الرئيسية/دروس علمية/فقه المعاملات المالية المعاصرة (1426هـ)/(10) فقه المعاملات المالية المعاصرة- الأوراق التجارية
|categories

(10) فقه المعاملات المالية المعاصرة- الأوراق التجارية

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

ففي هذا الدرس عندنا موضوعان نتناولهما بالبحث إن شاء الله تعالى:

الموضوع الأول: الأوراق التجارية.

الموضوع الثاني: جمعيات الموظفين.

الأوراق التجارية

نبدأ بالموضوع الأول: وهو الأوراق التجارية، وسبق أن تكلمنا عن الأوراق المالية، والأوراق النقدية، الأوراق المالية، تكلمنا عنها في أول درسٍ أو ثاني درس، وقلنا: أن هي الأسهم والسندات، وكذلك أيضًا تكلمنا بعدها مباشرةً عن الأوراق النقدية، ووعدنا بأن نتكلم في درسٍ قادمٍ عن الأوراق التجارية، وهذا هو موضوع درسنا لهذا اليوم: “الأوراق التجارية”.

وقد كان هذا الموضوع -أعني الأوراق التجارية- هو موضوع رسالة الدكتوراه، وقد بقيتُ فيها قرابة أربع سنواتٍ، وبحثته بحثًا مستقصيًا فيما أعلم، وفيما ظهر لي، وكان تحت إشرافٍ علميٍّ أيضًا؛ لأنه هناك مشرفٌ شرعيٌّ، ومشرفٌ متخصصٌ في الأنظمة، وطبع في كتابٍ موجودٍ في المكتبات، وسوف أختصر الآن في عرض ملخصٍ لأبرز المسائل، وإلا فهذا الموضوع طويلٌ جدًّا، لكن سوف أذكر ملخصًا لأبرز المسائل المتعلقة بالأوراق التجارية.

المقصود بالأوراق التجارية

الأوراق التجارية؛ تعريفها ومعناها:

عرفت بعدة تعريفاتٍ؛ من أحسنها: أنها صكوكٌ قابلةٌ للتداول، تمثل حقًّا نقديًّا، وتستحق الدفع لدى الاطلاع، أو بعد أجلٍ قصيرٍ، ويجري العرف على قبولها كأداة للوفاء، وتقوم مقام النقود في المعاملات.

هذا هو تعريفها الإجمالي: أنها صكوكٌ قابلةٌ للتداول، تمثل حقًّا نقديًّا، وتستحق الدفع لدى الاطلاع، أو بعد أجلٍ قصيرٍ، ويجري العرف على قبولها كأداة للوفاء، وتقوم مقام النقود في المعاملات.

أنواع الأوراق التجارية

وهي على ثلاثة أنواعٍ: الكمبيالة، والشيك، والسند بأمرٍ، وتختلف الأنظمة في أنواع الأوراق التجارية، فبعضها لا يجعلها على سبيل الحصر، وإنما يجعلها على سبيل التمثيل، وبعضها جعلها على سبيل الحصر.

ونظام الأوراق التجارية الموجود عندنا في المملكة جعلها على سبيل الحصر، وتبع في ذلك النظام العالمي للأوراق التجارية الموحد، فإنه قد صدر في نظامٍ موحدٍ يسمى “قانون جنيف الموحد للأوراق التجارية”، صدر عام (1930)، أو (1931).

وإنما أشرت لهذا القانون؛ لأنه يعتمد عليه نظام الأوراق التجارية الموجود عندنا بالمملكة اعتمادًا كبيرًا، يكاد يكون كليًّا، إلا ربما في مسألةٍ أو مسألتين.

وقد درست هذا النظام مادةً مادةً، ولم أر فيه أي مخالفةٍ للشريعة الإسلامية، بل نصَّت إحدى المواد على أن أي شيءٍ يخالف الشريعة الإسلامية فهو ملغًى، واعتباره كأن لم يكن.

وهنا فائدة نسوقها: وهي أن الأنظمة عندنا هنا في المملكة مصاغةٌ صياغةً جيدةً، يعني لو نظرت إلى السياسة الإعلامية لأنظمة مثلًا الأوراق التجارية، جميع الأنظمة في الجملة، لا تجد فيها مخالفةً شرعيةً، إنما تأتي المخالفات من جهة التطبيق.

وإلا فالأنظمة، من حيث هي أنظمةٌ، تجد أنها تصاغ بطريقةٍ جيدةٍ، وليس فيها مخالفاتٌ شرعيةٌ، فهذا إذنْ نظام الأوراق التجارية، يعتمد اعتمادًا كبيرًا على القانون الموحَّد للأوراق التجارية، ولكنه استبعد ما كان مخالفًا للشريعة الإسلامية.

فكان هذا النظام الموحد، والذي تبعه نظام الأوراق التجارية في المملكة، ذكر أن الأوراق التجارية منحصرةٌ، يعني على سبيل الحصر، ليست على سبيل المثال، تتنوع لثلاثة أنواعٍ فقط: الكمبيالة، والسند لأمرٍ، والشيك فقط، الكمبيالة والسند لأمر والشيك، هذه الأوراق التجارية، إذا قيل: الأوراق التجارية، فتعني هذه الأمور الثلاثة فقط: الكمبيالة، والسند لأمرٍ، والشيك.

أما الكمبيالة: فهي كلمةٌ إيطاليةٌ، وليست كلمةً عربيةً، ولا تعرف في لغة العرب، ولا عند فقهاء المسلمين، بل هي كلمةٌ إيطاليةٌ، ولكنها اشتهرت بهذا المصطلح، وتسمى في بعض الأنظمة بسفتجة، وسند سحبٍ، وسند حوالةٍ، وبوليصة.

ومعناها معنى الكمبيالة، أو تعريفها: أنها صكٌّ يحرَّر وفقًا لشكلٍ قانونيٍّ معينٍ، يتضمن أمرًا صادرًا من شخصٍ يسمى: الساحب، موجهًا إلى آخر يسمى: المسحوب عليه، بأن يدفع مبلغًا معينًا لدى الاطلاع، أو في تاريخٍ معينٍ، أو قابلٍ للتعيين إلى شخصٍ ثالث يسمى: المستفيد.

إذنْ تعريفها مرةً أخرى: صكٌّ يحرَّر وفقًا لشكلٍ قانونيٍّ معينٍ، يتضمن أمرًا صادرًا من شخصٍ يسمى: الساحب، إلى آخر يسمى: المسحوب عليه، بأن يدفع مبلغًا معينًا لدى الاطلاع، أو في تاريخٍ معينٍ أو قابلٍ للتعيين، إلى شخصٍ ثالث يسمى: مستفيدًا.

يعني هي شبيهةٌ بالشيك؛ لأنها تختلف عن الشيك في أمورٍ:

الأمر الأول: أنها تصلح أن تكون مؤجلةً، أما الشيك فواجب الدفع لدى الاطلاع، لذلك يُعتبر أن كتابة الشيك بتاريخٍ مؤجلٍ يعتبرونه مخالفةً، لكن الكمبيالة طبيعتها أنها تقبل التأجيل.

ثم أيضًا لا يشترط أن تكون مسحوبةً على بنكٍ، بينما الشيك يشترط أن يكون مسحوبًا على بنك، أو مؤسسةٍ مصرفيةٍ.

هذه الكمبيالة ليست شائعةً عند الأفراد، هي شائعةٌ في التعامل بين الشركات والمؤسسات، وربما بعض التجار، أما عامة الناس فالشائع عندهم الشيكات، وهذه الكمبيالة في الحقيقة فيها فائدةٌ كبيرةٌ لو أنها فهمت فهمًا جيدًا، بل يمكن من خلالها سداد عدة ديونٍ.

فمثلًا: تكتب أنت، يأتيك شخصٌ، ويطلب منك دينًا، وأنت تعرف أنه سيحصل لك مثلًا أنك تطلب من شخصٍ آخر دينًا، وهذا الدين لا يحل إلا بعد مدةٍ معينةٍ مثلًا، فتحول هذا الشخص، يأتيك هذا الشخص، فتكتب: ادفعوا لأمر فلان بن فلانٍ مبلغًا وقدره كذا، في تاريخ مثلًا: 1 رمضان (1426 هـ)، وتكتب التاريخ، وتذكر ما هو مطلوبٌ في الكمبيالة؛ كتابة التاريخ، والاسم، والمبلغ، والإمضاء.

وحينئذ تسلم هذا الدائن هذه الكمبيالة، هذا الدائن يمكن أن يستفيد من هذه الكمبيالة يُظَهِّرها يعني يُجَيِّرها لدائنٍ له آخر، وهذا الدائن الآخر يمكن أن يظهِّرها لدائنٍ آخر يعني يُجَيِّرها لدائن آخر، ربما يجتمع عليها عشرةٌ، حتى إذا أتى الموعد المحدد وهو 1 رمضان، دفعت للأخير، وبهذا استطاع مجموعةٌ من الناس أن يقضوا ديونهم ويسددوا ديونهم بموجب هذه الكمبيالة.

فإن قلت: كيف يُعتمد عليها، وهي قد لا يحصل الوفاء من المسحوب عليه؟

الجواب: أنها تُوَفَّر لها حمايةٌ كبيرةٌ من قانون الصرف، ومن الجهة التي تَتْبعها، وهي مثلًا عندنا بالمملكة وزارة التجارة، يفترض أن تُوَفَّر لها حمايةٌ كبيرةٌ؛ بحيث من يُخل بها يتعرض لعقوباتٍ صارمةٍ.

هذه هي إذنْ الكمبيالة، كما تلاحظون هي شبيهةٌ بالشيك، إلا أنها تختلف عنه في عدة أمورٍ؛ أنها تقبل التأجيل، وأنها لا يشترط أن تكون على بنكٍ.

أما السند لأمرٍ، ويسمى السند الإذني: فهو صكٌّ يَتعهد بموجبه محرره بأن يدفع مبلغًا معينًا في تاريخٍ معينٍ أو قابلٍ للتعيين، أو بمجرد الاطلاع، إلى شخصٍ آخر يسمى المستفيد.

صكٌّ يتعهد بموجبه محرره بأن يدفع مبلغًا معينًا -في تاريخٍ معينٍ أو قابلٍ للتعيين، أو بمجرد الاطلاع- إلى شخصٍ آخر يسمى المستفيد.

هذا أيضًا السند الإذني غير شائعٍ عند الأفراد، لكنه شائعٌ عند المؤسسات وعند التجار، وهو يختلف عن السندات قسيمة الأسهم، السندات قسيمة الأسهم يختلف عنها…، قلنا: إن تلك السندات تشتمل على فوائد ربويةٍ، لكن هذا السند الإذني هو في الحقيقة مجرد وثيقةٍ بدينٍ، كأنه يعني تعهد، يكتب: أتعهد بأن أدفع لأمر فلان بن فلانٍ مبلغًا قدره كذا، في تاريخ كذا، وتكتب المكان والزمان والتوقيع.

ويفترض أيضًا أن تُوفَّر له حمايةٌ قانونيةٌ كبيرةٌ، بحيث إذا لم يفِ هذا الشخص الذي هو المسحوب عليه، أو محرره، في الحقيقة محرره، إذا لم يسدد قيمة هذا السند، فإنه يتعرض لعقوباتٍ صارمةٍ، فهذا هو السند الإذني، ويسمى السند لأمر، وهو كما ذكرت موجودٌ لدى المؤسسات والشركات، لكن تلاحظون أنه بين طرفين فقط: محررٍ ومستفيدٍ، ولذلك لا يقال: ساحب ومسحوب عليه ومستفيد، كما قلنا في الكمبيالة، لكنه فقط بين طرفين: محررٍ ومستفيدٍ.

أما الشيكات فهي معروفةٌ، وهو النوع الثالث: الشيك، ويقال: إن مصطلح (شيك) منقولٌ من (صك)، فيكون أصل هذه الكلمة عربيًّا، وصك أيضًا هي كلمةٌ عربيةٌ لكنها معربةٌ، وإلا فأصلها فارسيٌّ أيضًا، أصلها فارسيٌّ، وجمعها: أَصُكٌّ، وصِكَاكٌ، وصُكُوكٌ، فنقلت إذنْ بدل: صكٍّ، جُعلت: شك، ثم جعلت شيك.

وتعريف الشيك، يعرف بأنه: صكٌّ يحرر وفقًا لشكلٍ قانونيٍّ معينٍ، يتضمن أمرًا صادرًا من شخصٍ يسمى الساحب إلى شخصٍ آخر يسمى المسحوب عليه، بدفع مبلغٍ معينٍ من النقود إلى شخصٍ ثالثٍ يسمى المستفيد، بمجرد الاطلاع.

إذنْ: صكُّ يحرر وفقًا لشكلٍ قانونيٍّ معينٍ، يتضمن أمرًا صادرًا من شخصٍ يسمى الساحب، إلى شخصٍ آخر يسمى المسحوب عليه، بدفع مبلغٍ معينٍ من النقود إلى شخصٍ ثالثٍ يسمى المستفيد بمجرد الاطلاع.

لاحظ هنا أن الشيك لا بد أن يدفع بمجرد الاطلاع، ولا يصلح أن يكون قابلًا للتأجيل؛ بخلاف الكمبيالة والسند لأمر.

أصول الأوراق التجارية

قبل أن نتعرض للتخريج الفقهي لأنواع الأوراق التجارية، نشير هنا إشارةً إلى أن أصول هذه الأوراق التجارية.

قد كانت معروفةً لدى المسلمين، أي أنها لم تقتبس بكاملها من الغرب، وإن كانت بتنظيمها الموجود الآن أخذت من الغرب، لكن أصول هذه الأوراق كانت معروفةً لدى المسلمين.

فإن المسلمين قد عَرفوا التعامل بما يشبه (السفاتج) من وقت الصحابة ، قد رُوي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أنه كان يأخذ الوَرِق من التجار بمكة على أن يكتب لهم بها إلى الكوفة، وكان ابن الزبير رضي الله عنهما يأخذ من قومٍ من مكة دراهم، ويكتب لهم بها إلى مصعبٍ، فمثل هذه الرقاع التي يكتبون فيها تشبه في أصولها هذه الأوراق التجارية.

وأيضًا جاء في “صحيح مسلمٍ”: أن صكوكًا خرجت للناس في زمن مروان بن الحكم، يُكتب فيها مقدار الطعام، فيكتب بأن فلان بن فلانٍ يستحق كذا من الطعام، فتبايعها الناس قبل أن يستوفوها، يعني قبل أن يستوفوا ما تمثله من طعام، فدخل زيد بن ثابتٍ  ورجلٌ -جاء في روايةٍ أنه أبو هريرة – على مروان بن الحكم، فقال: أتُحِل الربا يا مروان؟ قال: وما ذاك؟ قال: هذه الصكوك تَبَايعها الناس، ثم باعوها قبل أن يستوفوها، فبعث مروان بن الحكم الحرس يتبعونها، ينزعونها من أيدي الناس، ويردونها إلى أهلها.

هذه الصكوك -في الحقيقة كما ذكرنا- أوراقٌ تصدر من ولي الأمر بالرزق ومستحقه، يكتب: لفلانٍ كذا، ولفلانٍ كذا من الطعام، وقد كانت الدولة في ذلك الوقت تدفع هذه الصكوك لجنودها وعمالها في مقابل رواتبهم المستحقة لهم.

فكان بعض الناس يتبايع تلك الصكوك قبل قبض الطعام، فكان إنكار زيد بن ثابتٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما لأجل هذا، لا لأجل الكتابة في الصكوك؛ وإنما لأجل تبايعها قبل الاستيفاء وقبل قبض الطعام.

هذا يدل على أن أصول هذه الأوراق التجارية كانت معروفةً لدى المسلمين، وإن كانت بهذا التنظيم قد أخذها المسلمون من غيرهم، لكن أصولها كانت معروفةً لدى المسلمين منذ زمن الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

التخريج الفقهي للأوراق التجارية

وأما تخريجها الفقهي:

أما الكمبيالة فاختلف فيها؛ فقيل: إنها سَفْتَجةٌ، وقيل: إنها قرضٌ، وقيل: حوالةٌ، ويقولون: سفتجة. يحتاج منا أن نذكر تعريفًا للسفتجة.

السفتجة معناها: معاملةٌ ماليةٌ يُقرِض فيها إنسانٌ آخر قرضًا ليوفيه المقترض أو نائبه أو مدينه في بلدٍ آخر، معاملةٌ ماليةٌ يقرض فيها إنسانٌ قرضًا لآخر في بلدٍ، ليوفيه المقترض، أو نائبه، أو مدينه في بلدٍ آخر.

يعني مثلًا: تقول لفلانٍ: أقرضني عشرة آلاف ريالٍ، وسوف أسددها لك، في مكة أعطيك إياها، أو يعطيك إياها وكيلي في مكة، وفائدتها أمن خطر الطريق، وهي الآن موجودةٌ الآن في التحويلات المصرفية تعتبر سفتجة.

أنت عندما مثلًا تحول حوالةً على شخصٍ مقيمٍ في مكة، أو مثلًا في المدينة، تحول له حوالةً بمبلغٍ معينٍ، هي يعتبر حوالةً، لكنها في الحقيقة سفتجة، تسمى حوالةً، أقصد أنها تسمى حوالةً، لكنها في الحقيقة سفتجةٌ؛ لأنك تقرض البنك.

مثلًا: عشرة آلاف ريالٍ، وتقول: سلم هذا المبلغ المقترض إلى فلانٍ من الناس في مكة، في المدينة، في أي بلدٍ آخر، فما دام أن العملة واحدةٌ، فهذا يسمى سفتجة، وإذا اختلفت العملة فسنتكلم عنها إن شاء الله بعد قليلٍ.

لكن إذا كانت العملة واحدةً مثلًا ريالات، تحول عشرة آلاف ريالٍ، تضع عند البنك عشرة آلاف ريالٍ، وتقول: حولوها له، فأنت تسميها حوالةً، لكنها في الحقيقة في تكييفها الفقهي أنها سفتجة.

اختلف العلماء في حكم السفتجة:

فالمذاهب الأربعة على تحريمها، وهو المشهور من مذهب الحنفية والمالكية والشافعية، والصحيح من مذهب الحنابلة؛ لأنهم اعتبروا أنها من قبيل القرض الذي جر نفعًا.

والقول الثاني: أنها جائزةٌ، وقد رُوي هذا عن عددٍ من الصحابة: عن علي بن أبي طالبٍ، وابن عباسٍ، وابن الزبير ، وهو روايةٌ عند المالكية والحنابلة، وهي التي عليها المحققون من أهل العلم، واختارها الموفق بن قدامة، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، رحم الله الجميع، وهي التي يفتي بها مشايخنا في الوقت الحاضر، عامة مشايخنا على هذا القول -القول بجواز السفتجة- سماحة شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ، والشيخ محمد بن عثيمين رحمة الله على الجميع.

الجمهور الذين قالوا بتحريم السفتجة، ليس لهم أدلةٌ صحيحةٌ صريحةٌ في التحريم، وإنما غاية ما استدلوا به إما أدلةٌ صريحةٌ، لكنها ضعيفةٌ؛ كحديث: السَّفْتَجات حرامٌ [1]، ولكن هذا الحديث حديثٌ ضعيفٌ، بل قيل: إنه موضوعٌ، حكم عليه بعض العلماء بأنه موضوعٌ.

وأيضًا مما علل به الجمهور قالوا: إن السفتجة قرضٌ استفاد بها المقرض؛ لسقوط خطر الطريق، وهذا نوع نفعٍ، وقالوا: إن المقرض استفاد بهذا القرض أمن خطر الطريق، وكل قرضٍ جر نفعًا فهو ربًا.

وأما أصحاب القول الثاني: الذين قالوا بجواز السفتجة، فاستدلوا أولًا قالوا: إن هذا القول مأثورٌ عن عددٍ من الصحابة كما ذكرنا: ابن عباس، وابن الزبير، وعلي بن أبي طالبٍ رضي الله عنهم.

وقالوا أيضًا: إن السفتجة فيها مصلحةٌ لكلٍّ من المقرض والمقترض من غير ضررٍ بواحدٍ منهما؛ فالمقرض ينتفع بأمن خطر الطريق في نقل دراهمه إلى ذلك البلد، والمقترض ينتفع بالقرض، وما كان فيه مصلحة للجميع، وليس فيه ضررٌ، فإن الشرع لا يحرمه.

ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الصحيح الجواز، يعني: الصحيح في حكم السفتجة الجواز؛ لأن كلًّا من المقرض والمقترض منتفعٌ بهذا الاقتراض، والشارع لا ينهى عما ينفعهم ويصلحهم، وإنما ينهى عما يضرهم.

ثم إن السفتجة لم يُنصَّ على تحريمها، وليست هي في معنى المنصوص؛ فوجب إبقاؤها على الإباحة، لاسيما أن الحاجة داعيةٌ لها، خاصةً مثلًا في وقتنا الحاضر الآن عليها عمل الناس، الناس الآن على هذه التحويلات التي هي في الحقيقة سفتجةٌ، خاصةً عندما يكون التحويل مثلًا لخارج المملكة، ربما يصعب نقل الدراهم، يصعب نقلها فيحتاج إلى تحويلها.

فإذا كان تحويلها بنفس العملة فهي في الحقيقة سفتجةٌ، والقول بمنعها فيه حرجٌ كبيرٌ على الناس، وليس هناك دليلٌ ظاهرٌ على التحريم، صحيحٌ أنه هو قول الجمهور، القول بالتحريم قول الجمهور، وهو رأي المذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، لكن ليست المسألة محل إجماعٍ، ولا يلزم أن يكون رأي المذاهب الأربعة هو الصواب.

أرأيت مثلًا الطلاق، طلاق الثلاث بكلمةٍ واحدةٍ؟ المذاهب الأربعة على أنه يقع ثلاثًا، مع أن القول الصحيح أنه يقع واحدةً، فليست كل مسألةٍ تتفق فيها المذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة تكون هي الصواب، فقد يكون الحق مع الأقل.

ولهذا؛ فالمذاهب الأربعة على تحريم السفتجة، ولكن القول الصحيح هو أنها جائزةٌ، وهو الذي عليه المحققون من أهل العلم، وهو الذي عليه العمل، وإذنْ يكون هذا هو القول الراجح، وهو جواز السفتجة.

يبقى أن نجيب عما استدل به الجمهور، نحن ذكرنا أن الأحاديث التي استدلوا بها ضعيفةٌ، بل بعضها ربما حكم عليه بالوضع، كما يُروى حديث أن السفتجات حرامٌ [2]، وقلنا: إنه عند بعض أهل العلم موضوعٌ.

وأما قولهم: إن السفتجة قرضٌ استفاد بها المقرض سقوط خطر الطريق، وكل قرضٍ جر نفعًا فهو ربًا، أولًا: هذه المقولة: كل قرضٍ جر نفعًا فهو ربًا، لا يصح عن النبي ، تجدهم في بعض كتب الفقه ربما ينسب للنبي ، والحقيقة لا يصح نسبته للنبي ، وإنما هو من كلام بعض الفقهاء، وإلا فليس حديثًا عن النبي .

ثم أيضًا لو سلمنا بهذه واعتبرناها قاعدةً، فليست على إطلاقها؛ إذ ما من قرضٍ إلا ويتضمن نفعًا، ولهذا قال ابن حزمٍ رحمه الله: ليس في العالم سلفٌ -يعني قرض- إلا وهو يجر منفعةً، وذلك انتفاع المسلف بتضمين ماله، فيكون مضمونًا، تَلِف أو لم يتلف، مع شكر المستقرض إياه، وانتفاع المستقرض بمال غيره مدةً.

قال: فعلى قولهم: إن كل سلفٍ جر منفعةً هو ربًا، يكون كل سلفٍ حرامًا، وهذا فيه ما فيه، إذنْ ليست كل منفعةٍ في القرض تكون حرامًا، إذنْ ما الضابط في المنفعة المحرمة في القرض؟

الضابط في ذلك، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله: الضابط في ذلك المنفعة التي يختص بها المقرض دون المقترض، أما المنفعة التي يشتركان فيها، فإنها لا تكون محرمةً، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الصحيح الجواز؛ لأن كلًّا من المقرض والمقترض منتفعٌ بهذا الاقتراض، والشارع لا ينهى عما ينفعهم ويصلحهم، إنما ينهى عما يضرهم.

فإذنْ: المنفعة المحرمة في القرض: هي التي يختص بها المقرض دون المقترض، كسُكْنى دار المقترض، وركوب دوابه، وقبول هديته، ونحو ذلك من المنافع التي يختص بها المقرض، أما ما كان فيه منفعةٌ للمقرض وللمقترض جميعًا، فإن هذا ليس بمحرمٍ.

وإذا نظرنا إلى السفتجة ففيها مصلحةٌ للطرفين؛ فيها مصلحةٌ للمقرض، ومصلحةٌ للمقترض، أما المقترض فالمصلحة ظاهرةٌ، أما المقرض فالمصلحة هي أمن خطر الطريق، ولهذا؛ فالصحيح في السفتجة أنها جائزةٌ.

وعلى هذا خُرِّجت الكمبيالة، فقيل: إنها سفتجةٌ، وقد كانت في النظام القديم الأوراق التجارية بالمملكة كانت تسمى سفتجةً، ولكن قد تكون بعض صور الكمبيالة لا تنطبق على السفتجة، ولهذا؛ فالتخريج الفقهي للكمبيالة أنها قد تكون سفتجةً، وقد تكون قرضًا، وقد تكون حوالةً، بحسب طبيعة العلاقة.

وأما حكم التعامل بالكمبيالة في الشريعة الإسلامية: فإنه لا بأس به؛ لأنه -كما ذكرنا- على القول الراجح هو أن السفتجة جائزةٌ، فتكون الكمبيالة جائزةً ولا بأس بها، وهكذا لو قلنا: إنها قرضٌ، أو حوالةٌ، فهذه عقودٌ مُجمَعٌ على جوازها.

ولكن إذا كانت الكمبيالة فيما يشترط فيه التقابض من الطرفين كالصرف، أو من طرفٍ واحدٍ كالسلم، هنا لا بد من أن تحرر الكمبيالة، يعني لا يجوز أن تكون الكمبيالة بعد أجلٍ.

وأما السند لأمرٍ، الذي ذكرنا صورته قبل قليلٍ، فالتخريج الفقهي له: أنه وثيقةٌ بدينٍ، فأنت تقول: أتعهد بأن أدفع لأمر فلان بن فلانٍ مبلغًا قدره كذا، بتاريخ كذا، هذا في الحقيقة يعتبر وثيقةً بدينٍ، وهو جائزٌ ولا بأس به.

ولكن أيضًا يلاحظ ما قلناه في الكمبيالة بأنه إذا كان السند لأمر فيما يشترط فيه التقابض، فإنه لا يصح أن يكون مؤجلًا.

وأما الشيك فالتخريج الفقهي له أنه حوالةٌ، التخريج الفقهي للشيك أنه حوالةٌ، يكون المُحيل هو الساحب، يعني محرر الشيك هو المحيل، المحال عليه هو المسحوب عليه، الذي هو المصرف أو البنك، والمحال هو المستفيد.

فإذنْ: التخريج الفقهي للشيك: أنه حوالة، المحيل هو الساحب، والمحال عليه هو المصرف أو البنك، المحال هو المستفيد، يترتب على القول بأن الشيك حوالةٌ: أن المستفيد الذي تَكتُب له أنت شيكًا يَلزمه قبول الشيك إذا كان المحال عليه مليئًا، وهو في الحقيقة هنا مليءٌ وهو البنك أو المصرف.

فلو اشتريت سيارةً، وكتب لك البائع شيكًا، قلت أنا: لا، إما أن تعطيني نقدًا أو لا أقبل، قال البائع: أنا لا أعطيك إلا شيكًا، اختلفتما في هذه المسألة، هل للبائع أن يلزمك بالشيك، أو من حقك أن تقول: أنا أرغب في النقد، وتُلزمه بهذا؟

نقول: له الحق أن يُلزمك بالشيك؛ لأننا اعتبرنا أن الشيك حوالةٌ، ويلزم قبول الحوالة إذا كانت على مليءٍ، لكن لك أن تشترط، تقول: لا أقبل إلا إذا كان الشيك مصدَّقًا مثلًا، أو إذا كان فيه رصيدٌ، لكن يلزمك قبول هذا الشيك؛ لأننا حقيقةً قلنا: إن التخريج الفقهي لهذا الشيك: أنه حوالةٌ، فيلزمك في الحقيقة قبوله؛ لأنه إذا أحال الإنسان آخر، وكان المحال عليه مليئًا، فإنه يجب قبول الحوالة؛ لقول النبي : إذا أُتْبِع أحدكم على مليءٍ فليَتْبع [3]، وهذه من ثمرات قولنا في التخريج الفقهي للشيك: إنه حوالةٌ.

وهناك نوعٌ من الشيكات يسمى: الشيكات السياحية، وسبق أن ورد فيه سؤالٌ من الأسئلة فيما سبق.

الشيكات السياحية: هي شيكاتٌ تصدرها بعض المصارف أو المؤسسات، بقيَمٍ متفاوتةٍ على فروعها، أو على مراسليها في الخارج؛ لمصلحة المسافر الذي يستطيع الحصول على قيمتها، بمجرد عرضها لدى أي فرعٍ من فروع المصرف، أو لدى مراسليه.

أعيدها مرةً أخرى: الشيكات السياحية: هي شيكاتٌ تصدرها مصارف بقيَمٍ متفاوتةٍ على فروعها، أو على مراسليها في الخارج لمصلحة المسافر الذي يستطيع الحصول على قيمتها بمجرد عرضها للوفاء في أي فرعٍ، أو لدى أي مراسلٍ لهذا المصرف، أو لهذه المؤسسة.

وهذه الشيكات السياحية لا بأس بها، لكن تَرِد عليها إشكاليةٌ، وهي أن المصدر لهذه الشيكات، الجهة المُصْدرة لهذه الشيكات تأخذ عمولةً.

والذي يظهر والله أعلم: أن هذه العمولة لا بأس بأخذها؛ لأنها مقابل خدماتٍ، ولأن المنفعة أيضًا لا تختص بالمقرض هنا؛ وإنما تشمل المقرض والمقترض، فهي شبيهةٌ بالسفتجة.

ونحن قلنا في ضابط النفع المحرم في القرض: هو النفع الذي يختص بالمقرض، وأما ما يشمل المقرض والمقترض فإنه لا يكون نفعًا محرمًا، وبناءً على ذلك تكون الشيكات السياحية جائزةً، ولا بأس بها.

خصم الأوراق التجارية

من أهم مسائل الأوراق التجارية: مسألة خصم الأوراق التجارية، أذكر التعريف، وأوضحه بمثال:

تعريف خصم الأوراق التجارية: الخصم معناه: القطع.

تعريف الخصم: هو اتفاقٌ يعجِّل به البنكُ الخاصمُ لطالب الخصم قيمةَ ورقةٍ تجاريةٍ، مخصومًا منها مبلغٌ يتناسب مع المدة الباقية، وذلك في مقابل أن ينقل طالب الخصم إلى البنك هذا الحق على سبيل التملك، وأن يضمن له وفاءً بحلول أجله.

فإذنْ: هي عمليةٌ مصرفيةٌ يقوم بموجبها حامل الورقة بنقل ملكيتها إلى المصرف عن طريق…، قبل موعد الاستحقاق مقابل تعجيل المصرف قيمتها، مخصومًا منها مبلغٌ معينٌ، أوضحها بمثال قد يكون هذا الكلام غير واضحٍ، لكن أوضحه بمثال:

نحن قلنا في الأوراق التجارية: هي الكمبيالة، والسند لأمرٍ، والشيك، الشيك واجب الدفع لدى الاطلاع، لا يَرِد عليه الخصم، الخصم إنما يرد إما على كمبيالةٍ، أو السند لأمرٍ إذا كانت مؤجلةً، يعني مثلًا: صوامع الغلال تعطي بعض المزارعين كمبيالاتٍ عندما يضعون القمح فيها، ما يعطونهم نقدًا، ولا يعطونهم شيكاتٍ، يعطونهم كمبيالاتٍ، ادفعوا لأمر المزارع فلان بن فلانٍ مبلغًا قدره مثلًا مئة ألف ريالٍ في (1 محرم 1427 هـ) هذه كمبيالةٌ، وتمنح للمزارعين.

بعض المزارعين يقول: أنا لن أنتظر إلى هذا الموعد، يذهب إلى البنك، يقول: هذه كمبيالةٌ صرفت لي، اصرف لي هذه الكمبيالة الآن هي مئة ألفٍ أعطني الآن خمسةً وتسعين ألفًا، وخمسة آلاف ريالٍ تكون عمولةً لك أنت أيها البنك، تكون خمسة آلاف ريالٍ عمولةً للبنك مقابل تعجيل قيمة هذه الكمبيالة، يقول: لن أنتظر إلى هذا الموعد، هذه الكمبيالة أعطيها للبنك، والبنك يعطيني قيمتها معجلةً مخصومًا منها عمولةٌ يتفقان عليها.

ففي مثالنا هذا خمسة آلاف ريالٍ عمولةً يأخذها البنك لقاء تعجيله لقيمة هذه الكمبيالة، وهذا التعامل -يا إخواني- شائعٌ ومنتشرٌ خاصةً -كما ذكرت- لدى المزارعين وغيرهم ممن يُصرف لهم كمبيالاتٍ، فما حكم هذا الخصم؟

اختلف فيه اختلافًا كثيرًا، ما ذكرته في الكتاب الذي أشرت إليه أكثر من سبعة تخريجاتٍ، ولا يلاحظ على بعضها شيءٌ من التكلف، أو محاولة لي أعناق النصوص أو القواعد الفقهية للقول بالجواز؛ لأن بعض الناس عندما يريد تخريج مسألةٍ معاصرةٍ يتأثر بضغط الواقع، ويبرر بحاجة الناس، ويبرر..، والذي ينبغي هو التجرد عند بحث المسألة، وعدم يعني التأثر بالواقع، وإنما ينظر لها على أنها مسألةٌ، ينظر لها على حسب ما تقتضيه الأدلة والقواعد الشرعية.

فهذه المسألة اختُلف فيها اختلافًا كثيرًا، وقد درستها في الكتاب الذي أشرت إليه في أكثر من خمسين صفحةً، وخرجت بالقول بأن هذا الخصم هو في الحقيقة قرضٌ بفائدةٍ، هذا الخصم يعتبر قرضًا بفائدةٍ، هذا هو القول الصحيح الذي ندين الله به؛ لأن خصم الورقة التجارية هو في حقيقة الأمر قرضٌ بفائدةٍ، كأنك تقول للبنك أو لهذا المصرف: أقرضني قيمة هذه الكمبيالة بهذه الفائدة، أقرضني خمسةً وتسعين ألفًا بمائة ألفٍ مثلًا، فهو في الحقيقة قرضٌ بفائدةٍ.

كيف تقول: أنا أعطي الآن خمسةً وتسعين، وأعطيك مئة ألفٍ مؤجلةً، أعطي الآن خمسةً وتسعين حاضرةً بمئة ألفٍ مؤجلةٍ، فخصم الأوراق التجارية التخريج الفقهي له: أنه قرضٌ بفائدةٍ، والقرض بفائدةٍ محرمٌ.

وبناءً على ذلك: يكون خصم الأوراق التجارية محرمًا، وبعضهم فصَّل، قال: إذا كان خصم على مصرف المدين، أو على غير مصرف المدين، والصحيح أنه لا تفريق بين مصرف المدين، ومصرف غير المدين كله يعتبر قرضًا بفائدةٍ.

ولذلك ينبغي التنبه والتنبيه لهذه المسألة؛ لأنها -كما ذكرت- شائعةٌ، خاصةً بين المزارعين، يذهبون للبنوك ويخصمون الكمبيالات، وربما بعضهم يجهل الحكم الشرعي فيها، وهناك بديلٌ ومخرجٌ شرعيٌّ يحصل به حامل هذه الكمبيالة على حقه من غير وقوع في المحذور، وهذا المخرج هو بيع الورقة التجارية على المصرف بعوضٍ غير نقديٍّ، أو بعَرْضٍ من العُروض.

فيقول: هذه الورقة الكمبيالة فيها مئة ألف ريالٍ، أنا أبيعكم هذه الكمبيالة بسيارةٍ، وهنا لا مانع، أبيعكم هذه الكمبيالة بسيارةٍ، فهنا تكون المسألة من قَبيل بيع الدين لغير من هو عليه بالعين، فهذه الكمبيالة تمثل دينًا، وأبيع هذا الدين لغير من هو عليه -يعني لهذا المصرف- بعينٍ، وهو سيارةٌ، وبيع الدين لغير من هو عليه جائزٌ على الصحيح من قولي العلماء.

فإذنْ يعتبر هذا مخرجًا يستطيع به حامل هذه الكمبيالة أن يحصل على غرضه من غير وقوع في الربا، من غير وقوع في المحذور الشرعي.

إذنْ الخلاصة: أن خصم الأوراق التجارية قرضٌ بفائدةٍ، وأنه محرمٌ، وأن المخرج هو أن تباع بغير نقدٍ، تباع بعرضٍ من العروض.

قبض الأوراق التجارية

لعلنا نختم بهذه المسألة في الأوراق التجارية: وهي قبض الأوراق التجارية:

القبض عند الفقهاء يعني حيازة الشيء والتمكن منه، سواءٌ كان التمكن باليد، أو بعدم المانع، وهو ما يسمى بالتخلية أو القبض الحُكمي، والقبض مطلقٌ في الشرع، فيرجع فيه إلى العرف؛ فمثلًا: قبضُ الذهب غير قبض العقار، غير قبض الأغنام، يعني كل شيءٍ بحسبه، ويُرجع في ذلك إلى العرف، ما عده الناس قبضًا فهو قبضٌ.

ولهذا قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: القبض مطلقٌ في الشرع، فيجب الرجوع فيه إلى العرف، كالإحراز والتفرق.

وإذا أردنا أن نبحث مسألة قبض الأوراق التجارية، أما ما كان مستحق الوفاء بعد مدةٍ، يعني إذا كانت الورقة التجارية مؤجلةً كما في الكمبيالة والسند لأمر، إذا كانا مؤجلين هنا ظاهرٌ أنه لا قبض، وبناءً على ذلك: لا يجوز مثلًا بيع الذهب بكمبيالةٍ مؤجلةٍ، أو بسندٍ لأمرٍ مؤجلٍ.

لكن إذا كانت الورقة التجارية واجبة الدفع لدى الاطلاع، كالشيك مثلًا، فهل يعتبر تسلم الشيك في حكم القبض لمحتواه، وبناءً على ذلك يجوز مثلًا شراء الذهب بالشيك.

لو ذهبت لمحلٍّ تجاريٍّ واشتريت كميةً كبيرةً من الذهب، وكتبت لصاحب محل الذهب شيكًا، هل هذا يجوز؟ هذا يرجع لهذه المسألة، وهي: هل يعتبر تسلم الشيك قبضًا لمحتواه، أو أنه لا يعتبر؟

اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسألة على ثلاثة أقوالٍ:

  • القول الأول: أن تسلم الشيك يعتبر قبضًا لمحتواه، وبناءً على ذلك: يجوز أن تشتري بهذا الشيك ذهبًا أو فضةً مثلًا، فيعتبر قبضًا لمحتواه، وعللوا ذلك: بأن الشيك يحاط بضماناتٍ كبيرةٍ تجعل القابض له مالكًا لمحتواه، ويستطيع أن يتصرف فيه، فيبيع ويهب ويشتري… إلى آخره.
  • القول الثاني: أن تسلم الشيك ليس في قوة القبض لمحتواه، وبناءً على ذلك: لا يجوز أن يحرر به ما يشترط فيه التقابض كالذهب، ومن أبرز من قال بهذا القول: الشيخ محمد العثيمين رحمه الله، حتى ولو كان شيكًا مصدقًا، فيقول: تسلم الشيك ليس في قوة القبض لمحتواه، سواءٌ كان الشيك مصدقًا أو غير مصدقٍ.
    وأذكر أني ذهبت للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، وسألته عن هذه المسألة، فذكر لي رأيه هذا، فقال: إن تسلم الشيك ليس في قوة القبض لمحتواه، فقلت: حتى لو كان مصدقًا، قال: حتى ولو كان مصدقًا، وقال: أرأيت لو أن هذا الشيك ضاع، أليس يرجع صاحبه على البنك، فيسلم له بدله؟ فإذنْ هو لا يقوم مقام النقد، بينما النقود لو ضاعت لما أمكن الرجوع على أحدٍ، تضيع على صاحبها، وهذه وجهة أصحاب هذا القول.
    فيقولون: أن تسلم الشيك ليس في قوة القبض لمحتواه، سواءٌ كان مصدقًا أو غير مصدقٍ؛ لأنه لو ضاع لأمكن الرجوع إلى مصدره، وهو المسحوب عليه، الذي هو البنك، بينما الأوراق النقدية لو ضاعت فإنها تضيع على صاحبها، ولا يمكن الرجوع على أحدٍ، ولأن الشيك يتعرض لعدة احتمالاتٍ من جهة كونه ليس فيه رصيدٌ، أو لا يقبله البنك، أو نحو ذلك.
    فالقابض لمحتوى الشيك ليس له التصرف، يعني المتسلم للشيك تُوقَف بعض تصرفاته على الوفاء الفعلي، قد لا يكون للشيك رصيدٌ، ونحو ذلك من الاحتمالات.
  • القول الثالث في المسألة: هو التفصيل؛ وذلك بالتفريق بين الشيك المصدق، والشيك غير المصدق، فتسلم الشيك المصدق في معنى القبض لمحتواه، بينما تسلم الشيك غير المصدق ليس في معنى القبض لمحتواه، وإلى هذا الرأي ذهبت “اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء” برئاسة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله.

إذنْ القول الثالث: أن تسلم الشيك المصدق في معنى القبض لمحتواه، وتسلم الشيك غير المصدق ليس في معنى القبض لمحتواه.

ومعنى التصديق في الشيك: أنه يحجز المبلغ، يذهب مثلًا ساحب الشيك، ويطلب حجز هذا المبلغ للمستفيد، وبالتالي لا يستطيع أن يتصرف فيه، يُحجَز للمستفيد، لمن حُرر له هذا الشيك.

وجمع أصحاب هذا الرأي بين وجهة القول الأول، ووجهة القول الثاني، فقالوا: إن الشيك إذا كان غير مصدقًا فهو يَرِد عليه عدة احتمالاتٍ، يرد عليه ما ذكره أصحاب القول الثاني، وأما إذا كان مصدقًا فإنه لا يرد عليه أي احتمالٍ، ويكون في قوة القبض لمحتواه.

قالوا: ولهذا نجد أن الناس في الصفقات الكبيرة إنما يتعاملون بالشيكات، فلو اشتريت بيتًا بمليون ريالٍ، وأردت أن تدفع نقدًا، فإن البائع لا يقبل، يقول: أعطني شيكًا، ما أريد أن تعطيني نقدًا، فإذا كان الناس يفضلون الشيك على النقد في الصفقات الكبيرة، فمعناه يريد أن يقول: أعطني شيكًا مصدقًا وليس نقدًا.

إذا كان الناس يفضلون الشيك على النقد في الصفقات الكبيرة بالملايين، فلا شك أنه في قوة القبض لمحتواه، ولذلك؛ فهذا هو القول الصحيح في المسألة، القول الصحيح: أن الشيك إذا كان مصدَّقًا فهو في قوة القبض لمحتواه، وإلا فلا.

وإذا كان الشيك مصدقًا فهو قد أحيط بضماناتٍ كبيرةٍ، ولا نعرف أن أحدًا من الناس سُحب له شيكٌ مصدقٌ ولم يستطع الحصول على حقه، اللهم إلا إذا كان لها إشكالاتٌ خارجةٌ عن الطبيعة القانونية للشيك، منه مثلًا: تزويرٌ أو سرقةٌ أو نحو ذلك.

أما أنه يحرر له الشيك مصدَّقًا ثم لا يحصل على قيمة هذا الشيك، فهذا بعيدٌ جدًّا، ولهذا؛ فإن الشيك المصدق في قوة القبض لمحتواه، بل إن الناس يفضلونه على النقد في الصفقات الكبيرة، وهذا دليلٌ كافٍ على أن الشيك المصدق في قوة القبض لمحتواه.

وأما قولهم قول أصحاب القول الثاني: إنه لو ضاع لأمكن لصاحبه أن يرجع على البنك، فنقول: لأن طبيعة الشيك هكذا؛ لأن طبيعة الشيك هي أن اسم المستفيد يحرر فيه، وبالتالي لا يستطيع أن يصرفه إلا صاحبه، وإذا ضاع فيمكن الرجوع إلى البنك أولًا لإيقافه وصرف بدله، فيمكن للمستفيد من هذا الشيك أن يذهب للبنك، ولا يضيع حقه بهذا، لا يضيع حقه.

فنقول: طبيعة الشيك تقتضي هذا، بينما الأوراق النقدية هي لحاملها، ولهذا لو أن الشيك كتب لحامله، فإذا ضاع فيضيع على صاحبه، يضيع على المستفيد، على حامله، وهذا يعني لا مانع منه نظامًا، لكن الناس لا يستعملونه، لو كتب: ادفعوا لأمر حامل هذا الشيك، هذا نظامًا لا مانع منه، وإن كان غير شائعٍ، فهو في الحقيقة يضيع على حامله.

فنقول: طبيعة الأوراق النقدية أنها لحاملها، وطبيعة الشيك أنه يكتب فيه اسم المستفيد، وهذا غير مؤثرٍ في الحكم، ولهذا نقول بناءً على هذا: إنه يجوز أن يشترى الذهب والفضة بالشيك إذا كان مصدقًا، ولا يجوز إذا كان الشيك غير مصدقٍ.

ولكن هنا أنبه إلى مسألةٍ: وهي أنه في بعض الدول تحاط الشيكات غير المصدقة بحمايةٍ كبيرةٍ جدًّا، بحيث تكون في قوة الشيكات المصدقة، وهنا ربما يقال: أنه في تلك الدول تكون الشيكات كلها، سواءٌ كانت مصدقةً أو غير مصدقةٍ في قوة القبض لمحتواها.

وأما عندنا هنا في المملكة فلا زال الشيك غير مصدقٍ، وإن كان قد أحيط بحمايةٍ صارمةٍ من الناحية النظرية، ولكن الإشكالية في الناحية التطبيقية والتنفيذية، ولهذا مثلًا: في سنة من السنوات بلغت قيمة الشكاوى المقدمة من الغرفة التجارية بالرياض للشيكات بدون رصيدٍ أكثر من مليارٍ ومئتي مليونٍ، فكيف نقول: الشيك غير المصدق في قوة القبض لمحتواه؟

إذا كانت الشيكات غير مصدقةٍ، بدون رصيدٍ، في سنةٍ واحدةٍ فقط بلغت أكثر من مليار ومئتي مليونٍ، فهذا في الحقيقة يزعزع الثقة في الشيك غير المصدق، والإشكال عندنا هنا كما ذكرت في الناحية التنفيذية، فمع كثرة الشيكات غير المصدقة لا نسمع بأن أحدًا قد طبقت عليه العقوبة.

لكن في بعض الدول هناك حماية صارمة للشيكات، فربما في تلك الدول يقال: إن الشيك -سواءٌ كان مصدقًا أو غير مصدقٍ- في قوة القبض لمحتواه، بل ربما عندنا في المملكة يتحسن الوضع، وتوفر الحماية الكبيرة للشيكات، فتصبح الشيكات المصدقة وغير المصدقة في قوة القبض لمحتواه، لكن أتكلم عن وضع الشيكات الآن هنا في الوقت الحاضر.

شيكات التحويلات المصرفية

بقي أن نشير إلى مسألة الشيكات والتحويلات المصرفية، وهي الحقيقة مهمةٌ، ولعلي أيضًا أختم بها هذا البحث:

شيكات التحويلات المصرفية إذا كانت من جنس النقد المدفوع فهي في الحقيقة سفتجةٌ، يعني عندما تحول عشرة آلاف ريالٍ إلى بلدٍ آخر، ليستلمها مثلًا وكيلك في بلدٍ آخر من فرع هذا البنك، أو من بنكٍ آخر، فهذا في الحقيقة سفتجةٌ، وسبق أن قلنا: إن القول الصحيح في السفتجة أنها جائزةٌ.

الإشكال إذا كان التحويل بعملةٍ أخرى، يعني ذهبت للمصرف أو البنك، وقلت له: هذه عشرة آلاف ريالٍ، أريد أن تحولوها على وكيلي فلانٍ من الناس، أو قريبي في بلدٍ آخر، مثلًا في مصر مثلًا بالجنيه، فهنا اجتمع عندنا صرفٌ وحوالةٌ.

الحوالة طبعًا قلنا: إنها سفتجةٌ، وأنها جائزةٌ لا إشكال فيها، لكن الإشكال هنا في الصرف، وهذه المسألة بحثها المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وأصدر فيها قرارًا بأن استلام الشيك يقوم مقام القبض عند توفر شروطه، وأن القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض، سواءٌ كان الصرف بعملةٍ يعطيها الشخص للمصرف، أو بعملةٍ مودعةٍ فيه، فيقولون: إذنْ القيد في دفاتر الصرف في حكم القبض.

فالذي يظهر والله أعلم: أن هذه المسألة فيها تفصيل؛ فنقول: إن القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض، لكن بشرط: أن يكون المصرف يملك العملة المحول لها، لاحِظ هنا، أن يملك العملة المراد التحويل إليها، فلا بد أن يكون المصرف يملك المبلغ المراد تحويله، سواءٌ في صندوقه المحلي، أو في صندوقه المركزي.

أما إذا كان المصرف لا يملك المبلغ المراد تحويله بالعملة المراد التحويل إليها، فإنه حينئذٍ لا يجوز مثل هذا، لا يجوز، وذلك؛ لأنه يكون قد صارف بما لا يملكه، إذا كان المبلغ المراد تحويله ليس موجودًا في صندوق المصرف المحلي، ولا في قيوده أيضًا لدى المصارف الأخرى، وإنما سيقوم المصرف على تأمين النقد المحول له مستقبلًا، فالذي يظهر والله أعلم: أن تسلم الشيك أو السند ليس في معنى القبض لمحتواه، وحينئذٍ يكون المصرف قد صارف بما لا يملكه وقت المصارفة.

أرأيت لو صرفت صاحب محل ذهبٍ ذهبًا قال: بذهبٍ سوف أوفره فيما بعد، ولو بعد ساعةٍ، فإن هذا لا يجوز، هكذا أيضًا هنا، ولذلك نحن ننصح من أراد التحويل بعملةٍ أخرى أن يحول بعملةٍ شائعةٍ موجودةٍ لدى البنك، بأن تكون من العملات الشائعة، مثل مثلًا اليورو، الدولار، يعني هذه تكون موجودةً عند جميع البنوك.

لكن ربما يأتي لعملةٍ نادرةٍ قد لا تكون موجودةً عند البنك، لا في الصندوق المحلي، ولا حتى في المركزي، عملات بعض الدول قد لا تكون موجودةً عند البنك كله، فإذا صارف البنك بهذه العملة يكون قد صارف بما لا يملك، وهنا يقع في الإشكال.

فالمجمع الفقهي في الحقيقة أطلق العبارة، ولكن لا بد من هذا التقييد، وهو أن تكون المصارفة بما يملكه البنك، حتى لو كان في الصندوق المركزي، يعني لا يلزم أن يكون في الصندوق المحلي، ولذلك ينبغي لمن أراد أن يصارف مع اختلاف العملة، من أراد أن يحول مبلغً مع اختلاف العملة أن يختار عملةً شائعةً، بحيث يغلب على الظن وجودها في صندوق البنك، فانتبهوا لهذه القضية يا إخواني.

وإذا صارف بهذه العملة فإنه يتسلم إما شيكًا، أو مثلًا سندًا رسميًّا من البنك، ويقيد فيه سعر العملة المحولة له أيضًا، يقيد فيه سعر العملة المحولة له أيضًا، وحينئذٍ لا بأس بهذا، هذا هو الذي يظهر والله أعلم.

وأنا أذكر أني سألت الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن هذه المسألة، فقال: إن فيها إشكالًا إذا اجتمع صرفٌ وحوالةٌ، وهي لا تجوز، لكن يقول: أجيزها للضرورة، يقول: إنني أجيزها للضرورة، والواقع في الحقيقة أنها تعتبر في معنى القبض، ولا نقول: نجيزها للضرورة، هي في معنى القبض لمحتواه، لكن بشرط أن يكون المصرف يملك المبلغ المحول له.

هذا -يا إخواني- الخلاصة لهذا الموضوع، والموضوع أطول من هذا بكثيرٍ، لكن هذه نبذةٌ مختصرةٌ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى الكتاب الذي أشرت إليه، وهو موجودٌ في المكتبات.

جمعيات الموظفين

بعد ذلك ننتقل إلى موضوعٍ آخر، ولعل الكلام فيه لا يطول، وهو حكم جمعيات الموظفين.

صورة المسألة

صورة المسألة: أن يتفق عدد من الموظفين يعملون في الغالب في جهةٍ واحدةٍ؛ مدرسةٍ أو دائرةٍ، أو غيرهما على أن يدفع كل واحدٍ منهم مبلغًا من المال، مساويًا في العدد لما يدفعه الآخرون، ثم عند موعدٍ محددٍ كنهاية الشهر مثلًا، عند موعدٍ محددٍ؛ كنهاية الشهر مثلًا، ثم يُدفع المبلغ كله لواحدٍ منهم، وفي الشهر الثاني يُدفع لآخر، وهكذا، حتى يتسلم كل واحدٍ منهم مثل ما تسلمه مَن قبله، سواءً بسواءٍ دون زيادةٍ أو نقصٍ.

إذنْ هذه صورة المسألة: يتفق عددٌ من الموظفين يعملون في الغالب في جهةٍ واحدةٍ على أن يدفع كل واحدٍ منهم مبلغًا من المال مساويًا في العدد لما يدفعه الآخرون عند موعدٍ معينٍ؛ كنهاية الشهر مثلًا، ويدفع المبلغ كله لواحدٍ منهم، وفي الشهر الثاني يدفع لآخر، حتى يتسلم كل واحدٍ منهم مثل ما تسلمه مَن قبله سواءً بسواءٍ بدون زيادةٍ ولا نقصٍ.

يعني مثلًا: هؤلاء مدرسون في مدرسة، قالوا: نتفق على جمعيةٍ، نتفق جميعًا على أن كل واحدٍ يدفع خمسة آلاف ريالٍ، نجمع الخمسة آلاف ريالٍ مثلًا تكون مئة ألف ريالٍ، يعني لو قلنا: إن عدد هؤلاء المدرسين عشرون، وكل واحدٍ دفع خمسة آلاف ريالٍ، مجموعها يكون مئة ألف ريالٍ، مئة ألف ريالٍ تدفع في الشهر الأول لأحدهم، الشهر الثاني للآخر، والشهر الثالث للثالث، وهكذا، هذه صورة جمعية الموظفين.

خلاف العلماء في جمعيات الموظفين

وقد اختلف العلماء المعاصرون في حكمها على قولين:

  • القول الأول: إنها جائزةٌ، وهذا هو الذي عليه أكثر العلماء، وصدر به قرار من “هيئة كبار العلماء” بالمملكة، ومن أبرز من قال بهذا القول: الشيخ عبدالعزيز بن بازٍ والشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله تعالى.
  • والقول الثاني: أنها محرمةٌ، قال به بعض أهل العلم، ومن أبرزهم: الشيخ صالح الفوزان حفظه الله، وسبب الخلاف في هذه المسألة هو الخلاف في اعتبار هذه الجمعية من قبيل القرض الذي جر نفعًا أو لا؟

فمن قال: إنها من قَبيل القرض الذي جر نفعًا حرمها، ومن قال: إنها ليست من قبيل القرض الذي جر نفعًا قال: إنها جائزةٌ.

نأتي لأدلة من قال بالتحريم، وهم أصحاب القول الثاني:

حاصل أدلتهم ترجع إلى ما ذكرت قبل قليلٍ، ترجع إلى أن هذه المسألة من قبيل القرض الذي جر نفعًا، فكل واحدٍ من المشتركين في هذه الجمعية إنما يدفع ما يدفع بصفة قرضٍ مشروطٍ فيه قرضٌ من الطرف الآخر، وهذه منفعةٌ، فيكون ذلك من قبيل القرض الذي جر نفعًا، وكل قرضٍ جر نفعًا فهو ربًا، إذنْ هذه وجهة من قال بالمنع، قال: إنها من قبيل القرض المحرم.

وأما أصحاب القول الأول الذين قالوا بالجواز فقالوا: إن المنفعة التي تحصل للمقرض في هذه الجمعية لا تنقص المقترض شيئًا من ماله، بل قد حصل المقترض على منفعةٍ مساويةٍ، أو مقاربةٍ لها، ففيها مصلحةٌ للطرفين؛ للمقرض وللمقترض، وليس فيه ضررٌ على واحدٍ منهم، وليس فيها زيادة نفع المقرض على حساب المقترض.

والنفع المحرم في القرض هو النفع الذي يختص به المقرض دون المقترض، أما إذا كان النفع للطرفين؛ للمقرض وللمقترض، فإن هذا لا بأس به، ولا مانع منه، كما قلنا في السفتجة، فإذنْ قالوا: إن المنفعة هنا لا يختص بها المقرض، وإنما هي للمقرض وللمقترض جميعًا.

وجاء في قرار “هيئة كبار العلماء” في التعليل لهذا القول، قالوا: لأن المنفعة التي تحصل للمقرض لا تنقص المقترض شيئًا من ماله، وإنما يحصل المقترض على منفعةٍ مساويةٍ لها، ولأن فيها مصلحةً لهم جميعًا من غير ضررٍ على واحدٍ منهم، أو زيادة نفعٍ لآخر، والشرع لا يَرِد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها على أحدٍ، بل ورد بمشروعيتها.

فإذنْ هذه ليس فيها زيادةٌ، وليس فيها اختصاص المنفعة بالمقرض دون المقترض، فتكون شبيهةً بالسفتجة، السفتجة فيها مصلحةٌ للطرفين؛ المقرض والمقترض، ولذلك قلنا: إنها جائزةٌ، هذه أيضًا فيها مصلحةٌ للطرفين؛ للمقرض وللمقترض.

والقول الصحيح في هذه المسألة: هو القول الأول، وهو أن جمعية الموظفين جائزةٌ ولا بأس بها، ولا تعتبر من قبيل القرض الذي جر نفعًا، وهي في الحقيقة قرضٌ معتادٌ، ليست قرضًا جر نفعًا، ليست من قبيل القرض الذي جر نفعًا، بل هي قرضٌ معتادٌ، إلا أنه يشارك في الإقراض أكثر من شخصٍ.

حقيقة هذه الجمعية أنها قرضٌ، لكن يشارك في هذا القرض أكثر من شخصٍ، فأول من يأخذ هذه الجمعية يعتبر مقترضًا من جميع المشتركين فيها، وكذلك من يأخذها في المرة الثانية يعتبر مقترضًا ممن يأخذها بعده، ومستوفيًا لقرضه من الشخص الذي قبله؛ إذنْ يعتبر مقترضًا ممن بعده، ومستوفيًا للقرض ممن قبله، وهكذا في الثالث والرابع، كل واحدٍ يعتبر مقترضًا ممن بعده مستوفيًا ممن قبله، كل واحدٍ من هؤلاء يعتبر مقترضًا ممن بعده، مستوفيًا ممن قبله، إلا الأول يعتبر مقترضًا من الجميع، وإلا الأخير فيعتبر مستوفيًا من الجميع، هذه حقيقة الجمعية.

إذنْ مرةً أخرى نقول: كل واحدٍ من هؤلاء الذين في الجمعية يعتبر مقترضًا ممن بعده، مستوفيًا لقرضه ممن قبله، إلا الأول فيعتبر مقترضًا من الجميع، وإلا الأخير فيعتبر مستوفيًا من الجميع، وهذا بهذا التكييف لا بأس به، ولا تعتبر من قبيل القرض الذي جر نفعًا، لا تعتبر من قبيل القرض الذي جر نفعًا.

بعض طلاب العلم ممن كتب بحثًا في هذا، ونشر في مجلة البحوث، ذكر تقييدًا للقول بالجواز، وهو أنه ألا يشترط الاستمرار في هذه الجمعية أكثر من دورةٍ، يعني يقول: ألا يشترط هذا الشرط، لو قال: نريد ندخل في الجمعية، لكن بشرط أن تستمر هذه الجمعية دورتين أو ثلاثًا أو أكثر، فيعتبر هذا محرمًا، قال: لأن حقيقة هذه الصورة: أن المقرض يشترط على من سيقرضهم أن يقرضوه في دورةٍ أخرى، فتشبه هذه المسألة مسألة: إذا شرط المقرض أن يقرضه المستقرض مستقبلًا، يعني يقول: لا أقرضك إلا بشرط أن تقرضني مستقبلًا، فما حكم هذه الصورة؟

هذه في الحقيقة تنطبق عليها، فلو قال: نحن نريد أن ندخل في جمعية الموظفين، لكن بشرط أن نستمر دورتين أو ثلاثًا، فأقول: بعض الإخوة منع هذه المسألة، وخرجها على مسألة ما إذا قال: لا أقرضك إلا بشرط أن تقرضني مستقبلًا.

نقول: هذه المسألة المخرج عليها محل خلافٍ بين العلماء؛ فمنهم من منعها، وقال: إن هذه من قبيل القرض الذي جر نفعًا، والصحيح فيها الجواز، وممن اختار القول بالجواز: الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، وذلك؛ لأنه ليس فيها زيادةٌ، والشرط المحرم في القرض هو ما كان فيه زيادةٌ، إنما هذه اشتراط منفعةٍ في القرض مساويةٍ للمنفعة التي حصل عليها المستقرض.

ونحن قلنا: ليست كل منفعةٍ في القرض تكون محرمةً، بل المنفعة المحرمة هي التي يختص بها المقرض، وكذلك أيضًا إذا كان فيها زيادةٌ، أما مثل هذه الصورة فإنها لا تعتبر من قبيل النفع المحرم.

وبناءً على ذلك: فالذي يظهر في هذه المسألة -والله أعلم- هو عدم التقييد، ولهذا؛ جاء قرار “هيئة كبار العلماء” بعدم التقييد.

فنقول: جمعية الموظفين جائزةٌ مطلقًا، حتى ولو شرط الاشتراك فيها في أكثر من دورةٍ، ولو في دورتين أو ثلاثٍ، هذا هو القول الصحيح في المسألة، وكما ذكرت هي صدر فيها قرار رقم: 164، بتاريخ: 26/ 2/ 1410، من “هيئة كبار العلماء” في الدورة: 34، وبرئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن بازٍ رحمه الله، وصدر القرار بأنها جائزةٌ، لم يظهر للمجلس بالأكثرية ما يمنع من هذا النوع من التعامل.

وبذلك نقول: الخلاصة في هذه المسألة: أن جمعية الموظفين جائزةٌ، ولا بأس بها مطلقًا، مطلقًا يعني: من غير تقييدٍ بما ذكره بعض الإخوة في ذلك بأن لا يشترط فيها أن تكون أكثر من دورةٍ، بل نقول: إنها جائزةٌ مطلقًا، ولا تعتبر من قبيل القرض الذي جر نفعًا، ونكتفي بهذا القدر، والله تعالى أعلم.

غدًا -إن شاء الله تعالى- لعلنا نتعرض للتأمين، وخطاب الضمان.

ونجيب أيضًا عن بعض الأسئلة المتراكمة عندنا، نجيب عنها إن شاء الله تعالى.

الأسئلة

السؤال: سائلٌ يقول: يا شيخ سعد، توفر لي عملٌ في بنكٍ ربويٍّ خلال فترة الإجازة، علمًا بأن عملي ليس له علاقةٌ بالمعاملات الربوية، فهل يجوز لي العمل في هذا البنك؟

الجواب: العمل في البنك الربوي لا يجوز، وذلك؛ لأن الذي يعمل قد يشهد أو يكتب الربا، والنبي لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه وشاهديه [4]، حتى وإن لم يكتب الربا -كما ذكر السائل- فقد يشهد، قد يرى من يعني يتعامل بالربا ويشهد.

ثم أيضًا قد ينتقل للعمل في دائرةٍ، وتمر عليه مثل هذه المعاملات، ويستمرئ مثل هذا العمل، ولهذا؛ نرى أن يبتعد عنه، ومن ترك لله شيئًا عوضه الله خيرًا منه؛ لأنه أيضًا إذا دخل فيه فإنه يصعب الخروج منه، فكونه لا يدخل من البداية يكون هذا هو الأولى، حتى ولو كان في دائرةٍ أخرى لا تتعامل بالربا، اللهم إلا إذا كان في نافذةٍ شرعيةٍ مثلًا، أو في فرعٍ إسلاميٍّ فهذا لا بأس به.

السؤال: أحسن الله إليكم، ما حكم بيع الشقق السكنية قبل بنائها، كما يقولون: على الخريطة، وقد عمت البلوى بها عندنا؟

الجواب: بيع الشقق السكنية قبل البناء بمواصفاتٍ معينةٍ، مر معنا أنه يمكن أن هناك عقدًا من العقود يمكن أن تُخرَّج عليه، أنا أسألكم الآن سؤالًا: ما هو العقد الذي يمكن أن تخرَّج عليه هذه المسألة؟

الاستصناع، أحسنت -ما شاء الله- ضابطون، الاستصناع، فالشيء الذي يمكن استصناعه فإنه يجوز ولو كان يعني لا يكون فيه تسليم المبلغ كاملًا، ولا يكون من قبيل بيع ما لا يملك، وإنما هو مجرد أن هذا الشخص الذي تتفق معه سوف يقوم بتصنيع شيءٍ معينٍ طِبقَ مواصفاتٍ معينةٍ، ومن ذلك: الشقق السكنية التي ذكرها الأخ السائل، فهذا يعتبر من قبيل الاستصناع ولا بأس به.

السؤال: أحسن الله إليكم، فضيلة الشيخ ما اسم الكتاب الذي بين يديك؟

الجواب: اسمه “أحكام الأوراق التجارية في الفقه الإسلامي”، وهو كما ذكرت هو موضوع رسالة الدكتوراه الخاصة بي.

السؤال: أحسن الله إليكم، هل يجوز ليمن يدير جمعية الموظفين أن يشترط حصوله على الترتيب الأول مع رضا المشتركين على هذا؟

الجواب: الذي يظهر أنه لا مانع من هذا؛ لأنه نحن أجزنا هذه الجمعية، فكون أحدهم يشترط أن يكون الأول، أو متقدمًا، فلا حرج في هذا؛ لأنه كما ذكرنا الضابط في المنفعة المحرمة المنفعة التي يختص بها المقرض دون غيره، أما مثل هذه فإنها لا تضر.

السؤال: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، ما معنى: شيك مصدَّق؟

الجواب: الشيك المصدق، ربما الأخ السائل ليس له تعاملٌ كثيرٌ في الشيكات، الشيك المصدق معروفٌ وشائعٌ، خاصةً عند التجار ومن يتعاملون بالبيع والشراء، معنى ذلك: أن البنك يحجز قيمة هذا الشيك للمستفيد، فعندما تحرر شيكًا لفلانٍ من الناس مثلًا، ثمن مبيعٍ، أو غير ذلك، فنفترض مثلًا: عشرة آلاف ريالٍ، فتقول للبنك: أريد تصديق هذا الشيك، فيختم البنك على هذا بما يفيد تصديقه، وحينئذٍ يحجز مبلغ هذا الشيك لصالح المستفيد، فلا يمكن لك -أنت صاحب الشيك- أن تسحب هذا الرصيد، بل يحجز تلقائيًّا للمستفيد.

ولذلك لا شك أنه في قوة القبض لمحتواه، بل إن الناس يفضلونه على النقد في الصفقات الكبيرة.

السؤال: أحسن الله إليكم، طلبت من أخي أن يأخذ لي سلعةً بالتقسيط، وكان القسط خمسمئةٍ وأربعين ريالًا، ويخصم من راتب أخي شهريًّا، وأقوم بإيداع خمسمئةٍ وخمسين ريالًا في حساب أخي شهريًّا، فهل يصح هذا الفعل؟ علمًا بأن الزيادة لم تشترط، وإنما هي من عندي.

الجواب: الزيادة التي يبذلها المقترض للمقرض حين الوفاء، إذا كانت غير مشترطةٍ ولا متعارفٍ عليها، فإنه لا بأس بها، بل إنها من حسن القضاء، والدليل على ذلك: ما جاء في “الصحيح”: أن رجلًا أتى النبي ، واستسلف منه بعيرًا، فأتى هذا الرجل يتقاضاه، قالوا: يا رسول الله، لا نجد إلا سنًّا خيرًا من سنه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أعطوه سنًّا خيرًا من سنه؛ فإن خير الناس أحسنهم قضاءً [5]، فاستدل بهذا العلماء على أن الزيادة التي يبذلها المقترض للمقرض حين الوفاء من غير شرطٍ لا بأس بها، بل هي من حسن القضاء.

وبناءً على ذلك نقول للأخ السائل: ما دام أن هذه الزيادة التي تبذلها لأخيك، طبعًا العلاقة بينك وبين أخيك علاقة قرضٍ، هذه الزيادة التي تبذلها لأخيك حين وفاء القرض، ما دام أنها غير مشترطةٍ، وغير متواطَأٍ عليها، ولا متعارفٍ عليها، فإنه لا بأس بها، وتعتبر هذه من حسن القضاء، ولا حرج عليك في بذل هذه الزيادة.

الزيادة الممنوعة هي التي تكون مشترطةً، أو متعارَفًا عليها، أو تكون من المقترض للمقرض قبل الوفاء، ولو على سبيل الهدية.

السؤال: أحسن الله إليكم يا شيخ: زكاة جمعية الموظفين كيف تكون؟

الجواب: نحن قلنا في التكييف الفقهي للجمعية: أنها قرضٌ، والقرض يعتبر دينًا، وذكرنا في درسٍ سابقٍ الفرق بين القرض والدين، وقلنا: كل قرضٍ يعتبر دينًا، وليس كل دينٍ يعتبر قرضًا، وحينئذٍ هذا يقودنا إلى معرفة زكاة الدين، هل تجب الزكاة في الدين، أو لا تجب؟

وهذه المسألة بحثها المجمع الفقهي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وذكروا في القرار أنه لا يوجد دليلٌ يدل على هذه المسألة، وإنما هي مبناها على التعليل والنظر، يعني لا يوجد نصٌّ في هذه المسألة، وإنما مبناها على التعليل والنظر.

وقرر المجمع في ذلك: أن الدين إذا كان على مليءٍ فيجب زكاته كل سنةٍ عند تمام الحول، وإذا كان على معسرٍ أو مماطلٍ، فإنه لا تجب زكاته، وعلى هذا نقول في مثل هذه الجمعيات: أما بالنسبة للأول الذي يستوفي حقه، فهنا لا تجب عليه الزكاة؛ لأنه لم يحل الحول، وهكذا بالنسبة للثاني إلى الحادي عشر، فهؤلاء ليس عليهم زكاةٌ؛ لأنه لم يَحُل الحول، لكن الأخير هنا هذا الدين الذي له في ذمم أصحابه في الجمعية حال عليه الحول، وهو دينٌ على مليءٍ، فهنا تجب الزكاة، إذنْ تجب الزكاة على الثاني عشر، أو من بعده، أو الثالث عشر إذا كانوا أكثر من اثني عشر، تجب على الثاني عشر، أو الثالث عشر، أو من بعده، باعتبار أن هؤلاء لهم ديونٌ في ذمم آخرين، وهي ديونٌ، هذا الدين على مليءٍ، والدين إذا كان على مليءٍ باذلٍ تجب فيه الزكاة عند تمام الحول عن كل سنةٍ.

السؤال: أحسن الله إليكم يا شيخ سعد، بعض الأسئلة تدور حول رأيك في المساهمة في “شركة المراعي”؟

الجواب: نعم، “شركة المراعي” كما ذكروا في نشرة الإصدار التي نشرت في الصحف: أن عندهم قروضًا ربويةً مقدارها خمسمئةٍ وخمسةٍ وثلاثين مليون ريالٍ، ونسبتها قرابة (22%).

وبناءً على ذلك: لا تجوز المساهمة فيها على القول الذي رجحناه، وذكرنا أنه رأي المجمع الفقهي، مجمع الرابطة، وحتى أيضًا رأي المجمع الدولي، المجامع الفقهية كلها متفقةٌ على هذا، ورأي اللجنة الدائمة أيضًا: أنه لا يجوز الدخول والاكتتاب والمساهمة في الشركات التي تتعامل بالربا، ولو بنسبةٍ (1%)؛ لأن المساهم في الحقيقة تنسب له جميع أعمال الشركة، ومنها: التعاملات الربوية، ففي الحقيقة المساهم شريكٌ في المال وفي العمل أيضًا، والربا قد شددت الشريعة فيه، فلعن النبي آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه [6].

فأيهما أشد، كاتب الربا وشاهد الربا، أو الذي يتعامل بالربا بالوكالة؟

لا شك الذي يتعامل بالربا بالوكالة أشد، وهذه حقيقة الأمر في الشركات التي تتعامل بالربا؛ لأن هذه الشركات هي تمثل مجموعةً من المساهمين، يعني من يملك هذه الشركة؟ المساهمون، فأنتم ملاك الشركة تنسب لكم أعمال الشركة، ومنها: التعامل بالربا.

فإذنْ المساهم الذي ساهم في هذه الشركة لا يخلو؛ إما أن يكون راضيًا بهذه القروض الربوية، أو غير راضٍ، فإن كان راضيًا فهو متعرضٌ للوعيد الشديد، إن كان غير راضٍ فيجب عليه التغيير، إن كان لا يستطيع وهو الغالب، فيجب عليه الخروج، وعدم الدخول أصلًا في مثل هذه الشركات التي لا يستطيع تغيير هذا المنكر فيها.

فنحن نقول: إن هذه الشركة -يعني كما ذكَرَت- أعلنت هذا في الصحف في نشرة الإصدار: أن عندها قروضًا بهذه النسبة الكبيرة، ولهذا نرى أنه لا تجوز المساهمة فيها.

وأما قولهم: في أنها تحولت إلى قروضٍ إسلاميةٍ، لا أدري كيف تحولت، القرض الربوي لا يتحول إلا إذا وضعت الفوائد: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ، يوضع الربا، لا يمكن تحويلها إلا إذا وضع الربا: فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ [البقرة:279].

ولو أن الشركة أعلنت توبتها من الربا، وكونت هيئةً شرعيةً لرسم سياسةٍ مستقبليةٍ لوضع الشركة المالي، لربما نقول: إن الوضع يختلف، لكن أن تعلن صراحةً أن هذه القروض الربوية بهذا المبلغ الكبير، فنرى عدم جواز المساهمة فيها.

المقدم: أحسن الله إليكم، وجزاكم الله خيرًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه ابن عدي في الكامل: 6/ 16، وابن الجوزي في الموضوعات: 2/ 229.
^2, ^6 سبق تخريجه.
^3 رواه البخاري: 2287، ومسلم: 1564.
^4 رواه مسلم: 1598.
^5 رواه البخاري: 2392.
مواد ذات صلة