|categories

(6) أحكام الصلاة

مشاهدة من الموقع

أحكام الصلاة

تعريف الصلاة

إذَنْ: الصلاة معناها في اللغة: الدعاء، قال الله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ [التوبة: 103]. أي: ادع لهم، فمادة الصلاة معناها: الدعاء، ومنه الحديث أن النبي كان إذا أُتِيَ بصدقة قوم صلَّى عليهم، يعني دعا لهم، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ يعني: ادع لهم.

وشرعًا: أقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم.

وسميت بذلك؛ لاشتمالها على الدعاء؛ فإن المصلي لا ينفك عن دعاء عبادةٍ أو ثناءٍ أو طلبٍ، فلذلك سميت: صلاة.

حكم الصلاة

وهي ركن من أركان الإسلام، وفريضة من فرائض الدين، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، فهي إذَنْ آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد أجمع العلماء على ذلك، بل حكموا بكفر من أنكر وجوبها، ودل على هذا أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، ومنها: قول الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ [البينة: 5]. وقول الله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ [البقرة: 43]. في مواضع كثيرة من القرآن، وأيضًا: قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ [إبراهيم: 31]، فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ۝وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ [الروم: 17، 18]، فمن أتى عليه وقتُها وهو بالغ عاقل، وجبت عليه الصلاة ما دام عقله معه، إلا أن يكون حائضًا أو نفساء، فإن الصلاة لا تجب عليهما، بل تسقط عنهما ولا يقضيانها بالإجماع، لا يقضيان الصلاة بالإجماع بعد الطهر.

ولهذا؛ أشرنا لهذه القاعدة، وكنا قد أشرنا لها قبل قليل، ووردت معنا هنا: الصلاة لا تسقط عن المكلف ما دام عقله معه، ولو أن يصلي بقلبه عند عدم استطاعته الإتيان بأفعال الصلاة، إلا في حالة واحدة، وهي: المرأة إذا كانت حائضًا أو نفساء، فإن الصلاة تسقط عنهما في هذه الحال.

متى فرضت الصلاة؟

وقد فرضت الصلاة قبل الهجرة بثلاث سنوات أو سنة ونصف، يعني قبيل الهجرة على خلاف بين أهل العلم في تحديد ذلك، فرضت الصلاة على نحو خاص، يعني يختلف عن فرضية بقية الفرائض، فرضت ليلةَ المعراج؛ فإن النبي أسري به أولًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، كان نائمًا في حجر الكعبة؛ كما جاء في «صحيح البخاري»: ثم أسري بجسده وروحه بصحبة جبريل  على دابة يقال لها: البُراق، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ كما ذكر الله تعالى ذلك في أول سورة الإسراء: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا [الإسراء: 1]. وصلى بالأنبياء في المسجد الأقصى، يعني: بأرواحهم، ثم عرج به في تلك الليلة بصحبة جبريل  حتى وصل إلى السماء الدنيا، فاستفتح جبريل فقيل: من؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. فوجد في السماء الأولى آدم، وسلم على آدم فقال: مرحبًا بالابن الصالح، وفي السماء الثانية وجد عيسى ويحيى عليهما السلام، وهما ابنا خالة عليهما السلام، وفي السماء الثالثة وجد يوسف ، وفي السماء الرابعة وجد هارون ، وفي السماء الخامسة إدريس ، وفي السماء السادسة موسى ، ثم لما أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يذهب بكى موسى ، قيل: ما يبكيك؟ قال: أبكي؛ لأن غلامًا بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخل من أمتي.

لم يقل هذا حسدًا لنبينا عليه الصلاة والسلام، لكن أسفًا على خير فات أمته عليه الصلاة والسلام.

ثم في السماء السابعة وجد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وهو أفضل الأنبياء بعد محمد عليهما الصلاة والسلام جميعًا، حتى جاوز السبع الطباق، وكلمه ربه مباشرة من غير واسطة [1].

وهذا يدل على شرف هذه العبادة؛ لأنه لا يُعلم أن فريضة فرضت على الرسول بدون واسطة غير الصلاة.

وهل رأى النبي ربه؟

الصحيح الذي عليه جمهور الصحابة: أنه لم يَرَ ربه، وقد جاء في «صحيح مسلم» عن أبي ذر  قال: سألت النبي : هل رأيت ربك؟ قال: نورٌ أنَّى أراه؟! [2]. لا يستطيع العقل البشري أن يتحمل رؤية الله سبحانه؛ لأن الله تعالى عظيم جدًّا، لا يمكن للعقل البشري المحدود أن يتحمل رؤية الله في الدنيا طبعًا، أما في الآخرة فإن الله تعالى يُقْدِر أهل الجنة على رؤيته: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۝إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: 22، 23]، لكن في الدنيا لا يستطيع الإنسان أن يرى الله تعالى، ولهذا؛ لما سأل موسى الرؤية: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا [الأعراف: 143]. ولهذا؛ إذا تكلم الله تعالى بالوحي فإن الملائكة كلهم يصعقون من عظمة الله ؛ كما قال سبحانه: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ: 23]. فالله تعالى له من العظمة، يعني ما لا يمكن أن يتخيله البشر أصلًا، فلا يتحمل الإنسان بتكوينه البشري في الدنيا رؤية الله تعالى، لكن كلمه الله تعالى مباشرة من غير واسطة، وفرض عليه وعلى أمته خمسين صلاة في اليوم والليلة، يعني: خمسين صلاة في أربع وعشرين ساعة.

كم تأخذ من وقت الإنسان؟ يعني لو قُدِّر أنها لم تخفف معنى ذلك أنها في كل نصف ساعة، في كل نصف ساعة تقريبًا صلاة، أليس كذلك؟

لكن من رحمة الله تعالى أن يسر لنبينا ولهذه الأمة موسى بن عمران فسأله عليه : ما فرض ربك عليك وعلى أمتك؟ قال: خمسين صلاة في اليوم والليلة. فقال له موسى : إن أمتك لا تطيق ذلك، وإني قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك واسأله التخفيف، فرجع إلى الله تعالى فوضع عنه عشرًا، ثم عشرًا، ثم عشرًا، ثم عشرًا، ثم خمسًا، حتى بقيت خمس صلوات، فقال موسى : ارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف، فقال: إني قد استحييت من ربي. فنادى منادٍ من السماء: إني أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي، وإنها خمس بالفعل، وخمسون في الميزان [3].

فإذَنْ بقِيَت خمسين صلاة في اليوم والليلة في الأجر والثواب، الذي خفف ماذا؟ الفعل فقط، يعني هذه الصلوات الخمس التي نصليها كأننا نصلي خمسين صلاة، ليس من باب الحسنة بعشر أمثالها، لكنها ضوعفت في الأجر والثواب كأننا نصلي خمسين صلاة، ثم بعد ذلك يأتي التضعيف الحسنة بعشر أمثالها، ولهذا؛ فإن أجرها عظيم جدًّا، ولهذا؛ نجد أن الشيطان الرجيم إذا أقبل الإنسان على صلاته بدأ يوسوس له لعلمه بمكانة هذه الصلاة ومنزلتها وعظيم أجرها وثوابها، هذا يدل على فضل هذه الصلاة، فوقوع فرض الصلاة على هذا الوجه أكبر دليل على عناية الله بها، وعلى محبته لها، وأنها جديرة بأن تستغرق من وقت الإنسان شيئًا كثيرًا، ولأن خمسين صلاة في كل يوم وليلة تستوعب وقتًا كثيرًا، ولهذا فإن وقوعها على هذا النحو دليل على عظيم عناية الله بها، وعظيم أجرها وثوابها، وعظيم منزلتها ومكانتها في دين الإسلام.

ولهذا؛ فإنها أحب العمل إلى الله تعالى، أحب العمل إلى الله تعالى الصلاة، قد جاء هذا في «الصحيحين» عن ابن مسعود  قال: سألت النبي : أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها [4].

ولهذا؛ كان من السلف من يكثر من الصلاة، كان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يصلي لله تعالى في اليوم والليلة ثلاثمئة ركعة تطوعًا من غير الفريضة.

وكان الحافظ عبدالغني المقدسي صاحب “عمدة الأحكام” يقتدي بالإمام أحمد رحمه الله في هذا، ويصلي لله تعالى في اليوم والليلة تطوعًا من غير الفريضة ثلاثمائة ركعة.

منزلة الصلاة وأهميتها

هي أفضل الأعمال، أحب الأعمال إلى الله .

ولهذا إذا استطعت أن تكثر من الصلاة فإن هذا أعظم لأجرك، وقد جاء في «صحيح مسلم»: أن النبي قال: واعلم أنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة [5].

فمثلًا: من أتى المسجد الجامع يوم الجمعة، فأفضل ما يشتغل به ماذا؟ الصلاة، إن استطعت أن تصلي مثنى مثنى، حتى يدخل الخطيب فذلك هو الأفضل، والصحيح: أن يوم الجمعة ليس فيه وقت زوال عند منتصف النهار، هي مستثناة من بين سائر الأيام.

فإذا استطعت أن تشتغل بالصلاة فهذا أفضل تصلي ركعتين ثم تسلم، ثم تصلي ركعتين، ثم ركعتين، حتى يدخل الخطيب.

وهكذا حتى بين الأذان والإقامة ما عدا الفجر، الفجر ركعتان فقط، لكن سائر الصلوات ما عدا الفجر أفضل ما تشتغل به الصلاة، تصلي ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، إلى أن تقام الصلاة، لكن الناس لا يعرفون من الأعمال الصالحة ما بين الأذان والإقامة إلا ماذا؟ تلاوة القرآن، تلاوة القرآن عمل صالح، لكن لو أنك جعلت تلاوة القرآن في الصلاة كان ذلك أفضل وأعظم أجرًا وثوابًا.

وكُلَّما سجدت لله سجدة رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة.

فإذَنْ أحب العمل إلى الله تعالى: الصلاة.

وقوع الصلاة على هذا النحو يدل على عظيم منزلتها، ولهذا؛ فإن من ترك الصلاة بالكلية فإنه يكون كافرًا كفرًا أكبر مخرجًا عن ملة الإسلام، والعياذ بالله؛ لأنه قطع الصلة بينه وبين الله، كيف يكون مسلمًا؟ إنسان يعرف عظيم منزلة الصلاة في دين الإسلام، وأنها فرضت على هذا النحو، ومحبة الله تعالى لهذا النوع من العبادة، ثم يقطع صلته بربه ما يركع لله ركعة؟ كيف يقال إنه مسلم؟ لهذا فإنه ليس بمسلم في الحقيقة، بل إنه يكون كافرًا كفرًا أكبر، يكون أخبث حتى من اليهود والنصارى؛ لأن اليهود والنصارى تحل ذبائحهم، وهذا لا تحل ذبيحته، ولهذا؛ قال عبدالله بن شقيق العُقَيلي، أحد التابعين، قال: كان أصحاب النبي لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة، يعني ترك الزكاة كبيرة، لكن ليس بكفر، من أفطر في نهار رمضان متعمدًا هذه كبيرة لكنه ليس بكفر، الحج أيضًا من تركه مع قدرته كبيرة، لكن ليس بكفر، لكن ترك الصلاة كفر أكبر مخرج عن ملة الإسلام، ويدل لذلك من القرآن: قول الله تعالى عن المشركين: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة: 11]. فرتب الله تعالى الأخوة في الدين على ثلاثة شروط: التوبة من الشرك، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، إذا لم يتوبوا من الشرك ليسوا بإخوان لنا، إن تابوا من الشرك ولم يقيموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة، فليسوا بإخوة لنا في الدين.

ومقتضى ذلك أيضًا: أن ترك الزكاة كفر أيضًا، لكن قد دلت السنة على أن ترك الزكاة ليس بكفر؛ لأن مقتضى كون تارك الزكاة كافرًا إنما استفدنا هذا بدلالة مفهوم الآية، وهذا المفهوم معارِض لمنطوق حديث صحيح، وهو قول النبي : ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحَت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيُكوى بها جبهته وجنبه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضَى بين العباد، ثم يرى سبيله؛ إما إلى الجنة، وإما إلى النار [6].

من يبين لنا وجه دلالة هذا الحديث على أن مانع الزكاة بخلا وتهاونًا ليس بكافر؟

قوله: ثم يرى سبيله؛ إما إلى الجنة، وإما إلى النار. لو كان كافرًا لم يكن له سبيل إلى الجنة، ولهذا؛ فهذا الحديث يدل على أن تارك الزكاة ليس بكافر، ووجه الدلالة قوله: ثم يرى سبيله؛ إما إلى الجنة، وإما إلى النار؛ لأنه لو كان كافرًا لم يكن له سبيل إلى الجنة؛ لأن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، لا يمكن لنفس كافرة أن تدخل الجنة البتة، إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف: 40]، وحينئذ نقول: دلالة الآية على كفر تارك الزكاة دلالة مفهوم، ودلالة حديث أبي هريرة على عدم كفر تارك الزكاة دلالة منطوق.

وقد قال علماء الأصول: إن دلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم عند التعارض.

حكم تارك الصلاة

إذَنْ هذا بالنسبة لمانعي الزكاة، نحن قلنا: إنه لا يكون كافرًا، أما إقامة الصلاة فليس في الكتاب ولا في السنة ما يدل على أن ترك الصلاة ليس بكفر، فيبقى إذَنْ على الأصل، وهو أن من لم يقم الصلاة فهو كمن لم يتب من الشرك، فلا يكون أخًا لنا، وبالتالي يكون كافرًا.

يدل لذلك أيضًا من القرآن: قول الله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ۝إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ [مريم: 59، 60]. مفهوم الآية: أنه إذا لم يتب من أضاع الصلاة فليس بمؤمن، إذا لم يتب من أضاع الصلاة فإنه ليس بمؤمن، وهذا يقتضي كفر تارك الصلاة.

أيضًا جاء في حديث جابر الذي أخرجه مسلم في «صحيحه»: أن النبي قال: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة [7]. وهذا الحديث من جهة الإسناد لا إشكال في صحته، هو في «صحيح مسلم».

لو قال قائل: لماذا لا نحمل الكفر هنا في هذا الحديث على الكفر الأصغر؛ مثل قوله : اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت [8]. هي كفر أصغر بإجماع العلماء؟ فلماذا لا نحمل الكفر في هذا الحديث على الكفر الأصغر؟

نقول: إن الكفر في هذا الحديث، كلمة الكفر جاءت معرَّفةً بـ(أل)، وإذا دخلت (أل) على اسم الجنس صارت حقيقة فيها، وعلى هذا فيكون الكفر هنا حقيقة الكفر.

خذها قاعدة: إذا أتى في الكتاب أو السنة (الكفر) فالمراد به: الكفر الأكبر، إذا أتى مَعرِفةً بـ(أل) (الكفر) فهو مقصود به الكفر الأكبر، إذا أتى الكفر فالمقصود به الكفر الأكبر، إذا أتى مَعرِفةً بـ(أل)، إذا أتى كفر بدون “أل” فهو الكفر الأصغر.

فإذَنْ: إذا أتى مَعرِفةً (الكفر)، (الشرك)، فالمقصود به: الأكبر، أما إذا أتى نكرة (كفر) فالمقصود به الكفر الأصغر.

أيضًا جاء في حديث بريدة بن الحصيب  أن النبي قال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها فقد كفر [9]، والضمير في قوله: وبينهم يعود على الكفار، وهو حديث صحيح.

وفي هذا دلالة على أن المقصود بالكفر هنا: الكفر الأكبر المخرج عن الملة، الذي يفصل الفاعل عن المسلمين.

أيضًا: إذا نظرنا إلى أقوال الصحابة ، سبق أن نقلنا كلام عبدالله بن شَقِيق رحمه الله: “إن أصحاب النبي لم يكونوا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة”. أيضًا قال عمر بن الخطاب : “لا حَظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة”.

قوله: “لا حَظَّ”، (حظ) بمعنى: نصيب، و (لا) نافية للجنس، كما يقول النحاة: إنها نص في العموم، يعني ليس لمن ترك الصلاة حظ، لا قليل ولا كثير، في الإسلام.

فهذه إذَنْ، الأدلة من الكتاب ومن السنة ومن أقوال الصحابة .

قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: كل مستخف بالصلاة مستهين بها، فهو مستخف بالإسلام مستهين به، وإنما حظهم في الإسلام على قدر حظهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة.

لا يمكن لإنسان في قلبه إيمان وفي قلبه إسلام أن يستخف بالصلاة، الصلاة في الحقيقة هي الميزان؛ هي ميزان الإيمان، وميزان الإسلام، إنسان لا يركع لله ركعة، كيف يقال إنه مسلم؟ قطع صلته بربه ، ولهذا؛ ترْكُ الصلاة هو في الحقيقة من أعظم المنكرات؛ ترك الصلاة أعظم من الزنا، وأعظم من الربا، وأعظم من شرب الخمر، وأعظم من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، أعظم من هذه المنكرات كلها، لماذا؟ لأن هذه المنكرات هل يكفر بها فاعلها؟ لا يكفر، يبقى مؤمنًا بإيمانه، فاسقًا بكبيرته، لكن ترك الصلاة يكفر بها.

ولهذا قال الإمام ابن القيم رحمه الله: لا يصر على ترك الصلاة إصرارًا مستمرًّا من يصدق بأن الله أمر بها أصلًا؛ فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مصدقًا تصديقًا جازمًا أن الله تعالى فرض عليه كل يوم وليلة خمس صلوات، وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب، وهو مع ذلك مصِرٌّ على تركها، هذا من المستحيل قطعًا، فلا يحافظ على تركها مصدق بفرضها أبدًا؛ فإن الإيمان يأمر صاحبَه بها، فحيث لم يكن في قلبه ما يأمر بها؛ فليس في قلبه شيء من الإيمان، ولا تُصْغِ إلى قول من ليس له خبرة ولا علم بأحوال القلوب وأعمالها.

يعني يقول: لا يمكن أن إنسانًا يصدق بفرض الصلاة ثم يصر على تركها، هذا غير ممكن، ولهذا؛ مسألة أنه يستتاب تارك الصلاة ثلاثًا فإن تاب وإلا قتل، هذا موجود في كتب الفقه، لكن يقولون على مر التاريخ الإسلامي لم يوجد ولا حالة واحدة أن أحدًا استتيب ولم يتب وقتل، ما وجد، يعني إنسان يُرفع عليه السيف يقولون إما أن تصلي وإما أن نقتلك، يصر أنه لا يصلي؟ ما وجد هذا، ما يمكن لإنسان عاقل عقله معه يقال له هذا، ولذلك هذه المسألة نظرية أكثر من كونها عملية.

فإذَنْ، الصلاة منزلتها في الإسلام عظيمة جدًّا، ومكانتها كبيرة، وتركها من أعظم وأكبر المنكرات.

هذا طبعًا إذا كان قد ترك الصلاة تهاونًا وكسلًا مع الإقرار بوجوبها، أما الجاحد بوجوبها فإن هذا يكون كافرًا كفرًا أكبر باتفاق العلماء، حتى الجاحد لسُنة من السُّنن، لو أن إنسانًا جحد السواك، وقال: السواك ليس سنة وهو سنة، فإنه يكفر لأنه مكذب للنبي عليه الصلاة والسلام، فإذا جحد سنة من السنن المتفق عليها يكون كافرًا؛ لو أنكر الأذان، أنكر الإقامة، ما بالكم بالصلاة، فالجاحد لوجوب الصلاة هذا لا إشكال في أنه يكون كافرًا كفرًا أكبر، لكن الكلام فيمن تركها تهاونًا وكسلًا، فالقول الصحيح من أقوال أهل العلم: أنه يكون كافرًا كفرًا أكبر مخرجًا عن ملة الإسلام.

هذا المنكر مع الأسف مع أنه كبيرة، هو من أعظم المنكرات الموجودة في مجتمعنا، مع أنه كبيرة وهو كفر، إلا أنه موجود في المجتمع، لو تأملنا أحياء المسلمين تجد شريحة ليست بالقليلة منهم لا يصلون في المسجد، والغالب أن الذي لا يصلي في المسجد في الغالب أنه لا يصلي في البيت، يعني يبعد أن إنسانًا يحافظ على ترك الصلاة في المسجد ثم يحافظ على أن يصليها في البيت، وعندما ترى مثلًا المصلين في صلاة المغرب في رمضان، تقارنهم بالمصلين في غير رمضان، يتبين لك الفرق الكبير لهذا.

كيف يراد للأمة النصر على الأعداء وشريحة كبيرة من المنتسبين للإسلام تجد أنهم لا يصلون؟! وبعضهم -نسأل الله العافية- لا يصلي بالكلية، ولهذا؛ فنحن جميعًا بحاجة إلى أن نتناصح، وأن يُنصح هذا الذي لا يصلي، يُذَكر بالله تعالى، يُبيَّن له منزلة الصلاة وعظيم شأنها، وخطورة تركها، لكن أيضًا من أسباب وجود هذا المنكر -بل ربما نقول وجوده بكثرة- ضعف التناصح بين المسلمين، ربما أن الإنسان يجد جاره يقيم بجواره سنوات وهو يعلم أنه لا يصلي، ومع ذلك لم ينصحه يومًا من الأيام، وإلا لو أن هذا الذي لا يصلي لو نصحه ثلاثة أو أربعة من جيرانه لا شك أنه سيتأثر، سيعرف فعلًا بأنه قد أخطأ، ستصل له رسالة بأنه مقصر، وأنه على خطأ كبير، وعلى خطر، لكن عندما لا ينصح يعيش بين ظهراني المسلمين المحافظين على الصلاة الصالحين، يعيش سنين طويلة ولم يجد من ينصحه ولو مرة واحدة، ولهذا؛ فإذا أردت أن تعرف حال الأمة الإسلامية فانظر إلى حالهم في صلاة الفجر، تجد مع الأسف تخلفًا كبيرًا وواضحًا من كثير من المسلمين، لو تأملت أحياء المسلمين تجد ما لا يقل عن النصف لا يصلون صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد، وهذا خطر كبير وخلل، وهذا من أعظم المنكرات، من أعظم المنكرات: الإخلال بالصلاة -كما ذكرنا- أعظم من الربا، أعظم من الزنا، أعظم من شرب الخمر، أعظم من كثير من المنكرات؛ لأنها كفر.

طيب الآن أسألكم، أطرح سؤالًا: نجد أن شريحة كبيرة لا نراهم يصلون صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد، أليس كذلك؟ ما لا يقل عن نصف الأحياء، يعني لسنا مبالغين في هذا، بل ربما أن النسبة أكبر من هذا، لكن دعونا نأخذ بالأقل، نصف الأحياء لا يصلون صلاة الفجر مع الجماعة، هؤلاء الذين لا يصلون صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد هم لا يخلو حالهم من ثلاثة أمور:

إما أنهم لا يصلون بالكلية.

أو أنهم يصلون صلاة الفجر في البيت في وقتها قبل طلوع الشمس.

أو أنهم يصلونها بعد طلوع الشمس.

ما هو الغالب؟ يعني هل الغالب أنهم لا يصلون بالكلية؟ أو الغالب أنهم يصلونها في وقتها قبل طلوع الشمس؟

بعض أهل العلم يرى أن من لا يصلي إلا بعد طلوع الشمس لا تصح صلاته، بل هناك فتوى لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، بأن من يفعل ذلك ويتعمد ألا يصلي الفجر إلا بعد طلوع الشمس، أنه يكون كافرًا كفرًا أكبر، المسألة خطيرة إذَنْ.

نعم، الفتوى كانت هكذا، كان الرجل يقول: إنه لا يصلي إلا إذا أراد أن يذهب للدوام، بحدود الساعة السابعة والنصف، فأفتاه الشيخ بأنه يكون على خطر من أن يكفر، المسألة خطيرة، فهذه حقيقةً مصيبةٌ؛ أن يكون حال كثير من المسلمين على هذا، ولذلك؛ لا بد من النصيحة.

بعض الناس يقول: نومي ثقيل. فلماذا لا يكون نومك ثقيلًا إذا ذهبت للدوام؟! لماذا الطلاب أيام الاختبارات ما نجد أحدًا تخلف منهم إلا لعذر قاهر؟ عند الساعة الثامنة كل الطلاب متواجدون، فالمسألة مسألة اهتمام؛ لأن الطالب اهتم، لماذا إذا كان عند الإنسان موعد في المطار وقت صلاة الفجر، أو قبل صلاة الفجر بساعة أو ساعتين، أو أقل أو أكثر، تجد أنه لا يتأخر؛ فالمسألة مسألة اهتمام، هذا لو وجد في قلبه اهتمام بالصلاة لَمَا تأخر عنها، لكن إذا ضعف الاهتمام بالصلاة فإنه سيجد ألف عذر وعذر، لكن هذا لا يعفيه من المسؤولية.

فأقول: ينبغي أن يعلن وأن يشاع هذا: أن مِن أهل العلم من يرى: أن أداء صلاة الفجر بعد طلوع وقتها كأدائها قبل دخول وقتها، لو أن أحدًا صلى الآن صلاة الفجر هل تصح صلاته؟

ما تصح، هكذا أيضًا إذا صلاها بعد خروج وقتها، وإن كان جماهير العلماء يرون أنه إذا صلى بعد خروج الوقت أنها تصح صلاته لكنه يأثم، ويكون من الساهين الذين ذكرهم الله تعالى في قوله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ۝الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون: 4، 5]، ومن السهو عن الصلاة: تأخيرها عن وقتها، جاء في بعض التفاسير: يؤخرونها عن وقتها، توعدهم الله تعالى بالويل.

فإذَنْ: سمعنا الآن في هذه المحاضرة عظيم شأن الصلاة، وعظيم منزلتها ومكانتها، ومحبة الله لها وعنايته بها، وكيف أنها لما فرضت فرضت خمسين صلاة في أربع وعشرين ساعة، وأنها لما خففت خففت فقط بالفعل، ولم تخفف في الأجر والثواب، لا يليق بمسلم أن يسمع بمثل هذا الكلام ثم لا يصلي، الصلاة مع جماعة المسلمين في المسجد في وقتها.

وينبغي أن تكون الصلاة هي أكبر اهتمامات المسلم، لا يجعل المسلم الصلاة آخر اهتماماته، بل يجعلها أكبر وأول اهتماماته.

هذا فيما يتعلق بمكانة الصلاة، وحكم تركها.

صلاة الجماعة

وصلنا إلى باب صلاة الجماعة، ووَدِدْنا أن نرجئ الحديث عنها إلى الدرس أو المحاضرة القادمة، وما تبقى من الوقت نجيب فيه عما تيسر من الأسئلة.

الأسئلة والأجوبة:

ليس بعذر، هو يقول: قد يكون عنده ولد مثلًا ومع والدته ربما سهر معه، نقول: مهما كان هذا ليس بعذر في ترك الصلاة، لو لم يذهب إلا وقت الإقامة، ومن أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، يعني ليس بلازم في مثل هذه الحال التي تذكرها أن يذهب بعد الأذان، ممكن في هذه الحالة أن يذهب وقت إقامة الصلاة ولو أن يدرك ركعة، لكن هذا ليس بعذر، ولهذا؛ قال ابن مسعود كما في «صحيح مسلم»: “إن الله تعالى قد شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن -يعني هذه الصلوات الخمس- من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا -يعني الصحابة – وما يتخلف عنها -يعني عن صلاة الجماعة- إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل يُهَادَى بين الرجلين حتى يقام في الصف”. يعني: يكون الإنسان مريضًا، ومع ذلك يؤتى به يُهَادَى بين الرجلين، ما معنى يهادى بين الرجلين؟ يعني: يعضد له رجل عن اليمين، ورجل عن اليسار حتى يقام في الصف.

الله أكبر! لعلم الصحابة بعظيم شأن الصلاة، وعظيم منزلتها، مع أنه معذور في هذه الحال، لكنه يحكي ابن مسعود عن الصحابة : أنهم كانوا يفعلون هذا، يؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، والنبي ، وهو الرفيق بأمته، الذي ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، جاءه كما في «صحيح مسلم» جاءه عبدالله بن أم مكتوم وهو رجل كفيف لا يبصر، فقال: يا رسول الله، إني رجل أعمى، وليس لي قائد يلائمني يقودني إلى المسجد، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال عليه الصلاة والسلام: هل تسمع: حي على الصلاة، حي على الفلاح؟. قال: نعم. قال: فأجب؛ فإني لا أجد لك رخصة [10]. إذا كان عليه الصلاة والسلام -وهو الرفيق بأمته- لا يجد رخصة لرجل أعمى ليس له قائد، ومع ذلك غير معذور في ترك الجماعة، ما بالك بالصحيح القوي المبصر القادر؟!

فالصلاة مكانتها عظيمة، ومنزلتها كبيرة.

ولذلك فإن ترك الصلاة هو من أعظم المنكرات، تجد بعض العامة ربما يستنكر شرب الخمر أشد من ترك الصلاة، أو أنه يستنكر الزنا أشد من ترك الصلاة، صحيح أن هذه منكرات وكبائر، لكن ترك الصلاة أعظم منها وأشد؛ لأن هذه لا يكفر صاحبها بها، وإن كان مرتكبًا لكبيرة، لكن ترك الصلاة يكفر بها، ولهذا؛ قال سبحانه: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت: 45].

من حافظ على الصلاة فهو لما سواها أحفظ، ومن ضيع الصلاة فهو لما سواها أضيع، لا يمكن أن تجد إنسانًا يحافظ على الصلاة إلا وقد حفظ دينه، أبدًا، ولا يمكن أن تجد إنسانًا مضيعًا للصلاة إلا وقد ضيع دينه، ولهذا؛ من حافظ على الصلاة فهو لما سواها أحفظ، ومن ضيع الصلاة فهو لما سواها أضيع.

السائل:… كثير من الناس يذهب إلى صلاة الفجر عنده مثلًا رجلٌ مسنٌّ، أبوه مقعد، قال: سأصلي معه في البيت جماعة، فهل يعذر أنه يصلي معه في البيت جماعة بوالده وهو مقعد الوالد؟

والسؤال الآخر: حديث: أبردوا في الظهر، والصلاة كل لا يتجزأ، والاهتمام هنا بصلاة الفجر من الناس جميعًا ما أدري صلاة العصر وصلاة الظهر؟ أحسن الله إليكم.

الشيخ: الأبناء كم أعمارهم الذين تسأل عنهم؟

إذا كانوا دون البلوغ فهو مرفوع عنهم القلم، لا يشدد عليهم، لكن يؤمرون بالصلاة، بل يضربون إذا وجد الأب منهم تساهلًا، لكن لا يشدد عليهم كالبالغين، لماذا؟ لأنهم مرفوع عنهم القلم: رفع القلم عن ثلاثة..، وذكر منهم: عن الصبي حتى يبلغ [11]، يعني: حتى لو لم يُصَلِّ لا يكتب عليه ذنب ولا معصية، فلماذا يؤمر ويضرب؟ من باب التربية والتعليم والتأديب، ولكن لا يشدد الأب عليه كثيرًا، وإنما أهم شيء أنه يكون مثلًا له اهتمام بالصلاة لا يتركها، ويصلي ولو أن يصلي في البيت، يعني مثلًا ربما صلاة الفجر، إذا كان يشق على هذا الغير البالغ أن يصلي في المسجد، يمكن أن يصلي في البيت؛ لأنه غير بالغ، مرفوع عنه القلم، لكن البالغ ليس له عذر، وليس له رخصة، أما غير البالغ فالأمر فيه بالنسبة له أسهل، يعني ينبغي أن يلاحظ الأب هذا المعنى أيضًا، وأن هذا الغير البالغ مرفوع عنه القلم، لكن ليس معنى كونه مرفوعًا عنه القلم أنه يُترك له الحبل على الغارب، بل لا بد من تعويده على الصلاة، فالمقصود من أمره بالصلاة قبل البلوغ، ما هو المقصود؟ ليس المقصود أنه مكلف، هو غير مكلف، مرفوع عنه القلم، لو لم يصل ما كتب عليه ذنب ولا معصية، إذَنْ ما هو المقصود؟ التربية والتعويد حتى يألف الصلاة، فلذلك لا يشدد عليه كثيرًا، لكن يأمره بلين ما بين السابعة إلى العاشرة، إذا لم ينفع معه هذا الأسلوب، ينتقل إلى أسلوب آخر وهو الحزم؛ يضربه ضربًا غير مُبَرِّح، حتى يتعود على الصلاة، وحتى يألفها، لكن لا يشدد معه، أما البالغ فلا، البالغ يشدد معه أبوه، ولا يحل له أن يبقي ولده وهو لا يصلي، لا يجوز له هذا، الأب مسؤول أمام الله عن هذا الولد: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته [12]. ويأثم الأب لو ترك ابنه وهو لا يصلي إذا كان بالغًا، أما دون البلوغ فالأمر فيه واسع بالنسبة له، الكلام في الابن البالغ.

وسؤالك الثاني؟

أبردوا بالصلاة، حديث في «الصحيحين»، ولعله يأتينا الكلام عنه، أبردوا بالصلاة، المقصود: عند شدة الحر؛ لأن شدة الحر تذهب الخشوع، ولهذا؛ قال: أبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فَيْحِ جهنم.

إذا وجد مكيفات كما عليه الآن في الوقت الحاضر، مع وجود المكيفات هل توجد شدة الحر أو تنكسر شدة الحر؟ تنكسر، ولذلك؛ فإنه لا يشرع الإبراد مع وجود المكيفات؛ لأن النبي علل الإبراد بعلة، ونص على هذه العلة، وهي: شدة الحر، قال: أبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم [13]. ومع وجود المكيفات لا توجد شدة الحر، ولذلك لا يشرع الإبراد، لكن لو قدر مثلًا أن أناسًا سيصلون في قرية ليس فيها مكيفات، أو أنهم يصلون في البَرِّ، والحر شديد، فيبردون بالصلاة، وذلك بأن يؤخروا صلاة الظهر إلى قبيل العصر، يعني إلى آخر وقتها حتى تنكسر شدة الحر.

يعني صلاة الفجر أو جميع الصلوات؟

وهذا الأب ما يستطيع أن يصلي في المسجد؟

إذا تيسر ولو بِعَرَبَة، فالصحابة كانوا يأتون بالرجل يُهَادَى بين الرجلين حتى يقام في الصف، الصحيح: أنها لا تجب عليه، لكن الأفضل لهذا الذي ما دام يريد الآن يقصد البِرَّ بوالده أن يأتي به للمسجد ولو بعَرَبَة، وهذا حتى أحسن له من الناحية النفسية، هذا الأب إذا أتى للمسجد، وصلى مع جماعة الناس، وسلم عليه جماعة المسجد، وأنس بهم، فإن هذا حتى أفضل لهم، فإذا أراد البِرَّ بوالده فالأفضل أن يهيئ له الوصول للمسجد بأي طريقة، لكن لو قُدِّر مثل هذا ولم يتيسر له الوصول للمسجد، ورأى هذا الولد أن صلاته مع والده في البيت أنها فيها بر بوالده، فالذي يظهر أن هذا يكون عذرًا له في ترك الجماعة، ومثل قصة الثلاثة الذين خلفوا، كانوا يصلون في بيوتهم لمَّا هجرهم الناس؛ لأن هذا عذر لهم في ترك الجماعة، فأعذار ترك الجماعة كثيرة، لعل هذا يكون منها، لكن -كما قلت- في حدود ضيقة، والأفضل أن يهيئ له الوصول للمسجد.

إذا قلنا: كافر كفرًا أكبر، معنى ذلك أنه يخلد في النار، إذا قال العلماء: إن هذا يكون كافرًا كفرًا أكبر، معنى ذلك: أنه يخلد في النار أَبَدَ الآباد، والعياذ بالله، حكمه حكم المشرك، أما الكفر الأصغر هو الذي لا يخلد صاحبه في النار، معنى ذلك: أن من ترك الصلاة بالكلية يخلد في النار أبد الآباد، نسأل الله السلامة والعافية؛ لأنه قطع الصلة بينه وبين ربه وخالقه، إنسان قطع الصلة: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة: 67].

نعم، هذه النصوص لا بد أن يُجمَع بين نصوص الوعد والوعيد، يُجمع بينها، لا يؤخذ بطرَف ويترك طرَف، وَرَدَت نصوص في الوعد؛ منها: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة [14]. ونصوص بالوعيد مثلًا: لا يدخل الجنة قاطع [15]. يعني: قاطع رحم، لا يدخل الجنة نمام [16].

تجد الناس اختلفوا فيها؛ المرجئة أخذوا بنصوص الوعد وتركوا نصوص الوعيد، قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب، والخوارج والمعتزلة أخذوا بنصوص الوعيد وتركوا نصوص الوعد، قالوا: مرتكب الكبيرة كافر، إذا شرب الخمر يكون كافرًا، إذا زنا يكون كافرًا، إذا أكل الربا يكون كافرًا، يخلد في النار، إلا أن المعتزلة يقولون: هو في الدنيا في منزلةٍ بين منزلتين، والخوارج يقولون: هو كافر، وفي الآخرة يكون عندهم مخلدًا في النار عند الجميع.

أهل السنة وفقهم الله للحق؛ جمعوا بين نصوص الوعد والوعيد، قالوا: هو مؤمن بإيمانه، وفاسق بكبيرته، فكونه يقول: لا إله إلا الله لا تنفعه، ولهذا المنافقون كانوا يقولون: لا إله إلا الله؛ كما قال سبحانه: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ [المنافقون: 1]. هم يشهدون: أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ومع ذلك قال الله فيهم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء: 145]. هل نفعهم نطقهم بالشهادة؟ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله؟

ما نفعهم، يعني كون الإنسان قد يقول: لا إله إلا الله، لكن لا بد أن يقوم بحق لا إله إلا الله، ومن حقها: إقامة الصلاة، ولهذا؛ لمَّا أراد أبو بكر  أن يقاتل من منع الزكاة، قال له عمر وبعض الصحابة : كيف تقاتلهم وهم يقولون: لا إله إلا الله؟! فقال: لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، وإنها من حقها، فمن حق لا إله إلا الله: أن يقوم بما أوجب الله تعالى عليه، وبما فرض الله تعالى عليه، ومن ذلك: الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام.

وتجد أن بعض الكفار يقولون: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، الآن الذين يطوفون بالقبور، ويدعونها من دون الله، يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، يدعو صاحب القبر من دون الله ​​​​​​​، ويستغيث به من دون الله ​​​​​​​، يسأله المدد، هذا وقع في الشرك الأكبر، ومع ذلك هو يقول: لا إله إلا الله. فهذا لا تنفعه لا إله إلا الله في هذه الحال؛ كالمنافقين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ومع ذلك قال الله عنهم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء: 145].

من تيمم لصلاة الظهر هل يصح أن يصلي به العصر؟

السائل: إذا تيمم شخص لصلاة الظهر، وبعد انقضاء الصلاة إلى صلاة العصر لم يحدث هل يلزمه أن يتيمم لصلاة العصر؟

الشيخ: هذا يجري على الخلاف؛ إذا قلنا: إن التيمم مبيح لا رافع. فلا بد أن يتيمم مرة أخرى لصلاة العصر، لكن على القول الذي رجحناه: أن التيمم رافع للحدث، وأنه بدل عن الماء، يكفيه تيممه الأول.

السائل: إذا كان لديه ماء للصلاة الثانية، وأنت تقول: يتوضأ، وهو على طهارة التيمم؟

الشيخ: لا بد، إذا حضر الماء بطل التيمم.

السائل: لكنه على طهارة التيمم.

الشيخ: تبطل مباشرة، إذا وجد الماء بطلت طهارة التيمم.

السائل: كذلك الغسل؟

الشيخ: كذلك الغسل، نعم.

السائل: لكن في قصة عمرو بن العاص الرسول أقره، لكن ما قال له اغتسل؟

الشيخ: هو تيمم وصلى ثم رجع، ولا بد أن يغتسل، حكي إجماع العلماء على هذا، يعني المسألة ليس فيها حتى خلاف.

حكم صلاة الجماعة في الاستراحات وترك المسجد

السائل: بالنسبة لبعضهم يأتي للاستراحات، ويجد بعضهم قد صلى في الاستراحة، فيتركون صلاة الجماعة ويصلون في الاستراحة، وهم مجموعة؟

الشيخ: قصدك: يتركون الصلاة في المسجد؟ وإلا هم جماعة؟

السائل: نعم.

الشيخ: لكن هل المسجد قريب منهم يسمعون النداء؟ إذا كانوا يسمعون الأذان فلا بد من الصلاة في المسجد، أما إذا كانوا لا يسمعون النداء، فلهم أن يصلوا في الاستراحة، إذا كانت الاستراحة بعيدة لا يسمعون الأذان لهم أن يصلوا جماعة فيها، أما إذا كان المسجد قريبًا فلا بد أن يصلوا في المسجد، لقول النبي في الحديث الصحيح عند أبي داود وغيره: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له؛ إلا من عذر [17]. لكن إذا كانوا لا يسمعون النداء جاز لهم أن يصلوا في الاستراحة، إلا إذا كان هناك مصلحة راجحة في صلاتهم جماعة في مكانهم؛ مثل: الدوائر الحكومية، لهم أن يصلوا في مصليات الدوائر الحكومية، الطلاب في المدارس، لهم أن يصلوا فيها، ولا يلزمهم الذهاب للمساجد؛ لأن في ذلك ضررًا؛ لأنه ربما يحصل الضرر بتفلت الموظفين والطلاب ونحوهم، فلهذا؛ رخص العلماء في مثل هذه القضايا، أن يصلوا جماعة في أماكنهم، لكن إذا لم يكن هناك عذر، مثلما ذكرت، في استراحة ليس لهم عذر إذا كان المسجد قريبًا فلا بد أن يصلوا في المسجد، أما إذا كان المسجد بعيدًا فلا حرج في أن يصلوا جماعة في مكانهم، يعني في استراحتهم.

يسأل عن إدراك الركوع؟

يدرك الركوع إذا أمكن أن يركع؛ بحيث تمس يداه ركبتيه قبل رفع الإمام بأدنى انحناء؛ بحيث تمس يداه ركبتيه قبل رفع الإمام -بعضهم يقول- بتسبيحة واحدة، أنه يدرك بتسبيحة واحدة، لكن ما ذكرته هو الأقرب.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 3887.
^2 رواه مسلم: 178.
^3 رواه البخاري: 349، ومسلم: 163.
^4 رواه البخاري: 527، ومسلم: 85.
^5 رواه مسلم: 488.
^6 رواه مسلم: 987.
^7 رواه مسلم: 82.
^8 رواه مسلم: 67.
^9 رواه الترمذي: 2621، وابن ماجه: 1079، وأحمد: 22937.
^10 رواه مسلم: 653.
^11 رواه أبو داود: 4402، والترمذي: 1423، وابن ماجه: 2042.
^12 رواه البخاري: 893، ومسلم: 1829.
^13 رواه البخاري: 533، ومسلم: 615.
^14 رواه مسلم: 31.
^15 رواه البخاري: 5984، ومسلم: 2556.
^16 رواه مسلم: 105.
^17 رواه ابن ماجه: 793.