|categories

(5) باب السواك

مشاهدة من الموقع

هذا هو السواك من عهد النبي إلى وقتنا هذا، عود الأراك هذا، هذا يسمى عود الأراك، هذا أشهر أنواع أو آلة السواك.

ولكن هل ينحصر السواك في هذا؟ لا، لا ينحصر في هذا، كل عود يستاك به يحصل به تنظيف الفم والأسنان يدخل في معنى السواك، بعض العامة يحصُر السواك في عود الأراك، هذا فهم غير صحيح، السواك لا ينحصر في عود الأراك، بل يشمل كل ما يستاك به، ما يحصل به تنظيف الفم، فمثلًا لو جُعل أعواد من غير عود الأراك، عود زيتون مثلًا أو غيره فيقال: إن هذا سواك، وهذا يقودنا إلى فرشاة الأسنان، هل تدخل فرشاة الأسنان في مسمى السواك أم لا؟

المؤلف أشار لهذا في قوله: “ولم يصب السنة من استاك بغير عود” فلعلنا نرجئ الإجابة عن هذا السؤال عند شرح عبارة المؤلف، لكن المقصود أن السواك يكون بعود الأراك ويكون بغيره.

حكم السواك

يسن بعود رطب.

قوله: “يسن” أفادنا المؤلف أن السواك سنة، وقد صرح به بعد ذلك بقوله: “وهو مسنون مطلقًا” وقد دل على ذلك أحاديث كثيرة، منها ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة  أن النبي قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة [1]، وأيضًا حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي قال: السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب [2]، وهذا الحديث أخرجه البخاري في “صحيحه” معلقًا بصيغة الجزم، وقد ورد في فضل السواك أحاديث كثيرة، ورد فيه أكثر من مائة حديث حتى عُد من المتواتر، بل جاء في البخاري: أن النبي قال: أكثرت عليكم في السواك [3]، قال الموفق ابن قدامة: “لا نعلم خلافًا في استحباب السواك وتأكده” فهو إذًا سنة مؤكدة جدًّا، ولولا خشية المشقة لأمر النبي به الأمة أمر إيجاب.

بعود رطب.

قوله: “بعود رطب” خرج بهذا القيد العود غير الرطب، وهو العود القاسي؛ لأنه لا يحصل به التنظيف، وربما أضر اللثة.

لا يتفتت.

أي: لا يتكسر، ولا يتساقط؛ لأنه إذا كان يتفتت فإنه لا يحصل به المقصود من تنظيف الفم.

وهو مسنون مطلقًا.

لما ذكرنا من الأحاديث.

حكم السواك للصائم

إلا بعد الزوال للصائم، فيكره، ويسن له قبله.

هنا أفادنا المؤلف بأن السواك مكروه للصائم بعد الزوال، فيكون مكروهًا، يعني بعد الزوال للصائم، واستدلوا لذلك بحديث علي أن النبي قال: إذا صمتم فاستاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعشي [4].

والغداة: هي أول النهار، والعشي من أين يبتدئ وقت العشي؟ ليس العشاء، العشي: العشي في لغة العرب يبدأ من متى؟ بعد الزوال، ولهذا في الحديث الآخر: أن الله تعالى يباهي بالحجيج ملائكته عشية عرفة [5]؛ ليس المقصود بعد العشاء، وإنما بعد الزوال، وجاء في حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين، قال: “صلى بنا النبي إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر” [6]؛ فالعشي إذًا يبتدئ من بعد الزوال، قال: استاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعشي أيضًا استدلوا بحديث: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك [7]، قالوا: والخلوف: هو الرائحة الكريهة التي تخرج من الفم عند خلو المعدة من الطعام، وهذا لا يظهر غالبًا إلا بعد الزوال، ويكره إزالة هذه الرائحة لأنها أطيب عند الله من ريح المسك.

والقول الثاني في المسألة: أن السواك سنة للصائم قبل الزوال وبعده، وهو رواية عن الإمام أحمد، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وهو القول الراجح في المسألة، بل القول الصحيح؛ وذلك لعموم الأدلة الدالة على سنية السواك؛ ولضعف ما استدل به من قال بالكراهة.

أما حديث علي: استاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعشي فحديث ضعيف لا يصح، أخرجه الدار قطني في سننه، وقال عنه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير: “إسناده ضعيف”، وأما حديث: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك فليس فيه دلالة على كراهة السواك، الحديث إسناده صحيح لا إشكال في صحته، لكن دلالته غير مُسلّم بها، فإنه ليس فيه دلالة على كراهة السواك بعد الزوال؛ لأن سبب هذه الرائحة -رائحة الخلوف- خلو المعدة من الطعام، والسواك ليس له أثر في إزالة هذه الرائحة؛ لأن هذه الرائحة منبعها الفم أم المعدة؟ المعدة، هذه الرائحة الكريهة منبعها المعدة وليس الفم، فالسواك لا أثر له في إزالتها، وحينئذٍ لا وجه للقول بكراهة السواك لأجل ذلك، بل أخرج أبو داود والترمذي عن عامر بن ربيعة قال: “رأيت رسول الله ما لا أحصي يتسوك وهو صائم” [8] لكن هذا الحديث ضعيف من جهة الإسناد، لكن يكفي عموم الأحاديث الدالة على سنية السواك، فيشمل ذلك قبل الزوال وبعده.

والحاصل: أن القول الراجح: أن السواك مسنون للصائم ولغيره قبل الزوال وبعده، وأن القول بكراهة السواك للصائم بعد الزوال أنه قول ضعيف.

ويسن له قبله بعود يابس، ويباح برطب.

يعني: يسن للصائم قبل الزوال بعود يابس لا عود رطب، قال: ويباح برطب.

يعني: لما قرر القول بالكراهة كراهة السواك للصائم بعد الزوال قيل لهم: قبل الزوال أتكرهون هذا؟ قالوا: إنه يسن أن يكون بعود يابس، ويباح أن يكون بعود رطب، وهذا القول بهذا التفصيل محل نظر، وإنما نقول: السواك مسنون للصائم مطلقًا من غير تفصيل، سواء كان بعود يابس أو عود رطب، اللهم إلا إن كان هذا العود الرطب له طعم، ويخشى أن يذهب إلى الجوف، فربما نقول هنا بالكراهة، فإن بعض أنواع عود الأراك تكون حارة ورطبة، وإذا استاك بها الإنسان يجد طعمها ويجد أثرها، وهذه ربما تنفذ لجوف الصائم، هذه ربما يقال بالكراهة في هذه الحال لأجل هذا المعنى، وهذا المعنى يشمل ما إذا كان قبل الزوال أو بعده.

حكم الاستياك بغير عود

ولم يصب السنة من استاك بغير عود.

وذلك لأن المؤلف يرى أن السواك لا بد أن يكون بعود، وقيل: إنه يصيب من السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء؛ وذلك لأن مقصود الشارع هو تنظيف الفم، فإذا كان يحصل شيء من الإنقاء فإنه يصيب بقدر هذا الإنقاء السنة، وقد اختار هذا القول الموفق ابن قدامة في المغني، وذكر في المغني حكم الاستياك بالإصبع والخرقة، ورجح الموفق رحمه الله أنه يصيب من السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء.

وأما حديث: يجزئ من السواك الأصابع [9] حديث ضعيف، مع أن صاحب منار السبيل قال: قال الحافظ محمد بن عبدالواحد المقدسي: هذا إسناد لا أرى به بأسًا، ولكن جميع طرق هذا الحديث ضعيفة ومعلولة، فهو حديث ضعيف، ولكن لعل القول الذي رجحه الموفق هو الأقرب، وأنه يصيب من السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء؛ ولهذا قال الموفق: “ولا يترك القليل من السنة للعجز عن كثيرها” مثال ذلك: رجل أتى يصلي ولم يجد عود أراك نسيه أو ضاع منه كما يحصل لكثير من الناس قد لا يتيسر له عود الأراك دائمًا، فهنا نقول: يستاك ولو بإصبعه أو بمنديل، لا مانع من هذا، ويصيب من السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء؛ لأننا لسنا متعبدين بهذا العود الأراك، وإنما كل ما ينظف الفم، فلو أنه مثلًا بأصبعه، أو بمنديل، أو بنحوه استاك، فالصحيح أن ذلك يصح، وأنه يصيب من السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء، كما رجح ذلك الموفق ابن قدامة رحمه الله.

وهذا يقودنا إلى الاستياك بفرشاة الأسنان، نحن ذكرنا أن مقصود الشارع من السواك ظاهر، وهو تنظيف الفم والأسنان، فرشاة الأسنان هل تدخل في مسمى السواك أم لا؟

فرشاة الأسنان لا شك أنها تدخل في مسمى السواك؛ لأنه يحصل بها الإنقاء، بل ربما يكون تنظيف الأسنان والفم بها أبلغ من التنظيف بعود الأراك خاصة إذا اقترنت بمعجون، فالواقع أن التنظيف بها أبلغ من التنظيف بعود الأراك، وأنت جرب هذا، لو أخذت عود أراك واستكت به، وأخذت فرشاةً مع معجون ونظفت بها فمك تجد أن التنظيف بالفرشاة مع المعجون أبلغ من عود الأراك، وما كان كذلك فأنه يحقق مقصود الشارع، وهو تنظيف الفم والأسنان، فحينئذٍ نقول: لا شك أن الفرشاة تدخل في مسمى السواك؛ ولهذا ينبغي من ينظف فمه بالفرشاة أن ينوي أنه يطبق السنة في هذا؛ لأجل أن يحصل على الأجر والثواب.

وهذا يدل على عظمة دين الإسلام، انظر شمل جميع الأمور حتى تنظيف الفم، وتنظيف البدن، وتنظيف الشعر كل هذا قد ورد الأمر به، تنظيف البدن حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يومًا [10] وهذا في صحيح مسلم أنه ينبغي أن يغتسل في كل أسبوع مرة على الأقل، وتنظيف الفم كما سمعنا في هذه الأحاديث التي قلنا: إنها أكثر من مائة حديث، تنظيف الفم بأي منظف، سواء كان بالفرشاة، أو بعود الأراك أو بغيره، فالإسلام يدعو إلى النظافة، وإلى البعد عن القذر والوسخ، والبعد عن كل ما يضر بصحة الإنسان.

ويقول أهل الاختصاص: أن البكتيريا التي تكون في الأسنان تكون بآلاف أو ملايين وربما بلايين تكون في مجرى الفم والأنف، فالتسوك ربما أنه يزيل هذه الميكروبات وهذه الجراثيم، والمضمضة والاستنشاق أيضًا تؤدي هذا المقصود وهذا الغرض، ولا غرو في دين الإسلام فهو دين الله ؛ ولذلك فنحن نقول: إن الإسلام يحث على النظافة، وعلى النزاهة، سواء كان نظافة البدن أو نظافة الفم.

المواضع التي يتأكد فيها السواك

ويتأكد.

يعني: يتأكد السواك في مواضع انتقل المؤلف للمواضع التي يتأكد فيها السواك.

السواك عن وضوء وصلاة

يتأكد عند وضوء وصلاة.

أما الوضوء فقد ورد في حديث أبي هريرة أن النبي قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء [11].
والرواية المشهورة في الصحيحين: عند كل صلاة [12]، لكن جاء في رواية أخرى عند البخاري معلقًا لها بصيغة الجزم: عند كل وضوء جاءت معلَّقة عند البخاري، قالوا: ومحله عند الوضوء عند المضمضة، وأما عند الصلاة فكما ذكرنا في حديث أبي هريرة: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة.

عند انتباه من نوم

الموضع الرابع:

وانتباه من نوم.

ويدل لذلك ما جاء في الصحيحين عن حذيفة قال: “كان رسول الله إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك” [13] ومعنى يشوص: أي: يدلك، وهذا فيه معنى التنظيف للفم، وفيه معنى آخر، وهو التنشيط؛ وذلك لأن الإنسان إذا قام من النوم واستاك فإن ذلك له الأثر في طرد النوم، وفي تنشيط الإنسان.

عند قراءة القرآن

وقراءة.

والمقصود بالقراءة: قراءة القرآن، أي: أنه يسن السواك عند قراءة القرآن، وقد ورد في ذلك حديث علي أن النبي قال: إن العبد إذا تسوك، ثم قام يصلي قام الملك خلفه فسمع لقراءته فيدنو منه حتى يضع فاه على فيه، وما يخرج من فيه شيء من القرآن إلا صار في جوف الملك، فطهروا أفواهكم للقرآن [14] هذا الحديث أخرجه البيهقي والبزار، قال المنذري: إسناده جيد، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة جمع طرقه وشواهده وقال: إنه حديث صحيح، الحديث رقم 1213، ولفظ الحديث مرة أخرى: إن العبد إذا تسوك ثم قام يصلي قام الملك خلفه فسمع لقراءته فيدنو منه حتى يضع فاه على فيه، وما يخرج من فيه شيء من القرآن إلا صار في جوف الملك، فطهروا أفواهكم للقرآن

واستماع الملائكة لقراءة القرآن هذا ثابت في الأحاديث الأخرى في الصحيحين وغيرهما، أن الملائكة تستمع لقارئ القرآن خاصة إذا كان حسن الصوت كما في قصة أُسيد بن الحضير وغيره، لكن هذا الحديث فيه زيادة، وهي أن الملك يقرب من قارئ القرآن؛ ولهذا ينبغي أن يطهر فمه، وأنه ربما وضع فاه على فيه فينبغي أن يطهر فمه، وأن يستاك لأجل ذلك؛ إذًا هذه الآن أربعة مواضع.

عند تغير رائحة فم

الموضع الخامس:

وتغير رائحة فم.

يعني يتأكد السواك عند تغير رائحة الفم، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها السابق: السواك مطهرة للفم [15]، فإن مقتضى هذا أنه متى احتاج الفم إلى تطهير كان متأكدًا.

الموضع السادس:

عند دخول المسجد والمنزل

وكذا عند دخول مسجد ومنزل.

أما عند دخول المنزل ونبدأ به، فيدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي : “كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك” [16] وهذا الحديث في مسلم، وهذا يدل على أن السنة إذا دخل الإنسان المنزل أن يبدأ بالسواك.

وأما عند دخول المسجد فقالوا: إنه إذا كان يسن السواك عند دخول المنزل، فعند دخول بيت الله تعالى من باب أولى.

فعند دخول المسجد الذي هو بيت الله تعالى من باب أولى.

عند إطالة سكوت وصفرة أسنان

وإن طال في سكوت.

هذا الموضع رقم كم؟ السابع، وإن شئت اجعله الثامن إذا جعل دخول المسجد موضعًا، والمنزل موضعًا آخر.

الأول: الوضوء.

الثاني: الصلاة.

الثالث: القراءة.

الرابع: الانتباه من النوم.

الخامس: تغير رائحة الفم.

السادس: دخول المسجد.

السابع: دخول المنزل.

الموضع الثامن:

وإطالة سكوت.

قالوا: لأن إطالة السكوت مظنة لتغير الفم، فيتأكد السواك عند ذلك.

الموضع التاسع:

وصفرة أسنان.

أيضًا للتعليل السابق، قالوا: يعني أن وجود الصفرة في الأسنان مظنة لتغير الفم، فهي مؤشر على وجود الروائح الكريهة التي ربما تخرج من الفم، وفي الوقت الحاضر وجدت أنواع الفرشاة والمعاجين التي يحصل بها إزالة هذه الصفرة، وإزالة الروائح الكريهة من الفم، وينبغي للمسلم أن يحرص على النظافة عمومًا، وعلى نظافة فمه على وجه الخصوص، فإن هذا أمر مطلوب شرعًا ومقصود سواء كان ذلك بفرشاة الأسنان مع المعجون، أو كان ذلك بعود الأراك.

لكن هنا ننبه إلى مسألة، وهي أن من كان يستاك بعود الأراك ينبغي أن يتعاهده؛ وذلك بأن يقص أعلاه من حين لآخر، يقضم أعلاه من حين لآخر، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل، كما جاء ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها؛ وذلك لأنه إذا استاك بعود الأراك مدة طويلة، فإن رأس هذا العود سيكون مع مرور الوقت وكرًا للأذى والقذر، ولا يحقق المقصود حينئذٍ، يعني بدلًا من أن ينظف به الفم أصبح الآن مرتعًا للميكروبات والبكتريا، فينبغي أن يلاحظ هذا المسلم، وهو أن يقضم رأس عود الأراك من حين لآخر حتى لا يكون وكرًا ومرتعًا للأذى ولأيضًا للميكروبات والبكتريا ونحوها.

الاستياك بالعود الواحد اثنان فصاعدًا

ولا بأس أن يتسوك بالعود الواحد اثنان فصاعدًا.

ويدل لذلك قصة حديث عائشة رضي الله عنها عند وفاة النبي فإنه لما مرض عليه الصلاة والسلام دخل عبدالرحمن أخو عائشة ومعه عود أراك، فجعل النبي ينظر إليه، فأخذت عائشة عود الأراك وقضمت رأسه وطيبته ثم أعطته النبي [17]، فلا بأس أن يتسوك بالعود الواحد اثنان فصاعدًا، لكن مع قضم رأسه في هذه الحال.

هذه أبرز الأحكام المتعلقة بالسواك، وهنا ألحق بها المؤلف سنن الفطرة.

يسن حلق العانة ونتف الإبط وتقليم الأظافر

فصل: يسن حلق العانة.

والعانة هي: الشعر النابت حول الفرج، وحلقه يسمى الاستحداد.

ونتف الإبط، وتقليم الأظفار.

وهذه الثلاثة قد وردت في حديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي قال: الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط [18] فهذه من الفطرة ومن سنن المرسلين، وهي سنة مؤكدة جدًّا حلق العانة، وهنا العانة جاءت بالحلق، والإبط جاء بالنتف، وهذا يدل على أن الإبط الأفضل فيه النتف، لكن كما قال بعض العلماء: النتف ليس كل أحد يطيقه لأنه مؤلم؛ ولذلك المقصود إزالة هذا الشعر سواء كان بنتف أو بحلق أو بقص، لكن النتف ذكر بعض أهل العلم أنه ليس كل أحد يطيقه لألمه، وكذلك أيضًا تقليم الأظفار، وأمر الشارع بهذه الأمور يدل على عناية الإسلام بالنظافة؛ لأن هذه الأمور لو تركت فإنها مع مرور الوقت تكون مرتعًا للأذى وللقذر.

حكم النظر في المرآة

والنظر في المرآة.

قوله: والنظر، معطوف على ما سبق، ومعنى ذلك: أن المؤلف يرى أن النظر في المرآة سُنة؛ لأنه قال: يسن حلق العانة، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، والنظر في المرآة، يفهم من كلام المؤلف: أنه يرى أن النظر في المرآة سنة، واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي كان يقول إذا نظر في المرآة: اللهم كما حسنت خَلْقي فحسن خُلُقي [19] ولكن هذا الحديث قد روي بعدة ألفاظ، والألفاظ الوارد فيها تقييد ذلك بالمرآة لا تصح كلها ضعيفة، وإنما صحح هذا الحديث من غير تقييد بالنظر في المرآة، كما جاء عند الإمام أحمد بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبي كان يقول: اللهم كما حسنت خَلْقي، فحسن خُلُقي [20] أما زيادة أنه كان يقول ذلك عند المرآة، فإنها زيادة لا تثبت ولا تصح.

وبناء على ذلك فإن المؤلف يكون قد بنى هذا الحكم على حديث ضعيف، والحديث بزيادة في المرآة فيكون الصواب هو خلاف ما ذهب إليه المؤلف، يبقى النظر في المرآة أمرًا مباحًا لا يقال باستحبابه؛ لأن الاستحباب حكم شرعي يحتاج إلى دليل، وليس هناك دليل صحيح يدل على استحباب النظر في المرآة، فالصواب إذًا أن النظر في المرآة مباح، وليس مسنونًا.

لكن يأتي الإنسان بهذا الدعاء مطلقًا يقول: اللهم كما حسنت خَلْقي فحسن خُلُقي لأن الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، والدعاء بتحسين الخُلُق مطلوب أن الإنسان يدعو ربه أن يعينه على تحسين خُلُقه، والخُلُق هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال بيسر وسهولة، هذا تعريف الخُلُق، فيستطيع الإنسان عن طريق هذه الهيئة الراسخة في النفس أن يكون حليمًا، أن يكون بعيدًا عن الغضب، أن يكون وقورًا، أن يكون طيب الكلام، طيب المعشر، هذا كله من حسن الخلق، فينبغي للإنسان أن يدعو الله بأن يحسن خُلُقه، خاصة وأن كل إنسان فيه عيوب، وكما قال بعضهم: “ينبغي للإنسان أن يحصي عيوبه، وينظر فيها من حين لآخر، ويسعى إلى علاج هذه العيوب”.

يسن التطيب بالطيب

والتطيب بالطيب.

قوله: “والتطيب” معطوف على ما سبق أيضًا، فيكون مراد المؤلف: أنه يسن التطيُّب بالطِّيب، والنبي كان يحب الطيب، لكن القول بأنه يسن التطيب بالطيب مطلقًا محل نظر، وإنما يُقال بالسنية في المواضع التي ورد فيها ذلك، ومن ذلك عند الذهاب لصلاة الجمعة، فإنه قد ورد الأمر بالتطيب بالطيب حتى إنه عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم قال: ولو من طيب المرأة [21] يعني حتى لو لم يجد الإنسان طيبًا خاصًا بالرجل لا بأس أن يتطيب بطيب امرأته، وهذا يدل على أنه لا بأس أن يتطيب الرجل بطيب النساء، والمرأة بطيب الرجال، وأنه هذا لا يدخل في التشبه؛ لأنه قال: ولو من طيب المرأة ولذلك يسن للإنسان قبل ذهابه لصلاة الجمعة أن يتطيب بأي طيب، سواء كان دهن عود أم غيره.

وكذلك أيضًا قالوا في المجامع كالأعياد مثلًا؛ لأنه إذا كان يسن في الجمعة فالعيد من باب أولى، وأيضًا كذلك عند الذهاب للمسجد؛ وذلك لأن الله يقول: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] قالوا: ويدخل في أخذ الزينة التطيب، إذا تيسر للإنسان أن تكون رائحته طيبة زكية كان هذا من أخذ الزينة، على أن المقصود بقوله: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ليس المقصود به المسجد الذي تصلى فيه الجماعة، وإنما المقصود بالمسجد في الآية موضع السجود كما قال المفسرون: الصلاة، لكن عبر عن الصلاة بالمسجد الذي هو السجود؛ لأن السجود ركن من أركانها، فالمعنى خذوا زينتكم عند كل صلاة؛ ولهذا يشرع أخذ الزينة ولو كان الإنسان يصلي في البيت، حتى لو كنت تصلي في البيت يسن أن تأخذ زينتك لا تصلي بملابس النوم، هذه مسألة يجهلها بعض الناس، تجد أنه إذا أراد أن يصلي الوتر، يصلي صلاة الليل، يصلي الضحى، يصلي بملابس النوم، هذا خلاف السُّنة، السُّنة إذا أردت أن تصلي أن تأخذ كامل زينتك؛ لأن أخذ الزينة لحق الله ، وليس لأجل نظر الناس.

فلو قيل: باستحباب الطيب أيضًا عند الدخول للصلاة من باب أخذ الزينة فإن هذا متجه، والمؤلف أخذ هذا من حديث أبي أيوب أن النبي قال: أربع من سنن المرسلين: الحياء والتعطر والسواك والنكاح [22] هذا حديث أبي أيوب، أخرجه الترمذي والإمام أحمد في المسند، وجاء في بعض الروايات: الختان [23] محل الحياء، ولكن هذا الحديث ضعيف لا يصح، هذا الحديث إسناده ضعيف، فيبقى أن نقول: إن الطيب مطلوب باعتبار أن النبي كان يحب الطيب، لكن نقول: يسن في المواضع التي ورد الأمر فيها بالطيب كيوم الجمعة عند الذهاب لصلاة الجمعة.

حكم الاكتحال

والاكتحال كل ليلة في كل عين ثلاثًا.

يعني: ويسن الاكتحال كل ليلة في كل عين ثلاثًا، والدليل لذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان رسول الله يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام، وكان يكتحل في كل عين ثلاثة أميال” [24] لاحظ أن المؤلف أخذ هذا الحديث وعبر عنه بهذه العبارة، قال: “والاكتحال كل ليلة في كل عين ثلاثًا” ولكن هذا الحديث أيضًا أخرجه الترمذي وابن ماجه والإمام أحمد بسند ضعيف، لاحظ أن المؤلف بنى كثيرًا من الأحكام على أحاديث ضعيفة، وهذا يبين لنا أهمية العناية بمعرفة الحديث من التصحيح والتضعيف، هذا الحديث حديث ضعيف لا يصح، لكن هذا يقودنا لحكم الاكتحال، هل نقول: إن الاكتحال سنة؟

يعني يذكر الفقهاء هذا، هنا ذكره المؤلف وصاحب الزاد قال:

ويكتحل وترًا

الكحل على قسمين:

القسم الأول: أن يكون يراد به تقوية البصر، وجلاؤه من الغشاوة، وتنظيف العين من غير أن يقصد التجمل، فهذا لا بأس به، بل ربما يُقال باستحبابه؛ لأن ظاهر هدي النبي أنه كان يكتحل.

والقسم الثاني: أن يقصد به الجمال والزينة، فهذا لا بأس به في حق النساء، وربما يُقال باستحبابه في حق المرأة في تزين المرأة لزوجها؛ لأنه يعد من حسن التبعل، وأما بالنسبة للرجال، الاكتحال للرجال طلبًا للتجمل، فإذا كان الذي يريد الاكتحال شابًا يخشى عليه من الفتنة لو اكتحل فإنه يمنع؛ لأن كل ما كان يؤدي إلى فتنة فإنه ممنوع، وأما إذا كان كبيرًا ولا يخشى عليه من الفتنة لو اكتحل فلا بأس بذلك، هذا التفصيل ذكره الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، وهو تفصيل جيد يجمع ما ورد في الاكتحال.

فيكون إذًا الاكتحال على هذا التفصيل: إن كان لا يراد به التجمل إنما يراد به تقوية البصر وجلاء غشاوة العين وتنظيفها؛ هذا لا بأس به، بل ربما يقال باستحبابه، أما إذا كان يقصد به الجمال والزينة فهذا لا بأس به للنساء، وقد يقال باستحبابه بالنسبة للزوجة لزوجها، وأما الرجال فيفرق بين الشاب الذي يخشى عليه من الفتنة لو اكتحل وبين غيره، فهذا الشاب يمنع في حقه، وأما غيره فيبقى مباحًا في حقه، هذا هو أقرب ما يقال في الاكتحال.

حف الشارب وإعفاء اللحية

وحف الشارب.

أي: أنه يسن حف الشارب، وهذا قد وردت فيه عدة أحاديث، منها الحديث السابق حديث أبي هريرة في الصحيحين: الفطرة خمس… وذكر منها: قص الشارب لكن هنا ورد في بعض الروايات قص الشارب، وبعضها حف الشارب، وبعضها أخذ الشارب، ومن هنا اختلف العلماء أيهما أفضل: حف الشارب أم حلقه؟

فذهب بعض أهل العلم إلى أنه يسن حلق الشارب، وذهب آخرون إلى أن السنة حفه من غير حلق، وهذا هو القول الراجح: أن السنة حفه من غير حلق؛ لأن جميع الروايات الصحيحة الواردة كلها إنما وردت حفوا وقصوا، بالقص والحف، ولم يرد فيما أعلم رواية احلقوا الشارب؛ ولهذا بعض العلماء يشدد في مسألة حلق الشارب، حتى إن الإمام مالك يقول: وددت أن يؤدب من يحلق شاربه؛ ولهذا فالأقرب هو أن يقال: إن السنة حف الشارب، وليس حلقه، لكن يبقى حلقه جائزًا، لكن السنة حفه من غير استئصال.

وإعفاء اللحية.

يعني: يسن إعفاء اللحية، لكن لما كانت عبارة المؤلف قد يفهم منها أن المؤلف يريد الاستحباب عطف عليها بقوله:

يحرم حلق اللحية

وحرم حلقها.

أفادنا المؤلف: أن المراد بالسنة هنا السنة الواجبة؛ وذلك لأحاديث وردت في الأمر بإعفاء اللحية، منها قوله عليه الصلاة والسلام: اعفوا اللحى [25] أوفوا اللحى [26] وفروا اللحى [27] خالفوا المشركين [28] وهذه الأحاديث تدل على وجوب إعفاء اللحية، وعلى تحريم حلقها، وأن حلقها فيه تشبه بالمشركين، وتشبه بالمجوس، وقد نهينا عن التشبه بهم، وقد كانت العرب تعظم شأن اللحية، وما كان العرب حتى في جاهليتهم يحلقون لحاهم، وإنما كان يفعل ذلك المجوس، ويفعل ذلك المشركون.

وذكر الفقهاء: أن من اعتدى على آخر فأتلف لحيته ففيه دية نفس كاملة، وهي مائة من الإبل، والآن بعض الناس يذهب يحلق لحيته ويعطي الحلاق أجرة الحلق، مع أن ديتها دية نفس كاملة، مائة من الإبل، آلاف الريالات، مائة ألف ريال، قليلة، فعلى كل حال نقول: مائة من الإبل، فانظر إلى انتكاس فطر بعض الناس، اللحية هي رمز للرجولة، وقد كانت العرب تعظمها، وديتها دية نفس كاملة، ولكن نجد من يجرؤ على حلق لحيته، ويعطي من يحلق لحيته أجرة، والإشكال في هذا أنه يتكرر منه هذا، يعني الذي يحلق لحيته سوف يحلق لحيته في كل أسبوع مرة على الأقل، ومعنى ذلك أن هذا يتكرر منه في السنة أكثر من خمسين مرة، وقد عصى الله أكثر من خمسين مرة.

أخذ ما زاد عن القبضة من اللحية

ولا بأس بأخذ ما زاد على القبضة منها.

يعني يرى المؤلف أنه يجوز أخذ ما زاد على القبضة من اللحية، والمقصود بالقبضة قبضة اليد، يعني لو قبض على لحيته فما زاد عليها يجوز أخذه على رأي المؤلف، وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم هل يجوز أخذ ما زاد على القبضة أم لا؟

أولًا: نحرر محل الخلاف، فنقول:

ما كان دون القبضة فإنه يحرم حلقه، يحرم الأخذ منه، ويحرم حلق اللحية في قول أكثر أهل العلم، وإنما الخلاف فيما زاد على القبضة، اختلف العلماء في ذلك على أقوال:

القول الأول: أنه يكره أخذ ما زاد على القبضة، وهذا وجه عند الحنابلة، وقال به كثير من الشافعية والمالكية، ونسب لجمهور العلماء على أنه يكره أخذ ما زاد على القبضة.

والقول الثاني: أنه يستحب أخذ ما زاد على القبضة، وهذا هو مذهب الحنفية.

ومن أبرز من قال بهذا الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، فإنه شدد في هذا، وقال: إن ترك اللحية إلى أن تطول ما زاد على القبضة، قال: إنه بدعة إضافية، اعتبر هذا بدعة إضافية، وأنا أتيت بكلامه هنا، وأما القول بتحريم أخذ ما زاد على القبضة فهذا قال به بعض المتأخرين، لكن قالوا: إنه لم يوجد من قال به من المتقدمين، والآثار عن السلف ورد فيها الترخيص بأخذ ما زاد على القبضة.

ومن أبرز هذه الآثار ما جاء في صحيح البخاري عن ابن عمر أنه كان إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته، فما فضل أخذه” [29]، هذا في صحيح البخاري، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: “الذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك، بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه” وهكذا أيضًا رواه الإمام مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر “أنه كان يأخذ من لحيته” وأيضًا صح ذلك عن أبي هريرة ، وقال الحسن بن سيرين: “لا بأس أن تأخذ من طول لحيتك”، قال الحسن: “كانوا يرخصون فيما زاد على القبضة أن يؤخذ منها” فهذا قد صح عن بعض الصحابة، وقد يقال: إن هذا رأي رآه هذا الصحابي واجتهاد فعله ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما، والعبرة بما رويا لا بما رأيا، ولكن يشكل على هذا أن اللحية من الأمور الظاهرة التي يراها الناس كلهم، فلو كان أخذ ما زاد على القبضة حرامًا لأنكر عليه الصحابة، لأنكر الصحابة على ابن عمر وعلى أبي هريرة، ولو لم تكن من الأمور الظاهرة لكان هذا الجواب في محله، لكن اللحية من الأمور الظاهرة كل يرى هذا من ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما، وبعض أهل العلم قال: إن العبرة بقول النبي والنبي عليه الصلاة والسلام لم يصح عنه أنه كان يأخذ من اللحية، وما جاء في سنن الترمذي “أنه كان يأخذ من طولها وعرضها” [30] حديث ضعيف، وكان عليه الصلاة والسلام تعرف قراءته من اضطراب لحيته، كانت لحيته كَثَّة عليه الصلاة السلام، ولم يكن يأخذ منها، قالوا: فلو كان الأخذ من اللحية أنه يرخص فيه لفعل ذلك النبي .

الإمام أحمد رحمه الله سئل عن هذا، جاء في مسائل الإمام أحمد من رواية ابن هانئ، قال: سألت أبا عبدالله عن الرجل يأخذ من اللحية، قال: “يأخذ من اللحية ما فضل عن القبضة” والإمام أحمد معروف أنه صاحب سنة وأثر؛ ولهذا نقول: إن الآثار هي كما سمعتم، وأحد المعاصرين جمع ما قيل في هذه المسألة واستقصى في هذا، قال: إنني لم أقف على من قال بتحريم أخذ ما زاد على القبضة إلا بعض متأخري الحنابلة، قالوا: تفقهًا، وتبعوا على ذلك البقية.

والذي يظهر -والله أعلم- من مجموع هذه الأقوال وهذه الآثار أن ما كان في حدود القبضة فيحرم الأخذ منه، أما ما زاد على القبضة فالذي يظهر -والله أعلم- أن الأقرب هو رأي الجمهور أنه يكره أخذ ما زاد على القبضة كما قال النووي رحمه الله ونسب ذلك إلى الجمهور، قال النووي: “المختار ترك اللحية على حالها، وأن لا يتعرض لها بتقصير شيء أصلًا” فنقول: إن السنة ترك اللحية كما قال النووي ترك اللحية على حالها، وأن لا يأخذ منها شيئًا هذا هو السنة وهذا هو الأفضل، لكن محل البحث هو من أخذ في ما زاد على القبضة هل نقول: إنه ارتكب أمرًا محرمًا يأثم به أم لا؟

كما ذكرنا أن المذاهب الأربعة كلها أقوالها دائرة بين الكراهة والإباحة والاستحباب، ولم يقل أحد منهم بالتحريم، والآثار عن السلف أيضًا لم نجد ما يدل على التحريم، لكن وجد في أقوال بعض المتأخرين ما يدل على التحريم؛ ولهذا فالأقرب -والله أعلم- هو ما عليه جماهير أهل العلم من كراهة أخذ ما زاد على القبضة، وأما ما كان في حدود القبضة فإنه يحرم أخذه، هذا هو القول الذي تتفق به الآثار عن السلف في هذا.

وأما القول بأن ترك ما زاد على القبضة بدعة إضافية هذا قول ضعيف، كيف يكون بدعة والنبي عليه الصلاة والسلام كان يترك لحيته؟ وبعض الصحابة رضوان الله عليهم ظاهر أحوالهم أنهم كانوا يتركون لحاهم، وما روي عن ابن عمر وأبي هريرة إنما هو اجتهاد رأياه، ويدل على أن السلف ما كانوا يشددون في أخذ ما زاد على القبضة، ولعله يحمل على الكراهة ما زاد على القبضة.

وكذلك القول بالتحريم يحتاج إلى أن نعرف من قال به من المتقدمين، لا يعرف أن أحدًا من المتقدمين قال بالتحريم، والمذاهب الأربعة كلها لم يقل أحد من أتباع المذاهب بالتحريم إلا بعض متأخري الحنابلة، قالوا: إنهم مسبوقين بهذا.

وعلى كل حال ربما نقول: إن المسألة تحتاج إلى مزيد تأمل وبحث أيضًا، لكن هذا هو الذي يظهر من مجموع الآثار عن السلف الواردة في هذه المسألة، والمطلوب من المسلم أن لا يتعصب لرأي، يجعل الأدلة والآثار هي المحك؛ لأن بعض الناس ربما يستنكر مثل هذا الكلام؛ لكونه ألف قولًا معينًا، فيستغرب ويستنكر مثل هذا الكلام، فينبغي أن يكون المسلم صدره واسعًا ورحبًا، ونفهم أيضًا السنة كما فهمها الصحابة ، والمسألة محل خلاف بين أهل العلم، فإذا كانت خلافية فينبغي أن تتسع صدورنا لمثل هذا الخلاف، وأن لا يشنع وينكر على من أخذ بأي قول من الأقوال، لكن حلق اللحية محرم، وحكى بعض أهل العلم الإجماع على تحريم حلقها، حكى بعض أهل العلم الإجماع، والأقرب أنه قول أكثر أهل العلم، أن تحريم حلقها قول أكثر أهل العلم، والله تعالى أعلم.

حكم الختان

والختان واجب على الذكر والأنثى عند البلوغ، وقبله أفضل.

الختان بالنسبة للذكر: هو قطع الجلدة التي فوق حشفة الذكر، وبالنسبة للأنثى: قطع لحم زائدة فوق محل الإيلاج تشبه عرف الديك، والغرض منه بالنسبة للذكر كمال الطهارة، وبالنسبة للأنثى تعديل شهوتها؛ لأن المرأة إذا بقيت بدون ختان فربما يؤدي ذلك إلى زيادة شهوتها فربما تقع في السفاح ونحو ذلك كما علل بذلك أهل العلم هكذا عللوا بهذا، وقالوا: المقصود من ذلك تعديل شهوة المرأة.

والمؤلف هنا قال: إنه واجب على الذكر والأنثى عند البلوغ، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي قال: اختتن إبراهيم بعدما أتت عليه ثمانون عامًا [31]، وجاء في بعض الروايات أن إبراهيم هو أول من اختتن [32].

واختلف العلماء في الختان على أقوال:

  • القول الأول: الذي حكاه المؤلف، أنه واجب على الذكر والأنثى عند البلوغ.
  • القول الثاني: أنه مستحب في حق الذكر والأنثى مطلقًا.
  • القول الثالث: أنه واجب في حق الذكر مستحب في حق الأنثى.

وقد ورد ذكر الختان في حديث أبي هريرة السابق ذكره، وهو قول النبي : الفطرة خمس وذكر منها: الختان فالختان لا شك في استحبابه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام عده من الفطرة، فهو مستحب، لكن تبقى مسألة الوجوب، ومعلوم أنه لا تتم طهارة الذكر إلا بالختان، فالصلاة متى تجب على الإنسان؟ عند البلوغ، وبناء على ذلك فنقول: إن الختان واجب في حق الذكر عند البلوغ؛ لأنه لا تتم طهارته إلا به، فإنه لو لم يختتن فستبقى قطرات من البول في هذه اللحمة الزائدة على الحشفة، فستبقى قطرات من البول في هذه الجلدة؛ ولذلك نقول: إنه في حق الذكر يجب عند البلوغ؛ لأنه لا تتم الطهارة إلا به؛ لأنه لو لم يختتن فستبقى قطرات من البول في هذه الجلدة الزائدة.

وأما في حق الأنثى فإن هذا المعنى غير وارد؛ ولذلك فإنه يبقى مستحبًّا، وبعض أهل العلم يرى أنه مباح في حق المرأة، خاصة أنه ربما لا يوجد  -أو يقِلّ- مَن يحسن ختان المرأة، فربما يكون مترددًا بين الإباحة وبين الاستحباب، لكن بكل حال هو ليس بواجب في حق المرأة.

وقبله أفضل.

لأن الختان قبل البلوغ أفضل؛ لأن الصبي مأمور بالصلاة لسبع، حتى تصح صلاته، ويثاب على هذه الصلاة ينبغي أن يكون الختان قبل البلوغ حتى تتم طهارة هذا الصبي.

حكم القَزَع

أيضًا مما يذكره الفقهاء في هذا الباب (القزع) لم يذكره المؤلف، وقد ذكره في الزاد قال: “ويكره القزع”.

والقزع: هو حلق بعض الرأس وترك بعضه، وقد نص الفقهاء على كراهته، وقد ورد فيه حديث ابن عمر أن النبي نهى عن القزع، وقال: احلقه كله، أو اتركه كله [33].

فالقزع في أصله أنه مكروه، لكن إذا كان القزع يراد به التشبه بالكفار، فإنه يكون محرمًا؛ لأن التشبه بالكفار محرم؛ لقول النبي : من تشبه بقوم فهو منهم [34].

وعلى ذلك نقول: الأصل في القزع أنه مكروه، إلا إذا كان يراد به التشبه فإنه يكون محرمًا، وغالب من يضع القزع من الشباب غالبهم يقصدون التشبه، فحينئذٍ ينكر عليهم مثل هذا، ويبقى أنه مكروه، إنما يكون مكروهًا في حق من لم يقصد التشبه.

حكم حلق الرأس في غير الحج والعمرة

أيضًا هنا مسألة يذكرها الفقهاء وهي حلق الرأس في غير الحج والعمرة، أما في الحج والعمرة فالسنة حلق الرأس، قد قال عليه الصلاة والسلام: اللهم ارحم المحلقين قالوا: يا رسول الله، والمقصرين؟ قال: اللهم ارحم المحلقين قالوا: يا رسول الله، والمقصرين؟ قال: اللهم ارحم المحلقين قالوا: يا رسول الله، والمقصرين؟ قال في الرابعة: والمقصرين [35]؛ فدل ذلك على أن حلق الرأس في الحج والعمرة أنه أفضل، لكن حلق الرأس في غير الحج والعمرة، هل يُقال: إنه مكروه أو أنه مباح؟

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين، ذكر القولين الموفق ابن قدامة في المغني:

فذهب بعض أهل العلم إلى كراهة حلق الرأس في غير الحج والعمرة، وإنما المطلوب قص الرأس من غير حلق، يعني من غير استئصال، المقصود بالحلق حلقه بالموس، حتى حلقه بالمكينة حتى على رقم (صفر) لا يسمى حلقًا هذا تقصير، الحلق هو استئصاله بالموس، فبعض أهل العلم كره حلق الرأس في غير الحج والعمرة، قالوا: لأنه سيما الخوارج، وقد جاء في صحيح البخاري أن النبي قال عن الخوارج: سيماهم التحليق [36]، والمطلوب من المسلم أن يبتعد عن التشبه بأهل البدع.

القول الثاني في المسألة: أنه مباح وليس مكروهًا، واستدلوا بحديث ابن عمر السابق أن النبي قال: احلقه كله، أو اتركه كله فقوله: احلقه كله دليل على جواز الحلق، وأيضًا جاء عند أبي داود وغيره: أن النبي لما أتاه خبر مقتل جعفر بن أبي طالب أنه ذهب إلى أبناء جعفر، ودعا بالحلاق، وحلق رؤوسهم [37].

وهذا هو الأقرب -والله أعلم- أن حلق الرأس أنه مباح في غير الحج والعمرة أنه مباح، ولا يقال بكراهته إلا من قصد تشبهًا بأهل البدع فهذا صحيح، لكن هذا لا يرد عند الناس، وإنما بعض الناس يقصد بحلق الرأس تنظيف الرأس من هذا الشعر، فيقصد بذلك النظافة، ونحو ذلك من المعاني، فيبقى الأمر على الإباحة.

فالأقرب -والله أعلم- أن ذلك مباح، وأنه ليس مكروهًا.

هذه هي أبرز الأحكام المتعلقة بهذا الباب، ونكتفي بهذا.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1, ^12 رواه البخاري: 887، ومسلم: 252.
^2 رواه النسائي: 5، وأحمد: 24203، وذكره البخاري تعليقًا: 3/ 31.
^3 رواه البخاري: 888.
^4 رواه الطبراني في المعجم الكبير: 3696، والبيهقي في السنن الكبرى: 8336، والدارقطني: 2372.
^5 بنحوه رواه مسلم: 1348.
^6 رواه البخاري: 482، ومسلم: 573.
^7 رواه البخاري: 5927، ومسلم: 1151.
^8 رواه الترمذي: 725، وأحمد: 15678.
^9 رواه البيهقي في السنن الكبرى: 176.
^10 رواه البخاري: 898، ومسلم: 849.
^11 رواه النسائي في السنن الكبرى: 3021، وأحمد: 9928، ورواه البخاري معلقًا: 3/ 31.
^13 رواه البخاري: 245، ومسلم: 255.
^14 رواه البيهقي في السنن الكبرى: 162، والبزار: 603.
^15 سبق تخريجه.
^16 رواه مسلم: 253.
^17 رواه البخاري: 4438.
^18 رواه البخاري: 5889، ومسلم: 257.
^19 بنحوه رواه الطبراني في المعجم الأوسط: 787، والكبير: 10766، وأبو يعلى في مسنده: 2611، والبيهقي في شعب الإيمان: 4144.
^20 رواه أحمد: 24392.
^21 رواه مسلم: 846.
^22 رواه الترمذي: 1080، وأحمد: 23581.
^23 رواه عبدالرزاق الصنعاني في مصنفه: 10390.
^24 رواه الترمذي: 2048، وابن ماجه: 3499، وأحمد: 3320.
^25 رواه البخاري: 5893، ومسلم: 259.
^26 رواه مسلم: 259.
^27 رواه البخاري: 5892.
^28, ^29 رواه البخاري: 5892، ومسلم: 259.
^30 رواه الترمذي: 2762.
^31 رواه البخاري: 3356، ومسلم: 2370.
^32 رواه البيهقي في شعب الإيمان: 8270.
^33 بنحوه رواه أبو داود: 4195، والنسائي: 5048، وابن حبان: 5508.
^34 رواه أبو داود: 4031، وأحمد: 5114.
^35 رواه البخاري: 1727، ومسلم: 1301.
^36 رواه البخاري: 7562.
^37 رواه أبو داود: 4192، والنسائي: 5227، وأحمد: 1750.