|categories

(13) مسائل في الحج

مشاهدة من الموقع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهلًا وسهلًا بكم مشاهدينا الكرام، مشاهدي شبكة قنوات المجد الفضائية في برنامجكم “مسائل في الحج”، والذي نتحدث فيه عن رحلة العمر، هذه الرحلة العظيمة الحج، في مطلع هذه الحلقة يسعدنا أن نرحب هنا بصاحب الفضيلة شيخي وأستاذي الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.

صاحب الفضيلة أهلًا وسهلًا بك.

الشيخ: أهلًا حياكم الله، وبارك فيكم، وحيا الله الإخوة المشاهدين.

المقدم: الله يبارك فيك شيخنا، وصلنا إلى تقريبًا شاطئ أمان هذه الرحلة العظيمة، رحلة العمر الحج، فهنا ترد بعض الأسئلة لعلنا نأخذها؛ بعد أن يقضي الحاج نسكه، ما الذي يشرع له فعله؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإذا قضى الحاج نسكه، فإن الله تعالى يقول: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۝وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ۝أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [البقرة:200-202].

فقوله: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ يعني: انتهى الحج، وفرغتم من الحج، فَاذْكُرُوا اللَّهَ يعني: اذكروا الله تعالى ذكرًا كثيرًا، كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا هنا اختلف المفسرون في المعنى، فقيل المعنى: كما أن الطفل يلهج بذكر أبويه، نجد أن الطفل يقول: بابا وماما، كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ فأنت تلهج بذكر الله تعالى، تكثر من ذكر الله تعالى، كما أن هذا الطفل يلهج بذكر أبويه.

والقول الثاني في معنى الآية: هو أن كفار قريش كانوا إذا فرغوا من الحج، وقفوا في مِنى وجعلوا يذكرون مفاخر آبائهم، فيقول هذا: إن أبي كان يفعل كذا وكذا وكذا، وهذا يقول: إن أبي كان يفعل كذا وكذا وكذا، فأمر الله تعالى بأن يذكروا الله تعالى، كما يفعلون ويذكرون آباءهم.

والقولان تحتملهم الآية، والمقصود: أنكم إذا فرغتم من الحج، فأكثروا من ذكر الله ؛ ولهذا ينبغي للحاج أن يكثر من ذكر الله تعالى بعد فراغه من الحج، وأن يكثر أيضًا من الاستغفار، فإن الله تعالى قد أمر بالاستغفار، وشرع الاستغفار عند الفراغ من العبادات؛ فالصلاة عندما يفرغ المصلي من الصلاة ويسلم، يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام.

المقدم: كذلك والمستغفرين في الأسحار.

الشيخ: نعم، والمستغفرين في الأسحار بعد الفراغ من قيام الليل، وكذلك أيضًا: عند آخر رمضان: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]، فينبغي الإكثار من الاستغفار، ومن ذكر الله عند الفراغ من النسك.

وهنا قال : كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ [البقرة:200]، كان هناك بعض الأعراب يدعون الله بعد الفراغ من الحج، لكن يدعون بأمور الدنيا فقط، ما يدعون بأمور الآخرة، يقولون: اللهم اجعل هذا العام عام خصب ومطر، وكذا وكذا، يدعون بأمور الدنيا، لكن أمور الآخرة ما يدعون بها، فذمهم الله تعالى، قال: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ.

وهذا فيه ذم لمن قصر دعاءه على أمور الدنيا، وترك أمور الآخرة، قال: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، يعني: جمعوا بين الدعاء بأمور الدنيا والآخرة.

المقدم: بالحسنيين.

الشيخ: بالحسنيين، أثنى الله تعالى عليهم، قال: أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا [البقرة:202]؛ ولهذا كان أكثر دعاء النبي كما في حديث أنس  في الصحيحين: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار [1].

المقدم: وهذا أجمع دعاء.

الشيخ: هذه أعظم دعوة، وأجمع دعوة، وأكثر دعوة كان يدعو بها النبي ، فاحرص يا أخي المسلم على هذه الدعوة، احرص يا أخي المسلم حاجًّا كنت أم غير حاج، احرص على هذه الدعوة، قل كل يوم، لا يفوتك هذا الدعاء: رب آتني في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقني عذاب النار.

ما هي الحسنة التي في الدنيا؟

الحسنة التي في الدنيا هي باختصار: السعادة، أن تعيش في هذه الدنيا سعيدًا، وردت تفسيرات عن بعض السلف، لكن بأمثلة، يعني بعضهم قال: الزوجة الصالحة، وبعضهم قال: الدار الواسعة، والمركب الهني.

المقدم: كلها تؤدي إلى السعادة.

الشيخ: كلها مؤداها إلى السعادة، فالحسنة التي في الدنيا: أن تعيش في هذه الدنيا سعيدًا، والحسنة في الآخرة الجنة التي نعيمها أعظم نعيم، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، تسأل الله تعالى أن يقيك عذاب النار، بأن يوفقك للعمل الصالح، وأن يجنبك الوقوع في المعاصي أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا [البقرة:202]، نصيب يعني: حظ مِمَّا كَسَبُوا وهذا يدل على أن بعض هذه الدعوات سوف تستجاب، لكن ليس جميع ما يدعون به.

المقدم: مِمَّا.

الشيخ: لأنه قال: أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا [البقرة:202]، ففي الآية إشارة إلى أن بعض هذا الدعاء سيستجاب، وليس جميع هذا الدعاء، ثم أيضًا الحاج بعد فراغه من النسك ينبغي أن يكتم أموره التي في الحج، لا يتحدث يقول: حصلت لنا متاعب ومصاعب، وكذا وكذا وكذا.

المقدم: وتصدقنا.

الشيخ: أو تصدقت بكذا؛ لأن هذا ربما يؤثر على أجره، وإنما يحتسب ذلك عند الله ، يحتسب ما قد وجده من مشقة أو من تعب عند الله ، حتى يكون الأجر عظيمًا، وحتى يكون الثواب جزيلًا؛ لأنه إذا أصبح يتحدث للآخرين مما رأى وكذا، كأنه يتسخط، وكأنه يتشكى، ويعني كأن هذا الأمر فيه نوع منافاة لكمال الصبر.

المقدم: بعض المسائل شيخنا نوردها بما أنه برنامجنا مسائل: الحج المبرور قلتم إنه يكفر حتى الكبائر، هل ينطبق هذا كذلك على حج النافلة؟

الشيخ: نعم، أولًا يعني لم نُبيّن ما معنى الحج المبرور، الحج المبرور: هو الذي أتى به صاحبه على الوجه الأكمل، ولم يقع منه فيه إثم ولا معصية، يعني حرص على أن يأتي فيه بالواجبات، وما استطاع من السنن، ولم يقع منه فيه إثم ولا معصية.

وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: من حج فلم يرفث ولم يفسق [2]، الفسوق معناه: المعاصي؛ ولذلك ينبغي للحاج أن يحرص على ألا تقع منه في أثناء حجه معصية، وألا تقع منه المعاصي عمومًا، لكن يتأكد منها وقت الحج، هذا هو الحج المبرور.

وهو يشمل الفريضة والنافلة، الحج المبرور كما يكون في الفريضة يكون في النافلة؛ ولذلك فالحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، يشمل حج الفريضة وحج النافلة.

المقدم: نعم، يحظر على الحاج تغطية رأسه، فهل محظور أن يغطي وجهه مثلًا عند نومه؟

الشيخ: تغطية الوجه للرجل المُحرم هذه محل خلاف بين الفقهاء، وسبب الخلاف هو الخلاف في ثبوت الرواية في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة الرجل الذي وقصته دابته يوم عرفة وهو مُحرم، فقال النبي : اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه وجاء في رواية عند مسلم: ولا وجهه [3] فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا [4]، الرواية المتفق عليها في الصحيحين التي اتفق عليها البخاري ومسلم: لا تخمروا رأسه ثم إن مسلمًا ساق الحديث برواية: ولا وجهه لكن هذه الزيادة، ولا وجهه غير محفوظة، وهي شاذة عند المحدثين.

بل إن الإمام مسلمًا إنما أوردها من باب التنبيه على ضعفها؛ لأن من منهج الإمام مسلم في صحيحه: أنه يورد الرواية الصحيحة، ويورد بعدها الرواية الضعيفة من باب التنبيه على ضعفها، وقد أشار إلى هذا في مقدمته.

فإذن الرواية الصحيحة المحفوظة: ولا تخمروا رأسه وأما زيادة: ولا وجهه فإنها ضعيفة، وعلى ذلك فلا بأس بأن يغطي المُحرم وجهه؛ لأنه لم يثبت في ذلك شيء عن النبي .

المقدم: سواء بالكمامات أو عند نومه يضع غطاء عليها.

الشيخ: نعم، حتى بالكمامات لا بأس بهذا، أو بأن يضع غطاء على وجهه، إنما هو ممنوع من تغطية رأسه فقط.

المقدم: في قماش كذلك يشترى يوضع على العينين حتى من الإضاءة لا بأس به؟

الشيخ: للرجل لا بأس به، أما المرأة فإن المرأة المحرمة ممنوعة من النقاب، وما كان في معنى النقاب، فلا تلبس شيئًا في معنى النقاب، البرقع مثلًا في معنى النقاب، فتجتنب النقاب وما كان في معناه.

المقدم: إصلاح الشعر، سواء من الرجل أو المرأة، خصوصًا إذا علم أنه سيتساقط، يعني من عادته إذا لمسه أنه يسقط.

الشيخ: لا بأس أن يصلح المحرم شعره من الرجل أو المرأة، وهكذا أيضًا المضحي الذي يمسك عن الأخذ من شعره وأظفاره، لا بأس أن يصلح شعره، بل لا بأس أن يمتشط، لا بأس أن يستخدم المشط، ويسرح شعره.

والدليل لهذا: ما جاء في الصحيحين في قصة عائشة رضي الله عنها أنها لما حاضت، كان مما أرشدها إليه النبي عليه الصلاة والسلام قال: انقضي شعرك وامتشطي [5] مع أنها محرمة، ومع ذلك أرشدها للامتشاط، فدل هذا على أن الامتشاط أنه لا بأس به للمحرم، ولا بأس به أيضًا لمن أراد أن يضحي، وما يتساقط من الشعر هو في الحقيقة شعر ميت لا يضر.

المقدم: يعني: لم يقصد هو إزالته.

الشيخ: لم يقصد إزالته، نعم، لكن مع ذلك إذا أراد أن يمتشط المحرم فينبغي أن يكون ذلك برفق.

المقدم: مَن أجَّلَ..، أو أخَّر طواف الوداع..، الإفاضة إلى الوداع.

الشيخ: هذا السؤال في الحقيقة هو يعني أكثر أسئلة الحجاج شيوعًا من خلال رصدي في الفتوى في الحج لأسئلة الحجاج في الأعوام الماضية، يعني هذا السؤال رقم واحد، فنقول: لا بأس أن يؤخر الحاج طواف الإفاضة إلى آخر أعماله، ويكفي عن طواف الوداع، أو ينويه طواف إفاضة ووداع، لا بأس بذلك.

المقدم: تبديل ملابس الإحرام.

الشيخ: لا بأس بتبديل ملابس الإحرام، ولا بأس بالاغتسال، كل هذا لا بأس به، وبعض العامة يشدد على نفسه في هذا، وهذا التشديد لا أصل له.

المقدم: أحيانًا في الصلاة بملابس الإحرام قد يتكشف شيئًا من البطن أو السرة، يؤثر هذا على الصلاة.

الشيخ: إذا كان عن قصد وعمد، وكان دون السرة فهذا يؤثر؛ لأن ستر العورة من شروط صحة الصلاة.

المقدم: حتى لو كان في بعض… الصلاة ليس…

الشيخ: والعورة ما بين السرة إلى الركبة، أما إذا كان من غير قصد، فإنه لا يؤثر، وقصة عمرو بن سلمة كان يصلي بقومه، وكان قميصه قصيرًا، فكان ربما انكشف شيء من العورة، فقالت امرأة من القوم: واروا عنا عورة قارئكم [6].

المقدم: لكن من الناحية العملية شيخنا قد يصعب دائمًا يعني الإحرام في الصلاة قد يسبب إشكالية يعني قد يسقط، يضر هذا.

الشيخ: ولذلك هو بخاصة عند الصلاة ينبغي أن يرفع الإزار، ويجعله على السرة، إذا جعل الإزار على السرة زال الإشكال.

المقدم: يعني: لا يضر ما تكشف منه.

الشيخ: لا يضر هنا التكشف، هنا الصدر بالنسبة للرجل لا يضر، لكن الأفضل أن يستر صدره، والسنة أيضًا أن يستر عاتقيه، لا يصلين أحدكم بالثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء [7].

المقدم: يعني: إذا كان مضطبعًا فعليه إذا جاء أن يصلي أن يضعها على كتفه.

الشيخ: نعم.

المقدم: هنا نشير إلى الاضطباع والرمَل.

الشيخ: الاضطباع معناه: أن يجعل وسط ردائه تحت كتفه، أو تحت يده اليمنى، ويجعل طرفي ردائه على كتفه الأيسر، أي: أنه يكشف عاتقه الأيمن أو كتفه الأيمن، فيجعل وسط ردائه تحت يده اليمنى، ويكشف عاتقه الأيمن وكتفه اليمنى، ويجعل طرفي ردائه على كتفه الأيسر، أي: أنه يأخذ هذا الرداء ويكشف كتفه الأيمن ويستر كتفه الأيسر، هذا هو الاضطباع.

وأما الرمَل فمعناه: الإسراع في المشي، مع مقاربة الخُطى، وهذا إنما يكون فقط في الثلاثة الأشواط الأولى، لكن الرمَل والاضطباع إنما يشرعان في طواف القدوم خاصة، ولا يشرعان في غيره، فمثلًا إذا كان الحاج متمتعًا يشرع له في طواف العمرة الرمل والاضطباع، وأما في طواف الإفاضة لا يشرع الرمل ولا الاضطباع، وهكذا بالنسبة للقارن وللمفرد.

على أن أيضًا الاضطباع أمره سهل، ممكن يفعله الحجاج الآن وفي كل وقت أن يكشف كتفه اليمنى، لكن الرمَل ربما لا يتيسر لكثير من الحجاج في هذا الوقت بسبب الزحام.

المقدم: التضلع من ماء زمزم.

الشيخ: التضلع من ماء زمزم مشروع؛ لأن ماء زمزم ماء مبارك، ومعنى التضلع: أن يشرب من غير عطش، حتى ينال بركة هذا الماء المبارك.

المقدم: يعني: يكثر من شربه.

الشيخ: يكثر من شربه، نعم.

المقدم: ما يترتب على ارتكاب المحظورات في الحج.

الشيخ: ما يترتب على ارتكاب المحظور هذا يختلف باختلاف المحظور الذي ارتكبه، فإذا كان المحظور الذي ارتكبه قتل صيد، فإنه يكون عليه جزاء الصيد يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95]، إلى آخر الآيات.

أما إذا كان المحظور هو الجماع فهو أشد المحظورات، ويترتب عليه إذا كان قبل التحلل الأول أمور عظيمة، يترتب عليه أولًا: فساد الحج، فسد حجه، بطل حجه.

المقدم: مع إكماله.

الشيخ: ويترتب عليه ثانيًا وجوب المضي فيه، ويترتب عليه ثالثًا: وجوب قضائه من العام القابل، ويترتب عليه رابعًا: أن ينحر بدنة، ويترتب عليه خامسًا: التوبة إلى الله .

المقدم: ويبقى على إحرامه.

الشيخ: نعم، كل هذه الأمور الخمسة مترتبة على الجماع قبل التحلل الأول.

المقدم: أنا أقصد شيخنا يبقى على إحرامه إلى غاية قابل السنة.

الشيخ: لا، لا يبقى على إحرامه، وإنما يكمل حجه، لكن حج فاسد، لكن يجب أن يمضي فيه ويكمله، أما إذا كان بعد التحلل الأول، فيترتب عليه فدية ولا يفسد حجه.

المقدم: باقي المحظورات.

الشيخ: بقية المحظورات فيها فدية: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196].

المقدم: على التخيير.

الشيخ: نعم، على التخيير، والصيام صيام ثلاثة أيام في أي مكان، والصدقة إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم، والنسك: هو ذبح شاة في الحرم، وتوزع على فقراء الحرم، لكن عقد النكاح ليس فيه فدية، وإنما فقط فساد النكاح؛ لأن النكاح لا يصح.

المقدم: النسك وإطعام ستة مساكين يجب أن تكون على فقراء الحرم.

الشيخ: يجب أن تكون على فقراء الحرم، وربما أيسرها في وقتنا الحاضر إطعام ستة مساكين، وبإمكانه أن يذهب مثلًا لمطعم من مطاعم مكة أو منى، ويطلب ست وجبات أرز مع لحم مثلًا، ويوزعها على ستة من فقراء الحجاج، أو ممن في الحرم.

المقدم: هي بقدر إطعام مسكين، يعني بكم يقدر مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ [المائدة:89].

الشيخ: الصحيح أن المرجع في ذلك للعرف، والمطعم عنده عرف مستقر، يعني يقول مثلًا: وجبة، أريد ست وجبات، عندهم عُرف مستقر، وبعض الفقهاء يقدرها بنصف كيلو، نصف صاع، وهي كيلو ونصف.

وقد جاء في حديث كعب بن عجرة التحديد بنصف صاع، في قوله عليه الصلاة والسلام: أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع [8]، ونصف الصاع يعادل تقريبًا كيلو ونصف، أو يعني قد لا نقول: كيلو ونصف، يمكن كيلو وربع، أو حتى أقل من الربع.

المقدم: كثيرًا ما يشكل على الحجاج أنهم أو بعضهم من خلال ما يرد لكم شيخنا من إشكالات أنهم لا يفرقون بين ترك الواجب والوقوع في المحظور.

الشيخ: نعم، هذا سؤال جيد، ترك الواجب يترتب عليه دم عند جمهور الفقهاء، وليس مخيرًا، إنما الدم متحتم.

المقدم: ترك الواجب مثل؟

الشيخ: مثل مثلًا: مجاوزة الميقات بدون إحرام، يجب عليه أن يحرم عند المرور من الميقات، فتجاوز الميقات بدون إحرام.

المقدم: وإن لم يرجع.

الشيخ: أحرم مثلًا من مكة، هنا يجب عليه دم، ترك المبيت بمنى، ترك الرمي، هنا يجب عليه دم، أما ارتكاب المحظور، إذا كان المحظور من غير الجماع من غير قتل الصيد، فهو مخير بين الأمور الثلاثة، بين إطعام ستة مساكين، وذبح شاة، وصيام ثلاثة أيام.

المقدم: هل تتضاعف شيخنا المحظورات، يعني لنفرض أنه غطى شعره عمدًا، غطى رأسه، ثم نزع، ثم بعد ساعات غطى مرة أخرى، كفارتان.

الشيخ: لا، كفارة واحدة تتداخل إذا كانت من جنس واحد تتداخل يعني غطى رأسه، ثم غطى رأسه، ثم غطى رأسه، كفارة واحدة، لكنه لو غطى رأسه وتطيب كفارتان.

المقدم: نعم، يعني إذا اختلفت.

الشيخ: إذا اختلف جنس الفعل فإنها تتعدد الكفارة.

المقدم: يعني: في تغطية الرأس مثلًا لو أنه وضع تغطية، ثم وضع عليها شماغًا مثلًا، كفارة واحدة.

الشيخ: كفارة واحدة، نعم.

المقدم: بالنسبة الآن يعني تقريبًا في قضية التفريق بين الواجب أنه يكون دم.

الشيخ: نعم، يتحتم الدم.

المقدم: وأما المحظورات فعلى التخيير.

الشيخ: فعلى التخيير، نعم، بين الصدقة والصيام: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، الصيام ثلاثة أيام، والصدقة إطعام ستة مساكين، والنسك ذبح شاة في الحرم.

المقدم: نعم، بقي أقل من دقيقة رسالة ترسلها إلى الحاج.

الشيخ: أقول: يا أخي الحاج قد منّ الله عليك بأن قمت برحلة العمر، هي في الحقيقة رحلة العمر، من الله عليك ووفقك، ويسر لك أداء النسك، فاحمد الله على نعمة التوفيق، واسأل الله تعالى القبول، فإن العبرة ليست بالعمل، وإنما بالقبول، فاسأل الله تعالى والهج بالدعاء بأن يجعل الله تعالى حجك مبرورًا، وأن يتقبل منك ما عملت.

المقدم: آمين يا رب.

الشيخ: أسأل الله تعالى أن يتقبل من حجاج بيته الحرام حجهم، وأن يجعل حجهم مبرورًا، وسعيهم مشكورًا، وأن يستعملنا جميعًا في طاعته، ويوفقنا لما يحب ويرضى من الأقوال والأعمال.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدم: وأنا في ختام هذا اللقاء، وفي ختام هذه الحلقات، أشكرك صاحب الفضيلة الشيخ العلامة: سعد بن تركي الخثلان، على ما نثرت بين أيدينا من درر، وعلى هذه الإيضاحات، وتبيين المشكلات، شكرًا لك.

الشيخ: بارك الله فيكم، وشكرًا لكم، وشكرًا للإخوة المشاهدين.

المقدم: الله يحفظك شيخنا، الشكر كذلك موصول لكم أنتم مشاهدينا الكرام، كان حديثنا عن مسائل في رحلة العمر عن الحج مع صاحب الفضيلة شيخي أستاذي الدكتور/ سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.

نسأل الله أن يتقبل من جميع الحجاج حجهم، وأن يردهم إلى أهلهم سالمين غانمين، وأن يحفظ هذه البلاد على ما تقدم من خدمات جليلة كبيرة للوافدين وقاصدي بيت الله الحرام.

أطيب المُنَى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 6389، ومسلم: 2690.
^2 رواه البخاري: 1521، ومسلم: 1350.
^3 رواه مسلم: 1206.
^4 رواه البخاري: 1851، ومسلم: 1206.
^5 رواه البخاري: 1556، ومسلم: 1211.
^6 رواه البخاري: 4302، بنحوه.
^7 رواه البخاري: 359، ومسلم: 516، بنحوه.
^8 رواه البخاري: 1816، ومسلم: 1201.