logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب الحج من دليل الطالب/(04) كتاب الحج- من قوله: “وهي ما يجب بسبب الإحرام أو الحرم..”

(04) كتاب الحج- من قوله: “وهي ما يجب بسبب الإحرام أو الحرم..”

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، حياكم الله تعالى في هذا الدرس الرابع لهذه الدورة العلمية في شرح دليل الطالب لكتاب الحج.

الفدية بسبب الإحرام أو الحرم

وكنا قد وصلنا إلى باب الفدية من دليل الطالب، قال المصنف رحمه الله:

وهي، أي: الفدية، ما يجب بسبب الإحرام أو الحرم.

فعرَّف المؤلف الفدية بأنها ما يجب بسبب الإحرام، وهذا ظاهر، وقد سبق الكلام عن محظورات الإحرام، وما يترتب عليها.

وما يجب بسبب الحرم هذا متعلق بالصيد في الحرم، وسيأتي الكلام عنها أيضًا في فصل مستقل إن شاء الله.

أقسام الفدية

قال: وهي قسمان: قسم على التخيير، وقسم على الترتيب

أي: أن الفدية تنقسم إلى قسم على التخيير، وقسم على الترتيب.

ثم وضح المؤلف القسمين.

القسم الأول: ما يجب على التخيير

قال:

فقسم التخيير كفدية اللبس والطيب، وتغطية الرأس، وإزالة أكثر من شعرتين، أو ظفرين، والإِمناء بنظرة، والمباشرة بغير إنزال مني.

فهذه فديتها كلها على التخيير.

معنى التخيير

ما المراد بالتخيير؟

قال: يخيّر بين ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين.

يُخير بين هذه الأمور الثلاثة، سواء كانت فدية اللبس، أو فدية الطيب، أو فدية تغطية الرأس، أو فدية إزالة الشعر أو الأظفار، أو الإمناء، أو المباشرة بغير إنزال، يخير بين هذه الأمور الثلاثة.

وهذه الأمور الثلاثة منصوص عليها في قول الله : فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، وقد وضحت السنة المراد بذلك في حديث كعب بن عُجرة [1] بأن الصيام صيام ثلاثة أيام، وأن الصدقة إطعام ستة مساكين، وأن النسك ذبح شاة، فهو إذن مخير بين هذه الأمور الثلاثة.

مقدار الإطعام

ثم تكلم المؤلف عن قدر الإطعام لكل مسكين، قال:

لكل مسكين مد بُر، أو نصف صاع من غيره.

هذا هو مقدار الإطعام، مد بر، أو نصف صاع من غيره.

المد هو ملء كفي الإنسان المعتدل الخِلقة إذا مدهما، هذا هو المد، والصاع أربعة أمداد، فيقول: مد بر أو نصف صاع من غيره، أي: من غير البر، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.

والقول الثاني في المسألة: أن مقدار الإطعام نصف صاع لكل مسكين، وهذا هو القول الراجح، لأن هذا قد ورد منصوصًا عليه في قصة كعب بن عجرة، فإن النبي قال له: أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع [2]، وهذا اللفظ منصوص عليه في الصحيحين، وهو نص صحيح صريح في المسألة.

فالقول الراجح إذن أن مقدار الإطعام نصف صاع، سواء من البر، أو من غيره.

قال: ومن التخيير جزاء الصيد، يخيّر فيه بين المثل من النعم، أو تقويم المثل بمحل التلف، ويشتري بقيمته طعامًا ما، يجزئ في الفطرة، فيطعم كل مسكين مد بر، أو نصف صاع من غيره، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يومًا.

هنا المؤلف أقحم الكلام عن جزاء الصيد، ثم إنه خصص الكلام عن جزاء الصيد في فصل مستقل، فلو أن المؤلف رتب الكلام، لكان أحسن، لو جمع الكلام عن جزاء الصيد في فصل واحد لكان هذا أحسن.

ولهذا في الشرح نحن سنرتب الكلام، فنرجئ الكلام عن جزاء الصيد، حتى نصل إلى كلام المؤلف عن جزاء الصيد.

القسم الثاني: ما يجب على الترتيب

قال: وقسم الترتيب.

يعني: القسم الثاني الذي فيه الفدية على الترتيب.

كدم المتعة والقران.

المتمتع يجب عليه الهدي؛ لقول الله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196].

فهنا ليس له أن يعدل للصيام، وهو قادر على الهدي، إنما يعدل للصيام إذا لم يجد الهدي؛ لأن الله قال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة:196] فالآية صريحة في أن هذه الفدية على الترتيب.

وهكذا أيضًا القارن حكمه حكم المتمتع يجب عليه هدي فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 196] المفرد ليس عليه هدي.

قال: وترك الواجب.

يعني: لو ترك واجبًا، فعليه دم، كما لو ترك مثلًا الإحرام من الميقات، لم يحرم من الميقات، وإنما أحرم بعد مجاوزة الميقات مثلًا، فهنا عليه دم.

والإحصار

إذا أحصر عليه دم؛ لقول الله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196].

والوطء ونحوه.

وسيأتي الكلام عن الوطء، وما يترتب عليه.

فيجب على كل متمتع وقارن، وتارك واجب: دم.

وإذا قال الفقهاء: دم، المقصود به: شاة يذبحها في الحرم، ويوزعها على فقراء الحرم.

فإن عدمه.

يعني: عدم الدم، لم يجد دمًا.

أو ثمنه.

يعني: وجد الدم، لكن لم يستطع الثمن.

صام ثلاثة أيام في الحج، والأفضل كون آخرها يوم عرفة.

لقول الله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ [البقرة:196].

يقول المؤلف: إن الأفضل أن يكون آخر هذه الأيام يوم عرفة، يعني: أنها تكون السابع والثامن والتاسع، لكن هذا يترتب عليه أنه يصوم يوم عرفة، وهو حاج، وهذا خلاف هدي النبي ، فإنه عليه الصلاة والسلام كان مفطرًا، بل نهى الحاج عن أن يصوم بعرفة.

ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن الأفضل في هذه الثلاثة أيام أن يكون آخرها يوم التروية، وليس يوم عرفة، وهذا هو القول الراجح، حتى يكون مفطرًا يوم عرفة، ويطبق السنة في ذلك، فإن السنة للحاج يوم عرفة أن يكون مفطرًا، وألا يصوم.

قال: ويصح أيام التشريق.

أي: أنه يصح أن تكون الثلاثة أيام التي يصومها من لم يجد الهدي أن تكون في أيام التشريق، وأيام التشريق هي: اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من شهر ذي الحجة.

لما جاء في صحيح البخاري وغيره، عن عائشة وابن عمر ، قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن، إلا لمن لم يجد الهدي.

وسبعة إذا رجع إلى أهله.

أي: يصوم سبعة أيام، هذا الذي لم يجد هدي التمتع أو القران يصوم ثلاثة أيام في الحج، ويصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله، ولا يشترط التتابع؛ لأنه ليس هناك دليل على اشتراطه.

ويجب على محصر دم.

المؤلف عقد بابًا للكلام عن أحكام الإحصار، سماه: باب الفوات والإحصار؛ ولذلك سنرجئ الكلام عن الإحصار إلى أن نصل إلى الحديث عن أحكام الإحصار في باب الإحصار، لكن بشكل مجمل يجب على المحصر دم، لقول الله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196].

قال: فإن لم يجد صام عشرة أيام، ثم حل.

أي: أن المحصر إذا لم يجد دمًا بأن عجز عنه، أو عن ثمنه، وجب عليه أن يصوم عشرة أيام قياسًا على دم التمتع، وهذه المسألة محل خلاف، سنشير للخلاف في المسألة، والقول الراجح في باب المحصر إن شاء الله.

ما يلزم المُحْرِم إذا وطئ قبل التحلل الأول

ثم ذكر المؤلف ما الذي يجب بالوطء حال الإحرام:

قال: ويجب على من وطئ بالحج قبل التحلل الأول، أو أنزل منيًّا لمباشرة، أو استمناء، أو تقبيل، أو لمس بشهوة، أو تكرار نظر: بُدْنة.

الوطء حال الإحرام هو أشد محظورات الإحرام، وهو أيضًا أشد مفسدات الصيام، فالكفارة فيه مغلظة بالنسبة للصيام.

هنا بالنسبة للحاج إذا حصل منه الجماع، فيفرق بينما إذا كان ذلك قبل التحلل الأول، وبعد التحلل الأول، قبل التحلل الأول أشد منه بعد التحلل الأول، فإذا حصل الوطء قبل التحلل الأول ترتب على ذلك خمسة أمور:

  • الأمر الأول: فساد النسك، لقضاء الصحابة بذلك، وحكاه ابن المنذر إجماعًا.
  • الأمر الثاني: وجوب المضي فيه.
  • الأمر الثالث: وجوب القضاء من قابل.
  • الأمر الرابع: الفدية، وهي كما قال المؤلف هي بدنة، لآثار رويت عن الصحابة في هذا.
  • الخامس: الإثم، ويترتب على ذلك وجوب التوبة.

فهذه الأمور الخمسة مترتبة على الوطء قبل التحلل الأول، وكما ذكرنا المعتمد فيها على الآثار عن الصحابة.

وقول المصنف رحمه الله: أو أنزل منيًّا بمباشرة، أو استمناء، أو تقبيل، أو لمس بشهوة، أو تكرار نظر، ألحق المؤلف هذه الأمور بالوطء، وأنه يترتب على ذلك بدنة، وهذا محل نظر؛ لأنه ليس هناك دليل ظاهر يدل على إلحاق هذه الأمور بالوطء.

والآثار عن الصحابة إنما وردت في الوطء فقط، في الوطء قبل التحلل الأول فقط، وقياس هذه الأمور على الوطء لا يستقيم؛ لكونه قياسًا مع الفارق؛ لأن الإنزال لا يشترك مع الوطء، إلا في أمر واحد وهو وجوب الغسل، ويختلف معه في بقية الأحكام، فكيف يقاس عليه؟

والأظهر -والله أعلم- أنه يجب بهذه الأمور التي ذكرها المؤلف من إنزال المني، وكذلك أيضًا يعني من إنزال المني بمباشرة، أو استمناء، أو تقبيل، أو لمس بشهوة، أو تكرار نظر، أنه يجب بذلك ما يجب في سائر محظورات الإحرام من ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين.

قال: فإن لم يجدها صام عشرة أيام، ثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجع.

يعني: إذا لم يجد البُدْنة، فإنه يصوم عشرة أيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله، كما سبق.

وفي العمرة إذا أفسدها قبل تمام السعي شاة.

إذا وقع الوطء في العمرة قبل تمام السعي، فيجب عليه شاة، إذا كان هذا عن عمد، أما إذا كان عن جهل، وهذا هو الغالب، فالجمهور على أن الوطء يستوي فيه العمد والجهل والنسيان.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا شيء على من ارتكب أي محظور من محظورات الإحرام بما فيها الوطء أو الإنزال عن جهل أو خطأ أو نسيان، وهذا هو الأقرب -والله أعلم-؛ لعموم الأدلة الدالة على رفع المؤاخذة عن المخطئ والناسي والجاهل.

المؤلف لم يذكر ما الذي يجب إذا كان الجماع بعد التحلل الأول، فلا بد أن نستدرك هذا، نقول: إذا كان الجماع بعد التحلل الأول، فإنه يجب به دم، ولا يفسد به النسك، إنما يفسد النسك إذا كان الجماع قبل التحلل الأول.

لكن يرى بعض الفقهاء، ومنهم فقاء الحنابلة أنه يجب عليه أن يجدد الإحرام؛ وذلك بأن يخرج إلى الحل ويحرم منه، وعللوا لذلك بأنه قد فسد ما تبقى من إحرامه، فوجب عليه أن يجدده.

والأقرب -والله أعلم- أن ذلك لا يجب؛ لأن القول بأنه يجب عليه أن يجدد الإحرام من الحل لا دليل عليه، فالأقرب -والله أعلم- أن الواجب عليه دم فقط، مع التوبة إلى الله .

بماذا يحصل التحلل الأول؟

قال المصنف رحمه الله:

والتحلل الأول يحصل باثنين من رمي وحلق وطواف، ويحل له كل شيء إلا النساء، والثاني يحصل بما بقي مع السعي، إن لم يكن قد سعى قبل.

التحلل الأول عند جمهور الفقهاء يحصل بفعل اثنين من ثلاثة، كما قال المصنف، وهي: رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة، إذا فعل اثنين من هذه الثلاثة، الرمي والحلق أو التقصير، والطواف، إذا فعل اثنين من هذه الثلاثة حل التحلل الأول.

ما معنى حل التحلل الأول؟

حل التحلل الأول كما قال المصنف، أي: حل له كل شيء حرم عليه، هنا المؤلف قال: إلا النساء، يعني: الأدق في العبارة أن نقول: إلا وطء الزوجة، يعني: إلا النساء قد تشمل حتى غير الزوجة؛ ولذلك الأدق في العبارة أن نقول: إلا وطء الزوجة، وإن كان طبعًا مقصود المؤلف، ومن قال بهذا من الفقهاء يقصدون بذلك وطء الزوجة، لكن الإفصاح عن ذلك أحسن، حتى يندفع هذا الإيهام.

فإذن إذا فعل اثنين من هذه الثلاثة حل له كل شيء حرم عليه، إلا وطء الزوجة، حل له كل شيء حرم عليه بالإحرام، ما عدا وطء الزوجة، وما يتعلق به.

وإذا فعل هذه الأمور الثلاثة كلها: الرمي رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة حل له كل شيء حرم عليه بالإحرام، حتى وطء الزوجة، وهذا ما يُسمى بالتحلل الثاني أو التحلل الكامل.

وهناك من العلماء من يرى أن التحلل الأول يحصل برمي جمرة العقبة فقط، والخلاف في هذه المسألة مبني على الخلاف في ثبوت الرواية: إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب، وكل شيء إلا النساء [3] وجاء في رواية أخرى: إذا رمى أحدكم جمرة العقبة، فقد حل له كل شيء إلا النساء [4] بدون زيادة: وحلقتم.

وهنا نلاحظ أن المصنف والفقهاء الذين قالوا: إلا النساء، أخذوها من الرواية؛ وذلك باعتبار أن هذا معلوم أو مفهوم أن المقصود بالنساء يعني: وطء الزوجة.

ومن أثبت هذه الرواية أخذ بقول الجمهور، ومن ضعفها قال: بأن المحفوظ من الرواية: إذا رميتم بدون زيادة: وحلقتم وقول الجمهور، وهو أن التحلل يحصل بفعل اثنين من ثلاثة هو الأحوط، ويبقى القول الثاني، وهو أن التحلل يحصل بمجرد رمي جمرة العقبة قول قوي.

ثم انتقل المؤلف بعد ذلك إلى الكلام عن الصيد، وعن جزاء الصيد:

جزاء الصيد

قال المصنف رحمه الله:

والصيد الذي له مثل من النعم.

معنى الصيد

ما معنى الصيد أولًا؟ الصيد هو الحيوان الحلال البري المتوحش بأصل الخلقة، وسبق أن تكلمنا عن هذا في محظورات الإحرام.

الحيوان الحلال خرج به الحيوانات المحرمة، هذه ليست صيدًا، البري خرج به حيوانات البحر، هذه ليست صيدًا، المتوحش بأصل الخلقة خرج به الحيوانات المستأنسة مثل الإبل والبقر والغنم هذه ليست صيدًا.

وقلنا: بأصل الخلقة احترازًا ما إذا استأنس هذا الحيوان مثل الحمام، الحمام هو في أصل الخلقة متوحش، لكنه يعني: قد استأنس الآن، وأصبح عند الناس في منازلهم، فيبقى على أصل الخلقة، وهو أنه متوحش، ولذلك يعتبر الحمام صيدًا.

قال: والصيد الذي له مثل من النعم، النعم، يعني: بهيمة الأنعام، وبهيمة الأنعام هي الإبل والبقر والغنم، والغنم تنقسم طبعًا إلى الضأن والماعز، كما قال الله تعالى: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ [الأنعام:143] فهذه هي النعم، وهي بهيمة الأنعام، معنى ذلك: أن المثل الذي يكون للصيد، إنما يكون من بهيمة الأنعام.

قسم المؤلف الصيد إلى قسمين:

  • القسم الأول: الصيد الذي له مثل، أي: يعني له شبيه، والقسم الثاني: الصيد الذي ليس له مثل، يعني: ليس له شبيه.
  • فالقسم الأول يعني الذي له مثل من النعم.

جزاء الصيد الذي له مثل من النعم

قال:

والصيد الذي له مثل من النعم كالنعامة؛ وفيها بُدنة.

مثل المؤلف لهذا القسم بالنعامة، فإذا قتلها المحرم، فالواجب فيها المثل، ومثل النعامة من بهيمة الأنعام البدنة، والجامع في ذلك: أن النعامة تشبه البدنة باعتبار طول الرقبة، ففيها شبه منها، يعني: أشبه بهيمة الأنعام بالنعامة البدنة.

وفي حمار الوحش وبقره: بقرة.

حمار الوحش يشبه البقر، ففيه بقرة، وكذلك بقر الوحش يشبه البقر ففيه بقرة.

وفي الضبع كبش.

وهذا القول باعتبار الضبع صيد، وأنه يحل أكله.

وهذه المسألة محل خلاف: هل الضبع صيد، ويباح أكله؟

من العلماء من قال: إنه يحرم أكله، وأنه من ذوات الأنياب من السباع، ومنهم من قال: إنه صيد، لكن يحرم أكله، ومنهم من قال: إنه ليس بصيد، ومنهم من قال: ليس بصيد، ولا يباح أكله.

والمسألة خلافية، يعني: هل الضبع يباح أكله وهو صيد، أو لا يباح أكله، وليس بصيد، أو أنه صيد، ولا يباح أكله؟ المسألة خلافية، والفقها تكلموا عنها في باب الأطعمة، وأنا تكلمت عنها أيضًا في السلسبيل في شرح الدليل بشكل مفصل، وليس الحديث الآن عن هذه المسألة، فمن أراد الحديث عنها فليرجع لكتاب الأطعمة، سيجد الكلام مبسوطًا عن حكم الصيد، وحكم أكله.

لكن هنا يقول المؤلف: أن جزاء من صاد الضبع فيه كبش؛ لأن فيه شبهًا به.

وفي الغزال شاة.

لأنها هي أشبه بهيمة الأنعام بالغزال هي الشاة.

وفي الوبر والضب جدي له نصف سنة.

المقصود بالجدي: الذكر من ولد الماعز الذي له ستة أشهر، فإذا صاد وبرًا أو ضبًّا، ففيه الجدي الذي له، الذي هو ولد الماعز الذي له ستة أشهر.

وفي اليربوع جفرة لها أربعة أشهر.

اليربوع هو ما تسميه العامة الجربوع، فيبدلون الياء جيمًا، ورجلاه أطول من يديه، وهو صيد، ففيه جفرة، والجفرة ما كان من ولد الماعز له أربعة أشهر.

وفي الأرنب عناق دون الجفرة.

إذا صاد الأرنب، ففيه عناق، يعني: من ولد الماعز، لكنها أقل من أربعة أشهر؛ ولهذا قال: دون الجفرة؛ لأن الجفرة لها أربعة أشهر.

وفي الحمام.

ثم يعني توسع المؤلف في هذا، قال:

وهو كل ما عب الماء كالقطا والورشين.

وهو طائر يشبه الحمام.

والفواخت.

وهي أيضًا نوع من الحمام، هذه كلها قال: فيها.

شاة.

وذلك لقضاء الصحابة ، ووجه الشبه الجامع بين الحمامة والشاة هو عب الماء عند الشرب.

جزاء الصيد الذي ليس له مثل من النعم

وقال: وما لا مثل له.

ثم انتقل المؤلف للقسم الذي ليس له مثل من الصيد.

كالأوز والحبارى والحجل.

هذه كلها معروفة، كلها طيور معروفة وهي من الصيد، وليس لها مثل من بهيمة الأنعام.

والكركي.

وهو نوع شبيه بالحجل.

ففيه قيمته مكانه.

فيقوّم الصيد، فجزاء الصيد الذي ليس له مثل هو ما ذكره المؤلف من أنه يقوّم ذلك الصيد، فينظر كم قيمته، ويخرج ما يقابله طعامًا يفرق على مساكين الحرم، أو أنه يصوم عن إطعام كل مسكين يومًا.

والخلاصة: أن جزاء الصيد على قسمين:

القسم الأول: أن يكون للصيد مثل؛ كالنعامة، والغزال، فيخير بين ثلاثة أشياء: أولًا: ذبح المثل وتفريق لحمه على فقراء الحرم، الثاني: تقويم المثل بأن ينظر كم يساوي هذا المثل، ويخرج ما يقابله طعامًا يفرق على المساكين، لكل مسكين نصف صاع، الثالث: أن يصوم عن إطعام كل مسكين يومًا.

أما إذا كان الصيد ليس له مثل، فيخير بين أمرين:

  • الأول: تقويم قيمة الصيد، ويخرج ما يقابلها طعامًا يوزع على مساكين الحرم، لكل مسكين نصف صاع.
  • الثاني: أن يصوم عن إطعام كل مسكين يومًا، والأصل في هذا قول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ [المائدة:95] وهذا يدل على التشديد في هذه المسألة، يعني: من عاد لقتل الصيد ينتقم الله منه، حتى وإن كان قتل حمامة، ينتقم الله منه لأجل انتهاك حرمة الإحرام والحرم.

من انتهك حرمة هذا البلد الحرام، فالله تعالى يقول: فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ [المائدة:95] وهذا يدل على التشديد في شأن حرمة الحرم، وأنه يجب أن يكون هذا الحرم حرمًا آمنًا، فانظر كيف أن الله شدد في هذه المسألة، فقال في جزاء الصيد: وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ [المائدة:95].

يُحرم صيد مكة

قال المصنف رحمه الله:

فصل: ويحرم صيد مكة:

وحكمه حكم صيد الإحرام.

يحرم صيد ما كان في الحرم، سواء أكان على المحرم، أو غير المحرم، ما كان داخل حدود الحرم يحرم صيده مطلقًا، وحكمه حكم صيد الإحرام على ما ذكرنا من التحريم والجزاء.

وحدود الحرم قد بينت وحددت تحديدًا دقيقًا من وقت إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، فإن جبريل أتى وحدد لإبراهيم مكان حدود الحرم، ثم تناقل الناس بعد ذلك هذه الحدود إلى وقتنا الحاضر.

فمثلًا: عرفة من الحل ليس من الحرم، بينما مزدلفة من الحرم، منى من الحرم، فمنطقة الحرم حدودها معروفة، وعليها الآن علامات ولوحات تحدد بداية الحرم ونهاية الحرم.

ويحرم صيد مكة بالإجماع؛ لقول النبي : إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة [5].

والصحيح أن تحريم مكة، يعني: تحريم الحرم أنه كان قبل إبراهيم يوم خلق الله السماوات والأرض؛ لقول النبي : إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة.

ولكن قوله عليه الصلاة والسلام: إن إبراهيم حرم مكة، أي: أظهر تحريمها، وإلا فإنها محرمة يوم خلق الله السماوات والأرض، وهذا يدل على عظيم حرمة هذا البلد الذي جعله الله تعالى حرامًا يوم خلق السماوات والأرض.

يُحرم قطع شجر الحرم وحشيشه

ثم انتقل المؤلف للكلام عن شجر الحرم، قال:

ويحرم قطع شجره وحشيشه.

المقصود بالشجر والحشيش، المقصود بذلك: الشجر والحشيش الأخضران اللذان لم يزرعهما الآدمي؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: لا يعضد شجرها، ولا يحتش حشيشها، ولا يختلى خلاها [6].

وعلى ذلك يجوز قطع اليابس، ويجوز أيضًا: قطع ما زرعه الآدمي؛ لأن النبي إنما أضاف الشجر إلى الحرم، فدل ذلك على أن المحرم إنما هو شجر الحرم دون غيره، ويستثنى من ذلك الإذخر، فإن النبي لما قال ذلك، قال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر، فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا، قال عليه الصلاة والسلام: إلا الإذخر [7].

والمحل والمحرم في ذلك سواء.

أي: يستوي المُحرم وغير المحرم في تحريم قطع الشجر والحشيش الأخضر الذي لم يزرعه الآدمي، لكن هل فيه جزاء؟

قال المصنف:

فتضمن الشجرة الصغيرة عرفًا بشاة، وما فوقها ببقرة، ويضمن الحشيش والورق بقيمته

لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذا.

وقال بعض أهل العلم: إنه لا جزاء في ذلك مطلقًا، وأن فيه التوبة؛ لعدم الدليل الدال لهذا، والأصل براءة الذمة، وأما الأثر المروي عن ابن عباس فعلى تقدير صحته يحمل على الاستحباب، ولا نستطيع أن نلزم الناس بمثل هذه الجزاءات، إلا بدليل واضح من كتاب الله، أو من سنة رسول الله ، وهذا هو المذهب عند المالكية، وهو القول الراجح: أن من قطع شيئًا من شجر الحرم، فإنه يأثم بذلك، وأن الواجب عليه التوبة، لكن ليس عليه جزاء على القول الراجح.

الدم المجزئ في النسك

ثم انتقل المؤلف للكلام عن الدم المجزئ في النسك، فقال:

ويجزئ عن البدنة بقرة كعكسه.

أي: في الهدي والأضحية، فيجزئ عن البدنة البقرة؛ لقول جابر : نحرنا مع رسول الله عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة [8] رواه مسلم.

ويجزئ عن سبع شياه بدنة أو بقرة.

يعني: أن البدنة والبقرة تجزئ عن سبع شياه، والمراد بالدم الواجب.

قال المؤلف:

والمراد بالدم الواجب ما يجزئ في الأضحية جذع ضأن، أو ثني معز، أو سُبع بدنة أو بقرة.

يعني: الدم الواجب في الهدي هو ما يجزئ في الأضحية، والذي يجزئ في الأضحية هو الجذع من الضأن، وهو ما له ستة أشهر، أو الثني من المعز وهو ما له سنة، أو سُبع بدنة أو سُبع بقرة.

فإذا ذبح إحداهما فأفضل، وتجب كلها.

أي: إن ذبح بدنة أو بقرة فهو أفضل من السُّبع، وأفضل من الشاة، لكن إن اختار الأعلى بأن من أراد أن يذبح بدنة أو بقرة لزمه ذلك، فكان واجبًا عليه، فلا يصح مثلًا أن يقول: سوف أضحي بسبع، والباقي آخذه، بل يلزمه كل هذه البدنة، إلا أن يشترك سبعة في بدنة، أو سبعة في بقرة، هذا هو مراد المصنف بهذه العبارة.

أركان الحج وواجباته

ثم قال المصنف رحمه الله:

باب أركان الحج وواجباته:

أركان الحج: أركان جمع ركن؛ وهو جانب الشيء الأقوى، وحصر المؤلف أركان الحج في أربعة.

الركن الأول: الإحرام

قال:

أركان الحج أربعة:

الأول: الإحرام، وهو مجرد النية، فمن تركه لم ينعقد حجه.

سبق تعريف الإحرام بأنه نية الدخول في النسك، فهو ركن من أركان الحج، فمن لم يحرم لم يصح حجه، فلا بد من الإحرام، والنية محلها القلب، لكن السنة أنه يهل بما أراد من النسك، يقول: لبيك عمرة، لبيك حجًّا، لبيك عمرة متمتعًا بها إلى الحج، لبيك عمرة وحجًّا.

ولكن هل يشترط التلفظ بذلك؟

لا يشترط على الراجح، وتكفي النية؛ لقول النبي : إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى [9]؛ ولهذا لو أن أحدًا مر بالميقات، ونوى الإحرام، ولم يتلفظ، لم يقل: لبيك عمرة، أو لبيك حجًّا، فإحرامه صحيح؛ لأن النية تكفي في هذا.

الركن الثاني: الوقوف بعرفة

الركن الثاني من أركان الحج:

الوقوف بعرفة.

وهو آكد أركان الحج، وهو ركن من أركان الحج بالإجماع؛ لقول النبي : الحج عرفة [10].

وقت الوقوف بعرفة

ووقته من طلوع فجر يوم عرفة.

هذا هو ابتداء وقته، وهذا هو القول الأول في المسألة، وهو المذهب عند الحنابلة، وهو من المفردات.

والقول الثاني: أن ابتداء وقت الوقوف بعرفة يبتدئ بالزوال بزوال الشمس.

القائلون بأنه يبتدئ من طلوع فجر يوم عرفة استدلوا بقصة عروة بن مضرس الطائي، وفيه: أنه قال: يا رسول الله أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال له النبي : من شهد صلاتنا هذا، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا، فقد تم حجه، وقضى تفثه [11].

قوله: أو نهارًا النهار يبتدئ من طلوع الفجر، وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية، وهو رواية عند الحنابلة إلى أن ابتداء وقت الوقوف بعرفة من زوال الشمس، وحكي إجماعًا، قالوا: لأن النبي وأصحابه لم يقفوا إلا بعد الزوال، فقال عليه الصلاة والسلام: خذوا عني مناسككم [12] وهذا هو القول الراجح، وهو الذي عليه أكثر أهل العلم، وحكي إجماعًا.

وأما قوله عليه الصلاة والسلام في حديث عروة: أو نهارًا المقصود بذلك بعد الزوال.

قال: إلى طلوع فجر يوم النحر.

أي: أن وقت الوقوف بعرفة يمتد إلى طلوع فجر يوم النحر، وهذا بالإجماع.

ثم بعد ذلك انتقل المؤلف للكلام عن الجزئيات المتعلقة بوقت الوقوف بعرفة، نفتتح بها درسنا القادم إن شاء الله تعالى، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1, ^2 رواه البخاري: 1816، ومسلم: 1201.
^3 رواه ابن ماجه: 3041.
^4 رواه أبو داود: 1978.
^5 رواه البخاري: 3189، ومسلم: 1353.
^6 رواه البخاري: 1834، ومسلم: 1353.
^7 رواه البخاري: 112، ومسلم: 1355.
^8 رواه مسلم: 1318.
^9 رواه البخاري: 1، ومسلم: 1907.
^10 رواه الترمذي: 889، وابن ماجه: 3015.
^11 رواه أبو داود: 1950، والترمذي: 891، وقال: حسنٌ صحيحٌ.
^12 بنحوه رواه مسلم: 1297.
مواد ذات صلة
zh