عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذه هي المحاضرة الثالثة في هذه المادة، مادة عقود المعاوضات المالية، وقد تحدثت في المحاضرتين السابقتين عن حقيقة البيع، ذكرنا تعريفه في اللغة وفي الاصطلاح، والأصل في مشروعيته، وعن أركانه، ثم بعد ذلك تحدثت عن شروط صحته.
البيوع المنهي عنها
وفي هذه المحاضرة سوف أتحدث معكم إن شاء الله تعالى عن جملة من البيوع المنهية عنها.
البيع والشراء ممن تلزمه الجمعة بعد النداء الثاني
أبتدئ أولًا بالبيع والشراء ممن تلزمه الجمعة بعد النداء الثاني، فإن هذا مُحرّم، وقد اتفق العلماء على تحريمه، والدليل لذلك هو قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة:9-10].
فنهى الله عن البيع بعد نداء الجمعة، ويشمل ذلك بيع أي شيء؛ حتى ولو كان شيئًا يسيرًا، كعود أراك مثلًا فإنه لا يجوز بعد نداء الجمعة الثاني، والنداء الذي يتعلّق به المنع هو النداء الذي يكون عقب جلوس الإمام على المنبر؛ لأنه النداء الذي كان على عهد رسول الله فتعلّق الحكم به، فيكون اذًا هو المقصود في الآية، فإن الله تعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الجمعة:9].
ولم يكن في عهد النبي إلا هذا النداء، وهو النداء الذي يكون بعد جلوس الإمام علي المنبر، فيكون إذًا هو المقصود في هذه الآية، أما النداء الأول لم يكن موجودًا في عهد النبي ، ولا في عهد أبي بكر، ولا في عهد عمر رضي الله عنهما، وإنما زاده عثمان في عهده لما كثر الناس، فلا يشمله النهي عن البيع الوارد في الآية، وهو من سنة الخلفاء الراشدين، وقد قال عليه الصلاة والسلام: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي [1].
لكنه ليس هو المقصود في الآية؛ ولذلك لا يشمله النهي عن البيع الوارد في الآية، والنهي عن البيع في الآية يقتضي تحريمه، وعدم صحة البيع؛ ولهذا فإن الله تعالى أمر بالسعي إلى ذكره، ونهى عن البيع بعد نداء الجمعة، وقال: ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:9] أي: ترككم البيع وإقبالكم إلى ذكر الله تعالى وإلى الصلاة خير لكم، أي: في الدنيا والآخرة إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة:9-10].
بيع الملامسة والمنابذة والحصاة
ننتقل بعد ذلك إلى نوع آخر من البيوع المنهي عنها، وهو بيع الملامسة والمنابذة والحصاة، بيع الملامسة، وبيع المنابذة، وبيع الحصاة، وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة قال: “نهى النبي عن الملامسة، وعن المنابذة” [2]، وفي صحيح مسلم أيضًا عن أبي هريرة : “أنّ النبي نهى عن بيع الحصاة” [3].
فأما بيع الملامسة، فمعناه: أنّ يقول البائع للمشتري: بعتك هذا الثوب على أنك متى لمسته فهو عليك بكذا، أو يقول: أي ثوب تلمسه فهو عليك بكذا.
وأما بيع المنابذة، فمعناه: أن يقول المشتري للبائع: أي ثوب نبذته، يعني: طرحته إليّ فقد اشتريته بكذا.
وأما بيع الحصاة، فمعناه: أن يقول البائع للمشتري: ارمِ هذه الحصاة فعلى أي شيء تقع فهو لك بكذا، وله صورة أخرى، وهي أن يقول: بعتك من هذه الأرض مقدار ما تبلغ هذه الحصاة، إذا رميتها بكذا.
هذه البيوع بيوع محرمة: الملامسة والمنابذة والحصاة، كلها بيوع مُحرّمة، والحكمة من النهي عن هذه البيوع هو ما فيها من الجهالة والغرر الذي يُفضي إلى المنازعات والخصومات.
قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في فساد هذه المبايعات”، فهي إذًا من بيوع الجاهلية، المبنية على الجهالة والغرر؛ ولذلك حرّمها الشارع.
تكلمنا في المحاضرة السابقة عن حكمة تحريم الشارع لما فيه جهالة وغرر، وأشرنا إلى أن الحكمة هي أن بيع ما فيه جهالة وغرر يُفضي إلى حصول التنازع والخصومة، وإلى حدوث القطيعة والبغضاء والشحناء، والإسلام يسعى إلى قطع كل ما يُؤدي إلى إيقاع الخصومات والشحناء بين أفراد المجتمع؛ ولهذا حرّم الشارع هذه البيوعات، حتى لو حصل تراضٍ في أول الأمر فإنه يُوشك أن ينقلب هذا التراضي إلى نزاع، وإلى خصومات، والواقع خير شاهد بهذا.
وهذه البيوعات وإن كانت هي موجودة عند الجاهلية وأبطلها الإسلام إلا أنه لا يزال بعض الناس في وقتنا الحاضر يمارسونها، أو يمارسون بيوعًا شبيهة بها.
البيع والشراء داخل المسجد
أيضًا من البيوع المنهية عنها: البيع وكذا الشراء داخل المسجد، البيع والشراء داخل المسجد، ويدل لهذا حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: إذا رأيتم من يبتاع في المسجد، فقالوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد ضالة، فقولوا: لا ردها الله عليك [4]، أخرجه الترمذي وغيره.
وفي صحيح مسلم عن بريدة أن رجلًا نشد في المسجد، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر، فقال رسول الله : لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بُنيت له [5].
ففي هذين الحديثين، وما جاء في معناهما: النهي عن البيع وعن الشراء وعن نشدان الضالة في المسجد، ويلحق بها ما كان في معناه، كالإجارة ونحوها من العقود، وقد علّل النبي ؛ لذلك بأن المساجد إنما بنيت لما بنيت له، أي: أن المساجد لم تبن لتتخذ مكانًا لإبرام الصفقات والعقود، ونشدان الضالة، والدعاية لشركات ولمؤسسات وغيرها.
المساجد هي بيوت الله ، المساجد هي دور للعبادة، ينبغي أن تخلص للعبادة، ليس إذًا محلًا للدعايات، ولا محلًا لإبرام الصفقات، ولا محلًا لنشدان الضالة، ولا محلًا للبيع والشراء، ينبغي أن تخلص من هذه الأمور، وأن تخلص من أمور الدنيا، وأن تكون خالصة للعبادة؛ ولهذا علل النبي بقوله: إنما بنيت المساجد لما بنيت له يعني: من إقامة ذكر الله ومن الصلاة ومن الإتيان بأمور العبادة، وبهذا نعرف خطأ الذين يوزعون أوراقًا في المسجد تحمل دعايات، إما لمؤسساتهم أو لمؤسسات أخرى، حتى ولو كانت تلك الدعاية دعاية للحج أو العمرة، يعني حتى لو كانت دعاية لشركة أو حملة للحج أو العمرة، فإنّ المقصود من تلك الدعاية التجارة، فيدخل في ذلك، فيدخل ذلك في معنى البيع والشراء، الذي قد ورد النهي عنه، بل حتى لو كانت تلك الدعاية على تقويم أوقات الصلوات، فإنّ هذا لا يجوز؛ لماذا؟ لأن المقصود من طباعة هذا التقويم هو هذه الدعاية، هذه الدعاية مقصودة، وبيوت الله تعالى ينبغي أن تصان عن أن تجعل محلًا للدعايات.
ولكن مثل هذه الدعايات ومثل هذه الإعلانات يمكن طمسها والاستفادة من تلك، يعني: مما فيها من الدعوة للخير، أو حلق العلم، أو المحاضرات، أو حتى التقويم مثلًا، إذا وجد عليه دعاية، فيمكن أن تطمس هذه الدعاية، ويستفاد منه، أو مثلًا تلك الأوراق أو الإعلان عن المحاضرات إذا اقترنت بدعاية للراعي الرسمي مثلًا أو نحو ذلك فتطمس تلك الدعاية، ويُستفاد من ذلك الإعلان، أو أنه يجعل ذلك الإعلان على الباب الخارجي للمسجد، من الجهة الخارجية، هذا لا بأس به، المقصود أنّ المساجد هي دور للعبادة، فينبغي أن تُصان عن كل ما يتعلق بأمور الدنيا، من البيع والشراء وأمور التجارة والدعاية، ونحو ذلك.
بيع المسلم على بيع أخيه
أيضًا من البيوع المنهي عنها، بيع المسلم على بيع أخيه، كأن يقول لمن اشترى سلعة بمائة ريال مثلًا: انا أبيعك مثلها بتسعين، أو يقول: أنا أبيعك بثمنها خيرًا منها، وفي معنى البيع على بيع أخيه، شراء المسلم على شراء أخيه، كأن يقول لمن باع سلعة بتسعين ريالًا مثلًا، أنا اشتريها منك بمائة ريال، هذا كله لا يجوز، لا البيع على بيع أخيه، ولا الشراء على شراء أخيه، ويدل لذلك قول النبي : لا يبع بعضكم على بيع بعض، لا يبع بعضكم على بيع بعض [6]، هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم.
ولما في البيع على بيع أخيه والشراء على شرائه من الإضرار بأخيه المسلم، والعدوان عليه، وفي معنى البيع على بيع أخيه: الإجارة على إجارة أخيه، أو الاستئجار على استئجار أخيه، فإن الإجارة هي في الحقيقة نوع من البيع، الاجارة هي بيع منافع، وكذلك أيضًا السوم على سوم أخيه، إذا استقر، وجاء في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله قال: لا يسوم المسلم على سوم أخيه [7].
فإذا وجد من البائع تصريح بالرضا بالبيع، فيحرم السوم على ذلك المشتري، هذا لا يجوز، مثلًا إنسان سام على سلعة، فأراد أحد أن يشتريها بعشرة، ورضي البائع بذلك، لا يجوز أن يأتي أحد الناس، ويسومها بأكثر بعد ما رضي البائع ببيعه؛ لأن مثل ذلك يعني البيع على بيع أخيه والشراء على شراء أخيه والسوم على سوم أخيه وما في معناها تُؤدي إلى إيقاع الشحناء والعداوة والبغضاء بين المسلمين، والشريعة قد سدت كل ما يُؤدي إلى إيقاع العداوة والشحناء والبغضاء بين أفراد المجتمع.
بيع العينة
ننتقل بعد ذلك إلى نوع آخر من أنواع البيوع المحرمة، وهو بيع العينة، وبيع العينة مُحرّم؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النبي : إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم الزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلًّا، لا ينزعه منكم حتى ترجعوا إلى دينكم [8]، رواه أبو داود بسند جيد.
ولقول عائشة رضي الله عنها لما قالت أم ولد زيد بن أرقم: “يا أم المؤمنين، إني بعتُ غلامًا من زيد بن أرقم، بثمانمائة درهم إلى العطاء، ثم اشتريته بستمائة، أي: نقدًا، فقالت عائشة رضي الله عنها: بئسما شريتِ، وبئسما اشتريتِ، أبلغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب” [9].
قال: الموفق ابن قدامه رحمه الله: “والظاهر أن عائشة رضي الله عنها لا تقول مثل هذا التغليظ إلا بتوقيف”، والظاهر أن عائشة رضي الله عنها لا تقول مثل هذه التغليظ وتقدم عليه إلا بتوقيف من النبي ، فجرى ذلك مجرى روايتها عنه؛ ولأن ذلك ذريعة إلى الربا في حقيقة الأمر، هذا بعد ما عرفنا أن بيع العينة محرّم، هذا يقودنا إلى معرفة معنى بيع العينة، ما المقصود به؟ ما حقيقة بيع العينة؟
معنى بيع العينة
العينة مشتقة من العين، وهو النقد الحاضر، كما قال الأزهري وغيره، وسُمّيت بذلك لأن أحد المتبايعين يقصد بالبيع العين، يعني: يقصد النقد، لا السلعة.
صورة بيع العينة
وصورة بيع العينة أن يبيع سلعة على ثمن مؤجل، نعم أن يبيع سلعة على شخص، أن يبيع سلعة على شخص بثمن مؤجل، ثم يشتريها منه بثمن حال أقل من المؤجل، إذًا مرة أخرى: صورة العينة، أو تعريف العينة، أن يبيع سلعة على شخص بثمن مؤجل، ثم يشتريها منه بثمن حال، أو أقل من المؤجل، كأن يبيعه سيارة بخمسين ألف ريال إلى أجل، ونفترض إلى سنة، ثم يشتريها منه بأربعين ألف ريال حالًا، يسلمها له، وتبقى عشرة آلاف في ذمته، إلى حلول الأجل، فيحرم ذلك؛ لأنه حيلة يتوصل بها إلى الربا.
والحقيقة أنه بهذا المثال، كأنه باع خمسين ألف ريال مؤجلة بأربعين ألف ريال نقدًا، لكن بدل ما يقول: أربعين نقدًا بخمسين مؤجلة، وهو يعرف أن هذا من الربا الصريح، أدخل هذه السيارة حيلة، هذه السيارة باعها على هذا الرجل بخمسين ألف ريال مُؤجلة، ثم أرجعها مرة ثانية، واشتراها بأربعين نقدًا، غرضه هو الحصول على النقد، هذه السيارة ذهبت، ثم رجعت إلى صاحبها، وهذا حصل على أربعين ألف ريال نقدًا، وهذا ثبت في ذمته عشرة آلاف ريال مُؤجلة، في الحقيقة أن هذه لا شك أنها، حيلة على الربا، وذريعة موصلة إلى الربا؛ لأنه يدخل السلعة ليستبيح أخذ نقد مؤجلًا بحال؛ ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما قال: أرى مائة بخمسين بينهما حريرة، يعني: خرقة حرير، جعلاها في بيعهما أرى مائة بخمسين بينهما حريرة، يعني: كأن الأمر بيع ثمن مُؤجل بنقد حال، لكن يدخلون بينهما إما سيارة وإما حريرة، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، وأما يعني أي سلعة من السلع هذا كله تحايل، هذا كله حيل على الربا؛ ولذلك فإن هذا البيع بيع العينة تحريمه هو من باب سد الذريعة، وإلا فإنه قد يحصل مثل هذا من غيره مواطأة، ومن غير اتفاق، قد يبيع الإنسان مثلًا سيارته بخمسين ألف ريال مؤجلة، ثم يندم، ويريد أن يشتريها بأربعين نقدًا، فيذهب ويشتريها بأربعين نقدًا، لكن يعني قد يحصل هذا عن غير مواطأة ولا اتفاق، لكن الغالب هو أنها تقترن بمواطأة وباتفاق.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن نهي النبي عن بيعتين في بيعة، وصفقتين في صفقة، وعن شرطين في البيع: أن المقصود بهذا كله، بيع العينة، إذًا حقيقة العينة أن يبيع السلعة بثمن مؤجل، ثم يشتريها بأقل منه نقدًا، أما إن باع السلعة بثمن مؤجل، ثم اشتراها بأكثر من ثمنها، أو بمثل ثمنها، فلا بأس به؛ لماذا؟ لأنه حينئذٍ لا يكون ذريعة إلى الربا، أوضح هذا بمثال: رجل باع سيارة على آخر، بخمسين ألف ريال إلى أجل، ثم إن البائع ندم على ذلك البيع، وأراد أن يشتريها ممن باعها عليه، باثنين وخمسين ألف ريال نقدًا، هذا لا بأس به؛ لماذا؟ لأن احتمال أن يكون حيلة على الربا، أو ذريعة إلى الربا غير وارد هنا، فباعها بخمسين ألف ريال مؤجلًا، ثم اشتراها باثنين وخمسين نقدًا، فليس في هذا يعني ذريعة للربا، وليس في هذا حيلة على الربا، بل نعلم أنه صادق في هذا، لا يرد عليها ما يرد على مسألة العينة، وهكذا أيضًا لو أنه باع تلك السيارة بخمسين ألف ريال إلى أجل، ثم اشتراها بخمسين ألف ريال نقدًا، هذا لا بأس به أيضًا؛ لأن هذا ينتفي معه التحايل على الربا، وإنما الممنوع إذًا أن يشتريها نقدًا بأقل مما باعها به، طيب إذا اشتراها بعرض من العروض، هل يدخل هذا في العينة؟ نقول: لا بأس به.
قال الموفق ابن قدامة: “لا نعلم فيه خلافًا”؛ لماذا؟ لأن التحريم إنما كان لشبهة الربا، ولا ربا بين الأثمان والعروض.
إذًا إذا أردنا أن نلخص الكلام في مسألة العينة، العينة هي أن يبيع سلعة بثمن مؤجل، ثم يشتريها بأقل منه نقدًا، حكمها أنها محرمة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: إذا تبايعتم بالعينة [10]، إلى آخر الحديث؛ ولقصة أم زيد بن أرقم مع عائشة رضي الله عنها.
صور لا تدخل في مسألة العينة
هناك صور لا تدخل في مسألة العينة، ذكرنا من هذه الصور أن يبيع السلعة بثمن مؤجل، ثم يشتريها بأكثر منه نقدًا، بأكثر منه نقدًا، قلنا: هذه لا تدخل في مسألة العينة؛ لأن العينة لا بد أن يشتريها بأقل منه نقدًا، هناك صورة ثانية، وهي أن يبيع السلعة بثمن مؤجل، ثم يشتريها بمثل ثمنها نقدًا، أيضًا هذه الصورة، لا تدخل في مسألة العينة؛ لأنه يُشترط أن يشتريها بأقل منه نقدًا، هناك سلعة، نعم هناك صورة أخرى، وهي أن يبيع السلعة بثمن مُؤجل، ثم يشتريها بعرض من العروض مثلًا، هذا أيضًا هذه ليست من مسألة العينة، أو أن البيع الأول بعرض فاشتراها بنقد، يعني البيع بين نقد وعرض، هذا أيضًا لا يدخل معنا في مسألة العينة، طيب لو اشترى السلعة بنقد، ثم باعها على من اشتراها منه بثمن مؤجل، يعني: هذه مسألة، عكس مسألة العينة، اشترى السلعة بخمسين ألف ريال نقدًا، ثم باعها على من اشتراها منه بستين ألف ريال مُؤجلة، فإذا كانت هي عكس مسألة العينة، مسألة العينة يشتريها بثمن مؤجل، ثم يبيعها بأقل منه نقدًا، هذا اشتراها الآن بنقد، ثم يريد أن يبيعها بأكثر منه مؤجل، هذه عكس مسألة العينة، هي محل خلاف بين أهل العلم، والمذهب عند الحنابلة أيضًا تحريمها، ومن العلماء من يقول: إنّ عكس مسألة العينة إذا وقع عن غير مواطأة ولا اتفاق، فإنه لا بأس به، وهو رواية عن الإمام أحمد، اختاره الموفق ابن قدامة رحمه الله في “المُغني”، نجد أيها الأخوة إذًا تشديد الشريعة في مسائل الربا، وعنايه الشريعة بسد جميع الذرائع الموصلة للربا، فإنه في مسألة العينة، قد لا يكون هناك مواطأة، وقد لا يكون هناك اتفاق، ومع ذلك هي ممنوعة؛ لماذا؟ لأنها ذريعة إلى الربا، والشريعة تسد جميع الذرائع الموصلة إلى الربا.
وسوف نستكمل إن شاء الله تعالى الحديث عن بقية البيوع المنهي عنها في المحاضرة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى الملتقى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحاشية السفلية
^1 | رواه أبو داود: 4607، والترمذي: 2676، وابن ماجه: 42، وأحمد: 17144، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. |
---|---|
^2 | رواه البخاري: 2146، ومسلم: 1511. |
^3 | رواه مسلم: 1513. |
^4 | رواه الترمذي: 1321، حديث حسن غريب. |
^5 | رواه مسلم: 569. |
^6 | رواه البخاري: 2150، ومسلم: 1515. |
^7 | رواه البخاري: 2727، ومسلم: 1408، واللفظ له. |
^8 | رواه أبو داود: 3462. |
^9 | رواه الدارقطني: 3003. |
^10 | سبق تخريجه. |