الرئيسية/مقاطع/الحكمة من مشروعية الصيام
|categories

الحكمة من مشروعية الصيام

مشاهدة من الموقع

فإن الله تعالى لما فرض الصيام بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183]، بيَّن الله لنا الحكمة من ذلك، ما هي الحكمة؟ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.

الحكمة من مشروعية الصيام: تحقيق التقوى لله ​​​​​​​، فلا بد أن ينتج الصيام هذه الثمرة، فإذا لم ينتج الصيام هذه الثمرة؛ فليس لله حاجةٌ في هذا الصيام؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: من لم يدع قول الزور والعمل به؛ فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه [1].

فمعنى هذا: أن الصائم ليس فقط يمسك عن الأكل والشرب والجماع والمفطرات الحسية فحسب، بل أيضًا يمسك عن اقتراف المعاصي أثناء الصيام، هذا مطلوبٌ منه في جميع الوقت، لكن يتأكد أثناء الصيام، وكل معصيةٍ تقع من الصائم تنقص من أجر الصيام، كل معصيةٍ؛ ولهذا إذا كثرت هذه المعاصي؛ فقد لا يؤجر الإنسان على هذا الصيام، وإن كان يقع مبرئًا للذمة، لكن قد لا يؤجر عليه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: من لم يدع قول الزور يعني: المعاصي القولية، والعمل به يعني: المعاصي الفعلية، يعني: من لم يدع المعاصي عمومًا؛ فليس لله حاجةٌ أن يدع طعامه وشرابه، ما الفائدة من هذا الصوم إذا كنت إذا صمت تقترف المعاصي، وثكثر المعاصي من غيبةٍ، من نميمةٍ، من سبٍّ، من شتمٍ، من نظرٍ محرمٍ، من استماعٍ محرمٍ، فإذنْ ما قيمة هذا الصيام؟ ما أثر هذا الصيام عليك إذا كثرت المعاصي من الإنسان؟

فكل معصيةٍ تنقص من أجر الصيام، وقد يصل إلى مرحلة أنه لا يؤجر على هذا الصيام، لكن فقط يقع مبرئًا للذمة، يعني ليس حاله كحال من لم يصم.

ونظير هذا: الصلاة التي يكون الإنسان في هواجس ووساوس من تكبيرة الإحرام إلى أن يسلم، فهذه لا يؤجر عليها، ليس لك من أجر صلاتك إلا مقدار ما عقلتَ منها [2]، لكن هذه الصلاة تقع مبرئةً للذمة، ليست حاله كحال من لم يصل، فهي تكفي نفسها، هكذا أيضًا الصيام الذي كثرت فيه المعاصي، يقع مبرئًا للذمة لكنه لا يؤجر عليه الإنسان.

ليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه، وهذا يدل على أن الصيام ليس فقط إمساكًا عن المفطرات الحسية فحسب، بل أيضًا إمساكٌ عن الذنوب والمعاصي؛ ولهذا كان كثيرٌ من السلف إذا صاموا؛ جلسوا في المساجد وقالوا: نحفظ صومنا ولا نغتاب أحدًا.

فينبغي أن يكون هذا المعنى حاضرًا لدى كل مسلمٍ ومسلمةٍ، وأنه إذا أراد أن يفعل معصيةً قوليةً أو فعليةً؛ يتذكر أنه صائمٌ فيمسك عنها، بل حتى على سبيل المدافعة، المدافعة تجوز: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194]، لو سبَّك أحدٌ؛ يجوز أن تسبه مثلما سبك، لكن إلا إذا كنت صائمًا: المستبَّان ما قالا، فعلى البادئ الإثم كله ما لم يعتدِ المظلوم [3]، فمن سبَّك يجوز لك أن تسبه مثلما سبك، لكن لا تزيد، إلا إذا كنت صائمًا، يقول عليه الصلاة والسلام: فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله؛ فليقل: إني امرؤٌ صائمٌ [4]، لا تقابل السباب بمثله؛ احترامًا لشعيرة الصيام.

فإذنْ لا بد أن يثمر الصيام هذه الثمرة، وهي تحقيق التقوى لله ​:

أولًا: بالإمساك على المعاصي.

ثانيًا: بفعل الطاعات، فهو الآن صائمٌ متلبسٌ بعبادةٍ.

وأيضًا ينبغي وهو صائمٌ أن يكثر من الطاعات ومن العبادات؛ فيحافظ على الصلوات، ويكثر من تلاوة القرآن، ويكثر من الذكر، فتكون حاله وهو صائمٌ ليست كحاله وهو ليس صائمًا، فيكون الصيام قد أثمر هذه الثمرة العظيمة، وهي تحقيق التقوى لله .

وهذه الثمرة نجدها عند كثيرٍ من المؤمنين الموفَّقين، نجد أن حالهم بعد دخول رمضان تتغير إلى الأحسن، يُقبِلون على المساجد، يقبلون على الطاعات، يقبلون على العبادة، فهذه علامة خيرٍ؛ لأن أبرز ثمرات الصيام: تحقيق التقوى لله سبحانه، بل الصيام إنما شرع لأجل تحقيق التقوى لله : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1903.
^2 عن عمار بن ياسر، قال: سمعت رسول الله يقول: إن الرجل لينصرف، وما كتب له إلا عشر صلاته، ‌تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها رواه أحمد: 18894، وأبو داود: 795، واللفظ له.
^3 رواه مسلم: 2587.
^4 رواه البخاري: 1904، ومسلم: 1151.
مواد ذات صلة