هذه المهارة -مهارة حسن الإنصات- هذه مهارةٌ مهمةٌ للمسلم.
وعندما تتأمل الشخصيات التي تحبها؛ تجد أنـها يجتمع فيها تحقيق هذه المهارة، الناس يحبون من ينصت إليهم، بل تجد بعض الناس يذهب للطبيب، ويريد فقط أن يفضفض ويتكلم معه، وأحيانًا يأتي المفتيَ أيضًا لا يريد أن يستفتي، يريد أن يفضفض ويتكلم، يريد أحدًا ينصت له، يريد أحدًا يستمع له، فالإنصات مهارةٌ من المهارات المهمة.
والإنسان الذي يتقن هذه المهارة يكون محبوبًا من الجميع، وأما الذي لا يحسن إتقان هذه المهارة، بل يقاطع الناس في حديثهم، فإنه يكون مبغضًا من الجميع، وتجد أن الذي كلما تكلمت قاطعك، وفي المـجالس يقاطعك؛ فإنك لا تحبه، وتجد أن الناس كلهم يكرهونه؛ لأنه ليس عنده أدب الحديث، ولا يحقق مهارة الإنصات؛ ولذلك ينبغي أن يُدرِّب الإنسان نفسه على حسن الإنصات للمتكلم.
النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا تكلم إليه أحدٌ؛ أنصت إليه بجميع جوارحه، وهو عليه الصلاة والسلام وصفه ربنا ، فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وأكد ذلك بـمؤكِّداتٍ: وَإِنَّكَ: حرف التأكيد (إنَّ)، ثـم (اللام)، ثـم (على) حرف الاستعلاء، ثم وصف الخُلُق بأنه عظيمٌ، هذه العظمة لخُلُق النبي عليه الصلاة والسلام وصفها ربنا .
فالإنصات هو من أعظم الصفات لدى من كان خلقه عظيمًا، فما بالك بالنبي عليه الصلاة والسلام؟! ولذلك كان عليه الصلاة والسلام إذا تحدث أحدٌ؛ أنصت إليه بجميع جوارحه، أتاه عمرو بن العاص ذات مرةٍ فرأى النبي قد أنصت إليه إنصاتًا تامًّا، فطمع أن يكون أحبَّ الناس إليه، فسأل النبي عليه الصلاة والسلام، قال: أي الناس أحب إليك؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام: عائشة، قال: من الرجال؟ طمع أن يكون هو، فقال: أبوها، قال: ثـم من؟ قال: عمر، ثم عدَّ رجالًا وخشي عمرٌو ألا يكون منهم فسكت [1].
لماذا سأل عمرو بن العاص هذا السؤال؟ لأنه رأى حسن إنصات النبي عليه الصلاة والسلام له؛ فظن أنه أحب الناس إليه، والنبي عليه الصلاة والسلام كان ينصت مع عمرٍو ومع غيره، لا يقاطع أحدًا يتكلم.
فالإنصات للمتحدث من أدب المـجالسة، قالوا: حتى لو كان الإنسان قد سـمع بالحديث من قبل؛ ولهذا قال عطاء بن أبي رباحٍ: “إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني لـم أسـمعه، وقد سـمعته قبل أن يولد”[2]، لكن هذا من الأدب؛ ولذلك فمن عظيم الأدب: أن الإنسان يحسن الإنصات لمن يتكلم، ولمن يتحدث.
فانظر يا أخي الكريم، تأمَّل وتفقد حالك، هل أنت مـمن يحسن الإنصات أم لا؟ إذا لـم تكن مـمن يحسن الإنصات؛ فاحرص على أن تدرب نفسك على حسن الإنصات، فحسن الإنصات من أعظم المهارات التي من حققها فإنه يكسب محبة الناس ومودتـهم.
وفي المقابل: سوء الإنصات والمقاطعة، تجعل الإنسان غير مرحَّبٍ به، وغير محبوبٍ من كثيرٍ من الناس.