الرئيسية/دروس علمية/فقه النوازل/(11) فقه النوازل- موت الدماغ وأحكامه الشرعية وحكم نقل الأعضاء
|categories

(11) فقه النوازل- موت الدماغ وأحكامه الشرعية وحكم نقل الأعضاء

مشاهدة من الموقع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

معنا في هذا الدرس ثلاث مسائل من النوازل:

  • المسألة الأولى: موت الدماغ، وأحكامه الشرعية.
  • والمسألة الثانية: حكم نقل الأعضاء.
  • والمسألة الثالثة: حكم سحب أجهزة الإنعاش عند موت الدماغ ونحوه.

المسألة الأولى: موت الدماغ، وأحكامه الشرعية

ونبدأ بالمسألة الأولى، وهي مرتبطةٌ بالمسألة الثانية، بل إن المسألة الثانية حكمها متفرعٌ عن حكم المسالة الأولى، وهاتان المسألتان -موت الدماغ، ونقل الأعضاء- من النوازل المشكلة.

وقد حصل فيها اضطرابٌ، ليس على مستوى كبار العلماء، بل على مستوى المجامع الفقهية؛ فنجد على سبيل المثال: أن “مجمع الفقه الإسلامي الدولي” المنبثق من المنظمة لمؤتمر الإسلامي يرى أن موت الدماغ موتٌ حقيقةً، بينما لا يرى ذلك “مجمع الرابطة”.

وقرار “هيئة كبار العلماء” في ذلك، فيه إجمالٌ فيما يتعلق بنقل الأعضاء، ولهذا؛ فإن هذه المسألة من النوازل المشكلة في هذا العصر، وتحتاج إلى دقة نظرٍ وفهمٍ وتصورٍ دقيقٍ لواقع المرضى بعد النزول في الميدان، ومراقبة أحوال المرضى الذين حُكم عليهم بأنهم قد توفوا دماغيًّا.

فتحتاج هذه النوازل إلى تصورٍ دقيقٍ قبل النظر الشرعي، ثم تحتاج إلى تحريرٍ للمصطلحات؛ لأن الموت الذي يعنيه العلماء وفقهاء الشريعة يختلف عن الموت الذي يعنيه الأطباء، وهذا يؤكد على ما ذكرناه في أول الدورة، من أنه: عند النظر في النوازل لا بد من تحرير المصطلحات، ومن التصور الدقيق للمسألة؛ إذ إن أكبر الإشكالات التي تواجه الفقيه عند النظر في النوازل، هو الفهم والتصور الصحيح والدقيق لها؛ إذ إن التصور إذا كان غير دقيقٍ، فيترتب على ذلك: أن يكون الحكم على هذه النازلة غير دقيقٍ كذلك.

هذه النازلة من أحسن المراجع فيها: رسالة دكتوراه عندنا في قسم الفقه في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية، بعنوان: “حكم نقل الأعضاء في الفقه الإسلامي” للشيخ يوسف الأحمد، وقد نزلت في الأسواق قريبًا، وقد استقصَى فيها الباحث النظر في هذه المسألة، وتفرغ أيامًا لمراقبة أحوال المرضى، والاتصال بالأطباء وسؤالهم، وكذلك أيضًا الرجوع للمجلات العالمية المحكمة في هذه الموضوعات.

وإنما أشرت لهذا المرجع؛ نظرًا للاضطراب الذي أشرت إليه، حتى على مستوى المجامع الفقهية، كما سنبين ذلك إن شاء الله.

نبدأ أولًا بالمسألة الأولى، وهي: موت الدماغ.

العلاقة بين مسألة موت الدماغ ونقل الأعضاء

ووجه العلاقة بين مسألة موت الدماغ ونقل الأعضاء: نحن قلنا: إن بينهما ارتباطًا وعلاقةً وثيقةً، فما وجه هذا الارتباط؟ وما وجه هذه العلاقة؟

نقول: إن الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان؛ كالكبد والقلب والرئتين، هذه الأعضاء لا يمكن نقلها من الأحياء؛ لأن نقلها من الأحياء يعتبر قتلًا لهم، ولا يمكن نقلها من عموم الموتى؛ لأن هذه الأعضاء تتلف خلال دقائق إذا توقف عنها الدم، بخلاف الميت دماغيًّا فإنه يتنفس بواسطة جهاز التنفس وقلبه ينبض، فلا تزال هذه الأعضاء تتروى بالدم، ويمكن حينئذ أخذها وهي بحالةٍ جيدةٍ.

ولهذا؛ فإن الركن الأساس في نقل الكبد والقلب وغيرهما من الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان: هو وجود الميت دماغيًّا، الذي يمكن النقل منه.

ويرى الأطباء أن المصدر الوحيد لأخذ الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان: هو الميت دماغيًّا، وإذا خرجنا بنتيجةٍ، وهي: أن الموت الدماغي ليس موتًا حقيقيًّا، فإن هذا يساوي عند الأطباء إغلاق باب التبرع بالقلب والكبد ونحوها من الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان، ومن هنا تتبين خطورة هذا الموضوع.

إذا قلنا: إن الموت الدماغي ليس موتًا حقيقيًّا بالمعنى الشرعي، فمعنى ذلك: أن هذا يغلق باب التبرع بالأعضاء، فإذنْ مسألة موت الدماغ، هي منعطَفٌ كبيرٌ في موضوع نقل الأعضاء، ومن هنا يتبين الارتباط الوثيق بين هاتين المسألتين.

معنى الموت

قبل أن نبين: هل موت الدماغ هو موتٌ حقيقيٌّ بالمعنى الشرعي أم لا؟ نريد أن نحرر مصطلح “الموت”، ما معنى الموت؟

الموت شرعًا: هو مفارقة الروح للبدن، هذه هي حقيقة الموت، متى ما فارقت الروح بدن الإنسان، حصل الموت والوفاة، وهذا المعنى للموت هو الذي تقتضيه الأدلة من الكتاب والسنة، وتتابَع على ذكره أهل العلم.

قال النووي رحمه الله: الموت هو مفارقة الروح.

وقال ابن القيم رحمه الله: الموت هو مفارقة الروح للبدن.

وهكذا عرفه الحافظ ابن حجر رحمه الله، وتتابع على هذا جمعٌ من أهل العلم، على تعريف الموت بمفارقة الروح للبدن، ولكن مفارقة الروح للبدن هي أمرٌ غيبيٌّ غير مشاهدٍ، كيف نعرف أن روح هذا الإنسان قد فارقت بدنه؟

ذكر الفقهاء علاماتٍ لذلك، علاماتٍ للموت، أي بمفارقة الروح للبدن، ومن العلامات التي ذكرها الفقهاء: انقطاع التنفس، وإحداد البصر، أي: غيبوبة سواد العينين، وانفراج الشفتين فلا ينطبقان، وارتخاء القدمين فلا ينتصبان، وميل الأنف، وانخساف الصدغين، وانفصال الكفين، وامتداد جلدة الوجه.

ولم يذكر توقف القلب لوضوحه؛ لأنه أمرٌ معلومٌ وواضحٌ، يعني لا ندري في كتب الفقه توقف القلب، لكن لم يذكر ذلك لوضوحه، ثم إن الفقهاء قد ذكروا أنه لا يثبت موت الإنسان إلا بعد تحقق العلم اليقيني بالموت، فلا يحكم على أحد بالموت بالشك، أو غلبة الظن، بل لا بد من اليقين.

ولهذا؛ نجد أن الفقهاء ينصون على ذلك، قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: إذا تُيقن موته أُغمضت عيناه،… إلخ، وقال ابن القيم رحمه الله: إذا شك هل مات مورثه، فيحل ماله أو لم يمت؟ لم يحل له المال حتى يتقين موته، فنجد أن الفقهاء ينصون على أنه لا بد من تيقن الموت، فلا يعتبر في ذلك الشك أو غلبة الظن.

أما علامات الموت عند الأطباء، فالعلامات الأساسية عندهم: توقف القلب، وتوقف التنفس، وتوقف الجهاز العصبي ونشاط الدماغ.

وتحدث تغيرات من بعد الوفاة، أولًا: يحدث الارتخاء الأولي للعضلات، وكذلك أيضًا: برودة الجسم؛ نتيجة لتوقف العمليات الحيوية والكيميائية المولدة للحرارة، وكذلك أيضًا: يحدث تغير للون الجلد والأنسجة، ثم يعقب ذلك التيبس -وهو يعقب ارتخاء العضلات- لجسم الميت، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة التعفن بعد التيبس، وهو نهاية التغيرات التي تحدث في الجثة بعد الوفاة، ويؤدي ذلك إلى انتفاخ الجثة، وخروج السوائل، وتغير الرائحة.

ويقول الأطباء: إن الارتخاء هو أول ما يكون بعد الوفاة مباشرةً، ويستمر من نصف ساعةٍ إلى ساعتين، ثم يبدأ الجسم بالتيبس التدريجي، ويكتمل التيبس بعد مضي ثمان ساعاتٍ.

وأما علامة إحداد البصر؛ فالذي يحصل للميت هو ذهاب لزوجة العين، ويبقى الجفن على حاله، فإذا فاضت روحه والجفن مفتوحٌ بقي كذلك، وإذا فاضت روحه والجفن نازلٌ بقي على حاله، ولهذا؛ تجد بعض الأموات عيناه شاخصتان مفتوحتان، وبعضهم ليس كذلك، يكون قد أغمض عينيه، وعلى حسب الحال التي يموت عليها، هذه علامات الوفاة، وإنما ذكرناها لعلاقتها بهذه النازلة، وهي الموت دماغيًّا.

توقف الدماغ ليس موتًا حقيقيًّا

الميت دماغيًّا حالةٌ في الحقيقة ظاهرها يدل على الحياة، فالميت دماغيًّا قلبه ينبض، والدورة الدموية تعمل عنده، وجميع أعضاء البدن -ما عدا الدماغ- تقوم بوظائفها؛ كالكبد والكلى والبنكرياس والجهاز الهضمي والنخاع الشوكي، وغير ذلك، كل هذه الأجهزة تعمل لدى الميت دماغيًّا، وتقوم بوظائفها، إنما فقط الذي تعطل عنده هو الدماغ.

ولذلك فإن الميت دماغيًّا يتبول ويتغوط ويتعرق، يخرج منه العرق، وحرارة جسمه ربما تكون مستقرةً كحرارة الحي، (37 درجةً) تقريبًا، وربما تضطرب إما بارتفاعٍ أو انخفاضٍ، وهذا يدل على الحياة في بدنه، وقد يصاب بالرعشة، وقد يصاب بخفقان القلب، وارتفاع الضغط وانخفاضه، بل قد يتحرك حركةً يسيرةً كحركة أطراف اليدين أو القدمين.

وقد ذكر أخونا الشيخ يوسف في كتابه -رسالة الدكتوراه التي أشرت إليها- أنه وقف على حالاتٍ، ورأى فيها حالات المتوفين دماغيًّا، كيف أن حرارة الجسم عندهم مستقرةٌ على (37)، ومعلوم أن الميت يبرد جسمه، وأنه رأى بعض المتوفين دماغيًّا وهو يتعرق ويتحرك.

ولهذا؛ فإنه عند عملية استئصال أعضائه لنقلها إلى إنسانٍ آخر يُخَدَّر، يأتي طبيب التخدير ويحقنه بدواءٍ، ويبقى طبيب التخدير في مكانه لمراقبة المريض في نبضه وضغطه وغير ذلك، فإذا انخفض الضغط عنده حقنه بدواءٍ يرفع الضغط، فيستجيب بدن الميت دماغيًّا لذلك.

ومع هذا الوصف الذي سمعتم، ظاهر هذا أنه لا زال حيًّا، إنما فقط تعطل الدماغ عنده، وحتى لو سلمنا جدلًا بأن هذه الأوصاف المذكورة لا تدل على الحياة، فأقل ما يمكن أن توصف به أنها محل شكٍّ وترددٍ، ومحل خلافٍ.

فمن الناس من يراه من أهل الحياة، ومن الناس من يراه من الأموات، وإذا كان كذلك فلا يحكم بموته، وقد نقلنا كلام الفقهاء بأنه لا يحكم بوفاة الإنسان حتى يُتيقن موته، والأصل هو بقاء الحياة، ولا ننتقل عن هذا الأصل إلا بيقينٍ.

وبهذا يتبين أن موت الدماغ ليس موتًا حقيقيًّا بالمعنى الشرعي، وإن سماه بعض الأطباء موتًا، هو قد يسمى موتًا باصطلاح الأطباء، ولكن الذي يهمنا هو هل يسمى ميتًا بالمصطلح الشرعي، الذي هو: مفارقة الروح للبدن؟

الذي يظهر -والله أعلم- أنه ليس بميتٍ من الناحية الشرعية، وأن وجود هذه الأوصاف التي ذكرت تدل على أن الروح لا زالت باقيةً لم تفارق البدن، ولهذا؛ فإن جميع الأعضاء تعمل عنده ما عدا الدماغ، جميع الأعضاء؛ كالكبد والكلى والرئتين، تعمل عنده، فهو يتنفس وينبض قلبه ويتغوط ويتعرق، فكيف يقال بأنه قد مات وحاله كذلك؟! ولهذا فإنه يعتبر حيًّا، ولم تفارق الروحُ البدن.

رأي الفقهاء في الميت دماغيًّا

وننتقل بعد ذلك لآراء العلماء المعاصرين في هذه المسألة، ومن أغرب الآراء في هذه المسألة، وهو رأي “مجمع الفقه الإسلامي” المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي، حيث اعتبروا الموت الدماغي موتًا من الناحية الشرعية، جاء في قرار المجمع:

يعتبر شرعًا أن الشخص قد مات، وتترتب عليه جميع الأحكام المقررة شرعًا للوفاة، إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين:

  1. إذا توقف قلبه وتنفسه توقفًا تامًّا، وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.
  2. إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلًا نهائيًّا، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل.

وهذا القرار كان محل استغرابٍ لكثيرٍ من العلماء، ولكن صدر بعده قرارٌ لـ”مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي”، بعده بسنةٍ -لأن قرار مجمع منظمة المؤتمر كان في (1407)، بينما صدر بعده قرارٌ لمجمع الرابطة (1408)، بعده بسنةٍ تقريبًا- بأن الميت دماغيًّا لا يحكم بموته شرعًا، إلا إذا توقف التنفس والقلب توقفًا تامًّا.

وأيضًا: وأيضا بمثل هذا قرر مجلس “هيئة كبار العلماء” بالمملكة بأنه لا يعتبر موتًا شرعًا، جاء في قرار الهيئة برئاسة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: أنه لا يجوز شرعًا الحكم بموت الإنسان الموت الذي تترتب عليه أحكامٌ شرعيةٌ بمجرد تقرير الأطباء بأنه مات دماغيًّا، حتى يعلم أنه مات موتًا لا شبهة فيه، تتوقف معه حركة القلب والتنفس، مع ظهور الأمارات الأخرى الدالة على موته؛ لأن الأصل حياته، فلا يُعدل عنه إلا بيقينٍ.

والصواب في هذه المسألة هو ما ذهب إليه “مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي”، ومجلس “هيئة كبار العلماء”: من أن الموت الدماغي لا يعتبر موتًا من الناحية الشرعية حتى يتوقف القلب والتنفس، وتظهر أيضًا العلامات الأخرى للموت.

هذه المسألة -هل يعتبر موتًا من الناحية الشرعية أو لا يعتبر؟- لها أثرٌ كبيرٌ في المسألة التالية، وهي: حكم نقل الأعضاء.

المسألة الثانية: حكم نقل الأعضاء

فنقول: نقل الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان -كما أشرت إلى هذا في مقدمة الدرس- لا تؤخذ من الأحياء، ولا تؤخذ من الموتى، أما كونها لا تؤخذ من الأحياء، فلأنها لو أخذت من الأحياء لمات هذا الحي، لو أخذ كبده أو قلبه لمات، وهذا أمرٌ بدهيٌّ.

ولا تؤخذ من الموتى؛ لأن هذه الأعضاء تتلف خلال وقتٍ يسيرٍ من توقف التروية الدموية، تتلف خلال وقتٍ يسيرٍ، وأمامي الآن جدولٌ للأعضاء، وكم مدة بقاء العضو بدون تبريدٍ، وبقاء العضو بعد التبريد:

فالدماغ: مدة بقائه بدون تبريدٍ أربع دقائق، وبعد التبريد عدة ساعاتٍ.

القلب: مدة بقاء القلب بدون تبريدٍ بضع دقائق، وبعد التبريد ساعتان فقط.

الكبد: مدة بقاء الكبد بدون تبريدٍ ثمان دقائق، بعد التبريد ثمان ساعاتٍ.

الكلى: بدون تبريدٍ خمسٌ وأربعون دقيقةً، بعد التبريد ثنتان وسبعون ساعةً.

البنكرياس: بدون تبريدٍ عشرون دقيقةً، وبعد التبريد اثنتا عشرة ساعةً.

فإذنْ: هذه الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان نجد أنها لا تبقى طويلًا، بدون تبريد تبقى دقائق، بعد تبريدها سويعاتٍ، أقصى ما يصل… إلى ثنتين وسبعين ساعةً.

ومن المستحيل -في العادة الطبية- إدراك العضو خلال هذه الفترة، ثم إن بقاء الدم في العضو بعد توقف الدورة الدموية يؤدي إلى تجلط الدم في الأوعية الدموية الدقيقة؛ مما يؤثر على سلامة العضو ومناسبته للزراعة.

ولهذا فإن أحسن..، بل هو الطريق الوحيد لنقل الأعضاء هو الميت دماغيًّا؛ وذلك أن الميت دماغيًّا تقطع منه هذه الأعضاء، وتستأصل وحتى لا يحدث تجلط للدم فيها يحقن العضو من خلال الشريان الرئيسي بسائلٍ أبيض مبردٍ ليطرد الدم من الأعضاء؛ منعًا للتجلط، وليساعد في حفظها.

فإذنْ ليس هناك طريقٌ لنقل الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان، إلا من الميت دماغيًّا، الأحياء غير واردٍ، الأموات كما ذكرنا ما تبقى الأعضاء بعد الموت مدةً طويلةً، وإنما مدةً يسيرةً لا يتمكن خلالها الأطباء من نقل العضو إلى إنسانٍ آخر.

حكم نقل القرنية والجلد والعظام من الأموات

لكن يستثنى من ذلك: القرنية، والجلد، والعظام؛ فإنها بالتجميد والتبريد قد تبقى لمدةٍ طويلةٍ، أما بدون التبريد تبقى أربعًا وعشرين ساعةً فقط من موت الإنسان، لكن بتبريدها قد تبقى مدةً طويلةً.

ولهذا؛ فإنها يمكن بهذا التبريد نقلها من الأموات، ونقل هذه القرنية والجلد والعظام للأموات لا إشكال فيه، لا إشكال في جوازه، قد صدر فيه قرار من هيئة كبار العلماء بعد النظر في هذا الموضوع، قرر المجلس بالأكثرية جواز نقل قرنية عينٍ من إنسانٍ بعد التأكد من موته، وزرعها في عين إنسانٍ مسلمٍ مضطرٍّ إليها، وغلب على الظن نجاح عملية زرعها، ما لم يمنع أولياؤه ذلك؛ بناءً على قاعدة تحقيق أعلى المصلحتين، وارتكاب أخف الضررين، وإيثار مصلحة الحي على مصلحة الميت، فإنه يرجى للحي الإبصار بعد عدمه، والانتفاع بذلك في نفسه، ونفع الأمة به، ولا يفوت على الميت الذي أخذت قرنية عينه شيءٌ؛ فإن عينه إلى الدمار، والتحول إلى رفات، وليس في أخذ قرنية عينه مثلةٌ ظاهرةٌ، فإن عينه قد أغمضت، وطبق جفناها أعلاها على الأسفل.

فإذنْ نقل القرنية، ومثلها الجلد والعظام، من ميتٍ إلى حيٍّ لا بأس به، ونحن قلنا: من ميتٍ إلى حيٍّ؛ لأن ذلك متصور طبيًّا ولا إشكال فيه، ولذلك من الميت إلى الحي لا إشكال فيه، لكن بقية الأعضاء لا يتصور طبيًّا أن تنقل من ميتٍ إلى حيٍّ؛ لأنها لا تبقى بعد الوفاة إلا مدةً يسيرةً لا يتمكن الأطباء خلالها من النقل، ولهذا؛ فإنه ليس هناك مصدرٌ إلا نقلها من المتوفَّى دماغيًّا.

إذنْ نحن قلنا: إن هذه الأمور الثلاثة: الجلد والعظام والقرنية، قلنا: نقلها من الميت موتًا شرعيًّا إلى الحي لا بأس به.

نقل الأعضاء التي تتوقف عليها الحياة من الميت دماغيًّا

أما نقل الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان من الميت دماغيًّا، فهذا النقل له حالتان:

الحالة الأولى: أن يكون النقل من مسلمٍ، والذي يظهر -والله أعلم- في هذه المسألة: أن ذلك محرمٌ ولا يجوز؛ لأن أعضاء هذا المتوفى دماغيًّا إذا أخذت فإنه سيموت موتًا شرعيًّا، فأعضاؤه لا تؤخذ في الحقيقة إلا بقتله، فهذا النقل يؤدي إلى قتل هذا الإنسان، فإنسان جميع أعضائه تعمل ما عدا الدماغ، ويبول ويتغوط، ويتعرق ويتنفس وينبض قلبه، وحرارته كحرارة السليم، وقد ترتفع وقد تنخفض، ثم نأتي وننقل أعضاءه فيؤدي هذا إلى وفاته وموته موتًا شرعيًّا، هذا في الحقيقة قتلٌ له، وتَعَدٍّ على إنسانٍ له حرمته.

ولهذا؛ فإن نقل الأعضاء من مسلمٍ، الذي يظهر -والله أعلم- أنه لا يجوز.

بل إن صاحب البحث الذي أشرت إليه اعتبره قتلًا عمدًا موجبًا للقصاص، على كل حالٍ، المسألة خلافيةٌ، لكن هذا هو الظاهر من هذا التوصيف.

يبقى الإشكال فيما إذا كان النقل من كافرٍ وليس من مسلمٍ، فإن كان الكافر حربيًّا فلا إشكال في جواز النقل منه؛ لأنه مطلوبٌ قتل هذا الكافر، مطلوبٌ قتله في المعركة، أو في أي مكانٍ، وهو الكافر الذي ليس بينه وبين المسلمين عهدٌ ولا ميثاقٌ ولا أمانٌ، وبينه وبين المسلمين حربٌ، فهذا الكافر الحربي لا إشكال أيضًا في جواز النقل منه.

أما إذا كان الكافر معاهدًا، أو معصوم الدم عمومًا، سواءٌ كان بعهدٍ أو بأمانٍ، وهؤلاء الكفار هم معظم الكفار الذين يراد نقل أعضائهم، فهذا محل إشكالٍ؛ فمن العلماء من قال بجواز النقل، ومنهم من قال: إن الكافر في هذه الحال كالمسلم؛ لأن دمه معصومٌ، فكيف يصوغ نقل أعضائه؟ لأن نقل أعضائه يعني قتله في الحقيقة.

ومنهم من فرق، فقال: إذا كان هذا الكافر المعصوم الدم في بلاد الكفار فنقل العضو جائز إلى بلاد المسلمين، لأن نقل العضو في هذه الحال ليس فيه نقضٌ للعهد الذي بيننا وبينهم، وقوانينهم تسمح بهذا.

أما إذا كان نقل العضو من كافرٍ معاهدٍ في بلاد المسلمين، فإنه لا يجوز؛ لأن هذا يعتبر قتلًا له، والمسألة عندي في الكافر المعاهد عمومًا -سواءٌ كان في بلاده أو بلاد المسلمين- محل إشكالٍ وترددٍ، ولذلك؛ ليس عندي ترجيحٌ فيها، فأنا متوقفٌ في هذه المسألة؛ لأن الحكم فيها مترددٌ بين أن يقال بالجواز؛ باعتبار أن هذا كافرٌ، وفي نقل أعضائه للمسلمين مصالح عظيمةٌ، بل فيها استنقاذ لنفوس المسلمين، ويمكن أن يعيشوا بهذه الأعضاء مددًا طويلةً، ونحن نرى الآن من يعيش بالكبد سنواتٍ، قد تزيد على عشر سنواتٍ، ففي ذلك استنقاذ لحياة المسلمين، واستنقاذ حياة المسلم أمرٌ مطلوبٌ، وهذا كافرٌ، وأنظمة بلاده تسمح بذلك.

وقد يقال: إن هذا النقل -كما قررنا- هو في الحقيقة تَعَدٍّ عليه وقتلٌ له، وما دام معصوم الدم فما الذي يبيح قتله بهذه الطريقة؟

فالمسألة محل نظرٍ يتجاذبها هذان النظران، ولهذا لم يظهر لي رجحان أي منهما، تبقى محل اجتهادٍ ونظرٍ، والله تعالى أعلم، هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.

المسألة الثالثة: حكم سحب الأجهزة من الميت دماغيًّا

وأما المسألة الثالثة: وهو حكم سحب الأجهزة من الميت دماغيًّا:

قبل أن ننتقل إلى المسألة الثالثة، بالنسبة لقرار “هيئة كبار العلماء” في نقل الأعضاء، فالذي ورد في قرار الهيئة، وبين يديَّ الآن قرار الهيئة، هذا هو عليه توقيع المشايخ.

الذي ورد في قرار الهيئة:

قرر المجلس بالإجماع جواز نقل عضوٍ أو جزئه من إنسانٍ حيٍّ مسلمٍ إلى نفسه، إلى نفسه لا إشكال في ذلك، لكن قرر بالأكثرية جواز نقل عضوٍ أو جزئه من إنسانٍ ميتٍ -لاحِظ- من إنسانٍ ميتٍ إلى مسلمٍ، إذا اضطر إلى ذلك، وأمنت الفتنة في نزعه ممن أخذ منه، وغلب على الظن نجاح زرعه فيمن سيزرع فيه.

ثانيًا: جواز تبرع الإنسان الحي بنقل عضوٍ منه أو جزئه إلى مسلمٍ مضطر إلى ذلك، تلاحظ هنا في إقرار الهيئة أن النص في جواز نقل الأعضاء إنما هو من إنسانٍ ميتٍ، ولم ينص فيه على أنه ميتٌ دماغيًّا، ولهذا؛ فإنه لا تصح النسبة لهيئة كبار العلماء بجواز نقل الأعضاء بإطلاقٍ، وإنما القرار الذي ورد فيه: نقل الأعضاء من إنسانٍ ميتٍ، فلعل المقصود به في الأعضاء التي يمكن أن تبقى بعد وفاة الإنسان كالقرنية مثلًا، لكن لم يُنص فيه على الميت دماغيًّا، وهو المقصود.

ولهذا؛ فكما ذكرتُ، النسبة لهيئة كبار العلماء بأنهم يجيزون نقل الأعضاء نسبةٌ غير دقيقةٍ.

المسألة الثالثة كما هي، مسألة سحب أجهزة الإنعاش من المتوفى دماغيًّا، والميؤوس منه عمومًا: وهذه المسألة تكاد تتفق أراء العلماء المعاصرين على جواز ذلك، وأنه لا مانع من سحب هذه الأجهزة، إذا قرر ثلاثةٌ من الأطباء الثقات فأكثر، أن هذا المريض قد تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلًا نهائيًّا، أو ما كان في معنى ذلك.

وقد صدر في ذلك قرارات من مجلس “هيئة كبار العلماء”، ومن “مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي”، ومن “مجمع الفقه الإسلامي لمنظمة المؤتمر الإسلامي”، جاء في قرار مجمع منظمة المؤتمر الإسلامي:

إذا تعطلت جميع وظائف الدماغ تعطلًا نهائيًّا، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأَخَذ دماغه في التحلل، ففي هذه الحال يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص، وإن كان بعض الأعضاء كالقلب لا يزال يعمل آليًّا بفعل الأجهزة المركبة.

ومثل ذلك أيضًا جاء في قرار “مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي”، لكن مجمع الرابطة قيد ذلك بأن تقرر اللجنة من ثلاثة أطباء فأكثر، نص القرار:

المريض الذي ركبت على جسمه أجهزة الإنعاش يجوز رفعها إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلًا نهائيًّا، وقررت لجنة من ثلاثة أطباء اختصاصيين خبراء: أن هذا التعطل لا رجعة فيه، وإن كان القلب والتنفس لا يزالان يعملان آليًّا بفعل الأجهزة المركبة.

وأيضًا مثل هذا ورد في قرار هيئة كبار العلماء: إذا قرر ثلاثة أطباء فأكثر متخصصون رفع أجهزة الإنعاش عن المريض الموضح حالته، فإنه يجوز اعتماد ما يقررونه من رفع أجهزة الإنعاش.

فنجد أنه تكاد آراء العلماء المعاصرين تتفق على أنه يجوز رفع أجهزة الإنعاش عن هذا الميت دماغيًّا، أو ما كان في معناه ممن حَكم الأطباء بتعطل الوظائف عنده، وأنه ميؤوس من رجوعه، أو ميؤوسٌ من أن يشفى في علم الأطباء، وإلا فالله تعالى على كل شيءٍ قديرٌ.

لكن عندهم أن مثل هذه الحالة ميؤوسٌ منها، فإذا قرر ثلاثة أطباء فأكثر ذلك، جاز رفع أجهزة الإنعاش عنه؛ لأنه لا يلزم استنقاذ هذا المريض الذي هذه حاله، ولأن وضع هذه الأجهزة لا يفيد في هذا الاستنقاذ، وقد يكون له كلفةٌ كبيرةٌ وضع هذه الأجهزة عليه مدةً طويلةً، قد يكون فيها نفقاتٌ وكلفةٌ لإنسانٍ قد تعطلت الوظائف عنده، أو تعطل الدماغ عنده، ولهذا فإن آراء العلماء المعاصرين تكاد تتفق على هذا.

الفرق بين مسألة نقل الأعضاء، وسحب الأجهزة من الميت دماغيًّا

فإن قال قائلٌ: ما الفرق بين هذه المسألة، وبين مسألة نقل الأعضاء؟ أنتم قلتم: إن نقل الأعضاء من مسلمٍ لا يجوز، لا يجوز نقل الأعضاء؛ باعتبار أن هذا الميت دماغيًّا لا يزال حيًّا، ونقل الأعضاء معناها قتله، فلماذا تمنعون هذه الصورة، وتجيزون رفع أجهزة الإنعاش؟

نقول: إن بينهما فرقًا؛ ففي مسألة نقل الأعضاء فيه تَعدٍّ على هذا الإنسان، فيه قتلٌ له في الحقيقة بنقل أعضائه، أما في مسألة رفع أجهزة الإنعاش، فليس فيها تعدٍّ عليه، هو قلبه لا يعمل إلا بهذا الجهاز، ولا يلزم هذا الطبيب بوضع أجهزة الإنعاش إذا كان لا يتنفس إلا بهذا الجهاز، فلا يلزم وضع هذا الجهاز له، لكي يتنفس عن طريقه، ما دامت حالته ميؤوسٌ منها، فهو فقط عندما تسحب منه أجهزة الإنعاش يترك فيموت غالبًا مثل هذا، ولهذا؛ فبين المسألتين فرقٌ،

هل يمكن للميت دماغيًّا أن يعيش؟

بقي قبل أن نختم هذه المسألة، هل يمكن للميت دماغيًّا أن يعيش؟

أما على مستوى الأطفال فيمكن، أما على مستوى الأطفال فهذا ممكنٌ وكثيرٌ في الحقيقة، ولهذا؛ نجد أن الأطباء يستثنون الأطفال من هذا؛ لأن الطفل عنده خاصية إمكان رجوع الدماغ إلى العمل بعد التعطل.

حدثني أحد المشايخ بأن طفلًا كان قد قرر الأطباء أنه قد مات الدماغ عنده، ثم بعد ذلك عاش، وأنه قد قابله، قابل هذا الطفل الذي قد مات الدماغ عنده، وتحدث معه، مع أنه قد قرر الأطباء أنه قد مات دماغيًّا، فعند الأطفال هذا ممكنٌ، وموجودٌ وواقعٌ.

عند الكبار البالغين: قد قيل: إنه ممكنٌ، وكثيرٌ من الأطباء ينفي هذا، والمسألة تحتاج إلى توثيقٍ، وُجِد حالاتٌ لأناسٍ حكم عليهم بأنهم متوفون دماغيًّا ثم عاشوا، لكن قد قيل: بأن الخطأ كان في تشخيص هذه الحالات أصلًا من البداية، كان الخطأ في التشخيص، أن الطبيب الذي شخص بأن هذا المريض مات دماغيًّا، كان تشخيصه غير صحيحٍ.

فهذه المسألة هل يمكن أن يعيش الميت دماغيًّا؟ تحتاج إلى مزيد توثيقٍ، وإلا فنحن نسمع حكاياتٍ في هذا، لكنها تحتاج إلى مزيدٍ من الدقة والتوثيق في هذا.

أما الأطفال فهذا موثقٌ حتى عالميًّا، حتى على المستوى العالمي موجودٌ هذا وموثقٌ لدى الأطباء، لكن الذي لم يوثق هو مسألة عودة المتوفى دماغيًّا عند الكبار البالغين.

هذه في الحقيقة نبذةٌ مختصرةٌ عن هذه النوازل، وإلا فالكلام فيها أكثر بكثيرٍ مما ذكرناه، لكنها تعطي خلاصةً لآراء العلماء المعاصرين في هذه النوازل، ونكتفي بهذا القدر في هذا.

الأسئلة

ننتقل إلى الأسئلة:

السؤال: إذا بقي الشخص متوفًّى دماغيًّا مدةً طويلةً، ويقال إنه يتعذب، ويكون عالةً على أهله، وكثرت مصاريفه؟

الجواب: نحن قلنا: يجوز رفع أجهزة الإنعاش، وحينئذٍ نقول: لو أَذِن أهله برفع أجهزة الإنعاش فلا بأس بذلك، لكن لو قرر الأطباء رفع أجهزة الإنعاش، أو عدم إنعاشه إذا احتاج لذلك، ورفض الأهل، فهل يأثم الأطباء بهذا؟

هذا السؤال وُجه لهيئة كبار العلماء: إذا قرر الأطباء عدم الإنعاش في الحالة السابقة، وهي إذا كان المريض مصابًا بحالة عجزٍ شديدٍ مثل الشلل الدماغي، بحيث إنه لا يحرك رجليه أو يديه، ومصابٌ بتخلفٍ عقليٍّ شديدٍ، ولا يرجى شفاؤه، وقرر الأطباء عدم الإنعاش، ورفض الأهل، فما هو الحكم؟ وما هو الإجراء القضائي لو اشتكى الأهل بالأطباء لتسببهم في موت الطفل؟

وكان الجواب من هيئة كبار العلماء، جواب السؤال الثاني: إذا قرر الأطباء المختصون رفع الأجهزة في الحالة المذكورة، فإنه لا يلتفت إلى معارضة الأهل، يعني أن الأطباء لهم..، يملكون هذا بناءً على هذا القرار.

وهذا قد يكون محل إشكالٍ في الحقيقة، لكن لا يُلزم الأطباء بإنعاش هذا الإنسان الذي وصلت حاله إلى هذه المرحلة؛ لأن إنعاشه وبقاء الأجهزة عنده مكلفٌ، اللهم إلا أخذ أهله هذا المريض وعالجوه على حسابهم،… لربما يختلف الحكم، وأن الأطباء يلزمهم الالتزام بتعليمات الأهل في هذا.

لكن لو كان المستشفى حكوميًّا، وكان بقاء هذا المريض مدةً طويلةً مكلفًا، ففي هذه الحال بناءً على قرار هيئة كبار العلماء أنه يجوز رفع أجهزة الإنعاش عنه في هذه الحال.

السؤال: قال: سمعت الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يقول: لا يجوز التبرع بالأعضاء.

الجواب: نعم، كنت أريد أن أنبه على هذا، فاتنا هذا، وجزاه الله خيرًا الأخ السائل، الشيخ محمد العثيمين يرى أنه يحرم نقل الأعضاء والتبرع بها، يرى أنه يحرم، ويشدد في هذا، وأما سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله فهو متوقفٌ في هذه المسألة، ونُقل عنه القول أيضًا بالتحريم، ولكن رأيه المحرَّر في قرار “هيئة كبار العلماء” التوقف.

السؤال: العقل، هل هو بالدماغ أو بالقلب؟

الجواب: ظاهر النصوص أن العقل بالقلب وليس بالدماغ؛ لأن الله تعالى قال: قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا [الحج:46]، وقال: فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46]، وظاهر هذا أن العقل في القلب، وليس في الدماغ، ولكن المقصود بالقلب، القلب المرتبط بالروح، ليس فقط مجرد العضلة، ولهذا لا يورد علينا إيراد أنه عند زراعة قلب كافرٍ لمسلمٍ أن هذا المسلم يبقى على إسلامه، ولا يتأثر، ولا يتغير، نقول: المقصود بالقلب المرتبط بالروح.

السؤال: هناك مجمعان للفقه الإسلامي؟

الجواب: هناك في الحقيقة مجامع، ليس مجمعان، هناك عدة مجامع؛ هناك مجمع الفقه الإسلامي في الهند، ومجمع الفقه الإسلامي في السودان، ومجمع الفقه الإسلامي الأوروبي، لكن أبرز المجامع هذان المجمعان، هو مجمع الرابطة، ومجمع منظمة المؤتمر، ومجمع الرابطة في الجملة أقوى؛ لأنه يضم نخبة من فقهاء العالم الإسلامي وفي كلٍّ خيرٌ.

السؤال: ما حكم نقل أحد الأعضاء من الأحياء، بحيث لا يتسبب في وفاته، مثل نقل إحدى الكليتين؟

الجواب: الذي يظهر أن هذا لا بأس به، الذي يظهر والله أعلم، المسألة محل خلافٍ، والذي يظهر أن النقل من الحي إذا كان لا يتسبب في ضررٍ عليه، مثل الكلية، فلا بأس بذلك؛ لأن الإشكال الذي طرح في مسألة نقل الأعضاء هو في نقل الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان؛ مثل: الكبد، والقلب، لكن إذا كان في عضوٍ لا تتوقف عليه حياة الإنسان، وكان هذا الإنسان حيًّا، فهي محل خلافٍ بين العلماء؛ من العلماء من يرى أن ذلك لا يجوز؛ لأن هذه الأعضاء ملكٌ لله ​​​​​، وليست ملكًا للإنسان، ومنهم من يرى الجواز في هذا، والذي يظهر هو الجواز؛ لأن في هذا مصلحةً عظيمةً، فيها مصالح عظيمةٌ، وهذا الحي لا يتضرر، نحن شرطنا ألا يتضرر بهذا النقل، وهو لا يتضرر بهذا النقل، وينتفع به غيره.

السؤال: إذا جاز سحب أجهزة الإنعاش من الميت دماغيًّا، فلم لا يجوز نقل الأعضاء من هذا الشخص؛ لأنه في النهاية المصير إلى الموت؟

الجواب: إذا مات جاز نقل الأعضاء، لكن إذا مات لا يمكن نقل الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان، نحن ذكرنا أنها لا تبقى مدةً طويلةً، دقائق معدودةً لا يتمكن الأطباء خلالها من النقل؛ لأن هذا النقل يحتاج إلى عمليةٍ، ويحتاج إلى أمورٍ تحتاج إلى وقتٍ، فإذا مات لا يمكن نقل هذه الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان.

وقبل أن يموت يرد علينا إشكالية أن هذا الميت دماغيًّا لا يزال حيًّا، فنقل أعضائه في هذه الحال هو قتلٌ له في الحقيقة، هذه هي الإشكالية في هذه المسألة.

السؤال: من القائلون بأن الميت دماغيًّا ميتٌ شرعًا؟

الجواب: نحن قلنا: مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي، ومجلس هيئة كبار العلماء أيضًا يريان أن الميت دماغيًّا، ليس بميتٍ من الناحية الشرعية، هيئة كبار العلماء، مجلس هيئة كبار العلماء، ومجمع الفقه الإسلامي التابع للرابطة.

أما من يرى أنه ميتٌ من الناحية الشرعية فهو مجمع الفقه الإسلامي لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

السؤال: قال: ذكرتم أن نقل الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان لا يمكن للميت الدماغ، مع أنه من المعروف أنه يمكن نقلها من الأحياء إذا تطابقت الأنسجة؟

الجواب: لو نقلت من الأحياء لمات هذا الحي، لو نقل قلب إنسانٍ حيٍّ هل يعيش؟ لا يمكن، نقلت كبده، هل يعيش؟ لا يمكن، هذا معروفٌ بداهةً، لكن لعل قصد السائل لو نقل..، ما توصل إليه الطب الحديث في الوقت الحاضر أنه يمكن نقل بعض العضو مثل جزءٍ من الكبد، بحيث إن هذا الحي يبقى يعيش، فالظاهر في هذا: أنه لا بأس به، يظهر أن هذا لا بأس به؛ لأن في هذا مصلحةً عظيمةً، وليس فيه ضررٌ كبيرٌ على هذا الحي الذي نقل منه هذا الجزء من العضو، فإذا كان من الحي فالأمر سهلٌ؛ لأنه لا يمكن أن ينقل ما يتسبب في وفاته، وإنما ينقل ما لا يتسبب في وفاته.

وأيضًا يشترط شرطٌ آخر: ألا يكون عليه ضررٌ كبيرٌ في هذا النقل، لكن نقل أجهزة بأكملها هذا غير ممكنٍ، نقل قلبٍ بأكمله، نقل كبدٍ، هذا غير ممكنٍ.

السؤال: أين أجد قرارات هيئة كبار العلماء ومجمع الفقه الإسلامي للرابطة؟

الجواب: قرارات هيئة كبار العلماء موجودةٌ في..، هي مطبوعةٌ، ويمكن أخذها من دار الإفتاء، ومجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي مطبوعةٌ قراراته في كتاب أيضًا، جُمعت قراراته كلها في كتابٍ، وموجودٌ في المكتبات.

السؤال: هل وقع أن من مات دماغيًّا أفاق؟

الجواب: سبق أجبنا عن هذا.

السؤال: رفع الأجهزة عن الميت دماغيًّا، ونقل العضو منه، كلاهما يؤدي إلى وفاة المريض، فلماذا لا يستفاد من العضو للحفاظ على حياة آخر؟

الجواب: لا يمكن أن يستفاد من العضو إلا قبل رفع الأجهزة، وهذا هو الإشكال في المسألة، إذا رفعت الأجهزة، يموت موتًا شرعيًّا، وإذا مات توقف الدم، ولا يمكن في خلال هذه الفترة القصيرة بعد وفاته نقل العضو؛ لأنه كما قلنا يحتاج إلى وقتٍ، يحتاج إلى إجراء عملية للنقل، فهنا الإشكالية في هذه المسألة؛ لأنه لا يمكن الاستفادة من الأعضاء إلا قبل وفاته من الناحية الشرعية، فتكون الأجهزة لا تزال عليه، أما لو رفعت الأجهزة مات من الناحية الشرعية، وبالتالي لا يمكن نقل هذه الأعضاء.

السؤال: قال: رفع الأجهزة لا يعد قتلًا؟

الجواب: رفع الأجهزة، لكن في حالةٍ خاصةٍ، الميت دماغيًّا، رفع الأجهزة عنه لا يعتبر قتلًا له؛ لأن هذا المستشفى ليس ملزَمًا بوضع هذه الأجهزة، هو ما قتله، هو فقط رفع أجهزته الموجودة عنده، لها كلفةٌ وتحتاج نفقاتٍ، فرفع هذه الأجهزة عنه لا يعتبر قتلًا له في الحقيقة.

أما لو كان يمكن استنقاذه بهذه الأجهزة فنعم، يجب أن تبقى هذه الأجهزة؛ لأن رفعها عنه يعتبر قتلًا له، لكن إذا كان لا يمكن استنقاذه، وهذه الأجهزة لو بقيت ستبقى مدةً طويلةً، ويحتاج إلى نفقاتٍ.

فالظاهر: أن هذا المستشفى ليس ملزمًا -من الناحية الشرعية- بأن تبقى هذه الأجهزة في هذا المريض الذي قد قرر الأطباء أنه قد تعطل الدماغ عنده، أو تعطلت أعضاؤه، أو بعض أعضائه تعطلًا لا رجعة فيه، تعطل تعطلًا لا رجعة فيه، بحيث إنه ميؤوسٌ من شفائه عند الأطباء.

فمثل هذه الحال أيضًا، إلزام المستشفى بتحمل نفقات هذا المتوفى دماغيًّا مدةً قد تكون مدةً طويلةً، قد تكون سنين، لو حسبت النفقات المترتبة على وجود هذه الأجهزة لوجدت نفقاتٍ كبيرةً، فإلزام أيضًا المستشفى بإبقاء هذه الأجهزة على هذا المريض فيه إشكالٌ أيضًا.

ولهذا؛ فقط ترفع هذه الأجهزة التي وضعت فيه، هم يقولون: نحن وضعنا أجهزةً في هذا المريض، نحن نسحبها ونرفعها فقط، ولا يعتبر هذا قتلًا له، وبين المسألتين فرقٌ كبيرٌ.

والله تعالى أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

مواد ذات صلة