عناصر المادة
- تعريف الاستنجاء لغة واصطلاحًا
- مكان قضاء الحاجة
- معنى الاستجمار وشروطه
- يسير النجاسة بعد الاستجمار
- لا يجزئ أقل من ثلاث مسحات
- يسن الاستنجاء بالحجر، ثم الماء
- يكره الاستنجاء بالماء ثم بالحجر
- الاستجمار مع وجود الماء
- يكره استقبال القبلة واستدبارها
- تحريم الاستنجاء بروث أو عظم وطعام
- من استنجى بروث وعظم وطعام لم يجزئه بعد ذلك إلا الماء
- لو تعدى الخارج موضع العادة لم يجزئه إلا الماء
- يجب الاستنجاء لكل خارج إلا الطاهر والنجس غير الملوث
- دخول الخلاء والخروج منه
- مناسبة سؤال الله المغفرة بعد الخروج من الخلاء
- يكره استقبال الشمس والقمر في حال التخلي
- استقبال مهب الريح
- الكلام عند قضاء الحاجة
- يكره البول في إناء بلا حاجة
- يكره البول في شق
- البول في نار ورماد
- حكم البول قائمًا
- يحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء بلا حائل
- يحرم أن يبول أو يتغوط بطريق مسلوك
- يحرم البول في ظل نافع وتحت شجرة عليها ثمر يقصد
- يحرم البول بين قبور المسلمين
- يحرم أن يلبث فوق قدر حاجته
اقترح بعض الإخوة أن يجري تعديل على الخطة التي وضعت بسببٍ؛ قالوا: إنه قد يكون هناك ضغط لبعض الأبواب، فلا تأخذ حقها من الشرح، وربما أيضًا يكون هناك طول في وقت الدرس، واستحسنت هذا الاقتراح، فلعلنا نمدد الخطة من سنتين إلى ثلاث سنوات ويكون هناك تعديل يسير على الخطة يعني مثلًا اليوم الاستنجاء كان مقرر الخطة الاستنجاء والسواك، فنكتفي بالاستنجاء، وسيكون هناك إن شاء الله تعديلات يسيرة على الخطة المقررة بعد إضافة سنة للخطة، حتى لا يكون هناك أيضًا اختزال في الشرح، أو اختصار في الشرح حتى نعطي المسائل حقها من الشرح أيضًا لا يكون هناك إطالة ربما أنها ترهق بعض الأخوة الذين يحضرون معنا الدرس.
ننتقل بعد ذلك إلى درس الفقه، وكنا قد وصلنا إلى باب الاستنجاء وآداب التخلي.
تعريف الاستنجاء لغة واصطلاحًا
الاستنجاء: استفعال من النجو، والنجو قيل معناه: القطع، مأخوذ من قولك نجوت الشجرة إذا قطعتها، فكأنه قطع للأذى، وقال ابن قتيبة في غريب الحديث قال: “إنه مأخوذ من النجوة، وهي ما ارتفع من الأرض، وذلك لأن من أراد أن يقضي حاجته استتر بها”.
فإذًا إما أن يكون مأخوذًا من القطع، أو مأخوذًا من النجوة، وهي المرتفع.
أما معناه اصطلاحًا فقد عرفه المؤلف، بقوله:
هو إزالة ما خرج من السبيلين بماء طهور.
والمقصود بالسبيلين مخرج البول ومخرج الغائط، وأما الاستجمار فهو يذكر مع الاستنجاء، إذا ذكر الاستنجاء يذكر بعده الاستجمار، وقد يطلق الاستنجاء على الاستجمار؛ ولهذا المؤلف لما عرّف الاستنجاء قال:
أو حجر طاهر.
فقد يطلق الاستنجاء على الاستجمار.
الاستجمار: استفعال من الجمار، وهي الحجارة الصغيرة؛ لأنها تستعمل في إزالة الأذى، ويكون تعريف الاستجمار: إزالة ما خرج من السبيلين بحجر طاهر مباح منقٍ على ما عرفه المؤلف.
فيكون قوله: “إزالة ما خرج من السبيلين بماء طهور” هذا هو الاستنجاء، “أو حجر طاهر مباح منقٍ” هذا هو الاستجمار.
تعريف الاستجمار هو: إزالة ما خرج من السبيلين بحجر طاهر مباح منقٍ ونحوه.
وهنا المؤلف قال:
باب الاستنجاء وآداب التخلي.
مكان قضاء الحاجة
التخلي: مأخوذ من الخلاء، والخلاء هو المكان الخالي؛ وذلك لأن من يريد قضاء حاجته يقصد في الأصل مكانًا خاليًا، ثم أصبح يطلق على المكان المعد لقضاء الحاجة، وله أسماء أخرى المكان المعد لقضاء الحاجة له أسماء أخرى؛ من يذكر لنا بعض الأسماء؟
الحش، وكذلك الكنيف والمرحاض، فالمرحاض والحش والكنيف والخلاء هذه كلها أسماء لأماكن قضاء الحاجة، وأيضًا في المصطلحات المعاصرة يسمونها دورة المياه، هذا مصطلح معاصر، وأما الحمام، فإنه لا يراد به المكان المعد لقضاء الحاجة، الحمام مغتسل كان الناس يغتسلون فيه خاصة في البلاد الباردة كبلاد الشام ونحوها، يغتسل الناس فيه بالماء الحار لأجل تنظيف الجسم، وكرهه بعض السلف؛ لأنه يحصل فيه نوع من كشف العورة والاختلاط بين الرجال والنساء، فهذه لا يقصد بها مكان قضاء الحاجة، بعض العامة الآن تسمي مكان قضاء الحاجة الحمام وهذه التسمية ليست هي التسمية المقصودة عند الفقهاء.
أيضًا بعض العلماء يعبر عن هذا الباب بالاستطابة، باب الاستطابة، وممن فعل ذلك الحافظ عبدالغني المقدسي في عمدة الأحكام، قال: باب الاستطابة أخذًا من قول النبي : ولا يستطيب بيمينه [1] فهو مأخوذ من الطيب؛ لأنه تطيب نفسه بإزالة الخبث.
نعود للاستنجاء، قال:
هو إزالة ما خرج من السبيلين بماء طهور أو حجر طاهر مباح منقٍ.
معنى الاستجمار وشروطه
وسيتكلم بعد ذلك عن الاستنجاء والاستجمار، وأيهما أفضل؟ ونرجئ الكلام عن أيهما أفضل؟ لكن نعرف أن الاستنجاء يكون بالماء خاصة، وأما الاستجمار فيكون بغير الماء مما هو طاهر مباح، فيشمل ذلك الأحجار، ويشمل ذلك المناديل، ويشمل كل ما هو طاهر مباح منقٍ، وقوله: “أو حجر طاهر مباح منقٍ” فيه إشارة إلى شروط الاستجمار:
الشرط الأول: أن يكون بشيء طاهر، فلا يصح أن يكون بشيء نجس، ويدل لذلك حديث ابن مسعود : أن النبي أتى الغائط وأمره أن يأتيه بثلاثة أحجار، فأخذ الحجرين، وألقى الروثة، وقال هذا ركس [2] رواه البخاري، والركس: هو النجس.
والشرط الثاني: أن يكون بشيء مباح، فلا يصح أن يكون الاستجمار بشيء محرم.
والثالث: منقٍ أي يحصل به الإنقاء، فإن كان ما يستجمر به غير منقٍ لم يجزئ؛ لأن المقصود من الاستجمار هو الإنقاء، بدليل أن النبي نهى عن الاستجمار بأقل من ثلاثة أحجار؛ لأنه لا يحصل بها الإنقاء، فلو كان هناك مثلًا حجر رطب، طين مثلًا ونحوه لا يحصل به الإنقاء فلا يصح الاستجمار به.
إذًا ذكر المؤلف هنا ثلاثة شروط، وبعضهم يضيف لها شروطًا أخرى، المؤلف فرق الكلام عن هذه الشروط، بعضهم يقول:
الشرط الرابع: أن يكون غير عظم ولا روث، وهذا وإن كان هذا أشار إليه المؤلف، لكن يصح أن نضيفه هنا شرطًا رابعًا: أن يكون بغير عظم ولا روث ولا طعام ولا شيء محترم وسيأتي الكلام عن هذا الشرط من كلام المؤلف.
ثم وضح المؤلف الإنقاء بالحجر، ووضع المؤلف له ضابطًا جيدًا، هذا مما يتميز به دليل الطالب تجد فيه بعض الفوائد واللطائف والضوابط التي لا تكاد تجدها في غيره، فهنا المؤلف وضع لنا ضابطًا في الإنقاء بالحجر، وضابطًا في الإنقاء بالماء.
من يستنبط لنا ضابط الإنقاء بالحجر من كلام المؤلف؟
نعم “فالإنقاء بالحجر ونحوه أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء”
طيب ضابط الإنقاء بالماء من يستنبط لنا من كلام المؤلف؟
نعم قوله: “عود خشونة المحل كما كان، وظنه كافٍ”.
يسير النجاسة بعد الاستجمار
فإذن ضابط الإنقاء بالحجر أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء، يعني بعدما يستجمر بالحجر بالمناديل مثلًا أو بالأحجار لا يبقى إلا أثر لا تزيله أحجار ونحوها، وإنما لا يزيله إلا الماء، فمثلًا لو أنه وضع المنديل في المحل ما وجد أي أثر وضع الحجر في المحل وما وجد أي أثر، لكن الماء قد يبقى أثر يسير لطيف جدًّا يزيله الماء، هذا الأثر اليسير الذي يزيله الماء هذا نجاسة، هل يعفى عن هذه النجاسة؟
عندما يستجمر الإنسان بالمناديل مثلًا، يكتفى بالاستجمار فحصل الإنقاء ولم يبق على كلام المؤلف إلا أثر لا يزيله إلا الماء، يعني أثر يسير جدًّا، بحيث لو وضع المنديل ما وجد أي أثر في المنديل أو ما وجد أي أثر في الحجر، لكن بقي أجزاء يسيرة جدًّا، هذه النجاسة، هل هي مما يعفى عنها أم لا؟ هذه مما يعفى عنها.
هذه وإن كانت نجاسة إلا أنه مما يعفى عنها لمشقة التحرز، وقد نقل الإجماع على هذا، والموفق ابن قدامة في المغني قال: “إنه لا يعفى عن أثر النجاسة في محلها إلا في ثلاثة مواضع: في الاستجمار، وفي النعلين بعد دلكهما في الأرض، وفي العظم النجس إذا جبر بعظم طاهر وجبر”.
بهذا نعرف أن الاستجمار لا يستأصل جميع النجاسة، وإنما يبقى أثر لكنه أثر يسير جدًّا لا يزيله إلا الماء، فهذا مما يعفى عنه، قال:
لا يجزئ أقل من ثلاث مسحات
ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات تعم كل مسحة المحل.
يعني: لا بد في الاستجمار أن يكون بثلاث مسحات وتعم كل مسحة المحل، وقد ورد التنصيص على هذا في حديث سلمان الفارسي قال: نهى رسول الله أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار [3] أخرجه مسلم في صحيحه.
وبناء على ذلك من أراد أن يستجمر مثلًا بمنديل واحد نقول: لا يكفي، اثنين لا يكفي، لا بد ثلاثة، لكن استثنى العلماء من ذلك قالوا: لو كان حجرًا ذا ثلاث شعب، فإنه يجزئ، كأنه ثلاثة أحجار، وهذا نص عليه صاحب الزاد أنه لو كان حجرًا ذا ثلاث شعب فإنه يجزئ؛ لأنه يكون عن ثلاثة أحجار، قال:
والإنقاء بالماء.
ذكر المؤلف الإنقاء بالماء.
عود خشونة المحل كما كان.
معلوم أنه بعد خروج الغائط وبعد خروج البول كذلك يكون المحل لينًا طريًّا، فإذا غسل بالماء عاد خشنًا كما كان، هذا هو الضابط، أن يعود المحل خشنًا كما كان، قال:
وظنه كافٍ.
يعني: يكفي الظن في أبواب العبادات عمومًا، ما يشترط اليقين، يشترط فيها غلبة الظن، يكفي فيها غلبة الظن، ويعني هذا في الحقيقة يقطع أبواب الوساوس على الناس، بعض الناس عندهم وسوسة في هذا.
اتصل بي أحد الناس يسأل عن الضابط في الاستنجاء والاستجمار ويشدد على نفسه في هذا، نقول: يكفي غلبة الظن في هذا، إذا غلب على ظنه عود خشونة المحل يكفي، الاستجمار ما يشترط استئصال جميع النجاسة، وإنما النجاسة التي لا يزيلها إلا الماء يعفى عنها، ما عدا ذلك هي التي يشترط استئصالها، الأمر في هذا واسع، أبواب العبادات يكفي فيها غلبة الظن، قال:
يسن الاستنجاء بالحجر، ثم الماء
ويسن الاستنجاء بالحجر، ثم بالماء.
نحن قلنا: إنه يطلق الاستنجاء على الاستجمار، وهنا قال: “ويسن الاستنجاء بالحجر ثم بالماء” يعني: يبدأ أولًا بالحجر، ثم بالماء، وهذا يقودنا إلى مسألة وهي: أيهما أفضل الاستنجاء أم الاستجمار؟
أولًا: أيهما أنقى الاستنجاء أم الاستجمار؟
الاستنجاء لا شك أنه أنقى، لكن اختلف العلماء أيهما أفضل الاستنجاء أم الاستجمار؟ فذهب بعض العلماء إلى أن الاستجمار أفضل؛ لأن المستجمر لا يباشر النجاسة بيده، وإنما يكون ذلك عن طريق ما يستجمر به من حجر أو منديل ونحوه، وقالوا: أكثر الصحابة ما كانوا يعرفون الاستنجاء بالماء إنما كانوا يعرفون الاستجمار، أكثر الصحابة كانوا يستجمرون فقط ما يستنجون بالماء.
والقول الثاني: أن الاستنجاء أفضل؛ لأنه أنقى، وهذا هو الأقرب والله أعلم، أن الاستنجاء أفضل؛ لأنه أنقى؛ ولأن المقصود بالاستنجاء والاستجمار الإنقاء، ما دام أن الاستنجاء أنقى فهو أفضل، لكن أكمل المراتب هو كما ذكر المؤلف: أن يستجمر بحجر، ثم يستنجي بالماء؛ لأنه إذا استجمر بحجر واستنجى بالماء زال المحظور الذي ذكره أصحاب القول الأول؛ إذا استجمر بحجر لم يباشر النجاسة بيده، ثم إذا استنجى بالماء حصل الإنقاء الكامل، واشتهر أن أهل قباء نزل فيهم قول الله تعالى: فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِرِينْ [التوبة:108] وأن النبي سألهم: ماذا تصنعون؟ فقالوا: نتبع الحجارة الماء [4].
ولكن هذا الحديث ضعيف من جهة الإسناد، أخرجه البزار، وهو ضعيف، لا يثبت، والمحفوظ أن هذه الآية نزلت في استعمالهم الماء فقط، كما جاء ذلك عند أبي داود والترمذي عن أبي هريرة قال: نزلت هذه الآية: فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِرِينْ في أهل قباء كانوا يستنجون بالماء [5]، هكذا لفظ الرواية عند أبي داود والترمذي: “كانوا يستنجون بالماء”.
إذًا أكمل المراتب الاستجمار ثم الاستنجاء، يعني يأخذ الإنسان مثلًا معه مناديل يستجمر بها أولًا، ثم يستنجي بالماء، هذا هو أكمل المراتب، يليه الاستنجاء، يليه الاستجمار، قوله:
يكره الاستنجاء بالماء ثم بالحجر
فإن عكس كره.
يعني: فإن بدأ بالاستنجاء بالماء، ثم الاستجمار فإن ذلك يكره، ولكن هذا محل نظر؛ لأن الكراهة حكم شرعي ولا دليل يدل على الكراهة، ومعلوم أنه إذا اقتصر على أحدهما أجزئ فكيف إذا جمع بينهما؟
الاستجمار مع وجود الماء
ولكن أطرح سؤالًا: هل للإنسان أن يستجمر مع وجود الماء؟ إنسان مثلًا في مدرسة أو في بيته، ودخل الحش أو ما يسمى دورة المياه، وبعد البول أو الغائط تنظف بالمناديل، ثم خرج وتوضأ، هل هذا يجزئ أو أنه لا بد من الماء ما دام أن الماء متيسر؟
الجواب: نعم، يجزئ بإجماع العلماء، وكثير من العامة يستنكر هذا، كيف تستجمر بالمناديل أو بالأحجار وعندك الماء؟
نقول: هذا مجزئ، كما ذكرنا أكثر الصحابة ما كانوا يعرفون أصلًا الاستنجاء بالماء، بل إن بعضهم كسعد بن أبي وقاص أنكر الاستنجاء بالماء، وأكثرهم كانوا يستجمرون، فالاستجمار مجزئ حتى مع وجود الماء بإجماع العلماء، وهذه المسائل يحتاج لها الإنسان في بعض الأماكن خاصة مثلًا في الطائرة؛ لأنه في الطائرة قد يكون الاستجمار أيسر للإنسان من الاستنجاء، فيكفي أن يستجمر بمناديل ونحوها، ثم يتوضأ، فإذًا لا يشترط الاستنجاء، ما يفهمه بعض العامة من أنه إذا كان الماء موجودًا لا بد من الاستنجاء، هذا فهم غير صحيح، قوله:
ويجزئ أحدهما، والماء أفضل.
يعني: الاستنجاء أفضل من الاستجمار، وقوله:
يكره استقبال القبلة واستدبارها
ويكره استقبال القبلة واستدبارها في الاستنجاء.
المعروف من مذهب الحنابلة كما في الزاد وغيره أنه يحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء دون البنيان، وهنا كيف قال المؤلف: يكره استقبال القبلة واستدبارها في الاستنجاء؟
لاحظ عبارة المؤلف قال: في الاستنجاء فقط، أما قضاء الحاجة فسيتكلم عنها في آخر الباب، حيث قال: “ويحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء بلا حائل” لكن المؤلف قصد بهذا في حال الاستنجاء فقط، ليس في حال قضاء الحاجة، فهنا يقول المؤلف: “يكره استقبال القبلة واستدبارها في حال الاستنجاء تعظيمًا لها” لاحظ أنه في حال الاستنجاء وليس في حال قضاء الحاجة، أما قضاء الحاجة فسيأتي الكلام عنه، ولو أن المؤلف جمع بين المسألتين لكان هذا أحسن، يعني فرق المسألتين، على كل حال مقصود المؤلف هنا الاستنجاء، وليس قضاء الحاجة، قضاء الحاجة سيأتي الكلام عنه إن شاء الله، قوله:
تحريم الاستنجاء بروث أو عظم وطعام
ويحرم بروث وعظم.
أما العظم والروث فقد ورد النهي عن الاستجمار بهما في عدة أحاديث، منها حديث ابن مسعود السابق الذي ذكرناه قبل قليل وهو أن النبي أتاه ابن مسعود بثلاثة أحجار، فأخذ حجرين، وألقى الروثة وقال: هذه ركس [6]، رواه البخاري.
وأيضًا حديث أبي هريرة أن النبي نهى أن يستنجى بعظم أو روث، وقال: إنهما لا يطهران [7] رواه الدارقطني، وقال: إسناده صحيح.
والعلة في ذلك ما جاء في صحيح مسلم: فإنه زاد إخوانكم الجن [8] يعني: يقصد بذلك العظم، وأما الروث فقد ورد ما يدل على أنه علف لدوابهم، فتكون العلة في النهي عن الاستجمار بالعظم أنه زاد الجن، والروث أنه علف دواب الجن، قوله:
وطعام ولو لبهيمة.
أي: طعام لبني آدم، بدليل قوله: “ولو لبهيمة” فهو يقصد طعام بني آدم لا يجوز الاستجمار به؛ وذلك لأنه إذا نهي عن الاستجمار بطعام الجن فالنهي عن الاستجمار عن طعام الإنس من باب أولى؛ لأن الإنس أفضل من الجن، ثم إن فيه محذورًا وهو الكفر بنعمة الله ؛ وذلك بامتهان النعمة، حتى ولو كان الاستجمار بطعام بهيمة، فإنه أيضًا محرم، فأفادنا المؤلف بأنه يحرم الاستجمار بطعام بني آدم، وطعام البهائم كذلك، قوله:
من استنجى بروث وعظم وطعام لم يجزئه بعد ذلك إلا الماء
فإن فعل لم يجزئه بعد ذلك إلا الماء.
يعني: لو أنه مثلًا استجمر بعظم أو بروث أو بطعام، فإنه لا بجزئه إلا الاستنجاء بالماء لا يجزئه الاستجمار، وعللوا بذلك قالوا: إن الاستجمار رخصة، والرخصة لا تستباح بالمحرم، قوله:
لو تعدى الخارج موضع العادة لم يجزئه إلا الماء
كما لو تعدى الخارج موضع العادة.
يعني: أحيانًا الإنسان قد يتعدى الغائط موضع العادة لأي سبب؛ لكونه مصابًا بإسهال ونحوه، فيتعدى الخارج موضع العادة، وبعضهم يعبر بموضع الحاجة، وعبارة الزاد موضع الحاجة، والمعنى واحد.
هم يقولون: إذا تعدى الخارج موضع العادة فإنه لا يكفي الاستجمار، وإنما لا بد من الاستنجاء بالماء، فمعنى قول المؤلف: كما لو تعدى، يعني الحكم في هذه المسألة كالحكم في المسألة السابقة التي قالوا: لا بد فيها من الاستنجاء بالماء، فيكون المعنى: أنه إذا تعدى الخارج موضع العادة فيجب الاستنجاء، وتعدي الخارج موضع الحاجة؛ وذلك بأن ينتشر على شيء من الألية والبول يمتد إلى أسفل الحشفة ونحو ذلك، فيقولون هنا: لا بد من الاستنجاء، والأصل في الإنسان إذا كان ذكرًا فإنه لا يتعدى بوله مخرج الذكر، قالوا: والمرأة البكر كالرجل لأن عذرتها تمنع انتشار البول، وأما المرأة الثيب فإنه قد يتعدى البول مخرجه إلى مخرج الحيض، وحينئذٍ لا بد فيه من الاستنجاء، يعني لاحظ الفقهاء فَصَّلوا حتى في هذه المسائل الدقيقة، ولكن هذا القول يحتاج إلى دليل ظاهر يدل على هذا الحكم، ليس هناك دليل ظاهر يدل على وجوب الاستنجاء في هذه المسألة، وإنما مبني على التعليل، قالوا: لأن الاقتصار على الأحجار ونحوها أنه لا يحصل به الإنقاء.
والقول الثاني في المسألة: أنه يجزئ الاستجمار حتى ولو تجاوز الخارج موضع العادة، وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، واستدل أصحاب هذا القول بعموم الأدلة الدالة على إجزاء الاستجمار، قالوا: ولم ينقل عن النبي في ذلك تحذير أو تفصيل، والقول بأنه لا يحصل الإنقاء محل نظر، فإن الواقع أنه يحصل الإنقاء حتى ولو تعدى الخارج موضع العادة، فلو مثلًا يعني تعدى الخارج موضع الحاجة كان الإنسان مثلًا مصابًا بإسهال ونحوه وتعدى الخارج موضع الحاجة ثم أتى بمناديل ونحوها، فالواقع أنه يحصل بها الإنقاء.
وبناء على ذلك فالقول الراجح في هذه المسألة والله أعلم هو القول الثاني، وهو أنه لا يجب الاستنجاء عند تعدي الخارج موضع الحاجة، وإنما يجزئ الاستجمار، فيكون الصواب هو خلاف ما ذكره المؤلف رحمه الله، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى على الجميع، قوله:
يجب الاستنجاء لكل خارج إلا الطاهر والنجس غير الملوث
ويجب الاستنجاء لكل خارج.
وهذا قال الموفق ابن قدامة، هو قول أكثر أهل العلم، يعني كل خارج من السبيلين يجب منه الاستنجاء، وبناء على ذلك رطوبة فرج المرأة يجب منها الاستنجاء، وتكون ناقضًا للوضوء، يعني معظم النساء يخرج منهن سوائل وإفرازات ورطوبة، فهذا إذا خرج بعد الوضوء يعتبر ناقضًا للوضوء، ولم يقل أحد من أهل العلم أنه لا ينقض الوضوء غير ابن حزم، ومن عداه قالوا: بأنه ينقض الوضوء، لكن اختلفوا في رطوبة فرج المرأة هل هو طاهر أو نجس سيأتي إن شاء الله بحث هذه المسألة، والأقرب أنه طاهر ما دام خرج من مخرج الولد، وليس بمخرج البول، قوله:
إلا الطاهر.
كالريح، يقولون: الريح ليست في أصلها نجسة، لكن خروجها ينقض الوضوء، ولا يوجب الاستنجاء، قال الإمام أحمد: ليس في الريح استنجاء في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله ، وبهذا يعلم خطأ ما يعتقده بعض العامة، فإن بعض العامة يعتقد أنه كل من أراد أن يتوضأ يجب عليه أن يستنجي، هذا غير صحيح، الاستنجاء والاستجمار إنما يكونا عند قضاء الحاجة فقط، لكن لو خرج من الإنسان ريح هل يجب عليه أن يستنجي؟ ما يجب، لو قام من النوم هل يجب عليه أن يستنجي؟ ما يجب، يتوضأ مباشرة.
بعض العامة يعتقد أنه لا بد أن يستنجي بالماء، هذا فهم غير صحيح، بل لو قال قائل: إن الإنسان إذا تعبد لله بهذا قد يكون هذا من البدع، لا بد كل مرة يريد أن يتوضأ أنه يستنجي، سواء خرج منه شيء أم لم يخرج منه شيء، هذا لا أصل له، فالاستنجاء والاستجمار إنما يكونا عند قضاء الحاجة، أما عند خروج الريح، فهنا لا يجب الاستنجاء، وهكذا عند القيام من النوم لا يجب الاستنجاء، ومثل بعضهم لذلك بالمني، المني موجب للغسل، لكنه على القول الصحيح هو أيضًا ناقض للوضوء.
قال المؤلف:
والنجسَ الذي لم يلوث المحل.
يعني: إلا الطاهر والنجس الذي لم يلوث المحل، قوله: والنجس هنا: معطوف على ماذا؟ على الطاهر فيكون مستثنى،
ما مقصود المؤلف والنجس الذي لم يلوث المحل؟ يقول المؤلف: إن النجس الذي لم يلوث المحل هذا لا يجب منه الاستنجاء، ما معنى هذا الكلام؟
يعني: لو خرج من الإنسان غائط، لكنه يابس بحيث إنه لا يحتاج إلى إنقاء، هو خرج ولا يحتاج إلى إنقاء، المحل لا يحتاج إلى إنقاء ليبوسته، فيقولون: إنه لا يجب الاستنجاء في هذه الحال؛ لأن الاستنجاء والاستجمار إنما يكون لإنقاء المحل، فإذا كان المحل يعني أصلًا نقي، بسبب أن الذي خرج كان يابسًا، فيقولون هنا: لا يجب الاستنجاء، وقال بعض أهل العلم: إنه يجب الاستنجاء في هذه الحال؛ وذلك لأنه مظنة لعلوق شيء من النجاسة بالمحل، وهذا هو الأقرب أن خروج الغائط مظنة لأن يعلق شيء بالمحل، ويبعد أن نقول: إن الإنسان يخرج منه غائط ومع ذلك لا يجب عليه لا استنجاء ولا استجمار، هذا بعيد حتى وإن قالوا: إنه لم يلوث المحل، لكن هو مظنة لتلويث المحل، وهذا القول هو القول الأقرب والله أعلم: أنه إذا خرج من الإنسان نجس فيجب عليه أن يستنجي حتى ولو لم يلوث المحل.
دخول الخلاء والخروج منه
قال المؤلف رحمه الله:
فصل: يسن لداخل الخلاء تقديم اليسرى.
يعني: تقديم رجله اليسرى؛ وذلك لأن القاعدة هي تقديم الرجل اليسرى في الأمور التي لا يطلب فيها التكريم، وتقديم اليمنى في الأمور التي من شأنها التكريم، فعند دخول المسجد تقدم اليمنى، وعند الخروج منه تقدم اليسرى، وعند دخول الخلاء تقدم اليسرى، وعند الخروج منه تقدم اليمنى، قال:
وقول: “بسم الله”.
أي: يسن قول: “بسم الله” ويدل لذلك حديث علي أن النبي قال: ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: بسم الله [9] وهذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه وله طرق وشواهد متعددة، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه، ولاحظ هنا هذا من رحمة الله : أن الله تعالى جعل ذكره سترًا ما بين أعين الجن ورؤية عورة الإنسان؛ لأن الجن لا يراهم الإنسان: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُم [الأعراف:27] والحشوش مأوى للجن وللشياطين، وحينئذٍ إذا كشف الإنسان عورته فقد ترى الجن عورته وتنكشف لهم، لكن من رحمة الله أن جعل ذكر اسمه مانعًا من أن ترى الجن عورته.
وهكذا أيضًا ذكر اسم الله عند الطعام يمنع من أن يأكل معه الشيطان، وهكذا ذكر اسم الله عند دخول المنزل يمنع من أن يبيت الشيطان مع الإنسان، يعني إذا أنت دخلت المنزل وذكرت اسم الله ما ينام الشيطان معك، لكن كل إنسان معه شيطان معه قرين، لكن إذا نسيت ولم تذكر اسم الله، فإن الشيطان ينام معك، إذا لم تذكر اسم الله عند الطعام يأكل معك ويشرب معك، إذا لم تذكر اسم الله تعالى عند دخول الخلاء، فإن الشيطان ربما يرى عورتك، قال:
أعوذ بالله من الخبث والخبائث.
وهذا الحديث في الصحيحين، حديث أنس أن الرسول كان إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبُث والخبائث [10].
والخُبُث: الرواية المشهورة بضم الباء، بل قال الخطابي: إنه لا يجوز غيره، ونسب الخطابي في معالم السنن عد الخُبْث بإسكان الباء من أغاليط المحدثين، ولكن هذا القول محل نظر، فإن أبا عبيد قد قال: بأن الصواب هو الخُبْث بإسكان الباء، وأبو عبيد معروف بأنه ضليع في اللغة والحديث؛ ولذلك نقول: هما روايتان: روي الخبُث بضم الباء، والخبْث بإسكان الباء، لكن الأشهر هو الخبُث.
الخبُث بضم الباء: جمع خبيث، والخبائث جمع خبيثة، فيكون المعنى: الاستعاذة بالله من ذكران الشياطين وإناثهم، أما بإسكان الباء، فالمقصود بالخبْث: الشر، والخبائث: أهل الشر، فكأنه استعاذ بالله من الشر وأهله.
وإذا خرج قدم اليمنى، وقال: غفرانك.
وذلك للحديث الذي أخرجه ابن ماجه وغيره حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي كان إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك [11] هو حديث عائشة، أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد والبيهقي والحاكم وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود وغيرهم، وهو حديث صحيح.
وأما زيادة قال:
الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني.
هذه الزيادة أخرجها ابن ماجه من حديث أنس [12] ولكنها ضعيفة لا تثبت، في إسنادها إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف، بل في الزوائد أنه متفق على تضعيفه؛ ولهذا قال الدارقطني: إنه غير محفوظ، قال النووي: إنه ضعيف إسناده ضعيف.
فيكون إذًا المحفوظ عند الخروج: غفرانك فقط، إذًا يكون الذكر الثابت عند الدخول: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبُث والخبائث وعند الخروج: غفرانك.
وأما زيادة: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني قلنا: الحديث المروي في ذلك ضعيف.
طيب ما معنى قول: غفرانك؟
غفرانك: مصدر منصوب لفعل محذوف والتقدير: أسألك غفرانك.
مناسبة سؤال الله المغفرة بعد الخروج من الخلاء
طيب، ما مناسبة سؤال الله المغفرة بعد الخروج من الخلاء؟
للعلماء في ذلك أقوال:
القول الأول: أن الإنسان دخل موضع الخلاء ثقيلًا، وخرج خفيفًا، فينبغي له أن يتذكر ثقل الذنوب ويسأل الله المغفرة.
وقيل: لأن الإنسان لما تخفف من أذية الجسم تذكر أذية الإثم؛ فسأل الله المغفرة.
وقيل: لأن طلب المغفرة من التقصير في شكر نعمة الله على إخراج هذا الخارج بعد أن أنعم الله عليه به فأطعمه، ثم هضمه، ثم سهل خروجه عليه.
وقيل: إن النبي كان لا ينقطع عن ذكر الله، يذكر الله تعالى دائمًا، إلا عندما يكون في الخلاء ينقطع عن ذكر الله، فيستغفر الله تعالى عن هذا التقصير.
والذي يظهر أن المعاني الثلاثة الأولى كلها مرادة، وأما الأخير فانحباس الإنسان لأجل قضاء الحاجة ليس تقصيرًا في الحقيقة ليس تقصيرًا يستحق أن يستغفر الإنسان منه؛ ولهذا فالرابع محل نظر؛ ولهذا فإن الحائض لا تصوم ولا تصلي ولا يسن لها إذا طهرت أن تستغفر الله ؛ لأنها تركت الصوم والصلاة أيام الحيض بأمر الله .
فالمعاني الثلاثة الأولى هي الأقرب:
المعنى الأول: أنه إذا دخل موضع الخلاء ثقيلًا فخرج خفيفًا تذكر ثقل الذنوب.
الثاني: لما تخفف من أذية الجسم تذكر أذية الإثم.
الثالث: أنه طلب المغفرة من التقصير في شكر نعمة الله عليه.
قال:
يكره استقبال الشمس والقمر في حال التخلي
ويكره في حال التخلي استقبال الشمس والقمر.
وهو ما يعبر عنها بعضهم باستقبال النيِّرين، وعللوا لهذا قالوا: لما فيهما من نور الله تعالى، والمراد بنور الله: النور المخلوق، وليس نور الله الذي هو صفته؛ لأن نور الله على قسمين:
قسم مخلوق، وهو نور السماوات والأرض، النور الموجود في السماوات والأرض هذا مخلوق.
والقسم الثاني: نور الله الذي هو صفته، وهذا من صفات الله ، وليس مخلوقًا.
ولكن هذا التعليل محل نظر؛ لأنه يلزم من هذا أن كل شيء فيه نور يكره استقباله، حتى النجوم وحتى الكواكب، وهذا القول، قول ضعيف، ولهذا قال ابن القيم: “لم ينقل عن النبي في ذلك كلمة واحدة لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مرسل ولا متصل وليس لهذه المسألة أصل في الشرع”.
فهذا القول، قول ضعيف، وهو مصادم لقول النبي : لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا [13]، معلوم أن من شرّق أو غرّب فإن الشمس تكون إما طالعة، وإما غاربة، فهو يستقبل الشمس أو يستدبرُها.
فإذًا هذا القول نقول: إنه قول ضعيف، والصواب: أنه لا يكره استقبال الشمس والقمر، بل القول بالكراهة قول في غاية الضعف.
استقبال مهب الريح
ومهب الريح.
يعني: يكره أن يستقبل مهب الريح لئلا يرتد عليه البول أو رشاش البول، ولكن القول بالكراهة أيضًا محل نظر؛ لأن الكراهة حكم شرعي، لو قيل: الأولى ألا يكون في مهب الريح حتى لا يرتد عليه رشاش البول، ونحوه.
الكلام عند قضاء الحاجة
والكلام.
يعني: يكره أن يتكلم عند قضاء الحاجة، ويدل لذلك ما جاء في صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مر بالنبي رجل فسلم عليه وهو يبول فلم يرد عليه [14]، يعني: لم يرد النبي على هذا المسلم، وإذا لم يرد النبي السلام الذي يجب رده فغيره من الكلام كذلك؛ ولهذا نقول: إن الكلام أثناء قضاء الحاجة مكروه.
يكره البول في إناء بلا حاجة
والبول في إناء.
لكن قيده بعضهم بلا حاجة؛ لأن هذا الإناء قد يستخدم في أكل أو شرب، أو نحو ذلك، أما مع الحاجة فتزول الكراهة، ومن الحاجة أن بعض المرضى مثلًا يؤتى له بإناء؛ لكي يبول فيه؛ لكونه عاجزًا عن أن يذهب لمحل قضاء الحاجة، فهذا تزول الكراهة، لكن الكلام في البول في إناء من غير حاجة.
يكره البول في شق
وشَق.
يعني: يكره أن يبول في الشَّق، ما هو الشَّق؟
الشَّق: هو الفتحة من الأرض، بفتح الشين، هو الفتحة من الأرض والجحر للهوام والدواب ونحوهم، ويدل لذلك حديث عبدالله بن سرجس أن النبي نهى أن يبال في الجحر قيل لقتادة: فما بال الجحر؟ قال: مساكن الجن [15] وهذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد، واختلف في درجته فمن العلماء من ضعفه ومنهم من صححه، وممن صححه ابن خزيمة وابن السكن.
ومن جهة النظر قالوا: يخشى أن يكون في هذا الجحر ساكن فيفسد عليه مسكنه، أو يخرج على الإنسان شيء من الهوام، وهو يبول؛ ولهذا ذكر المؤرخون أن سعد بن عبادة سيد الخزرج بال في جحر في بلاد الشام، فما إن فرغ من بوله حتى استلقى ميتًا، فسمعوا هاتفًا يهتف يقول:
نـحن قـتلنا سيد الخـزرج سـعـد بـن عـبــادة | ورمـيـنـاه بـسـهــم فـلـم نـخـطئ فـؤاده |
فلذلك قالوا: إنه يكره أن يبول الإنسان في الجحر.
البول في نار ورماد
ونار ورماد.
وعللوا لذلك قالوا: لأن البول في النار والرماد يورث السقم، ولكن هذا محل نظر؛ إن ثبت من جهة الطب أن فيه ضرر على صحة الإنسان فنعم، أما إذا لم يثبت، فالأصل في هذا الإباحة.
حكم البول قائمًا
ولا يكره البول قائمًا.
لما جاء في الصحيحين عن حذيفة : “أن النبي انتهى إلى سباطة قوم فبال قائمًا” [16]، معنى سباطة: زبالة، وهذا الحديث في الصحيحين وهو ظاهر الدلالة في جواز البول قائمًا.
ولكن يشترط لهذا شرطان:
- الشرط الأول: أمن انكشاف العورة؛ لأن كشف العورة أمام الناس محرم.
- الشرط الثاني: أمن التلويث بالنجاسة؛ لأن التلويث بالنجاسة وعدم الاستنـزاه من البول من أسباب عذاب القبر.
فإذا تحقق هذان الشرطان فلا بأس بالبول قائمًا، وبعض العامة يستنكر هذا، وهذا الاستنكار لا وجه له، إذا تحقق هذان الشرطان فلا بأس بذلك، وقد يحتاج الإنسان لمثل هذا في بعض الأماكن، لكن لا بد من هذين الشرطين.
يحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء بلا حائل
ويحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء بلا حائل.
هذه المسألة التي قلنا سنتكلم عنها، وهي مسألة مهمة في الحقيقة من أهم مسائل الباب، وقد اختلف فيها العلماء على أقوال:
- القول الأول: وهو ما ذهب إليها المؤلف من التفريق بين الصحراء وبين البنيان، فيحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء دون البنيان، وهو أيضًا مذهب المالكية والشافعية.
- القول الثاني: أنه يكره استقبال القبلة في الفضاء وفي البنيان، وهو مذهب الحنفية.
- القول الثالث: أنه يجوز في البنيان الاستدبار دون الاستقبال، في البنيان خاصة، وهذه رواية عن الإمام أحمد، اختارها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
- القول الرابع: أنه لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها لا في الفضاء ولا في البنيان مطلقًا، وهو رواية عن الإمام أحمد، اختارها جمع من المحققين من أهل العلم، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشيخ عبدالرحمن السعدي والشوكاني وجمع من المحققين من أهل العلم.
أما أصحاب القول الأول استدلوا بحديث أبي أيوب أن النبي قال: لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا وهذا الحديث أخرجه السبعة، البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وقالوا: فهذا دليل على أنها لا تستقبل القبلة، ولا تستدبر في حال الفضاء.
وأما في حال البنيان قالوا: قد ورد ما يدل على الجواز، وهو ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رقَيت يومًا على بيت حفصة فرأيت النبي يقضي حاجته مستقبلًا الشام، مستدبرًا الكعبة [17]، قالوا: فهذا يدل على أن النهي الوارد في حديث أبي أيوب إنما هو محمول على الفضاء لا البنيان.
أما أصحاب القول الثاني وهم الحنفية الذين قالوا: إنه يكره، فقالوا: إن حديث أبي أيوب النهي فيه ليس للتحريم، وإنما للكراهة، والصارف للنهي من التحريم إلى الكراهة حديث ابن عمر .
وأما أصحاب القول الثالث الذين قالوا: يجوز في البنيان الاستدبار دون الاستقبال، قالوا: إن الأصل في حديث أبي أيوب التحريم، لكن الذي ورد في حديث ابن عمر أن النبي كان مستدبر الكعبة، فيجوز الاستدبار فقط دون الاستقبال.
أصحاب القول الرابع قالوا: إنه لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها لا في الفضاء، ولا في البنيان؛ لحديث أبي أيوب قالوا: وهو حديث أخرجه السبعة، وهو من قول النبي وهو صريح الدلالة في التحريم، وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فلا يصح أن يكون صارفًا للنهي من التحريم للكراهة، لا في الفضاء ولا في البنيان؛ وذلك لأمور:
الأمر الأول: قالوا لأن ما ذكره ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي إنما هو واقعة عين يرد عليها احتمالات كثيرة، فهو حكاية فعل، وواقعة عين، فيحتمل أن يكون رؤية ابن عمر رضي الله عنهما للنبي كانت قبل النهي عن استقبال القبلة واستدبارها، وهذا احتمال قائم.
ويحتمل أن المكان كان ضيقًا فكان النبي معذورًا في استدبار الكعبة.
ويحتمل أن هذا خاص بالنبي ؛ لأن عنده من التعظيم للقبلة ما ليس عند غيره.
والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال لم يصح به الاستدلال.
قالوا: وعلى تقدير التعارض بينه وبين حديث أبي أيوب فحديث أبي أيوب مقدم؛ لأنه من قول النبي وحديث ابن عمر رضي الله عنهما من فعله، ومن المقرر عند الأصوليين أن القول مقدم على الفعل؛ لأن القول أصرح؛ ولهذا لو رأيت عالمًا من العلماء يقرر مسألة بقوله، يقول: أرى في هذه المسألة مثلًا التحريم، أرى فيها مثلًا الاستحباب، أرى فيها كذا، ثم رأيته يفعل بخلاف هذا، فأيهما ينسب إليه؟ القول أو الفعل؟ القول؛ لأن الفعل يحتمل أنه كان ناسيًا، يحتمل أنه كان ذاهلًا، يحتمل أنه كان معذورًا، يحتمل عدة احتمالات، أما القول فإنه أصرح، نعم لو أن حديث ابن عمر رضي الله عنهما من قول فنحتاج للتوفيق بينه وبين حديث أبي أيوب .
وهذا القول الأخير هو القول الراجح، والله أعلم: أنه يحرم استقبال القبلة واستدبارها مطلقًا في الفضاء وفي البنيان، ومما يدل لذلك أيضًا أن يقال لمن فرق بين الفضاء وفي البنيان: ما هو الضابط في البنيان؟ هل الضابط الجدار أو العمود؟ إذا كان الضابط الجدار فالذي يقضي حاجته في الفضاء أمامه جبال وأشجار وسهول ووهاد، إذًا لا فرق في الحقيقة، أليس كذلك؟ لا فرق، ما تقولون في الضابط للبنيان؟ إذا قلتم: إن الضابط هو الجدران، ففي الفضاء ما هو أعظم من الجدران من الجبال والأودية والأشجار والأحجار.
وأيضًا من وجوه الترجيح فائدة ذكرها ابن القيم ولم أر أحدًا من العلماء ذكرها غير ابن القيم، انتبه لهذه الفائدة ذكرها في زاد المعاد، يقول ابن القيم: هل المقصود من النهي تعظيم الكعبة أو تعظيم القبلة؟ لو كان المقصود تعظيم الكعبة، فإن بين الإنسان وبين الكعبة أبنية كثيرة، كم بيننا وبين الكعبة من الأبنية؟ أبنية كثيرة، فلا يختلف هذا بين الفضاء والبنيان، أم أنّ المقصود هو القبلة، يقول: الأحاديث تدل على أن المقصود هو القبلة، وليس الكعبة؛ ولهذا في حديث أبي أيوب لفظه: لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول… [18] ولم يقل: لا تستقبلوا الكعبة، والقبلة المقصود بها جهة القبلة، وهي لا تختلف بين الفضاء والبنيان، لا تختلف عندما يكون الإنسان يقضي حاجته في البنيان نقول: استقبل القبلة، أو استدبر القبلة، هكذا أيضًا إذا كان في الفضاء، فالقبلة لا تختلف بكونها في الفضاء أو في البنيان، لو كان المقصود هو الكعبة فربما يفرق، لكن ليس المقصود الكعبة، وإنما المقصود القبلة، فإذا المنهي عنه هو جهة القبلة، وليس عين الكعبة، جهة القبلة، فحينئذٍ لا فرق بين أن يقضي الإنسان حاجته في الفضاء أو في البنيان؛ لأنه سوف يستقبل جهة القبلة أو يستدبرها، وبهذا يتبين القول الراجح هو: أنه لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها مطلقًا، لا في الفضاء ولا في البنيان، وهذا هو الذي عليه أكثر المحققين من أهل العلم.
وبناء على ذلك ينبغي أن تبنى دورات المياه والمراحيض إلى غير القبلة، ومع الأسف نجد أن كثيرًا من المسلمين يتساهلون في هذا.
طيب إذا أتى الإنسان لدورة مياه، ووجد فيها مقعدة دورة المياه موجهة إلى القبلة، فما العمل؟
يفعل كما فعل الصحابة، يقول أبو أيوب : فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض مستقبلة القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله، فنقول: افعل كما فعل الصحابة انحرف عنها.
ويكفي إرخاء ذيله.
الذيل: هو الثوب أو السترة من كساء أو رداء، يجعل بينه وبين القبلة، كأنه يقول: يكفي في الحائل أن يكون ثوبًا أو كساءً، أو نحو ذلك، وهذا مما يضعف هذا القول؛ طيب إذا كنتم ترون الآن أن الثوب حائل، ففي الفضاء جبال أعظم من هذا الثوب، وفيه أشجار وفيه أودية وفيه هضاب، وهذا مما يضعف هذا القول.
يحرم أن يبول أو يتغوط بطريق مسلوك
وأن يبول أو يتغوط بطريق مسلوك، وظل نافع، وتحت شجرة عليها ثمر يقصد، وبين قبور المسلمين.
أي: أنه يحرم أن يبول أو يتغوط في الطريق، وقد جاء في حديث أبي هريرة أن النبي قال: اتقوا اللعانين قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم [19] رواه مسلم.
وهذا يدل على أن قضاء الحاجة في الطريق من كبائر الذنوب؛ لأنه قال: اللاعنان، يعني الذي يوجب اللعن، وقيل المعنى: الذي يكون سببًا للعن الناس، لكن فيه إشارة إلى أنه يستحق اللعن في مثل هذا، وهذا يدل على أن هذا معصية كبيرة، فإذًا قضاء الحاجة في طريق الناس أو ظلهم هنا ورد ذَمُّه، والنهي عنه في هذا الحديث، وجاء في سنن أبي داود عن معاذ مرفوعًا: اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل [20] وهنا قال: في طريق مسلوك، يفهم منه إذا كان الطريق مهجورًا فلا بأس بقضاء الحاجة فيه؛ لأنه ليس فيه إيذاء للمسلمين.
يحرم البول في ظل نافع وتحت شجرة عليها ثمر يقصد
وظل نافع.
لأن قضاء الحاجة في الظل النافع فيه أذية للمسلمين؛ ولأنه إذا نهي عن قضاء الحاجة في الطريق فكذلك أيضًا في الظل، وجاء في الحديث الصحيح: من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم [21] ويفهم من هذا أنه إذا كان الظل غير نافع، فإنه لا بأس بقضاء الحاجة فيه.
وتحت شجرة عليها ثمر يقصد.
أي: إذا كان عليها ثمر محترم كثمر النخيل، وفي مكان أيضًا يقصده الناس؛ وذلك لأن قضاء الحاجة في هذا المكان فيه أذية للناس، وفيه تلويث لهذا الثمر؛ لأنه ربما يسقط ثمر النخل على هذا البول أو البراز فيتلوث به، ففيه أذية للناس؛ ولهذا قال: اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد… وأيضًا من ذلك المساجد؛ لقول النبي للأعرابي الذي بال في المسجد: إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول أو القذر [22].
يحرم البول بين قبور المسلمين
وبين قبور المسلمين.
لحديث عقبة بن عمرو أن النبي قال: ما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وَسط السوق [23] هذا الحديث رواه ابن ماجه، وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح، وهذا دليل على تحريم قضاء الحاجة في المقبرة وبين قبور المسلمين؛ لأن في ذلك امتهانًا لحرمتهم.
يحرم أن يلبث فوق قدر حاجته
وأن يلبث فوق حاجته.
يعني: يحرم أن يلبث فوق حاجته، وعللوا لذلك: بأن في هذا كشفًا للعورة من غير حاجة، ثم إن ذلك قد يكون مضرًّا له من الناحية الطبية فقد قيل: إنه يدمي الكبد، وقد يكون سببًا للبواسير، قالوا: ولأن هذه الأماكن مأوى للشياطين وللنفوس الخبيثة.
والقول الثاني: أن مكثه فوق حاجته مكروه وليس محرمًا، وهو رواية عن الإمام أحمد، ذكرها صاحب الإنصاف، وهذا القول هو الأقرب والله أعلم، أن لبث الإنسان فوق حاجته مكروه وليس محرمًا؛ لأن التعليلات التي ذكروها لا تقوى للجزم بالتحريم، يعني ما ذكروه من أن ذلك كشف للعورة من غير حاجة هو قد يكون يقضي حاجته في مكان مستتر عن الناس بعيد عن الناس، وأما قولهم: إنه مضر من الناحية الطبية قد لا يكون هذا أيضًا ثابتًا، وأما قولهم: إنه مأوى للشياطين هذا إنما يقتضي الكراهة فقط، وليس التحريم.
فالأقرب هو القول الثاني، وهو: أن اللبث فوق الحاجة مكروه وليس بمحرم.
الأسئلة:
المقدم: نأخذ ما تيسر من الأسئلة نأخذ سؤالًا شفهيًّا وسؤالًا مكتوبًا؛ يقول: هل هناك خارج يوجب غسل الذكر مع الأنثيين يعني الخصيتين؟
الجواب: نقول: نعم، المذي، جاء في بعض الروايات ما يدل على أنه يغسل الذكر مع الأنثيين، يعني: الخصيتين.
المقدم: أحسن الله إليك، يقول: هل التوضؤ من البرادة للصلاة قد سمعنا أنه ماء مغصوب، فهل هذا صحيح؟
الجواب: هذا سبق أن أجبنا عنه في الدرس السابق، وذكر صاحب الإنصاف أنه لا بأس بهذا أن يتوضأ الإنسان من الماء المعد للشرب أو عكسه، نصوا على هذا في باب الوقف، فنص الفقهاء على ذلك: أنه لا بأس بهذا؛ لكن الأولى ألا يفعل؛ لأن هذا معدّ للشرب، ودورات المياه موجودة، والمياه فيها متيسرة، لكن لو أنه فعل ذلك مثلًا لضيق الوقت، أو نحو هذا، فلا بأس به، وقد نص الفقهاء على جوازه.
المقدم: يسأل عن صحة حديث: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني [24].
الجواب: لو قاله من غير مداومة لا بأس، يعني هو يسأل عن حديث: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني حديث جميع طرقه معلولة، لكن هو يقول: صح موقوفًا عن أبي ذر، الأذكار عمومًا لو أتى بها الإنسان من غير مداومة لا بأس، يعني: لو أتى بأي ذكر مثلًا لما خرج من الخلاء قال: اللهم لك الحمد على ما يسرت لي من قضاء حاجتي، أو نحو ذلك هذا لا بأس به، لكن لا يداوم عليه، المداومة هي التي تحتاج إلى دليل، وإلا الأذكار بابها واسع، لكن الكلام في المداومة فلا يداوم على هذا الذكر، وإنما يداوم على غفرانك فقط [25].
المقدم: أحسن الله إليك، يقول في الحديث: “ننحرف عنها، ونستغفر الله” [26] لماذا الاستغفار ما دام أنهم انحرفوا عن القبلة؟
الجواب: نعم، أحسنت هذا سؤال جيد؛ إنما يستغفرون الله عز وجل لأنهم رأوا أن الانحراف غير كافٍ، وهو كذلك، الحقيقة الانحراف لا يكفي، هل الانحراف الآن في استقبال القبلة يؤثر على استقبال القبلة؟ مثلًا الآن يعني: جهة القبلة الغرب، لو انحرف قليلًا عن اليمين أو اليسار، هل يؤثر هذا؟ لا يؤثر، معنى ذلك أن الانحراف عن جهة القبلة يسيرًا لا يؤثر في استقبالها، هو غير مؤثر؛ وكذلك أيضًا عند قضاء الحاجة الحقيقة أن الانحراف غير مؤثر لزوال الحكم بالتحريم؛ ولهذا قال الصحابة: نستغفر الله لأجل تقصيرنا نحن؛ لأن الإنسان لا يستطيع أكثر من الانحراف، خاصة في المراحيض التي ذهبها الصحابة لا يستطيعون الانحراف الكامل، وإنما الانحراف اليسير؛ ولهذا رأوا بهذا أنهم قد قصروا فيستغفرون الله لأجل هذا التقصير.
المقدم: يقول: البيارة إذا امتلأت وتسرب في الطريق؟
الجواب: إذا تسربت البيارة في الطريق هذا فيه أذية للناس، فصاحب البيارة ملزم بأن يقوم بشفطها حتى لا يؤذي الناس بهذه الروائح الكريهة، وهذا القذر، وهذه النجاسات، فهذه الحقيقة قد نقول: إنه يشبه ما ذكره العلماء من التخلي في طريق الناس؛ لأنه أي فرق بين التخلي في طريق الناس، وبين ترك هذه البيارة تفيض في طريق الناس وتؤذيهم بالنجاسة وبالروائح الكريهة؟!
المقدم: أحسن الله إليكم، يقول: إذا كان الشخص في سفر ودخل دورة المياه، فلم يجد ماء ولا حجرًا ولا شيئًا يستجمر به، فهل يجوز له الاستجمار بجدار الكنيف الإسمنت ونحوه؟
الجواب: نعم، بمثل هذه الحالة لا بأس؛ لأنه يحصل به الإنقاء، والقاعدة أن كل ما حصل به الإنقاء جاز الاستجمار به.
المقدم: أحسن الله إليك، يقول: يخرج مني بعد البول قطرات، وهذا يقين عندي، ويتوقف بعد أن أنتر ذكري خمس أو ست مرات تقريبًا، فهل فعلي صحيح؟
الجواب: نعم، إذا كان يتوقف بهذا النتر، فيكون فعلك صحيحًا، لكن يخشى أن يؤثر عليك هذا مستقبلًا، ويسبب لك سلسًا، والنتر الذي ذكره بعض الفقهاء، وذكر صاحب الزاد، لكن يعني ما أحببنا أن نذكره هنا خشية الإطالة، النتر الذي ذكره بعض فقهاء الحنابلة يعني غير مشروع، بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم قالا: إنه بدعة، وهو أن يدفع الذكر من أصله وينتره بقوة، يعني: هذا غير مشروع.
لكن إذا كان السائل يقصد النتر يعني عصر الذكر بعد البول، وأن هذا يؤدي إلى انقطاع البول، فهذا لا بأس به، لكن كما ذكرتُ ينبغي أن نلاحظ ألا يؤدي ذلك إلى إصابته بالسلس.
المقدم: بأي شيء يكون الاستجمار؟
الجواب: نعم، الاستجمار بأي شيءٍ طاهرٍ مُنقٍ مباح، أي شيء طاهر مُنقٍ مباح.
المقدم: المناديل؟
الجواب: نعم، إذا حصل الإنقاء.
هنا في فائدة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية، يقول: إن الذكر كالضرع إن تركته قر، وإن تبعته در، يعني: إن تبعته بالعصر وبالنتر يستمر في الإدرار، لكن إن تركته قر.
المقدم: أحسن الله إليك، يقول: أنا ممن يحضر الدرس، لكن منعني من حضور درس اليوم أني قد أجريت عملية البارحة، ولم أستطع الحضور، وأسألكم الدعاء لي بالشفاء العاجل، جزاكم الله خيرًا.
الجواب: نسأل الله تعالى أن يمن عليه بالشفاء.
المقدم: أحسن الله إليك، يقول: من توضأ داخل دورة المياه، فكيف يذكر اسم الله؟
الجواب: نعم، هو ذِكْر اسم الله تعالى في دورة المياه ليس محرمًا، وإنما اختلف العلماء، هل هو مكروه أو مباح؟ فذهب بعضهم إلى أنه مكروه قالوا: لأن فيه نوع من الامتهان لاسم الله .
وقال آخرون: إنه مباح؛ لأنه لم يأتِ دليل يدل على كراهة ذكر اسم الله تعالى في مثل هذه الأماكن، فهو دائر بين الكراهة وبين الإباحة.
والأولى أن يذكر اسم الله قبل دخول الخلاء، وإذا كان داخل الخلاء يذكر اسم الله تعالى بقلبه خروجًا من الخلاف في هذه المسألة.
لكن بعض أهل العلم قال: إن التسمية للوضوء مؤكدة، وذكر اسم الله تعالى دائر بين الإباحة وبين الكراهة، فتأكد وجوب التسمية، وتأكد ذكر التسمية عند الوضوء أولى، ومن المعلوم أن الكراهة تزول عند الحاجة، وهذه حاجة فيذكر اسم الله تعالى عند الوضوء إذا كان داخل دورة المياه.
وهذا تقرير شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله، خاصة عندما نقول: إن حديث: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه [27] أنه حديث صحيح، بعض أهل حسنه، وبعضهم صححه، فحينئذٍ نقول: إذا نسي التسمية عند الوضوء، فإما أن يخرج من دورة المياه ويسمي، وإما أن يسمي ولو كان داخل دورة المياه؛ لأنه لا يأثم بهذا، والأمر دائر بين الكراهة وبين الإباحة، والكراهة تزول عند وجود الحاجة.
هذا بالنسبة للتسمية خاصة.
أما غير التسمية فالأولى أن يذكر الله تعالى بقلبه، كأن يسمع مثلًا المؤذن يؤذن يجيبه بقلبه مثلًا، لكن التسمية باعتبار أنها متأكدة عند الوضوء، فيذكر اسم الله تعالى ولو كان داخل دورة المياه.
المقدم: يسأل عن حديث: إياكم والتعري، فإن معكم من لا يفارقكم [28].
الجواب: نعم، إياكم والتعري، فإن معكم من لا يفارقكم الذي أعرف أن فيه مقال، لا يثبت، والتعري له أحكام إذا كان التعري لحاجة فإنه يكون جائزًا، وإذا كان أمام الناس فإنه يكون محرمًا، وإذا كان الإنسان في المكان الخالي بدون حاجة، فهذا كرهه كثير من أهل العلم، كرهه كثير من أهل العلم إذا كان في المكان الخالي من دون حاجة.
المقدم: اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل [29].
الجواب: نعم قوله: الملاعن فيه إشارة لهذا، قيل: الملاعن يعني: ما يستوجب لعنة الناس، وفي الحديث الآخر: من آذى الناس فقد وجبت عليه لعنتهم [30] يعني: أنه تحق عليه اللعنة، ومن المعلوم أن الكبيرة هي كل ما ترتب عليه حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة باللعنة، وهذا فيه إشارة إلى أن مثل هذا الأمر من كبائر الذنوب.
ثم إن أذية المسلمين عمومًا هي من الكبائر.
فالظاهر -والله أعلم- أن التخلي في مثل هذه الأماكن من الكبائر.
المقدم: أحسن الله إليك، يقول: أقوم بكتابة بعض الأبيات الخالية من ذكر الله ، وبعض الكلمات العربية ومعناها بالإنجليزية.. إلخ، على حائط دورة المياه من الداخل، وعند قضاء الحاجة أقوم بحفظ هذه الأبيات وهذه الكلمات، فهل في عمل هذا محظور؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب: ما دامت خالية من ذكر الله تعالى، فالأصل في هذا الإباحة؛ لأن ليس هناك شيء يقتضي المنع.
المقدم: ما هما النيران؟
الجواب: النيران، يعني: الشمس والقمر.
المقدم:….
الجواب: النار والرماد، يقال: لأنها تورث السقم؛ لكن هذا محل نظر، هذا مرجعه لأهل الطب، ولا يُعْرَف أن ذلك يورث السقم؛ ولذلك يعني هذا.. حكم شرعي يحتاج إلى دليل.
المقدم: الخبث والخبائث ذكران الشياطين وإناثهم، إذا كان بضم الباء، وإذا كان بإسكان الباء: الشر وأهله، استعاذ بالله من الشر وأهله.
طيب، الذي يفوته شيء يا إخوان، الدرس محفوظ في موقع البث الإسلامي، فبإمكان الإخوة الذين فاتهم شيء..، كنا نرغب أن يكون فيه تريث لأجل الكتابة، لكن نخشى أيضًا من أن يطول بنا الوقت، فعلى الإخوة الذين فاتهم شيء من الكتابة، الكتابة حقيقة مهمة جدًّا، لعلهم يرجعوا للدرس، والدرس محفوظ في موقع البث الإسلامي.
المقدم:….
نعم الشيخ بدر يقول: شهريًّا تنزل دروس الشهر كلها في الموقع موقعنا الخاص. فيعني هذه فائدة يكون الدرس مسجلًا، فمن فاته أي شيء يرجع للتسجيل، وأؤكد على ما قلت سابقًا بأهمية تقييد العلم؛ لأن الذاكرة الآن عند الناس ضعفت، فالذي لا يكتب ولا يقيد ولا يراجع ما يستفيد كثيرًا، فمثلًا هذا الدرس إذا كنت قد قيدت أهم الفوائد، وراجعتها من حين لآخر، تستفيد من حضورك الدرس.
ولذلك نقول: قد نكون أحيانًا لا نتيح الفرصة إتاحة كما ينبغي لأجل ضيق الوقت خاصة هذه الفترة فترة الصيف باعتبار الوقت ضيق، فلذلك من فاته شيء يمكن يكتب أصل المسألة، ويرجع للتسجيل، ويجدها إن شاء الله تعالى.
المقدم: أحسن الله إليك، يقول: من المعلوم -على حد قول السائل-: أن استقبال النيرين مكروه، وقد ذكر ذلك المؤلف وكذلك صاحب الزاد لكن من أين أتوا بهذا القول؟
الجواب: قالوا لما فيهما من نور الله ، الله تعالى يقول: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [النور:35] هذا قول ضعيف؛ لأن نور الله تعالى على قسمين: نور الله الذي هو صفة من صفاته، ونور الله الذي هو النور المخلوق، طبعًا هم يقصدون النور المخلوق، وإذا قلنا: النور المخلوق فمع ذلك حتى الكهرباء الآن من نور الله ، حتى نور النجوم والكواكب، الآن ما فيه شيء ما فيه نور، هذا قول الحقيقة في غاية الضعف، والمسألة محل البحث، هي استقبال القبلة واستدبارها، وأما استقبال النيرين فلا شك أن هذا قول ضعيف.
المقدم: يقول: الاقتصار على الاستنجاء دون استخدام اليد؟
الجواب: إذا كان يحصل الإنقاء، وهو على الضابط الذي ذكره المؤلف، وهو خشونة المحل، فيكفي خاصة مع وجود الشطافات، ونحوها، يمكن أنه يقتصر على هذه الوسائل دون استخدام اليد، فالعبرة بحصول الإنقاء على الضابط الذي ذكرنا في الاستجمار، وفي الاستنجاء.
المقدم: أحسن الله إليك، يقول: بعض أهل العلم ضعَّف حديث البسملة عند دخول الخلاء، فما قولكم؟
الجواب: على كل حال، نحن نقول: إنه ثابت بمجموع طرقه وشواهده، وإلا لو نظرت له من طريق واحد فهو ضعيف، لكن مجموع الطرق والشواهد يدل على أن له أصلًا، وقد جمع طرقه وشواهده الشيخ الألباني في إرواء الغليل، والطرق كثيرة ومتعددة، يعني الحديث إذا تعددت طرقه يدل على أن له أصلًا، يعني حتى لو أتى من طرق ضعيفة، الطرق الضعيفة يقوي بعضها بعضًا.
المقدم: يقول: ما هي الملاعن الثلاث؟ لو أعدتموها، حفظكم الله.
الجواب: الملاعن الثلاث هي: التخلي في طريق الناس، أو ظلهم، أو الموارد، يعني الأماكن التي يرد عليها الناس، وينتفعون بها.
المقدم: أحسن الله إليك، يقول: كيف نرد على من قال: إن الأصل اتباع النبي ، ولا يقال: يحمل على النسيان؛ لأنه لو وقع في ذلك وهو منهي عنه لما أقره الله على ذلك؟ وكذلك أنَّ ابن عمر عُرِفَ بالتشدد، وهو راوي الحديث، وأعلم به، وثبت أنه استقبل القبلة، أما في مقدارها فهو كمقدار الناقة أو كمقدار..، أو كما ثبت عن ابن عمر؟
الجواب: لا، أنا إنما قلت: النسيان ليس في فعل النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما في تقرير فعل العالِم لما مثَّلت قلتُ: إن العالم قد يعمل عملًا ويقول خلافه، فيحتمل أن يرد عليه نسيان، وأما فعل النبي عليه الصلاة والسلام فإنه لا يقر النبي عليه الصلاة والسلام، ومسألة النسيان هنا لا ترد على فعل النبي وإنما الذي يرد عليه احتمالات أخرى: يحتمل أن يكون قبل النهي عن استقبال القبلة واستدبارها، ويحتمل أن يكون بعذر، ويحتمل أن يكون خاصًا بالنبي .
وأما مسألة احتمال النسيان فهذا لا يرد على النبي ؛ لأنه لا يقر على ذلك، وإنما هنا احتمالات أخرى غير هذا.
ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الحاشية السفلية
^1 | رواه مسلم: 267. |
---|---|
^2, ^6 | رواه البخاري: 156. |
^3 | رواه مسلم: 262. |
^4 | كشف الأستار عن زوائد البزار: 1/ 131. |
^5 | رواه أبو داود: 44، والترمذي: 3100، وابن ماجه: 357. |
^7 | رواه الدارقطني: 152. |
^8 | رواه الترمذي: 18، والنسائي في السنن الكبرى: 39. |
^9 | رواه الترمذي: 606، وابن ماجه: 297. |
^10 | رواه البخاري: 142، ومسلم: 375. |
^11 | رواه أبو داود: 30، والترمذي: 7، وقال: حسنٌ، والنسائي في السنن الكبرى: 9824، وابن ماجه: 300، وأحمد: 25220، وابن حبان: 1444، والحاكم 562، وابن خزيمة: 90، والبيهقي في السنن الكبرى: 461، وابن الجارود في المنتقى: 42، وغيرهم. |
^12 | رواه النسائي في السنن الكبرى: 9825، وابن ماجه: 301. |
^13, ^18, ^26 | رواه البخاري: 394، ومسلم: 264. |
^14 | رواه مسلم: 370. |
^15 | رواه أبو داود: 29، والنسائي: 34، وأحمد: 20775. |
^16 | رواه البخاري: 224، ومسلم: 273. |
^17 | رواه البخاري: 3102. |
^19 | رواه مسلم: 269. |
^20 | رواه أبو داود: 26، وابن ماجه: 328، وأحمد: 2715. |
^21 | رواه الطبراني في المعجم الكبير: 3050. |
^22 | بنحوه رواه ابن ماجه: 529. |
^23 | رواه ابن ماجه: 1567. |
^24 | رواه ابن ماجه: 301. |
^25 | سبق تخريجه. |
^27 | رواه أبو داود: 102، والترمذي: 25، وابن ماجه: 397. |
^28 | رواه الترمذي: 2800. |
^29 | رواه أبو داود: 26، وابن ماجه: 328. |
^30 | بنحوه رواه الطبراني في المعجم الكبير: 3050. |