالعلة ظاهرةٌ ومعقولة المعنى.
أما في وقتنا الحاضر، فالذي يظهر: أن صفوف النساء كصفوف الرجال في هذا، وعليهن أن يَقُمن بسد الفُرَج وبالتراصِّ، وأيضًا كون المرأة تصلي خلف الصف وحدها، هذا يَصدُق عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام: لا صلاة لمنفردٍ خلف الصف [6]، فلا تصح صلاتها إلا أن تكون وحدها خلف الرجال، إذا كانت وحدها خلف الرجال، فقد ورد ما يدل على جواز ذلك؛ كما في قصة أم سليمٍ رضي الله عنها [7]، لكن إذا كانت في صفوف نساءٍ فليس لها أن تصطف وحدها.
ولما رأى النبي رجلًا صلى خلف الصف وحده أمره أن يعيد الصلاة، وقال: لا صلاة لمنفردٍ خلف الصف.
المقدم: في سؤال الأخت نادية تقول: ربما تتقدم النساء من الصف الذي أنا فيه، ثم أبقى وحدي، لست من بداية الصلاة وحدي، هل يؤثر عليها ذلك؟
الشيخ: نعم، إذا بقيت وحدها هنا لا بد أن يصطف معها غيرها، أو أنها تنتقل هي للاصطفاف في الصف الآخر، المهم أنها لا تصطف وحدها، لا تصلي وحدها.
المقدم: الأخ عبدالله من الرياض سأل عن أوقات النهي المغلظة، يقول: هل هناك تحديدٌ لها بالدقائق؟
الشيخ: أوقات النهي المغلظة ثلاثةٌ: حين تطلع الشمس، وحين تغرب، وحين يقوم قائم الظهيرة.
حين تطلع الشمس: يعني قبل طلوع الشمس بنحو عشر دقائق، وبعد طلوع الشمس أيضًا بعشر دقائق، هذا يعتبر هو وقت النهي المغلظ.
وحين يقوم قائم الظهيرة: يعني قبل الزوال، قبيل الزوال بنحوٍ من سبعٍ إلى عشر دقائق أيضًا.
وحين تتضيف الشمس للغروب: يعني قبل غروب الشمس بنحو عشر دقائق، هذا على سبيل التقريب، مع أن هذا التقدير قد يزيد وقد ينقص بحسب فصول السنة.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
نستقبل اتصالًا من جدة، الأخ محمود.
….
الأخ محمود سأل عن رجلٍ جامع زوجته مرتين منفصلتين في رمضان، في أحد الرمضانات، وكذلك في رمضان الماضي، وإلى الآن لم يكفر؟
الشيخ: يعني حصل منه هذا مرتين؟
المقدم: قال: مرتين، ثم قال: كذلك في رمضان آخر مرةً واحدةً، يعني ثلاثًا الآن.
الشيخ: ثلاث مراتٍ نعم، عليه أولًا التوبة إلى الله ؛ فإن هذا العمل الذي حصل منه أمرٌ منكرٌ، ومن كبائر الذنوب، فعليه أن يتوب هو وزوجته؛ فقد وقع في أمرٍ شنيعٍ، فيترتب عليه أمورٌ:
- الأمر الأول: الإثم، وفيه التوبة، لا بد من التوبة إلى الله .
- والأمر الثاني: فساد الصيام في هذه الأيام الثلاثة، فعليهما أن يقضيا هذه الأيام.
- والأمر الثالث: الكفارة المغلظة عن كل يومٍ، أي عن كل يومٍ يصوم كلٌّ من الزوج والزوجة شهرين متتابعين، يعني: على كل منهما ستة أشهرٍ؛ شهرين متتابعين، ثم شهرين متتابعين، ثم شهرين متتابعين؛ وذلك لأن العتق الآن لا يوجد؛ بسبب انقراض الرق في العالم، فعليه: لا تبرأ ذمتهما إلا بأن يصوما ستة أشهرٍ.
لكن يمكن بالتدرج، يعني مثلًا يجعلا العام المقبل مثلًا صيام شهرين متتابعين، والعام الذي بعده صيام شهرين متتابعين، والعام الذي بعده صيام شهرين متتابعين، لكن لا تبرأ ذمتهما إلا بذلك.
المقدم: سأل أيضًا في الحج، إذا كان من أهل جدة، هل يُحرِم من مكة؟
الشيخ: أهل جدة يحرمون من جدة، وليس لهم أن يحرموا من مكة؛ لأن الميقات بالنسبة لهم هو بيوتهم في جدة.
وعلى هذا نقول للأخ السائل الكريم: إذا أردت أن تحرم فتحرم من جدة، وليس لك أن تحرم من مكة.
المقدم: هنا أيضًا سؤال الأخ أبي محمدٍ، يقول: من طاف ولم يركع ركعتي الطواف، ثم تذكر بعد السعي، هل له أن يصلي ركعتين؟
الشيخ: نعم، لا بأس، ركعتا الطواف من السنن، ليست واجبةً، هي من المستحبات، حتى لو تركها فليس عليه شيءٌ، لكن السنة أن يأتي بهما بعد الطواف، وحيث إنه قد نسي ولم يتذكر إلا بعد السعي، فيأتي بهما بعد السعي، والأمر في هذا واسعٌ.
المقدم: سؤاله عمن ينشغل بأمورٍ من الخير، سواءٌ تفطير الصائمين أو غيرها، ولكنه في الجانب الآخر قاطعٌ لرحمه، ما التوجيه له؟
الشيخ: سعيه لتفطير الصائمين هذا عملٌ طيبٌ، عملٌ يشكر عليه، ونسأل الله تعالى أن يأجره، وأما قطيعته للرحم فعملٌ منكرٌ، يعني ينبغي ألا نربط بين هذا وهذا، فينكر عليه قطيعته للرحم، ويوعظ ويذكر.
لكن لا يقال له: كيف تفطر الصائمين، وأنت تقطع الرحم؟! يعني تفطيره للصائمين هذا عملٌ طيبٌ؛ حتى لا يُثَبَّط أيضًا عن هذا العمل، فنشكره على حرصه على تفطير الصائمين، وعلى إطعام الطعام، لكن أيضًا ننصحه بأن يتقي الله ، وأن يصل رحمه، فإن الله لما خلق الخلق، قامت الرحم وتعلقت بالعرش، وقالت: يا رب هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال الله تعالى لها: أما ترضين أن أصل من وصلك، وأن أقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك [8]، فتكفل الله للرحم بأن يصل من وصلها، وأن يقطع من قطعها، فينبغي موعظته ونصيحته بذلك.
المقدم: الأخ ناصر يقول: وضع العسل في سُرَّة البطن في السِّر في نهار رمضان للعلاج، هل يؤثر على الصيام أو لا؟
الشيخ: لا يؤثر على الصيام؛ لأنه ليس عن طريق منفذٍ معتادٍ، ولا يحصل به التغذية، ولا يقوم مقام الطعام ولا الشراب، فهو كسائر ما يوضع على الجلد من الكريمات والدهون ونحو ذلك.
المقدم: هنا من أسئلة (تويتر)، هل للمصلَّى في المدرسة أو السوق تحية مسجدٍ إذا دخل الإنسان إليه؟
الشيخ: هذا مصلى وليس مسجدًا، فليس له تحية مسجدٍ، وأبرز الفروق بين المسجد والمصلى: أن أرض المسجد موقوفةٌ، بخلاف المصلى؛ فأرضه مملوكةٌ، فلو أن هذا السوق قد بيع مثلًا، باع صاحب السوق هذا السوق كله، فهذا المصلى سيدخل في ضمن البيعة؛ لأنه مملوكٌ وليس موقوفًا.
وعلى ذلك: فهذه المصليات ليس لها تحية مسجدٍ، لكن إذا دخلها بعد الأذان فيأتي بركعتين من باب قول النبي : بين كل أذانين صلاةٌ [9]، والمقصود بالأذانين: يعني الأذان والإقامة، فإذا دخل المصلى بعد الأذان فيأتي بركعتين؛ أخذًا من الحديث: بين كل أذانين صلاةٌ.
المقدم: المرأة إذا انشغلت عن صلاة التراويح، هل لها أن تقضي؟
الشيخ: لعل المراد من السؤال: إذا انشغلت عن صلاة التراويح مع الجماعة في المسجد، فنعم تصلي في بيتها، بل إن صلاة المرأة للتراويح في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد؛ لقول النبي : وبيوتهن خيرٌ لهن [10]، إلا إذا كانت صلاتها في المسجد أنشط لها وأكثر خشوعًا، فهنا تكون صلاتها في المسجد أفضل، وهذا تفريعًا على القاعدة: أنه قد يعتري المفضولَ ما يجعله فاضلًا.
وعلى ذلك نقول للأخت الكريمة: إذا انشغلت ولم تصلي مع الجماعة في المسجد صلاة التراويح، فتصلينها في البيت، ووقتها واسعٌ، يعني وقت التراويح إلى طلوع الفجر، صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بواحدةٍ [11].
المقدم: حكم صيام ستٍّ من شوالٍ قبل قضاء رمضان؟
الشيخ: السُّنة لمن أراد أن يصوم ستًّا من شوالٍ: أن يبدأ أولًا بالقضاء، حتى يَصدُق عليه أنه صام رمضان؛ فإن النبي يقول: من صام رمضان، ثم أتبعه ستًّا من شوالٍ، كان كصيام الدهر كله [12]، يعني: كصيام السنة كلها، ولا يَصدُق عليه أنه صام رمضان، إلا إذا قضى الأيام التي أفطرها؛ ولأن في صيام الست من شوالٍ إشارةً إلى أن الإنسان بعدما استكمل صيام شهر رمضان، فنفسه مقبلةٌ على الصيام، وليس مستثقلًا له وفرحًا بانقضاء رمضان؛ وإنما هو مستحِبٌّ ومستبشرٌ، ولا يكره الصيام؛ ولذلك فهو يُقدِم على صيام الست برغبةٍ، هذه من الحكم التي قد قيلت.
وعلى هذا: فمن أراد أن يصوم الست من شوالٍ لا بد أن يبدأ أولًا بالقضاء، فيقضي ما في ذمته من الصيام الواجب، ثم يصوم بعد ذلك الست من شوالٍ.
المقدم: قَرْن النية -يا شيخنا- في القضاء مع صيام النفل، سواءٌ كان الاثنين، أو الخميس، أو غيره؟
الشيخ: المهم أن تكون النية في الأساس هي القضاء، لكن إذا جعل ذلك في يوم الاثنين فلا بأس بهذا، ويرجى أن يحوز فضل صيام يوم الاثنين؛ لأن المقصود من صيام يوم الاثنين هو أن يكون هذا الزمن مشمولًا بنية الصوم؛ لأنه هو اليوم الذي ولد فيه النبي ، فإنه لما سئل عن صيام يوم الاثنين قال: ذاك يومٌ ولدت فيه [13].
فإذا جعل هذا الوقت محلًّا للصوم، حتى وإن كان صوم فريضةٍ، فإنه يرجى أن ينال الفضل الوارد في ذلك، لكن يجعل النية في الأساس نية صيام الفرض.
المقدم: المرأة -يا شيخنا- إذا كانت تذوق الطعام وهي صائمةٌ، ثم لم تَلفِظ ما ذاقته، هل يؤثر ذلك على صيامها؟
الشيخ: لكن ماذا فعلت بهذا الطعام إذا لم تلفظه، ماذا فعلت؟ هل ابتلعته أو اختلط بريقها؟
هنا ننظر؛ إذا كان ذلك عن عمدٍ فيفسد صومها، أما إذا كان ذلك بطريق الخطأ أو النسيان فصومها صحيحٌ؛ ولذلك ينبغي بعد ذوق الطعام أن يلفظه من يذوق الطعام، أن يلفظه مباشرةً، كما أنه إذا تمضمض للوضوء لصلاة الظهر والعصر، فإنه يمج الماء، كذلك أيضًا من يذوق الطعام يلفظ هذا الطعام الذي ذاقه.
لكن لو افترضنا أنه تعمد أن يبتلعه، هذا يفسد صومه، والمسلم لا يفعل هذا، هذا إنما يحصل في الغالب إما نسيانًا، أو بطريق الخطأ، ونحو ذلك.
المقدم: هنا الأخت (أوان) تقول: في كفارة اليمين، هل يجوز إعطاء نوعين من الطعام؛ مثل الرز مثلًا، أو التمر؟
الشيخ: في كفارة اليمين، الله تعالى يقول: إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، وقال: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ [المائدة:89]، فيكون من الطعام الذي هو من غالب قوت البلد، ومما يُطعِم الإنسان منه أهله، فلا بد أن يكون الطعام قوتًا يقتاته الناس، ويعتمدون عليه كوجبةٍ رئيسةٍ؛ مثل: الأرز مثلًا.
التمر في الأزمنة السابقة كان الناس يعتمدون عليه قوتًا، أما في وقتنا الحاضر، فقد أصبح فاكهةً ولم يعد قوتًا؛ ولذلك فإنه لا يُجزئ في الكفارة، فهو أشبه بالشعير الآن الذي أصبح أيضًا -بالنسبة لزكاة الفطر- عندنا في دول الخليج العربي علفًا للبهائم، لا بد أن يكون من غالب قوت البلد، وأن يكون طعامًا يعتمد عليه كوجبةٍ رئيسةٍ، وأبرز ما يتحقق فيه هذا: الأرز، الأرز طعامٌ طيبٌ، ويتخذه جميع الناس قوتًا لهم.
المقدم: نحن في ختام الحلقة، تقول هي: هل يجب إخراجه على الفور أو على التراخي..؟
الشيخ: الأصل في الأوامر أنها تجب على الفور، لكن لو تأخر لحاجةٍ أو مصلحةٍ، فالأمر في هذا واسعٌ، لكن ينبغي أن يبادر بإخراجها، وأن يبادر بالأوامر عمومًا، فإن الأصل في الأوامر أنها تقتضي الفورية.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم يا شيخ سعد، وشكرًا جزيلًا لكم.
الشيخ: وشكرًا لكم، وللإخوة المستمعين.
المقدم: شكرًا لكم أنتم -أحبتنا الكرام- في ختام هذه الحلقة.
حتى الملتقى بكم في حلقة الغد، تذكروا أن للصائم دعوةً لا تُرَد.
في أمان الله.
الحاشية السفلية
^1 | رواه أبو داود: 775، والترمذي: 242، والنسائي: 898، وابن ماجه: 804. |
---|---|
^2 | رواه البخاري: 1147، ومسلم: 738. |
^3 | رواه الترمذي: 3386. |
^4 | رواه مسلم: 791. |
^5 | رواه مسلم: 440. |
^6 | رواه ابن ماجه: 1003، وأحمد: 16297، بنحوه. |
^7 | رواه البخاري: 380، ومسلم: 658. |
^8 | رواه البخاري: 4830، ومسلم: 2554. |
^9 | رواه البخاري: 624، ومسلم: 838. |
^10 | رواه أبو داود: 567، وأحمد: 5468. |
^11 | رواه البخاري: 990، ومسلم: 749. |
^12 | رواه مسلم: 1164. |
^13 | رواه مسلم: 1162. |