الرئيسية/برامج تلفزيونية/عقود المعاوضات المالية- جامعة الإمام/(15) عقود المعاوضات المالية- بيوع التقسيط
|categories

(15) عقود المعاوضات المالية- بيوع التقسيط

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.

أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بعض التطبيقات المصرفية وأحكام البيوع

هذه هي المحاضرة الخامسة عشرة في هذه المادة، مادة عقود المعاوضات المالية، تكلمنا في المحاضرات السابقة عن جملة من المسائل والأحكام المتعلقة بالربا، تكلمنا عن الربا بأقسامه الثلاثة، ربا الفضل، وربا النسيئة، وربا الديون، وبعد ذلك ننتقل لبعض التطبيقات المصرفية، لمسائل وأحكام البيوع والربا، صور من المعاملات المصرفية الجائزة والمحرمة، والبدائل الشرعية عن المحرمات، والمعاملات المحرمة.

بيوع التقسيط

من أبرز ما تتعامل به المصارف في الوقت الحاضر بيوع التقسيط؛ ولذلك سوف أتحدث في هذه المحاضرة عن بيوع التقسيط بصورها، بيوع التقسيط هي من البيوع المعروفة، من قديم الزمان، وقد استجدت في الوقت الحاضر صور لبيوع التقسيط، أصولها كانت معروفة من قبل، وأبرز هذه الصور:

  • أولًا: التقسيط المباشر

صورة التقسيط المباشر، أن يبيع رجل بضاعة، أو سلعة من السلع بثمن مؤجل، أو بأقساط معلومة، ويزيد في قيمة البضاعة مقابل الأجل، مرة أخرى: أن يبيع رجل بضاعة أو سلعة من السلع بثمن مؤجل أو بأقساط معلومة ويزيد في قيمة البضاعة مقابل الأجل، يتضح هذا الكلام بالمثال: رجل له سيارة قيمتها نقدًا خمسون ألف ريال، أراد رجل أن يشتريها بثمن مؤجل لمدة سنة بستين ألف ريال، أو أراد أن يشتريها بأقساط معلومة، يدفع في كل قسط مبلغًا من المال، فهنا زيد في سعر السيارة مقابل الأجل، هذا بيع التقسيط المباشر، هذه السيارة لو اشتريتها نقدًا اشتريتها بخمسين ألفًا، لكنك تريد أن تشتريها مؤجلة إلى سنة، أو تريد أن تشتريها بأقساط، تقسط عليك شهريًّا لمدة سنة، أو سنتين أو أكثر، أو أقل، فالبائع يقول: لا أبيعك هذه السيارة إلا بستين ألفًا أو أكثر، فهنا زيد في قيمة السيارة مقابل الأجل، فما حكم هذا؟ هل هذا يجوز من الناحية الفقهية أم لا؟ أكثر العلماء على جواز هذا، بل حكي الإجماع على جوازه، وممن حكى الإجماع الحافظ ابن حجر رحمه الله، وجمع من أهل العلم، هناك قول بعدم الجواز، لكنه قول في الحقيقة شاذ، هناك من قال: بالتحريم، قال: به بعض الظاهرية، قال: فيه أيضًا بعض المعاصرين، لكن قيل: إنه قول شاذ، ومخالف الإجماع، ومسبوق بالإجماع، إذًا التقسيط المباشر، قلنا: إنه يجوز، على قول عامة أهل العلم، خلاف من خالف في ذلك، كما قلت، خلافه شاذ.
أدلة هذا القول:

  • أولًا: من القرآن، قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، وجه الدلالة: أن الله تعالى لم يشترط أن تكون المداينة بسعر الوقت الحاضر، ومعلوم أن الدين يصحبه الزيادة في الثمن، ولو كان هذا شرطًا لبينه الله ​​​​​​​.
  • ثانيًا: يدل ذلك من السنة ما جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي المدينة، والناس يسلفون في الثمر السنة والسنتين والثلاث، فقال النبي : من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم [1]، ولم يشترط النبي أن يكون ذلك بسعر الوقت الحاضر، لم يشترط أن يكون ذلك بسعر الوقت الحاضر.
  • وأيضًا حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الذي سبق معنا في محاضرة سابقة أن النبي أمره أن يجهز جيشًا، فنفذت إبل الصدقة، فأمره أن يشتري البعير بالبعيرين، والبعيرين بالثلاثة، إلى إبل الصدقة [2]. وهذا الحديث رواه أبو داود، وسبق أن قلنا: إنه حديث ثابت، وأن الحافظ ابن حجر قال: إسناده قوي، هنا زيد في الثمن مقابل الأجل، يعني إلى أن تأتي إبل الصدقة، هذا أجل وزيد في الثمن، اشترى البعير بالبعيرين، وهذا في الحقيقة نص صحيح وصريح في هذه المسألة.
  • أيضًا مما يدل لذلك ما جاء في الصحيحين في قصة بريرة رضي الله عنها حين اشترت نفسها من أسيادها بتسع أواقِ، في كل عام أوقية [3]، ولم ينكر النبي على بريرة، وهذا في الحقيقة نوع من بيع التقسيط.
  • خامسًا: ما جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي اشترى طعامًا من يهودي إلى أجل فرهنه درعه، وتوفي عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي، في ثلاثين صاعًا اشتراها لأهله [4]، ومعلوم أن اليهودي لا يمكن أن يبيع إلى أجل دون أن يزيد في الثمن، لا يمكن هذا، هذا معروف عند الناس من قديم الزمان، لا يمكن للإنسان يبيع الشيء بثمن مؤجل بقيمته حاضرًا، لا يمكن هذا.

هذه الأدلة أيضًا من السنة، ومن جهة النظر الصحيح أن هذا البيع فيه منفعة للطرفين من غير مضرة لأحدهما، فالبائع ينتفع بالربح، والمشتري ينتفع بالإمهال والتيسير، والشريعة لا تمنع ما كان فيه مصلحة للناس، وليس فيه ضرر، ولو منع هذا البيع لكان في ذلك حرج كبير على الناس؛ لأنه ليس كل واحد يستطيع أن يشتري حوائجه نقدًا، وهذه الشريعة الكاملة قد جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، والأصل في باب المعاملات الحل والإباحة؛ ولهذا نقول: إنه لا حرج في البيع بالتقسيط، أو البيع بالأجل، ولو مع الزيادة في الثمن، أيضًا نقول: يعني أن الإنسان حر في تحديد الثمن، ما لم يصل إلى درجة الغبن، هذا الرجل يقول: أنا ما أبيعك هذه السلعة إلا بستين ألفًا، تريد أن تشتريها مني بثمن مؤجل أحدد لك سعرها بأنه ستون ألفًا، فلماذا لم نمنعه؟ كما لو حدد السعر بأربعين، بخمسين، هو يقول: تريد أن تنقدني الثمن؟ أنا أحدد لك السعر بكذا، تريد ألا تنقدني الثمن؟ أنا أحدد سعر هذه السلعة بكذا، هذا ليس فيه محظور من الناحية الشرعية، أما تحديد الثمن فلا يقدر بحد محدود ما لم يصل إلى الغُبن، وزيادة الثمن مقابل الأجل هنا ليس فيها غبن، بل هذا متعارف عليه لدى الناس، وعند التجار.

الفرق بين زيادة الثمن مقابل زيادة الأجل وزيادة الدين مقابل زيادة الأجل

هنا أنبه إلى مسألة، وهي أن زيادة الثمن هنا مقابل زيادة الأجل تختلف عن زيادة الدين مقابل زيادة الأجل، فزيادة الدين مقابل زيادة الأجل ذكرنا في المحاضرة السابقة أن هذا من ربا الجاهلية، من صور ربا الجاهلية، لكن في التقسيط الزيادة ليست في الدين، وإنما الزيادة في قيمة السلعة، الزيادة في الثمن، مقابل زيادة الأجل، فهو ترتيب ثمن، فالبائع يقول: لا أبيعك هذه السلعة التي أملكها إلا بكذا، فهذا يعني فرق كبير بين المسألتين، الذي قلنا: إنه من صور ربا الجاهلية، إذا حل الدين يقول: إما إن تقضي وإما أن تربي، فهو يزيد في الدين مقابل زيادة الأجل، هذا لا يجوز، وهذا ربا الجاهلية، لاحظ زيادة في الدين، وليس في الثمن، في الدين، لكن في التقسيط المباشر الزيادة ليست في الدين، وإنما الزيادة في ثمن السلعة مقابل الأجل، فرق عظيم بينهما.

ولذلك التقسيط المباشر نقول: إنه جائز، بينما زيادة الدين مقابل زيادة الأجل من صور ربا الجاهلية، لكن ينبغي لمن يبيع بالتقسيط ألا يستغل حاجات إخوانه المسلمين، ويزيد زيادة فاحشة، فإن هذا مكروه، وقد جاء في سنن أبي داود أن النبي نهى عن بيع المضطر [5]، هذا الحديث وإن كان ضعيفًا من جهة الإسناد، إلا أن الأصول والقواعد الشرعية تؤيده؛ لأن استغلال الإنسان حاجات إخوانه المسلمين فيه شيء من الطمع، وقد تُمحق بركة البيع لأجل هذه الزيادة، كما جاء في حديث حكيم بن حزام  أن النبي  قال: إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع [6].

أيضًا ينبغي أن يكون الربح مقطوعًا، يعني الأفضل أن يكون الربح مقطوعًا، فيقول: أبيعك هذه السيارة بخمسين ألفًا، إلى سنة، واربحني فيها عشرة آلاف ريال مثلًا، ولا يجعل الربح فيها بالنسبة، حيث يقول: أبيعك هذه السيارة بكذا، ونسبة الربح عشرة في المائة، أو خمسة في المائة، أو أكثر أو أقل، وهذا لا نقول: إنه محرم، هذا جائز، لكنه أُثِر عن بعض السلف كراهيته، يعني قالوا: لأنه يشبه الزيادة الربوية.

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: والمرابحة أن يبيعه بربح، فيقول: ورأس مالي فيه مائة، والربح عشرة، فهذا جائز، لا خلاف في صحته، ولا نعلم أحدًا كرهه، وإن قال: على أن أربح في كل عشرة درهمًا، فقد كرهه أحمد، ورويت فيها الكراهة عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، ولا يعلم لهما في الصحابة مخالف، ورويت كراهة ذلك أيضًا عن الحسن ومسروق وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء بن يسار”.

ووجه الكراهة هو شبهه ببيع دراهم بدراهم، قال الإمام أحمد: “كأنه دراهم بدراهم”؛ ولكن هذا المروي عن بعض السلف، إنما هو مكروه مجرد كراهة، لا أنه محرم؛ ولهذا قال الوزير ابن هبيرة: “اتفقوا على أن ربح المرابحة صحيح، وهو أن يقول: أبيعك والربح في كل عشرة درهم، وكرهه أحمد لشبه بيع العشرة بأحد عشر، لا أنه منه حقيقة، وإلا لحرم”، إذًا يعني بعض السلف كره هذا، مجرد كراهة، لا أنه يعني محرم.

طيب إذًا هذه هي الصورة الأولى صورة بيع التقسيط المباشر.

  • ثانيًا: بيع المرابحة للآمر بالشراء

ننتقل بعد ذلك إلى الصورة الثانية، وهي بيع المرابحة للآمر بالشراء، صورتها: أن يأتي رجل يريد سلعة معينة، وليس عنده نقد ليشتري به هذه السلعة، فيذهب إلى مصرف، أو إلى مؤسسة، أو إلى فرد من الناس، ويطلب أن تشترى له هذه السلعة، ثم يشتريها ممن اشتراها بالتقسيط، يأتي ويقول: اشتروا لي السيارة الفلانية، وسوف أشتريها منكم إذا اشتريتموها سوف أشتريها منكم، هذا يسمى بيع المرابحة للآمر بالشراء.

أقسامها: تنقسم إلى قسمين:

  • القسم الأول: أن يتعاقد ذلك الرجل مباشرة مع المصرف أو المؤسسة أو الفرد من الناس تعاقدًا مباشرًا لشراء تلك السلعة.
  • القسم الثاني: ألا يحصل تعاقد سابق بين ذلك الرجل، وبين تلك المؤسسة أو المصرف أو الفرد على إتمام عملية البيع والشراء، لكن يحصل وعد من تلك المؤسسة أو المصرف أو الفرد، بشراء تلك البضاعة التي يعدهم هذا الرجل بأنه سوف يشتريها منهم، وهذا الوعد وعد غير ملزم، فليس هنا عقد، إنما هو مجرد وعد غير ملزم من الطرفين، فيقول هذا الرجل: إذا اشتريتم لي هذه السلعة بهذه المواصفات، أعدكم بأنني سوف أشتريها منكم.

حكم بيع المرابحة للآمر بالشراء

فحكم الحالة الأولى هو أن يحصل التعاقد مباشرة من ذلك الرجل مع ذلك المصرف أو المؤسسة أو الفرد هذا محرم، ولا يجوز؛ لماذا؟ لأن المؤسسة أو المصرف أو الفرد قد باع ما ليس عنده، وقد نهى النبي عن ذلك، كما جاء في حديث حكيم بن حزام قال: قلت: يا رسول الله، يأتيني الرجل فيريد مني البيع ليس عندي، فأبتاعه، يعني: أشتريه له من السوق، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: لا تبع ما ليس عندك [7]، وهو حديث رواه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود، وهو حديث صحيح،

فهنا حكيم بن حزام  يقول: إن الرجل يأتيني يريد أن يشتري الشيء وهو ليس عندي، أذهب واشتريه من السوق، فالنبي نهى عن ذلك، وقال: لا تبع ما ليس عندك ولذلك لا يجوز أن يحصل هذا العقد مباشرة.

الصورة الثانية: طيب قبل هذه الصورة في الحقيقة هي حيلة على الربا، حيلة على القرض بفائدة، كأن هذا الرجل قال لتلك المؤسسة أو المصرف أو الفرد: أقرضني قيمة هذه السلعة بفائدة معينة، لكن بدلًا من أن يسلك هذا المسلك أتى بهذه الحيلة، وهذا البيع الصوري، للحصول على القرض المحرم.

أما بالنسبة للصورة الثانية التي ليس فيها عقد، وإنما وعد يقول: اشتروا لي هذه السلعة، وأعدكم بأنكم إذا اشتريتموها سوف أشتريها منكم، هي خلاف الصورة الأولى، الصورة الأولى بينهما عقد، لكن الصورة الثانية ليس في عقد، وإنما مجرد وعد غير ملزم أيضًا؛ لأن الوعد الملزم بمعنى العقد، لكنه وعد غير ملزم، اشتروا لي هذه السلعة، وإذا اشتريتموها سوف أشتريها منكم، هذه بعض العلماء قال: بأنها حيلة على الربا، ومنعها، ولكن أكثر العلماء قالوا: بالجواز، وهذا قد أقره مجمع الفقه الإسلامي الدولي، تبع منظمة المؤتمر الإسلامي، وأيضًا اختاره من المعاصرين شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وعامة العلماء في الوقت الحاضر يفتون به، ولكن تجوز هذه الصورة بشرطين:

  • الشرط الأول: أن يكون الاتفاق المبدئي بينهما مجرد وعد بالبيع ووعد بالشراء، وهذا الوعد يعني وعد غير ملزم، كما قلنا، فلكل منهما الخيار في إتمام ذلك البيع من عدمه، ويترتب على هذا أن السلعة لو تلفت بعد الوعد بالشراء، وقبل إبرام العقد فهي من ضمان تلك المؤسسة أو المصرف أو الفرد، يعني الموعود بالشراء منه؛ لأنه ليس عندنا الآن عقد، وإنما مجرد وعد.
    ومعلوم أنه أن هناك فرقًا بين الوعد والعقد، فالوعد مجرد إبداء الرغبة في الشيء، الوعد مجرد إبداء الرغبة في الشيء، وأما العقد فهو ارتباط منجز ملزم، وفي حكم العقد الوعد الملزم، الوعد الملزم هو في الحقيقة بمعنى العقد، إذًا الشرط الأول: أن يكون الاتفاق بينهما مجرد وعد، وليس عقدًا، أيضًا مجرد وعد غير ملزم وليس عقدًا.
  •  الشرط الثاني: ألا يقع العقد بينهما إلا بعد تملك الموعود بالشراء منه، من مؤسسة أو مصرف أو فرد، تملكها للسلعة، وقبضها قبضًا تامًا.

إذًا الشرط الثاني: ألا يقع العقد بينهما إلا بعد أن يتملك الموعود بالشراء منه السلعة ويقبضها قبضًا تامًا، فإذا تحقق هذان الشرطان، فلا بأس، يأتي شخص لمؤسسة أو فرد، أو حتى مصرف، ويقول: أنا أريد السلعة الفلانية، اشتروها لي وسوف أشتريها منكم، فلم يكن بينهما عقد، ثم بعد ذلك يتملك الموعود بالشراء منه من المؤسسة أو الشركة أو المصرف، أو حتى الفرد يتملك هذه السلعة، ويقبضها قبضًا تامًا، ثم يبيعها عليه، إذا تحقق هذان الشرطان فهذا لا بأس به، ولكن الواقع أنه في كثير من الأحيان يحصل الإخلال بهذين الشرطين أو بأحدهما، فإما أن يبرم العقد قبل شراء السلعة، فيكون هذا من قبيل بيع ما ليس عنده، وإما ألا يبرم العقد، لكن يكون الموعود بالشراء منه لا يملك السلعة، وإنما يتفاهم مع معرض من المعارض مثلًا مجرد تفاهم معه على أن يحول عليه الزبائن، ومعلوم أنه لا بد من تعيين السلعة، وتملكها بعينها لا بمجرد الوصف، أما مجرد تحويل الزبائن أو البيع بمجرد الوصف فهو غير كافٍ، ومجرد التفاهم بين البنك وبين صاحب المعرض هذا لا يكفي، لا بد من أن يتملك المصرف هذه السلعة ويقبضها، بحيث لو تلفت فهي من ضمانه، وليست من ضمان صاحب المعرض، فإذا تحقق هذان الشرطان فلا بأس.

ولذلك من أراد أن يشتري بطريق المرابحة، عن طريق المرابحة للآمر بالشراء، فلا بد من أن يتحقق من هذين الشرطين، يكون الاتفاق المبدئي على سبيل الوعد غير الملزم، فلا يكون بينهما كتابة، ولا يكون بينهما عقد ولا يكون بينهما عربون، ولا أي شيء.

الشرط الثاني الموعود بالشراء منه يتملك هذه السلعة ويقبضها قبضًا تامًا، ولا يكون مجرد تفاهم، وإنما يتملكها تملكًا حقيقيًّا، ويقبضها قبضًا تامًا، بحيث إذا تلفت فهي من ضمانه، ثم يبيعها على هذا الشخص الذي وعده بالشراء منه، فهذا لا بأس به؛ لأن الأصل في العقود الحل والإباحة، ولا نستطيع أن نمنع شيئًا، ونحرم شيئًا إلا بدليل واضح.

وفي هذا القول في الحقيقة توسعة على الناس، وليس كل واحد يجد من يقرضه، وقد جاء في حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتي بتمر برني، فقال رسول اللَّه : أكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ فقالوا: لا يا رسول الله، إنا نبيع الصاع من هذا بالصاعين من هذا، والصاعين بالثلاثة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوه هذا عين الربا، ثم أرشد النبي إلى المخرج، فقال: ولكن بع الجمع بالدراهم واشتري بالدراهم جنيبًا [8].

يعني: بع التمر الردي بالدراهم، ثم اشتري بالدراهم تمرًا جيدًّا، وهذا الحديث قد تكلمنا عنه كلامًا طويلًا عندما تكلمنا عن مسائل الربا.

قد يقول قائل: أليس هذا حيلة على الربا؟ لأن بيع الصاعين من التمر الرديء بدراهم، ثم شراء صاع من التمر الجيد بتلك الدراهم يؤدي للنتيجة نفسها، عند بيع الصاعين من التمر الرديء بالصاع من التمر الجيد مباشرة، فهل هذا حيلة؟ نقول: ليس بحيلة، يعني: بيع صاع بصاعين هذا ربا، لكن بيع صاعين بدراهم، ثم يشتري بالدراهم صاعًا، هذا ليس ربا، هذا مخرج شرعي، قد يقول قائل: ما الفرق بينهما؟ النتيجة واحدة، الغرض واحد.

قد يقول قائل: هذا حيلة على الربا، كونك تبيع الصاع بدراهم، ثم تذهب وتشتري بالدراهم صاعًا، هذا حيلة على الربا، نقول: هذا ليس بصحيح، هذا هو المخرج الذي أرشد إليه النبي ، أقول: هذا لأن بعض العلماء حرم مسألة بيع المرابحة للآمر بالشراء، وقال: إنها حيلة على الربا، فقلنا: ليست بحيلة، وإلا لو أردت أن تنطلق من هذا المنطلق، طيب هذا المخرج الذي ذكره النبي ، بيع الصاعين بدراهم، ثم تشتري بالدراهم صاعًا من تمر، قد يقول قائل: أيضًا هذه حيلة، ومع ذلك أرشد إليها النبي .

إذًا، نقول: لا نسلم بأن هذا حيلة على الربا، بل نقول: إن هذا مخرج من المخارج المباحة في هذا، وكما قلنا: ليس كل أحد يجد من يقرضه، وربما يحتاج الإنسان إلى السيولة، فلا يجد من يقرضه، ويأتي يسلك هذا المسلك، فنقول: إن هذا لا بأس به، عندما نتأمل في هذا العقد، هو في الحقيقة وعد غير ملزم، وعد غير ملزم، وهو مجرد إبداء رغبة في هذه السلعة، يقوم الموعود بالشراء منه بتملكها وقبضها، ثم بيعها على من وعده بالشراء، لكن عندما نتأمل إلى واقع البنوك على وجه الخصوص، نجد أنها توسعت في هذا توسعًا كبيرًا، نجد أن هناك إخلالًا في التطبيق من حيث مثلًا التنظير، ومن حيث قرارات الهيئة الشرعية تجد أنها سليمة، لكن الخلل يأتي في التطبيق، فربما أن هذا العميل يتعاقد مع البنك مباشرة، عن طريق الموظف، والبنك لم يملك بعد هذه السلعة، أو ربما أنه لا يتعاقد معه، لكن البنك لا يملك هذه السلعة، وإنما يتفاهم مع صاحب ذلك المعرض مثلًا، ومع ذلك التاجر، مجرد تفاهم، ولا يملك تلك السلعة، ولم يقبضها، فهذا في الحقيقة صحيح أنه خرج بهذه الصورة إلى التعاملات المحرمة، لكن وجود إشكالات على تعاملات مباحة، لا يجعلنا نخرجها من دائرة الجواز إلى دائرة الحظر، فبعض الناس يسيؤون في بعض التعاملات، حتى في البيع، وفي الشراء، وفي القرض، وفي الرهن، وفي الضمان، بعض الناس يسيء في هذا، فهل معنى ذلك أن نحرم هذه العقود على الناس؟

لا، ننكر إساءة من أساء فقط، لكن يبقى أصل التعامل مباحًا، فبيع المرابحة للآمر بالشراء بهذين الشرطين جائز، فلا نستطيع أن نحرم هذه المعاملة بسبب إساءة من أساء، لكن ننكر إساءة من أساء في هذا، فنقول لمن مثلًا تعاقد قبل أن يملك الموعود بالشراء منه، السلعة نقول: قد أخطأت في هذا.

نقول: أيضًا إذا كان الموعود بالشراء من يبيع قبل أن يتملك البضاعة ويقبضها نقول: قد أخطأت في هذا، لكن العملية من حيث الأصل هي جائزة؛ ولذلك لو أن أحدًا التزم بتطبيق هذه الشروط، وهذه الضوابط، فنقول: إن تعاملك مباح، ولا بأس به.

إذًا هذه أيها الإخوة نبذة عن بيوع التقسيط التي تمارسها المصارف، وحتى غير المصارف أيضًا، حتى يعني على مستوى الأفراد، لكنها في الآونة الأخيرة انتشرت على مستوى المصارف والشركات.

وأكتفي بهذا القدر، وألتقي بكم على خير في المحاضرة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 2239، ومسلم: 1604.
^2 رواه أبو داود: 3357.
^3 رواه البخاري: 2168، ومسلم: 1504.
^4 رواه البخاري: 2068، ومسلم: 1603.
^5 رواه أبو داود: 3382.
^6 رواه البخاري: 2750، ومسلم: 1035.
^7 رواه أبو داود: 3503، والترمذي: 1232، وابن ماجه: 2187، والنسائي: 4613، وأحمد: 15311، وقال الترمذي: حديث حسن.
^8 رواه البخاري: 2312، ومسلم: 1594.