الرئيسية/دروس علمية/دروس العشر الأواخر من رمضان/(12) العشر الأواخر- نوازل الاعتكاف
|categories

(12) العشر الأواخر- نوازل الاعتكاف

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فمن خصائص هذه العشر المباركة: أنه يستحب الاعتكاف فيها، وأفضل ما يكون الاعتكاف في هذه العشر، ولهذا سيكون الحديث عن الاعتكاف، وأبرز مسائله ونوازله.

تعريف الاعتكاف لغة واصطلاحًا

الاعتكاف أيها الإخوة معناه في اللغة: اللزوم والإقامة على الشيء، ومنه: قول الله تعالى: فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ [الأعراف:138] أي: مقيمين على أصنام لهم.

ومعنى الاعتكاف شرعًا: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، فلا بد أن يكون اللزوم لمسجد، فلا يصح الاعتكاف في غير المسجد، ولهذا قال الله تعالى: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187].

حتى المرأة لا يصح اعتكافها إلا في المسجد، ولا يصح أن تعتكف في مصلى بيتها، فحقيقة الاعتكاف إذن لزوم المسجد في طاعة الله تعالى.

الاعتكاف من الشرائع القديمة

والاعتكاف من الشرائع القديمة، والموجودة لدى الأمم السابقة، ولهذا قال الله تعالى لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة:125]، أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ هذا البيت المسجد الحرام، لِلطَّائِفِينَ لمن يطوف على الكعبة، وَالْعَاكِفِينَ يعني: لمن يعتكف في المسجد الحرام، وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ، أي: المصلين.

ومريم عليها السلام، مريم ابنة عمران ذكر الله تعالى قصتها في سورة آل عمران، وأن أمها امرأة عمران نذرت ما في بطنها محررًا لله، قالت: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [آل عمران:35].

وكانوا في وقتهم ينذرون الولد للخدمة في بيت المقدس، وامرأة عمران نذرت أن ما يأتيها من ولد ستجعله خاصًا بخدمة بيت المقدس: نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا [آل عمران:35].

فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى [آل عمران:36] كانت تطمع أن تكون ذكرًا؛ لأنه أقوى على الخدمة في بيت المقدس، قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ۝فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا [آل عمران:36-37].

وقد تنازع عليها مجموعة من الناس، كل يريد أن يكفلها، فعملوا قرعة؛ كما ذكر الله تعالى ذلك: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ [آل عمران:44]، كانت القرعة عندهم: أنهم يأتون بالأقلام ويلقونها في النهر بطريقة معينة، فأصابت القرعة زكريا عليه السلام، فأصبح هو المتكفل بمريم، فبقيت في بيت المقدس، وأنبتها الله نباتًا حسنًا، وأعطاها الله تعالى من كرامته.

ومن الكرامة التي أعطاها الله إياها: أنها تأتيها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، كل يوم يأتي لها رزق، فاستغرب زكريا عليه السلام، قال: أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:37]، وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ [آل عمران:37]، وهو موضع العبادة، وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا [آل عمران:37] وجد عندها أشياء غريبة ليست موجودة في مجتمعهم رزق غريب، وجميل جدًّا وعظيم، قال: أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:37]، والمقصود أن مريم عليها السلام اعتكفت في بيت المقدس.

فالاعتكاف إذن: هو من الشرائع القديمة، وقد كان موجودًا في الجاهلية؛ كما قال عمر ، قلت يا رسول الله، إني نذرت أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام؟ فقال له النبي : أوفِ بنذرك [1].

مشروعية الاعتكاف في الإسلام

فجاء الإسلام وأقر هذا، أقر عبادة الاعتكاف، واعتكف النبي في حياته، واعتكف أزواجه معه في حياته، واعتكفن بعد وفاته، وأول ما بدأ عليه الصلاة والسلام في الاعتكاف: اعتكف العشر الأول من رمضان يطلب ليلة القدر، فقيل: إن ليلة القدر أمامك، فاعتكف العشر الأواسط، فقيل: إن ليلة القدر أمامك، ثم اعتكف العشر الأواخر، واستقر اعتكافه على العشر الأواخر، إلى أن توفاه الله.

لكن في سنة من السنوات زوجات النبي تنافسن، كل تريد أن تعتكف معه، فأتت كل واحدة بخباء ووضعته، فأتى النبي وقال: آلبر أردتن؟ [2]، كل هذا لأجل البر والعبادة، كأنه لاحظ التنافس والغيرة فيما بينهن، وغضب عليه الصلاة والسلام، وأمر بنزع جميع الأخبية، وقال: السنة هذه لن أعتكف في العشر الأواخر من رمضان، ولم يعتكف.

لكنه عليه الصلاة والسلام كان إذا عمل عملًا أثبته، فعوض عن ذلك بالاعتكاف في العشر الأول من شهر شوال، وما عدا هذه السنة كان اعتكاف النبي في العشر الأواخر، ولذلك أفضل ما يكون الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان.

شروط صحة الاعتكاف

يشترط لصحة الاعتكاف: أن يكون في مسجد، وإذا كان المعتكف رجلًا، فلا بد أن يكون المسجد تقام فيه صلاة الجماعة، حتى لا تفوته صلاة الجماعة.

واختلف العلماء هل يشترط أن يكون المسجد تقام فيه الجمعة؟

قولان لأهل العلم، والقول الراجح: أنه لا يشترط، ولذلك لو اعتكف الإنسان في مسجد تقام فيه الجماعة دون الجمعة، فإذا أتت صلاة الجمعة يذهب للمسجد الجامع، ويصلي فيه صلاة الجمعة، ثم يرجع إلى معتكفه.

متى يدخل المعتكف في معتكفه؟

يدخل مع غروب شمس العشر الأواخر من رمضان، يعني مع بداية العشر الأواخر من رمضان، وتبدأ العشر الأواخر من رمضان بغروب الشمس من يوم العشرين من رمضان ليلة إحدى وعشرين، يعني بالأمس.

فيدخل المعتكف في معتكفه، ويشتغل المعتكف بالعبادة، وأفضل ما يشتغل به المعتكف هو الصلاة، لأن هذا هو هدي النبي ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان يشتغل بالصلاة في ليالي العشر الأواخر من رمضان.

وأتى نفر من الصحابة وصلوا معه ليلة ثلاث وعشرين، وصلى بهم إلى ثلث الليل، ثم انتشر الخبر في المدينة، فأتوا ليلة خمس وعشرين أكثر، فصلى بهم إلى منتصف الليل، فقالوا: “يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه؟ قال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب له قيام ليلة [3].

ثم لم يقم بهم ليلة السادسة، وقام بهم ليلة السابع والعشرين، وجمع أهله وأزواجه وأصحابه، وامتلأ بهم المسجد، وقام بهم إلى قريب من طلوع الفجر، يقول الصحابة: “حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح” يعني: السحور، وهذا يدل على تأكد ليلة السابع والعشرين.

ثم إن النبي ترك صلاة التراويح جماعة خشية أن تفرض على أمته، لأنه عليه الصلاة والسلام هو الرحيم الرفيق بأمته، ورأى أنه لو استمر يصلي بالناس كل يوم من صلاة التراويح والقيام لربما تصبح واجبة، فترك ذلك.

وفي زمن الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه رأوا أن ما خشي منه النبي ، وهو أنه خشي أن تفرض على أمته، رأوا أن هذا قد زال بانقطاع الوحي، فجمع عمر  الناس على أبي بن كعب، وعلى تميم الداري، فكانا يصليان بالناس صلاة التراويح، واستمر عمل الأمة على ذلك إلى وقتنا هذا.

ولذلك فالأفضل أن تصلى صلاة التراويح جماعة في المسجد، هي أفضل من صلاتها في البيت، وأيضًا يستفيد الإنسان إذا صلاها مع الجماعة في المسجد فائدة عظيمة، وهي أنه يكتب له أجر قيام ليلة، يكتب كأنه قام ليلة كاملة.

الكلام في الأمور المباحة في الاعتكاف

أيها الإخوة: المعتكف الأصل أنه يشتغل بالعبادة، لكن لا بأس أن يشتغل بالأمور المباحة، كأن يشتغل مثلًا بأحاديث وسواليف جانبية في أمور مباحة مع بعض أصحابه، هذا لا بأس به، ومما يدل لذلك: أن صفية زوج النبي أتت إليه تزوره وهو في معتكفه، فتحدث معها ساعة.

ثم ذهب يشيعها يودعها، وفي الطريق رآه رجلان من الأنصار، لما رأياه أسرعا، قال عليه الصلاة والسلام: على رسلكما إنها صفية، قالا: يا رسول الله كيف تقول هذا؟ هل سنشك فيك؟ قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًّا [4]، وهذا يدل على أن الإنسان ينبغي له أن يبتعد عن مواضع الشك، ومواضع الريبة.

وإذا كان في موضع يخشى أن يشك الناس فيه فليوضح، معه مثلًا امرأة، وخشي أن رآه ناس، خشي أن يظن الناس أن هذه امرأة أجنبية يوضح لهم، يقول: هذه زوجتي، هذه أختي، هذه كذا، فالإنسان إذا كان في موضع، ويخشى أن يشك فيه يبين ويوضح للناس.

ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: إنها صفية أخذ العلماء من هذه القصة: أنه لا بأس بالمعتكف أن يتحدث في أمور مباحة، لكن لا يكثر من ذلك، لا يكثر من هذا، فإن بعض الناس تكون الأحاديث والسواليف هي الغالبة عليه.

بل ربما تجر هذه الأحاديث الوقوع في الغيبة، أو السخرية، أو الكلام المحرم، وهذا لا يجوز.

حكم خروج المعتكف لحاجة

خروج المعتكف يجوز للمعتكف أن يخرج لما لا بد له منه، ومن ذلك: قضاء حاجة البول والغائط، فيذهب لدورة المياه، ويقضي حاجته ويرجع، ومن ذلك: الوضوء إذا أراد أن يتوضأ لا بأس أن يخرج ويتوضأ ويرجع، ولو قدر مثلًا أنه حصل عليه جنابة من احتلام مثلًا، فيخرج ويغتسل.

وكذلك أيضًا: يجوز له الخروج للإتيان بالطعام والشراب، فإذا كان مثلًا هنا في المسجد الحرام، وأراد أن يذهب لكي يأتي له بطعام أو شراب، ولم يوجد من يأتي له به، أو أنه يريد أن يذهب إلى مطعم لكي يتعشى فيه أو يتسحر، هذا كله لا بأس به، لأنه خروج لحاجة.

حكم الاشتراط في الاعتكاف

وأما الاشتراط في الاعتكاف بأن يشترط المعتكف أن يخرج من معتكفه إذا أراد لزيارة مريض، أو تشييع جنازة، أو لغير ذلك من الأعمال.

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

  • فمنهم من ذهب إلى أنه يصح الاشتراط وله شرطه، وإلى هذا ذهب الجمهور.
  • والقول الثاني: أن الاشتراط لا يصح، وليس له أصل، وإلى هذا ذهب المالكية، وقال الإمام مالك رحمه الله: إنني لم أسمع بالاشتراط.

وما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله هو الأقرب، ليس هناك دليل من القرآن أو السنة، أو حتى آثار من الصحابة تدل على صحة الاشتراط، وأما القياس على الاشتراط في الحج فهو قياس مع الفارق؛ لأن الاشتراط في الحج إنما يشترط المحرم أنه إن حبسه حابس، أو أعاقه عائق تحلل، بينما المشترط في الاعتكاف يشترط هو أن يفعل أمورًا منافية للاعتكاف، فهذا القياس قياس لا يستقيم ولا يصح.

ومن أراد مزيدًا من التوسع لبحث هذه المسألة، ومسائل خروج المعتكف، والاشتراط فيه، فليَّ كتيب صغير في هذا، وأصله بحث بعنوان: “خروج المعتكف من المسجد، والاشتراط فيه”، وموجود في المكتبات، وموجود أيضًا من أراد أن يحصل عليه هنا موجود على الإنترنت: “خروج المعتكف من المسجد، والاشتراط فيه” تناولت هذه المسائل بالتفصيل.

وبالنسبة للاشتراط في الاعتكاف خلصت إلى ترجيح هذا القول، وهو: أن اشتراط الاعتكاف لا يصح أصلًا، وليس له أصل، وقياسه على الاشتراط في الحج قياس مع الفارق.

وعلى هذا إذا أراد المعتكف أن يخرج لعيادة مريض، أو لاتباع جنازة، فننظر إن كان هذا المريض أو الميت له على الإنسان حق متأكد، كأن يكون هو أبوه أو أمه أو أخوه، أو من الأرحام الذين تجب صلتهم، فهنا يخرج من غير شرط، ويعود المريض ويتبع الجنازة من غير شرط.

أما إذا كان هذا المريض أو الميت ليس له عليه حق متأكد، فليس له الخروج من معتكفه، قال مثلًا: صل على جنائز هنا في الحرم، أنا أريد أن أتبع الجنازة، نقول: ما دمت معتكفًا ليس لك ذلك، إلا أن يكون الميت له عليك حق متأكد، فهنا لا بأس من غير اشتراط، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.

شحن الجوال من كهرباء الحرم

من المسائل والنوازل في الاعتكاف: هل يجوز استخدام الهاتف الجوال، أو شحن هاتف الجوال من كهرباء الحرم؟

هذه من النوازل، والجواب: أنه يجوز؛ وذلك لأن ما يكلفه من مال هو مال يسير جدًّا، يتسامح فيه عادة، وأي إنسان تقول له: خذ هذا الجوال اشحنه لي، يشحنه لك مباشرة، ولا يطلب مقابلًا، حتى الفقير لو قلت له: خذ اشحن لي هذا الجوال، يشحنه لك، ولا يطلب عليه مقابلًا، فهذا مما جرت العادة والعرف بالتسامح في بذله.

ثم إن الكهرباء هنا كهرباء الحرم هو من الدولة أيدها الله، والدولة كما ترون لم تبخل على الحرمين، تبذل الملايين، بل المليارات في سبيل خدمة الحجاج والمعتمرين، والقادمين للحرمين الشريفين، فالدولة أعزها الله لا تبخل بهذا، يعني: الدولة التي أنفقت المليارات في سبيل راحة القادمين للمسجد الحرام أو المسجد النبوي، هل يعني ستمنع من استخدام شحن هذا الجوال؟

هذا لا يعقل، ولذلك فالمسجد النبوي هذا العام وضعت أماكن لشحن الهاتف هواتف الجوال للمعتكفين، وأظن هنا وضع نعم، والإخوان يقولون: هنا وضع، فالحمد لله، يعني كنا نقرر هذا من ناحية نظرية فيما سبق، لكن الآن الإخوة المسؤولون في الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي جزاهم الله خيرًا حققوا هذا الشيء الذي كنا نقوله نظريًّا بجعله عمليًّا، فهو الآن موضوع للمعتكفين لكي يشحنوا جوالاتهم مجانًا.

وعلى ذلك فلا يتحرج الإنسان في شحن جواله في هذه المواضع التي وضعت، والأمر في هذا واسع، ولله الحمد.

حكم خروج المعتكف للعمل

المعتكف الذي مرتبط بدوام كأن يكون مثلًا هنا مرتبط بدوام في مكة، واليوم الأربعاء موظفو الدوائر الحكومية يعملون، وغدًا الخميس كذلك، فلو أن شخصًا معتكفًا، وهو أيضًا مرتبط بعمل، فهل خروجه للعمل يقطع الاعتكاف؟

الجواب: نعم، يقطع الاعتكاف؛ لأن هذا الخروج خروج طويل ست أو سبع ساعات، وأضف لذلك أيضًا مسافة الطريق ذهابًا وإيابًا، فهذه المدة الطويلة التي تقارب سبع أو ثمان ساعات لا شك أن هذا الخروج ينافي الاعتكاف ويقطعه، ولكن ينبغي أن لا يكون هذا مانعًا للإنسان من الاعتكاف، وذلك بأن هذا الموظف نقول له: اعتكف إلى أن يحين وقت خروجك للدوام، فإذا حان وقت خروجك للدوام اقطع الاعتكاف، واذهب وداوم، ثم ارجع من الدوام، وانو اعتكافًا جديدًا، ثم إذا أردت في الغد أن تذهب للعمل اقطع الاعتكاف، ثم إذا خرجت من الدوام انو اعتكافًا جديدًا، وبذلك لا يكون في هذا إشكالًا.

متى يجب الاعتكاف؟

والاعتكاف سنة ليس واجبًا، إلا في حالة واحدة يجب فيها الاعتكاف، من يعرف هذه الحالة؟

النذر أحسنت! إذا نذر الإنسان أن يعتكف، فيجب الاعتكاف، وما عدا ذلك الاعتكاف مستحب، وليس واجبًا.

حكم الاتصال بالهاتف للمعتكف

هل يجوز للمعتكف أن يكلم بالهاتف الجوال؟

الجواب: نعم، يجوز إذا جاز له أن يتحدث مع من في المسجد، جاز له أن يكلم بالهاتف الجوال، ويجوز له أيضًا أن يستخدم الواتس آب والإنترنت، ووسائل التواصل يجوز، لكن ينتبه لا تأخذ من وقته شيئًا كبيرًا، لأن هذه الوسائل تسرق الوقت من الإنسان من حيث لا يشعر، فلا تأخذ منه وقتًا كبيرًا، لكن لو استخدمها يبقى ذلك على الجواز.

حكم طلب الطعام من المطاعم للمعتكف

طيب هناك مسألة يسأل عنها بعض المعتكفين، ربما يكون السؤال عنها من المعتكفين من خارج الحرم، يقولون: نحن نعتكف في مسجد، ونكلم المطعم نقول: يأتي لنا بالعشاء أو بالسحور، فهل هذا يجوز، ومن المعلوم أنه لا يجوز البيع ولا الشراء في المسجد؟ فهل هذا يعتبر من البيع والشراء في المسجد، أم لا؟

واضح صورة المسألة، هذا معتكف في مسجد، يقول: أنا أكلم صاحب المطعم فأقول: تأتي لي بعشاء، أو تأتي لي بسحور، فهل هذه المكالمة تجوز داخل المسجد، أو نقول للمعتكف: اخرج خارج المسجد، واطلب الطلب؟

نقول: هل يترتب على هذا الطلب آثار البيع، ومن آثار البيع: اللزوم، بحيث لو أن الإنسان هذا لما طلب الطلب لا يملك الذي طلب التراجع، ولا يملك صاحب المطعم التراجع، بل يكون العقد ملزمًا، فهل هذا صحيح؟ هل هو ملزم؟

الواقع أنه ليس ملزمًا، بإمكان الإنسان الذي طلب الطلب أن يتصل على صاحب المطعم ويقول: ألغ الطلب، ولا يستطيع صاحب المطعم أن يلزمه، وبالإمكان أيضًا العكس أن صاحب المطعم يعتذر، ويقول: أن عندنا زحام ولا نستطيع تلبية طلبك، فدل هذا على أن الطلب ليس بيعًا ولا شراء، وإنما هو مجرد وعد بالبيع والشراء.

وعلى ذلك فيجوز أن يكون داخل المسجد، لكن عندما يحضر الطلب يخرج المعتكف خارج المسجد، وينقد الثمن لمن أتى بالطلب، هنا عندما يؤتى بالطلب ينعقد البيع في ذلك الحين، فيكون خارج المسجد، ولا يكون داخل المسجد، فهذه من النوازل في الاعتكاف.

وثمة مسائل ونوازل أخرى ربما يأتي الكلام عنها عند الإجابة عن الأسئلة.

الحث على اغتنام الأوقات الفاضلة

وأختم فأقول: أيها الإخوة أذكر نفسي، وأذكر إخواني بأهمية اغتنام هذا الوقت الفاضل، وهذا الموسم الذي نعيشه، وأن يحرص المسلم على أن يكون ذا عزيمة وقوة في العبادة.

والنبي  كان من دعائه أنه يقول: اللهم إني أسألك العزيمة على الرشد [5]، العزيمة هذه من الأمور العظيمة التي يُنعم الله تعالى بها على الإنسان، فالله تعالى قال عن أبينا آدم: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه:115]، لم نجد له عزمًا.

الله تعالى وصى آدم عليه السلام قال: وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ [البقرة:35]، وقال: إِنَّ هَذَا يعني: الشيطان، عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ [طه:117]، آدم عليه السلام نسي، وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه:115]، ما كان عنده قوة عزيمة في حفظ هذه الوصية، وهذا العهد.

فقوة العزيمة مهمة جدًّا، يعني على سبيل المثال: تقول مثلًا: هذه الليالي العشر ما دمت موجودًا في الحرم، فسوف أصلي جميع صلاة التراويح والتهجد مع الإمام، ولا تفوتني ولا ركعة واحدة، هذا من قوة العزيمة، وهذا مما يقضي على التردد.

ونلاحظ أن بعض الناس يأتي لهذه الأماكن الفاضلة، ويصلي مع الإمام بعض الركعات، ثم ينصرف للفندق، وهذا من الحرمان، ما دمت وصلت إلى أشرف بقعة، احرص على أن تكمل الصلاة مع الإمام، لأنك إذا أكملت الصلاة مع الإمام كتب لك قيام ليلة، فكيف إذا كان هذا في الحرم؟!

لا تنصرف حتى ينصرف الإمام من آخر ركعة، فاحرصوا بارك الله فيكم على أن تصلوا جميع الصلاة، جميع صلاة التراويح والتهجد والصلوات الخمس مع الإمام، واحرصوا أيضًا على كثرة الذكر، وكثرة العبادة، والله تعالى أمر بالإكثار من ذكره: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ۝وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:41-42].

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى، وباسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، نسألك اللهم أن توفقنا لما تحب وترضى، اللهم وفقنا لما تحب وترضى، اللهم وفقنا لما تحب وترضى.

اللهم إنا ندعوك ونحن في أشرف بقعة في هذه الليالي المباركة، نسألك اللهم أن توفقنا لما فيه رضاك، اللهم اجعلنا ممن رضيت عنهم ورضوا عنك، واجعلنا ممن تحبهم ويحبونك، اللهم استعملنا جميعًا في طاعتك، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا.

اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك، ربنا لا تزع قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب.

اللهم اهد قلوبنا، اللهم ارزقنا قلوبًا سليمة خاشعة مخبتة إليك يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم بارك لنا فيما تبقى من أعمارنا، ووفقنا للتوبة النصوح، وارزقنا الإنابة إليك.

اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.

اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا وارزقنا واهدنا يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أعنا على ذكرك، وعلى شكرك، وعلى حسن عبادتك.

نسألك اللهم من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه، وما لم نعلم.

نسألك اللهم كما جمعتنا في هذا المكان أن تجمعنا في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

اللهم نسألك الجنة، ونعوذ بك من النار، اللهم إنا نسألك الجنة، ونعوذ بك من النار، اللهم إنا نسألك الجنة، ونعوذ بك من النار.

اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 6697.
^2 رواه أحمد: 24544.
^3 رواه أبو داود: 1375، والترمذي: 806، وقال: حسنٌ صحيحٌ، وأحمد: 21447.
^4 رواه البخاري: 3281، ومسلم: 2175.
^5 رواه أحمد: 17114.
مواد ذات صلة