الرئيسية/دروس علمية/دروس من الحرم- عمدة الفقه/(6) تتمة باب الإمامة- من قوله: “ولا يجلس على تكرمته..”
|categories

(6) تتمة باب الإمامة- من قوله: “ولا يجلس على تكرمته..”

مشاهدة من الموقع

دروسٌ من الحرم:

تتمة باب: الإمامة في الصلاة

ولا يجلس على تِكْرِمَتِه إلا بإذنه [1].

“تِكْرِمَتِه” بكسر التاء، هو الفراش الذي يُبْسَط لصاحب المنزل، ويختص بالجلوس عليه، ويفعله بعض الناس في بعض البلدان، فلا يأتِ أحدٌ ويجلس في مكان صاحب البيت الذي وُضع له هذا الفراش، أو هُيِّئ له هذا المكان.

هذه كلها مُراعاةٌ للآداب العامة، فينبغي للمسلم أن يكون لديه الأدب والخلق الكريم، خاصةً طالب العلم؛ ولهذا يقول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا، أكمل الآية: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11].

طيب، ما علاقة رفعة الذين أوتوا العلم بالتَّفسح في المجالس؟ ما الارتباط؟ ما وجه الارتباط بين أول الآية وآخرها؟

في الآية إشارةٌ إلى أن من لوازم العلم: الأدب، فالذي يتفسح في المجالس، ويتأدب بالآداب، هذا من ثمرة العلم النافع الذي يرفع صاحبه، فعندما أمر الله تعالى بالتَّفسح في المجالس كأن في هذا إشارةً إلى أن الذي يستجيب لهذا الأدب من الذين أوتوا العلم؛ ولذلك رفعهم الله درجاتٍ: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ، فمن لوازم العلم: الأدب.

ولذلك ينبغي لطالب العلم أن يكون مُؤدبًا، خلوقًا، فإن حُسن الخلق أثقل ما يكون في ميزان العبد يوم القيامة، فهذه من الآداب التي أرشد إليها النبي : أن الإنسان إذا أتى منزل إنسانٍ يتأدب معه، وهو صاحب السلطان في بيته، فلا يتقدم عليه حتى في الإمامة والصلاة، ولا يجلس على تِكْرِمَته، والأشياء التي يختص بها، فيتأدب بهذه الآداب.

قال:

وقال لمالك بن الحُوَيرث وصاحبه: إذا حضرت الصلاةُ فليُؤذن أحدكما، وليَؤُمَّكما أكبركما [2].

هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم.

قال:

وكانت قراءتهما مُتقاربةً.

المؤلف كأنه يُجيب عن سؤال: كيف نُوفق بين حديث مالك بن الحُوَيرث: وليَؤُمَّكما أكبركما، وحديث: يَؤُمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله [3]؟

فالمؤلف أجاب عن هذا التساؤل فقال: “كانت قراءتهما مُتقاربةً”، فهما مُتقاربان في كل شيءٍ: في القراءة، وفي العلم؛ لأنهما حضرا عند النبي قُرابة عشرين ليلةً، فهما مُتقاربان في كل شيءٍ: في القراءة والعلم، لكنهما مُتفاوتان في السنِّ؛ فقال: وليَؤُمَّكما أكبركما، وهذا فيه إشارةٌ إلى أنه عند التساوي في جميع الاعتبارات السابقة يكون المُرجح هو السنّ.

حكم الصلاة خلف مَن صلاته فاسدةٌ

لا تصح الصلاة خلف مَن صلاته فاسدةٌ، كأن يُصلي -مثلًا- بغير وضوءٍ ناسيًا، أو أن تنتقض طهارته وهو في الصلاة إلا مَن لم يعلم حدث نفسه، ولم يعلمه المأموم حتى سلَّم.

هذا إمامٌ أتى وصلى بالناس وعليه جنابةٌ، أو نسي أن يتوضأ، كأن يظن أنه مُتوضئٌ ونسي الوضوء، واستمر النسيان إلى أن فرغ من صلاته، ثم علم، ولم يعلم المأموم أن هذا الإمام على جنابةٍ، والإمام كان ناسيًا، فصلاة المأموم صحيحةٌ، أما الإمام فإنه يُعيد الصلاة بعدما يُعيد الوضوء، أو يغتسل إن كان عن جنابةٍ.

ويُفهم من كلام المؤلف أن المأموم إذا كان يعلم حدث الإمام هل تصح صلاته؟

لا تصح، إذا كان يعلم لا تصح.

ماذا يعمل الإمام إذا أحدث أثناء الصلاة؟

ماذا لو أن الإمام أحدث أثناء الصلاة، شعر -مثلًا- بانتقاض الطهارة بخروج ريحٍ، أو بولٍ، أو نحو ذلك؟

هنا لا يجوز له أن يستمر في الصلاة، يقطع صلاته.

وهل يستخلف أحد المأمومين، أو أنهم يُعيدون صلاتهم؟

قولان لأهل العلم، والقول الراجح هو: أنه يستخلف أحد المأمومين خلفه، ويُكمل بهم الصلاة.

وهذا قد وقع للصحابة في زمن عمر ؛ فإن عمر بن الخطاب  كان يَؤُمُّ الناس، فأَمَّهم ذات مرةٍ لصلاة الفجر، فأتى أبو لؤلؤة المجوسي وطعنه وهو يصلي في السجود، فسبَّح الناس لما انقطع الصوت، فعمر لم يستطع أن يُكمل الصلاة؛ فأخذ بيد عبدالرحمن بن عوف  فقدَّمه، وأبو لؤلؤة معه خنجرٌ -سكينٌ لها حدَّان مسمومةٌ- وطعن بضعة عشر رجلًا وهو يسير، إلى أن أتى أحد الصحابة بشيءٍ مثل عباءةٍ -تُرْس- فوضعها فوقه؛ فأمسكوا به.

ثم حُمِلَ عمر ، وأتمَّ بهم عبدالرحمن بن عوف ، أتمَّ بالمسلمين الصلاة خفيفةً، خفَّفها.

وانظر إلى حرصهم على الصلاة، لم يقطعوا الصلاة، مع أن الحدث عظيمٌ: طعن أمير المؤمنين، ومع ذلك أكملوا صلاتهم.

ثم حُمِلَ عمر وقد أُغْمِيَ عليه، ثم لما أفاق سأل، فأخبروه، فدعا بوضوءٍ، فصلى، وسأل عن الناس، فأخبروه بأنهم قد أَتَمُّوا صلاتهم، فقال: “إنه لا حظَّ في الإسلام لمَن ضيَّع الصلاة”.

ثم بعد ذلك سقوه لبنًا فرأوا أنه يخرج من الجُرح؛ فعلموا دُنُوَّ منيته، ثم مات رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

الشاهد من هذه القصة: أن عمر استخلف عبدالرحمن بن عوف فأَتَمَّ بهم الصلاة، فدلَّ ذلك على مشروعية الاستخلاف؛ ولهذا ينبغي أن يكون مَن يُصلي خلف الإمام ممن يصلح للإمامة؛ ولهذا قال : لِيَلِنِي منكم أولو الأحلام والنُّهَى [4]، فينبغي أن يكون خلف الإمام القُرَّاء وأولو الأحلام والنُّهَى؛ لأنه ربما يعرض للإمام عارضٌ فيستخلف أحد المُصلين خلفه.

وقد ورد في بعض الأسئلة وبعض الفتاوى من بعض الناس أنه يقول: كنتُ إمامًا، فأحدثتُ في الصلاة، فاستحييتُ وأكملتُ الصلاة بالناس!

هذا عملٌ مُنكرٌ، لا يجوز مثل هذا العمل، وما الذي يضيره لو قطع الصلاة؟!

وبعض الفقهاء يقول: إن خشي الإحراج يضع يده على فيه، كأنه خرج من أنفه دمٌ.

فهذا من المخارج، لكن مَن أمَّ الناس فليتحمل، إذا أحدث في الصلاة يجب عليه أن يقطع الصلاة، ولا يجوز له أن يستمر.

فهذا الذي يقول: إنه استحى وأكمل الصلاة آثمٌ بذلك.

فقلتُ له: يُفترض أنك لا تَؤُمّ الناس، إذا كنت لو عرض لك مثل هذا العارض سوف تخجل وتستحي؛ إذن لا تَؤُمَّ الناس، اعتذر عن الإمامة ابتداءً، أما أن تَأُمَّهم ثم إذا أحدثتَ تستمر بالصلاة فيهم، فهذا العمل لا يجوز.

قال:

ولا تصح خلف تاركٍ لركنٍ.

يعني: تاركًا لركنٍ من أركان الصلاة عجزًا: كالقيام -مثلًا-، أو الركوع، أو السجود.

وعلى ذلك مَن كان يُصلي -مثلًا- على كرسيٍّ -على كلام المؤلف- فإنه لا تصح إمامته لمَن هم أصحاء يصلون قيامًا، إلا أن المؤلف استثنى من هذه المسألة:

إلا إمام الحي إذا صلى جالسًا لمرضٍ يُرْجَى بُرْؤُه، فإنهم يصلون وراءه جلوسًا.

فإمام الحي يستثنونه من ذلك؛ لقول النبي : إنما جُعل الإمام ليُؤْتَمَّ به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبَّر فكبروا … وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون [5] متفقٌ عليه.

قال:

إلا أن يبتدئها قائمًا، ثم يَعْتَلُّ فيجلس، فإنهم يَأْتَمُّون وراءه قيامًا.

وذلك لفعل الصحابة  في مرض موت النبي ، فإنه قد كان يصلي بهم أبو بكر ، ثم أقبل عليهم النبي ؛ فرجع أبو بكرٍ القَهْقَرى، فأشار عليه النبي أن أكمل صلاتك، لكنه أَصَرَّ؛ لأنه رأى أنه لا ينبغي له أن يتقدم بين يدي النبي ، وجعل النبي يصلي بالناس قاعدًا، وأبو بكرٍ  خلفه قائمًا، والصحابة خلفه قيامًا [6].

فالمؤلف جمع بين هذا وبين قوله: وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعون [7]، فقال: إن الإمام إذا صلى من أول الصلاة قاعدًا، فالمأمومون يصلون خلفه قعودًا، أما إذا ابتدأ الصلاة قائمًا ثم اعْتَلَّ فجلس فيُكملون الصلاة وراءه قيامًا، وهذا جمعٌ حسنٌ تجتمع به الأحاديث الواردة.

وعلى هذا نقول: إن الإمام إذا ابتدأ الصلاة بالمصلين قاعدًا، فالسنة أن يصلوا خلفه قعودًا، وإذا ابتدأ بهم قائمًا ثم اعْتَلَّ فجلس، فإنهم يصلون خلفه قيامًا، فيفرق بين الابتداء وبين أن يكون الاعتلال أثناء الصلاة.

مَن لا تصح إمامتهم

ننتقل بعد ذلك لمَن لا تصح إمامتهم.

قال المؤلف رحمه الله:

ولا تصح إمامة المرأة بالرجال، ومَن به سلس البول، والأُمي الذي لا يُحْسِن الفاتحة، أو يُخِلُّ بحرفٍ منها إلا بمثلهم.

حكم إمامة المرأة للرجال

لما ذكر المؤلف مَن لا تصح إمامتهم، ذكر العاجز أيضًا، وذكر المرأة ثانيًا، فلا تصح إمامة المرأة.

والمقصود إمامة المرأة للرجال، وأما إمامتها للنساء فإنها تصح، وهذا قد رُويتْ فيه بعض الآثار عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، فإمامة المرأة للنساء لا بأس بها، وأما إمامة المرأة للرجال فإنها لا تصح، وقد حُكي إجماع العلماء على ذلك، وفيها خلافٌ، لكنه خلافٌ شاذٌّ، وعامة علماء الأمة على أن المرأة لا تصح أن تكون إمامًا للرجال.

وإذا نظرنا للأدلة الدالة على أن المرأة مطلوبٌ منها الستر والاحتشام والبُعد عن مُخالطة الرجال، وأنها ليست من أهل الجمعة والجماعة، فهذا كله مما يُؤكد هذا الحكم ويُقرره، فالمرأة مطلوبٌ منها أن تبتعد عن مُخالطة الرجال ما استطاعتْ؛ ولذلك قال الله : وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، وقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:59].

وقال في شأن العجائز اللاتي لا يُرغب في نكاحهن: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ [النور:60]، لكن لاحظ القيود:

القيد الأول: غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ [النور:60] غير مُتبرجاتٍ، وبِزِينَةٍ لا تتزين: لا في لباسها، ولا في هيأتها، ولا في وجهها، ومع ذلك أيضًا: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60]، وهنَّ قواعد، عجائز، ومع ذلك كونهن يضعن الحجاب أيضًا خيرٌ لهن.

هذا يدل على عناية الشريعة بمسألة الستر للمرأة، وحجاب المرأة وحِشْمتها.

وإذا تأملت هذه المسألة وجدتَ أن الشرارة الأولى للفتنة بالمرأة تكون من التَّبرج؛ من تبرج المرأة ومُخالطتها للرجال؛ ولذلك المرأة العفيفة المُحْتَشِمة تجد أنه لا أحد يتعرض لها، بل يحترمها الجميع، كما قال الله : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59] يُعْرَفْنَ بالعِفَّة، وفي قولٍ: “يُعْرَفْنَ أنهن حرائر”، لكن مآله لهذا القول، يعني: يُعْرَفْنَ بالعِفَّة، فالمرأة إذا عُرفتْ بالعِفَّة لا أحد يتعرض لها، ولا يُؤذيها من الفُسَّاق، وإذا رُئيت المرأة بسترها وحِشْمتها مُحتجبة، فلا أحد يتعرض لها، إنما يتعرض الفُسَّاق ومَن في قلوبهم مرضٌ للمرأة المُتبرجة؛ لأنها تبعث رسالةً لهؤلاء بمُعاكستها والتَّحرش بها.

فإذا نظرنا إلى عناية الشريعة بمسألة الحِشْمَة والستر للمرأة، وبُعْدها عن مُخالطة الرجال الأجانب، فهذا يُقرر هذا الحكم، وهو: أنه لا تصح إمامة المرأة للرجال، وكيف تصح والمرأة تكون أمام الرجال، وربما يبرز شيءٌ من مفاتنها، خاصةً عند الركوع، وعند السجود؟!

فظاهر الأدلة والقواعد الشرعية يدل على عدم صحة إمامة المرأة للرجال، لكن هل تصح إمامة المرأة لزوجها؟

هل تصح إمامة المرأة لزوجها؟

لا تصح أيضًا، فإن ظاهر الأدلة العموم، ولم يرد شيءٌ يقتضي التخصيص، وإن كان بعض العلماء استثنى ذلك، لكن لا دليل على هذا الاستثناء، وأمور المرأة غير أمور الرجل، فالرجل من أهل الجُمَع والجماعات، ومطلوبٌ منه أن يصلي في الجماعة في المسجد، والمرأة صلاتها في بيتها أفضل، فليست من أهل الجُمَع، وليست من أهل الجماعات.

حكم إمامة مَن به سلس البول

قال:

ومَن به سلس البول.

يعني: لا تصح إمامة مَن به سلس البول.

ما معنى سلس البول؟

خروج البول من الإنسان بصفةٍ مُستمرةٍ بغير اختياره، هذا يُسمى: سلس البول، وهو الحدث الدائم، وهذا يخرج من بعض الناس، وهذا مَن ابتُلي به فحكم الشريعة واضحٌ، وهو: أن صاحب السلس يتوضأ ولا يضره خروج البول بعد ذلك، ولا ينتقض وضوؤه إلا إذا خرج منه ناقضٌ آخر، لكن هل يجب عليه إذا دخل وقت الصلاة الأخرى أن يتوضأ مرةً أخرى أم لا؟

مثلًا: توضأ لصلاة المغرب، وهو صاحب سلسٍ، يخرج منه البول بصفةٍ مُستمرةٍ، ثم أذَّن العشاء، فهل يجب عليه أن يتوضأ، ولم ينتقض وضوؤه بشيءٍ آخر، فلم ينتقض بريحٍ، ولا ببولٍ، وإنما مجرد السلس؟

من أهل العلم مَن قال: إنه يجب عليه أن يتوضأ. ومنهم مَن قال: يُستحب ولا يجب.

وسبب الخلاف في هذه المسألة هو الخلاف في رواية: ثم توضَّئي لكل صلاةٍ [8]، هذه الرواية جاءت في حديث عائشة رضي الله عنها، وجاءت في “صحيح البخاري”، والإمام مسلم أشار في “صحيحه” إلى أنه تعمد ترك هذه الزيادة عمدًا، قال: “وفي حديث حماد بن زيدٍ زيادة حرفٍ تركنا ذكره“.

وهذه الزيادة عند التحقيق لا تصح مرفوعةً إلى النبي ، وإنما هي مُدرجةٌ من قول عروة بن الزبير، كما حقق ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه “فتح الباري”.

وعلى ذلك فالقول الراجح: أن صاحب سلس البول يُستحب له أن يتوضأ عند دخول وقت الصلاة، ولا يجب؛ لأنه ليس هناك دليلٌ ظاهرٌ يدل على الوجوب، وأما هذا الحديث: توضَّئي لكل صلاةٍ فهو مُدرجٌ من قول عروة، وليس مرفوعًا إلى النبي .

لكن المؤلف هنا يقول: إن صاحب السلس لا تصح إمامته، وعلى هذا القول لو كان المُبتلى بهذا السلس عالمًا كبيرًا، وكان معه عاميٌّ لا يُحْسِن إلا قراءة الفاتحة وبعض قِصار السور، فعلى كلام المؤلف أيّهما أولى بالإمامة؟ هل هذا العامي؟ وهل هذا يستقيم مع الأصول والقواعد الشرعية؟

هذا مُبتلًى بالسلس بغير اختياره؛ ولهذا فإن القول الراجح في هذه المسألة: أنه تصح إمامة صاحب السلس لغيره، ولا دليل يدل على أن صاحب السلس لا يَؤُمُّ غيره، فليس هناك دليلٌ ظاهرٌ.

إذن القول الراجح: أن صاحب السلس وصاحب الحدث الدائم عمومًا يصح أن يكون إمامًا لغيره.

حكم إمامة مَن لا يُحْسِن الفاتحة

قال:

والأُمي الذي لا يُحْسِن الفاتحة، أو يُخِلُّ بحرفٍ منها إلا بمثلهم.

مَن لا يُحْسِن الفاتحة لا يصح أن يكون إمامًا لغيره إلا في حالةٍ واحدةٍ: أن يكون إمامًا لمَن هو مثله أو أقلّ منه، أما أن يَؤُمَّ غيره وهو يلحن في الفاتحة لحنًا جليًّا يُغير المعنى، فلا تصح إمامته.

وعلى ذلك لو أنك -مثلًا- صليتَ خلف إمامٍ يلحن في الفاتحة، هل تقطع صلاتك أم لا؟

مَن يُجيب عن هذا السؤال؟

يُفترض -مثلًا- أنك ذاهبٌ في الطريق، أو في أي مكانٍ، ودخلتَ مع جماعةٍ، فوجدتَ أن إمامهم يلحن في الفاتحة، فهل تقطع صلاتك؟

طالبٌ: تقطع.

طالبٌ آخر: لا تقطع.

الشيخ: ما في تفصيل؟

طالب: إذا كان اللحن …..

الشيخ: أحسنتَ، الصواب في هذه المسألة هو التفصيل؛ إذا كان اللَّحن يُغير المعنى فإنه لا تصح الصلاة خلفه، وتقطع صلاتك، تردُّ عليه فإن لم يستجب تقطع صلاتك، أما إذا كان اللَّحن لا يُغير المعنى فلا تقطع صلاتك، والصلاة خلفه صحيحةٌ.

طيب، نريد مثالًا للحن الذي يُغير المعنى في الفاتحة.

طالبٌ: …….

الشيخ: بدل أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] يقول: “أنعمتُ”، هذا لا شكَّ أنه يُغير المعنى.

طيب، نريد مثالًا آخر للحن الذي يُغير المعنى.

طالبٌ: …….

الشيخ: لا، هذه مُستثناةٌ، سأتكلم عنها، مثالٌ آخر.

طالبٌ: …….

الشيخ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5]، يقول: “إياكِ نعبدُ”، هذا يُغير المعنى.

طيب، نريد مثالًا للحن الذي لا يُغير المعنى.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، يقول: “الحمد لله ربُّ العالمين”، هذا لا يُغير المعنى: رَبِّ الْعَالَمِينَ و”ربُّ العالمين” معناها واحدٌ، لكنه قد لحن إذا قال: “ربُّ العالمين”، لكن هذا اللحن لا يُغير المعنى؛ فتصح الصلاة خلفه.

مذهب الفقهاء في: وَلَا الضَّالِّينَ

أما وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فهذه المسألة استثناها الفقهاء، وكثيرٌ من العامة عندما يقرأ سورة الفاتحة عندما يصل إلى وَلَا الضَّالِّينَ يقرأها “ولا الظَّالين”، يختلف عن الضَّالِّينَ.

ما الفرق بين: “الظَّالين” والضَّالِّينَ؟

الضَّالِّينَ من الضلال، أما “الظَّالين” من الظلِّ، مُستظلون بظلٍّ، لكن قال الفقهاء: إنه نظرًا لتقارب المخرجين يُعْفَى في هذه المسألة، فتصح الصلاة خلفه؛ لأننا لو شددنا في هذه المسألة أبطلنا إمامة كثيرٍ من العامة، وكثيرٌ من العامة ما يُفرق بين “الظَّالين” والضَّالِّينَ، فلتقارب المخرج يقول الفقهاء: إن هذه الحالة مُستثناةٌ، وكذلك هذا لا يُغير المعنى.

إذن القاعدة في هذا: أن اللحن إذا كان يُغير المعنى لا تصح الصلاة خلفه، أما إذا كان لا يُغير المعنى فتصح الصلاة خلفه، واستثنينا مسألة: وَلَا الضَّالِّينَ، وقلنا: لو قرأها “ولا الظَّالين” فهذه مُستثناةٌ؛ نظرًا لتقارب المخرجين.

ولكن أيضًا حتى لو كان اللحن يُغير المعنى، فيبقى أن هذا الإمام هو أخوك المسلم، فينبغي أن تردَّ عليه وتفتح عليه، فإذا قال: “أَهْدِنا” تردّ عليه وتقول: اهْدِنَا [الفاتحة:6]، لكن لو أصرَّ فهنا تنصرف، ولا تُصلي خلفه.

نُكمل بقية الباب.

القارئ: قال المؤلف رحمه الله:

ويجوز ائتمام المُتوضئ بالمُتيمم، والمُفترض بالمُتنفل.

وإذا كان المأموم واحدًا وقف عن يمين الإمام، فإن وقف عن يساره أو قُدَّامه أو وحده لم تصح، إلا أن تكون امرأةً فتقف وحدها خلفه.

وإن كانوا جماعةً وقفوا خلفه، فإن وقفوا عن يمينه أو عن جانبيه صحَّ، فإن وقفوا قُدَّامه.

وإن صَلَّت …

الشيخ: ما عندك “فإن وقفوا قُدَّامه أو عن يساره لم تصحّ”، أو في بعض النُّسخ؟

طيب، أكمل: “وإن صَلَّت”.

القارئ:

وإن صَلَّت امرأةٌ بنساءٍ قامتْ معهنَّ في الصفِّ وسطهنَّ، وكذلك إمام الرجال العُراة يقوم وسطهم.

وإن اجتمع رجالٌ وصبيان وخَنَاثَى ونساءٌ قُدِّمَ الرجال، ثم الصبيان، ثم الخَنَاثَى، ثم النساء.

ومَن كبَّر قبل سلام الإمام فقد أدرك الجماعة، ومَن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة وإلا فلا.

حكم ائتمام المُتوضئ بالمُتيمم

قال:

يجوز ائتمام المُتوضئ بالمُتيمم.

يعني: يجوز أن يصلي المُتوضئ خلف إمامٍ مُتيممٍ، ويدل لهذا قصة عمرو بن العاص لما أجنب، يعني: وقعتْ له جنابةٌ، وخشي على نفسه إن اغتسل أن يهلك من شدة البرد؛ فتيمم، وأقرَّه النبي على ذلك، مع أن مَن خلفه كانوا مُتوضئين [9].

ولذلك لو كان الأقرأ لكتاب الله مُتيممًا، ومعه مَن هو مُتوضئٌ، أيّهما أولى بالإمامة؟

الأقرأ لكتاب الله، بِغَضِّ النظر عن كونه مُتوضئًا أو مُتيممًا.

حكم ائتمام المُفترض بالمُتنفل

قال:

والمُفترض بالمُتنفل.

يعني: يجوز ائتمام المُفترض بالمُتنفل؛ وذلك لقصة معاذٍ ، فإن معاذًا  كان يصلي مع النبي صلاة العشاء، ثم يرجع ويصلي بقومه صلاة العشاء، وهي في حقِّه نافلةٌ، وفي حقِّهم فريضةٌ [10]، والقصة في الصحيحين، وقد أقرَّه النبي على ذلك، فلا بأس بأن يَأْتَمَّ المُفترض بالمُتنفل.

مثال ذلك: لو أتيتَ -مثلًا- في رمضان والإمام يصلي صلاة التراويح، وأنت لم تُصلِّ صلاة العشاء، فلا بأس أن تدخل مع الإمام، فإذا سلم تقوم وتقضي ركعتين، والإمام مُتنفلٌ، وأنت مُفترضٌ، فلا بأس بذلك.

أين يقف المأموم من الإمام؟

قال:

وإذا كان المأموم واحدًا وقف عن يمين الإمام.

هذه هي السنة، ولما وقف ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن يسار النبي أخذه برأسه فأداره عن يمينه [11].

حكم صلاة المأموم إن وقف عن يسار الإمام

فالسنة إذن أن يقف عن يمين الإمام، وليس عن يساره، فإن وقف عن يساره لم تصح -على كلام المؤلف-؛ وذلك لأن النبي أرشد ابن عباسٍ رضي الله عنهما إلى أن يقف عن يمينه، وكذلك لما صلى معه ابن مسعودٍ وحذيفة رضي الله عنهما إنما وقفا عن يمينه.

فالقول الأول: أنها لا تصح صلاة مَن وقف عن يساره، وهو المذهب عند الحنابلة، وهو من المُفردات.

ما معنى هذا المصطلح: “من المُفردات”؟

يعني: انفرد به الحنابلة عن بقية المذاهب.

القول الثاني في المسألة: أنها تصح صلاة مَن وقف عن يساره، وهذا هو قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية، وروايةٌ عن الحنابلة.

وقال ابن مُفلح صاحب “الفروع” عن هذه الرواية: إنها هي الأظهر.

وصوبها صاحب “الإنصاف” فقال: وهذا هو القول الصواب.

واختارها ابن سعدي وغيره من أهل العلم.

وهذا القول الثاني هو القول الراجح؛ لأنه لم يرد نهيٌ عن أن يقف المأموم عن يسار الإمام، وغاية ما ورد من فعل النبي لما أخذ ابنَ عباسٍ رضي الله عنهما، ولما صلى عن يمينه ابن مسعودٍ وحذيفة رضي الله عنهما، فكل ما ورد إنما هو من فعل النبي ، ومجرد الفعل إنما يدل على الاستحباب، ولا يدل على الوجوب.

وعلى ذلك لو كان ذلك واجبًا لبَيَّنَ ذلك النبي لابن عباسٍ رضي الله عنهما، وقال: لا تَعُدْ لمثل هذا. كما قال لأبي بكرة : زادك الله حرصًا، ولا تَعُدْ [12].

القول الراجح: أن صلاة مَن صلى عن يسار الإمام صحيحةٌ، لكنها خلاف الأفضل.

حكم الصلاة قُدَّام الإمام

قال:

أو قُدَّامه.

أي: لا تصح صلاة مَن صلى قُدَّام الإمام.

ننتبه لهذه المسألة، فهذه تحصل هنا في المسجد الحرام، وتحصل في المسجد النبوي، حيث تجد أن الإمام يصلي والناس في الصَّحْن -في المطاف- يُصلون أمامه، وعلى كلام المؤلف: أن صلاة مَن صلى قُدَّام الإمام لا تصح.

والقول الثاني في المسألة: أنها لا تصح إلا إذا لم يجد المأموم مكانًا إلا قُدَّام الإمام فتصح.

وهذا هو القول الراجح، وهو روايةٌ عن الإمام أحمد، واختارها أبو العباس ابن تيمية، وجمعٌ من المُحققين من أهل العلم؛ وذلك لأن صلاة المأموم خلف الإمام غاية ما يُقال فيها: إنها واجبةٌ، وإذا كانت الأركان والشروط تسقط بالعجز عنها، فلأن يسقط هذا الواجب من باب أولى.

إذن فالقول الراجح: أنه إذا لم يجد المأموم مكانًا خلف الإمام جاز له أن يصلي قُدَّام الإمام.

وعلى ذلك فصلاة الذين يصلون قُدَّام الإمام هنا في المسجد الحرام صحيحةٌ، وهكذا أيضًا في المسجد النبوي صلاتهم صحيحةٌ، وهكذا أيضًا ما نراه في الحجِّ من صلاة الذين يصلون قُدَّام الإمام في مسجد الخَيْف، أو في مسجد نَمِرَة في عرفاتٍ، ومسجد مُزدلفة، نقول: صلاتهم صحيحةٌ.

وبعض الناس يُشدد في هذه المسألة، لكن الذي أرى أن الأمر فيها واسعٌ: في الحجِّ، وفي الحرمين؛ لأن هؤلاء الذين يصلون قُدَّام الإمام لا يجدون مكانًا خلفه، فهم معذورون بذلك.

ولذلك نقول: إن الأمر فيه سعةٌ -ولله الحمد- بالنسبة لصلاة المأمومين قُدَّام الإمام في الحرمين، وفي الحج، الأمر في هذا واسعٌ.

أما إذا وجد الإنسان مكانًا خلف الإمام، فهذا الذي نقول: لا تصح صلاته قُدَّام الإمام، لماذا تصلي قُدَّام الإمام وأنت تجد مكانًا خلف الإمام؟!

فصلاته لا تصح.

أما إذا كان لا يجد مكانًا من شدة الزحام، فلا يجد إلا قُدَّام الإمام؛ فصلاته صحيحةٌ على القول الراجح.

حكم صلاة المُنفرد خلف الصفِّ

قال:

أو وحده لم تصح.

أي: صلاة المأموم وحده خلف الصفِّ، يعني: مُنفردًا خلف الصفِّ؛ لقول النبي : لا صلاةَ لمُنفردٍ خلف الصفِّ [13]، ولحديث وابصة بن معبد : أن النبي لما رأى رجلًا يصلي خلف الصفِّ وحده أمره أن يُعيد الصلاة [14].

وهذا القول الذي أقرَّه المؤلف هو الراجح في المسألة، وهو أيضًا من المُفردات، والجمهور يرون صحة صلاة المُنفرد خلف الصفِّ؛ لقصة أبي بكرة لما ركع دون الصفِّ، فقال له النبي : زادك الله حرصًا، ولا تَعُدْ [15]، ولكن الاستدلال بقصة أبي بكرة  محل نظرٍ؛ إذ إن أبا بكرة  لم يستمر مُنفردًا، وإنما انفرد شيئًا يسيرًا، ثم التحق بالصفِّ، فلا يستقيم الاستدلال بقصة أبي بكرة  على صحة صلاة المُنفرد خلف الصفِّ.

وحديث: لا صلاة لمُنفردٍ خلف الصفِّ قول النبي ، وهو صريحٌ وصحيحٌ.

فالقول الراجح إذن: أنه لا تصح صلاة المُنفرد خلف الصفِّ، لكن قال بعض أهل العلم: إنه إذا أتى المأموم ولم يجد فُرجةً داخل الصفِّ، واجتهد ولم يجد؛ جاز له أن يصلي خلف الصفِّ وحده.

واختار هذا القول أبو العباس ابن تيمية وجمعٌ من المُحققين من أهل العلم، وهو القول الراجح؛ وذلك لأن كون المأموم لا يصلي خلف الصفِّ وحده غاية ما فيه أنه يجب عليه أن يكون معه أحدٌ، وألا يكون مُنفردًا، وإذا كانت الأركان والشروط تسقط بالعجز عنها، فهذا الواجب يسقط بالعجز عنه.

فنقول: إذن الأصل أنه لا تصح صلاة المُنفرد خلف الصفِّ إلا إذا لم يجد هذا المُنفرد فُرجةً داخل الصفِّ؛ فيجوز له أن يصلي خلف الصفِّ وحده.

قال:

إلا أن تكون امرأةً فتقف وحدها خلفه.

يعني: لو كانت امرأةٌ تصلي خلف رجالٍ، وهي واحدةٌ، فيجوز لها أن تصلي مُنفردةً، ولا تقف مع صفِّ الرجال.

حكم الصلاة عن يمين ويسار الإمام

وإن كانوا جماعةً وقفوا خلفه.

هذا هو الأصل: أن الجماعة يقفون خلف الإمام، وهذا هو الذي عليه هدي النبي وعمل المسلمين بعده.

فإن وقفوا عن يمينه.

يعني: وقف أكثر من شخصٍ عن يمينه، وقف اثنان أو ثلاثةٌ عن يمينه؛ صحَّ ذلك.

أو عن جانبيه.

واحدٌ عن يمينه، وواحدٌ عن يساره.

صحَّ.

لأن ابن مسعودٍ صلى وعن يمينه رجلٌ، وعن يساره رجلٌ.

إذن ما الصورة الوحيدة التي لا تصح على رأي المؤلف؟

أن يصلي عن يساره، وليس عن يمينه أحدٌ، وقلنا: حتى هذه الحالة الراجح أنها تصح.

فإن وقفوا قُدَّامه، أو عن يساره؛ لم تصح.

وناقشنا هذه المسألة، وقلنا: إذا وقفوا قُدَّامه، إن كان لغير عذرٍ لم تصح، وإن كان لعذرٍ -كأن يكون المأموم لم يجد مكانًا- صحَّتْ على القول الراجح، وعن يساره أيضًا ذكرنا الخلاف في المسألة، وأن القول الراجح أنها تصح.

أين تقف المرأة إذا أَمَّت النساء؟

وإن صلَّت امرأةٌ بنساءٍ قامتْ معهن في الصفِّ وسطهن.

وذلك لفعل عائشة رضي الله تعالى عنها، وأم سلمة رضي الله تعالى عنها.

فالمرأة إذا أَمَّتْ نساءً فإنها تقف وسطهن، ولا تتقدم أمامهن.

وكذلك إمام الرجال العُراة يقوم وسطهم.

لأن ذلك أستر.

لو افترضنا أن رجالًا عُراةً اعتدى عليهم لصوصٌ فسلبوا كل ما عندهم، وهذا موجودٌ، وقد كان موجودًا قديمًا، ويفعله بعض قُطَّاع الطريق؛ يأتون القافلة فينهبون كل شيءٍ معهم، حتى ملابسهم ينهبونها، فيبقى هؤلاء عُراةً، ما عليهم شيءٌ، فكيف يُصلون؟

نقول: يقف إمامهم وسطهم؛ لأن ذلك أستر.

مَن هو الخُنْثَى في الوقت الحاضر؟

وإن اجتمع رجالٌ، وصبيان، وخَنَاثَى، ونساءٌ.

ما معنى: خَنَاثَى؟

ليس بذكرٍ ولا أنثى.

هل أحدٌ منكم رأى خُنْثَى؟

كان الفقهاء السابقون يُعرِّفون الخُنْثَى بأنه: هو مَن اجتمعتْ عنده آلةُ الذكر وآلةُ الأنثى.

ولكن هذا التعريف في الوقت الحاضر مع تقدم الطبِّ أصبح غير دقيقٍ؛ لأنه أحيانًا قد يظهر أن هذا الإنسان عنده آلة ذكرٍ، وآلة أنثى، لكنه في الحقيقة ذكرٌ، لكن آلته فيها ضُمورٌ حتى أصبحتْ تُشبه آلة الأنثى، أو أن آلة الأنثى فيها تضخمٌ حتى أصبحتْ تُشبه آلة الذكر.

مع تقدم الطبِّ في الوقت الحاضر، وأصبحتْ توجد الأشعة بأنواعها التي تُصور الخلايا الدقيقة، أصبح بالإمكان معرفة الذكر من الأنثى، لكن مع ذلك يبقى الخُنْثَى موجودًا في حالاتٍ أندر من النادر.

ونستطيع أن نُعرف الخُنْثَى بتعريفٍ معاصرٍ يتفق الآن مع التقدم الطبي الذي يعيشه الناس، وهو تعريفٌ آخر غير تعريف الفقهاء السابقين، بأن نقول: الخُنْثَى هو: مَن اجتمع عنده الخصية والمبيض.

هذا فعلًا هو الخُنْثَى، أما مجرد الآلة فليست بدليلٍ لما ذكرنا.

فالخُنْثَى: مَن اجتمع عنده الخصية والمبيض، وهذه حالاتٌ أندر من النادر، فلا يكاد يوجد -مثلًا- في المئة مليون واحدٌ، أو حتى أقلّ من هذه النسبة، أندر من النادر، لكن هذه الحالات وُجدتْ على نُدرتها.

فنستطيع أن نُعرف الخُنْثَى إذن بأنه: مَن وُجِدَ عنده الخصية والمبيض معًا.

فإذا اجتمع هؤلاء: الرجال والصبيان والخَنَاثَى والنساء، فيُقدم الرجال، ثم الصبيان، ثم الخَنَاثَى، ثم النساء؛ لما تقدم.

بِمَ تُدْرَك الجماعة؟

قال:

ومَن كبَّر قبل سلام الإمام فقد أدرك الجماعة.

هذه مسألةٌ مهمةٌ: بِمَ تُدْرَك الجماعة؟

المؤلف يرى أن الجماعة إنما تُدْرَك بإدراك جزءٍ من الصلاة، ولو أدركتَ لحظةً قبل سلام الإمام.

والقول الثاني في المسألة: أن الجماعة إنما تُدْرَك بإدراك ركعةٍ، وهذا هو القول الراجح، وهو روايةٌ عن الإمام أحمد؛ لقول النبي : مَن أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة [16] أخرجه البخاري ومسلم.

فإن مفهومه أن مَن لم يُدرك ركعةً لا يكون مُدركًا للصلاة، وإذا لم يكن مُدركًا للصلاة فلا يكون مُدركًا للجماعة؛ ولذلك إذا لم تُدرك ركعةً من صلاة الجمعة، يعني: أتيتَ يوم الجمعة والخطيب قد رفع من الركوع من الركعة الثانية؛ تقضيها كم ركعة؟

أربع ركعاتٍ، ولا فرق بين الجمعة والجماعة.

إذن القول الراجح: أن الجماعة والجمعة إنما تُدْرَكان بإدراك ركعةٍ.

وعلى ذلك إذا أتيتَ والإمام قد رفع من الركوع في الركعة الأخيرة، ووجدتَ جماعةً أخرى، فهل الأحسن أن تدخل مع الجماعة الأولى، أو تنتظر وتدخل مع الجماعة الجديدة؟

إذا دخلتَ مع الجماعة الجديدة ضمنتَ أجر الجماعة أليس كذلك؟

ضمنتَ سبعًا وعشرين درجةً، أما إذا دخلتَ مع الجماعة الأولى فقد فاتك أجر الجماعة.

القول الراجح: أنك تنتظر وتدخل مع الجماعة الأخرى؛ حتى تضمن أجر الجماعة، هذا هو القول الراجح في المسألة، واختاره جمعٌ من المُحققين من أهل العلم، ووجهه: أن الجماعة إنما تُدْرَك بإدراك ركعةٍ؛ لحديث أبي هريرة  السابق، وكونك تُدْرِك الجماعة وتضمن أجر الجماعة خيرٌ من كونك تدخل مع الجماعة الأولى وقد فاتك أجر الجماعة.

بِمَ تُدْرَك الركعة؟

قال:

ومَن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة، وإلا فلا.

الركعة إنما تُدْرَك بإدراك الركوع؛ لقول النبي : إذا جئتُم والإمام راكعٌ فاركعوا، وإن كان ساجدًا فاسجدوا، ولا تعتدوا بالسجود إذا لم يكن معه الركوع [17] رواه البيهقي، وبمجموع طرقه لعله يرتقي إلى درجة الحسن.

ويُغني عنه قول النبي لأبي بكرة  لما ركع دون الصفِّ: زادك الله حرصًا، ولا تَعُدْ [18]، ولم يأمره بقضاء تلك الركعة.

إذن الركعة إنما تُدْرَك بإدراك الركوع، والجماعة إنما تُدْرَك بإدراك الركعة على القول الراجح.

ونكتفي بهذا القدر، ونقف عند باب: صلاة المريض.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1, ^3 رواه مسلم: 673.
^2 رواه البخاري: 2848، ومسلم: 674.
^4 رواه مسلم: 432.
^5 رواه البخاري: 722، ومسلم: 414.
^6 رواه البخاري: 683، ومسلم: 418.
^7 رواه مسلم: 417.
^8 رواه البخاري: 228.
^9 رواه أبو داود: 334، والحاكم: 629.
^10 رواه البخاري: 701، ومسلم: 465.
^11 رواه البخاري: 699، ومسلم: 763.
^12 رواه البخاري: 783.
^13 رواه ابن ماجه: 1003، وأحمد: 16297.
^14 رواه أبو داود: 682، والترمذي: 230.
^15, ^18 سبق تخريجه.
^16 رواه البخاري: 580، ومسلم: 607.
^17 رواه البيهقي في “السنن الكبرى”: 2576.