logo
الرئيسية/دروس علمية/الدورة التأهيلية في الفقه- جامعة الإمام/(2) سنن الوضوء ونواقضه والمسح على الخفين

(2) سنن الوضوء ونواقضه والمسح على الخفين

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

كنا قد بدأنا في المحاضرة السابقة، أخذنا أقسام المياه والطهارة أولًا، بعد أن أخذنا مقدمة، وتكلمنا عن مسائل الطهارة، وأقسام المياه، ثم الوضوء، وأخذنا فروض الوضوء، ووقفنا عند سنن الوضوء.

ذكرنا: أن الوضوء له فروض، وله سنن.

فروض الوضوء

الفروض تكلمنا عنها، وقلنا: إنها ستة فروض:

  • الأول: غسل الوجه، ومنه: المضمضة والاستنشاق.
  • الثاني: غسل اليدين إلى المرفقين.
  • الثالث: مسح الرأس مع الأذنين.
  • الرابع: غسل الرجلين إلى الكعبين.
  • الخامس: الترتيب.
  • السادس: الموالاة.

تكلمنا عنها بالتفصيل.

سنن الوضوء

ننتقل بعد ذلك إلى الحديث عن سنن الوضوء:

  • أولًا: السواك

السِّواك من سنن الوضوء؛ لقول النبي : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسِّواك عند كل صلاة [1]، وجاء في رواية: بالسواك عند كل وضوء [2].

ومحله: عند المضمضة، يعني أفضل ما يكون السواك عند المضمضة، وذلك؛ لأنه يكون فيه تنظيف للفم، واستقبال للعبادة، وتهيؤ لتلاوة القرآن ومناجاة الله ​​​​​​​.

ولكن السواك: هو اسم لما يتسوك به.

وأفضله: عود الأراك، ولكنه لا ينحصر في عود الأراك، فبعض الناس ما يفهم من السواك إلا أنه عود الأراك، وهذا غير صحيح.

السواك: اسم لما يستاك به؛ لكن أفضل ما يكون عود الأراك.

ولهذا؛ ذكر الفقهاء أمورًا أخرى يمكن أن يستاك بها، حتى إن بعضهم ذكر أنه إذا لم يجد شيئًا يمكن أن يستاك بالأصبع والخرقة، ويصيب من السُّنة بقدر ما يحصل من الإنقاء.

الفرشاة والمعجون، أو الفرشاة عمومًا، هل تدخل في مسمى السواك؟

نعم تدخل، بل ربما إنها تفوق حتى عود الأراك، إذا كان معها معجون، ربما تكون في تنظيف الفم تفوق عود الأراك، ولذلك؛ إذا أراد الإنسان أن ينظف فمه بالفرشاة يقصد بذلك إصابة السنة ويؤجر ويثاب على هذا.

إذن: السواك ليس خاصًّا بعود الأراك، لكن من أفضل ما يستاك به عود الأراك والفرشاة والمعجون تدخل في مسمَّى السواك.

  • ثانيًا: غسل الكفين في أول الوضوء قبل غسل الوجه

ذلك؛ لأنه قد وردت به الأحاديث، وذكر في الأحاديث التي وصفت وضوء النبي ، ولأن اليدين آلة نقل الماء إلى الأعضاء، ففي غسلهما احتياط لجميع الوضوء.

لكن غسل اليدين هنا مستحب، وسبق أن قلنا في فروض الوضوء: إن غسل الكفين بعد غسل الوجه داخل في فروض الوضوء؛ لأن الفرض الثالث من فروض الوضوء: غسل اليدين إلى المرفقين، ونبهنا في هذا على خطأ شائع عند بعض العامة، وهو أنهم يغسلون الذراع مع المرفق، ويتركون غسل الكف، وهذا وضوء غير صحيح، وصلاتهم غير صحيحة؛ لأن غسل الكف لا بد منه في غسل اليدين، لكن غسل الكفين في ابتداء الوضوء مستحب وليس واجبًا، أما بعد غسل الوجه فهو من فروض الوضوء.

ثالثًا: من سنن الوضوء: البداءة بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه

والمراد بالبداءة بهما، يعني قبل غسل الوجه، وهذا من سنن الوضوء، لكن لو أنه غسل الوجه ثم تمضمض واستنشق فلا بأس، لكن الأفضل أن يبدأ بالمضمضة والاستنشاق، ثم يغسل وجهه.

والسنة أيضًا: المبالغة في المضمضة والاستنشاق إلا في حق الصائم؛ لقول النبي في حديث لَقِيط بن صَبِرة : وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا [3]. ومعنى المبالغة في المضمضة: إدارة الماء في جميع فمه. ومعنى المبالغة في الاستنشاق: جذب الماء إلى أقصى أنفه.

  • رابعًا: من سنن الوضوء: تخليل اللحية الكثيفة بالماء حتى يبلغ داخلها

هذا إذا كانت اللحية كثيفة، أما اللحية الخفيفة، والضابط في الخفة والكثافة: أن الخفيفة هي التي يرى من ورائها لون البشرة، فاللحية الخفيفة: يجب غسلها، أما الكثيفة: فهذه يجب غسل ظاهرها، ويستحب تخليل باطنها بالماء.

فإذن: غسل اللحية نقول فيه تفصيل:

إن كانت اللحية خفيفة؛ بحيث يرى من ورائها لون البشرة، فهذه يجب غسلها.

أما إذا كانت كثيفة؛ بحيث لا يرى من ورائها لون البشرة، فهنا يجب غسل ظاهرها، يعني القدر المواجهة، ويستحب تخليل باطنها.

  • خامسًا: تخليل أصابع اليدين والرجلين

يعني عند الوضوء ينبغي أن يخلل أصابع يديه هكذا بالماء، وكذلك أصابع الرجلين، وهذا على سبيل الاستحباب؛ لأن فيه نوعًا من الاحتياط للعبادة، خاصة أصابع الرجلين؛ لأنه أحيانًا قد لا يصيب الماء ما بين الأصابع، بعض الناس تكون أصابع إما اليدين أو الرجلين -والرجلين هو الغالب- متقاربة، فعندما يغسل رجله ما بين الأصبعين قد لا يصيبه الماء، ولهذا؛ يستحب أن يخلل ما بين الأصابع حتى يتأكد من وصول الماء إلى ما بين الأصابع.

سادسًا: التيامن

وهو: البداءة باليد اليمنى قبل اليد اليسرى، والرجل اليمنى قبل الرجل اليسرى.

وهذا على سبيل الاستحباب.

فلو أنه بدأ باليد اليسرى قبل اليد اليمنى، يصح وضوؤه أو لا يصح؟

يصح؛ لأن هذا غاية ما فيه أنه مستحب.

سابعًا: الزيادة على الغسلة الواحدة إلى ثلاث غسلات

في غسل الوجه واليدين والرجلين، فيستحب أن يغسل وجهه ثلاث مرات، ويديه ثلاث مرات، ورجليه ثلاث مرات.

والقدر الواجب كم مرة؟

الواجب: مرة واحدة، والمستحب: ثلاث.

ولا يشرع الزيادة على ثلاث، قد جاء في حديث الأعرابي عند أصحاب السنن: أن النبي علَّمه الوضوء، ثم قال: هذا الوضوء فمن زاد فقد أساء وتعدى وظلم [4]. فلا يجوز الزيادة على ثلاث غسلات.

إذَنْ: هذا ما يتعلق بسنن الوضوء.

إذا كان لأحد سؤال أو استسفار، أو ننتقل لمبحث آخر، وهو: نواقض الوضوء؟

الأفضل ثلاث وذكرناها من سنن الوضوء، الأفضل ثلاث.

يصح بالإجماع.

حتى لو كنت متعمدًا.

لا يشرع الزيادة على ثلاث؛ لأن هذا أيضًا يفتح باب الوسواس، ولذلك؛ قال : فمن زاد فقد أساء وتعدى وظلم. ما معنى الزيادة فوق ثلاث؟ ما لها داع، هذا يفتح باب الوسواس على الإنسان.

ممكن إذا احتاج، قد نقول: إنه لا بأس به؛ للحاجة.

نواقض الوضوء

بعدما عرفنا الآن صفة الوضوء وفروضه وسننه، ننتقل إلى نواقض الوضوء، وهي أمور ينتقض بها الوضوء ويبطل:

  • الخارج من السبيل

أول هذه النواقض: الخارج من السبيل، ومعنى السبيل: يعنى مخرج البول والغائط، فيشمل البول والغائط والريح والمني والمذي والودي.

نريد أن نفرق بينها الآن:

البول والغائط والريح: هذه معروفة.

المني: هو الماء الذي يخرج دفقًا بلذة.

والمذي بالذال: سائل أبيض لزج، يخرج عند اشتداد الشهوة ثم انكسارها، يعني هو مرتبط بالشهوة.

ويخرج غالبًا من غير أن يشعر الإنسان به، وقد يشعر به، ولكن حكمه حكم البول، وإذا أصاب اللباس فنجاسته مخففة، يعني يكفي فيه النضح، لكنه موجب للوضوء، ولهذا؛ لما أمر عليُّ بن أبي طالب المقداد بن الأسود رضي الله عنهما أن يسأل النبي عن المذي، قال : فيه الوضوء [5].

وأما الودي: فهو سائل يخرج عقب البول من دون لذة ومن غير شهوة من بعض الناس أيضًا، ليس من جميع الناس، من بعض الناس يخرج منهم سائل بعد البول، وليس مرتبطًا بشهوة، هذا حكمه حكم البول تمامًا، الودي حكمه حكم البول تمامًا.

كذلك أيضًا مما يخرج من السبيل: دم الاستحاضة، فينتقض بهذه كلها ينتقض الوضوء.

حكم الخارج من غير السبيلين

أما الخارج من غير السبيلين؛ كالدم، والقيء، والرعاف ونحوها، فهذه اختلف العلماء في انتقاض الوضوء بها، فجمهور العلماء يرون أنه ينتقض الوضوء بخروج الدم من غير السبيلين، أو القيء، أو نحوه.

ومنهم من قيَّد ذلك بالكثير عرفًا، واستدلوا: بأن النبي قاء فتوضأ [6]، وعللوا قالوا: أنها فضلات خرجت من البدن؛ فأشبه البول والغائط.

والقول الثاني في المسألة: أن الخارج من غير السبيلين: أنه لا ينقض الوضوء مطلقًا، وهذا هو قول الشافعي، ورواية عن أحمد، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

وهذا القول الثاني هو الأقرب، وهو: أن الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، وذلك؛ لأن الأصل عدم النقض، ولم يثبت دليل يدل على أن الخارج من غير السبيلين ينقض الوضوء.

وأما دليلهم الأول وهو: أن النبي قاء فتوضأ [7]، فدليل أصحاب القول الأول: أن النبي قاء فتوضأ، فهذا الحديث أولًا قد قيل: إن إسناده ضعيف، أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد، ولكن له شواهد قد يرتقي به إلى درجة الحسن والصحيح، لكن على تقدير ثبوته ليس بصريح الدلالة في أن القيء ينقض الوضوء؛ لأنه مجرد فعل، والفعل لا يدل على الوجوب، وإنما غاية ما يدل عليه استحباب الوضوء بعد القيء؛ خاصة أن النبي كان حريصًا على النظافة وعلى الطهارة، وكان عليه الصلاة والسلام من هديه أنه يكون على طهارة، حتى إنه في حجة الوداع لما نزل في الشِّعب وبال توضأ وضوءًا خفيفًا؛ لأجل أن يبقى على طهارة، فيعني كونه خرج من النبي عليه الصلاة والسلام هذا القيء فتوضأ، فهذا من باب طلب كمال الطهارة والنظافة، لكنه ليس بصريح الدلالة في أن خروج القيء ينقض الوضوء.

وأما أصحاب القول الأول بأنها فضلات خرجت من البدن فأشبهت البول والغائط، فهذا في الحقيقة قياس مع الفارق؛ لأن البول والغائط مخرجهما من السبيلين، وقد ورد النص والإجماع بأنهما ناقضان بخلاف ما يخرج من غير السبيلين.

ثم إن هذه المسألة كبيرة ومهمة، لو كان ما يخرج من غير السبيلين ناقضًا للوضوء لبينها النبي للأمة بيانًا واضحًا شافيًا.

ولهذا؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الأظهر في جميع هذه الأنواع أنها لا تنقض الوضوء، ولكن يستحب الوضوء منها، فمن صلى ولم يتوضأ منها صحت صلاته، ومن توضأ منها فهو أفضل.

لكن لاحظ: أن كلامنا إنما هو فقط في انتقاض الوضوء وليس في نجاستها، أو عدم نجاستها، فقط انتقاض الوضوء هل خروجها ينقض الوضوء أم لا؟ أما هل هي نجسة أم طاهرة هذه مسألة أخرى.

والصحيح: أن الدم نجس إلا أنه يعفى عن يسيره، لكن خروجه من غير السبيلين لا ينقض الوضوء.

  • زوال العقل أو تغطيته

الثاني من نواقض الوضوء: زوال العقل، أو تغطيته.

شيخ الإسلام ابن تيمية، شيخ الإسلام، نعم.

الناقض الثاني من نواقض الوضوء: زوال العقل أو تغطيته، وزوال العقل يكون بالجنون، ونحوه، وتغطيته يكون بالنوم أو الإغماء أو السُّكْر.

أما زوال العقل أو تغطيته بغير النوم فإنه ينقض الوضوء باتفاق أهل العلم، ولذلك؛ من جُنَّ ثم أفاق انتقض وضوؤه، أو الذي يصرع، فبعض الناس يكون معه صرع، لو أنه توضأ ثم جاءه الصرع ثم أفاق فلا بد من أن يعيد الوضوء، انتقض وضوؤه.

وهكذا أيضًا لو أغمي عليه ثم أفاق، بعض الناس مثلًا ينخفض عندهم مستوى السُّكَّر، أو أي سبب من أسباب الإغماء، يغمى عليه بعدما توضأ ثم يفيق، هنا يجب عليه أن يعيد الوضوء؛ وضوؤه قد انتقض، وهذا باتفاق العلماء.

ولهذا؛ قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: أما غير النوم وهو الجنون والإغماء والسُّكْر، ونحوه مما يزيل العقل فإنه ينقض الوضوء يسيره وكثيره إجماعًا؛ لأن في إيجاب الوضوء على النائم تنبيهًا على وجوبه بما هو آكد منه.

وهكذا ايضًا السكران ينتقض وضوؤه؛ لأنه قد زال عقله، أو قد غطي عقله بهذا السُّكْر.

فإذَنْ: زوال العقل أو تغطيته بغير النوم هذا ينتقض به الوضوء باتفاق العلماء، أما بالنوم فقد اختلف العلماء في كون النوم ناقضًا للوضوء اختلافًا كثيرًا، ولو راجعت كتب الفقه، وكذلك شروح الأحاديث تجد أقولًا كثيرة في المسألة.

أقسام النوم

ولكن الذي عليه كثير من المحققين من أهل العلم هو أن النوم ينقسم إلى قسمين:

  • الأول: نوم مستغرق يزول معه الشعور، بحيث لو خرج منه شيء لم يحس به، فهذا النوم ينقض الوضوء.

إذَنْ: نوم مستغرق يزول معه الشعور، بحيث لو خرج منه ريح مثلًا، أو أي شيء لم يحس به، فهذا النوم المستغرق ينتقض به الوضوء، ويدل لذلك: حديث صفوان بن عَسَّال  قال: كان النبي يأمرنا إذا كنا سَفْرًا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من بول وغائط ونوم [8].

لاحظ قوله: «ونوم»، وهذا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وهو حديث حسن.

موضع الشاهد منه، قوله: «ونوم»؛ فإن قوله: «ونوم». صريح الدلالة في أن النوم ينقض الوضوء.

  • القسم الثاني: النوم اليسير غير المستغرق الذي لا يزول معه الشعور، بحيث لو خرج من الإنسان شيء لأحس به، وهو ما يسمى بماذا؟ بالنعاس، فهذا لا ينقض الوضوء، والدليل لذلك: ما جاء في «صحيح مسلم» وغيره، عن أنس قال: “كان أصحاب النبي ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون” [9]، وعنه قال: “كان أصحاب رسول الله على عهد رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة حتى تَخْفُق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون” [10]؛ وذلك لأن الذي كان عندهم هو النعاس فقط.

وأيضًا: حديث معاوية  أن النبي قال: العين وِكَاءُ السَّهِ؛ فإذا نامت العينان استَطلَق الوكاء [11]، ومعنى الوكاء يعني: الخيط: اعرف وكاءها وعِفَاصَها [12]، فالوكاء معناه: الخيط. والسَّهِ: حلقة الدُّبر.

والمعنى: أن الإنسان إذا كان مستيقظًا فإنه يتحكم في نفسه، ويتحكم بما يخرج منه، أما إذا نام نومًا مستغرقًا فإن الوعاء يستطلِق، وبالتالي لا يحس بما يخرج منه.

وهذا هو وجه كون النوم ناقضًا للوضوء، أي أنه مظنة لخروج الحدث لا أن النوم في ذاته حدث، النوم في ذاته ليس حدثًا لكنه مظِنَّة لخروج الحدث؛ لأن الإنسان إذا نام فلا يتحكم فيما يخرج منه، فأقيمت هذه المظنة مقام الحقيقة.

إذن الخلاصة: أن النوم إذا كان مستغرقًا يزول معه الشعور فإنه ينتقض به الوضوء، إذا كان النوم يسيرًا لا يزول معه الشعور، يعني ليس بنوم مستغرق فإنه لا ينتقض به الوضوء.

فالذين يأتون يوم الجمعة للمسجد الجامع -بعض الناس يأتي مبكرًا- وينامون، فهل هذا النوم ينتقض به الوضوء، ويؤمرون بإعادة الوضوء أم لا؟

نعم، الناس يتفاوتون؛ فبعض الناس يُسمع له غطيط، ويكون نومه مستغرقًا، فهذا يؤمر بإعادة الوضوء، وبعض الناس لا، مجرد نعاس، يَسمع ما حوله من أصوات، ولو خرج منه شيء لأحس به، فهذا النوم لا ينتقض به الوضوء.

فإذَنْ: لا نستطيع أن نعطي جوابًا عامًّا لهؤلاء كلهم، بل نقول: إن هذا يختلف باختلاف النوم؛ إذا كان مستغرقًا يزول معه الشعور انتقض الوضوء وعليه أن يعيد الوضوء، أما إذا كان نعاسًا ونومًا يسيرًا فإنه لا ينتقض به الوضوء.

العين وعاء السَّهِ فإذا نامت العينان استَطلَق الوكاء وعاء وعاء.

وكذلك أيضًا في بعض الروايات: وكاء، ووكاء بمعنى: نحن قلنا الخيط الذي يربط به الشيء اعرف عفاصها ووكاءها يعني اللُّقَطة، لما قال النبي عليه الصلاة والسلام: اعرف عفاصها ووكاءها الوكاء يعني: الخيط الذي تربط به النفقة، والعفاص الكيس الذي توضع فيه النفقة.

فالوكاء معناه الخيط، فالرواية المشهورة: العين وعاء السَّهِ هذه الرواية المشهورة: فإذا نامت العينان استطلق الوكاء.

  • أكل لحم الإبل

الناقض الثالث من نواقض الوضوء: أكل لحم الإبل.

وهو محل خلاف بين أهل العلم؛ فالجمهور يرون أن أكل لحم الإبل لا ينتقض به الوضوء، هذا مذهب المالكية والشافعية والحنفية.

القول الثاني: أن أكل لحم الإبل ينتقض به الوضوء، وهو مذهب الحنابلة، وهو من المفردات عندهم.

إذا قلنا: من “المفردات”. ماذا يعني هذا المصطلح؟ يعني: أن الحنابلة انفردوا به عن بقية المذاهب.

فالقول بأن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء هذا من المفردات، وهذا هو القول الصحيح بدلالة السُّنة على أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء، ومن ذلك: ما جاء في «صحيح مسلم» عن جابر بن سَمُرة  قال: سئل النبي : أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم. قال: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت [13].

ولحديث البراء : أن النبي قال: توضؤوا من لحوم الإبل [14]، رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد، وهو حديثٌ صحيحٌ.

ولهذا؛ قال الإمام أحمد رحمه الله: فيه حديثان صحيحان عن النبي .

إذَنْ: دلت السنة على أن أكل لحم الإبل ينتقض به الوضوء دون غيره من بهيمة الأنعام والحيوانات.

فإذن: لو أن الإنسان توضأ مثلًا وأكل لحم إبل، أو أكل شيئًا مشتملًا على لحم الإبل؛ فبعض المأكولات تكون محشوة مثلًا بحشوة يكون من ضمنها لحم إبل، فهذا ينتقض به الوضوء؛ لدلالة السنة الصحيحة الصريحة على هذا، وعلى أن أكل لحم الإبل ينتقض به الوضوء.

….

نعم، أولًا إذا صح الحديث في هذا وورد النص فنحن على يقين بأن الله تعالى حكيم عليم، وأن حكم الله ورسوله هو حِكْمة الحِكَم، وهو غاية الحِكَم، والعلماء حاول بعضهم أن يستنبط الحكمة في هذا، فقيل: إن الإنسان يتأثر بما يأكله فإذا أكل الإنسان لحم إبل فهذا مما يثير الأعصاب لديه، فيكون الوضوء يكون فيه نوع من التهدئة، ولهذا؛ الأطباء ينصحون مريض الأعصاب بألا يكثر من أكل لحم الإبل، وقيل غير ذلك.

والله تعالى أعلم وأحكم.

هذا محتمل، نعم، نعم.

أما إذا اكتسب طعم اللحم ومكوناته، فالذي يظهر أنه يأخذ حكمه؛ لأنه لا فرق في الحقيقة بين أن تأكل هذا اللحم أو أن تشرب من مرقه؛ لأن قد اكتسبه فإذا ظهر فيه أثر اللحم ظهورًا بينًا واضحًا فأخذ نفس الحكم، أما اللبن فلا ينقض الوضوء بالاتفاق، اللبن وكذلك البول لا ينقض الوضوء، إنما ورد الحكم في اللحم خاصة.

هل مس الذكر ينقض الوضوء؟

ننتقل بعد ذلك إلى:

الناقض الرابع من نواقض الوضوء، وهو: مس الذكر، وقد اختلف العلماء أيضًا في كونه ناقضًا للوضوء على أقوال كثيرة؛ أشهرها:

  • القول الأول: أن مس الذكر لا ينقض الوضوء مطلقًا، وهو مذهب الحنفية.
  • والقول الثاني: أنه ينقض الوضوء مطلقًا، وهو قول الجمهور؛ المالكية والشافعية والحنابلة.
  • القول الثالث: أنه ينقض الوضوء إذا كان بشهوة، ولا ينقضه إذا كان بدون شهوة، وهو رواية عن مالك.
  • والقول الرابع: أنه يستحب الوضوء من مس الذكر ولا يجب، وهو رواية عن أحمد.

سبب الخلاف في هذه المسألة: هو الخلاف في الجمع بين الأحاديث الواردة، فقد ورد في ذلك حديث بُسْرة بنت صفوان رضي الله عنها أن النبي قال: مَن مسَّ ذكره فليتوضأ [15]، وهو حديثٌ صحيحٌ، أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه الإمام أحمد وابن معين والترمذي، وقال البخاري رحمه الله: “هو أصح شيءٍ في الباب”. فهذا حديثٌ صحيحٌ: مَن مسَّ ذكره فليتوضأ.

أيضًا ورد في المسألة نفسها: حديث طَلْق بن علي : أن رجلًا سأل النبي عن الرجل يمس ذكره في الصلاة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: هل هو إلا بَضْعَة منك؟ [16]، ما معنى: بضعة منك؟ قطعة منك، يعني: عضو كسائر الأعضاء، وهو أيضًا حديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وضعفه بعض أهل العلم؛ كالدارقطني والبيهقي، وصححه علماء آخرون، وقال ابن المديني رحمه الله: هو أثبت من حديث بسرة رضي الله عنها.

إذن: هذا الحديث أيضًا هو حديث صحيح، فعندنا الآن حديثان:

الحديث الأول: حديث بسرة رضي الله عنها: من مس ذكره فليتوضأ.

الحديث الثاني: حديث طلق بن علي رضي الله عنه: هل هو إلا بضعة منك؟.

ومن هنا اختلف العلماء في الجمع بين هذين الحديثين:

فمن العلماء من يأخذ بحديث طلق بن علي ويقول: إنَّ مس الذكر لا ينقض الوضوء مطلقًا.

ومن أهل العلم من يأخذ بحديث بسرة ويقول: إن مس الذكر ينقض الوضوء مطلقًا.

ومن العلماء من رأى أن حديث بسرة يدل على مشروعية الوضوء، وحديث طلق بن علي يدل على أنه مستحب وليس بواجب.

ومنهم من حمل حديث بسرة على المس بشهوة، وحديث طلق بن علي على المس بغير شهوة.

وهذا القول الأخير الذي يظهر -والله أعلم- أنه الأقرب في الجمع بين الحديثين.

فيحمل حديث بسرة رضي الله عنها: من مس ذكره فليتوضأ. على ما إذا كان المس بشهوة، ويحمل حديث طلق بن علي : هل هو إلا بضعة منك؟ على المس بغير شهوة.

ومما يدل لذلك: أن النبي قال في حديث طلق بن علي : وهل هو إلا بضعة منك؟ ففيه إشارة إلى أنه إذا كان المس بدون شهوة كما لو مس، أي بضعة أخرى من البدن، فإن هذا المس ليس بناقض.

ثم أيضًا يدل لهذا: أنه في حديث طلق بن علي قد ورد هذا جوابًا لسؤال؛ لأن رجلًا سأل النبي عن الرجل يمس ذكره في الصلاة، ومعلوم أن مس الذكر في الصلاة لا يتصور معه أن يكون ذلك بشهوة، فحينئذ يحمل حديث طلق بن علي على المس بغير شهوة؛ لأن السؤال إنما وقع عن مس الذكر في الصلاة، وأيضًا العلة معقولة المعنى وهي: أن مس الذكر إنما اعتبر ناقضًا؛ لأنه إذا كان بشهوة فهو مظنة لخروج المذي، وسبق أن قلنا إن المذي يخرج من الإنسان وهو لا يشعر، فأقيمت هذه المظنة مقام الحقيقة، وهذا إنما يكون في مس الذكر بشهوة، أما إن مسه بغير شهوة فإنه لا يترتب عليه هذا المعنى.

فإذن: الأقرب -والله أعلم- أن يقال: إن مس الذكر إذا كان بشهوة كان ناقضًا للوضوء، وإذا كان بغير شهوة فإنه غير ناقض للوضوء، وهو الذي تجتمع به هذه الأحاديث.

حكم مس المرأة لذكر صبيها أثناء تغسيله

مس المرأة لذكر صبيها أثناء تغسيله هل ينتقض به وضوؤها؟

لا ينتقض؛ لأنه مس بغير شهوة.

وهنا ننبه على أن الخلاف وكلام أهل العلم فيما إذا كان المس بدون حائل، يعني مباشرة، أما إذا كان من وراء حائل فباتفاق العلماء أنه لا ينقض الوضوء حتى لو كان بشهوة.

“المس” المقصود به: المس من غير حائل.

أضاف بعض العلماء لنواقض الوضوء…

نعم المرأة كالرجل في هذا، إذا مست فرجها بشهوة انتقض وضوؤها، وإذا كان بغير شهوة فإنه لا ينتقض.

وأيضًا بعض أهل العلم يقول: حلقة الدبر أيضًا كالذكر في مثل هذا.

هل مس المرأة ينقض الوضوء؟

أضاف بعض العلماء لنواقض الوضوء مس المرأة، وتغسيل الميت، ومس المرأة قد ورد في قول الله تعالى: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء: 43، والمائدة: 6]. ومن أهل العلم من حمله على ظاهره، قال: إن مجرد لمس المرأة ينتقض به الوضوء، وبعضهم قال: إذا كان بشهوة، وبعضهم قال: إنَّ مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا؛ سواء كان بشهوة أو بدون شهوة، وهذا هو الصحيح.

الصحيح: أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا، حتى ولو كان بشهوة؛ لأن الله ​​​​​​​ قال: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ، وقد فسر ابن عباس رضي الله عنهما الملامسة بالجماع، المقصود بالملامسة هنا: الجماع، وليس المقصود بها اللمس على ظاهره.

ولهذا؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن ربكم حيي كريم يُكنِّي.

وأيضًا رُوي أن النبي قبَّل بعض نسائه بعدما توضأ ثم صلى، ولكن هذا الحديث ضعيف، ولو صح لكان حجة في هذه المسألة ولكنه ضعيف.

لكن بكل حال نقول: إنه لم يرد ما يدل على أن مس المرأة ينقض الوضوء، وأما الآية فإن الصحيح في تفسيرها: أن المقصود بقوله: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ. المقصود بذلك: الوطء، المقصود بذلك الجماع.

وأما تغسيل الميت فهو أيضًا اختلف العلماء في كونه ناقضًا للوضوء، والصحيح: أنه لا ينقض الوضوء، لعدم الدليل الصحيح الصريح في هذا.

وأما حديث: من غسَّل ميتًا فليتوضأ [17]، فهو على سبيل الاستحباب، الأمر فيه على سبيل الاستحباب؛ لأن من غسَّل ميتًا فإنه ربما يمس جسد هذا الميت، وربما علق بيده شيء من النجاسة، أو القذر، ولذلك فيستحب له، -على سبيل الاستحباب- الوضوء.

وأمَّا أنَّ تغسيل الميت ينتقض به الوضوء، فليس في ذلك دليل صحيح صريح.

هذه أبرز نواقض الوضوء.

وبهذا انتهينا من شرح ما أردنا بيانه.

أسئلة واستفسارات في الوضوء

إذا كان هناك أسئلة أو استفسار؟

…..

حتى مس المرأة بشهوة لا ينقض الوضوء، إلا إذا خرج منه شيء، خرج منه مثلًا مذي، فينقض الوضوء لأجل المذي ليس لأجل مس المرأة؛ لأنه لو كان مس المرأة -سواء بشهوة أو بدون شهوة- ينقض الوضوء؛ لبين هذا النبي ، ولم يَرِد شيء يدل على هذا، وإنما غاية ما استدل به من قال بأنه ينقض الوضوء بظاهر الآية، ونحن قلنا: إن المقصود بقوله: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ؛ كما فسرها ابن عباس رضي الله عنهما، الذي دعا له النبي بأن يعلمه الله التأويل، فسر ذلك: بالجماع.

ينقض الوضوء نعم، خروج الدم من السبيلين ينقض الوضوء، لكن الخلاف في خروجه من غير السبيلين، أما من السبيلين فإنه ناقض للوضوء.

يعني بعد الاغتسال؟

نزل بعد الصلاة؟ أثناء الصلاة؟

لكن هذا ليس مَذْيًا، المذي مرتبط بشهوة، هذا وَدْي.

إذا تيقن أنه خرج منه شيء فإنه يقطع الصلاة، ما يجوز يصلي وهو على غير طهارة، وأما إذا كان لم يتيقن أو عنده وسواس، فبعض الناس عنده وسوسة، فإذا لم يكن يتيقن فليس له أن يقطع الصلاة، وقد سئل النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث عبدالله بن زيد  عن الرجل يجد الشيء في الصلاة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا [18]. يعني: لا بد من أمرٍ مُتيقنٍ، واليقين لا يزول بالشك، وهكذا أيضًا لو كان عنده وسواس لا يقطع الصلاة حتى لو تيقن؛ لأن يقين الموسوس يختلف عن يقين غيره، من عنده وسواس وغلب عليه الوسواس، فهذا لا يلتفت لما يجده من وساوس.

لكن نفترض: أن إنسانًا سويًّا ليس عنده وسواس، وتيقن يقينًا لا شك فيه أنه خرج منه شيء، فلا بد أن يقطع الصلاة وأن يعيد الوضوء؛ لقول النبي : لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ [19].

لا بأس بهذا، وقد ورد في بعض الروايات أن النبي عليه الصلاة والسلام فعل هذا، لا بأس، التنويع بكونه أحيانًا يتمضمض ثلاثًا، ويغسل وجهه مرتين مثلًا، ويغسل يديه ربما ثلاثًا أو مرتين أو مرة واحدة، الأمر في هذا واسع، ولا بأس به.

ينغمس يعني لأجل الاغتسال؟ اغتسال جنابة أو غسل التبرد؟

التبرد لا يجزئ عن الوضوء، غسل الجمعة وغسل التبرد لا يجزئ عن الوضوء، لكن الذي ذكره العلماء غسل الجنابة، قالوا: إنه يجزئ عن الوضوء بشرط أن يتمضمض ويستنشق؛ فإنهما طهارتان: صغرى وكبرى، فدخلت الصغرى في الكبرى، أما غير غسل الجنابة فما يجزئ عن الوضوء، على أن أيضًا غسل الجنابة كونه يجزئ عن الوضوء محل خلاف أيضًا بين أهل العلم.

ما يجزئ عن الوضوء غسل الجمعة، حتى لو تمضمض واستنشق، لا بد من وضوء.

يعني يُدخل أصابع اليدين بين أصابع الرجلين، يعني يأتي للفتحة بين كل أصبعين، ويدخل أصبعًا من أصابع اليدين، مثلًا السبابة أو الإبهام، ويتأكد من وصول الماء إلى ما بين كل أصبعين.

يعيد الوضوء، يعيد نعم، هذا يسأل يقول: لو أن أحدًا أكل لحم جزور، أكل مثلًا حشوة فيها لحم جزور، ولم يعلم إلا بعدما صلى فهنا يلزمه أن يعيد الوضوء والصلاة؛ لأنه قد انتقض وضوؤه، والنبي يقول: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ [20].

ولا يُعذر هنا لا بالجهل ولا بالنسيان؛ لأن هذا من باب فعل المأمور، وما كان من باب فعل المأمور لا يعذر فيه بالجهل والنسيان، الذي يعذر فيه بالجهل والنسيان ما كان من باب ارتكاب المحظور، لو كان مثلًا على اللباس نجاسة وصلى ناسيًا او جاهلًا، ولم يعلم إلا بعد الصلاة فصلاته صحيحة، أما إذا انتقض وضوؤه إما عن جهل أو عن نسيان فلا بد من أن يعيد الوضوء والصلاة، لا بد، ولا يعذر هنا بالجهل والنسيان.

لأن مس المرأة ما ورد فيه شيء، ما نستطيع أن نقول: إن هذا ناقض، ولم يرد فيه شيء صريح، والآية كما ذكرنا المقصود بها: الجماع، لكن هو مَظِنة، ولذلك؛ من مس المرأة بشهوة مظنة لخروج المذي، فإن خرج منه مَذْي انتقض وضوؤه، وإن لم يخرج منه مذي فوضوؤه صحيح، وإلا فالمسُّ بحد ذاته ليس ناقضًا للوضوء.

خروج الدم، نحن قلنا: إن القول الراجح: أنه لا ينقض الوضوء؛ حتى لو كان بكثرة، لكنه نجس ويُعفَى عن يسيره يعني إذا وقع على اللباس لا بد من غسله إلا إذا كان يسيرًا أما مجرد خروج الدم فليس هناك دليل يدل على أن خروج الدم ينقض الوضوء، ففرقٌ بين المسألتين، انتبهوا للتفريق بين المسألتين، خروج الدم لا ينقض الوضوء، على القول الراجح، لكن الدم نفسه نجس ويعفى عن يسيره.

عمر لما طُعن أكمل الصحابة الصلاة، وهذا موقف أيضًا لا يقاس عليه؛ طعنه يعني: أنه أوشك أن يفارق الحياة، ثم فارق الحياة بعد ذلك، وخرج منه الدم، ولم يكمل بهم الصلاة حتى؛ وإنما أكمل بهم عبدالرحمن بن عوف هو الذي أكمل بهم الصلاة.

والمسألة خلافية كما ذكرت لك، ذكرنا فيها أربعة أقوال، تجدها في المذكرة أيضًا أربعة أقوال، ولكن الذي يظهر لي -والله أعلم- هو التفصيل؛ إن كان بشهوة فإنه ينتقض به الوضوء، وإذا كان بغير شهوة فإنه لا ينتقض به الوضوء، هذا هو الأقرب الذي تجتمع به الأدلة.

المسح على الخفين

نأخذ ما تيسر من باب المسح على الخفين:

الخفان: تثنية خُفٍّ، وهما ما يلبس على الرجلين من جلد، بحيث يكون ساترًا للقدمين والكعبين.

وأما الجَوْرَبَان: ما يلبس على الرجلين من غير الجلد، فما يلبس على الرجلين من الجلد ويستر القدمين والكعبين هذا يسمى: خفًا، بينما إذا كان من غير الجلد يسمى: جَوْرَبًا، والجوارب تسمى عند الناس الآن: شُرابًا.

الشراب هذه جَوَارِب، وليست خِفَافًا.

أيضًا هناك الجُرْمُوق: وهو ما يلبس فوق الخف وقاية له من الماء، يسميه بعضهم: المُوق، وقد جاءت النصوص متواترة في الدلالة على مشروعية المسح على الخفين:

والأدلة من القرآن: قول الله ​​​​​​​: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ [المائدة: 6]. قراءة حفص: وَأَرْجُلَكُمْ، لكن جاء في قراءة سبعية: وأرْجُلِكُم، قرأها: ابن كثير وأبو عمرو وحمزة، واستَدَل بها كثير من العلماء على مشروعية المسح على الخفين؛ لأنه قال: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، والمقصود بالمسح هنا: المسح على الخفين، ولهذا؛ قال القرطبي رحمه الله: قيل: إن الخفض -يعني الجر- في الرجلين إنما جاء مقيِّدًا لمسحهما، لكن إذا كان عليهما خفان وتلقينا هذا القيد من رسول الله ، إذ لم يصح عنه أنه مسح على رجليه إلا وعليهما خفان.

السنة قد وردت متواترة عن النبي في مشروعية المسح على الخفين.

ولهذا في البيتين المشهورين:

مما تواتر حديث مَن كَذَبْ ومن بنى لله بيتًا واحتسبْ
ورؤيةٌ شفاعةٌ والحوضُ ومسح خفين وهَذِي بعضُ

فالأدلة أو الأحاديث الواردة في المسح على الخفين قد بلغت حد التواتر، ولهذا؛ قال الإمام أحمد رحمه الله: ليس في قلبي شيء من المسح؛ فيه أربعون حديثًا عن النبي .

وقال الحسن رحمه الله: حدثني سبعون من أصحاب النبي أنه عليه الصلاة والسلام مسح على الخفين.

حكم المسح على الجوربين

وأما الجوربان فيشرع المسح عليهما قياسًا على الخفين، يعني من باب القياس، وإن كان قد رُوي في ذلك حديث ثوبان : أن النبي توضأ ومسح على الجوربين والنعلين، لكنه حديث ضعيف.

ومما يدل لذلك أيضًا: أن النبي بعث سرية، وأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين.

والتساخين هي: ما يُسَخِّن القدم من خف وجورب ونحوهما.

فإذَنْ نقول: إن الجوربين يمسح عليهما قياسًا على الخفين.

أيهما أفضل: غسل الرجلين، أو المسح عليهما إذا كان فوقهما خفان أو جوربان؟ هل الأفضل أن الإنسان يخلع الشراب ويغسل رجليه، أو يمسح على الشراب؟

نقول هذا فيه تفصيل:

بعض العلماء قال: إن الغَسل أفضل، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية.

وقال آخرون: بل المسح أفضل، وهو مذهب الحنابلة.

والصحيح: هو القول بالتفصيل، وهو: أن الأفضل في حق كل واحد بحسَبه؛ فمن كان لابسًا الخف، كان الأفضل في حقه المسح، ومن كان لا خف عليه فالأفضل في حقه ماذا؟ الغَسل.

يعني مثلًا: إنسان عليه نعال، هل الأفضل أنه يلبس الجوربين لأجل أن يمسح عليهما؟ لا، نقول: الأفضل الغَسل.

لكن إنسان لبس الجوربين أو لبس الخفين، فالأفضل في حقه المسح، ولا نقول: إن الأفضل أن يخلع هذين الجوربين لأجل غسل الرجلين. فإذَنْ الأفضل أن نقول في كل إنسان بحسَبه بحسَب حال رجليه؛ إن كان لابسًا خفين أو جوربين فالأفضل المسح، وإلا، فالأفضل الغسل.

ولهذا قال ابن القيم رحمه الله: لم يكن النبي يتكلف ضد حاله التي عليها قدماه، بل إن كانتا في الخف مسح عليهما ولم ينزعهما، وإن كانتا مكشوفتين غسل القدمين ولم يلبس الخف ليمسح عليه، وهذا هو أعدل الأقوال في المسألة.

مدة المسح على الخفين

مدة المسح على الخفين، قد دلت السنة على أنها: يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر؛ كما جاء ذلك في حديث علي [21].

لكن من أين تبدأ مدة المسح على الخفين؟

قال بعضهم: إنها تبدأ من أول حَدَث بعد لُبس الخف، وهو مذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة.

والقول الآخر وهو الصحيح: أنها تبدأ من أول مسح بعد الحدث، وهو رواية عن أحمد، وهذا هو الذي عليه أكثر المحققين من أهل العلم.

وذلك؛ لأن الأحاديث الواردة في المسح على الخفين إنما جاءت بلفظ المسح؛ كما في حديث خزيمة بن ثابت  عن النبي قال: يمسح المسافر على الخفين ثلاث ليال، والمقيم يوما وليلة. أخرجه الترمذي وغيره [22]، وهو حديثٌ صحيحٌ.

فنجد أن الأحاديث: إنما وردت بلفظ المسح وليس بلفظ الحدث، بل جميع أحاديث المسح على الخفين ليس للحدث ذكر في شيء منها.

ثم إن النبي رخص للمقيم أن يمسح يومًا وليلة، ولو قلنا: إن ابتداء المدة من الحدث لكان المسح أقل من يوم وليلة، فيكون هذا خلاف الحديث.

فإذَنْ: القول الصحيح: أن المدة تبتدئ من أول مسح بعد الحدث.

مدة المسح وقَّتها النبي بيوم وليلة، اليوم والليلة أربع وعشرون ساعة.

إذَنْ مدة المسح: أربع وعشرون ساعة للمقيم، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن يعني كم ساعة؟ ثنتين وسبعين ساعة.

عند بعض العامة يقولون: إذا لبست الجورب تصلي فيه خمسة فروض، هل هذا صحيح؟ هذا غير صحيح؛ لأن الإنسان قد يصلي أكثر من خمسة فروض، فمثلًا: لو أن رجلًا لبس الجوربين عند وضوئه لصلاة الظهر، لكنه بقي على طهارته ولم يحدث إلا بعدما صلى العصر، ثم توضأ لصلاة المغرب فمن أين تبدأ المدة؟

من وضوئه لصلاة المغرب، فمعنى ذلك: أنه يكون قد صلى بهذين الجوربين: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر والظهر والعصر، لاحظ: سبعة فروض، سبعة أوقات، فقولهم: إنه لا يمسح على الجوربين إلا خمسة فروض، هذا قول غير صحيح، بل نقول: إن المدة تبتدئ من أول مسح بعد الحدث.

وتجدون في المذكرة أمثلة أخرى في هذا، لكن المهم، هو ضبط القاعدة في هذا، وهو: أن مدة المسح تبدأ من أول مسح بعد الحدث، ومعنى ذلك: أنك إذا أردت أن تحسبها، تحسبها بالدقيقة، يعني عندما تمسح أول مرة بعدما تلبس الخفين، ثم تحدث ثم تمسح أول مسح بعد الحدث تنظر الساعة، وتحسب أربعًا وعشرين ساعة، هكذا وردت السنة، النبي عليه الصلاة والسلام وقتها بيوم وليلة، يعني بأربع وعشرين ساعة للمقيم، وثنتين وسبعين ساعة للمسافر.

إذن نقف عند شروط المسح على الخفين.

نكتفي بهذا القدر.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 252.
^2 ذكره البخاري معلقًا: 3/ 31.
^3 رواه أبو داود: 142.
^4 رواه أبو داود: 135، والنسائي: 140، وابن ماجه: 422.
^5 رواه البخاري: 132، ومسلم: 303.
^6 رواه الترمذي: 87.
^7, ^20 سبق تخريجه.
^8 رواه الترمذي: 96، وقال: حسنٌ صحيحٌ، والنسائي: 127، وابن ماجه: 478، وأحمد: 18091.
^9 رواه مسلم: 376.
^10 رواه أبو داود: 200.
^11 رواه أبو داود: 203، وابن ماجه: 477.
^12 رواه البخاري: 91، ومسلم: 1722.
^13 رواه مسلم: 360.
^14 رواه أبو داود: 184، والترمذي: 81، وابن ماجه: 494، وأحمد: 18703.
^15 رواه أبو داود: 181، والترمذي: 82، وقال: حسنٌ صحيحٌ، والنسائي: 163، وابن ماجه: 479، وأحمد: 27293.
^16 رواه النسائي: 165، وأحمد: 16286.
^17 رواه ابن ماجه: 1463، وأحمد: 7771 بلفظ: مَن غسل ميتًا فليغتسل، ورواه أبو داود: 3161، وأحمد: 9862 وزادا: ومَن حمله فليتوضأ.
^18 رواه البخاري: 137، ومسلم: 361.
^19 رواه البخاري: 6954، ومسلم: 225.
^21 رواه مسلم: 276.
^22 رواه أبو داود: 157، والترمذي: 95، وقال: حسنٌ صحيحٌ، وابن ماجه: 553.
zh