عناصر المادة
دروس من الحرم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك علمًا نافعًا ينفعنا.
نستكمل شرح “العمدة في الفقه”، وكنا قد وصلنا إلى “باب صلاة المريض”.
نستمع أولًا إلى عبارة المؤلف رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لمؤلف هذا الكتاب ولشيخنا ولجميع الحاضرين.
باب صلاة المريض
يقول المصنف رحمه الله:
باب صلاة المريض، والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى جالسًا، فإن لم يُطِق فعلى جنبه؛ لقول رسول الله لعمران بن حصين: صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب [1]. فإن شق عليه فعلى ظهره، فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما، وعليه قضاء ما فات من الصلوات في إغمائه، وإن شق عليه فِعْلُ كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر، وبين العشاءين في وقت إحداهما، فإن جمع في وقت الأولى اشتُرِط نية الجمع عند فعلها، واستمرار العذر حتى يَشرَع في الثانية منهما، وألا يفرق بينهما إلا بقدر الوضوء، وإن أخَّر اعتُبر استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية، وينوي الجمع في وقت الأولى قبل أن يضيق عن فعلها، ويجوز الجمع من المسافر الذي له القصر، ويجوز في المطر بين العشاءين خاصة.
قال المؤلف رحمه الله “باب صلاة المريض”،
المريض: هو الذي اعتلَّت صحته فأصابه السقم.
والصحة نعمة عظيمة من الله على العبد؛ فقد قال النبي : نعمتان مَغْبُونٌ فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ [2]. أخرجه البخاري في “صحيحه”.
والصحة من النعم العظيمة التي ينعم الله بها على العبد، والتي تستحق الشكر والحمد لله ، وقد جاء في “صحيح مسلم”: أن النبي زار رجلًا أصابه المرض حتى أصبح كالفرخ من شدة المرض، فقال له عليه الصلاة والسلام: هل كنت تدعو الله بشيء؟. قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معذبي به في الآخرة فعجل لي به في الدنيا، فقال النبي : سبحان الله! لا تطيقه، أفلا قلت: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار [3].
فنهى النبي عن مثل هذا الدعاء، أن يدعو الإنسان على نفسه بمثل هذا الدعاء: “ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجل لي به في الدنيا”. أو ما يقوله بعض العامة: يا الله عذاب الدنيا ولا عذاب الآخرة، ونحو ذلك، هذا مما نهى عنه النبي ، بل ورد النهي عن تمني البلاء؛ كما في الحديث الآخر: لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية [4].
فالإنسان يسأل الله العافية، ويسأل الله أن يبارك له في صحته، وقد كان النبي يقول: اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام، وسَيِّئِ الأسقام [5]. ولكن إذا ابتلي الإنسان بالمرض فعليه أن يصبر، فقد أخبر النبي بأنه مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللهُ مِنْ خَطَايَاهُ [6].
كيفية صلاة المريض
وهذا الباب عقده المصنف رحمه الله لبيان الأحكام المتعلقة بصلاة المريض، قال: المريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى جالسًا وإن لم يُطِقِ الصلاة جالسًا فعلى جنب”.
ضابط جواز ترك المريض لركن القيام
بين المؤلف رحمه الله: أن المريض يجوز له أن يصلي جالسًا، وذكر المؤلف ضابطًا وهو: أن يكون القيام يزيد في مرضه، وكذلك أيضًا، من باب أولى، إذا كان يعجز عن القيام، أو أن القيام يزيد في مرضه، فهنا يجوز له أن يصلي جالسًا، ولكن ماذا لو كان القيام لا يزيد في مرضه، لكن يشق عليه؟
لم يتعرض المؤلف لهذا، وظاهر كلامه أنه يلزمه أن يصلي قائمًا.
والقول الثاني في المسألة: أنه إذا كانت المشقة شديدة؛ بحيث يفوت بسببه الخشوع في الصلاة، فيجوز له أن يصلي جالسًا، أما إذا كانت المشقة محتمَلة، ولا يفوت بسببه الخشوع في الصلاة، فيجب عليه أن يصلي قائمًا، وهذا هو القول الراجح في المسألة.
فإذنْ، يكون الضابط فيما يجوز للمريض أن يصلي جالسًا بسببه، ويترك هذا الركن -ركن القيام في الصلاة- الضابط هو: أن يَعجِز عن القيام، أو أن القيام يزيد في مرضه، أو يشق عليه مشقة شديدة يفوت بسببها الخشوع في الصلاة، أما إذا كان يشق مشقة محتمَلة، مشقة يسيرة، ولا يفوت بسببها الخشوع في الصلاة، فيجب عليه أن يصلي قائمًا.
ويلاحظ على بعض العامة التساهل في الإتيان بهذا الركن، تجد أن بعضهم يفتي نفسه بنفسه في أن يصلي جالسًا؛ ودليل هذا: أنك تجده يزاول أعماله الدنيوية بنشاط كبير، فإذا أتى إلى الصلاة صلى جالسًا، وهذا موجود من قديم الزمان، وقد ذكر الإمام الشافعي أنه رأى في زمنه رجلًا قد جاوز التسعين من عمره يعلم الجواري الغناء قائمًا، فإذا أتى للمسجد صلى جالسًا، هذا موجود من قديم، فنقول: ليس للمسلم أن يصلي جالسا إلا بهذا الضابط الذي ذكرنا؛ إما أن يعجز عن القيام، أو أن القيام يزيد في مرضه، أو يشق عليه مشقة شديدة يفوت بسببها الخشوع في الصلاة.
كيف يصلي من لم يطق الصلاة جالسًا؟
قال: “فإن لم يُطِقِ الصلاة جالسًا فعلى جنبه؛ ودليل هذا: قول النبي لعمران بن حصين : صَلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنبك. رواه البخاري [7].
وعمران بن حصين هذا الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه أصيب بمرض وصبر على هذا المرض حتى إن الملائكة لَتُسَلم عليه عند السحر؛ كما جاء في “صحيح مسلم”، ثم لما بقي معه هذا المرض نحو من ثلاثين سنة فاكتوى فلما اكتوى أصبحت الملائكة لا تسلم عليه، ثم قبيل وفاته ترك الكي فعادت الملائكة تسلم عليه، كان هو الذي سأل النبي هذا السؤال سأله عن صلاة المريض، فقال: صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنبك.
قال: “فإن شق عليه”. أي: أن يصلي على جنبه، فعلى ظهره مستلقيًا، فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما، لكن يكون السجود أخفض من الركوع؛ لقول الله : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16]. ولقول النبي : ما أمرتكم فيه بأمر فأتوا منه ما استطعتم [8].
حكم الإيماء بالعينين لمن عجز عن الركوع والسجو
وبهذا يتبين: أن المريض ما دام عقله معه لا تسقط عنه الصلاة، فيصلي على حسب حاله؛ إن استطاع أن يصلي قائمًا وجب عليه ذلك، إن لم يستطع فقاعدًا، فإن لم يستطع فعلى جنبه، فإن لم يستطع فمستلقيًا يومئ بالركوع والسجود، فإن عجز عن الإيماء قال بعض الفقهاء إنه يومئ بعينيه، ولكن هذا القول ضعيف؛ لأنه مبني على حديث: فإن لم يستطع أومأ بعينه [9]. وهذا الحديث ضعيف من جهة السند، لا يصح عن النبي ، والصواب: أنه لا يومئ بعينيه.
حكم الإيماء بالأصابع
وعند بعض العامة أيضًا صفة أخرى، وهي أنه إذا عجز عن الإيماء برأسه أومأ بأصابعه هكذا، إذا كان قائمًا هكذا، وإذا ركع هكذا، وإذا سجد هكذا، هذا لا أصل له.
الإيماء بالأصابع لا أصل له، بل هذا أشبه بالعبث، هل هذه صلاة؟! يقول هكذا، ثم هكذا، ثم هكذا! هذا أشبه بالعبث، هذا لا أصل له.
إذنْ، إذا عجز عن الإيماء بالرأس يصلي بقلبه؛ ينوي القيام، يقرأ الفاتحة، يقرأ سورة بعدها، ينوي الركوع، الرفع منه، السجود،.. وهكذا.
فإذنْ، عندنا يصلي قائمًا، فإن لم يستطع فقاعدًا، فإن لم يستطع فعلى جنب، فإن لم يستطع فمستلقيًا يومئ بالركوع والسجود، فإن عجز صلى بقلبه ولا يومئ لا بعينيه ولا بأصابعه.
حكم قضاء المُغمى عليه ما فاته من الصلوات
قال: “وعليه قضاء ما فاته من الصلوات في إغمائه”.
المُغْمَى عليه: هذه مسألة يكثر السؤال عنها هل يجب عليه قضاء الصلوات التي تركها وقت إغمائه؟
على كلام المؤلف أنه يجب؛ قياسًا على النائم، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يجب؛ قياسًا على المجنون، فعندنا هذه المسألة يتنازعها قياسان: هل الأقرب للمغمى عليه النائم، أو المجنون؟
إن قلنا: إنه أقرب إلى النائم فيقضي، وإن قلنا: إنه أقرب إلى المجنون فلا يقضي.
وفصَّل بعض أهل العلم؛ قال: إن كانت مدة الإغماء يسيرة فهو أقرب إلى النائم، فيقضي تلك الصلوات، وإن كانت مدة الإغماء طويلة، فهو أقرب إلى المجنون فلا يقضي، ولعل هذا القول هو الأقرب، والله أعلم.
إذا أغمي مثلًا عن صلاة واحدة، أو مدة يوم أو يومين أو ثلاثة فهي مدة يسيرة، فيقضي هذه الصلوات، أما إذا كانت المدة طويلة، أكثر من ثلاثة أيام فلا يقضي، هذا هو القول الراجح، وهو اختيار شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وهو الأقرب في هذه المسألة.
والمسألة ليس فيها إلا أقيسة، وفيها بعض الآثار، فيها آثار عن بعض الصحابة، وقد أخرج بن مالك في “الموطأ” عن نافع عن ابن عمر أنه أغمي عليه يوم وليلة فلم يقض تلك الصلوات، وهذا يؤيد القول بأنه لا يجب عليه القضاء، لكن الأحوط: أنه إذا كان للمغمي حدود ثلاثة فأقل فإنه يقضي، وإذا كانت أكثر من ثلاثة أيام فلا يقضي.
حكم الجمع بين الصلاتين للمريض
قال: “وإن شق عليه فِعْلُ كل صلاة في وقتها، فله الجمع بين الظهر والعصر، وبين العشائين في وقت إحداهما”.
إن شق عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها، فيجوز له أن يجمع من غير قصر، يجوز للمريض أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء؛ إما جمع تقديم، أو جمع تأخير، وذلك؛ لأنه يجوز الجمع عند وجود الحرج بتركه، وقد جاء في “صحيح مسلم” عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: جمع النبي بين الظهر والعصر من غير خوف ولا سفر، قيل: وما أراد بذلك؟ قال: أراد ألا يُحرج أُمته [10].
وهذا الحديث أقف معه وقفة، سيأتينا في الجمع مسألة الجمع في المطر، هذا الحديث ليس على ظاهره، قال الترمذي لما صنف كتابه الجامع: ليس في كتابي هذا حديث أجمَعَت الأمة على ترك العمل به، إلا حديثين؛ هذا الحديث، حديث ابن عباس، وحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة.
فهذا الحديث أجمعت الأمة على عدم العمل بظاهره؛ لأن ظاهره الجمع من غير سبب، وقد عد بعض أهل العلم الجمع من غير سبب من الكبائر، وهو منقول عن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
ثم أيضًا: أن هذا الأمر لو وقع في عهد النبي ، الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير سبب ومن غير عذر، لكان من الأمور الملفِتة للنظر، من الأمور الكبيرة العظيمة التي هي مظنة الاشتهار، ولنقلها عدد كثير من الصحابة، وابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان صغيرًا، ومعظم الأحاديث التي يرويها بواسطة عن صحابة آخرين، توفي النبي وعمره ثلاثة عشر سنة، ومن هنا؛ قال بعضهم أنه لو كان هناك مطر لكان جمع النبي لأجل المطر، وهذا قد قال به أيوب ومالك، قالوا أنه جاء في بعض الروايات، وقال الإمام أحمد: إنما كان جمع النبي من أجل المرض.
وقيل: إن هذا الجمع كان صُورِيًّا؛ أخر الظهر إلى آخر وقتها، وقدم العصر في أول وقتها، وأخر المغرب إلى آخر وقتها، وقدم العشاء في أول وقتها، وقد جاء هذا في رواية عن النسائي [11]، وقيل: إنه وقع وباء في المدينة، فجمع النبي من أجل ذلك قد خفي هذا على ابن عباس رضي الله عنهما.
وبكل حال، فهذا الحديث -حديث ابن عباس- أكثر ما يقال فيه أنه من المتشابه، فيُرَد للنصوص الصحيحة الصريحة الكثيرة المحكمة، التي تدل على وجوب أداء كل صلاة في وقتها، وابن عباس رضي الله تعالى عنهما من كبار علماء الصحابة ، لكن قد تخفى عليه بعض الأمور؛ لأنه -كما ذكرنا- كان صغيرًا زمن النبي ، وقد أباح نكاح المتعة حتى روجع فرجع، وكذلك ربا النسيئة حتى روجع فرجع، ومسائل أخرى رضي الله تعالى عنه.
فإذنْ؛ هذا الحديث لا يؤخذ على ظاهره، لكن يستفاد منه أنه إذا وجد الحرج فيجوز الجمع، ولا يشدد في المسألة.
فإذنْ، إذا كان المريض يشق عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها فله الجمع من غير قَصْر.
شروط صحة الجمع
ثم ذكر المؤلف شروط صحة الجمع:
- الشرط الأول: قال: فإن جَمَع في وقت الأولى؛ اشتُرِط نية الجمع عند فعلها، أن ينوي الجمع عند فعل الصلاة الأولى، فإن لم ينو فليس له الجمع.
والقول الثاني في المسألة: أنه لا تشترط نية الجمع عند الأولى؛ لأنه لا دليل يدل على هذا الشرط، ولو كانت النية واجبة لبينها النبي عند إرادته الجمع، هذا هو القول الراجح في المسألة، اختاره أبو العباس ابن تيمية وجمع من المحققين من أهل العلم، الصواب: أنه لا تشترط نية الجمع، فلو أن مريضًا صلى صلاة الظهر، ثم بدا له أن يجمع معها العصر، ولم ينو الجمع عند أول صلاة الظهر، فلا بأس، أو حتى في المطر، كما سيأتي، لو أن جماعة المسجد صلَّوا المغرب، ثم تشاوروا فيما بينهم ورأوا الجمع فلا بأس، لكن على رأي المؤلف ليس لهم ذلك، هذا رأي المؤلف لا بد من نية الجمع عند فعل الأولى.
- الشرط الثاني: قال: واستمرار العذر حتى يشرع في الثانية منهما، هذا الشرط في جمع التقديم اشترط استمرار العذر حتى يشرع في الثانية، فيستمر معه المرض حتى يشرع في الثانية، أو إذا كان الجمع لأجل المطر يستمر المطر حتى يشرع في الثاني، فإن توقف المطر فليس لهم الجمع.
- الشرط الثالث: “وألا يفرق بينهما إلا بقدر الوضوء”. أي: الموالاة بين الصلاتين المجموعتين.
الشرط الثالث: الموالاة بين الصلاتين المجموعتين إلا بقدر يسير؛ مثَّل له المؤلف بقدر الوضوء، وهذا الشرط أيضًا يحتاج إلى دليل، ولهذا؛ ذهب بعض أهل العلم إلى عدم اشتراط هذا الشرط، فلا تشترط الموالاة بين الصلاتين المجموعتين، فلو أنه لمَّا صلى الظهر، بعد نصف ساعة أراد أن يجمع معها العصر لمرضه فلا بأس بذلك، وذلك؛ لعدم الدليل الدالِّ على اشتراط الموالاة، ولو كانت الموالاة شرطًا لبين ذلك النبي ، وهذا هو القول الراجح في المسألة: أنه لا تشترط الموالاة بين الصلاتين المجموعتين.
فإذنْ، تكون الشروط على رأي المؤلف ثلاثة:
- الشرط الأول: النية، نية الجمع عند فعل الأولى.
- الشرط الثاني: استمرار العذر حتى يشرع في الثانية.
- الشرط الثالث: الموالاة بين الصلاتين المجموعتين.
هذه هي شروط الجمع على رأي المؤلف.
وعلى القول الراجح: لا يعتبر الشرط الأول ولا الثالث، إنما الشرط الثاني فقط.
قال: وإن أخر يعني أراد أن يجمع جمْع تأخيرٍ اعتُبر استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية، فإذا انقطع العذر في وقت الصلاة الأولى فليس له الجمع، قال: “وأن ينوي الجمع في وقت الأولى قبل أن يَضيق عن فعلها” يعني إذا أراد أن يجمع جمْع تأخيرٍ فلا بد من أن ينوي الجمع في وقت الأولى؛ لأنه لو لم يفعل ذلك لكان قد أخر الصلاة عن وقتها من غير عذر، وتأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر من كبائر الذنوب، وقد قال الله فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون: 4، 5]. ومعنى: ساهون، كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: يؤخرونها عن وقتها، توعدهم الله بالويل.
فنقول إذنْ: المريض إذا أراد أن يجمع جمْع تأخيرٍ، وكذا المسافر فلا بد أن ينوي الجمع عند وقت الأولى، ويجوز الجمع للمسافر الذي له القصر، وذلك، لأن النبي كان يجمع في أسفاره، وقد جاء في حديث معاذ رضي الله تعالى عنه قال: خرجنا مع النبي في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا [12]. أخرجه مسلم في “صحيحه”، كان هذا هو هدي النبي .
أيهما أفضل للمريض جمع التقديم أم التأخير؟
وأيهما أفضل أن يجمع جمْع تقديمٍ أم جمْع تأخيرٍ؟
الأفضل هو الأرفق به، نقول: الأرفق بالمسافر؛ فإذا كان الأرفق له جمع التقديم فالأفضل جمع التقديم، وإذا كان الأفضل جمع التأخير فالأفضل جمع التأخير، ولكن الجمع بالنسبة للمسافر إنما يشرع إذا كان سائرًا في الطريق، أما إذا أقام فالأفضل أن يترك الجمع، وأن يصلي كل صلاة في وقتها، ومن ذلك الحجاج في منًى يوم التروية أيام التشريق، الأفضل القصر من غير جمع، وأن يصلوا كل صلاة في وقتها، ومع ذلك لو جمعوا فلا بأس؛ فقد جاء في “صحيح البخاري”: أن النبي جمع بين الظهر والعصر وهو مقيم في الأبطح في حجة الوداع، مع أنه لم يكن سائرا في الطريق، وأيضًا جمع في عرفات، وجمع في مزدلفة، فالمسافر يجوز له الجمع، لكن الأفضل إذا أقام ألا يجمع على سبيل الأفضلية.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 1117. |
---|---|
^2 | رواه البخاري: 6412. |
^3 | رواه مسلم: 2688. |
^4 | رواه البخاري: 2966. |
^5 | رواه أبو داود: 1554، والنسائي: 5508. |
^6 | رواه مسلم: 2573 بنحوه، وأحمد:8027 واللفظ له. |
^7 | سبق تخريجه. |
^8 | رواه البخاري: 7288، ومسلم: 1337. |
^9 | رواه زكريا الساجي بسنده عن الحسين بن علي بن أبي طالب، كما في “الروض المربع” للبهوتي: 1/ 371. |
^10 | رواه مسلم: 705. |
^11 | رواه النسائي: 588. |
^12 | رواه مسلم: 706. |