عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تتمة الشروط في البيع
هذه هي المحاضرة السابعة في هذه المادة، مادة عقود المعاوضات المالية، وكان آخر ما تكلمنا عنه في المحاضرة السابقة الشروط في البيع، ولم نستكمل الحديث عنها، بقي مسائل وعدتُ بأن أتحدث عنها في هذه المحاضرة.
البيع بشرط البراءة من كل عيبٍ مجهولٍ
من المسائل التي يذكرها الفقهاء في هذا الباب -أعني باب الشروط في البيع- مسألة البيع بشرط البراءة من كل عيب مجهول، البيع بشرط البراءة من كل عيب مجهول، كأن يقول البائع للمشتري: أبيعك بشرط ألا تطالبني بعد إتمام البيع بأي شيء، حتى لو وجدت في السلعة عيبًا، ومن ذلك قول بعضهم عند بيع السيارة مثلًا: أبيعك كومة حديد مثلًا، أو أبيعك الحاضر الناظر، أو أي عبارة بهذا المعنى، يعني: أن البائع يشترط على المشتري أنه بريء من كل عيب، ما حكم هذا العمل؟ هل هذا العمل يجوز شرعًا؟
نحن الآن ندرس هذه المادة، مادة عقود المعاوضات المالية، نجد أن مثل هذه الشروط موجودة، خاصة في سوق المزايدة في الحراج، نجد مثل هذه الشروط، هل هذه الشروط صحيحة؟ وهل يُعفى البائع من المسؤولية عندما يجد المشتري عيبًا في تلك السلعة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة، والذي عليه كثير من المحققين من أهل العلم أنّ البائع إذا كان عالمًا بالعيب فللمشتري الرد بكل حال، ولا ينفع البائع اشتراطه على المشتري براءته من كل عيب، هذا إذا كان البائع عالمًا بالعيب، وأما إذا كان البائع غير عالم بالعيب، فإن الشرط صحيح، ويبرأ البائع باشتراطه لهذا الشرط، هذا هو القول الصحيح في المسألة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم رحمهما الله تعالى.
أعيد القول مرة أخرى، أقول: إذا كان البائع عالمًا بالعيب، فإن اشتراطه لهذا الشرط لا يبرئه ولا يعفيه من المسؤولية، أما إذا كان البائع غير عالم بهذا العيب فإن اشتراطه لهذا الشرط صحيح، ويبرأ من كل عيب، كيف يكون البائع غير عالم؟ نعم، أحيانًا بعض الناس قد يكون يبيع ويشتري بسرعة، فهو قد اشترى سيارة، ويريد أن يبيعها مباشرة، ولا يعلم هل فيها عيوب أم لا، فيشترط على المشتري البراءة من كل عيب مجهول، فهذا الشرط ينفعه، لكن لو كان يعلم بعيب في هذه السيارة، فإن هذا الشرط لا ينفعه، ولا يبرأ من ذلك العيب، قال ابن تيمية رحمه الله: أن الصحيح هو الذي قضى به الصحابة، وعليه أكثر أهل العلم، أنه إذا لم يكن علم بالعيب، فلا رد للمشتري، لكن إن ادعى علمه به، فأنكر البائع، حلف على أنه لم يعلم، فإن نكل قضي عليه، وقال ابن القيم: الصحيح ما جاء عن الصحابة في هذا، طيب ما الذي جاء عن الصحابة؟
الذي أشار له ابن تيمية وابن القيم أن شيئًا وقع في عهد الصحابة ، نعم نقول: إنه وقع في قصة بيع عبدالله بن عمر لزيد بن ثابت رضي الله عنهما، باع عبدالله بن عمر لزيد بن ثابت عبدًا بشرط البراءة من كل عيب، بثمانمائة درهم، فأصاب به زيد عيبًا، فأراد أن يرده على ابن عمر، فلم يقبل، فترافعا إلى عثمان ، فقال عثمان لابن عمر: تحلف أنك لم تعلم بهذا العيب؟ قال: لا، فرده عليه [1].
فهنا ابن عمر اشترط على زيد البراءة من كل عيب، وقبل زيد بهذا الشرط، لكن زيدًا وجد به عيبًا، فأراد أن يرده على ابن عمر، فأبى، لما ترافعا إلى عثمان -أمير المؤمنين – أراد أن يُحلّف ابن عمر: أتحلف أنك لا تعلم بأن به عيبًا؟ فابن عمر رفض أن يحلف، فحكم عليه، قضى عليه بالنكول.
فدل هذا على أن البائع إذا كان يعلم بهذا العيب، فإن هذا الشرط لا ينفعه، ولا يعفيه من المسؤولية، لكن لو كان لا يعلم، فإن هذا ينفعه، طيب من أين استفدنا هذا؟ استفدنا ذلك من اتفاق عثمان وزيد، نعم اتفاق ابن عمر وزيد على هذا الشرط ابتداءً، فإن ابن عمر اشترط على زيد البراءة من كل عيب، ورضي بذلك زيد في ابتداء الأمر، هذا يدل على أن اشتراط البراءة من كل عيب، أنه أمر معروف عند الصحابة، وأنه لا بأس به، لكن إذا وجد المشتري عيبًا بالسلعة، فإن هذا الشرط لا ينفعه، بدليل أن زيدًا وعثمان اتفقا على هذا، على أن البائع إذا علم بالعيب لم ينفعه شرط البراءة، طيب كيف نتحقق من كون البائع يعلم بهذا العيب أو لا يعلم؟ قد يقول قائل: كون البائع يعلم بهذا العيب أو لا يعلم، هذا أمر باطني، متعلق بالقلب، فكيف نعرف أن هذا البائع يعلم بهذا العيب أو لا يعلم به؟
الجواب: يحلف، إذا لم يكن هناك بينة من شهود أو قرائن، أو نحو ذلك، فليس أمامنا إلا تحليف البائع، فيحلف بأنه لما باعه ليس به عيب، كما حلّف عثمان ابن عمر، فإنّ حلف فإن المشتري لا يملك رد المبيع، وإن لم يحلف فإنه ترد السلعة على البائع، كما رد عثمان العبد على ابن عمر، ابن عمر رضي الله عنهما لما رده، رد عثمان العبد عليه، باعه بألف درهم، مع أنه كان قد باعه زيد بن ثابت بثمانمائة درهم، لكن لما رد عليه العبد باعه بربح، باعه بألف درهم، ربما أن ابن عمر رضي الله عنهما أنه تورع عن الحلف.
ومعلوم أن السلف كانوا يتورعون عن الأيمان، وإن كانوا صادقين، لكن أمام القضاء، أمام عثمان إذا امتنع عن الحلف، فإنه يقضي عليه بالنكول، بغض النظر عن السبب الذي جعله يمتنع عن الحلف.
خلاصة الكلام في هذه المسألة: أن القول الراجح في اشتراط البيع بشرط البراءة من كل عيب مجهول: أنه إذا كان البائع يعلم بهذا العيب، فإن هذا الشرط لا ينفعه، وأن للمشتري أن يرد السلعة بمقتضى خيار العيب. أما إذا كان البائع لا يعلم بهذا العيب؛ فإن هذا الشرط ينفعه.
تعليق البيع بشرط
أيضًا مما يذكره الفقهاء في هذا الباب مسألة تعليق البيع بشرط، كأن يقول: بعتك إن جئتني بكذا، أو بعتك إن رضي أبي، أو بعتك على مشورة فلان من الناس، البيع المعلق هل يصح أو لا يصح؟
أيضًا هذا محل حلاف بين الفقهاء، فمن الفقهاء من قال: إنه لا يصح البيع في هذه الحال؛ لإن مقتضى البيع هو نقل الملك حال التبايع، وهذا الشرط يمنعه، ولكن القول الصحيح الذي عليه كثير من المحققين من أهل العلم، أنه لا بأس بذلك، وأن البيع صحيح؛ إذ ليس هناك دليل يمنع من صحة البيع في هذه الحال، والأصل في المعاملات الحل والإباحة، وفي الشروط اللزوم والصحة.
ولهذا قال ابن القيم رحمه الله: “ليس في الأدلة الشرعية ولا القواعد الفقهية ما يمنع من تعليق البيع بالشرط، والحق جوازه، فإن المسلمين على شروطهم، إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا، وهذا لم يتضمن واحدًا من الأمرين، فالصواب جواز هذا العقد”، قال: “وهو اختيار شيخنا” يقصد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى على الجميع.
إذًا الصواب أنه يصح البيع المعلق، فالبيع إذًا المعلق نقول: من الفقهاء من منعه، والصحيح أنه لا بأس به، وأنه يصح البيع المعلق، بهذا نكون قد انتهينا من الحديث عن الشروط في البيع.
ننتقل بعد ذلك إلى باب جديد، نبتدئ الحديث به، وسوف نستكمل إن شاء الله تعالى الحديث عن مسائله وأحكامه في المحاضرة القادمة، لكننا نبتدأ الحديث بحسب ما يتسع له وقت هذه المحاضرة.
الخيار في البيع
هذا الباب هو الخيار في البيع، الخيار في البيع، نبدأ أولًا بتعريف الخيار، ما هو الخيار؟
تعريف الخيار
الخيار اسم مصدر من اختار، وعندما نقول: اسم مصدر، ولا نقول: مصدر، ما الفرق بين المصدر وبين اسم المصدر؟
المصدر هو ما تضمنه طبعًا هذه فائدة هذه للفائدة أن أقولها استطرادًا المصدر هو ما تضمن معنى الفعل بحروفه، بينما اسم المصدر ما تضمن معنى الفعل دون حروفه، فمثلًا اختار المصدر اختيارًا، واسم المصدر خيارًا، توضأ: المصدر توضُّأً واسم مصدر وضوءًا، تسحّر المصدر تسحُّرًا، واسم المصدر سحورًا.
إذا الخيار اسم مصدر، وليس مصدرًا من اختاره، أي: طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الفسخ.
أقسام الخيار باعتبار أسبابه
وينقسم الخيار باعتبار أسبابه، إلى عدة أقسام، سنذكر ثمانية أقسام، وربما أن بعض هذه الأقسام نرجح أنه لا خيار فيها.
نبدأ أولًا: بالقسم الأول، وهو خيار المجلس:
خيار المجلس الأصل فيه هو قول: النبي إذا تبايع الرجلان، فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، وكانا جميعًا، أو يخير أحدهما الآخر، فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك، فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعدما تبايعا، ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع [2]، أخرجه البخاري ومسلم.
وأيضًا في لفظ: البيعان بالخيار، ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وأن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما [3].
ففي هذا الحديث أثبت النبي الخيار للمتبايعين ما داما في مكان التبايع، ولم يتفرقا بأبدانهما؛ ولهذا قال: فكل واحد منهما بالخيار، ما لم يتفرقا، وكانا جميعًا هذا النوع من الخيارات يسميه الفقهاء بخيار المجلس، والمجلس هو موضع الجلوس، والمراد به هنا مكان التبايع، فيثبت لكل من البائع والمشتري الخيار في مكان التبايع في إمضاء البيع أو فسخه، ما داما باقيين في ذلك المكان، سواء كان مكان التبايع مجلسًا، أو كان سوقًا، أو كان سيارة، أو طائرة، أو سفينة، أو غير ذلك، فما دام أن البائع والمشتري في هذا المكان، فلكل واحد منهما الخيار في إمضاء ذلك البيع أو الفسخ، وإذا تفرقا بالأبدان من مكان التبايع لزم البيع.
الحكمة من إثبات الشارع لخيار المجلس
قال ابن القيم رحمه الله في بيان الحكمة من إثبات الشارع لخيار المجلس، قال: “في إثبات الشارع خيار المجلس في البيع حكمة ومصلحة للمتعاقدين؛ وليحصل تمام الرضا، الذي شرطه الله تعالى بقوله: عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29]، فإن العقد يقع بغتة، من غير ترو، ولا نظر في القيمة، فاقتضت محاسن هذه الشريعة الكاملة، أن يجعل للعقد حرمًا، يتروى فيه المتبايعان، ويعيدان النظر، ويستدرك كل واحد منهما”.
فلكل من المتبايعين الخيار بموجب هذا الحديث الشريف، ما لم يتفرقا بأبدانهما من مكان التبايع، البيع يقع أحيانًا بغتة، شخص يقول لآخر: تشتري مني هذه السلعة، ومن المعلوم أن مثل هذه الأشياء التي تقع مباغتة أو مفاجئة، تحتاج إلى شيء من التروي والنظر، وربما أحيانًا يكون الإنسان متعلقًا بالسلعة شغوفًا بها، فإذا اشتراها قلّت رغبته فيها، هذا أمر واقع ومشاهد، نجد بعض الناس يتعلق بالشيء فإذا اشتراه قلت رغبته فيه، حتى يجعل الإنسان فرصة للتروي وللنظر، وأيضًا لأجل هذا المعنى، أثبت له خيار المجلس، يعني جعل له خيار المجلس، ما دام في مكان التبايع، له الحق في أن لا يمضي ذلك العقد، سواء كان بائعًا أو مشتريًا، لكن عندما يحصل التفرق بالأبدان من مكان التبايع، هنا يكون البيع لازمًا، طيب عندما يحصل التفرق يكون البيع لازمًا، ما المقصود بالتفرق هنا؟
التفرق المقصود به التفرق بالأبدان، وحقيقة التفرق بالأبدان الذي يلزم به البيع وينقضي به زمن خيار المجلس، هو يرجع للعرف، ما عده الناس في عرفهم تفرقًا كان كذلك، وما لا فلا، وهذا في الحقيقة مما يختلف باختلاف الأزمان، ومما يختلف أيضًا باختلاف البلدان، ومما ذكره الفقهاء في هذا أن المتبايعين إذا كانا في دار كبيرة، ذات غرف، فالتفرق يحصل بالمفارقة من غرفة إلى غرفة أخرى، وإذا كان في مكان واسع كسوق أو صحراء مثلًا، فالتفرق يحصل بأن يمشي أحدهما مستدبرًا الآخر خطوات، في وقتنا الحاضر إذا كان التبايع عن طريق الهاتف مثلًا، فالتفرق يحصل بإغلاق سماعة الهاتف، إذا كان التبايع عن طريق الشبكة العالمية الإنترنت فيكون التفرق بانقطاع الاتصال بينهما، وهكذا، قد تطول مدة زمن خيار المجلس، كما لو كان مثلًا في طائرة، وتبايعا في الطائرة، وكانا في مقعدين متجاورين، وكانت هذه الرحلة على الطائرة تستغرق ساعات طويلة، فإن زمن خيار المجلس هنا يطول، ويمتد طوال تلك الرحلة، ثم أيضًا لو كما تبايعا وناما في المكان نفسه، فإن خيار المجلس باقٍ حتى يتفرقا بأبدانهما، ولا يقطعه النوم، وتحرم الفرقة من مكان التبايع بقصد الإلزام بالبيع، يعني يحرم أن أحد المتبايعين يذهب من مكان التبايع مباشرة؛ لأجل أن يلزم صاحبه بهذا العقد، هذا لا يجوز، قد ورد النهي عنه في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله قال: ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله [4]، أخرجه أبو داود والترمذي، وهو حديث حسن.
ومعناه: لا يحل أن يفارقه بعد البيع؛ خشية أن يختار فسخ البيع، روي عن ابن عمر، بل جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا اشترى شيئًا يعجبه فارق صاحبه، فكيف نُوفّق بين هذا، وبين ما ذكرناه من أنه لا يجوز للإنسان أن يفارق صاحبه بقصد إلزامه بالبيع؟ نقول: إن هذا محمول على أن ابن عمر رضي الله عنهما لم يبلغه النهي، وإلا فهو من أشد الصحابة تمسكًا بالسنة، لكن كما قال الإمام مالك: “كل يُؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله “.
مسقطات خيار المجلس
مسقطات خيار المجلس: بما يسقط خيار المجلس، أو بما يبطل خيار المجلس؟
-
- أولًا: التفرق بالأبدان، وتكلمنا عنه، إذا حصل تفرق بالأبدان انتهى وانقضى زمن خيار المجلس.
- ثانيًا: موت أحد المتعاقدين؛ وذلك لأن الموت فرقة عظيمة، وهي أعظم من تفرق الأحياء بالأبدان، فالموت لا شك أن فيه مفارقة الروح للجسد، وهذا من أعظم ما يكون من الفرقة؛ ولذلك فإنه ينقضي زمن خيار المجلس بموت أحد المتعاقدين، لو أن شخصًا باع آخر مثلًا سيارة أو بيتًا، ثم إنه مات البائع أو المشتري، فإن البيع يلزم، فان البيع يكون لازمًا، لأنه انقضى زمن خيار المجلس، بهذه الفرقة العظيمة.
- الأمر الثالث: أن يتفق المتبايعان بأن يتبايعا على ألا خيار بينهما، أو يتفقا على إسقاطه بعد العقد، كما يدل لذلك قول النبي في الحديث السابق، أو يُخيّر أحدهما الآخر، فإن خير أحدهما الآخر، وتبايعا على ذلك، فقد وجب البيع، فإذا كان شخص يعرف من صاحبه أنه كثير التردد، فقال: تبيعني سلعتك؟ قال: سوف أبيعك بشرط ألا خيار بيننا، يعني ما يكون في خيار المجلس بيننا، فلا بأس بذلك، وبذلك يسقط خيار المجلس، أو يتبايعا ثم يتفقا على إسقاط خيار المجلس، كما مثلًا لو كان في مكان، ويعني مدة بقائهما في هذا المكان، ربما تطول، فاتفقا على أن يسقطا خيار المجلس، فلا بأس في ذلك؛ لأن الحق لهما، فإذا اتفقا على إسقاطه سقط، هذه هي أبرز المسائل والأحكام المتعلقة بخيار المجلس.
القسم الثاني من أقسام الخيار: خيار الشرط:
معناه: أن يشترط المتعاقدان أو أحدهما الخيار مدة معلومة، وذلك كأن يبيع شخص آخر سلعة، ويقول البائع للمشتري: أنا أشترط أن لي الخيار لمدة ثلاثة أيام، أو أن المشتري هو الذي يشترط ذلك، أو أن البائع أو المشتري يشترطان ذلك، هذا يسميه الفقهاء بخيار الشرط، والأصل فيه قول النبي : المسلمون على شروطهم [5].
ولكن هنا لا بد من تحديد مدة الخيار بمدة معلومة، فلا يصح الخيار إلى مدة مجهولة، لكن لو أطلق الخيار من غير تحديد مدة، كما لو قال البائع: بعتك هذه السلعة بشرط أن لي الخيار، وسكت، من غير أن يحددها بمدة معينة، أو أن المشتري قال: اشتريت بشرط أن لي الخيار، ولم يحدد ذلك بمدة معينة، فإنه يبطل زمن خيار المجلس، يبطل ذلك الخيار عند جمهور الفقهاء، وقال بعضهم: إنه يصح الخيار في هذه الحال، ويتحدد بثلاثة أيام، وهذا هو القول الراجح، وهو الذي عليه كثير من المحققين من أهل العلم، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال: إن أطلقا الخيار ولم يوقتاه بمدة، توجه أن يثبت ثلاثًا، يعني: ثلاثة أيام؛ لخبر حبان بن منقذ ، وكان بلسانه لوثة، وكان لا يزال يُغبن في البيوع، فقال له النبي : إذا بايعت فقل: لا خلابة يعني: لا خديعة ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها، ثلاث ليال، فإن رضيت فأمسك، وإن سخطت فأردد [6]، أخرجه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي، وأصله في الصحيحين.
وجاء في صحيح مسلم: “فكان إذا بايع يقول: لا خيابة بالياء” [7].
قال النووي: “وكان الرجل -يعني حبان بن منقذ- ألثغ، فكان يقول: هكذا لا خيابة، ولا يمكنه أن يقول: لا خلابة”، ومعنى لا خلابة: يعني لا خديعة، أي: لا يحل لك خديعتي، ولا يلزمني خديعتك، لا تلزمني خديعتك لي.
والشاهد: أن النبي جعل له الخيار لثلاثة أيام، مع كل سلعة يشتريها بموجب هذا القول؛ لقوله: لا خلابة، فدل ذلك على أن الخيار إذا أطلق فإنه يتحدد بثلاثة أيام، أيضًا مما يذكره الفقهاء في هذا: أنه لا يجوز اشتراط خيار الشرط؛ لأجل التحايل على الانتفاع بالقرض، مثال ذلك أن يبيع رجل على آخر سيارته بعشرين ألف ريال مثلًا، ويشترط أن لهما الخيار لمدة شهرين، وقد عزما على فسخ البيع في آخر تلك المدة، لكن غرضهما من ذلك هو أن ينتفع المقرض بالثمن، وهو عشرون ألفًا، في هذا المثال، وينتفع المشتري بالسيارة خلال هذه المدة، فهذا العمل محرم؛ لأنه حيلة على الانتفاع بالقرض، كأن المشتري قد أقرض البائع عشرين ألفًا، وشرط عليه الانتفاع بسيارته خلال هذه المدة، لكن لو أن المشتري لا ينتفع بهذه السلعة، خلال مدة الخيار، وإنما أراد المشتري أن يحفظ حقه فقط، فلا بأس بذلك، كما نص على هذا الإمام أحمد، وجمع من أهل العلم، بقي عندنا مسائل متعلقة بخيار الشرط، وهي مسألة تصرف أحد المتبايعين في المبيع خلال مدة خيار الشرط، وما يتعلق بذلك من مسائل، وأحكام سوف نستكمل الحديث عن بقية مسائل خيار الشرط في المحاضرة القادمة إن شاء الله تعالى.
نلتقي بكم على خير في المحاضرة القادمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحاشية السفلية
^1 | رواه مالك في الموطأ رواية محمد بن الحسن: 774. |
---|---|
^2 | رواه البخاري: 2112، ومسلم: 1531. |
^3 | رواه البخاري: 2079، ومسلم: 1532. |
^4 | رواه أبو داود: 3456، والترمذي: 1247، وقال: هذا حديث حسن. |
^5 | رواه الترمذي: 1352، وقال: هذا حديث حسن صحيح. |
^6 | رواه ابن ماجه: 2355، والدارقطني: 3055، والبيهقي في السنن الكبرى: 10765، بنحوه. |
^7 | رواه مسلم: 1533. |