الرئيسية/دروس علمية/فقه النوازل/(9) فقه النوازل- أحكام التصوير بأنواعه
|categories

(9) فقه النوازل- أحكام التصوير بأنواعه

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أحكام التصوير بأنواعه

معنا في هذا الدرس مسألة ونازلة من النوازل المهمة، والتي يتكرر السؤال عنها، وتعم بها البلوى، وهي من أبرز نوازل هذا العصر الذي نعيش فيه، وهي: التصوير، التصوير بأنواعه: التصوير الفوتوغرافي، التلفزيوني، وما في معناهما، أو ما يعبر عنه بكلمة: التصوير الآلي.

أدلة تحريم التصوير

وقبل أن ندخل في بحث هذه المسألة، أقول: إن النصوص قد وردت بتحريم التصوير، والتشديد فيه، وظاهر هذه النصوص يدل على أن التصوير من كبائر الذنوب، ويدل لذلك ما جاء في الصحيحين عن ابن مسعود  أن النبي قال: إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون [1]، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم [2]، متفق عليه، وحديث أبي هريرة  أن النبي قال: …، ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة [3]، متفق عليه، وحديث أبي جحيفة : “أن النبي لعن المصور” [4]، أخرجه البخاري في صحيحه، وحديث ابن عباس  أن النبي قال: كل مصور في النار… يجعل له في كل صورة صورها نفسًا تعذب به في جهنم [5]، رواه مسلم.

هذه النصوص وما جاء في معناها تدل على تحريم التصوير مطلقًا، سواء كانت الصور لها ظل، أو ليس لها ظل، أي: سواء كانت مجسمة، أو غير مجسمة، وسواء كانت في حائط، أو في ستر، أو في قميص، أو في مرآة، أو في ورق، أو غير ذلك؛ لأن النبي لم يفرق بين ما له ظل وغيره، وإنما أطلق، وقد جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي لما رأى التصاوير على ستر عندها، تلون وجهه وهتكه، وقال: إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذي يضاهون بخلق الله [6]، وهذا الحديث يدل دلالة ظاهرة على أن الصور التي ليس لها ظل أنها تدخل في عموم الوعيد؛ لأن هذا الستر إنما هو صور منقوشة، جاء في صحيح مسلم: أنها صور لخيل.

مسائل مستثناة من التصوير

استثنى العلماء من التصوير عمومًا أمورًا، فأجازوا فيها التصوير:

  • الأمر الأول: تصوير غير ذوات الأرواح، كما روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، فإنه يجوز تصوير الشجر والحجر والجبل، ونحو ذلك من الأمور الجائزة، ولا تدخل في التصوير المحرم.
  • ثانيًا: إذا كانت الصور ممتهنة فإنها تجوز، مثل أن تكون وسادة أو غطاء، أو سفرة، أو نعالًا حذاء، ونحو ذلك، ويدل لهذا أنه جاء في حديث عائشة السابق في قصة الستر الذي فيه صور، قالت عائشة رضي الله عنها: “فجعلنا منه وسادة، أو وسادتين” [7].
    وفي حديث أبي هريرة : أن جبريل قال للنبي في القصة المشهورة، قال: “فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع، فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فليقطع منه وسادتان منبوذتان توطآن” [8]، أخرجه أبو داود والترمذي، وهو حديث صحيح من جهة الإسناد، فهذا يدل على أن الصور إذا كانت ممتهنة فإنها جائزة.
  • الأمر الثالث مما استثناه العلماء من التصوير: لعب البنات، وألعاب الأطفال عمومًا، كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كنت ألعب بالبنات عند النبي ، وكان صواحب يلعبن معي” [9]، جاء عند أبي داود والنسائي بسند صحيح: أن النبي لما كشف الستر، ورأى تلك الألعاب، قال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي، قالت: ورأى فيها فرسًا له جناحان، فقال: ما هذا؟ قلت: فرس له جناحان، ألم تسمع أن لسليمان خيل لها أجنحة؟ فضحك عليه الصلاة والسلام، ولم ينكر عليها [10].

وهذه المسألة محل خلاف بين العلماء: فمنهم من قال: إن هذا منسوخ، ولكن الصحيح أنه لم ينسخ، وهو قول جماهير أهل العلم: أنه يجوز ذلك للصغار، وأنه يجوز للصغار من الصور ما لا يجوز للكبار.

والحكمة في ذلك: قيل: أن ألعاب الصغار فيها نوع امتهان، فتكون من القسم الذي ذكرناه، وهو الصور الممتهنة؛ لأن الصور إذا كانت مع الطفل، فلا يظن أنها تعظم، وإنما تكون صورًا ممتهنة.

وقيل: إن الحكمة أن فيها تدريبًا للصغار، خاصة إذا كن فتيات، ففيها تدريب لها على أمر بيوتهن، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “استدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات، وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم عياض، ونقله عن الجمهور، وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن”.

التصوير الآلي بأنواعه

هذه مقدمة بين يدي بحث هذه المسألة، نعود بعد ذلك لمسألتنا، وهي النازلة التي بين أيدينا: وهو التصوير الآلي بأنواعه، سواء كان تصويرًا فوتوغرافيًّا، أو تصويرًا تلفزيونيًّا.

وقبل أن نذكر أقوال العلماء في هذه المسألة نريد أن نلقي الضوء على كيفية التصوير، كيفية عمل التصوير؛ لأن فهم هذا مهم جدًّا لمعرفة الحكم الشرعي، ولأنه وقع خلط في بعض المسائل بسبب عدم فهم صورة المسألة فهمًا صحيحًا، وسبق أن ذكرنا في أول الدورة أن فهم الفقيه للصورة الحقيقية للمسألة على وجه دقيق مهم جدًّا في تقرير الحكم الشرعي.

كيفية التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني

وأكبر إشكالية تواجه الفقهاء المعاصرين: هو تصوير المسألة تصويرًا واضحًا ودقيقًا، ولهذا فإنه يقع في كثير من الأحيان الخلاف بسبب عدم الاتفاق على التصوير الدقيق للمسألة.

فأقول: لفهم عملية وطبيعة التصوير من أثره في الحكم، فلعلي ألقي الضوء على كيفية التصوير، حتى يتبين الأمر، ويتضح بشكل جلي.

التصوير بأنواعه سواء كان فوتوغرافيًا أو تلفزيونيًّا يشبه نظام الرؤية في العين، بل إنه اقتبست فكرة التصوير من عين الإنسان، عين الكائن الحي عمومًا، كما أنه اقتبست فكرة الطيران من الطائر، وكيف يطير، هكذا أيضًا التصوير هو يشبه نظام الرؤية في العين.

ولهذا يسميه بعض الباحثين بالعين الصناعية، والإنسان عندما يرى الأشياء بعينه، هل يصدر من العين أشعة الضوء لكي يرى بها الأشياء؟ أم أن الأشياء التي يراها هي التي تنعكس منها أشعة الضوء لتسقط على العين؟

لا شك أن الجواب الثاني، ولهذا لا يمكن للعين أن ترى في الظلمة، لو كانت تصدر من العين أشعة لترى بها الأشياء لرأى الإنسان في الظلام، الواقع أن الإنسان لا يمكن أن يرى في الظلمة، فهذا يدل على أن الأشياء التي تراها العين تنعكس منها أشعة، فتسقط على العين، فترى العين الأشياء.

ولهذا يقولون: إن العين لا ترى في الظلمة، أما في الأماكن المضاءة، فإن أشعة الضوء في ذلك المكان تنعكس على العين.

آلة التصوير هي في الحقيقة مأخوذة فكرتها من عين الكائن الحي، فتحتوي آلة التصوير في مقدمتها على عدسة، أو على مجموعة عدسات تقوم مقام الجسم البلوري في عين الإنسان، وخلف هذه العدسة يوجد في كثير من أنواع آلات التصوير، يوجد فتحة يمكن التحكم باتساعها، وهي التي تضبط نسبة الضوء، التي يسمح لها بالدخول إلى الفيلم، تقوم هذه الفتحة مقام القزحية في عين الإنسان، والتي تتحكم بنسبة الضوء الداخل إلى الشبكية.

والفيلم الحساس في آلة التصوير إذا كانت آلة التصوير فوتوغرافية، يعني كاميرا، أو على لوح الميجا في التصوير التلفزيوني يقوم مقام الشبكية في العين، تلاحظ كل شيء في آلة التصوير، التصوير الآلي يقابل الشيء في العين، فهذا الفيلم أو هذا اللوح يقوم مقام الشبكية في العين.

فعند ضغط زر التصوير يدخل الضوء المنعكس على الجسم المراد تصويره إلى داخل الآلة، يدخل الضوء المنعكس عن الجسم المراد تصويره إلى داخل الآلة عبر العدسة، حتى يسقط هذا الضوء على الفيلم أو على لوح الميجا في التصوير التلفزيوني، والذي قلنا: إنه شبيه بالشبكية في عين الإنسان.

هذا الفيلم أو هذا اللوح يكون مطليًّا بمادة حساسة تتأثر بالضوء، تتكون من أملاح الفضة، ثم يخضع هذا الفيلم للمعالجة الكيميائية، وتظهر الصورة المرادة، وهذا في التصوير الفوتوغرافي.

أما في التصوير التلفزيوني فإنه عند سقوط الضوء المنعكس على لوح الميجا يسري تيار كهربائي في الحبيبات عليه، فتتكون إشارات كهربائية ترسل على شكل موجات كهرومغناطيسية عبر هوائي الإرسال لتنتشر في الفضاء، وتستقبلها هوائيات الاستقبال لأجهزة التلفزيون.

ثم تتحول هذه الإشارات الكهرومغناطيسية إلى أجهزة التلفزيون، وأجهزة التلفاز هذه تحولها إلى إلكترونات، وتترجمها في النهاية إلى صورة.

فنجد بهذا أن فكرة التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني فكرة واحدة، لكن التصوير التلفزيوني تتحرك فيه الصورة بسرعة، بحيث لا يظهر ذلك التحريك السريع للمشاهد، ووجه هذا أن الباحثين اكتشفوا خاصية في العين، استطاعوا من خلال هذه الخاصية اكتشاف التصوير التلفزيوني.

ما هي هذه الخاصية؟ هذه الخاصية تسمى عند أهل الاختصاص بالخاصية الانطباعية التي تعني: أن الصورة المشاهدة تبقى منطبعة على شبكية العين من واحد إلى ست عشرة مرة في الثانية، في الثانية الواحدة لاحظ.

بمعنى: أن المشهد لو احتجب عن العين ست عشرة مرة، والمشهد أمام العين في مدة ثانية واحدة، فإن المشهد يظل في مرأى العين طبيعيًّا، وتربط العين الصور بعضها ببعض، فتراها صورة واحدة متواصلة الظهور.

يعني: لو عرض عليك هذه الصورة ست عشرة مرة في ثانية واحدة، لاحظ أنها في ثانية، في زمن قصير جدًّا، لا ترى هذه الحركة السريعة، لا تظهر لك.

فاستفادوا من هذه الخاصية في العين، فجعلوا المشهد صورًا متوالية سريعة بمعدل ست عشرة صورة في الثانية، وقد تزيد فتصل إلى خمس وعشرين صورة في الثانية.

ولهذا فإن التصوير التلفزيوني هو نفسه التصوير الفوتوغرافي، لكنه مسرع سرعة كبيرة تصل ما بين ست عشرة إلى خمس وعشرين مرة في الثانية، بحيث لا يظهر ذلك التحريك السريع لا يظهر للعين.

ولهذا تجد أنه في بعض الأحيان عندما يحصل خلل في البث التلفزيوني ويتوقف، يتوقف على صورة فوتوغرافية، وبهذا يتبين أنه لا فرق بين فكرة التصوير الفوتوغرافي، والتصوير التلفزيوني، وبه نعرف أن من فرق بينهما في الحكم الشرعي، فأجاز التلفزيوني وحرم الفوتوغرافي أن هذا مبني على تصور غير دقيق لعملية التصوير.

بل إنه يلزم من أجاز التصوير التلفزيوني أن يجيز التصوير الفوتوغرافي، ويلزم من حرم التصوير الفوتوغرافي أن يحرم التصوير التلفزيوني، أما التفريق بينهما في الحكم فهو يشبه أن يكون تناقضًا؛ لأن فكرتهما في الأساس هي في الحقيقة فكرة واحدة، لكن في التلفزيوني تسرع الصورة، تسرع الصورة من ست عشرة مرة إلى خمس وعشرين في الثانية الواحدة.

لكن بعض العلماء الذين فرقوا بينهما رأوا أن الفوتوغرافي تكون الصورة فيه ثابتة، بينما التلفزيوني لا تبقى ثابتة، بل تختفي بمجرد إطفاء جهاز التلفاز، ولكن هذا الفرق في الحقيقة فرق غير مؤثر، ولا يقوى لأن يكون مبررًا للتفريق بينهما؛ لأن هذا الفرق يخضع لطبيعة استخدام كل منهما، وإلا فإن فكرة عملهما في الأساس واحدة.

وأقول: يلزم من قال: بأن هذا الفرق مؤثر، أنه لو أمكن إخفاء الصور الفوتوغرافية يكون حكمها حكم الصور التلفزيونية، وهذا لا يقول به أصحاب هذا القول، وقد وجد هذا بالفعل في الوقت الحاضر، في بعض أنواع الهواتف المحمولة الآن، بعض أنواع الهواتف المنقولة يمكن إبراز الصور الفوتوغرافية، ويمكن إخفاؤها داخل جهاز الهاتف.

هذا التصوير أيها الإخوة أفادنا الآن في معرفة طبيعة التصوير، وأنه حبس لهذه الأشعة التي تصدر من الأجسام، وتقع على عدسة التصوير، وأنه لا فرق بين التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني من حيث العمل والفكرة، إلا أن التلفزيوني تكون الصورة فيه مسرعة بدرجة كبيرة، والفوتوغرافي ليس كذلك.

وحينئذ فلا بد أن يكون حكمهما واحدًا، والتفريق بينهما لا وجه له؛ لأن فكرتهما واحدة، وإذا كانت فكرتهما واحدة، فيتعين أن يكون حكمهما واحدًا.

خلاف العلماء في التصوير الآلي بأنواعه

اختلف العلماء المعاصرون في حكم التصوير الآلي بأنواعه، على قولين مشهورين:

  • القول الأول: أن التصوير بأنواعه، سواء كان فوتوغرافيًّا أو تلفزيونيًّا أنه محرم، كسائر أنواع التصوير اليدوي، ولكن يجوز منه ما تدعو إليه الضرورة، أو تقتضيه المصلحة، كالتصوير لأجل بطاقة الأحوال، ورخصة القيادة، والدراسة والوظيفة، ونحو ذلك.
    ومن أبرز من ذهب إلى هذا القول: سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله.
  • القول الثاني في المسألة: أن هذا التصوير بأنواعه، سواء كان فوتوغرافيًّا أو تلفزيونيًّا أنه لا يدخل في التصوير المحرم، وأنه جائز، ولا بأس به، ومن أبرز من قال بهذا القول: الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.

ونأتي لأدلة أصحاب كل قول:

أما القول بالتفريق بينهما، فنرى أنه قول ضعيف لا يستقيم؛ لأننا لما شرحنا كيف تتم عملية التصوير، رأينا أن الفكرة واحدة، ولهذا فإننا نستبعد القول بالتفريق بين التلفزيوني والفوتوغرافي.

أدلة القائلين بمنع التصوير الآلي

أدلة القول الأول القائلين بتحريم التصوير الفوتوغرافي أو التلفزيوني.. التصوير الآلي عامة:

  • قالوا: إن هذا التصوير لا يخرج عن كونه نوعًا من أنواع التصوير، ولذلك فإنه يسمى تصويرًا لغة وشرعًا وعرفًا، قالوا: أما كونه يسمى تصويرًا لغة؛ فلأن الصورة معناها في اللغة: الهيئة والشكل، وهذا يصدق على هذا النوع من التصوير.
    وأما كونه يطلق عليه تصوير شرعًا؛ فلأن النصوص جاءت بشأن الصور والتصوير عامة، فتشمل كل ما يسمى تصويرًا، وأما كونه يسمى تصويرًا عرفًا؛ فلأن هذا مما تعارف الناس على أنه تصوير، هم يسمونه: تصويرًا، ويسمون الآلة: آلة تصوير، ويسمون من يقوم بضغط الزر: مصورًا.
  • وثانيًا: قالوا: إن هذا التصوير الآلي هو ليس مجرد التقاط الصورة التي خلقها الله، وإنما يقوم المصور بعمل وبجهد، فيقوم بتصويب الآلة نحو الهدف، واتخاذ الإجراءات التي تكون أثناء عملية التصوير، حتى تنتج الصورة، بالإضافة إلى الجهد الذي يبذله صناع الآلة لصنعها وإعدادها، وما يقوم به المصور بعد التقاط الصورة من التحميض، ونحو ذلك، فهو يقوم بعمل، فهو يشبه من يقوم بالتصوير غير الآلي، كل منهما يقوم بعمل لإيجاد هذه الصورة.
    ثم إنه لا أثر للاختلاف في وسيلة التصوير وآلته، وإنما العبرة بوجود الصورة، فمتى وجدت، وكانت هذه الصورة لذوات الأرواح، وجد الحكم وهو التحريم.
  • ثالثًا: قالوا: إن التصوير الفوتوغرافي هو إنما هو تطور لمهنة التصوير اليدوي، كما تطورت سائر المهن والصناعات، فكما أن كثيرًا من المصنوعات كانت قديمًا تصنع باليد، ثم أصبحت الآن تصنع آليًّا، هكذا الصور كانت في السابق تكون يدويًّا، وتطورت في الوقت الحاضر فأصحبت آليًّا، وحكمهما واحد.
  • رابعًا: قالوا: إن الأحاديث التي وردت بالوعيد الشديد في التصوير قد جاء فيها التنصيص على علة المضاهاة، قالوا: ووجود المضاهاة في التصوير الآلي أكثر من غيره من أنواع التصوير، فالمضاهاة في هذا النوع من التصوير شديدة؛ لمطابقتها للمصوَّر.

هذه هي أبزر أدلة هذا القول.

أدلة القائلين بجواز التصوير الآلي

أما القائلون بالجواز، فوجهتهم:

قالوا:

  • أولًا: إن التصوير الآلي شبيه تمامًا بالصورة التي تظهر على المرآة، أو على الماء، أو على أي سطح لامع، ولم يقل أحد من أهل العلم بأن صورة الإنسان على المرآة ونحوها أنها حرام، والصور الفوتوغرافية والتلفزيونية هي في الحقيقة كصورة الإنسان في المرآة، إلا أنها قد ثبتت بسبب تقدم الصناعة والتطور التكنولوجي.
    فإذا كنتم سوف تحرمون التصوير الآلي -يقول أصحاب هذا القول- إذا كنت ستحرمون التصوير الآلي، فحرموا إذن صورة الإنسان في المرآة؛ لأنها تظهر الصورة الحقيقية التي خلقها الله .
  • ثانيًا: قالوا: إن التصوير الآلي ليس تصويرًا بالمعنى الذي جاءت به النصوص، ووجه ذلك: أن التصوير هو مصدر صوّر يصوّر، أي: جعل هذا الشيء على صورة معينة، كما قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ [آل عمران:6]، وقال سبحانه: وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ [غافر:64]، فالمادة تقتضي أن يكون هناك فعل في نفس الصورة، لأن ما كان على صيغة فعل في اللغة العربية هذا هو مقتضاه.
    ونقل الصورة بالآلة ليس على هذا الوجه، فلم يحصل من المصور تخطيط بيده يشابه خلق الله تعالى، وغاية ما في الأمر أنه سلط الآلة على هذا الشيء الذي يريد تصويره، فانطبع بالصورة خلق الله على الصفة التي خلقها الله تعالى.
    قالوا: كما أنه لو صور إنسان كتابة شخص آخر بالآلة بآلة التصوير، لا يمكن أن يقال: إن هذه الصورة أنها كتابة المصور، وإنما هي كتابة الأول، نقلت بواسطة الآلة إلى ورقة أخرى، وهذا بعكس ما لو نقلها الثاني بيده، فإنه يقال: إنها كتابة الثاني، وإن كان الكلام للكاتب الأول، لأنه حصل منه في هذه الحال عمل وكتابة بيده.

فالتصوير الآلي ليس فيه تشكيل، ولا تخطيط، ولا تفصيل، وإنما هو حبس للصورة الحقيقية التي خلقها الله .

وأنقل هنا كلام الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في هذا، أو بعض كلامه، قال:

“إذا كان التصوير بآلة فوتوغرافية فلا يدخل في التصوير، ولا يستطيع الإنسان أن يقول: إن فاعله ملعون؛ لأنه لم يصور في الواقع، فإن التصوير مصدر صوّر يصوّر، فالمادة تقتضي أن يكون هناك فعل في نفس الصورة، ومعلوم أن نقل الصورة بالآلة ليس على هذا الوجه، وإذا كان ليس على هذا الوجه، فلا نستطيع أن ندخله في اللعن ونقول إن هذا الرجل ملعون على لسان رسول الله ؛ لأنه كما يجب علينا التورع في إدخال ما ظاهر اللفظ عدم دخوله فيه، يجب علينا التورع في منع ما لا يتبين لنا دخول اللفظ فيه؛ لأن هذا إيجاب وهذا سلب، فكما نتورع في الإيجاب نتورع أيضًا في السلب، وكما نتورع في السلب يجب أن نتورع في الإيجاب.

قال: فالمسألة ليست مجرد تحريم، ولكن سيترتب عليها العقوبة، فهل نشهد أن هذا معاقب باللعن وشدة الظلم وما أشبه ذلك؟ لا نستطيع أن نجزم إلا بشيء واضح، ولهذا يفرق بين رجل أخذ الكتاب الذي خطته يده، وألقاه في الآلة الفوتوغرافية.

وحرك الآلة فانسحبت الصورة، فيقال: إن هذا الذي خرج بهذا الورق رسم الأول، ويقال: هذا خطه ويشهد الناس عليه، وبين أن آتي بخطك أقلده بيدي، أرسم مثل حروفه وكلماته، فأنا الآن حاولت أن أقلدك، وأن أكتب ما كتبت، وأصور كما صورت.

أما المسألة الأولى فليس مني فعل إطلاقًا، ولهذا يمكن أن أصور في الليل، ويمكن أن أصور الإنسان وقد أغمض عينيه، ويمكن أن أصور الرجل الأعمى، فكيف نقول: إن هذا الرجل مصور؟ فالذي أرى أن هذا لا يدخل تحت اشتقاق المادة صوّر بتشديد الواو، فلا يستحق اللعنة..” انتهى كلامه رحمه الله.

الراجح في مسألة التصوير الآلي

هذه وجهة الفريقين في هذه المسألة، وعندما نريد الترجيح، أقول: إن الخلاف في هذه المسألة لا يرجع إلى الخلاف في أصلها وهو حكم التصوير، فجميع العلماء متفقون على تحريم التصوير، بل على أنه من كبائر الذنوب.

لكن الخلاف في هذه المسألة يرجع إلى تحقيق المناط، إلى تحقيق مناط الأسئلة، هل التصوير الآلي، سواء كان فوتوغرافيًّا أو تلفزيونيًّا، هل هو داخل في التصوير المحرم شرعًا، أو أنه غير داخل وإن سمي تصويرًا في عرف الناس، إلا أنه ليس تصويرًا بالمعنى الشرعي.

وجميع العلماء متفقون على أن تسمية الأشياء بغير حقيقتها لا تغير من الحكم شيئًا، فالعبرة بالحقيقة، وليست بالأسماء، وحينئذ إذا أردنا أن نرجح في هذه المسألة، وننظر إليها؛ فلا بد من النظر ليس إلى مسمى هذا العمل، وإنما إلى حقيقته، لا بد من النظر إلى حقيقة التصوير.

وذلك بالنظر إلى العلة التي لأجلها حرم التصوير، فما هي العلة التي لأجلها حرم التصوير؟ ثم ننظر في مدى انطباق هذه العلة على هذا النوع من التصوير.

هناك علة منصوص عليها، وتكاد تكون محل اتفاق بين العلماء، وهي: المضاهاة لخلق الله، وقد جاء منصوصًا عليها في حديث عائشة رضي الله عنها: إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله [11]، متفق عليه، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة [12]، متفق عليه.

فإذن العلة المنصوص عليها: هي علة المضاهاة، يعني: المحاكاة والمشابهة لخلق الله، هناك علة هي محل خلاف، وهي: أن التصوير وسيلة للغلو في الصور، وربما جر ذلك إلى عبادتها وإلى تعظيمها من دون الله، لا سيما إذا كانت لمن يحبهم الناس ويعظمونهم ممن جمع بين العلم والديانة، أو نحو ذلك.

ولهذا كان شرك قوم نوح عليه السلام، وهو أول شرك وقع في بني آدم، كان بسبب الصور، لكن ما هي الصور التي وردت في قصة قوم نوح؟

جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير: “ودًّا، وسواعًا، ويغوث، ويعوق، ونسرًا”، أنها أصنام قوم نوح، أن هذه الأصنام التي هي أصنام قوم نوح، قال: هذه أسماء لرجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون إليها أنصابًا.. لاحظ أنها أنصاب، وسموهم بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد.

حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عُبدت، نسخ العلم، النسخ: هو تبديل الشيء بغيره، والمراد هنا: تبديل علم بسبب نصب هذه الصور، من تذكر أحوالهم إلى عبادتهم، فظنت الأجيال التي أتت بعدهم أنهم إنما نصبوا هذه الأنصاب لأجل عبادتها، فعبدوها من دون الله.

لكن لاحظ هنا أن الذي ذُكر في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أنهم نصبوا أنصابًا، والأنصاب هي جمع: “نصب”، وهو ما ينصب من عصا أو حجر، أو غيرها، فهي مجرد أحجار منصوبة فقط، فليست صورًا على المعنى المعروف، هي مجرد أحجار منصوبة، ومنه قول الله : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90]، قال ابن عباس ومجاهد وعطاء رضي الله عنهم: “الأنصاب هي حجارة كانوا يذبحون قرابينهم عندها”.

فإذن: الأنصاب التي نصبت لأولئك الصالحين ليست صورًا بالمعنى الشرعي، ولكنها حجارة، وسميت هذه الحجارة باسم فلان، وهذه باسم فلان، وهذه باسم فلان، حتى إذا انقرض هذا الجيل، وأتى جيل بعده، لم يعرفوا السبب الذي لأجله نصبت هذه الحجارة، فظنوا أنهم عبدوها، ظنوا أنهم كانوا يعبدونها من دون الله، فوقعت عبادة الأصنام من دون الله تعالى.

وحينئذ نقول: إن هذه العلة ليست علة ظاهرة في التصوير، لماذا؟ لأن كل ما يؤدي إلى الغلو يكون محرمًا، وإن لم يكن تصويرًا، كل ما أدى إلى الغلو والتعظيم من دون الله يكون ممنوعًا، وإن لم يكن تصويرًا.

ولذلك فإن العلة المنصوص عليها: هي علة المضاهاة، فننظر الآن إلى هذه العلة، هل هي منطبقة في التصوير الفوتوغرافي، أو أنها غير منطبقة؟

المضاهاة معناها: المحاكاة والمشابهة، والواقع أن التصوير الفوتوغرافي الذي شرحنا كيفيته ليس فيه محاكاة ولا مشابهة، وإنما فيه تسليط للأشعة على الجسم المراد تصويره، فتنبعث من هذا الجسم أشعة، ثم تلتقط من قبل عدسة التصوير، وتثبت بطريقة كيميائية هذه الصورة الحقيقية التي خلقها الله ، فهي ليس فيها مضاهاة في الواقع، وإنما فيها نقل للصورة الحقيقية التي خلقها الله .

ولهذا كان الناس قديمًا هنا في المملكة لا يسمونها صورة، وإنما يسمونها: عكسًا، ويسمون الصور: عكوسًا.

ولهذا بعضهم يقول: إن هذا هو الاسم الصحيح لها، إنها عكس وليست صورة؛ لأنها فقط عكس للصورة الحقيقية التي خلقها الله ، وهذا هو القول الراجح والله أعلم في هذه المسألة: أن هذا النوع من التصوير، التصوير الآلي بأنواعه لا يدخل في التصوير المحرم شرعًا.

وأما ما ذكره أصحاب القول الأول من أدلة، فهي ترجع إلى ثلاثة:

أولًا: قولهم: إنها تسمى صورة لغة وشرعًا وعرفًا، هذا محل نظر، نقول: أولًا كونها تسمى صورة لغة الصورة مدلولها اللغوي واسع، فإنها تطلق على كل هيئة وشكل، وأما شرعًا فتسميتها بالصورة بالمعنى الشرعي محل نظر، وتسميتها عرفًا كما ذكرنا التسمية غير دقيقة، وتسمية الأشياء بغير مسماها الحقيقي لا ينقل الحكم، ولا يؤثر في الحكم.

ولهذا لو أن الناس سموا الخمر، لو سموه تسمية أخرى، كأن سموه مثلًا: مشروبًا روحيًّا، فهل معنى ذلك أن الخمر لا يكون محرمًا؟ أبدًا.

بل إنه جاء في سنن أبي داود: أن النبي قال: ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها [13]، يسمونها بغير اسمها، فلو سمى الناس الخمر بغير اسمه، لا ينقله هذا من حكم التحريم، ولو سمى الزنا بغير اسمه، لا ينقله هذا من حكم التحريم.

فتسميتها صورة هذا ليس مبررًا للقول بتحريمها، ولهذا فإن صورة الإنسان في المرآة تسمى صورة، وينظر يقال: نظر الإنسان إلى صورته في المرآة، هل معنى ذلك أن صورة الإنسان في المرآة أنها محرمة، لكونها تسمى صورة؟ أبدًا، لم يقل بهذا أحد من أهل العلم.

فنقول: إن تسميتها صورة من باب التجوز في العبارة، وإلا فإنها عكس، وتسميتها صورة لا يؤثر في الحكم.

وأما القول: بأن المصور يبذل جهدًا وعملًا، فهذا غير مؤثر في الحكم أيضًا، كونه يبذل أو لا يبذل لا يؤثر.. المهم تحقق علة التصوير، هل تتحقق علة التصوير، سواء بذل جهدًا أو لم يبذل، ولذلك فإن من ينظر إلى صورته في المرآة قد يبذل جهدًا لكي ينظر إلى الصورة في المرآة، فبذل الجهد أو عدم بذله لا يؤثر في الحكم في هذه المسألة.

وأما ما ذكره أصحاب هذا القول: بأن علة التصوير وهي المضاهاة تنطبق على هذا النوع من التصوير؛ لأن فيها مضاهاة شديدة؛ فغير مسلم؛ لأن المضاهاة هي المحاكاة والمشابهة، ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي [14]، ولهذا فإن الناس عندما يرون الصورة بالآلة لا يتعجبون؛ لأنهم يعرفون إنما نقلت بهذه الآلة.

لكن لو أن أحدًا من الناس رسم صورة هذا الإنسان، وكان رسمه دقيقًا يتعجب الناس: كيف استطاع هذا الإنسان أن يرسم هذه الصورة؟ فالقول: بأن علة المضاهاة متحققة غير صحيح، بل إنها غير متحققة؛ لأنها إنما هي في الحقيقة حبس للصورة الحقيقية التي خلقها الله ، فالتصوير الآلي بأنواعه هو في الحقيقة شبيه بصورة الإنسان في المرآة، إلا أن هذه الصورة قد ثبتت وعولجت بطرق كيميائية وطرق معينة، فخرجت على هذا النحو.

ثم إن القول بتحريم التصوير الآلي يقتضي تأثيم أكثر الأمة، وأنهم قد ارتكبوا كبيرة من كبائر الذنوب، وأنهم ملعونون على لسان النبي من يفعل مثل تلك الصور، وهذا القول فيه خطورة بالغة في أمر لم يتضح اتضاحًا نستطيع أن نجزم معه بالتأثيم لأكثر الناس.

ثم إننا قد قررنا أنه لا فرق بين التصوير الفوتوغرافي والتصوير التلفزيوني، وهذا يلزم منه أن كل من خرج في التلفاز، سواء في قناة إسلامية أو في غيرها يلزم منه أنه يبيح التصوير بأنواعه؛ لأن مجرد خروجه يلزم منه ذلك، حتى وإن خرج في قناة إسلامية.

وكذلك أيضًا من وجد في بيته تلفاز يلزم منه أنه يرى هذا الرأي، وإلا كان قد أخرجه إذا كان يرى التحريم، ومع ذلك أدخل التلفاز إلى بيته، أو خرج في قناة يكون قد عرض نفسه للوعيد الشديد، ووقع في كبيرة من كبائر الذنوب.

ونحن نرى الآن أن أكثر العلماء المعاصرين يخرجون في القنوات، فهذا يدل على أنهم يرون هذا الرأي، وإن كان هذا ليس مبررًا في الحقيقة، ليس هذا تبريرًا للقول بالجواز، أو تأثرًا بضغط الواقع، ولكن أقول: يعني يشبه أن يكون هذا الرأي الأخير هو المستقر عند أكثر العلماء المعاصرين، إنما أوردت هذا الإيراد، لأقول: إنه يشبه أن يكون هو الرأي المستقر في الآونة الأخيرة؛ لأن بعض الأمور عندما تأتي في أول الأمر لا تتضح اتضاحًا كاملًا، ثم بعد مدة من الزمن يستقر فيها رأي من الآراء، مثل الأوراق النقدية، أول ما خرجت وبرزت اختلف فيها أهل العلم اختلافًا ظاهرًا، ثم استقر الآن رأي العلماء المعاصرين على أنها نقد مستقل بذاته، وأن العلة فيها الثمنية، فاستقر هذا الرأي عند العلماء المعاصرين.

فأقول: يعني العلماء أكثر العلماء المعاصرين الآن، أقول: أكثرهم وليس جميعهم، أكثر العلماء المعاصرين استقر عندهم هذا الرأي، ومع ذلك يبقى الرأي الآخر محل يعني تقدير وقول لبعض الأفاضل والفقهاء.

لكنني أقول: من يرى الرأي الثاني وهو تحريم التصوير، فتلزم منه هذه اللوازم التي ذكرت: أنه لا يجوز أن يدخل التلفاز إلى بيته مطلقًا، ولو قناة إسلامية، وأنه لا يخرج في أي قناة مطلقًا، هذا مما يلزم على القول الأول.

أما القول الثاني: فأصحابه يقولون: إن هذا ليس هو التصوير المحرم شرعًا، فنحن نتفق معكم على أن التصوير من كبائر الذنوب، وأنه محرم، لكن هذا ليس هو التصوير المحرم شرعًا، وإنما هذا حبس للصورة الحقيقية التي خلقها الله بطريقة معينة تعالج بكيفية معينة.

هذا هو باختصار حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة، وإلا الكلام يعني فيها أطول من هذا.

حكم أفلام الكرتون

تبقى مسألة وهي أفلام الكرتون:

أفلام الكرتون هي في الحقيقة ليس فيها نقل للصورة الحقيقية التي خلقها الله ، وإنما فيها تصوير باليد، فعلة المضاهاة فيها واضحة وظاهرة؛ لأنه في أفلام الكرتون ترسم ذوات الأرواح، فهو من التصوير المحرم.

لكن إذا كانت الفئة المستهدفة بهذه الأفلام، إذا كانت هم الأطفال والصغار، فالذي يظهر والله أعلم أن هذا لا بأس به، لما ورد من جواز ذلك بالنسبة للصغار، ونحن قلنا: إنه يتسامح في شأن الصغار بالنسبة للصور ما لا يتسامح في شأن الكبار.

فإذا كان الفئة المستهدفة والمقصود من الأفلام الكرتونية الصغار، فالذي يظهر والله أعلم أخذًا من حديث عائشة رضي الله عنها أن هذا لا بأس به، وأما إذا كانت الفئة المستهدفة هم الكبار، فإن هذا لا يجوز، ولهذا فإن ما يرى من أفلام كرتونية ورسوم كاريكاتيرية هذه محرمة، وهذا مع الأسف يوجد حتى في بعض القنوات الإسلامية، أفلام كرتونية يكون المستهدف فيها الكبار، وهذه لا تجوز، هذه من الصور الممنوعة المحرمة؛ لأنها في الحقيقة المضاهاة فيها ظاهرة، وعلة التصوير منطبقة عليها تمامًا، وهي للكبار وليست للصغار.

وهكذا أيضًا ما يوجد في بعض الصحف والمجلات من الرسوم الكاريكاتيرية، هذه الرسوم أيضًا من الصور المحرمة، لأن المضاهاة فيها متحققة.

هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة، ونكتفي بهذا القدر فيها، والله تعالى أعلم.

الأسئلة

السؤال: ما رأيك بالجوال الذي يحتوي على كاميرا بلوتوث؟

الشيخ: هو على الخلاف الذي ذكرناه، لكن أيضًا ممكن يعني نطبق عليه ما يجري.. حتى لو قلنا بالجواز، ورجحنا الجواز، فنقول: إذا كانت هذه الصور صورًا لنساء أو صورًا محرمة يكون فيها كشف للعورات أو نحو ذلك، فإن هذا لا يجوز، حتى لو قلنا بجواز التصوير.

ثم أيضًا حتى لو قلنا بجواز التصوير، الصور الفوتوغرافية لا يجوز تعليقها، حتى لو قلنا بجواز التصوير، لماذا؟ لأنها وسيلة للغلو وتعظيمها، فلا يجوز تعليق الصور الفوتوغرافية حتى على القول بالجواز.

ولهذا كان الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله وهو من أصحاب القول الثاني، يقول: بعدم جواز تعليق الصور، لأنها تتحقق فيها العلة الثانية، وهي أنها وسيلة للغلو فيها وتعظيمها، وربما يؤدي إلى مفاسد، يؤدي ذلك إلى مفاسد.

فنقول: إن هذه الصور لا يجوز تعليقها.

السؤال: ما حكم تحنيط الحيوانات ووضعها في المنازل والمكاتب؟ وهل هي داخلة في تحريم التصوير؟

الشيخ: التحنيط ليس تصويرًا، التحنيط تأخذ حيوانًا موجودًا خلقه الله ، لكن يوضع عليه مواد تحفظه عن التعفن والتحلل، فليس هو من التصوير في شيء، هو صورة حيوان خلقه الله ، ولكن يبقى النظر إذا كان التحنيط فيه مصلحة فلا بأس به، أما إذا كان ليس فيه مصلحة فيكون داخلًا في إضاعة المال.

السؤال: هل لرسم ذوات الأرواح على الورقة حرام؟

الشيخ: نعم، رسم ذوات الأرواح محرم، وهو ما يسمى بتصوير ما لا ظل له، ولهذا لما دخل النبي على عائشة، ورأى صورًا على الستر، ما هي هذه الصور؟ هي رسومات، رسومات لخيل، ومع ذلك تلَّون النبي وهتكه، وقال: إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله [15]، فلا شك أن الرسومات هذه لذوات الأرواح لا تجوز، ولهذا ينبغي أن ننبه الطلاب في المدارس والمعلمين بأنه لا يجوز رسم ذوات الأرواح، وإذا احتاج للرسم يرسم مع طمس الوجه، إذا طمست معالم الوجه جاز ذلك، كما في حديث جبريل: أنه أمره بأن يقطع رأس التمثال.

فالمهم هو طمس معالم الوجه، إذا طمست معالم الوجه جاز ذلك، ولذلك في مادة التربية الفنية يمكن يعني رسم ذوات الأرواح مع طمس معالم الوجه، أما رسمها مع يعني وجه ذوات الأرواح، مع وجوه ذوات الأرواح، فإن هذا يدخل في التصوير المحرم شرعًا.

السؤال: يقوم التلفاز ببث صلاة الجمعة في المساجد، وهذا يقتضي أن يتحرك المصور وقت الخطبة، هل يعتبر هذا من اللغو؟

الشيخ: نعم، ينبغي في مثل هذا أن تثبت آلة التصوير؛ لأنها أيضًا يعني مس آلة التصوير وقت الخطبة يشبه أن يكون مس الحصى، يشبه مس الحصى الذي قال عليه الصلاة والسلام: من مس الحصى فقد لغا [16]، ومن تكلم فلا جمعة له [17]، ولهذا يمكن أن يتحقق الغرض وهو نقل الصلاة والخطبة للناس بتثبت آلة التصوير، ويمكن أن يوضع أكثر من آلة وتحقق المراد، أما أن المصور يقوم ويحرك الصورة.. هذا الذي يظهر أنه في معنى مس الحصى.

السؤال: يقول: كلام الشيخ ابن عثيمين أين أجده؟

الشيخ: موجود في كتبه في “شرح كتاب التوحيد”، وأيضًا في “الشرح الممتع”.

السؤال: الرسوم الكاريكاتيرية.

الشيخ: نحن بينا حكمها، وقلنا: إنها من التصوير المحرم.

السؤال: ما حكم تصوير النساء، ولو لم يرها إلا المحارم؟

الشيخ: الذي أرى أنه لا يجوز؛ لأنه وسيلة في الحقيقة لئن يراها الأجانب، حتى وإن تحفظ الإنسان عليها فترة من الزمن، فقد يمضي على ذلك زمن، أو قد تضيع، أو تسرق، فتكون وسيلة لأن يراها الأجانب.

نكتفي بهذا القدر، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 5950، ومسلم: 2109.
^2 رواه البخاري: 5951، ومسلم: 2108.
^3 رواه البخاري: 5953، ومسلم: 2111.
^4 رواه البخاري: 2086.
^5 رواه مسلم: 2110.
^6, ^15 رواه البخاري: 5954، ومسلم: 2107.
^7, ^11, ^12, ^14 سبق تخريجه.
^8 رواه أبو داود: 4158، والترمذي: 2806.
^9 رواه البخاري: 6130، ومسلم: 2440.
^10 رواه أبو داود: 4932.
^13 رواه أبو داود: 3688.
^16 رواه مسلم: 857.
^17 رواه أحمد: 719.
مواد ذات صلة