الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(9) باب نواقض الوضوء- من قوله: “أحدها: الخارج من السبيلين..”
|categories

(9) باب نواقض الوضوء- من قوله: “أحدها: الخارج من السبيلين..”

مشاهدة من الموقع

باب نواقض الوضوء

قال المؤلف رحمه الله:

باب نواقض الوضوء

مفسداته، وهي المفسدات التي إذا طرأت على الوضوء فإنه يبطل، وحصرها المؤلف في ثمانيةٍ، قال:

أحدها: الخارج من السبيلين

أحدها: الخارج من السبيلين.

المراد بالسبيلين

والمراد بالسبيلين: مخرج البول، ومخرج الغائط، سمي سبيلًا؛ لأنه يخرج منه الخارج، فيشمل البول والغائط والريح، فيسمَّيان بالسبيلين، إذنْ الخارج من السبيلين قلنا: يشمل كل ما خرج من السبيلين، فيشمل ذلك البول، ويشمل ذلك الغائط، ويشمل ذلك الريح، أيضًا يشمل كذلك خروج المني، فإنه ينتقض به الوضوء، كذلك أيضًا المذي والودي.

الفرق بين المذْي والودْي

ما الفرق بين المذْي والودْي؟

المذي بالذال: سائلٌ لزجٌ يخرج عند اشتداد الشهوة، فهو مرتبطٌ بالشهوة.

والودي بالدال: سائلٌ لزجٌ يميل للبياض، يخرج عقب البول، ويخرج من بعض الناس، وليس من كل الناس، بينما المذي أكثر من الودي في الناس، والمنِيُّ يخرج من الجميع، يخرج من الرجل، ويخرج أيضًا من المرأة، لكن مني الرجل يختلف عن المرأة، فهذه كلها تدخل في قوله: “الخارج من السبيلين”.

كذلك أيضًا: إذا خرج من السبيلين الدم، فإنه ينقض الوضوء، فالدم الذي يخرج من الفرج ينقض الوضوء، ومن ذلك دم الحيض، ومثل ذلك: دم الاستحاضة ودم الفساد، هذه كلها تنقض الوضوء.

وعند المالكية: أن الأحداث المستديمة؛ كسلس البول، ودم الاستحاضة، لا تنقض الوضوء ما لم يوجد المعتاد، وهذا أيضًا ذكر أن شيخ الإسلام ابن تيمية يرجحه، لكن هذا محل نظرٍ، أظهره: ما عليه أكثر العلماء: أن كل خارجٍ من السبيلين فإنه ينقض الوضوء، سواءٌ كان بولًا أو غائطًا أو ريحًا أو دمًا، أو منيًّا أو مذيًا أو وديًا، كل خارج من السبيلين ينقض الوضوء.

ولهذا قال المؤلف:

قليلًا كان أو كثيرًا.

قوله: “طاهرًا كان أو نجسًا”، هل هناك خارج من السبيلين يكون طاهرًا؟ نعم، وهو المني -على القول الراجح- يكون طاهرًا، قال:

الثاني: خروج النجاسة من بقية البدن

الثاني: خروج النجاسة من بقية البدن، فإن كان بولًا أو غائطًا، نقض مطلقًا.

كيف يخرج البول والغائط من غير السبيلين؟ انظر إلى دقة الفقهاء وعنايتهم، يعني هذه المسألة ليست موجودةً في زمن المؤلف، ولا زمن الفقهاء المتقدمين، لكنهم ذكروها، ووُجِدت في الوقت الحاضر؛ وذلك فيمن تُستأصل أمعاؤه، خاصةً ممن يصابون بسرطان القولون مثلًا -عافانا الله وإياكم منه- فتستأصل أمعاؤه، يستأصل القولون، ويوضع له مخرجٌ للبول والغائط، يُفتح له فتحةٌ في أسفل البطن، فهنا يخرج البول والغائط من غير السبيلين، فهل هذا ينقض الوضوء؟

نقول: نعم، ينقض الوضوء؛ ولهذا قال المؤلف: “فإن كان بولًا أو غائطًا نقض مطلقًا”، قال:

حكم خروج الدم والقيء من غير السبيلين

وإن كان غيرهما؛ كالدم والقيء، نقض إن فحُش في نفس كل أحدٍ بحسبه.

لم يشر المؤلف إلى الريح، وظاهر كلام بعض فقهاء الحنابلة: أن الريح لا تنقض إذا خرجت من غير السبيلين، وقال بعض العلماء: إنها تنقض، قال والأقرب أنها تأخذ حكم البول والغائط.

وأما الدم والقيء من غير السبيلين، فيقول المؤلف: “إنه ينقض الوضوء إن فحُش” يعني: إن كان كثيرًا.

أما القيء فقد جاء في حديث ثوبان : أن النبي قاء فتوضأ [1]، وهذا الحديث من العلماء من ضعف إسناده، ومنهم من حسنه؛ كالألباني، ولكن على تقدير ثبوته، ليس بصريحٍ في أن القيء ينقض الوضوء، ومعلومٌ أن النبي يطلب أفضل الأمور، وأيضًا حريصٌ عليه الصلاة والسلام على النظافة، فيحتمل أنه إنما توضأ؛ طلبًا لإكمال النظافة، ولهذا؛ فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث على أن القيء ينقض الوضوء.

وهكذا أيضًا بالنسبة للدم، ليس هناك دليلٌ ظاهرٌ يدل على أن الدم ينقض الوضوء من غير السبيلين طبعًا، ولهذا؛ ذهب جمعٌ من أهل العلم إلى أن الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، ما عدا البول والغائط وما كان في معناهما؛ كالريح، وهذا هو قول الشافعي، وهو روايةٌ عن الإمام أحمد، وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

وبناءً على ذلك: خروج الدم من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، القيء لا ينقض الوضوء، كل خارجٍ من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، هذا هو القول الراجح -والله أعلم- في هذه المسألة، وذلك؛ لأن الأصل عدم النقض، ولم يرد دليلٌ يدل على انتقاض الوضوء في الخارج من السبيلين من غير البول والغائط، وقلنا: حديث ثوبان ، أن النبي قاء فتوضأ [2]، أخرجه أبو داود وأحمد والترمذي، لكنه كما قلنا: إنه ضعيفٌ، ولو صح فإنه مجرد فعلٍ لا يدل على الوجوب.

ولكن هنا أنبه إلى أن بعض الناس يَخلِط بين هذه المسألة وبين مسألة الدم، هل هو نجسٌ أم طاهرٌ؟ بينهما فرقٌ؛ الدم هل هو نجسٌ أم طاهرٌ؟ هذه مسألةٌ، وخروج الدم من غير السبيلين، هل ينقض الوضوء أم لا؟ مسألةٌ أخرى مستقلةٌ عنها، فبعض الناس يخلط بينهما، أما خروج الدم من غير السبيلين فالصحيح أنه لا ينقض الوضوء مطلقًا، قل أم كثر؛ لأنه كما ذكرنا ليس هناك دليلٌ يدل على أن خروج الدم من غير السبيلين ينقض الوضوء أم لا، لكن هل الدم نجسٌ أم لا؟

لعل هذه المسألة ستأتي إن شاء الله، والقول الصحيح: أنه نجسٌ، إلا أنه يعفى عن يسيره، وقد حَكَى الإجماع على ذلك غير واحدٍ من أهل العلم، حكي إجماع المتقدمين على ذلك، لعلنا -إن شاء الله تعالى- نأتي بمن حكى الإجماع عندما ترد هذه المسألة في حينها -إن شاء الله تعالى- في الدرس القادم.

إذنْ الصواب خلاف ما ذهب إليه المؤلف، الصواب: أن ما كان من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، إلا أن يكون بولًا أو غائطًا.

الثالث قال:

الثالث: زوال العقل أو تغطيته

زوال العقل أو تغطيته بإغماءٍ أو نومٍ، ما لم يكن النوم يسيرًا عرفًا من جالسٍ وقائمٍ.

زوال العقل: إما أن يكون زوال العقل بالكلية، وهو الجنون، وإما أن يكون تغطية العقل بما يوجب ذلك مدةً معينةً؛ كالإغماء والنوم والسكر، ونحو ذلك.

أما زوال العقل بالكلية بالجنون، وهكذا تغطية العقل بالكلية؛ كتغطيته بالسكر مثلًا، فهو ناقضٌ للوضوء، قلَّ ذلك أم كثر، وقد حُكي الإجماع على ذلك، وممن حَكى الإجماع على هذا: الموفق بن قدامة، والنووي، وابن المنذر.

وبناءً على ذلك: لو أن شخصًا أتى للمسجد مثلًا يريد أن يصلي، ثم أغمي عليه وفقد وعيه ثم أفاق، فهل انتقض وضوؤه؟ نقول: نعم انتقض وضوؤه، يعني مثلًا من تأتيه نوبات صرعٍ حتى يفقد عقله، فإذا كان متوضئًا ثم صُرع، يكون قد فقد وضوءه.

طيب، بعض الناس ينخفض عندهم السكر، وأيضًا يصاب بإغماءٍ، ثم يعطَى شيئًا من سكَّرٍ فيُفيق، هذا انتقض وضوؤه؟ نعم انتقض وضوؤه، إذا فقد العقل ولو وقتًا يسيرًا فيكون قد انتقض وضوؤه، وهذا بإجماع العلماء.

وهكذا السُكْر؛ لأن السكر يغطي العقل، على أن السكر أيضًا قد يقال فيه تفصيل؛ لأن السكر قد يغطي العقل بالكلية، وقد لا يغطيه بالكلية، وإنما يغطيه بدرجةٍ أقل، لكن الأصل فيه أنه إذا غطَّى العقل بالكلية أنه ينقض الوضوء.

هل النوم ينقض الوضوء؟

أما النوم فقد اختُلف فيه على أقوالٍ كثيرةٍ:

فالمذهب عند الحنابلة: أن النوم ناقضٌ للوضوء ما لم يكن النوم يسيرًا عرفًا من جالسٍ وقائمٍ، كما قال المؤلف.

والقول الثاني في المسألة: أن النوم إنما ينقض الوضوء إذا كان النوم مستغرقًا يزول معه الشعور؛ بحيث لو خرج منه شيءٌ لما أحس به، فينتقض الوضوء، وبحيث إنه لو كان في مجلسٍ لما أحس بمن حوله من الحاضرين إذا كانوا يتحدثون، فهذا النوم ينقض الوضوء، والدليل لهذا: قول النبي في حديث صفوان بن عسالٍ : “أُمرنا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيامٍ بلياليهن إذا كنا سَفْرًا، ولكن من بولٍ وغائطٍ ونومٍ [3]، وهو حديثٌ صحيحٌ.

فقرن النوم بالبول والغائط، وهو حديثٌ صحيحٌ، فدل هذا على أن النوم ينقض الوضوء، أما إذا كان النوم ليس مستغرقًا؛ وإنما مجرد نعاسٍ؛ بحيث لا يزول معه الشعور بالكلية، وبحيث إنه يسمع كلام من حوله لو تكلم، لكنه لا يفهم كلامهم، فهذا يُسمَّى نعاسًا، وهذا لا ينقض الوضوء، والدليل لهذا: حديث أنسٍ : أن الصحابة كانوا ينتظرون العشاء على عهد النبي حتى تخفق رؤوسهم، ويصلون ولا يتوضؤون [4]، وهذا جاء في الصحيح، وجاء عند أبي داود: “يضعون جنوبهم” [5]، وهذا يدل على أن مجرد النعاس لا ينقض الوضوء.

ضابط للتفريق بين النعاس والنوم المستغرق

طيب، هل هناك ضابطٌ للتفريق بين النعاس وبين النوم المستغرق؟

نقول: نعم، النوم المستغرق يزول معه الشعور، والنعاس لا يزول معه الشعور بالكلية، وأيضًا النوم المستغرق يغلب على العقل ولا يحس الإنسان بمن حوله، بينما النعاس لا يغلب على العقل، وإنما تفتر الحواس؛ ولهذا قال الزركشي: “لا بد في النوم الناقض من الغلبة على العقل، فمن سمع كلام غيره وفهمه فليس بنائمٍ، ومن سمعه ولم يفهمه فهو نومٌ يسيرٌ -الذي هو النعاس- وإن لم يسمعه فهو نومٌ مستغرقٌ”، فأنت أحيانًا يكون مثلًا عندك نعاسٌ تسمع حولك أصواتًا ولا تفهمها، هذا نعاسٌ، أما إذا كنت لا تحس بمن حولك فهذا نومٌ مستغرقٌ، إذا كنت تسمعها وتفهمها فهذا ليس بنومٍ مستغرقٍ ولا بنعاسٍ.

فإذنْ النوم المستغرق هو الذي ينقض الوضوء، النعاس لا ينقض الوضوء، هذا هو القول الصحيح في هذه المسألة، وهو الذي يفتي به مشايخنا؛ سماحة الشيخ عبدالعزيز بن بازٍ والشيخ محمد بن عثيمين رحمهم الله تعالى، وهو الذي تجتمع به الأحاديث الواردة في هذا.

وبهذا يعلم الجواب عمن يسأل، بعض الناس يأتون يوم الجمعة مبكرين، ويصيبهم شيءٌ من النعاس، هل يؤمرون بالوضوء أم لا؟

نقول: إذا كان نعاسًا خفيفًا، بحيث مثلًا يحسون بمن حولهم، يسمعون الناس يقرؤون القرآن، لكن عندهم فتورٌ في الحواس، هذا لا ينقض الوضوء، لكن لو أن الواحد نام نومًا مستغرقًا، بحيث ما علم بأنه في المسجد، ثم قام وتفاجأ أنه في المسجد الجامع، هذا انتقض وضوؤه.

هل النوم ناقض للوضوء بذاته؟

طيب، هل النوم ناقضٌ للوضوء بذاته؟ أو أنه مظِنةٌ لخروج الناقض؟

نقول: هو في ذاته ليس بناقضٍ، النوم في ذاته ليس ناقضًا، لكنه مظنةٌ لخروج ناقضٍ للوضوء، فأقام الشارع هذه المظنة مقام الحقيقة، وإلا فالنوم ليس كخروج البول والغائط، هو في ذاته ليس بناقضٍ، لكن هو مظنةٌ لخروج الناقض؛ ولهذا جاء في حديث معاوية ، أن النبي قال: العين وِكَاء السَّهِ، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء [6].

العين وِكَاء: الوكاء هو الخيط، يعني غطاء الدبر، السَّهِ: حلقة الدبر، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء، يعني: أن الإنسان ربما خرج منه شيءٌ وهو لا يحس به.

هذا الحديث ضعيفٌ من جهة الإسناد؛ ولهذا لم نستشهد به، رواه أحمد والدارقطني والبيهقي، ورُوي من طرقٍ أخرى؛ رواه أيضًا أبو داود وابن ماجه، وبعض أهل العلم حسَّنه؛ كالمنذري، وابن الصلاح، والنووي، والألباني، ولكن أكثر العلماء على أنه حديثٌ ضعيفٌ.

الرابع: مس الفرج

قال:

الرابع: مسه بيده -لا ظفره- فرجَ الآدمي المتصل بلا حائلٍ.

 إذنْ: الناقض الرابع من نواقض الوضوء: مس الذكر، وهذه المسألة -مسألةٌ مس الذكر- اختلف فيها العلماء، وسبب الخلاف هو الخلاف في الأحاديث المروية في هذه المسألة، والذي رُوي في ذلك حديثان، نأتي أولًا على هذه الأحاديث، ثم نُفَرِّع عليها كلام العلماء:

الحديث الأول: حديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنها، أن النبي قال: من مس ذكره فليتوضأ [7]، هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، أخرجه الخمسة، وصححه الترمذي وابن حبان، وقال البخاري: إنه أصح حديثٍ في الباب، وأيضًا صححه الإمام أحمد، كما نقل ذلك عبدالله بن أحمد عن الإمام أحمد أنه صححه، ومعلومٌ أن الإمام أحمد إمامٌ في الحديث، وإذا صحَّح حديثًا لا شك أن تصحيحه له شأنه واعتباره، وأيضًا صحح هذا الحديث ابن معين والبيهقي، فعامة الحفاظ على تصحيحه من جهة الإسناد، فيكون حديثًا ثابتًا: من مس ذكره فليتوضأ.

الحديث الثاني الذي رُوي في هذه المسألة: حديث طَلْق بن عليٍّ  قال: كنت جالسًا عند النبي فأتاه رجلٌ فقال: الرجل يمس ذكره في الصلاة، عليه وضوء؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا، إنما هو بَضْعَةٌ منك [8]، وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وصححه بن حبان، وقال ابن المديني: “هو أحسن من حديث بسرة”، لاحِظ، قول ابن المديني يقابل قول البخاري، البخاري قال: “إن حديث بسرة أصح”، ابن المديني قال: “لا، إن حديث طلقٍ أحسن من حديث بسرة”، وأيضًا قال الطحاوي: “هو حديثٌ صحيحٌ مستقيمٌ، غير مضطربٍ في إسناده ولا متنه”.

ومن العلماء من ضعفه، حديث طلقٍ من العلماء من ضعفه، بخلاف حديث بسرة، وممن ضعف حديث طلقٍ: الدارقطني والبيهقي وابن الجوزي.

والأقرب: أنه حديثٌ ثابتٌ، كما قال ابن المديني والطحاوي، فهو إما حسنٌ أو صحيحٌ.

فيكون إذنْ عندنا حديثان صحيحان في هذه المسألة: حديث بسرة رضي الله عنها: من مس ذكره فليتوضأ، وحديث طلقٍ : إنما هو بضعة منك.

وظاهر هذين الحديثين التعارض؛ حديث بسرة يدل على أن مس الذكر ينقض الوضوء، وحديث طلقٍ يدل على أنه لا ينقض الوضوء، ومن هنا اختلف العلماء في هذه المسألة:

فذهب بعضهم إلى أن مس الذكر مطلقًا ينقض الوضوء.

وذهب آخرون إلى أنه لا ينقض الوضوء مطلقًا، وهم الجمهور، والجمهور على أن مس الذكر لا ينقض الوضوء مطلقًا.

والقول الثالث في المسألة: أنه إن كان مس الذكر لشهوةٍ فهو ناقضٌ للوضوء، وإن كان لغير شهوةٍ فليس بناقضٍ، وهذا هو القول الراجح في هذه المسألة، والله أعلم.

أما إذا كان مس الذكر لشهوةٍ فينقض الوضوء؛ لحديث بسرة رضي الله عنها: من مس ذكره فليتوضأ.

وأما إذا كان لغير شهوةٍ فلا ينقض الوضوء؛ لحديث طلقٍ .

طيب، لماذا حملنا حديث طَلْقٍ  على مس الذكر لغير شهوةٍ؟ لأنه قال: إنما هو بضعةٌ منك، ومعنى: بضعة منك يعني: قطعةٌ وعضوٌ كسائر الأعضاء، وهذا إنما يكون عند مس الذكر بغير شهوةٍ، وأيضًا مما يدل لهذا: أنه ورد في حديث طَلْق بن عليٍّ: أن النبي سُئل عن مس الذكر في الصلاة، ومعلومٌ أن الذي يمس ذكره في الصلاة يمسه بشهوةٍ أو بدون شهوةٍ؟ بدون شهوةٍ.

فهذه القرائن تدل على أن المقصود بحديث طَلْق بن عليٍّ : مس الذكر بدون شهوةٍ؛ ولأن الحكمة فيما يظهر -والله أعلم- من كون مس الذكر ينقض الوضوء: أنه إذا مسه لشهوةٍ فهو مظِنةٌ لخروج المذي، ومن المعلوم أن المذي يخرج من الإنسان بغير شعوره، عندما يخرج المذي من الإنسان لا يحس به، بخلاف غيره، ولهذا؛ جعل النبي عليه الصلاة والسلام مس الذكر بشهوةٍ مطلقًا ينقض الوضوء؛ لأنه مظِنةٌ لخروج المذي.

هذا هو الأقرب والله أعلم؛ لأنه بهذا القول تجتمع الأحاديث الواردة، يمكننا الجمع بين حديث طَلْق بن عليٍّ، وحديث بسرة بنت صفوان.

وبناءً على ذلك: من كان مثلًا يلبس سراويله، ثم مس ذكره من غير قصدٍ، فبناءً على القول الأول أنه ينتقض وضوؤه، بناءً على القول الراجح: لا ينتقض وضوؤه؛ لأنه مسه بغير شهوةٍ.

المرأة إذا كانت تغسل صبيها ومست ذكره، أيضًا على القول الراجح أنه لا ينتقض وضوؤها.

هنا قال: “مسه بيده، لا ظفره” يعني: لا بد أن يكون المس باليد، والمقصود باليد عند الإطلاق: الكف، ولهذا قال الله : وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيُهُمَا [المائدة:38]، المقصود: أَكُفُّهما بالإجماع، ولهذا قال: “لا ظفره”، يعني: لو مس بالظفر، فإنه لا ينتقض الوضوء، إنما هذا خاصٌّ بالكف فقط.

قال: “فرج الآدمي المتصل”، يعني: ذكره، وكذلك أيضًا بالنسبة للمرأة، أيضًا فرجها هو الذكر بالنسبة للرجل.

قال: “المتصل بلا حائلٍ”، يعني: لا بد أن يكون الفرج متصلًا؛ احترازًا من البائن، الذي سيتكلم عنه المؤلف بعد قليلٍ.

 “بلا حائلٍ”: لا بد أن يكون المس بلا حائلٍ، أما إذا كان المس من وراء حائلٍ، فإنه لا ينقض الوضوء في قول عامة أهل العلم، ويدل لذلك: قول النبي : إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس دونها سترٌ فقد وجب الوضوء [9] وهذا الحديث أخرجه أحمد والدارقطني والبيهقي، ونقل الحافظ ابن حجرٍ في “تلخيص الحبير” عن ابن عبدالبر والحاكم تصحيحه، كذلك أيضًا رواه ابن حبان، وقال: هو حديثٌ صحيحٌ، وصححه ابن السكن.

الحديث مرةً أخرى: إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس دونها سترٌ فقد وجب الوضوء.

وقوله:

ليس دونها سترٌ.

دليلٌ على أنه إذا مس ذكره من وراء حائلٍ لا ينتقض وضوؤه، في قول عامة أهل العلم، خاصةً أكثر العلماء؛ المالكية والشافعية والحنفية، يرون أن مس الذكر لا ينقض الوضوء، إنما الذي قال: إنه ينقض الوضوء الحنابلة فقط، والحنابلة يقولون: لا بد أن يكون أيضًا من غير حائلٍ، فلو مس ذكره مثلًا من وراء اللباس لا ينقض الوضوء في قول عامة أهل العلم، قال:

أو حلقة دبره.

يعني: مس حلقة الدبر هو كمس الذكر قياسًا عليه، قال:

لا مس الخُصْيتين.

يعني: فلا ينتقض الوضوء من مس الخُصيتين، وإنما هو خاصٌّ بالذكر.

ولا مس محل الفرج البائن.

يعني: لو قُدِّر أنه قطع ذكره مثلًا، فأتى إنسانٌ ومس هذا الذكر، نقول: إنه لا ينتقض الوضوء؛ لكونه بائنًا، هذه مسألةٌ نادرة الوقوع.

الخامس: مس الرجل المرأة والمرأة الرجل بشهوة

قال:

الخامس: لمس بشرة الذكر الأنثى، أو الأنثى الذكرَ، لشهوةٍ من غير حائلٍ.

يعني: مس الرجل المرأة، والمرأة الرجل.

قال: “لشهوةٍ”، وهذا هو المذهب عند الحنابلة: أن مس المرأة لشهوةٍ ينقض الوضوء، وهكذا مس المرأة الذكر بشهوةٍ ينقض الوضوء، واستدلوا بقول الله تعالى: أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43]، قالوا: المقصود بذلك مس المرأة بشهوةٍ.

وهذه المسألة اختلف فيها العلماء:

فمن أهل العلم من قال: إن مس المرأة ينقض الوضوء مطلقًا، سواءٌ كان بشهوةٍ أو بدون شهوةٍ، حتى لو كانت زوجته، لمسها انتقض وضوؤه، لو مس أمه أو إحدى محارمه، أو سلم عليها انتقض وضوؤه، وهذا هو المذهب عند الشافعية، وهذا القول أضعف الأقوال.

القول الثاني في المسألة، وهو المذهب عند الحنابلة، وقول المالكية: إذا كان مس المرأة لشهوةٍ ينقض الوضوء، وإذا كان لغير شهوةٍ لا ينقض الوضوء.

والقول الثالث: أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا، سواءٌ كان لشهوةٍ أو لغير شهوةٍ.

أما أصحاب القول الأول والثاني: فقد استدلوا بظاهر الآية: أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43]، وجاء في قراءةٍ سبعيةٍ، قرأ بها حمزة والكسائي: أَوْ لَـمَسْتُمُ النِّسَاءَ، لكن أصحاب القول الأول -وهم الشافعية- قالوا: إن هذا عامٌّ في اللمس بشهوةٍ وبغير شهوةٍ، وأما الجمهور وهم المالكية والحنابلة فخصوا ذلك بالمس لشهوةٍ، قالوا: ولأن الشهوة مظنة الحدث، فوجب حمل الآية عليه.

والقول الثالث: أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا، سواءٌ كان لشهوةٍ أو لغير شهوةٍ، وهذا هو مذهب الحنفية، وهو روايةٌ عن الإمام أحمد، وهو الذي عليه أكثر المحققين من أهل العلم، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وهو اختيار شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ والشيخ محمد بن عثيمين رحمهم الله، وهو القول الراجح: أن مس المرأة لا ينقض الوضوء، سواءٌ كان بشهوةٍ أو بدون شهوةٍ، هذا هو القول الصحيح في المسألة، ويدل لذلك أدلةٌ كثيرةٌ؛ منها:

حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي قبَّل بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة [10]، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وصححه ابن عبدالبر، وإن كان قد أعله بعض الحفاظ؛ كالبخاري.

وأيضًا يدل لذلك: ما جاء في “صحيح مسلمٍ” عن عائشة رضي الله عنها قالت: “فقدت النبي ، فوضعت يدي على باطن قدميه وهو ساجدٌ…” [11]، ومعلوم أنه لو كان مس المرأة ينقض الوضوء بدون شهوةٍ لقطع النبي صلاته، وأعاد وضوءه.

وأيضًا حديث عائشة رضي الله عنها في “الصحيحين”، أن النبي كان يصلي من الليل، فكانت تمد رجليها، فكان إذا أراد السجود غمزها فكفَّت رجليها [12]، فهنا مس النبي عليه الصلاة والسلام زوجه عائشة رضي الله عنها، ولو كان مس المرأة ينقض الوضوء لما فعل النبي ذلك؛ ولأن الأصل عدم النقض حتى يرد دليلٌ صحيحٌ يدل على النقض.

وأما قول الله تعالى: أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43]، فالمراد بالملامسة هنا: الجماع، كما قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما، المراد بالملامسة: الجماع، قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: “إن ربكم حييٌّ كريمٌ، يُكنِّي -يعني عن ذكر الجماع- بالملامسة”، فتفسير الملامسة المقصود به: الجماع، وليس على ظاهره.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “إيجاب الوضوء من مس النساء بغير شهوةٍ قولٌ شاذٌّ ليس له أصلٌ في الكتاب ولا في السنة، ولا في أثرٍ عن أحدٍ من سلف الأمة، ولا هو موافقٌ لأصول الشريعة”، لم يُنقل عن أحدٍ من الصحابة أنه قال: مس المرأة بدون شهوةٍ ينقض الوضوء، وإنما قال به من قال من الفقهاء، واعتمده الشافعية، لكنه قولٌ ضعيفٌ جدًّا.

ولهذا كما قال شيخ الإسلام هو مخالفٌ للأصول والقواعد، وليس عليه دليلٌ.

يبقى أيضًا قول الحنابلة: أنه إذا كان بشهوةٍ ينقض الوضوء، ليس عليه دليلٌ أيضًا.

ولهذا؛ فالصواب: أن مس المرأة مطلقًا لا ينقض الوضوء، سواءٌ كان بشهوةٍ أو بغير شهوةٍ.

المؤلف فرَّع على هذه المسألة، قال: “من غير حائلٍ”، يعني: لو كان بحائلٍ عنده لا ينقض الوضوء، نحن قلنا: لا ينقض الوضوء مطلقًا، قال:

ولو كان الملموس ميتًا أو عجوزًا أو مَحْرمًا.

يعني: لا يختلف الحكم.

“لا لمس مَن دونَ سبعٍ، ولا لمس سنٍّ وظفرٍ وشعرٍ، ولا اللمس بذلك.

نحن قلنا: على القول الراجح، لا نحتاج لهذا التفريع كله، رجحنا: أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا، لا لشهوةٍ ولا لغير شهوةٍ؛ ولهذا فلسنا بحاجةٍ لهذه التفريعات، قال:

ولا ينتقض وضوء الممسوسِ فرجُه، والملموسِ بدنُه، ولو وَجَد شهوةً.

هذا كله تفريعٌ على القول المرجوح، وإلا على القول الراجح: لا ينقض الوضوء مطلقًا.

السادس: غسل الميت أو بعضِه

قال:

السادس: غسل الميت أو بعضِه.

ثم فسَّر المؤلف المقصود بالغاسل، قال:

والغاسل: هو من يقَلِّب الميت ويباشره، لا من يصب الماء.

وهذا القول انفرد به الحنابلة، وإلا بقية المذاهب -مذاهب العلماء- على أن تغسيل الميت لا ينقض الوضوء، فقوله: “غسل الميت”، يعني: تغسيل الميت، والحقيقة أنه قد رُوي في ذلك حديثٌ، لكن حديثٌ ضعيفٌ: من غسَّل ميتًا فليغتسل [13]، حديثٌ ضعيفٌ عند جميع المحدثين، لا يصح ولا يثبت، لكنه رُوي عن ابن عمر وأبي هريرة وابن عباس : أنهم أمروا غاسل الميت بالوضوء، قالوا: وربما أن غاسل الميت يمس فرج الميت، ومس الفرج من نواقض الوضوء.

والصواب ما عليه أكثر أهل العلم: من أن تغسيل الميت لا ينقض الوضوء مطلقًا؛ إذ لا دليل يدل على أن تغسيل الميت ينقض الوضوء، والحديث المروي في ذلك حديث لا يصح ولا يثبت، وأما ما ورد عن بعض الصحابة  فمحمولٌ عن الاستحباب، معلومٌ أن الغاسل يغسل الميت وينظفه، فيُستحسن في حقه أن يتنظف وأن يتوضأ، فهو محمولٌ على الاستحباب فقط، أما أنهم يرون أن تغسيل الميت ناقضٌ للوضوء فهذا لم يرد حتى عن الصحابة .

ولهذا فالصواب: أن تغسيل الميت لا ينقض الوضوء، والقول بأن تغسيل الميت ينقض الوضوء قولٌ ضعيفٌ؛ ولهذا قال الموفق ابن قدامة: “والصواب: أن تغسيل الميت لا ينقض الوضوء، وهو قول أكثر العلماء” قال: “وهو الصحيح إن شاء الله، وهو قول أكثر العلماء؛ لأنه لم يرد فيه نصٌّ صحيحٌ، ولا هو في معنى المنصوص؛ ولأنه غسل آدميٍّ أشبه غسل الحي”، وهو أيضًا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فيكون الصواب إذنْ: أن تغسيل الميت لا ينقض الوضوء.

السابع: أكل لحم الإبل

السابع: أكل لحم الإبل ولو نَيِّئًا.

وأيضًا أكل لحم الإبل هو من المفردات، إذا قلنا: من المفردات، يعني انفرد به الحنابلة عن بقية المذاهب؛ عن الحنفية والمالكية والشافعية، لاحِظ، هذه المسألة والمسائل هذه كلها، التي هي مس الذكر، وكذلك أيضًا تغسيل الميت، وأكل لحم الإبل، من المفردات عند الحنابلة، ونحن قلنا: إن قول الحنابلة في تغسيل الميت ضعيفٌ، لكن قولهم في مسالة أكل لحم الإبل هو الصواب.

هل أكل لحم الإبل ينقض الوضوء؟

العلماء لهم قولان في المسألة:

  • القول الأول: أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء، وهو قول الحنابلة، وهو من المفردات.
  • والقول الثاني: أن أكل لحم الإبل لا ينقض الوضوء، وهو قول الجمهور؛ من الحنفية والمالكية والشافعية.

والصواب: هو قول الحنابلة؛ لأنه قد ورد في ذلك حديثان صحيحان عن النبي :

الحديث الأول: حديث جابر بن سمرة  أن النبي سُئل: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، قالوا: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت [14]، وهذا في “صحيح مسلمٍ”، وهو صريحٌ في أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء.

والحديث الثاني: حديث البراء أن النبي قال: توضؤوا من لحوم الإبل [15]، وقد رواه أحمد والبيهقي، وهو حديثٌ صحيحٌ.

أما الجمهور فليس لهم دليلٌ يدل على هذا إلا حديث جابرٍ : “كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما مست النار” [16]، وهذا قد أخرجه أصحاب السنن.

وأجيب عن هذا الحديث:

  • أولًا: بأن حديث جابر بن سمرة أصح؛ لأن حدث جابر بن سمرة في “صحيح مسلمٍ”، بينما حديث جابر عن عبدالله هذا ليس في “الصحيحين”، وإنما عند أصحاب السنن، الحديث الأول أصح.
  • ثانيًا: على تقدير صحته، فهو عامٌّ مخصوصٌ، ومعلومٌ أن الخاص يقضي على العام ويخصصه، فيكون هذا من قبيل العام المخصوص.

إذنْ الصواب: أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء.

قال المؤلف: “ولو نَيِّئًا”، أفادنا المؤلف بأنه هل يباح أكل اللحم نيئًا؟ هل نستفيد من عبارة المؤلف الحكم؟

ظاهر كلام المؤلف: أنه يباح أكل اللحم نيئًا، لكن بشرط ألا يضر، لكن لو قال الأطباء: إن أكل لحم الإبل نيئًا يضر، فنقول: لا يجوز للإنسان أن يتناول ما يضره، لكن لو قال الأطباء: إنه لا يضر، فلا بأس به، ولذلك؛ يوجد بعض الناس خاصةً في بعض أجزاء الحيوان كالكبد، من الناس من يأكل الكبد نيئًا، أليس كذلك؟ يوجد من الناس الآن من يأكل الكبد بدون طبخٍ، وربما بعض أهل البوادي أيضًا يأكلون بعض اللحم قريبًا من النيئ، ويرون أن هذا أنه أصح، حتى بعض من كتب في هذا يرون أن الطبخ ربما يُؤثر على الاستفادة الكاملة من اللحوم وما يطبخ عمومًا، يرون أن الطبخ له أثرٌ، على كل حالٍ لا نريد أن نتوسع في هذا، لكن يهمنا الحكم الشرعي في هذا، فنقول: الأصل أنه لا بأس بأكل اللحم نيئًا، بشرط ألا يضر.

فيقول المؤلف: بأن أكل اللحم نيئًا ينقض الوضوء.

هل أكل أجزاء الإبل غير اللحم ينقض الوضوء؟

قال:

فلا نقض ببقية أجزائها؛ ككبدٍ وقلبٍ وطِحالٍ وكَرِشٍ وشحمٍ وكليةٍ ورأسٍ ولسانٍ وسنامٍ وكوارع ومصرانٍ، ومرق لحمٍ.

يعني: أنه لا ينتقض الوضوء بهذه التي ذكر، قالوا: لأن الحديث إنما ورد في اللحم فقط، وهذه ليست لحمًا.

والقول الثاني في المسألة: أن هذه الأجزاء تأخذ حكم اللحم، وأنه لا فرق بين الهَبْر وبقية الأجزاء؛ لأن اللحم في لغة الشارع يشمل جميع الأجزاء، كما قال الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزيرِ… [المائدة:3]، طيب لحم الخنزير، هل هو خاصٌّ باللحم الذي هو الهَبْر؟ لا، يشمل جميع أجزاء الخنزير حتى جلده بالإجماع، يشمل كبد الخنزير وأمعاءه وجلده والمصران، وجميع أجزائه، إذنْ لماذا في لحم الإبل تقولون: لا يشمل؟

ولهذا فالقول الصحيح: أن هذه الأجزاء ينتقض بأكلها الوضوء؛ لأن اللحم إذا أطلق في لغة الشارع، فيشمل جميع أجزاء الحيوان، ولهذا؛ فإنه في الخنزير يشمل جميع الأجزاء، مع أن الآية قد خصت اللحم: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزيرِ… [المائدة:3]، والعلماء مجمعون على أن جميع أجزاء الخنزير تحرم، بما فيها الكبد والطحال والمصران، كل الأجزاء التي ذكرها المؤلف بالنسبة للخنزير يشملها التحريم بالإجماع، فكذلك أيضًا بالنسبة للإبل ينتقض الوضوء بتناول هذه الأجزاء.

وبناءً على ذلك: من أكل كبد إبلٍ أو طحاله أو كرشه أو شحمه أو رأسه أو مصرانه ينتقض الوضوء.

هل مرق لحم الإبل ينقض الوضوء؟

لكن المرق؟

قال: “ومرق لحمٍ”، المرق، هل ينتقض الوضوء بتناول مرق لحم الإبل، أم لا؟

هذه المسألة أكثر ما يرد السؤال عنها في رمضان، يكون هناك من الناس من يتناول مرق لحمٍ، ويكون هذا اللحم لحم حاشٍ مثلًا، ويسأل: هل ينتقض الوضوء بهذا أم لا؟ هو لم يتناول لحمًا لكن مرقًا.

على رأي المؤلف وأكثر العلماء: أنه لا ينتقض الوضوء.

لكن الذي يظهر أن هذا المرق إذا اكتسب طعم اللحم، فالذي يظهر أنه ينقض الوضوء؛ لأن المعنى الذي لأجله قلنا: بأن لحم الإبل ينقض الوضوء موجود في هذا المرق؛ ولهذا تجد أن طعم لحم الإبل موجودٌ في مرق الإبل، هذا إذا كان الطعم واضحًا، أما إذا لم يكن واضحًا، فالذي يظهر أنه لا ينقض الوضوء.

قال:

ولا يحنث بذلك من حلف لا يأكل لحمًا.

وهذا محل نظرٍ؛ نحن قلنا: إن هذه الأجزاء الصحيح أنه يشملها مسمى لحم الإبل؛ ولذلك فإنه يحنث، الصواب خلاف ما ذهب إليه المؤلف.

الثامن: الرِّدَّة

قال:

الثامن:

من نواقض الوضوء.

الرِّدَّة.

والعياذ بالله، إذا ارتد عن دين الإسلام فإنه ينتقض وضوؤه، واستدلوا لذلك بقول الله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، هذا في سورة الزمر، قالوا: والطهارة عملٌ، وحكمها باقٍ فيحبط، وبناءً على ذلك: ينتقض الوضوء، وهذا أيضًا من المفردات عند الحنابلة.

والجمهور على أن الردة لا تنقض الوضوء؛ لقول الله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]، في سورة البقرة، فشرط الله تعالى لحبوط العمل بالردة الموت عليها: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ هذا شرطٌ لحبوط العمل، فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ.

قالوا: فجميع الأعمال لا تحبط إلا بالموت؛ ولذلك لو أن أحدًا حج، ثم ترك الصلاة بالكلية، ثم رجع، وأصبح يصلي فلا يؤمر بإعادة الحج؛ لأنه لم يحبط عمله إلا بالموت، هذا قول الجمهور، هذه وجهة الجمهور، وهي أظهر، والأقرب: هو قول الجمهور، والله أعلم.

فهذه أبرز نواقض الوضوء، لاحِظ أننا وافقنا المؤلف في بعضها، وخالفناه في نواقض أخرى، فهذه هي أبرز نواقض الوضوء.

ثم قال:

وكل ما أوجب الغسل أوجب الوضوء، غيرَ الموت.

هذا يصلح أن يكون ضابطًا، هل يصح أن نقول: قاعدةً؟

ما الفرق بين القاعدة والضابط؟

الضابط: في بابٍ واحدٍ من أبواب الفقه.

القاعدة: في عددٍ من الأبواب.

إذنْ قاعدة: اليقين لا يزول بالشك، هذه قاعدةٌ في عددٍ من الأبواب، لكن الضابط في بابٍ واحدٍ.

هذا يصح أن يكون ضابطاً فقهيًّا: “كل ما أوجب الغسل أوجب الوضوء، غير الموت”، أيضًا هذا ورد في “زاد المستقنع”: “وكل ما أوجب غسلًا أوجب وضوءًا إلا الموت”، هذه عبارة “الزاد”، وهذه القاعدة مطردةٌ، يعني كل ما أوجب الغسل فإنه يوجب الوضوء، فمثلًا خروج المني موجبٌ للغسل، وهو أيضًا موجبٌ للوضوء، وستأتي إن شاء الله تعالى موجبات الغسل، وسنتكلم عنها إن شاء الله.

وينبني على هذا: أن الجنب لا بد أن ينوي رفع الحدثين الأصغر والأكبر، وهذا قال به بعض الفقهاء، والصحيح أنه لا يشترط ذلك، وأنه يكفي أن ينوي رفع الحدث.

استثنى المؤلف الموت، قال: “غير الموت” يعني: الموت موجبٌ للغسل، لكنه لا يوجب الوضوء، فمن مات فإنه يغسل، لكنه لا يجب أن يوضأ.

حكم من تيقن الطهارة وشك في الحدث

قال:

ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة عمل بما تيقن.

وهذا له قاعدةٌ كبرى معروفةٌ عند أهل العلم، قاعدةٌ كبرى وهي قاعدة: “اليقين لا يزول بالشك”، والأصل في هذه القاعدة: حديث عبدالله بن زيدٍ ، أن النبي شُكي إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال النبي : لا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا [17]، متفقٌ عليه.

فأخذ العلماء منه هذه القاعدة، والفقهاء أخذوا منه أيضًا هذا الذي ذكره المؤلف، وهو أن اليقين لا يزول بالشك، فمن تيقن الطهارة وشك في الحدث، فالأصل هو الطهارة، ويعمل باليقين، وهو الطهارة.

مثال ذلك: هذا رجلٌ توضأ وأتى للمسجد، ثم شك: هل خرج منه ريحٌ أو لا؟ أو خرج منه قطرات بولٍ أو لا؟

فنقول: اليقين أنك على طهارةٍ، وهذا الذي شككت فيه مجرد شكٍّ، واليقين لا يزول بالشك، فلذلك نقول: أنت على طهارتك ما لم تتيقن أنك أحدثت؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: لا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا، يعني: كأن النبي قال: لا ينصرف حتى يتيقن، لكنه عبَّر عن اليقين بمثالين، المثال الأول: حتى يسمع صوتًا، والمثال الثاني: حتى يجد ريحًا، وهذا في الحقيقة يريح المسلم؛ لأن بعض الناس عندهم شيءٌ من هذا، وبعض الناس عنده قلقٌ، تجد عنده إشكالًا في المسالك البولية، ويصيبه شيءٌ من القلق، والفقه في هذه المسألة في الحقيقة يريح المسلم كثيرًا.

طيب، لو أنه أتى للمسجد وقد توضأ، ثم غلب على ظنه أنه خرج منه شيءٌ؛ بولٌ مثلًا أو ريحٌ، هل يقطع صلاته؟ غلب على ظنه، لكنه لم يتيقن.

مداخلة:

الشيخ: لا يقطع صلاته، هل وصل إلى درجة اليقين يا إخواني؟ ما وصل، ما وصل إلى درجة اليقين، طيب لو كان (99 %) أنه خرج منه شيءٌ، لكن ما وصل إلى (100%)، يقطع صلاته أم لا؟ ما يقطع صلاته؛ ولهذا قال بعض السلف: “لا يقطع صلاته إلا لو قيل له: احلف أنه خرج منك شيءٌ لحلف”، إذا وصل إلى هذه المرحلة، لاحِظ، الحمد لله دين الإسلام يسرٌ، مبناه على اليسر، وهذا في الحقيقة يقطع دابر الوسواس، لا يقطع صلاته إلا بأمرٍ متيقنٍ؛ بحيث لو قيل له: احلف أنه خرج منك شيءٌ لحلف، أما إذا لم يصل إلى هذه المرحلة، يبني على الأصلٍ، فيبني على اليقين وهو الطهارة.

طيب، لو كانت المسألة بالعكس: رجلٌ أتى للمسجد، ثم شك: هل توضأ أم لم يتوضأ؟

الأصل: أنه لم يتوضأ، واليقين: أنه لم يتوضأ، وقد شك في الوضوء، واليقين لا يزول بالشك، ولذلك نقول له: توضأ، الأصل أنك لم تتوضأ.

طيب، شك في الإتيان بركنٍ، لمَّا مثلًا قام للركعة الثانية شك: هل سجد السجدة الثانية، أم لم يسجد إلا سجدةً واحدةً فقط؟ فنريد أن نطبق هذه المسألة على القاعدة؟

نقول: الأصل أنه لم يأت بالركن، هذا هو اليقين، كونه أتى بالركن هذا أمرٌ مشكوكٌ فيه، ولذلك قال الفقهاء: “ومن شك في ترك ركنٍ فهو كتركه”، فهذه قاعدةٌ مفيدةٌ تدخل في معظم أبواب الفقه.

إذا شك في الصلاة هل صلى أربعًا أم ثلاثًا هذا له حالتان:

إذا كان عنده تحرٍّ وغلبة ظنٍّ، فيعمل بما غلب على ظنه، وإذا لم يكن عنده تحرٍّ ولا غلبة ظنٍّ، فيعمل باليقين، وهو الأقل، ويجعلها ثلاثًا.

ما يحرم على المحدث:

انتقل المؤلف لبيان ما يحرم على المحدث فقال:

  • الصلاة

ويحرم على المحدث الصلاة.

يعني: المحدث -سواءٌ كان حدثًا أصغر أم أكبر- يحرم عليه أن يصلي، بل إن بعض فقهاء الحنفية شددوا في هذه المسألة، فقالوا: إن صلاة المحدث متعمدًا كفرٌ، قالوا: لأن المحدث كونه يصلي وهو يعلم بحدثه فهذا استهزاء بالله ، والاستهزاء بالله كفرٌ، ولكن أكثر العلماء أنه لا يصل إلى درجة الكفر، لكنه قد أثم، لكن ينبغي أن يشاع هذا القول؛ لأن هناك بعض الناس، خاصةً بعض مثلًا طلاب المدارس، بعضهم قد يأتي ويصلي بغير وضوءٍ، فينبغي أن يُبرَز هذا القول؛ يقال: المسألة فيها خطورةٌ، يعني ليست المسألة لا تصح الصلاة فقط، بل تأثم بهذا، وربما بعض الفقهاء قد يرون أنه يكفر؛ لأن هذا استهزاءٌ بالله ، كيف تأتي وتصلي وأنت على غير وضوءٍ؟

  • الطواف

قال:

 والطواف.

الطواف محل خلافٍ بين العلماء، أكثر العلماء على أنه تشترط الطهارة لصحة الطواف، ومن أهل العلم من قال: إن الطهارة ليست بشرطٍ، ولعله يأتي تفصيل بحث هذه المسألة -إن شاء الله تعالى- في درسٍ قادمٍ، لكن أكثر أهل العلم على أن الطهارة شرطٌ لصحة الطواف؛ لقول النبي لعائشة لما حاضت: افعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت ولا تصلي [18].

  • مس المصحف

قال:

ومس المصحف ببشرته بلا حائلٍ.

ويدل لذلك كتاب عمرو بن حزمٍ، الذي كتبه النبي لأهل اليمن، وفيه: وألا يمس القرآن إلا طاهرٌ [19].
وهذا الحديث وإن كان في سنده مقالٌ إلا أنه تلقاه العلماء بالقبول، فهو قد اشتهر وتلقته الأمة بالقبول، وعمل العلماء بما ورد فيه من الأحكام.

ومن الناس من يستدل بقول الله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79]، ولكن هذا الاستدلال لا يصح؛ لأن المقصود بقوله: الْمُطَهَّرُونَ في الآية المقصود بهم من؟ الملائكة؛ بدليل قوله تعالى في الآية الأخرى: كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ۝فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ ۝فِي صُحُفٌ مُكَرَّمَةٍ ۝مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ۝بِأيْدِي سَفَرَةٍ ۝كِرَامٍ بَرَرَةٍ [عبس:11-16]، المقصود بالمطهرين: الملائكة، لكن قال بعض أهل العلم: إن في هذا إشارةً إلى أنكم -أنتم أيها البشر- إذا كان لا يمس هذا القرآن إلا هؤلاء الملائكة المطهرون، فينبغي لكم أيضًا -أيها البشر- ألا تمسوا القرآن إلا وأنتم متطهرون، فربما يستفاد بهذا الاستنباط، وإلا فظاهر الآية لا يستدل به لهذا.

والمذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، على أنه يجب الوضوء عند مس المصحف، ولم يخالف في ذلك إلا الظاهرية، هم الذين قالوا: لا يجب، والصواب: هو ما عليه جمهور أهل العلم، كان الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله يرى أنه لا يجب الوضوء من مس المصحف، وروجع في ذلك، فرجع عن قوله وقال بقول الجمهور، وهو أنه يجب الوضوء لمس المصحف.

ولكن هنا قال: “بلا حائلٍ”، فإذا كان مس المصحف من وراء حائلٍ فلا بأس به، فمثلًا: لو أردت أن تفتح المصحف بشماغك أو غترتك هكذا…، فلا بأس أو بقفازين لا بأس.

طيب، ما رأيكم لو أراد حمل المصحف بالغلاف؟ هل يعتبر مس المصحف بلا حائلٍ أم لا؟ مثلًا المصحف الآن هذا بغلافه، أتى إنسانٌ على غير وضوءٍ وحمل المصحف، يعتبر مس المصحف؟ لا يعتبر مس المصحف، لا بأس به، هذا يكون فيه حائل؛ لأن هذا الغلاف حائلٌ، غلاف المصحف يكون حائلًا، الآن هذا الغلاف يعتبر حائلًا.

المصحف هو هذا المكتوب في ورقٍ، هذا هو المصحف، أما هذا مجرد حائلٍ، فلذلك لا بأس أن تأخذ المصحف وتحمله بغلافه، ونص الفقهاء على هذا، قالوا: لا بأس بحمله بغلافه أو بعلاقته، أو بكيسه هذا لا بأس به، لكن إذا أردت أن تمس الورق هنا لا بد أن تكون على طهارة، انتبهوا لهذه المسألة، الورق كله لا يمس.

مداخلة: هل يشترط الطهارة كذلك لكتب التفسير؟

الشيخ: التفسير إذا كان الغالب هو المصحف والتفسير أقل، فيشترط له أيضًا الطهارة، أما إذا كان الغالب هو التفسير فلا يشترط له الطهارة، وأحد العلماء استشكل “تفسير الجلالين”، هل الغالب المصحف أو التفسير؟ يقول: مشى عليه من الفاتحة، ووجد أنه متساوٍ التفسير مع المصحف، إلى أن وصل سورة المدثر، وجد أن التفسير أكثر، فمشى عليه بهذه الطريقة يقول: إنه وجده متساويًا من البقرة إلى سورة المدثر، حكى هذه بعض أهل العلم، قال:

ويزيد من عليه غسلٌ بقراءة القرآن.

يعني: من كان جنبًا فإنه لا يقرأ القرآن؛ لحديث عليٍّ  أن النبي كان لا يحجبه عن القرآن شيءٌ إلا الجنابة [20].

حكم قراءة القرآن للحائض

وظاهر كلام المؤلف: أن الحائض أيضًا لا تقرأ القرآن، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء على قولين:

فمن العلماء من قال: إن الحائض لا تقرأ القرآن، واستدلوا بحديث أن النبي قال: لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن [21]، ولكن هذا الحديث حديثٌ ضعيفٌ لا يصح، وضعفه الحفاظ، وقالوا: إنه لا يصح، ولا يثبت عن النبي .

والقول الثاني في المسألة: أنه لا بأس أن تقرأ الحائض القرآن، وهذا هو القول الصحيح في المسألة؛ لأنه لم يرد دليلٌ صحيحٌ يدل على منع الحائض من قراءة القرآن، الحديث المروي في ذلك حديثٌ ضعيفٌ، وأيضًا يدل لجواز قراءة الحائض للقرآن قول النبي لعائشة رضي الله عنها: افعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت ولا تصلي [22]، وهذه الرواية بهذا اللفظ وردت في “مسند الإمام أحمد”، وفي “البخاري”: غير ألا تطوفي بالبيت، لكن أيضًا جاء من حديث جابرٍ  في “صحيح البخاري” قال: فأمرها النبي أن تفعل ما يفعل الحاج، غير ألا تطوف بالبيت ولا تصلي [23].

وجه الدلالة: أن النبي نهاها عن أمرين، وهما: الطواف والصلاة، ومعلومٌ أن قراءة القرآن من أفضل أعمال الحاج، ولو كانت الحائض ممنوعةً من قراءة القرآن لبين هذا النبي ، ولأن هذه المسألة تحتاج الأمة إلى بيانها، يعني مما تحتاج إليها نساء الأمة في كل زمانٍ ومكانٍ، فلو كانت الحائض ممنوعةً من قراءة القرآن لبين ذلك النبي بيانًا واضحًا يزول معه كل إشكالٍ، ولأن أيضًا حكمة الشريعة ألا تنقطع الحائض عن قراءة القرآن والاتصال بربها هذه المدة الطويلة، تبقى الحائض في غفلةٍ، ومعلومٌ أن بعض النساء قد يصل الحيض معها من سبعةٍ إلى عشرة أيامٍ، كونها في هذه المدة لا تقرأ شيئًا من القرآن هذا في الحقيقة لا يتفق مع أصول وقواعد وحكمة الشريعة.

الأقرب والله أعلم: أنه لا بأس أن تقرأ الحائض القرآن، لكن تقرؤه من غير أن تمس المصحف، تقرؤه مثلًا بقفازين ونحو ذلك، وهذا هو اختيار شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وهو أنه لا بأس أن تقرأ الحائض القرآن.

  • اللُّبث في المسجد

قال:

واللُّبث في المسجد بلا وضوءٍ.

أي: أنه يحرم على المحدث حدثًا أكبر أن يلبث في المسجد بلا وضوءٍ؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُم سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43]، فنهى الله تعلى الجنب عن المكث في المسجد إلا أن يكون عابر سبيلٍ، يعني يمر مرورًا.

واستثنى المؤلف، قال: “بلا وضوءٍ”، وأفادنا بهذا أنه إذا توضأ فلا بأس أن يلبث في المسجد، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء، والمذهب هو كما قال المؤلف: أن من توضأ فله أن يلبث في المسجد إذا كان جنبًا.

والقول الثاني وهو قول الجمهور: أنه لا يلبث في المسجد -ولو توضأ- ما دام جنبًا، أنه ما دام جنبًا لا يمكث في المسجد ولو توضأ، واستدل الحنابلة لهذا: بما رُوي أن نفرًا من أصحاب النبي كانوا يكونون جنبًا، ثم يبقون في المسجد إذا توضؤوا، وليس هناك دليلٌ غير هذا، وهذا الأثر لو صح فهو اجتهادٌ منهم ، ولهذا؛ الأقرب هو قول الجمهور: وهو أنه لا يجوز المكث في المسجد حتى للجنب، حتى وإن توضأ؛ لأنه ليس هناك دليلٌ ظاهرٌ، ومعلومٌ أن النهي قد ورد بدلالة الآية الكريمة، والاستثناء يحتاج إلى دليلٍ ظاهرٍ من الكتاب أو من السنة، وما رُوي عن بعض الصحابة  أولًا إن صح إسناده، فهو اجتهادٌ منهم .

الأسئلة

نبدأ بالأسئلة الشفهية، نعم تفضل.
السؤال:…؟
الشيخ: المؤذن ليس عابر سبيلٍ، المؤذن في الوقت الحاضر معلومٌ أنه يبقى في المسجد يمكث، المؤذن في الزمن السابق كان يؤذن في المنارة على المنارة والمنارة خارج المسجد لكن المؤذنين في وقتنا الحاضر يؤذنون داخل المسجد، والمؤذن المعلوم أنه يمكث، ليس عابر سبيلٍ، عابر السبيل هو المار، الذي يظهر أن المؤذن ليس له أن يؤذن وهو جنبٌ.
السؤال:…؟
الشيخ: يعني قصدك يحمل حديث طَلْق بن عليٍّ على المس من وراء حائلٍ؟
السؤال:…؟
الشيخ: هذا محتمل، وهذا مما أجاب به من قال بأن مس الذكر أنه ينقض الوضوء مطلقًا وقال: حديث طلق بن عليٍّ يُحمل على هذا، هذا يعني محتملٌ.
طيب، نأخذ سؤالًا شفهيًّا وسؤالًا مكتوبًا، نعم تفضل.
السؤال:…؟
الشيخ: مس الفرج من وراء حائلٍ نعم لا ينقض الوضوء.
السؤال:…؟
الشيخ: نعم أي حائلٍ كان، سواءٌ الثوب أو القفاز لا ينقض الوضوء، لا بد من مس الفرج، أن يكون من غير حائلٍ، ويكون أيضاً -على القول الذي رجحناه- بشهوةٍ.
السؤال: أحسن الله إليك، يقول: هل يقال في الجُنب مثلما يقال في الحائض من جواز قراءة القرآن؟
الشيخ: لا، لا يقال في الجنب مثلما يقال في الحائض؛ لأن الجنب ورد فيه حديث عليٍّ، وهو خاصٌّ بالجنب، كان لا يحجبه شيءٌ عن القرآن إلا أن يكون جنبًا [24]، ولم يرد هذا في الحائض، وبعض الفقهاء قاس الحائض على الجنب، وهو قياسٌ مع الفارق؛ لأن مدة الحيض تطول؛ بينما الجنابة لا تطول، ولأن الجنب أمره بيده، متى ما شاء اغتسل وارتفعت جنابته؛ بخلاف الحائض، فبينهما فرقٌ.
طيب، نأخذ الجهة، نعم تفضل.
السؤال:…؟
الشيخ: نقض الوضوء بمس حلقة الدبر، يعني هذا قالوا بالقياس، قالوا إنه بالقياس ومحتملٌ أنه يقال بالقياس بمثل هذا؛ لأن في بعض الألفاظ: من مس فرجه [25]، ليس ذَكَرَه، من مس فرجه، ويقولون: الفرج يشمل هذا وهذا.
السؤال: أحسن الله إليك! يقول: القول الراجح في الردة؟
الشيخ: الردة كل مَن فعل أمرًا مكفرًا فإنه يكون مرتدًا، والقول الراجح: أن الردة لا تنقض الوضوء؛ لأن من شروط حبوط العمل الموت على الكفر والعياذ بالله: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [البقرة:217]، فاشترط الله عز وجل الموت: فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ.
السؤال: ما الحكمة من الوضوء من أكل لحم الإبل؟
الشيخ: الحكمة من الوضوء من أكل لحم الإبل: التمس بعض العلماء الحكمة في هذا، ومن بعض المعاصرين من قال: إن أكل لحم الإبل يثير الأعصاب، ولهذا يقولون: إن الإنسان المصاب بالأعصاب ينصحه الأطباء بألا يأكل لحم الإبل، فكان الوضوء مهدئًا لذلك، وقيل غير ذلك والله أعلم، حُكم الله هو حكمة الحِكَم، لكن هذا مما قيل في هذا.
السؤال: أحسن الله إليك، يقول: التفريق بين غلاف المصحف وورقه هل له وجهٌ؟ أليس لفظ المصحف شاملًا غلافه وورقه ونحو ذلك؟
الشيخ: نعم التفريق له وجهٌ، في عهد النبي  كيف كان المصحف؟ كان المصحف يكتب على الألواح، ويكتب على كَرَب النخل [26]، ويكتب عليه، وتجمع، ثم جمعت في عهد الصديق ، وفي عهد عثمان  كُتب، ثم بعد ذلك لما كتبت المصاحف وضعت هذه الأغلفة من باب صيانتها، وإلا، لا يطلق على الغلاف مصحفٌ، المصحف هو الورق، الورق هذا، فالغلاف هو ليس من المصحف، وإنما هو وضع لأجل صيانة هذا المصحف والمحافظة عليه، ولذلك من مس هذا الغلاف لا يقال إنه مس المصحف، إنما مس المصحف من مس الورق.
السؤال: أحسن الله إليك، كثيرٌ من الإخوة يسأل عن النوم، بعضهم يقول: نمت مع الأذان ثم استيقظت مع الإقامة، وبعضهم يقول: نمت عند التشهد ولم أقم إلا على السلام،…؟
الشيخ: نعم، بالنسبة للنوم: بعضهم يقول: إنني أنام مع الأذان وأقوم مع الإقامة، إذا كان مجرد نعاسٍ؛ بحيث إنك تشعر بالأصوات من حولك ولا تفهمها، لكن تشعر بالصوت من حولك، فهذا لا ينقض الوضوء؛ لأنه ليس نومًا مستغرقًا، لكن إذا نمت ثم استيقظت، وتفاجأت بأنك في المسجد، فهذا نومٌ مستغرقٌ زال معه الشعور؛ هنا لا بد أن تذهب وتعيد الوضوء؛ فالعبرة إذنْ بزوال الشعور، والإنسان يفرق بين زوال الشعور أو عدم زواله.

فإذا كان الإنسان مثلًا نائمًا ثم زال شعوره، مستغرق، ثم لما أوقظ تفاجأ بأنه في المسجد وأنه..، هنا معنى ذلك: أنه لا بد انتقض وضوؤه، لكن لو كان يشعر بمن حوله ويشعر بأنه في المسجد، لكن أتاه شيءٌ من الفتور، ويسمع أصواتًا ولا يفهمها، فهذا يسمى نعاسًا، وهذا لا ينقض الوضوء، إذا شك: لا يدري هل هو نعاسٌ أو مستغرقٌ فيأخذ بالأحوط ويعيد الوضوء.
السؤال:…؟
الشيخ: ماذا؟
السؤال:…؟
الشيخ: إي نعم.
السؤال:…؟
الشيخ: في نقض الوضوء المغمى عليه يُلحق بالمجنون، لماذا؟ لأن المعوَّل عليه هو فقد الشعور، لماذا المجنون ينتقض وضوؤه؟ لماذا النائم النوم المستغرق ينتقض وضوؤه؟ لأنه أثناء زوال الشعور ربما خرج منه شيءٌ وهو لا يحس به، فهو بالنسبة لنقض الوضوء يلحق بالمجنون، لكن بالنسبة لقضاء الصلاة فمحل خلافٍ، والأقرب أنه إذا كانت مدة الإغماء يسيرةً، بحدود ثلاثة أيامٍ فأقل، يلحق بالنائم ويقضي الصلوات، وإذا كانت طويلةً أكثر من ثلاثة أيامٍ فيلحق بالمجنون ولا يقال بقضاء تلك الصلوات.
السؤال: أحسن الله إليك، يقول: يحصل لي أحيانًا مشقةٌ شديدةٌ من الوضوء، لاسيما إذا كنت في أحد الحرمين وذلك من خروج قطرةٍ أو قطرتين من البول، أو من المني المحتبس، والذي يخرج بعد برود الشهوة على فتراتٍ، فما الحكم رعاكم الله؟ هل أقطع صلاتي دائمًا مع العلم بتكرر هذا، وأنني متيقنٌ بخروجه، ولست مصابًا بالوسواس والحمد لله؟
الشيخ: نعم، لكن قوله أولًا في السؤال عن خروج المني، هذا ليس منيًّا، حقيقة المني لا بد أن يكون دفقًا بلذةٍ، أما الذي وصفه السؤال فهذا وديٌ، بالدال، هذا حكمه حكم البول، وإلا فلو كان منيًّا لأوجب الغسل، والمني لا يخرج إلا دفقًا بلذةٍ، فاللذة شرطٌ فيه، شرطٌ سيأتينا -إن شاء الله- في الدرس القادم في موجبات الغسل.

فإذا خرج بدون لذةٍ فليس منيًّا قطعًا، حتى ولو قدر أنه منيٌّ فلا يوجب الغسل، لا بد أن يكون دفقًا بلذةٍ، لكن بعض الناس يشتبه عليه الودي بالمني، فهذا الذي يراه لونه أبيض يشبه المني، ويخرج بعد البول، هذا وديٌ وحكمه حكم البول، والأخ نقول له: طبق القاعدة الشرعية: “اليقين لا يزول بالشك”، إذا توضأت فلا تلتفت لهذه الشكوك ما لم تتيقن الحدث، إذا كنت متيقنًا للحدث، وكان يخرج معك هذا بصفةٍ مستمرةٍ؛ فيكون حكمك حكم صاحب السلس، ولا يضرك خروج هذا، تتوضأ عند وقت كل صلاةٍ ولا يضرك مثل هذا.

على أنني أنصح من كان عنده إشكالاتٌ في المسالك البولية أن يسعى للعلاج؛ لأن العلاج متقدمٌ في مثل هذه الأمور، وليست هذه من الأمراض المستعصية؛ لأن حقيقةً هذه تسبب قلقًا كبيرًا لبعض الناس، وتؤثر حتى على خشوعه في الصلاة، وربما تصيب بعض الناس بالوسواس، وأنا أذكر أن امرأةً اتصلت بي وقالت: إنها كان عندها وسواسٌ في الطهارة، لما زادت معها الوسواس تركت الصلاة، اتصلت بي وقالت: ستة أشهرٍ ما أصلي، قلت لماذا؟ قالت: إنني مصابةٌ بقلقٍ؛ أجلس طول اليوم وأنا قلقةٌ، وأنا في وضوءٍ وأعيد الوضوء عدة مراتٍ، وأفتت نفسها بنفسها بأنها وصلت لحالٍ تسقط معها الصلاة! لا شك أن هذه غير معذورةٍ امام الله عز وجل، انظر الشيطان كيف يستدرج الإنسان حتى يوصله إلى هذه المرحلة!

شخصٌ آخر أيضًا اتصل بي مرةً من المرات، اتصل بي بعد الظهر يقول: إنه ما صلى الفجر، كلما توضأ أعاد كلما توضأ أعاد، هذا -يا إخواني- الوسواس منتشرٌ.

شخصٌ آخر عنده مشكلةٌ في الطلاق، يعتقد أنه طلق زوجته، يقول: لدرجة أنني أضع الشريط في السيارة فإذا أتت آيات الطلاق قلبت الشريط، يعني هذه المرحلة وصل إلى هذه الدرجة!

وشخصٌ عنده وسواسٌ فيما يتعلق بالدم الذي يخرج من اللثة في الصيام، وأظن أنه ما بقي أحدٌ في الرياض إلا سأله، فتجد أن هذه الوسواس تسلطٌ من الشيطان، فيتسلط الشيطان على أناسٍ يرى منهم ضعف الإرادة، فيأتي الشيطان ويتسلط عليهم، فهذه من قلة البصيرة وضعف الإرادة.
أقول هذا؛ لأني أرى أن هذا منتشرٌ بكثرةٍ وليس بقلةٍ، بكثرةٍ الحقيقة، ويعانون منه معاناةً كبيرةً، لكن -يا إخواني- إذا وصل الوسواس لدرجةٍ متقدمةٍ فأنصح بأن يذهب للطبيب، أصبح مرضًا.
وحدثني بعض الأطباء النفسانيين، حدثني أكثر من واحدٍ يقول: عندنا عقاقير يعالج بها هذا المرض، وهناك أناس أصيبوا بالوسواس وشفوا…، بعض الناس النفسية عندهم مهيأةٌ للوسواس أكثر من غيرهم فمثل هذا يذهب للطبيب؛ حتى يعطيه عقاقير، ويشفى بإذن الله عز وجل، ويكون هذا سببًا لشفائه من هذا المرض بإذن الله تعالى.
السؤال: أحسن الله إليك، يقول: إذا قلنا بأن الغِلاف يجوز مسه فهناك أوراقٌ في المصحف، التي في آخره، ليس فيها قرآنٌ، هل يجوز مسها بدون طهارةٍ؟
الشيخ: نعم، هذه ليست من المصحف قطعًا، ولذلك لا بأس بمسها من غير طهارةٍ
السؤال: أحسن الله إليك، يقول: بعض الناس يعلق بعض آيات القرآن، أو يجعل التلفاز ليقرأ القرآن لطرد الشيطان، أو لتحل البركة، فما حكم ذلك؟
الشيخ: أما تعليق الآيات: فالقرآن ما نزل لكي يكتب ويعلق، ولم يَرِد هذا عن السلف، ولهذا؛ فإن هذا غير مشروعٍ، وهو دائرٌ بين الكراهة والتحريم، لا يشرع تعليق الآيات، لكن جعل التلفاز مثلًا أو المسجل يقرأ القرآن في البيت، فهذا لا بأس به، يكون البيت عامرًا بذكر الله عز وجل، هذا لا بأس به، فرقٌ بين البيت العامر بذكر الله، والبيت المهجور، أو أنه عامرٌ بالأغاني ونحوها، لا شك أن البيت العامر بذكر الله يطرد الشياطين، والقرآن كله بركةٌ، كونك مثلًا تجعل المسجل أو تجعل…، أكثر من ثلاثين قناةً في القرآن تجعلها مثلًا تشتغل بصورةٍ دائمةٍ فهذا طيبٌ، هذا يطرد الشياطين، تنفر الشياطين من هذا البيت.
وأيضاً ربما أنك تسمع هذه الآيات ويكون لك شيءٌ من التدبر، القرآن كله بركةٌ.
وأيضًا أنت لا تتعبد الله عز وجل بهذا النوع حتى نقول: إن هذا..، أنت فقط تستمع لآياتٍ من القرآن، أو أنك جعلتها في البيت من باب أن هذا كتاب الله عز وجل يتلى في هذا البيت، والقرآن كتابٌ مباركٌ، ولا شك أنه يستفاد منه، وأيضًا يدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام: إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة [27].

فقوله: تقرأ فيه، لم يحدد القارئ، دليلٌ على أن أي قارئٍ يقرأ فيه فإن الشيطان ينفر منه، فيؤخذ من هذا: أن كون البيت يقرأ فيه قرآنٌ أنه أمرٌ مطلوبٌ، لاسيما مع تسلط بعض الشياطين على بعض البيوت، خاصةً فيما يتعلق بالسحر ونحوه، فإذا جعل الإنسان القرآن في بيته، ولكن المهم ألا يجعل المسجل أو التلفاز يقرأ وهو يتحدث ومنشغلٌ عنه؛ لأن هذا يكون أشبه بالاستهزاء، لكن لو جعله مثلًا وهو خارج من البيت جعله يقرأ في البيت لا بأس به، أو مثلًا وهو يستمع له فهذا أمرٌ طيبٌ؛ لأن القرآن مباركٌ ويطرد الشيطان.

فمثل هذه القراءة تطرد الشياطين، والشياطين إذا وَجَدَت أن هذا البيت دائمًا يُقرأ فيه القرآن تنفر منه، وتهرب منه.
السؤال:…؟
الشيخ: لا، هو لا يأثم؛ لأن الاستماع لقراءة القرآن إنما يجب في الصلاة فقط، قد ذكر الإمام أحمد الإجماع على هذا، قال: أجمع العلماء على أن الاستماع في الصلاة، وفي غير الصلاة يستحب ولا يجب، لكن الأفضل له أن يستمع، أو أنه يغلق التلفاز، لكن من حيث الإثم، الذي يظهر: أنه لا يأثم، ما لم يقصد الاستهزاء، ولا شك أنه ليس هناك مسلمٌ يقصد الاستهزاء أو الاستهانة بكتاب الله ​​​​​​​.
السؤال: أحسن الله إليك!…
الشيخ: نختم بهذا السؤال، نعم.
السؤال: يقول: إحدى محارمي عملت عملية إخراج جزءٍ من الأمعاء، فأصبحت تخرج الغائط منها بشكلٍ مستمرٍّ ومتواصلٍ، وقيل لها: لمدة سبعة أشهرٍ، فكيف تفعل في الطهارة والصلاة؟ هل تتوضأ لكل صلاةٍ أم ماذا؟
الشيخ: نعم، ما دام أنه يخرج معها بصفةٍ مستمرةٍ فتتوضأ عند كل صلاةٍ، تتوضأ عند دخول وقت كل صلاةٍ أيضًا على وجه الاستحباب؛ لأن الحديث: “توضئي لوقت كل صلاةٍ”، الصحيح أنه ليس مرفوعًا للنبي عليه الصلاة والسلام، وإنما مدرجٌ من أحد الرواة، ولكن الجمهور على أنها تتوضأ عند دخول وقت كل صلاةٍ، وهذا إما على الاستحباب أو الوجوب، ولا يضرها ما خرج بعد ذلك، صاحب الحدث الدائم يفعل هكذا، يعني يتوضأ لدخول وقت الصلاة، ولا يضره ما خرج بعد ذلك.
نسأل الله ​​​​​​​ للجميع التوفيق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه الترمذي: 87.
^2 رواه بهذا اللفظ الترمذي: 87.
^3 رواه الترمذي: 96، والنسائي: 126، وابن ماجه: 478، وأحمد: 18091.
^4 رواه مسلم: 376.
^5 رواه أبو داود: 200 بنحوه.
^6 رواه أبو داود: 203، وابن ماجه: 477، وأحمد: 887، والبيهقي: 578، والدارقطني: 600.
^7 رواه أبو داود: 181، والترمذي: 82، والنسائي: 447، وابن ماجه: 479، وأحمد: 7076، وابن حبان: 1116.
^8 رواه أبو داود: 182، والترمذي: 85، والنسائي: 165، وابن ماجه: 484، وأحمد: 16286.
^9 رواه الطبراني في المعجم الأوسط: 1850، والبيهقي: 644، والدارقطني: 532، وابن حبان: 1118.
^10 رواه أبو داود: 179، والترمذي: 86، والنسائي: 170، وابن ماجه: 502، وأحمد: 25766.
^11 رواه مسلم: 486.
^12 رواه البخاري: 519، ورواه مسلم: 512، دون ذكر الغمز.
^13 رواه أبو داود: 3161، وابن ماجه: 1463.
^14 رواه مسلم: 360.
^15 رواه أحمد: 18703، والبيهقي: 737.
^16 رواه أبو داود: 192، والنسائي: 188، وابن حبان: 1134.
^17 رواه البخاري: 137، ومسلم: 361.
^18 رواه البخاري: 305، ومسلم: 1211.
^19 رواه ابن حبان: 6559.
^20 رواه أبو داود: 229، والنسائي: 257، وابن ماجه: 594.
^21 رواه الترمذي: 131، وابن ماجه: 596.
^22 رواه البخاري: 294، ومسلم: 1211، وأحمد: 26344.
^23 رواه البخاري: 1651.
^24, ^25 سبق تخريجه.
^26 كرب النخل: الذي ييبس فيصير مثل الكتف. معجم ديوان الأدب للفارابي: 1/ 205.
^27 رواه مسلم: 780.