الرئيسية/دروس علمية/فقه المعاملات المالية المعاصرة (1426هـ)/(1) فقه المعاملات المالية المعاصرة- بين النظرة الإسلامية والاقتصاد العالمي
|categories

(1) فقه المعاملات المالية المعاصرة- بين النظرة الإسلامية والاقتصاد العالمي

مشاهدة من الموقع

المقدم: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

يَسُرُّ تسجيلات الراية الإسلامية بالرياض أن تُقدم لكم دروس الدورة العلمية الثانية عشرة، والتي أُلقيت بجامع شيخ الإسلام ابن تيمية بمدينة الرياض في الفترة من الثامن عشر من شهر جمادى الأولى إلى الأول من شهر جمادى الثاني لعام ألفٍ وأربعمئةٍ وستةٍ وعشرين من الهجرة النبوية.

ومع فقه المعاملات المالية المعاصرة لفضيلة الشيخ: سعد بن تركي الخثلان.

الشيخ:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه، ومَن اهتدى بهديه، واتَّبع سُنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأسأل الله تعالى أن يُبارك في هذه الدورة العلمية، وأن يجزي القائمين عليها خير الجزاء، وأن ينفع بها الجميع، وأن يجعلها من العلم النافع الذي يُنتفع به.

أيها الإخوة، هذه الدورات العلمية هي من نِعَم الله تعالى علينا؛ إذ إنها تجمع علومًا كثيرةً في وقتٍ وجيزٍ، وقد نفع الله تعالى بها نفعًا عظيمًا.

وقبل أن أبدأ الحديث عن درسنا أذكر بعض الأمور التي أرى أن من المهم التنبيه إليها:

طلب العلم من أفضل العبادات

أولًا: أقول أيها الإخوة: إن وجودنا في هذا المكان عبادةٌ جليلةٌ من أجلِّ العبادات؛ إذ إنها اجتماعٌ على طلب العلم، وقد قال النبي : مَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة [1].

وقد ذكر العلماء أن الاشتغال بطلب العلم الشرعي أفضل من الاشتغال بنوافل العبادات، وممن نصَّ على هذا: النووي في مقدمة “المجموع” وغيره، وعللوا ذلك بأن طلب العلم نفعه مُتعدٍّ، بينما نوافل العبادات نفعها قاصرٌ على صاحبها.

ومن هنا كان الاشتغال بطلب العلم أفضل من الاشتغال بنوافل العبادات، كيف وقد جعله الله قسيمًا للجهاد في سبيله فقال: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ [التوبة:122].

وأُوصي مع بداية هذه الدورة باستحضار إخلاص النية لله في طلب العلم، فإن هذا شرطٌ لا بد منه في طلب العلم، وإلا فإن هذا العلم يُصبح وبالًا على صاحبه يوم القيامة، فإذا لم يُحقق طالب العلم الإخلاص لله ​​​​​​​ في طلبه العلم، فإن هذا العلم يُصبح وبالًا على صاحبه يوم القيامة، ويدل لذلك ما جاء في “صحيح مسلم” عن أبي هريرة : أن النبي قال: أول مَن تُسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثةٌ، وذكر منهم رجلًا تعلم العلم وعلَّمه الناس، وقرأ القرآن، فيُؤتى به، فيُعرفه نِعَمه فيعرفها، فيقول: فما عملتَ فيها؟ فيقول: يا رب، تعلمتُ فيك العلم، وعلَّمته الناس، وقرأتُ فيك القرآن، فيقول الله له: كذبتَ، ولكنك تعلمتَ العلم ليُقال: عالم، وقرأتَ القرآن ليُقال: هو قارئ، فقد قيل أي: نِلْتَ جزاءك في الدنيا، وأجرك في الدنيا، ثم أمر به فسُحِبَ على وجهه حتى أُلقي في النار [2].

قال بعض أهل العلم: لو أن هذا سلم من هذا العلم لكان خيرًا له؛ لأنه أصبح هذا العلم وبالًا عليه، فأصبح من أول مَن تُسعر بهم النار يوم القيامة، وهذا يُبين لنا أهمية إخلاص النية لله في طلب العلم، وذلك بأن ينوي به طالبُ العلم رفع الجهل عن نفسه، ورفع الجهل عن غيره، والدعوة إلى الله ، والدفاع عن دينه، ولا يريد بذلك رياءً ولا سمعةً، ولا عَرَضًا من الدنيا.

الصبر في طلب العلم

الأمر الثالث: أُوصي بالصبر والجلد في طلب العلم، فإن العلم -كما قيل- إن أعطيته كلك أعطاك بعضه.

والعلم -أيها الإخوة- لا يُنال دفعةً واحدةً، فلا يأتي للإنسان دفعةً واحدةً، وإنما يُحصله الإنسان شيئًا فشيئًا.

وقد كان السلف رحمهم الله يرحلون في سبيل طلب العلم، حتى أصبحت الرحلة في طلب العلم أمرًا معروفًا ومعهودًا عند السلف، بل أصبح مَن لم يرحل في طلب العلم عندهم يصبح ذلك مَثْلَبًا في حقِّه، بل إن من السلف مَن رحل من أجل سماع حديثٍ واحدٍ فقط، ومنهم: جابر بن عبدالله الأنصاري ، فإنه رحل من المدينة إلى الشام من أجل سماع حديثٍ واحدٍ فقط، وقد أشار إلى هذه القصة البخاري في “صحيحه” مُعلقًا لها بصيغة الجزم [3]، وذلك أن جابرًا بلغه أن عند عبدالله بن أُنيس رضي الله عن الجميع حديثًا عن النبي ، فرحل جابرٌ ومكث في هذه الرحلة شهرًا، وقد رحل وحده على بعيره، وبعد شهرٍ وصل إلى الشام، فاعتنقه عبدالله بن أُنيس ، وسأله جابرٌ فقال: بلغني أن عندك حديثًا عن النبي ، فخشيتُ أن أموت أو تموت. فذكر له قول النبي : يُحشر الناس يوم القيامة عُراةً غُرْلًا … الحديث [4]، فرجع جابر بن عبدالله ، ومكث في العودة شهرًا آخر، أي: أنه مكث شهرين كاملين من أجل سماع حديثٍ واحدٍ فقط.

وأبو أيوب الأنصاري أيضًا رحل من المدينة إلى مصر من أجل سماع حديثٍ واحدٍ فقط؛ ولهذا لا يستكثر طالب العلم أن يأتي إلى مثل هذا المكان، ولو من مكانٍ بعيدٍ، فالسلف يرحلون إلى طلب العلم.

وأقول: إن العلم يحتاج إلى صبرٍ، وإلى جلدٍ، وإلا فإن مَن أراد أن ينال العلم براحة الجسد فإنه أراد المحال.

أخرج مسلمٌ في “صحيحه” عن يحيى بن أبي كثير أنه قال: “لا يُنال العلم براحة الجسد”.

والعجيب أن مسلمًا ذكر هذا في باب مواقيت الصلاة، وقال بعض الشراح: المناسبة أن مسلمًا ذكر عدة رواياتٍ تعب واجتهد في جمعها، ثم ذكر هذا الأثر عن يحيى بن أبي كثير: لا يُستطاع العلم براحة الجسد.

وثمرة العلم هي العمل به، وإلا فعلمٌ بلا عملٍ لا فائدة منه، فلا فائدة من علمٍ بلا عملٍ.

ومن المُؤسف أن تجد بعض طلاب العلم الذين ينبغي أن يكونوا قدوةً لغيرهم تبدر منهم تصرفاتٌ، خاصةً فيما يتعلق بأبواب المعاملات، وأقلّ ما يُقال فيها: إن فيها شُبهةً.

وطالب العلم ينبغي أن يكون قدوةً لغيره في البُعْد عن المُشتبهات، فضلًا عن المُحرمات؛ ولذلك ينبغي أن يكون عاملًا بما علم، قدوةً لغيره من الناس في المبادرة إلى الطاعات، والبُعد عن المُشتبهات، فضلًا عن المُحرمات.

ضبط العلم وتقييده

وأُوصي كذلك بضبط العلم، ووضع الآلية المناسبة لحفظه وضبطه، فإن بعض الإخوة يبذلون جهدًا كبيرًا في طلب العلم، وربما حضروا دروسًا كثيرةً، ودوراتٍ كثيرةً لسنواتٍ، ومع ذلك فإن تحصيلهم ضعيفٌ.

والسبب في هذا وجود الخلل في آلية تحصيل العلم، فتجد أن هؤلاء عندهم خللٌ، ولكن لم يُراجعوا أنفسهم لسدِّ هذا الخلل.

وأقول -أيها الإخوة-: إن من أسباب هذا الخلل: عدم تقييد العلم؛ لأن الذاكرة في الوقت الحاضر ضعفت عند الناس، فليست كما كانت عليه في السابق، فقد كانت العرب في السابق تسمع القصيدة من مئتي بيتٍ لمرةٍ واحدةٍ، وتستعيب أن تطلب من مُلقيها أن يُعيدها مرةً أخرى، فكانوا يرون أن هذا عيبٌ، ويحفظونها جميعهم، ولكن في الوقت الحاضر -كما ترون- ضعفت الذاكرة عند الناس؛ ولهذا فإن مَن يستمع إلى درسٍ ولا يُقيده فإنه سوف ينساه، وبالتالي يبقى في دوامةٍ: يحضر دروسه وينسى.

صحيحٌ أنه يستفيد ويكسب الأجر والثواب إذا أخلص النية لله ، لكن من جهة ضبط العلم وتحصيله لا يستفيد.

وهذه -يا إخوان- نقطةٌ في غاية الأهمية؛ ولذلك لا بد من ضبط العلم، ووضع الآلية المناسبة لضبطه، والاستفادة من الدروس العلمية، والدورات العلمية، ويكون ذلك بتقييد العلم: إما بكتابته، وإما بالتسجيل، فإن وجود هذه المُسجلات من نِعَم الله تعالى على الناس.

وبعض الإخوة لهم في هذا طريقةٌ جيدةٌ، وأنهم يأتون بنوتاتٍ صغيرةٍ يُقيدون فيها الفوائد، وما يُحصلونه في مثل هذه الدورات العلمية، ومع مرور الوقت يكونوا قد حصَّلوا فوائد كثيرةً، وتكون هذه النوتات الصغيرة تُوضع في الجيب بحيث يُراجعها الإنسان من حينٍ لآخر، وخاصةً في أوقات فراغه.

المهم أن توجد الآلية المناسبة لضبط وتقييد العلم، أما أن يحضر الإنسان دروسًا من غير ضبطٍ، فإنه لا يستفيد كثيرًا، ولا ينتفع كثيرًا.

أبرز مسائل المعاملات المالية المعاصرة

بعد ذلك أقول -أيها الإخوة-: درسنا -كما أُعلن- في فقه المعاملات المالية المعاصرة، وهذا الموضوع في غاية الأهمية، ولو تأملتَ معظم استفتاءات الناس لوجدتَ قدرًا كبيرًا منها في هذا الموضوع، إذ إنه -في الحقيقة- يُمثل الفقه العملي للناس.

وقد أصبح عند كثيرٍ من الناس في الوقت الحاضر وعيٌ، فكثرت الأسئلة عن كثيرٍ من المعاملات المالية المعاصرة، وهذه المعاملات تحتاج إلى تقعيدٍ، وإلى تأصيلٍ، وإلى معرفة آراء العلماء المعاصرين فيها.

وفي هذه السلسلة من الدروس سوف نُبين -إن شاء الله تعالى- شيئًا من هذا، وسندرس أبرز المسائل التي يحتاج إليها الناس من هذه المعاملات، ومن ذلك: سوف نتكلم -إن شاء الله تعالى- عن بيوع التقسيط، وبيع المُرابحة للآمر بالشراء، والشركات المُساهمة، وحكم تداول الأسهم، والصناديق الاستثمارية وحكم الدخول فيها، والمُضاربة في البنوك والشركات، وتطبيقاتها المعاصرة، وإجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة، والأوراق المالية، والأوراق النقدية، والأوراق التجارية، وبطاقات الائتمان، وتشمل: بطاقات الصرف الآلي، وبطاقات (الفيزا)، و(الماستركارد)، والتَّورق المصرفي، والتأجير المُنتهي بالتَّمليك، والتحويلات المصرفية، وعقود التَّوريد والمُناقصة والمُزايدة، وخطابات الضمان، والشرط الجزائي، والتَّضخم، وتغير قيمة العملة، وفرض غرامة على المدين المماطل، والتَّسويق الهرمي، وصرف العملات، وودائع البنوك، والمسابقات التجارية، وعقود الصيانة، وبطاقات التخفيض، والحقوق المعنوية، وبدل الخلو والتَّنظيف الحكمي، والقبض وصوره المُستجدة.

هذه أبرز المسائل التي سوف ندرسها -إن شاء الله تعالى-، وربما إذا كان معنا وقتٌ أيضًا ندرس مسائل أخرى، لكن هذه أبرز المسائل التي يكثر السؤال عنها، والتي يحتاج الناس إلى بيانها.

منهج دروس المعاملات المالية المعاصرة

أما المنهج الذي سوف نسير عليه -إن شاء الله تعالى- في هذه الدروس فهو تصوير المسألة المراد طرحها تصويرًا دقيقًا، مع الحرص على تبسيط العبارة قدر ما أمكن.

ومَن كانت عنده استشكالاتٌ -وهي واردةٌ خاصةً في بعض المصطلحات- فلعله يُجاب عنها بعد نهاية الدرس.

وعرض آراء الفقهاء المعاصرين في المسألة المراد طرحها، مع التركيز على المجامع الفقهية والهيئات العلمية، ونقل قراراتها، وبيان القول الراجح في تلك المسائل المراد طرحها.

ولعلنا نبدأ بمدخلٍ لهذه الدروس، وهو مدخلٌ أرى أنه لا بد منه، وأنه مهمٌّ في هذا.

أقول -أيها الإخوة-: إن العالم اليوم يشهد تطورًا ماديًّا وفكريًّا سريعًا، وقد شمل ذلك معظم جوانب الحياة، وكان لعالم الاقتصاد والتجارة مجالٌ فسيحٌ وواسعٌ من هذا التطور، وكان من إنتاج ذلك أن ابتُكرتْ أدواتٌ وصيغٌ وأساليب في العقود وفي المعاملات لم تكن معروفةً من قبل.

ومعلومٌ أنه ما من قضيةٍ تقع إلا ولله تعالى فيها حكمٌ، علمه مَن علمه، وجهله مَن جهله، ولا بد من قائلٍ بالحق، يعني: لا يمكن أن تكون مسألةٌ من المسائل يخفى فيها الحق على جميع العلماء، هذا لا يمكن؛ لأن هذا يتنافى مع قول النبي : لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق ظاهرين [5]، فلا بد من وجود قائلٍ بالحق، ولا يمكن أن تُجمع الأمةُ على ضلالةٍ.

شمولية الشريعة الإسلامية

استوعبت شريعة الإسلام جميع الحوادث والنوازل التي تقع للناس، وعلى مدار أربعة عشر قرنًا استوعبت هذه الشريعة العظيمة جميع الحوادث والنوازل والقضايا.

وشريعة الإسلام قد حكمتْ في ديارٍ مُتباعدةٍ، وأقطارٍ مُتراميةٍ مُدَدًا طويلةً، وقرونًا مُتواليةً، وأزمنةً متتاليةً، وعايشت جميع التيارات والبيئات، وعصور الرخاء والشدة، والقوة والضعف، وواجهت الأحداث في جميع الأطوار، ولاقت مختلف العادات والتقاليد، ومع ذلك شملتْ هذه كلها، فما عجزتْ عن واقعةٍ، ولا قصرتْ عن حاجةٍ، فلم نجد يومًا من الأيام أن العلماء لم يجدوا حكمًا لقضيةٍ من القضايا، بل شملتْ جميع جوانب الحياة.

وقد أكمل الله تعالى هذا الدين، وأتمَّ النعمة، قال أبو ذرٍّ : “ما تُوفي رسول الله وطائرٌ يطير بجناحيه إلا وذكر لنا منه علمًا”.

معرفة مسائل المعاملات والتَّفقه فيها

أقول -أيها الإخوة-: ومع هذا التطور والتقدم، ووجود معاملات حديثة لا بد للمسلم من التَّفقه فيها، خاصةً مَن يتعامل بالبيع والشراء، أو يعمل في التجارة، ومَن يحتاج إلى تلك التَّعاملات.

على أن أكثر الناس -إن لم يكن جميع الناس- لا يخلون من نوع احتياجٍ إلى تلك التعاملات الحديثة.

فمثلًا: بطاقات الصرف الآلي، أصبح جُلُّ أو جميع الناس يحملونها، إذن جُلُّ الناس أو جميع الناس يحتاجون إلى معرفة هذه المسائل والتَّفقه فيها، لكن ذلك يتأكد على مَن يتعامل بالتجارة والبيع والشراء.

وقد رُوي عن عمر بن الخطاب : أنه كان يُقيم من الأسواق مَن ليس بفقيهٍ.

والمراد هنا بالفقه: الفقه النسبي، يعني: الفقه في مسائل الحلال والحرام، وليس معنى ذلك أن يكون فقيهًا في جميع أمور الدين، ولكن المقصود أن يكون فقيهًا فيما يتعامل فيه.

ورُوي عنه أنه كان يقول: لا يقعد في أسواق المسلمين مَن لا يعرف الربا.

وقد أمر الإمام مالك بأن يُقام من الأسواق مَن لا يعرف الأحكام؛ لئلا يقع في الربا، ويُوقع فيه المسلمين.

يقول الرهوني في كتابه “أوضح المسالك” نقلًا عن أحد شيوخه: أنه أدرك المُحْتَسب يمشي على الأسواق، ويقف على كل دكانٍ، فيسأل صاحبه عن الأحكام التي تلزمه في بيعه، ومن أين يدخل عليه الربا؟ وكيف يتحرز منه؟ فإن أجابه أبقاه في الدكان، وإن جهل شيئًا من ذلك أقامه منه، وقال: لا يمكنك أن تقعد في أسواق المسلمين تُطعم الناس الربا وما لا يجوز.

والدخول في التجارة من غير معرفةٍ للأحكام الشرعية فيه خطرٌ عظيمٌ على دين المسلم، وقد خرج النبي ذات يومٍ إلى المُصلى فرأى الناس يتبايعون، فقال: يا معشر التجار فاستجابوا للنبي ، ورفعوا أعناقهم إليه، وقال: إن التجار يُبعثون يوم القيامة فُجَّارًا، إلا مَن اتَّقى وبَرَّ وصدق، هذا الحديث أخرجه الترمذي، وابن ماجه، والحاكم وقال: “صحيح الإسناد” [6].

وقال عليه الصلاة والسلام: إن التجار هم الفُجَّار، فقالوا: يا رسول الله، أليس قد أحلَّ الله البيع؟ قال: بلى، ولكنهم يحلفون فيأثمون، ويُحدِّثون فيكذبون رواه أحمد والحاكم، وقال المنذري: “إسناده جيدٌ” [7].

وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي قال: التاجر الأمين الصدوق المسلم مع الشهداء يوم القيامة رواه ابن ماجه، وله شاهدٌ من حديث أبي سعيدٍ الخدري عند الترمذي رحمه الله [8].

وعن قيس بن أبي غرزة قال: كنا في عهد رسول الله نُسمَّى السماسرة، فمرَّ بنا يومًا في المدينة فسمَّانا باسمٍ هو أحسن منه، فقال: يا معشر التجار، إن البيع يحضره اللغو والحلف، وفي روايةٍ: والكذب، فشُوبوه بالصدقة، أخرجه أبو داود [9]، وفي روايةٍ في الترمذي: إن الشيطان والإثم يحضران البيع، فشُوبوا بيعكم بالصدقة، وإسناده صحيحٌ [10].

عناية الفقهاء بأبواب المعاملات

اعتنى فقهاؤنا رحمهم الله بأبواب المعاملات، وأصَّلوا هذه الأبواب، وذكروا فيها قواعد جامعةً يستطيع طالب العلم الانطلاق منها، حتى إن فقهاءنا ذكروا معاملاتٍ لم تقع، حتى إذا وقعتْ يكون طالب العلم على معرفةٍ وعلى علمٍ بها.

ولذلك لا تجد كتاب فقهٍ إلا وفيه قسمٌ مُخصصٌ لأبواب المعاملات، وأجود المذاهب في المعاملات هو مذهب المالكية والحنابلة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “أصول مالك في البيوع أجود من أصول غيره؛ فإنه أخذ ذلك عن سعيد بن المسيب الذي كان يُقال: هو أفقه الناس في البيوع، كما كان يُقال: عطاء أفقه الناس في المناسك، وإبراهيم -أي: النخعي- أفقههم في الصلاة، والحسن أجمع لذلك كله”.

قال: “ولهذا وافق أحمد كلَّ واحدٍ من التابعين في أغلب ما فُضِّلَ فيه لمَن استقرأ ذلك من أجوبته، والإمام أحمد مُوافقٌ لمالكٍ في ذلك في الأغلب، فإنهما -يعني: الإمام مالك والإمام أحمد- يُحرمان الربا، ويُشددان فيه حقَّ التَّشديد؛ لما تقدم من شدة تحريمه، وعِظَم مفسدته، ويمنعان الاحتيال عليه بكل طريقٍ؛ حتى يمنعا الذريعة المُفضية إليه، وإن لم تكن حيلةً، وإن كان مالكٌ يُبالغ في سدِّ الذرائع ما لا يختلف قول أحمد فيه”.

إذن أجود المذاهب الأربعة في أبواب المعاملات هو مذهب مالك وأحمد، رحمهما الله تعالى.

العقود المالية بين النظرة الإسلامية والاقتصاد العالمي

أيها الإخوة، هذه المعاملات المعاصرة التي يتعامل بها الناس اليوم قد أصبح التعامل بها مُنتشرًا في كثيرٍ من أقطار الأرض، فالعالم الآن -كما يُقال- أصبح كالقرية الواحدة، وارتبط بعضه ببعضٍ، ونشأ ما يُسمى بالاقتصاد العالمي؛ ولهذا يستطيع الإنسان أن يُحول مبلغًا ماليًّا لأي دولةٍ في العالم، وذلك بسبب ارتباط هذا الاقتصاد بعضه ببعضٍ.

وهذا الاقتصاد قد ارتبطتْ به البنوك، والإشكالية الكبيرة هنا هي: أن نظرة الإسلام لبعض العقود المالية تختلف اختلافًا جذريًّا عن نظرة هذا الاقتصاد العالمي الذي قد ارتبطتْ به البنوك، يختلف من الجذور في الأصل.

ولذلك لا تعجب عندما يُفتي بعض مشايخنا بمنع كثيرٍ من التعاملات البنكية، مع أن الأصل في باب المعاملات الحِلُّ والإباحة، وذلك بسبب أن هذه البنوك -أو ما يُسمى بالاقتصاد العالمي- تختلف في نظرتها من الجذور عن نظرة الإسلام.

وأضرب لهذا مثالين:

المثال الأول: عقد القرض

القرض هو: دفع مالٍ لمَن ينتفع به ويردُّ بدله.

هذا تعريفه عند الفقهاء.

كيف ينظر الإسلام للقرض؟

وكيف تنظر البنوك للقرض؟

الإسلام ينظر للقرض على أنه من عقود الإرفاق والإحسان؛ ولهذا فإن صورة القرض في الأصل صورةٌ ربويةٌ، فمثلًا: عندما تُقرض آخر عشرة آلاف ريال، فهذا مالٌ ربويٌّ -نقد-، وعند تبادل مالٍ بمالٍ لا بد من التقابض، فعندما تُقرضه عشرة آلاف ريال -مثلًا- يردها لك بعد سنةٍ، فهذه الصورة في الأصل صورةٌ ربويةٌ، ولكن الإسلام استثنى هذه الصورة -أعني: القرض- تشجيعًا للناس على الإرفاق والإحسان والتعاون والتكافل فيما بينهم.

فإذا أصبح القرض لا يُراد به هذا المعنى، وإنما يُراد به الربحية والاستثمار؛ خرج القرض عن موضوعه الأصلي الذي أُبيح في الإسلام لأجله -وهو الإرفاق والإحسان- ورجع لما كان عليه في الأصل؛ وهو أن صورة القرض صورةٌ ربويةٌ؛ ولهذا يكون هذا القرض مُحرمًا، وهذا معنى قول الفقهاء: كل قرضٍ جرَّ نفعًا فهو ربًا؛ لأن صورة القرض في الأصل صورةٌ ربويةٌ، ولكنها استُثنيت -هذه الصورة- تشجيعًا للإرفاق والإحسان، فإذا أصبح القرض لا يُراد به الإرفاق والإحسان رجعتْ صورة القرض لأصلها وهو: أنها صورةٌ ربويةٌ.

هذه نظرة الإسلام، فنظرة الإسلام أن القرض يُراد به الإرفاق والإحسان والتكافل بين المسلمين.

كيف تنظر البنوك للقرض؟ الاقتصاد العالمي والبنوك المُرتبطة به.

تنظر للقرض على أنه من وسائل الاستثمار والربحية، ومعلومٌ أن البنوك لا تُقرض لوجه الله ، إنما تُقرض لأجل الاستثمار، وهنا تبرز الإشكالية، ترد علينا هذه الإشكالية، فنظرة الإسلام إلى القرض تختلف اختلافًا جذريًّا عن نظرة البنوك للقرض.

المثال الثاني: الضمان

الضمان أيضًا من عقود الإرفاق والإحسان، ولا يجوز أخذ عِوَضٍ على الضمان، وقد اتَّفقتْ على هذا المذاهب الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، فلا يجوز أخذ عِوَضٍ على الضمان، فالإسلام إذن ينظر للضمان على أنه من عقود الإرفاق والإحسان.

أما البنوك فتنظر للضمان على أنه من وسائل الاستثمار والربحية؛ ولذلك ترد الإشكالية على أخذ عمولةٍ على خطابات الضمان، وسوف نشرح -إن شاء الله تعالى- هذا بالتفصيل.

فهنا نظرة الإسلام للضمان تختلف اختلافًا جذريًّا عن نظرة الاقتصاد العالمي والبنوك المُرتبطة به لهذا العقد، وهنا تبرز هذه الإشكالية؛ ولذلك لا تعجب -كما ذكرتُ- عندما تجد بعض المُفتين يمنع كثيرًا من التعاملات البنكية، مع أن الأصل في هذا الباب الحِلُّ والإباحة.

الأصل في باب المعاملات الحِلُّ والإباحة

أقول -أيها الإخوة- بعد ذلك: إن ما أباحه الله تعالى أكثر بكثيرٍ مما حرَّمه، فالأصل في باب المعاملات الحِلُّ والإباحة، والأصل في باب العبادات الحظر والمنع، وهذه قاعدةٌ عظيمةٌ نافعةٌ، وتكاد تكون هذه القاعدة محلَّ اتفاقٍ، أو قول أكثر أهل العلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “العادات الأصل فيها العفو، فلا يُحظر منها إلا ما حرَّمه الله، وإلا دخلنا في معنى قوله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا [يونس:59]؛ ولهذا ذمَّ الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله”.

المقصود أن هذه قاعدةٌ عظيمةٌ نافعةٌ، وهي: أن الأصل في باب المعاملات الحِلُّ والإباحة؛ ولهذا إذا اختلف اثنان في معاملةٍ من المعاملات، فالذي يُطالب بالدليل هو الذي يقول: إنها حرامٌ، أما الذي يقول: إنها حلالٌ، فإن معه الأصل، ولا يُطالب بالدليل.

وهذا بعكس وبخلاف العبادات، فالأصل فيها المنع والحظر إلا ما ورد الدليل بمشروعيته؛ ولهذا إذا اختلف اثنان في عبادةٍ من العبادات، أحدهما يقول: مشروعةٌ، والآخر يقول: غير مشروعةٍ، فالذي يُطالب بالدليل هو الذي يقول: إنها مشروعةٌ، أما الذي يقول: إنها غير مشروعةٍ، فمعه الأصل.

سد الذرائع المُوصلة إلى الربا

لكن أقول: مع أن هذا هو الأصل إلا أنه ينبغي أن تنظر إلى أن الشريعة قد شددتْ في شأن الربا، وبالغتْ في التحذير منه، حتى إن النبي لعن آكل الربا، ومُوكله، وكاتبه، وشاهديه.

والربا أعظم في الإثم من الزنا، بل إن درهم ربا أشدُّ من ستٍّ وثلاثين زنيةً؛ ولهذا ذكر القرطبي في “الجامع لأحكام القرآن”: أن رجلًا أتى للإمام مالك يستفتيه، فقال: إني رأيتُ بالأمس رجلًا سكرانًا يريد أن يصطاد القمر -يعني: من شدة سُكره- فحلفتُ بالطلاق أنه لا يدخل جوف ابن آدم شيءٌ أخبث من الخمر؛ فاستعظم الإمام مالك هذه المسألة.

وكان من عادة السلف التَّثبت، وعدم الاستعجال في الفُتيا.

استعظم الإمام مالك هذه المسألة، وقال: ائتني بعد ثلاث ليالٍ، فأتاه هذا السائل المُستفتي بعد ثلاث ليالٍ، فقال الإمام مالك: امرأتك طالق؛ إني تأملتُ كتاب الله فلم أرَ شيئًا يدخل جوف ابن آدم أخبث ولا أشرّ من الربا.

لماذا أفتاه بوقوع طلاق امرأته؟

لأنه حلف أنه لا يدخل جوف ابن آدم شيءٌ أخبث من الخمر، فقال الإمام مالك: هناك شيءٌ أخبث من الخمر وهو الربا.

إذن الربا أعظم في الإثم من الخمر، وأعظم في الإثم من الزنا.

كيف وقد توعد الله بالحرب، آذن بالحرب آكل الربا؟ فأمره عند الله عظيمٌ جدًّا، وقد بالغت الشريعة في سدِّ جميع الذرائع المُوصلة للربا، ولو من وجهٍ بعيدٍ.

وأذكر من هذا حديث سعد بن أبي وقاص الذي أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد بسندٍ حسنٍ: أن النبي سُئل عن بيع الرُّطَب بالتمر، فقال عليه الصلاة والسلام: أينقص الرُّطَب إذا يبس؟ قالوا: نعم، قال: فلا إذن [11].

لو أردت أن تبيع كيلو رُطَبٍ بكيلو تمرٍ مع التَّقابض، وإن تحقق التَّقابض والتَّماثل: كيلو وكيلو، هل يجوز؟

لا يجوز، طيب، تحقق الشرطان؟

التماثل هنا لا يتحقق، لماذا؟

لأن هذا الرُّطَب سوف ينقص إذا يبس، مع أن التفاوت يسيرٌ جدًّا، ما مقدار هذا التفاوت؟

هي في كيلو وكيلو بين رُطَبٍ وتمرٍ، ومع ذلك منع منه النبي .

وهذا الحديث فيه أبلغ الردِّ على مَن أجاز الدخول في الشركات التي تتعامل بالربا إذا كانت نسبة الربا فيها قليلةً.

نحن قلنا: النبي منع من بيع الرُّطَب بالتمر، مع أن التفاوت يسيرٌ، بل يسيرٌ جدًّا، فما الذي يُبيح الدخول في هذه الشركات التي تتعامل بالربا؟! وبعضهم أوصلها إلى 30%!

وهذه المسألة سوف نتكلم عنها بالتفصيل في حينها، إن شاء الله تعالى.

ولهذا أقول: لا بد إذا نظرنا إلى هذا الأصل -وهو أن الأصل في المعاملات الحِلُّ والإباحة- أن ننظر أيضًا إلى أن الشريعة قد شددتْ في شأن الربا، بل بالغتْ في التَّشديد، بل منعتْ بعض التعاملات سدًّا لذريعة الربا، ومنها -مثلًا- العينة، وهي: بيع شيءٍ بثمنٍ مُؤجلٍ، أن يبيع سلعةً بثمنٍ مُؤجلٍ، ثم يشتريها بأقلّ منه نقدًا، فلو حصل هذا من غير مُواطأة نقول أيضًا: لا يجوز؛ من باب سدِّ الذريعة، فإن الشريعة قد بالغتْ في سدِّ جميع الذرائع المُوصلة للربا، وشددتْ في هذا، وبالغتْ في التَّشديد فيه.

فلا بد إذن عندما نقول: “الأصل في المعاملات الإباحة” أن ننظر أيضًا لهذا المقصد الشرعي، وهو المُبالغة في الربا، وفي سدِّ جميع الذرائع المُوصلة إليه.

وقد تكون بعض المسائل لا تظهر الحكمة فيها بشكلٍ جليٍّ، يعني: بعض التعاملات خاصةً فيما يتعلق بأبواب الربا قد تظهر الحكمة فيها، ولكن بعض المسائل قد لا تظهر الحكمة فيها، وإن كان كما قال ابن القيم: إنه ما من حكمٍ إلا ولله تعالى فيه حكمةٌ، ولكن قد لا تظهر بشكلٍ واضحٍ، أو بشكلٍ جليٍّ.

فمثلًا: عند بيع صاعٍ من تمرٍ جيدٍ بصاعين من تمرٍ رديءٍ، هذا لا يجوز، ولو كانت قيمتهما واحدةً، مع أنه ليس فيه ظلمٌ؛ لأن قيمة هذا تُعادل قيمة هذا، ولكن مع ذلك منعتْ منه الشريعة.

ولكن المخرج من هذا سهلٌ؛ ولهذا أُورد هذه القصة التي وردت في الصحيحين وغيرهما: أن النبي أُتي بتمرٍ جيدٍ، تمرٍ جَنِيبٍ من النوع الجيد، فقال عليه الصلاة والسلام: أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة. فقال عليه الصلاة والسلام: أوَّه! عين الربا، لاحظ: بيع الصاع بالصاعين عين الربا.

ثم أرشد النبي إلى مخرجٍ سهلٍ: ولكن بِعِ الجمع بالدراهم، واشتَرِ بالدراهم جنيبًا [12]، يعني: بِعِ التمر الرديء -وهو الجمع، وهو أخلاطٌ من التمر الرديء- بالدراهم، واشتَرِ بالدراهم تمرًا جيدًا، مع أن النتيجة واحدةٌ، يعني: سواء بِعْتَ تمرًا رديئًا بتمرٍ جيدٍ مباشرةً، أو أنك بِعْتَ التمر الرديء بدراهم، ثم أخذتَ الدراهم واشتريتَ بها تمرًا جيدًا، أليست النتيجة واحدةً؟

ومع ذلك هذا التعامل بها مباشرةً مُحرمٌ، بل سمَّاه النبي : عين الربا، جعله عين الربا، بيع صاعٍ بصاعين عين الربا، ولكن إذا بِعْتَ التمر الرديء بدراهم، ثم أخذتَ الدراهم واشتريتَ بها تمرًا جيدًا، فهذا مخرجٌ شرعيٌّ، ولله تعالى في هذا الحكمة البالغة، ولكن هكذا أمر النبي .

الفرق بين الربا والبيع

إن مسائل الربا من المسائل الدقيقة؛ ولهذا ذكر الله عن بعض الناس أنهم أنكروا الربا، وقالوا: ما الفرق بين الربا والبيع: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]؟

يقولون: كيف تقول: إن هذا مُحرمٌ؟ البيع مثل الربا، لا فرق بينهما. فأنكر الله عليهم، وردَّ عليهم، وقال: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا.

يقول صاحب “الكشاف”: “فإن قلت: هلا قيل: إنما الربا مثل البيع؛ لأن الكلام في الربا، لا في البيع.

قلت: جيء به على طريق المبالغة، وهو أنه قد بلغ من اعتقادهم في حِلِّ الربا أنهم جعلوه أصلًا وقانونًا في الحِلِّ، حتى شبَّهوا به البيع.

وقوله: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا إنكارٌ لتسويتهم بينهما، ودلالةٌ على أن القياس يهدمه النص؛ لأنه جعل الدليل على بطلان قياسهم إحلال الله وتحريمه …” إلى آخر ما قال.

إذن قد يكون الفرق بين الحلال والحرام فرقًا دقيقًا، فالفرق بين الربا والبيع فرقٌ دقيقٌ، وهذا يدل أيضًا على أن المسلم يستطيع أن يصل إلى مقصوده وغرضه بطريقٍ مُباحٍ، وهذا من ثمرة التَّفقه في الدين، فمثلًا: مَن كان عنده تمرٌ رديءٌ، وأراد أن يحصل مقابله على تمرٍ جيدٍ، أو عنده ذهبٌ قديمٌ، وأراد أن يحصل على ذهبٍ جديدٍ، إن باعه مُباشرةً مع التَّفاضل وقع في عين الربا.

المخرج: يبيعه بدراهم ويَشْتَرِ بالدراهم تمرًا جيدًا، أو ذهبًا جديدًا، وهذا مخرجٌ سهلٌ، وهذا -أيها الإخوة- من ثمرة التَّفقه في الدين.

ولهذا فما نذكره -إن شاء الله تعالى- في هذه الدروس، نذكر فيها بدائل مُباحةً، عندما نذكر أن هذا التعامل مُحرمٌ نذكر البديل المُباح لهذا التعامل، وهذا هو منهج النبي .

لاحظ: هنا في هذه الصورة لما قال: أوَّه! عين الربا أرشد إلى المخرج وإلى البديل، قال: ولكن بِعِ الجمع بالدراهم، واشتَرِ بالدراهم جنيبًا.

وفي هذا الحديث دلالةٌ أيضًا على أن بعض الأمور قد يظنها الإنسان حيلةً على الربا، وهي ليست كذلك، فقد يقول قائلٌ: ما الفرق بين أن الإنسان يبيع صاعين من التمر بصاعٍ، أو أنه يبيع صاعين من تمرٍ بدراهم، ثم يشتري بالدراهم صاعًا من تمرٍ؟ وهل هذا إلا حيلة على الربا؟

نقول: هذا ليس بحيلةٍ على الربا أبدًا؛ لأن الذي أمر به هو النبي .

فأنا أقول: بعض مسائل الربا دقيقةٌ، فقد يكون الفرق بين الحلال والحرام فرقٌ دقيقٌ، وقد تكون بعض البدائل الشرعية يظنها الإنسان حيلةً على الربا، وهي ليست كذلك.

الاجتهاد الجماعي في النوازل

أما كيف يعرف الإنسان الحكم الشرعي في المسائل المعاصرة عمومًا، وهي مسائل المعاملات على وجه الخصوص؟

فالأمة -ولله الحمد- لا تزال بخيرٍ، وقد قام العلماء بجهودٍ كبيرةٍ في هذا، ولهم فتاوى وبحوثٌ وكتبٌ مُؤلفةٌ، ومحاضراتٌ ودروسٌ، ولكن أفضل طريقةٍ لمعرفة الحكم الشرعي للمسائل والنوازل، وفي مسائل المعاملات على وجه الخصوص: هي الاجتهاد الجماعي؛ معرفة رأي المجتهدين اجتهادًا جماعيًّا، فإن الاجتهاد الجماعي هو أقرب للتوفيق، وإلى إصابة حكم الله ورسوله في النازلة أو في الواقعة؛ وذلك لأن الإنسان مهما بلغ من العلم، ومهما بلغ من الفقه قد يذهل حتى عن أبسط المسائل.

وأضرب لهذا مثالًا: لما تُوفي النبي كان الصحابة يقرؤون قول الله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30]، وقول الله: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [آل عمران:144]، ومع ذلك لما مات ذهل أكثرهم عن هذا المعنى، كما يقول عمر بن الخطاب عن نفسه.

وكان أبو بكرٍ قد خرج لبعض حاجته، فأصبح الناس يموجون في المسجد، وعمر يقول: “إن رسول الله لم يمت”، من هول الصدمة، “وإنما ذهب إلى ربه كما ذهب موسى، وسيرجع ويقطع رقاب المنافقين”، حتى جاء أبو بكرٍ ، وذهب إلى النبي ، وقبَّل ما بين عينيه، وقال: “بأبي وأمي، طِبْتَ حيًّا وميتًا”، ثم أتى والناس يموجون في المسجد، فقال لعمر: “أنصتْ”، ثم خطب الناس وقرأ هاتين الآيتين، قال: “أيها الناس، مَن كان يعبد الله، فإن الله حيٌّ لا يموت، ومَن كان يعبد محمدًا، فإن محمدًا قد مات”، ثم قرأ: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ، وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ.

يقول عمر : “والله لكأن الآية نزلتْ في هذه اللحظة، وكأني لم أسمع بالآية إلا الآن”، هذا وهو عمر ، أعلم الصحابة بعد أبي بكرٍ ، ومع ذلك -يعني- ذهل عن هذا المعنى، فقد يحصل الذهول للعالم وإن كان كبيرًا؛ ولذلك فإن من فوائد الاجتهاد الجماعي: أن العلماء يُذكِّر بعضُهم بعضًا، وربما ذهل العالم عن حكمٍ، أو عن مسألةٍ، أو عن نصٍّ، أو عن دليلٍ، فيُذكِّره العالم الآخر، ويحصل النقاش والحوار في هذا، فيكون ذلك أقرب إلى التوفيق، وإلى إصابة حكم الله ورسوله .

وقد كان هذا هو منهج السلف رحمهم الله، فقد كان عمر يجمع الناس عندما تنزل نازلةٌ، ويحتاج إلى معرفة الحكم الشرعي فيها، وقد رُويت عن عمر وقائع كثيرةٌ، ومن ذلك: ما جاء في “صحيح البخاري” في قصة ذهاب عمر والصحابة إلى الشام.

فقد جاء في “صحيح البخاري” عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام، حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد: أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام.

قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: فقال عمر : “ادعُ لي المهاجرين الأولين”، فدعاهم، فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع في الشام، فاختلفوا؛ قال بعضهم: قد خرجنا لأمرٍ، ولا نرى أن نرجع. وقال آخرون: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله ، ولا نرى أن تُقدمهم على هذا الوباء. قال: “ارتفعوا عني”، ثم قال: “ادعُ لي الأنصار”.

قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: فدعوتهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم، فقال: “ارتفعوا عني”، ثم قال: “ادعُ لي مَن كان هاهنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح”، قال: فدعوتهم، فلم يختلف منهم رجلان، وقالوا: نرى أن ترجع بالناس، ولا تُقدمهم على هذا الوباء.

فنادى عمر في الناس، وأخبرهم بأنه عازمٌ على الرجوع، فقال له أبو عبيدة : “أفرارًا من قدر الله؟!” فقال عمر : “لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نعم، نَفِرُّ من قدر الله إلى قدر الله، أرأيتَ إن كانت لك إبلٌ هبطتْ واديًا له عدوتان -والعدوة هي المكان المرتفع- إحداهما خصيبةٌ، والأخرى جدبةٌ، أليس إن رعيت الخصيبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟”.

قال: فجاء عبدالرحمن بن عوف -وكان مُتغيبًا في بعض حاجته- فقال: إن عندي في هذا علمًا، سمعتُ رسول الله يقول: إذا سمعتُم به يعني: بالطاعون بأرضٍ فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه، قال: فحمد اللهَ عمرُ ، ثم انصرف [13].

فهذا -أيها الإخوة- مثالٌ للاجتهاد الجماعي، فكان عمر يجمع الناس ويستشيرهم، ولم يكن ينفرد برأيه.

فانظر في هذه القصة، كيف أنه جمع الناس ثلاث مراتٍ حتى وُفِّق لإصابة حكم الله ورسوله ؟ وأتى عبدالرحمن بن عوف وأخبره أن هذا الحكم الذي قد استقرَّ عليه رأي عمر أنه سمعه من رسول الله ؛ ولذلك فإن الاجتهاد الجماعي هو أقرب ما يكون إلى التوفيق، وإلى إصابة الحكم الشرعي.

وقد أخرج الدارمي في “مسنده” عن المسيب بن رافع قال: “كانوا” يعني: صحابة رسول الله “إذا نزلت بهم قضيةٌ ليس فيها من رسول الله أمرٌ اجتمعوا لها وأجمعوا، فالحق فيما رأوا”، هكذا كان منهج الصحابة .

كان أبو بكرٍ يجمع الناس، وكان عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم جميعًا، وكان الصحابة إذا نزلتْ بهم نازلةٌ اجتمعوا وتشاوروا، وبعد ذلك يُقررون ما يرون أنه أقرب إلى حكم الله ورسوله ، وفي الغالب أنهم يُوفَّقون كما في هذه القصة، فقد وُفِّقوا لإصابة الحكم الشرعي، وذلك أن التشاور منهجٌ عظيمٌ في دين الإسلام، وقد أمر الله تعالى به فقال: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران:159].

وأخرج البخاري في “الأدب المفرد” وابن أبي حاتم بسندٍ قويٍّ عن الحسن أنه قال: “ما تشاور قومٌ قط بينهم إلا هداهم الله لأفضل ما يحضرهم”، وفي لفظٍ: “إلا عزم الله لهم بالرشد، أو بالذي ينفع”.

وفي تفسير قول الله تعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ قال الحسن : “قد علم أنه ما به إليهم حاجة، ولكن أراد أن يَسْتَنَّ به مَن بعده”.

إذن الاجتماع والتشاور يفتح باب الحوار والنقاش، ويجد كل فردٍ عند غيره من الأدلة والعلم والفقه والإدراك وطريقة الاستنباط ما لا يجده عند نفسه، وتتقارب الأفهام، وتضيق هوة الخلاف، وأيضًا يجد المرء في الشورى إنقاذًا لنفسه من التقول على الله ما لم يقل، ومن التوقيع عن الله تعالى بما لم يأذن به.

ولهذا فإن الاجتهاد الجماعي في المسائل والنوازل هو أقرب للتوفيق من الاجتهاد الفردي.

الاجتهاد الجماعي في الوقت الحاضر

فإن قلت: أين الاجتهاد الجماعي في الوقت الحاضر؟

نقول: الأمة لا تزال بخيرٍ -والحمد لله-، وقد وُجدت المجامع الفقهية والهيئات العلمية، وهي تُمثل هذا الاجتهاد الجماعي، وأبرز المجامع الفقهية في العالم الإسلامي مجمعان:

  • الأول: مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وهو يضم نخبةً من علماء العالم الإسلامي، وكان يرأسه الشيخ عبدالله بن حميد، والشيخ عبدالعزيز بن باز، ثم سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، رحم الله الأموات، وحفظ الأحياء.
    وقد صدرتْ لهذا المجمع قراراتٌ عديدةٌ في عدة نوازل وقضايا، وطُبعتْ هذه القرارات، وهي موجودةٌ، وله مجلة تصدر دوريًّا، تُنشر فيها بعض البحوث المقدمة للمجمع، وهي مجلةٌ مُحكمةٌ.
  • المجمع الثاني: مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وقد أصبح يُطلق عليه مُؤخرًا: مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وهذا أيضًا يجمع نخبةً من العلماء من العالم الإسلامي، ويرأسه الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله.
    وقد أصدر هذا المجمع عددًا من القرارات، ونُشرت جميع بحوثه في مجلة المجمع في أكثر من أربعين مجلدًا ضخمًا، بل نُشرت جميع مُداولات الأعضاء ونقاشاتهم، وقد كانت تُسجل ثم بعد ذلك تُفرغ في هذه المجلة، فأصبحتْ مرجعًا هامًّا وكبيرًا لطلاب العلم فيما يتعلق بهذه القضايا المعاصرة.

وقد يُؤخذ على هذين المجمعين أنه قد يوجد فيهما من الأعضاء مَن ليس مُناسبًا، ولكن نقول: في الأعم الأغلب هم علماء كبار، فهم أكابر علماء العالم الإسلامي، يعني: في الجملة، وفي الأعم الأغلب؛ ولهذا فإن هذه القرارات التي أصدروها أقرب للتوفيق لإصابة الحكم الشرعي من غيرها.

وهناك مجامع لكنها صغيرةٌ لا ترقى لمستوى هذين المجمعين، وتكون محليةً في بعض دول العالم الإسلامي، ولكن أبرز المجامع هما هذان المجمعان.

وأما الهيئات العلمية فأبرزها:

  1. هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، وهي تضم نخبةً من علماء المملكة، وتنعقد مرتين في السنة -كل ستة أشهر-، وتبحث في القضايا والنوازل، ومنها: بعض المعاملات المالية المعاصرة.
  2. ومن الهيئات العلمية: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وتُعرض عليها كثيرٌ من المسائل والنوازل والقضايا، وتصدر منها فتاوى مكتوبةٌ.
  3. ومنها: هيئة المُراجعة والمُحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية، ومقرها في البحرين، وهذه أيضًا لها جهودٌ كبيرةٌ في وضع المعايير الشرعية للمعاملات المالية المعاصرة، وتتميز هذه الهيئة بأن القضية التي تُطرح تُناقَش من قِبَل أكثر من هيئةٍ ومجلسٍ.
    فعندما تُطرح قضيةٌ للنقاش يستكتب أحد الباحثين، ثم يُناقَش من اللجنة الشرعية، ثم بعد ذلك يُعرض على المجلس الشرعي، ثم على هيئةٍ أو مجلسٍ للاستماع، وبعد سلسلةٍ طويلةٍ من النقاش والعرض والدراسة يصدر في ذلك معيارٌ مُلخصٌ ومُختصرٌ، وطُبعت أكثر معايير هذه الهيئة.

هذه أبرز الهيئات العلمية والمجامع الفقهية التي تُمثل الاجتهاد الجماعي للقضايا والمسائل المعاصرة، وسوف نُركز عليها -إن شاء الله تعالى- في دراستنا لهذه المسائل، وننقل رأي هذه الهيئات العلمية والمجامع الفقهية؛ وذلك لأن -كما قلنا- الاجتهاد الجماعي أقرب للتوفيق، وإلى إصابة الحكم الشرعي من الاجتهاد الفردي.

مناهج الفُتيا في المسائل المالية المعاصرة

بعد ذلك أقول: إن الفُتيا في المسائل المعاصرة -والمسائل المالية على وجه الخصوص- على ثلاثة مناهج: فبعض العلماء يتشدد في مثل هذه المسائل، والطرف الثاني يتساهل تساهلًا كبيرًا، والطرف الثالث وسطٌ بين طرفين.

أما الأول: فتجد أنه يتشدد في المسائل المالية، ويُفتي بالمنع في كثيرٍ منها، وأحيانًا لا يكون مُتصورًا للمسألة تصورًا دقيقًا، فمثلًا: عندما يُسأل عن حكم مسألةٍ من المسائل يقول: إن كان فيها ربًا فإنها تحرم وإلا فلا. والمُستفتي لا يعلم هل فيها ربًا أم ليس فيها ربًا؟ فكان ينبغي لهذا المُفتي أن يتصور المسألة، أو يقول: لا أعلم.

وفي المقابل مَن يتساهل في مثل هذه المسائل، ويُبرر ذلك بضغط الواقع، وهذا مسلكٌ خطيرٌ في الحقيقة، فالتبرير بالواقع مسلكٌ غير جيدٍ، فإن دين الله لا يخضع لأهواء الناس، ولكن دين الله سبحانه جاء ليرفع الناس إلى ميزان الحق والعدل والمصلحة الحقيقية، ويكفّ عنهم الإثم والظلم، ويرفع الآصار والأغلال، فشريعة الله تعالى لم يضعها المجتمع حتى تخضع له وتستجيب لظروفه وأوضاعه، إنما هي تشريعٌ إلهيٌّ وُضع ليرقى بالمجتمع، وتخضع أوضاعه لهدايته، ومهمة هذا التشريع هي تصويب الخطأ الواقع في المجتمع، وتقويم المُعوج، أما تبرير الأوضاع، وتسويغ التصرفات، فهذا مسلكٌ غير جيدٍ.

فنجد على سبيل المثال أنه عندما رأى بعض العلماء الذين أفتوا بجواز الدخول في الشركات التي تتعامل بالربا إذا كانت نسبة الربا أقلَّ من الثلث، كان أبرز ما اعتمدوا عليه: التبرير بالواقع، فقالوا: هذا هو واقع الشركات في العالم الإسلامي، فكيف نقول: إنه يحرم الدخول فيها والمُساهمة فيها؟

لأنه كان قبل سنواتٍ لا توجد شركةٌ واحدةٌ لا تتعامل بالربا، وإن وُجدت الآن -ولله الحمد- مجموعةٌ من الشركات، لكن هؤلاء العلماء نظروا إلى هذا الواقع المرير للأمة الإسلامية؛ ولذلك أجازوا الدخول في مثل هذه الشركات.

وهذا أرى أنه مسلكٌ غير جيدٍ، وأنه ينبغي أن يخضع الواقع لدين الله ، ولشرع الله سبحانه، وأن يُقال: إنه لا يجوز الدخول في هذه الشركات، ولو أن العلماء اتَّفقوا على هذا الرأي والله إن هذا سيكون أكبر رادعٍ للقائمين على تلك الشركات في أن يتركوا الربا، ولا يُوقعوا فيه المسلمين، ويُحرجوا فيه المسلمين، ولكن عندما ترد مثل هذه الفتاوى التي فيها شيءٌ من التساهل فإن هذا الوضع يستمر؛ ولهذا نجد أن هؤلاء العلماء من عشرات السنين يُفتون بهذه الفتاوى، ولم يتغير شيءٌ كثيرٌ عند هذه الشركات.

وعلى كل حالٍ، هم مجتهدون، لكن كلامنا الآن حول تقييم المنهج العلمي، وإلا فهم مجتهدون، والعالم إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحدٌ، فخطؤه مغفورٌ، ولكن نحن الآن نُقيم هذه المناهج.

والمنهج الثالث هو: النظر إلى القضايا والمسائل المعاصرة بحسب ما يقتضيه الدليل الشرعي، والقواعد الشرعية، من غير تشددٍ ولا تساهلٍ، فإن التَّشدد -كما قال بعض السلف- كلٌّ يُحسنه، ولكن العلم الرخص عن الثقات، وقد نُقلت هذه عن سفيان الثوري، قال: “التشدد كلٌّ يُحسنه، ولكن العلم الرخص عن الثقات”.

إذن التشدد والتساهل كلاهما طرفان، والوسط هو النظر إلى المسائل حسبما يقتضيه الدليل الشرعي والقواعد الشرعية.

وهناك أمرٌ مهمٌّ وهو: معرفة مقاصد الشريعة، فإن هذا الأمر في غاية الأهمية، خاصةً لمَن أراد أن ينظر لمثل هذه المسائل والقضايا المعاصرة، فلا بد أن يعرف مقصد الشريعة.

فمثلًا: عندما تعرف من مقاصد الشريعة التشديد في باب الربا، وسدّ جميع الذرائع المُوصلة إليه؛ تُنَزِّل على هذا المسائل المعاصرة، فكل ما كان فيه ربًا تُشدد فيه؛ تطبيقًا لهذا المقصد العظيم في الشريعة.

فإذا رأينا الشريعة تُشدد في أمرٍ من الأمور فنحن نُشدد فيه فيما يتعلق بالفتاوى، وإذا رأينا الشريعة تتسامح في بعض الأمور؛ كمسائل المعاملات التي ليس فيها ربًا، ولا جهالةٌ، ولا غَرَرٌ، ولا مَيْسِرٌ؛ فالأصل الحِلُّ والإباحة.

فلا بد أن يُنظر إلى مقاصد الشريعة، فهذا أيضًا أمرٌ في غاية الأهمية.

إذن المنهج الصحيح في النظر إلى هذه المسائل والقضايا والنوازل هو: أن تُنزل على حسب ما تقتضيه الأدلة والأصول والقواعد الشرعية من غير تشددٍ، ومن غير تساهلٍ.

سوف نبدأ -إن شاء الله تعالى- اعتبارًا من الدرس القادم في دراسة المسائل التي ذكرتُها، ولعلنا نبدأ -إن شاء الله تعالى- بما تكثر عنه الأسئلة والاستفسارات، وهو: الشركات المُساهمة والأسهم، وأحكامها، والصناديق الاستثمارية، فلعلها تكون هي البداية في درسنا بالغد، إن شاء الله تعالى.

وهذا الدرس قد أردنا أن نجعله مدخلًا لهذه السلسلة من الدروس، ونكتفي بهذا القدر، ونسأل الله للجميع العلم النافع، والفقه في الدين، والتوفيق لما يُحب ويرضى.

الأسئلة

المقدم: أحسن الله إليكم وأثابكم.

هذا سائلٌ يقول: ما حكم العمل في بنوكٍ ربويةٍ إن لم أجد عملًا غيره؟ وإذا وجدتُ عملًا غيره وبمزايا أقلّ، فهل يجوز لي العمل في البنك؟

الشيخ: الذي يُفتي به مشايخنا هو عدم جواز العمل في البنوك الربوية؛ وذلك لأن النبي لعن آكل الربا، ومُوكله، وكاتبه، وشاهديه، والذي يعمل في بنكٍ ربويٍّ لا يخلو: إما أن يكتب الربا، أو يشهد على الأقل، فإما أن يكون كاتبًا، أو شاهدًا، وقد ورد الوعيد الشديد واللعن، واللعن معناه: الطرد والإبعاد عن رحمة الله؛ ولهذا فالمسألة فيها خطورةٌ بالغةٌ.

ولهذا نقول للأخ السائل: إنه لا يجوز لك أن تعمل في هذه البنوك الربوية.

وأما كونك تجد مزايا فيها لا تجدها في غيرها، فنقول: مَن ترك لله شيئًا، عوَّضه الله خيرًا منه، أما أنك تعمل في بنكٍ ربويٍّ، وتُعرض نفسك للعنة الله تعالى وغضبه، فإن هذا لا يجوز.

وأقول -أيها الإخوة-: إن المجتمع يفرض نفسه على هذه البنوك، فإذا قاطع المجتمع مثل هذه البنوك الربوية وتواصل مع البنوك الإسلامية، فإن هذه البنوك سوف تتحول في يومٍ من الأيام إلى بنوكٍ إسلاميةٍ، وهذا ما حصل بالفعل الآن، فنجد أن بعض البنوك الآن في طريقها إلى التحول إلى بنوكٍ إسلاميةٍ، وأرى أن أقوى الأسباب في هذا هو: ضغط المجتمع على هذه البنوك، وربما تصدق مقولة أحد المشايخ حينما قال: ربما بعد عشر سنوات تتحول جميع البنوك إلى بنوكٍ إسلاميةٍ، وربما أقلّ من ذلك.

وأنتم ترون أن هذه البنوك الآن بدأت تضع هيئاتٍ شرعيةً، وفروعًا إسلاميةً، وبعضها في طريقها إلى التحول بالكامل إلى بنوكٍ إسلاميةٍ.

المقدم: أحسن الله إليكم.

هذا يقول: ما رأي فضيلتكم في الاشتراك بما يُسمى بالصناديق الاستثمارية، وفتح حسابٍ في البنك الأهلي؟ علمًا بأنه توجد لجنةٌ شرعيةٌ.

الشيخ: الصناديق الاستثمارية سوف نتحدث عنها -إن شاء الله تعالى- غدًا، ولكن باختصارٍ باعتبار أنه ورد الآن فيها سؤالٌ: الصناديق الاستثمارية الموجودة الآن تأخذ فتوى مَن أفتى من المشايخ.

طبعًا الصناديق الاستثمارية المُرادة هنا: صناديق الأسهم، وهي التي يريدها السائل، تأخذ فتوى مَن أفتى من العلماء بجواز الدخول في الشركات المُساهمة إذا كانت تتعامل بالربا في حدود 30% فأقلّ من القيمة السوقية.

وهذه المسألة خلافيةٌ بين أهل العلم، وسوف نعرض هذا الخلاف بالتفصيل، ونبين -إن شاء الله تعالى- القول الراجح فيها، فلعلي أُرجئ الإجابة عن هذا السؤال إلى الحديث بالتفصيل عن هذه المسألة، وأُبين القول الراجح فيها بمقتضى الأدلة والقواعد، ومنها يتبين حكم الدخول في هذه الصناديق الاستثمارية.

المقدم: أحسن الله إليكم.

هذا يقول: مَن لديه أسهمٌ في شركة (سابك) من الاكتتاب، ولا يعلم أن فيها ربًا، فماذا يعمل لتطهير ماله؟ مع العلم بأن الشركة وزَّعتْ لكل ثلاثة أسهمٍ سهمًا، فكيف يُطهر ماله القديم والأسهم مُوزعةٌ، والتي هي من الاحتياطي من الأرباح؟

أرجو التفصيل في الإجابة، وجزاكم الله خيرًا.

الشيخ: الشركة المُشار إليها نسبة الربا فيها كبيرةٌ جدًّا، تبلغ قُرابة ثلاثة وثلاثين أو أربعة وثلاثين مليارًا، وليس ريالًا، ولكن مَن دخل فيها وهو لا يعلم، فإن الله تعالى يقول: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ [البقرة:275]، فالذي يدخل في الربا وهو لا يعلم أنه ربا، فإنه لا شيء عليه: فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، ولا يُلزم بالتطهير؛ لكونه غير عالمٍ، وهذا بنص الآية الكريمة، ومَن علم فإن عليه أن يضع الربا: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ [البقرة:279].

فيكون إذن مَن قبض المال وهو لا يعلم أن فيه ربًا، فهذا ليس عليه شيءٌ، انتهى: فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، أما إذا كانت المعاملة قائمةً، ثم علم، ولم يقبض الأرباح، فهنا يضع الربا: فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ.

فإذا كان هذا الأخ السائل لا يعلم بالربا أصلًا، وقبض الأرباح وهو لا يعلم، فليس عليه شيءٌ، أما إذا علم قبل أن يقبض الأرباح، فعليه أن يتخلص من الربا، ويسأل الشركة: كم تكون نسبة الربا على كل سهمٍ؟ وذلك بأن يُقسم الإيراد المُحرم على عدد الأسهم؛ فتخرج النسبة المُحرمة على كل سهمٍ.

وإذا لم يعلم فيحتاط في المسألة، وأكثر ما قيل في الاحتياط هو ما أفتى به الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، وهو: أنه يتصدق بنصف الربح بنية التخلص.

هذا أكثر ما قيل، لكن أقول: بالإمكان أن يعرف مقدار الربا على كل سهمٍ، فبإمكانه أن يسأل قسم المُحاسبة في تلك الشركة، وهم يُفيدونه بمقدار الربا على كل سهمٍ.

المقدم: أحسن الله إليكم.

يقول: فهمتُ من خلال كلامكم أن المعاملات المالية المُحرمة يعود تحريمها إلى شيئين: إما أنها ربا، أو أنها مُفضيةٌ إلى الربا، فهل فهمي صحيحٌ؟

الشيخ: المعاملات المُحرمة لا تنحصر في هذا فقط، فالمعاملات المُحرمة تعود إلى أربعة أمورٍ: إلى الربا، أو إلى المَيْسر، أو إلى الجهالة والغَرر، أو إلى الظلم والعدوان. إلى واحدٍ من هذه الأمور الأربعة، كما ذكر ذلك الشيخ عبدالرحمن السعدي وجمعٌ من أهل العلم.

فهي إما أن تُفضي إلى الربا، أو الميسر، أو الجهالة والغَرر، أو الظلم والعدوان، فإذا أفضتْ إلى واحدٍ من هذه الأمور الأربعة فإنها تكون مُحرمةً، وإلا فالأصل الإباحة.

المقدم: أحسن الله إليكم.

يقول: ما حكم شراء أسهم البنك غير الربوي؟ علمًا بأن هناك مَن قال: لا يجوز؛ لأنه شراء مالٍ بمالٍ. فهل هذا الكلام صحيحٌ؟

الشيخ: لا بد عند شراء الأسهم أن تكون الموجودات أكثر من النقود، وإلا إذا كانت النقود أكثر أصبح من قبيل بيع مالٍ بمالٍ، يعني: نقدًا بنقدٍ؛ فيقع في الربا الصريح.

فلا بد إذن أن تكون الموجودات أكثر من 50%، وإلا وقع في الربا.

ولا نستطيع أن نُعمم هذه القاعدة على جميع البنوك، وإن الغالب على البنوك أن النقد أكثر من الموجودات، فإذا كان النقد أكثر من الموجودات فإنه لا يجوز تداول الأسهم بها، ولو كانت بنوكًا إسلاميةً، أما إذا كانت الموجودات أكثر من النقد فلا بأس.

هذه هي القاعدة في هذا الباب: أن ننظر إلى موجودات البنك: إذا كانت أكثر من النقود جاز تداول الأسهم بها، وإن كانت النقود أكثر لا يجوز.

وعلى ذلك تتنزل مسألة تداول أسهم بنك البلاد، فهل موجودات البنك الآن أكثر من النقود؟ مع أن البنك بنكٌ إسلاميٌّ، لكن تداول أسهمه الآن، يعني: هل الآن موجودات البنك أكثر من النقود؟

هذه المسألة محل نظرٍ، والإخوة في الهيئة الشرعية للبنك يذكرون أن موجودات البنك أكثر، ولكن إذا عرفنا أن البنك الآن جمع من أموال المُساهمين قرابة ثلاثة مليارات، والبنك حتى الآن لم يقم، فأين الموجودات التي يُفترض أنها تزيد على النصف؟!

ولهذا في تداول أسهمه الآن -يعني- عندي أنه محل شكٍّ؛ ولذلك ننصح مَن يملك أسهمًا في هذا البنك ألا يتعجل في بيعها، أو في الشراء حتى يقوم البنك وينشأ ويتأكد أن موجوداته أكثر من النقود؛ لأن هذه أيضًا إشكاليةٌ كبيرةٌ، فإذا كانت النقود أكثر وقع في الربا الصريح: بيع نقدٍ بنقدٍ مع التفاضل، إلا إذا باع أسهم البنك بعملةٍ أخرى، يعني: بدل الريال -مثلًا- الدولار أو الجنيه، فلا بأس حينئذٍ، لكن مع التَّقابض: فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيدٍ [14].

والريال السعودي جنسٌ، والعملات الأخرى كلٌّ منها جنسٌ: الجنيه جنسٌ، والدولار جنسٌ، واليورو جنسٌ.

فهنا المخرج: مَن أراد يقول: أنا مُحتاجٌ للبيع الآن. نقول: تبيعها بغير الريالات، تبيعها بعملةٍ أخرى، وبذلك يزول الحرج.

أما بيعها الآن فلا أستطيع أن أجزم بالتحريم، لكن أقول: عندي شكٌّ في كون موجودات البنك أكثر من النقود.

المقدم: أحسن الله إليكم.

يقول: ما رأيكم في التأمين؟ وهل يجوز لنا دفعه؟ علمًا بأنه لا بد من دفعه لاستخراج الرخصة؟

الشيخ: التأمين -إن شاء الله تعالى- لعلنا أيضًا نتكلم عنه بالتفصيل في درسٍ قادمٍ، لكن باختصارٍ: التأمين التعاوني مباحٌ، والتأمين التجاري هو المُحرم، ولكن إذا أُجبر الناس عليه زال الحرج، وارتفع الإثم؛ لأنك حينئذٍ مُجبرٌ على هذا التأمين، وحينئذٍ ليس عليك حرجٌ في هذا التأمين؛ لكونك مُجبرًا عليه.

وسنتكلم -إن شاء الله تعالى- بالتفصيل في درسٍ قادمٍ، إن شاء الله.

المقدم: أحسن الله إليكم.

يقول: ذكرتم كلامًا لشيخ الإسلام بأن أجود المذاهب في باب المعاملات: المالكية والحنابلة، يقول: فأين ذكرها شيخ الإسلام؟

الشيخ: ذكرها في “مجموع الفتاوى”، وإذا أردتَ الجزء والصفحة فأيضًا مُقيدةٌ عندي، وقد ذكرها رحمه الله في قسم المعاملات في المجلد التاسع والعشرين، صفحة ستٍّ وعشرين.

المقدم: أحسن الله إليكم.

أسئلةٌ كثيرةٌ حول استشارة الإخوة فضيلة الشيخ حول الكتب المُؤلفة في باب المعاملات المعاصرة.

الشيخ: الكتب المُؤلفة -في الحقيقة- قليلةٌ مُقارنةً بأهمية هذه المسائل وحاجة الناس إلى فهمها والتَّفقه فيها، وغالب الكتب المُؤلفة في جزئياتٍ، ومن أحسنها الرسائل العلمية: رسائل (الدكتوراه) و(الماجستير)؛ لأن هذه الرسائل العلمية يبذل فيها الباحث جهدًا كبيرًا، وتكون تحت إشرافٍ علميٍّ، وتُناقش أيضًا.

وأيضًا من أبرز المؤلفات النافعة في هذا ما أشرتُ إليه في ثنايا الحديث، وهي مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهي مجلةٌ جيدةٌ ونافعةٌ، قد نُشرتْ فيها جميع الأبحاث، بل نُشرتْ فيها جميع المناقشات في المجمع، وهي موجودةٌ الآن في المكتبات، وتقع في أكثر من أربعين مجلدًا ضخمًا، فهذه من أفضل ما يكون في هذه المسائل.

وكما ذكرتُ أيضًا: مجلة مجمع الرابطة، والكتب المُؤلفة في مسائل وجزئياتٍ، لكن لا تجد طبعًا كتابًا يجمع لك جميع هذه المسائل، ولكن في جزئياتٍ وفي مسائل يوجد منها عددٌ لا بأس به، وأفضلها -كما ذكرتُ- الرسائل العلمية.

المقدم: أحسن الله إليكم.

يقول: ما مقصودكم بموجودات البنك؟

الشيخ: يعني: أعيان البنك، يعني: إذا كان البنك -مثلًا- له فروعٌ يملكها، وله مشاريع، هذا هو المقصود.

يعني: تكون مملوكات البنك من غير النقد، فيشمل ذلك التصريح، ويشمل ذلك بنايات البنك والأثاث، وكل ما يملكه البنك من غير النقود، هذا مقصود موجودات البنك، يعني: الأعيان التي يملكها البنك من غير النقود، وهذه لا بد أن تكون أكثر من النقود الموجودة في خزينة البنك.

وهذه -يا إخوان- إشكاليةٌ كبيرةٌ، فالبنوك -في الغالب- تكون النقود فيها أكثر؛ ولذلك إذا كانت النقود أكثر لا يجوز تداول أسهمها؛ لأن المسألة تُصبح مسألة بيع نقدٍ بنقدٍ مع التفاضل، وهذا هو الربا.

المقدم: أحسن الله إليكم وأثابكم، ونفعنا بعلمكم.

وصلى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 2699.
^2 رواه مسلم: 1905.
^3 “صحيح البخاري” (1/ 26).
^4 رواه البخاري في “الأدب المفرد”: 970، وأحمد: 16042.
^5 رواه أحمد: 22403، والترمذي: 2229، وقال: حسنٌ صحيحٌ.
^6 رواه الترمذي: 1210، وقال: حسنٌ صحيحٌ، وابن ماجه: 2146، والحاكم: 2144.
^7 رواه أحمد: 15530، والحاكم: 2145.
^8 رواه ابن ماجه: 2139، والحاكم: 2142، وشاهده عند الترمذي: 1209 بلفظ: التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء، وقال: حسنٌ.
^9 رواه أبو داود: 3326، وأحمد: 16134، 16139.
^10 رواه الترمذي: 1208، وقال: حسنٌ صحيحٌ.
^11 رواه أحمد: 1515، وأبو داود: 3359، والترمذي: 1225، وقال: حسنٌ صحيحٌ، والنسائي: 4545، وابن ماجه: 2264.
^12 رواه البخاري: 2201، ومسلم: 1594.
^13 رواه البخاري: 5729، ومسلم: 2219.
^14 رواه مسلم: 1587.
مواد ذات صلة