الحمد لله رب العالمين، وصلاةً وسلامًا على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أهلًا ومرحبًا بكم -أحبتنا الكرام- إلى حلقةٍ جديدةٍ من برنامج الإفتاء المباشر (فتاوى رمضان)، عبر أثير إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية.
أسعد بكم أحبتنا الكرام، وأسعد بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة الإمام.
السلام عليكم يا شيخ سعد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: حياكم الله فضيلة الشيخ، وحيَّا الله الإخوة والأخوات.
أول الأسئلة في هذه الحلقة -فضيلة الشيخ- وصلتنا عن طريق (تويتر): الأخ عبدالعزيز سأل يقول: هل يصح غسل الإناء بعد الكلب، بأن يغمس في طستٍ فيه ماءٌ وترابٌ، أم يجب أن يكون بالتراب فقط، أرشدونا؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فنجاسة الكلب نجاسةٌ مغلظةٌ، وقد أمر النبي بأن تُغسل نجاسة الكلب سبع مراتٍ، أُولاهن بالتراب [1].
وأما كيفية الغسل، فإنه يؤخذ التراب أولًا، وتنظف به نجاسة الكلب، ثم بعد ذلك يغسل سبع غسلاتٍ بالماء، يكون بهذه الطريقة.
والتراب له خاصيةٌ في قتل الجراثيم والبكتريا الموجودة في لعاب الكلب، كما بين ذلك أهل الاختصاص، وكَتَب في هذا مَن كَتَب في الإعجاز العلمي في السنة، وأن التراب له خصوصيةٌ في التطهير، ولا يغني عنه غيره من المنظفات؛ ولذلك فلا بد من أن تغسل نجاسة الكلب سبع مراتٍ؛ تكون الأولى بالتراب، ثم بعد ذلك تغسل ست غسلاتٍ بالماء.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
نستقبل أول اتصالات هذه الحلقة، الأخ نايف، تفضل.
المتصل: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام، تفضل بسؤالك.
المتصل: الله يحفظك، سؤالان عندي.
المقدم: تفضل.
المتصل: الله يجزيك خيرًا، التشهد الأول، هل تُقرأ فيه الصلاة الإبراهيمية؟
المقدم: طيب.
المتصل: والسؤال الثاني: جهاز السكر هل يفطِّر الصائم، التحليل بالجهاز، الوخز؟
المقدم: نعم، الوخز، طيب، تسمع، شكرًا للأخ نايف.
سأل عن التشهد الأول يقول: هل فيه الصلاة الإبراهيمية، أو هو يقتصر على التشهد الأول فقط؟
الشيخ: هذا محل خلافٍ بين الفقهاء؛ فمنهم من قال: إن التشهد الأول يقتصر فيه المصلي على التشهد، ويكون آخره: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم يقوم للركعة الثالثة.
وقال بعض أهل العلم: إنه يشرع الصلاة على النبي في التشهد الأول، هذا هو مذهب الشافعية، وقد اختاره شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى، وهو الأظهر؛ وذلك لعموم الأحاديث؛ ومنها: حديث كعب بن عُجْرة قال: “يا رسول الله، عرفنا كيف نسلم عليك -يعني: في قول المصلي: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته- فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ [2]، ولم يقل: اجعلوها في التشهد الأخير، وإنما قال: قولوا، وهذا يشمل التشهد الأول والأخير، ولكن هذا -عند أصحاب هذا القول- مبنيٌّ على الاستحباب.
وعلى هذا: فالأفضل للمصلي: أن يصلي على النبي في التشهد الأول كما يصلي عليه في التشهد الأخير.
المقدم: لكن لو لم يصل الصلاة الإبراهيمية في التشهد الأول، لا يؤثر على صلاته؟
الشيخ: نعم، هذا كله على سبيل الاستحباب، لو أنه بعد التشهد قام، فصلاته صحيحةٌ، لو أيضًا اكتفى بالصلاة: اللهم صل وسلم على رسولك محمدٍ، يكفي هذا.
لكن الأفضل أن يفعل في التشهد الأول كما يفعل في التشهد الأخير، من جهة صيغة الصلاة الإبراهيمية.
المقدم: سأل عما يؤخذ لتحليل السكر عن طريق الوخز، هل هذا الدم اليسير يؤثر على الصوم؟
الشيخ: هذا الدم اليسير لا يؤثر على الصوم، والصوم معه صحيحٌ؛ لأنه دمٌ يسيرٌ، وهذا عند جميع العلماء، لم يقل أحدٌ: بأن هذا الدم اليسير يفسد الصوم، وإنما الخلاف في الدم الكثير، الدم الكثير الذي يكون في معنى دم الحجامة، والخلاف متفرعٌ على الخلاف في تفطير الحجامة للصائم، والقول الراجح: أنها تفطر الصائم، كما هو المذهب عند الحنابلة، وكما دل عليه قول النبي : أفطر الحاجم والمحجوم [3].
فإذا كان الدم المستخرج كثيرًا في معنى دم الحجامة فإنه يفسد الصوم، أما إذا كان الدم يسيرًا، فهذا لا يفسد الصوم.
وعلى ذلك: فالدم المستخرج لتحليل السكر لا يفسد الصوم.
المقدم: نستقبل اتصالًا من الأخت عهود، تفضلي.
السائلة: السلام عليكم.
المقدم: عليكم السلام، تفضلي بسؤالك.
السائلة: هل الدعاء للوالدين من البر؟
المقدم: طيب، سؤالٌ آخر؟
السائلة: هل قراءة القرآن… هل يجوز؟
المقدم: طيب.
السائلة: طيب، شكرًا.
المقدم: من معنا؟ مريم تفضلي.
السائلة: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام، تفضلي بسؤالك.
السائلة: لو سمحت يا شيخ، أنا عندي الدورة الشهرية بالعادة تكون سبعة أيامٍ، ستةً أو سبعةً للتأكيد..، أنا طهرت الخميس..، بالليل، ونويت أن أصوم الجمعة، وأمسكت.. بعد صلاة الفجر، وبعده الجمعة كله وأنا طاهرةٌ والحمد لله، لكن رجعت لي..، إفرازات في يوم السبت، اليوم الذي هو أمس الفجر بالليل.
الشيخ: الإفرازات رجعت لك بعد ما رأيت الطهر؟
السائلة: نعم..، أصلي أو أعيد..؟
المقدم: تسمعين الإجابة إن شاء الله يا مريم، شكرًا جزيلًا.
ما توجيهكم للأخت مريم يا شيخ سعد؟
الشيخ: نعم، هذه الإفرازات لا تؤثر على الصوم، ولا على الصلاة، لا تعتبر حيضًا؛ لأنها إنما أتت بعد الطهر، ولقول أم عطية رضي الله عنها: “كنا لا نعد الصُّفرة ولا الكُدْرة بعد الطهر شيئًا” [4].
فالإفرازات أو التي تسمى (الصفرة والكدرة) هذه إذا كانت بعد الطهر لا تعد شيئًا، إنما الإفرازات المؤثرة هي التي تكون وقت الدورة الشهرية أثناء الدورة، أو تكون قبلها أو بعدها متصلةً بها، هذه هي التي تأخذ حكم الحيض، أما التي تأتي بعد الطهر فهذه لا تعد شيئًا.
وعلى ذلك: نقول للأخت السائلة الكريمة: صومك صحيحٌ والحمد لله.
المقدم: طيب، من جدة أم سيف معنا؟
طيب، الأخت عهود لديها سؤالان:
السؤال الأول: تقول: هل الدعاء للوالدين من البر؟
الشيخ: نعم، الدعاء للوالدين من أعظم البر، وقد أمر الله تعالى به في قوله: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ، هذه كلها من وجوه البر، ثم قال: وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:23-24]، فبين الله تعالى أن من بر الوالدين: الدعاء لهما، وهذا يشمل الدعاء لهما أحياءً وأمواتًا، فهذا من البر العظيم بهما.
ويتأكد ذلك في حقهما إذا ماتا؛ لأنهما بحاجةٍ ماسةٍ للأعمال الصالحة وللدعاء، فالله تعالى أرشد الأولاد من بنين وبنات للدعاء لوالديهم، فقال: وَقُلْ -يعني: وقل أيها الولد من ابنٍ أو بنتٍ- رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:24]، وهذا يعني يدعو بهذا الدعاء وبغيره لهما، يدعو لهما بهذا الدعاء، يدعو لهما بالمغفرة، يدعو لهما بدخول الجنة والنجاة من عذاب القبر وعذاب النار، ونحو ذلك من الأدعية.
ولذلك ذكر النبي أن هذا مما يَلحق الميت بعد مماته، فقال عليه الصلاة والسلام: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له [5].
هنا ذكر عليه الصلاة والسلام: أن عمل الإنسان لا ينقطع بهذه الأمور الثلاثة، بل يستمر له نفعها وأجرها، وهي الصدقة الجارية، والمراد بذلك الوقف، أو العلم الذي ينتفع به، أو الولد الصالح الذي يدعو له.
فدل ذلك على أن دعاء الولد الصالح للوالد بعد مماته ينفعه، وأنه يستفيد منه، وأنه مما يجري له بعد مماته، وهكذا أيضًا الدعاء له وهو حيٌّ، فالدعاء للوالدين أحياءً وأمواتًا من أعظم البر بهما.
المقدم: سؤالها الثاني: هل يشرع استقبال القبلة في قراءة القرآن شيخنا تحديدًا؟
الشيخ: لا أعلم أنه ورد في ذلك شيءٌ، إنما يقرأ القرآن سواءٌ كان مستقبل القبلة أو غير مستقبل لها؛ لأن هذه الأمور مبناها على التوقيف، تحتاج إلى دليلٍ، القول بالاستحباب يحتاج إلى دليلٍ، ولا أعلم في هذا دليلًا يدل على استحباب استقبال القبلة عند تلاوة القرآن.
ثم إن قراءة القرآن هي من الذكر، بل هي أشرف أنواع الذكر، والله تعالى يقول: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191]، فأثنى الله تعالى على من يذكره على كل حالٍ.
وعلى ذلك فنقول: إن قراءة القرآن يقرؤها الإنسان على أي حالٍ، سواءٌ كان مستقبلًا القبلة أو غير مستقبل لها، سواءٌ كان قائمًا أو قاعدًا أو مضطجعًا، على أي حالٍ يقرأ القرآن، ويذكر الله على كل أحيانه.
المقدم: هنا من أسئلة (تويتر): الأخت عوان تقول: هل يجوز الاستماع لأحد القراء من خلال سمَّاعة الأذن، وأقرأ معه في صلاتي في الليل، تستمع وتقرأ وهي تصلي في الليل؟
الشيخ: هذا محل نظرٍ، كونها تقرأ في صلاة الليل من المصحف هذا مأثورٌ عن السلف ولا بأس به، لكن كونها تستمع ثم تقرأ، فهذا بعض الفقهاء يبطلون الصلاة به، وهو قولٌ عند الحنفية، مرويٌّ عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله، قالوا: لأن هذا يَتعلم ويتلقن، وأن التعلم والتلقين في الصلاة مؤثرٌ على صحة الصلاة.
وعلى هذا: ننصح الأخت الكريمة بألا تفعل ذلك، ويمكنها أن تقرأ من المصحف، ما دامت في صلاة التراويح، أو في صلاة نافلةٍ، تفتح المصحف وتقرأ منه، لكن كونها تفعل هذا، تستمع ثم تقرأ، هذا عند بعض الفقهاء يؤثر على صحة الصلاة؛ ولذلك ننصحها بألا تفعل ذلك، وإنما تقرأ إما من حفظها، أو تقرأ من المصحف.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
من جدة معنا أم سيف، عادت.
السائلة: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله.
السائلة: لو سمحت يا شيخ، أنا نذرت عمرةً، وفي يدي ذهبٌ، هل يؤثر على صحة العمرة؟
الشيخ: في يدك ماذا؟
السائلة: ذهبٌ.
المقدم: نعم، طيب، سؤالٌ آخر؟
السائلة: لا، شكرًا.
المقدم: العفو.
معنا أبو عبدالملك من تبوك، تفضل يا أبا عبدالملك.
طيب، سؤال الأخت أم سيفٍ من جدة، تقول: هل يؤثر في العمرة كون المرأة تلبس الذهب؟
الشيخ: لا يؤثر في العمرة لبس المرأة للذهب، ليس له علاقةٌ، ليس للذهب علاقة ٌبينه وبين العمرة، ولكن المرأة عمومًا، سواءٌ كانت في العمرة أو في غيرها، ينبغي لها أن تخفي زينتها عن الرجال الأجانب، ولا تبدي زينتها؛ لا بالذهب ولا بغيره؛ ولهذا قال : وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31]، إذا كان الله تعالى نهى المرأة عن أن تضرب الأرض برجلها لأجل صوت الخَلْخال، فكيف بالمرأة التي يظهر منها الذهب أمام الرجال الأجانب؟!
فعلى المرأة إذنْ أن تتحجب، إذا لبست ذهبًا تغطيه عن الرجال الأجانب، والمرأة مأمورةٌ بالبعد عن مخالطة الرجال الأجانب ما أمكن، وإذا كان أمامها رجالٌ أجانب فإنها تحتجب عنهم، وتلبس اللباس المحتشم، وإذا كانت قد لبست ذهبًا ونحوه فإنها تغطيه؛ كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59]، وقال : وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، فكون المرأة تحتجب عن الرجال الأجانب وتغطي زينتها، هذا أطهر لقلبها، وأطهر لقلب غيرها، ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53].
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم، من الأسئلة التي وصلتنا من أحد الإخوة، الأخ أبو عبدالملك يقول: رجل يسأل يقول: أقرض ابنته المتزوجة مبلغًا، ألف ريالٍ، وحال عليها الحول، وهي بحاجةٍ، ويريد أن ينويها من الزكاة؟
الشيخ: ليس له ذلك، الدَّين الذي على الآخرين ليس للإنسان أن يحتسبه من الزكاة؛ وذلك لأن الزكاة أخذٌ وإعطاءٌ، وهذا مجرد إسقاطٍ، وأيضًا يعتبر هذا من رديء المال؛ ولذلك تجد أن الذي يفعله إنما يفعله على سبيل التخلص، لا يفعله إلا مع المدين المعسر أو المماطل، ولا يفعله مع المدين الباذل القادر، فهو يعتبر من رديء المال، والله تعالى يقول: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267]، ولذلك عند أكثر أهل العلم أن هذا لا يجزئ.
المقدم: سؤاله الثاني يقول: رجلٌ يقول: أقرض فقيرًا مبلغًا -خمسمئة ريالٍ- قبل عامين؛ ولما حال عليها الحول سامحه فيها، وهو ينوي أنها من الزكاة، هل يعيد إخراج هذا المبلغ؟
الشيخ: نعم، يعيد إخراج هذا المبلغ، وينوي المسامحة صدقةً، هي صدقةٌ، وهو مأجورٌ عليها، لكن لا يصح احتسابها من الزكاة، لا بد أن يخرج الزكاة مرةً أخرى.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
نستقبل اتصالًا من الأخ محمد، تفضل يا محمد.
السائل: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل بسؤالك.
السائل: فضيلة الشيخ، هناك شخصٌ عنده شقةٌ كان قد اشتراها، استدان لكي يشتريها، وعنده شقةٌ أخرى اشترها من أجل أن يسكن فيها، لكن الشقة التي هو استدان لكي يشتريها، هي منذ مدةٍ، وكانت بالتقسيط، وهو حاليًّا ما عنده مبلغٌ ثابتٌ حال عليه الحول، فكيف يحسب زكاته؟ وهل يزكيه أو لا يزكيه؟
الشيخ: يعني عنده الآن شقتان: شقةٌ اشتراها ليسكن فيها، والشقة الثانية اشتراها لأي شيءٍ؟
السائل: اشتراها لكي يسدد الديون التي عليه.
المقدم: يستثمرها يعني؟
السائل: هو حاليًّا عارضها للبيع؛ لكي يسدد الديون التي عليه، لكن الشقة الثانية التي عنده للسكن يعني.
الشيخ: وما عنده سيولةٌ الآن؟
السائل: لا، هو عنده مبلغٌ فقط ما حال عليه الحول، يعني المبلغ ليس ثابتًا، المبلغ يتغير ينقص ويزيد، وليس المبلغ ثابتًا.
المقدم: ما توجيهكم للأخ محمد؟
الشيخ: نعم، هذا لا زكاة عليه.
أما الشقة الأولى التي يسكنها: فهذه لا زكاة فيها، كما هو ظاهرٌ.
وأما الشقة الثانية أيضًا: فلا زكاة فيها؛ لأنها ليست معروضةً للتجارة، إنما أراد أن يبيعها ليسدد الديون والالتزامات التي عليه، وليس كل ما أُعِد للبيع تجب فيه الزكاة، إنما التي تجب فيه الزكاة ما أعد للتجارة؛ ولهذا فرق الله تعالى بين البيع والتجارة فقال: رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النور:37]، فهناك فرقٌ بين التجارة والبيع، ليس كل ما أعد للبيع يكون للتجارة.
وعلى ذلك: فنقول للأخ السائل الكريم: ليس عليك زكاةٌ والحمد لله.
المقدم: هذه من الصور التي قد تخفى على كثيرٍ من الناس شيخنا، الموضوع أنه إذا عرضها للبيع يرى أنها من عُروض التجارة، ويزكي مباشرةً.
الشيخ: الذي من عروض التجارة: هو ما يعرض للبيع طلبًا للتكسُّب والربح، هذا هو الذي يعتبر تجارةً، أما إذا عرضها للبيع؛ لأجل أن يتخلص من هذا المال، أو لأجل تسديد التزامات عليه -مثل الأخ السائل- أو لأجل الرغبة عن هذا المكان أو عن هذا العقار، فهذا لا يعتبر من عروض التجارة، هذا إنما باعه بيعًا تخلصًا فقط من هذا العقار، أو أنه يريد أن يستفيد منه في مالٍ آخر، يعني: ينقل المال من مكانٍ إلى مكانٍ آخر، فهذا مجرد بيعٍ لا يعتبر تجارةً، فلا زكاة فيها، الزكاة إنما تجب فيما أعد للتجارة.
ولهذا فرَّق بين ما أعد للبيع ولا يراد به التجارة، وبين ما أعد للتجارة، ولهذا فرق الله تعالى بينها فقال: رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النور:37].
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
من أسئلة (تويتر): الأخ فيصل يقول: حكم القراءة من القرآن، ويكون الإنسان على غير وضوءٍ؟
الشيخ: لا بأس بذلك، إذا كان الإنسان يقرأ من حفظه مثلًا، أو حتى يقرأ من المصحف من وراء حائلٍ، فلا بأس بذلك؛ لأنه ذكرٌ لله ، ولا يشترط فيه الطهارة، إنما الذي يشترط له الطهارة هو إذا أراد أن يمس المصحف، إذا أراد أن يمس المصحف هنا لا بد أن يكون على طهارةٍ، أما مجرد أنه يقرأ القرآن عن ظهر قلبٍ، أو حتى يقرأ من المصحف، لكن من وراء حائلٍ، هنا لا يجب عليه الطهارة.
المقدم: سأل عن حكم من يصلي الفريضة مع المتنفل؟
الشيخ: لا بأس بذلك على القول الراجح، ومما يدل لذلك: قصة معاذٍ ، كما في “الصحيحين”، فقد كان يصلي مع النبي صلاة العشاء، ثم يرجع ويصلي بقومه [6]، وهي في حقه نافلةٌ، وفي حقهم فريضةٌ، فأْتَمُّوا وهم مفترضون بمتنفلٍ، وقد أقرهم النبي على ذلك؛ فدل ذلك على صحة ائتمام المفترض بالمتنفل.
المقدم: سأل أيضًا عن كيفية استلام الحجر الأسود في العمرة في كل الأشواط، كيف طريقة الاستلام؟
الشيخ: الحجر الأسود: إن تيسر أن الإنسان يستلمه ويقبله، فهذه أكمل الحالات، ولكن في وقتنا الحاضر لا يتيسر هذا لأكثر الناس، بسبب الزحام الشديد؛ فإذا لم يتيسر الاستلام والتقبيل فإنه يشير إليه كلما حاذى الحجر الأسود، يرفع يده اليمنى مستقبلًا الحجر الأسود، ويشير إليه قائلًا: “الله أكبر”، بدون زيادة: “بسم الله”؛ لأن هذا هو المحفوظ عن النبي ، وكلما حاذى الحجر الأسود، رفع يده اليمنى مستقبلًا له قائلًا: “الله أكبر”.
وأما الركن اليماني: فإن تيسر أن يستلمه فحسنٌ، إن لم يتيسر أن يستلمه مشى بدون إشارةٍ وبدون تكبيرٍ.
فإذنْ الحجر الأسود فيه ثلاث سننٍ:
- السنة الأولى: الاستلام والتقبيل، فهذا إن تيسر هذا هو الأكمل.
- السنة الثانية: إن لم يتيسر، يستلمه بيده أو بعصًا ونحوه، ويقبل ما استلمه به.
- السنة الثالثة: إن لم يتيسر هذا ولا ذاك، فإنه كلما حاذى الحجر الأسود رفع يده وكبر، قائلًا: “الله أكبر”.
وأما الركن اليماني فليس فيه إلا سنةٌ واحدةٌ، وهي الاستلام فقط إن تيسر، إن لم يتيسر مشى بدون تكبيرٍ وبدون إشارةٍ.
المقدم: سأل في سؤاله الرابع والأخير، يقول: هل المسح على الجوارب يكون في وقتٍ واحدٍ للقدمين أو اليمنى ثم اليسرى؟
الشيخ: المسح على الجوارب يكون مثل غسل الرجلين، عندما يغسل المتوضئ رجليه؛ يغسل رجله اليمنى، ثم يغسل رجله اليسرى، والمسح يقوم مقام الغسل.
وعلى ذلك: فيمسح رجله اليمنى أولًا، ثم يمسح رجله اليسرى ثانيًا، مبتدئًا بأطراف أصابع الرجل إلى مبتدأ الساق، هذا هو قول أكثر أهل العلم.
وأما القول بأنه يمسحهما في وقتٍ واحدٍ، فليس عليه دليلٌ ظاهرٌ، الأظهر -والله أعلم- أنه يفعل كما يفعل في الوضوء، بحيث إنه في الوضوء يغسل رجله اليمنى، ثم يغسل رجله اليسرى، هكذا أيضًا عند المسح على الجوربين يمسح رجله اليمنى، ثم يمسح رجله اليسرى.
المقدم: هذا الأفضل، لكن المسح سويًّا يجوز شيخنا أو لا؟
الشيخ: قول لبعض أهل العلم، إذا فعل ذلك معتمدًا على فتوى من قال بهذا من أهل العلم، فأهل العلم أئمةٌ، وأهل العلم يقتدى بهم، فإذا فعل ذلك بناءً على فتوى من أفتى بذلك من أهل العلم؛ فلا بأس.
لكن الذي يظهر -والله أعلم- هو أنه يمسح رجله اليمنى بيده اليمنى، ثم يمسح رجله اليسرى بيده اليسرى.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
الاتصال الأخير معنا في هذه الحلقة الأخ علي، تفضل.
السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
السائل: الشيخ سعد.
المقدم: معك الشيخ يسمعك.
الشيخ: حياكم الله.
السائل: نحبك في الله يا شيخ سعد الخثلان.
الشيخ: أحبك الله وأكرمك، بارك الله فيك.
السائل: عندي -يا طويل العمر- سؤالٌ حيرني حقيقةً، وهو الوالد متوفًّى منذ حوالي أربع سنواتٍ، الله يرحمه في هذا اليوم وكل يومٍ، وهناك مبلغٌ ماليٌّ يكون معي، وعندما يكون هذا المبلغ…، عليَّ أحد الإخوان إلا عن طريق المحكمة، ووزعت قبل رمضان المبالغ، طبعًا بلَّغت الشيخ أن هذه فيها زكاة أربع سنواتٍ، فرفض الشيخ قال: ما أريد إلا المال بدون زكاةٍ، تأتي بالمال كاملًا، وأنا أوزعه، والزكاة لا تدخل فيها، فكيف حال المال -يا شيخ- الذي وُزِّع على الورثة؟
الشيخ: نعم، يعني هذا مالٌ مستفادٌ بعد وفاة الوالد؟
السائل: إي نعم، الأموال الموجودة، الأموال المطلوبة من البنوك، والأموال التي حصرناها، فوزعت بعد أربع سنواتٍ، طبعًا بعد المحكمة الشرعية، رفض الإخوة -الله يجزيهم- في هذا اليوم وفي كل يومٍ إلا في المحكمة الشرعية… نوزع الأموال، الآن لنا أربع سنواتٍ ووُزع المال بدون زكاةٍ، فهل يلحقنا الآن..
الشيخ: طيب بالنسبة للأربع السنوات، كان الحصول على المال متيسرًا؛ لماذا تأخرتم في التوزيع؟
السائل: متيسرٌ، أنا الوكيل الشرعي له.
الشيخ: طيب لماذا تأخرت في تسليم المبلغ للورثة حتى مضت أربع سنواتٍ؟
السائل:… إلا عن طريق المحكمة، والمحكمة -تعرف يا شيخ- جلساتٌ، ورفضوا نهائيًّا، فهذا أول سؤالٍ.
السؤال الثاني: أنا طبعًا من سكان منطقةٍ أخرى، ليست من مكة، وعندي سكنٌ مستقرٌّ في مكة، أنا آتي دائمًا وأقعد ستة أيامٍ، سبعة أيامٍ، عشرة أيامٍ، ثم أذهب للطائف، وآخذ.. أحرم من الطائف وأنزل، هل أنا أعتبر من سكان مكة إذا جلست في السبعة الأيام هذه، أو أني لا بد..؟
الشيخ: أنت عندك بيتٌ مِلك في مكة؟
السائل: عندي بيتٌ ملكٌ في مكة..، يا شيخ أنوي، النية أني… ما أريد أعتمر إلا بعد خمسة أيامٍ، عشرة أيامٍ، فهل.. أنا دائمًا أذهب إلى الطائف وأنزل محرمًا، أنا دائمًا كذا..
الشيخ: بارك الله فيك، أنت ما دام لك سكنٌ ملكٌ في مكة، فتأخذ حكم أهل مكة، لك أن تحرم بالحج من مكة، والعمرة تخرج تذهب إلى الحِل، ما يلزمك أن تذهب إلى الميقات، يعني حكمك حكم أهل مكة؛ لأن لك بيتًا في مكة، بيتٌ ملكٌ، فتأخذ حكم أهل مكة في هذا.
المقدم: سؤاله الأول -يا شيخ- عن الزكاة في المال؟
الشيخ: أما بالنسبة للزكاة فتعطي كل واحدٍ من الورثة نصيبه، وتخبره بالزكاة، وتبقى المسؤولية عليه هو، كل واحدٍ مسؤولٌ عن زكاته، فأنت إذا أخبرته بأنك تزكي نصيبك برئت ذمتك.
المقدم: شكر الله لكم -يا شيخ سعد- في ختام هذه الحلقة.
الشيخ: بارك الله فيكم، وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.
المقدم: شكرًا لكم أنتم أحبتنا الكرام.
حتى الملتقى بكم غدًا -بإذن الله – عند تمام الساعة السادسة، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.