الرئيسية/دروس علمية/دروس من الحرم- عمدة الفقه/(4) تتمة باب صلاة التطوع- من قوله: “وصلاة الليل مثنى مثنى..”
|categories

(4) تتمة باب صلاة التطوع- من قوله: “وصلاة الليل مثنى مثنى..”

مشاهدة من الموقع

دروس من الحرم.

تتمة صلاة التطوع

قال: والنصف الأخير أفضل من الأول؛ لقول النبي : من خاف ألا يوتر من آخر الليل؛ فليوتر أوله، ومن طمع أن يوتر آخره؛ فليوتر آخر الليل، وذلك أفضل [1] رواه مسلم، أو قال: فإن صلاة الليل مشهودة، وذلك أفضل.

وأخبر النبي بـأن أحب الصيام إلى الله ​​​​​​​، صيام داود عليه السلام؛ كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، قال: وأحب الصلاة صلاة داود؛ كان انتبه لهذا كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه [2]، فنريد الآن أن نعرف الوقت الذي كان يصلي فيه داود ؛ الليل مكون من كم سدس؟ من ستة أسداس، كان ينام نصف الليل، يعني السدس الأول، والسدس الثاني، والسدس الثالث، هذه كان ينامها داود ، ويقوم ثلثه، الثلث؛ (1/6)+(1/6)= (1/3)، فكان يصلي السدس الرابع، والسدس الخامس، وينام سدسه، يعني السدس الأخير ينام، فأصبحت صلاة داود في أي سدس؟ في الرابع والخامس.

إذنْ صلاة داود في السدس الرابع والسدس الخامس، هذه أفضل الصلاة، معنى ذلك أن السدس الرابع والسدس الخامس، الصلاة فيها أفضل من السدس الأخير الذي هو السدس السابع، قال بعض أهل العلم: والحكمة في هذا أن الذي يقوم الليل إذا نام السدس الأخير يكون هذا أبعد عن الرياء، فلا يظهر عليه أثر القيام، وأكثر وأدْعَى للإخلاص، وقال بعضهم: حتى يعطي النفس حظها، كانوا في السابق ما ينامون بعد صلاة الفجر ما ينامون ليس مثل حال الناس الآن، ومن بعد صلاة العشاء ينامون مباشرة، والأمر في هذا واسع، لكن أيضًا الحديث الآخر دل على فضل الصلاة في الثلث الأخير من الليل عمومًا.

صفات صلاة الليل

قال:

“وصلاة الليل مثنى مثنى”.

وقد سبق الكلام عن هذه المسألة: أن صلاة الليل مثنى مثنى، ركعتين ركعتين، لكن أيضًا ثبت أن النبي أوتر بخمس بسلام واحد، وتشهد واحد، وبسبع وبتسع وبتسع بسلامين وبتشهدين وسلام واحد، صلى ثمان ركعات ثم جلس للتشهد، ثم قام وأتى بالتاسعة، وأيضًا ورد عنه أنه صلى ثمان ركعات مثنى مثنى، ثم أوتر بخمس بتشهد واحد، وسلام واحد، كل هذه الصفات قد وردت، لكن أكمل وأفضل الصفات هي أن يصلي مثنى مثنى، ويوتر بواحدة؛ لأن هذه هي الصفة الغالبة من صلاة النبي ، هذه أكمل الصفات وأفضل الصفات، وأما سرد الركعات شفعًا فلا أعلم له أصلًا، يعني يصلي أربع ركعات بتشهد واحد، وسلام واحد، لا أعلم لهذا دليلًا.

وأما حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، أن النبي كان يصلي أربع ركعات، فلا تسأل عن حُسنهن وطُولهن، وأربع ركعات، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بواحدة، أو قالت: يوتر بثلاث. المعنى: أنه يصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم يستريح، ثم يصلي ركعتين، ثم ركعتين، ثم يستريح، وليس المعنى أنها بتشهد واحد وسلام واحد.

مقدار أجر صلاة القاعد

قال:

وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم.

لقول النبي : من صلى قاعدًا فله نصف أجر القائم [3] رواه البخاري.

هذا إذا صلى قاعدًا من غير عذر في صلاة النافلة، أما إذا صلى قاعدًا لعذر كمرض، فإن له الأجر كاملًا؛ لحديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه أن النبي قال: إذا مرض العبد أو سافر، كتب الله له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا [4] رواه البخاري.

القيام في الصلاة إنما هو واجب في صلاة الفريضة فقط، أما في صلاة النافلة فليس واجبًا، مستحب، فلك أن تصلي النوافل وأنت قاعد، حتى من غير عذر، لكن إذا صليتها وأنت قاعد من غير عذر فلك نصف الأجر، أما إذا صليت قاعدًا لعذر فلك الأجر كاملًا، لكن -يا إخوان- الأجر كاملًا هذا في حق من اعتاد العمل الصالح، فيكتب له الأجر كاملًا، أما من لم يعتد العمل الصالح فلا يكتب له، فمثلًا: من كان من عادته أن يصوم في يوم الاثنين مثلًا، ثم سافر ولم يتمكن في ذلك الأسبوع الذي سافر فيه من صيام الاثنين، يكتب له كأنه صام الاثنين تمامًا، من عادته أنه يصلي صلاة التراويح في رمضان كل ليلة، لكن في ليلة من الليالي كان مسافرًا أو كان مريضًا، يكتب له الأجر كاملًا، لكن لو لم يعتد ذلك، لم يعتد صيام النوافل؛ وإنما تارة يصوم الاثنين، وتارة ما يصوم، وسافر هل يكتب له الأجر كاملًا؟ لا يكتب، وهذا يبيِّن لنا أهمية المداومة على العمل الصالح؛ فإنك تستفيد منها فوائد عظيمة ولو كان قليلًا:

  • الفائدة الأولى: أنه يكتب لك الأجر كاملًا إذا عرض لك عارض من نوم أو سفر.
  • الفائدة الثانية: أن القليل مع القليل يكون كثيرًا، لو أنك فقط حافظت على ركعتي الضحى كل يوم، فمعنى ذلك: أنك خلال سنة واحدة تكون قد صليت أكثر من سبعمئة ركعة، لو حافظت على السنن الرواتب التي تكلمنا عنها في سنة واحدة تكون قد صليت أكثر من أربعة آلاف ركعة، لاحِظ أن القليل مع القليل يكون كثيرا، ولهذا؛ كان أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، تجد بعض الناس تأتيه لحظات صفاء نفس يكثر فيها من التطوع، ثم ينقطع ما يصلي إلا الفريضة فقط، ينبغي أن يكون له نوافل يحافظ عليها، يعني يجعل له مبدأ في الحياة، الوتر هذا مثلا ما يتركه أبدًا، ما يتركه، السنن الرواتب ما يتركها، فهذه الأعمال الصالحة التي حافظ عليها هذه تزيد من حسناته؛ لأن القليل مع القليل يكون كثيرًا.

ننتقل للضرب الرابع من صلاة التطوع:

الضرب الرابع: ما تسن له الجماعة، وهو ثلاثة أنواع:

أحدها: التراويح، وهي عشرون ركعة بعد العشاء في رمضان.

الثاني: صلاة الكسوف.

ما تسن له الجماعة من صلاة التطوع:

ما تسن له الجماعة: صلاة التطوع، وذكر المؤلف له ثلاثة أنواع:

  • الأول: صلاة التراويح

وهي: قيام الليل من رمضان، وسميت بذلك؛ لأنهم كانوا إذا صلوا أربع ركعات يستريحون؛ لأن صلاة السلف الصالح كانت طويلة، كان يقرؤون بالمئين، حتى إنهم ليعتمدون على العِصِيِّ من طول القيام، وسميت تراويح.

دليل مشروعية صلاة التراويح

وقد صلاها النبي جماعة لكنه من رحمته بأمته خشي أن تفرض على أمته فلم يصلها جماعة بعد ذلك، صلى بهم ثلاث ليال صلى بهم ليلة إحدى وعشرين إلى ثلث الليل، وصلى بهم ليلة ثلاثا وعشرين، صلى بهم ليلة ثلاثا وعشرين إلى ثلث الليل، وصلى بهم ليلةَ خمسٍ وعشرين إلى منتصف الليل، فقالوا: يا رسول الله، لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه؟ فقال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب له قيام ليلة، ثم صلى بهم ليلةَ سبعٍ وعشرين الليل كله إلا قليلًا، يقول الصحابة: حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، يعني: السحور، ثم لم يصل بهم النبي بعد ذلك؛ خشية أن تفرض على أمته، ثم كان الناس يصلونها فُرادى، وفي عهد أبي بكر رضي الله عنه كانوا يصلونها فرادى، وفي أول خلافة عمر رضي الله عنه كذلك، لكن كان بعض الناس يريد أن يشجع بعضهم بعضًا، فكانوا يصلونها جماعة أوزاعًا في المسجد؛ هنا جماعة، وهنا جماعة، وهنا جماعة، فأتى عمر رضي الله تعالى عنه وجمعهم على إمام واحد، وأمر تميمًا الداري وأبيَّ بن كعب رضي الله عنهما أن يَؤمَّا الناس، واستمر العمل على ذلك، يعني أن المسلمين يصلونها جماعة من عهد عمر رضي الله عنه إلى وقتنا هذا.

عدد ركعات صلاة التراويح

فهي إذا سنة أول من سنها رسول الله ، قال: وهي عشرون ركعة بعد العشاء في رمضان، يعني عشرون ركعة ما عدا الشفع والوتر، وهي حكمها كحكم صلاة الليل التي تكلمنا عنها، وقلنا: إنه لا حد لأكثرها على القول الراجح؛ لعموم قول النبي صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بواحدة [5]. فصلاة التراويح لا حد لأكثرها، وأما قول المؤلف: عشرون ركعة. فهذا هو المذهب عند الحنابلة: أن الأفضل فيها أن تكون عشرين ركعة، وذلك؛ لأن عمر رضي الله تعالى عنه لمَّا جَمَع الصحابة على أبي بن كعب وتميم الداري رضي الله عنهم، كانوا يصلونها عشرين ركعة، قد رَوَى ذلك البيهقي، وهذه الرواية بمجموع طرقها تثبت، وقد جاء في “الموطأ”: أن عمر رضي الله عنه أمر أبي بن كعب وتميمًا الداري رضي الله عنهم أن يصلي بالناس إحدى عشر ركعة، فكلا الأثرين صحيحان، جمع بعض أهل العلم بينهما، قال: إنهما في البداية أمرهما أن يصليا إحدى عشرة ركعة، ثم لما رأى اجتماع الناس وتشجع الناس أمرهما أن يزيدا إلى عشرين ركعة، ثم استمر الأمر من عهد عمر رضي الله عنه إلى الآن والناس يصلون في المسجد الحرام والمسجد النبوي، يصلون التراويح ثلاثًا وعشرين ركعة لم ينقطع، ولهذا؛ جاء في مصنف ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عطاء بن أبي رباح المكي رحمه الله، قال: أدركت الناس وهم يصلون ثلاثًا وعشرين ركعة بالوتر، أدركت الناس هنا في مكة يصلون ثلاثًا وعشرين. فمن عهد عمر رضي الله عنه إلى الآن والناس في الحرمين يصلون التراويح ثلاثًا وعشرين ركعة، وتلقاها الناس خلفًا بعد سلف، جيلًا بعد جيلٍ، من عهد عمر رضي الله عنه إلى الآن وهم يصلونها ثلاثًا وعشرين ركعة، لكن الأمر فيها واسع، فإذا أطال الإمام القراءة والركوع والسجود فلا شك أن الأفضل: أن تصلى إحدى عشرة ركعة؛ لأن هذا هو هدي النبي .

لكن إذا تحصل الإطالة، كما هو حال أكثر الناس الآن، فإكثار العدد هو الأولى، إكثار العدد هو الأولى، وأيضًا ينبغي مراعاة أحوال الناس؛ فإن أحوال الناس الآن ليست كأحوال الناس زمن الصحابة، ومراعاة أحوال المصلين هذا من الأمور التي ينبغي أن يلاحظها الإمام، فالله لما ذكر هذه الإمة قال: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ۝أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ۝فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ۝ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ۝ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ [الواقعة: 10-14]،  يعني ثلة من أول الأمة من السابقين، وقليل من آخر الأمة، لكن لما ذكر أصحاب اليمين قال:  ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ۝وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ [الواقعة: 39، 40]. وهذا يدل على أن أول الأمة أفضل من آخرها؛ لأن السابقين منهم أكثر.

إذن، صلاة التراويح بالنسبة للعدد، الأمر فيها واسع، وأما القول بأنه لا يُزاد في صلاة التراويح على إحدى عشر ركعة، فهذا قول ضعيف مخالف لقول النبي :صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بواحدة [6]، ومخالف لما أُثِر عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أنهم من عهد عمر كانوا يصلونها ثلاثا وعشرين في الحرمين، واستمر الأمر على ما هو عليه إلى الآن، ثم بعد ما يصلي ما شاء الله أن يصلي مثنى مثنى، يصلي ثلاث ركعات؛ يقرأ في الأولى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: 1] بعد الفاتحة، والثانية: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون: 1]، والثالثة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1]، غالبا.

الثاني: صلاة الكسوف، فإذا كسفت الشمس أو القمر، فزع الناس إلى الصلاة؛ إن أحبوا جماعة، وإن أحبوا فُرادى، فيكبر ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة، ثم يركع ركوعًا طويلًا، ثم يرفع فيقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون التي قبلها، ثم يركع فيطيل دون الذي قبله ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين طويلتين ثم يقوم، فيفعل مثل ذلك، فتكون أربع ركعات وأربع سجدات.

  • النوع الثاني: صلاة الكسوف

النوع الثاني من النوافل التي تسن لها الجماعة: صلاة الكسوف، والكسوف: هو ذهاب أو انحجاب بعض نور الشمس أو القمر، ويطلق الكسوف غالبًا على كسوف الشمس، والخسوف على خسوف القمر، وقد يقال للقمر: خسوف، وقد يقال للقمر: كسوف، وللشمس: خسوف، كل هذا ورد هذا وذاك، لكن الاستعمال الغالب أن يقال: كسوف الشمس، وخسوف القمر.

الشمس والقمر يسيران بحساب دقيق؛ كما قال الله : الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ [الرحمن: 5]. وهما آيتان من آيات الله ​​​​، ومن حكمة الله أن جعل أوقاتًا ينحجب فيها ضوء الشمس، ولا ينحجب عن جميع الأرض؛ وإنما عن جزء من الأرض؛ لأن الشمس أكبر من القمر بكثير، وقد يكون هذا الانحجاب كليًّا فيكون كسوفًا كليًّا، أو جزئيًّا فيكون كسوفًا جزئيًّا، وذلك إذا وقع القمر بين الشمس والأرض حصل الكسوف، أما إذا وقعت الأرض بين الشمس والقمر حصل خسوف القمر، ويمكن أن يكون الخسوف كليًّا أو جزئيًّا، وهذا الكسوف والخسوف آيتان يخوف الله بهما عباده، ومعرفة أوقات الكسوف والخسوف ليست من علم الغيب قطعًا؛ لأنها لو كانت من علم الغيب لما علمها البشر؛ وإنما من الأمور التي يمكن أن تعلم عن طريق الحسابات، قد كان الناس قديمًا -من قديم الزمان، من زمن الفراعنة- يعرفون أوقات الكسوف والخسوف، كان وقتَ الفراعنة يعرفون متى تنكسف الشمس وينخسف القمر، وأهل الفلك في الوقت الحاضر يعرفون ذلك؛ لأن الله أجرى الكسوف والخسوف على قواعد من عرفها عرف وقت الكسوف والخسوف.

ومن تلك القواعد: أن كل كسوف وخسوف يتكرر بنفسه كل ثمان عشرة سنة، وكذا شهر، وكذا يوم، وكذا ساعة، وكذا دقيقة، وكذا ثانية، يتكرر هذا الكسوف والخسوف.

إذنْ ليس هناك مجال للمصادفة أو العشوائية في هذا الكون أبدًا، كل شيء يسير بإتقان عجيب، سبحان الله! ليس هناك شيء يقال له صدفة، كل شيء بإتقان، حتى الكسوف والخسوف يسير بنواميس وسنن، ومعرفة الكسوف والخسوف لا تنافي أن الله يخوف بهما عباده، ولذلك؛ قال بعض أهل العلم: إن معنى قول النبي يخوف الله بهما عباده [7]: أنه لا بد أن يصحب الكسوف أو الخسوف ما يخاف منه البشر، حتى يقع التخويف، ولهذا؛ فإنا نجد أن الكسوف والخسوف غالبا يقترنان بأحداث يخاف منها الناس؛ إما البراكين، أو زلازل أو أعاصير، أو غير ذلك، حسبما تقتضيه حكمة الله البالغة.

قال:

فإذا كسفت الشمس أو القمر فزع الناس إلى الصلاة؛ إن أحبوا جماعة، وإن أحبوا فُرادى.

حكم صلاة الكسوف

وصلاة الكسوف سنة مؤكدة جدًّا، وقال بعض أهل العلم بوجوبها، والراجح: أنها سنة، وتصلى جماعة وفرادى، وصلاتها جماعة هو الأفضل؛ لأن هذا هو هدي النبي .

صفة صلاة الكسوف

وصفة صلاة الكسوف بينها المؤلف قال:

يكبر ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة، ثم يركع ركوعا طويلا، ثم يرفع فيقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون التي قبلها، ثم يركع فيطيل دون الذي قبله، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين طويلتين، ثم يقوم فيفعل مثل ذلك، فيكون قد ركع أربع ركوعات في ركعتين، وأربع سجدات، وهذه هي الصفة المشهورة من صفات صلاة الكسوف، وقد كسفت الشمس في عهد النبي  [8]، في التاسع والعشرين من شهر شوال من السنة العاشرة من الهجرة، وقد كسفت أول النهار، فخرج النبي من بيته يجر رداءه فزعًا؛ يخشى أن تكون الساعة قد قامت، ثم صلى بهم هذه الصلاة.

وقفة مع قوله: “يخشى أن تكون الساعة قد قامت”

وهنا وقفة مع قول الراوي: يخشى أن تكون الساعة قد قامت. كيف يخشى النبي أن تكون الساعة قد قامت، وهو الذي أخبر أنها لن تقوم إلا بعد علامات وأشراط، ومن الأشراط الكبرى: خروج المسيح الدجال، ونزول عيسى ابن مريم، ويأجوج ومأجوج، كيف نجيب عن هذا الإشكال؟ من يذكر لنا الجواب؟ يعني لماذا خشي أن تكون الساعة قد قامت وهو الذي قد أخبر أنها لن تقوم حتى تخرج أشراطها؟

نقول: هذا من كلام الراوي وليس من كلام النبي ، الراوي هو الذي فهم هذا الفهم، لكن النبي لا شك أنه لم يكن قد خشي أن الساعة قد قامت؛ لأنه يعلم أنها لن تقوم حتى تخرج علاماتها، لكن الراوي بوصفه للموقف فهم هذا، يعني يخشى أن تكون الساعة قد قامت؛ لأنه رأى شدة فزع النبي ، وشدة اهتمامه بهذا الأمر، فهو وصف من الراوي، لكنه يعني اجتهاد منه رضي الله تعالى عنه، لكنه محل نظر؛ فالنبي لم يكن يخشى أن تكون الساعة قد قامت؛ لأنه يعلم أنها لن تقوم حتى تخرج أشراطها وعلاماتها، ولم يخرج شيء من أشراطها وعلامتها الكبرى.

فإذنْ، أحسن ما قيل في الجواب عن ذلك: أن هذا فهم من الراوي، اجتهاد منه رضي الله تعالى عنه.

إذنْ: تصلَّى بهذه الكيفية: يقرأ بعد الفاتحة سورة طويلة، ثم يركع ركوعًا طويلًا، ثم يرفع ويقرأ الفاتحة مرة أخرى، يقرأ سورة بعدها أقصر من القراءة في الركعة السابقة، ثم يركع مرة ثانية، ثم يركع ركوعًا ثانيًا -وهو لا يزال في الركعة الأولى- ثم يرفع ثم يسجد سجدتين، ثم يصلي ركعة أخرى مثل الركعة الأولى، هذه هي صفة صلاة الكسوف، وإذا لم يتيسر للمسلم أن يصليها مع الجماعة، فيمكن أن يصليها وحده، والمرأة إذا لم يتيسر لها أن تصلي مع الناس في المسجد، تصليها في البيت، ولهذا؛ قال المؤلف: “إن أحبوا جماعة، وإن أحبوا فرادى”. ولكن صلاتها جماعة أفضل، وهي هدي النبي .

متى تشرع صلاة الكسوف والخسوف؟

ولكن أنبه هنا إلى أن صلاة الكسوف والخسوف إنما تشرع إذا رؤيت الشمس كاسفة، والقمر خاسفًا، أما إذا لم تُرَ الشمس كاسفة، ولا القمر خاسفًا فلا تشرع؛ لأن النبي قال: إذا رأيتم ذلك فصلوا [9]. فأناط الصلاة بالرؤية، وعلى ذلك؛ لو أخبر الفلكيون بأن الشمس تنكسف في الوقت الفلاني، أو القمر سينكسف في الوقت الفلاني، ولكن كان الجو غائمًا لم تُرَ الشمس كاسفة، أو لم ير القمر خاسفًا هل تُشرَع صلاة الكسوف أو الخسوف؟ لا تشرع، ليس شكًّا في حسابات الفلكيين، حساباتهم دقيقة، وتكاد تكون قطعية في هذا الباب، لكن الشارع إنما أناط الحكم بالرؤية، إذا رأيتم ذلك فصلوا. إذا فرغ الناس من صلاة الكسوف ولم ينجل الكسوف؛ فأحيانًا تكون مدة الكسوف أو الخسوف طويلة، فهل يشرع إعادة صلاة الكسوف مرة أخرى؟

لا يشرع؛ لأن ذلك لم يرد، والأصل في العبادات التوقيف، فلم يرد هذا، وإذا تجلَّى الكسوف والناس لا زالوا يصلون، يقول الفقهاء: يتمونها خفيفة.

ننتقل بعد ذلك إلى النوع الثالث:

قال المؤلف رحمه الله:

الضرب الثالث: صلاة الاستسقاء، وإذا أجدبت الأرض.

عندك في النسخة الضرب الثالث؟ لأن النسخة التي بيدي ليس الضرب، المؤلف قال لما ذكر صلاة الليل، قال: خمسة أضرب، ثم لما ذكر ما تسن له الجماعة قال: ثلاثة أنواع: صلاة التراويح، والنوع الثاني: صلاة الكسوف، والنوع الثالث: يكون هذا: “النوع”، وليس: “الضرب”.

فإذنْ، النسخة الأصح بدون الضرب الثالث، حتى ما تشوش عليك أثناء الترتيب، يبدو أن زيادة “الضرب” من أحد النساخ، فيكون: “النوع الثالث”، أنت اقرأ العبارة كما هي عندك “الثالث” دائمًا يكون الإنسان أمينًا في القراءة، وفي النقل لا يزيد شيئًا على كلام المؤلف.

فإذنْ، النسخة الأدق: “الثالث”، بدون زيادة لا “ضرب”، ولا “نوع”.

الثالث: صلاة الاستسقاء، وإذا أجْدَبَتِ الأرض واحتبس القطر، خرج الناس مع الإمام متخَشِّعِين متبَذِّلِين متذللين متضرعين، فيصلي بهم ركعتين كصلاة العيد، ثم يخطب بهم خطبة واحدة، ويكثر فيها من الاستغفار، وتلاوة الآيات التي فيها الأمر به، ويُحَوِّل الناس أرْدِيَتَهم، وإن خرج معهم أهل الذمة لم يمنعوا، وأُمِروا أن ينفردوا عن المسلمين.

  • النوع الثالث: صلاة الاستسقاء

النوع الثالث من أنواع صلاة التطوع التي يسن لها الجماعة: صلاة الاستسقاء.

متى تشرع صلاة الاستسقاء؟

وتكون كما قال المؤلف: إذا أجدبت الأرض واحتبس القطر خرج الناس مع الإمام عند حصول القَحْط وجَدْب الأرض، أما عند عدم حصول القحط فلا تشرع، لا تشرع صلاة الاستسقاء، لكن عند حصول القحط يصلي الناس صلاة الاستسقاء مع الإمام، ويخرج الناس إلى المصلى متخشعين، يعني: من الخشوع والخضوع، متبذلين: من التبذل، والتبذل معناه: ترك التجمل، متضرعين، يعني: مستكينين إلى الله ، ويدل لذلك: قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: خرج النبي متخشعًا متضرعًا متواضعًا متبذلًا مترسلًا، فصلى بالناس ركعتين كما يصلي في العيد [10]، وهذا الحديث أخرجه أحمد وأصحاب السنن، وهذا يدل على أن صلاة الاستسقاء السنة فيها عدم التجمل، وعدم التطيب، بخلاف سائر الصلوات، فإن سائر الصلوات السنة أخذ الزينة: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف: 31]، يعني: عند كل صلاة، إلا صلاة الاستسقاء فيخرج فيها الإنسان متبذلًا، يعني يترك التجمل، مستكينًا خاضعًا لله .

كيفية صلاة الاستسقاء

ويصلي بهم ركعتين كصلاة العيد؛ يكبر في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية ست تكبيرات، كصلاة العيد تمامًا، ثم يخطب بهم خطبة واحدة، وهذا مما تختلف به صلاة الاستسقاء عن صلاة العيد: أن خطبة العيد خطبتان، والاستسقاء خطبة واحدة، خطبتان في قول الجمهور، وأما الاستسقاء فإنها خطبة واحدة، قولًا واحدًا.

“ويكثر فيها”: الضمير يرجع إلى الخطبة “من الاستغفار، وتلاوة الآيات التي فيها الأمر به، والدعاء”.

يعني: ينبغي أن تكون خطبة الاستسقاء الغالب عليها الدعاء والاستغفار، وأما ما يفعله بعض الناس اليوم من تحويل خطبة الاستسقاء إلى أحاديث عن أمور واقعة في المجتمع، أو حتى موعظة، هذا خلاف السنة، السنة: أن يكون الغالب عليها الاستغفار والدعاء، هذه هي السنة.

وقال: ويُحَوِّل الناس أرْدِيَتَهم إذا دعا الخطيب في الخطبة، فالسنة: أن يستقبل القبلة، ثم يرفع يديه ويدعو، وقبل الدعاء يحول رداءه، ويحول الناس أرديتهم في أثناء الخطبة، وليس بعد الفراغ من الخطبة؛ لأنه في أثناء الخطبة إذا أراد الخطيب أن يستسقي، يستقبل القبلة ويستدبر المصلين، يستقبل القبلة ويرفع يديه هكذا، وقبل أن يدعو يُحَوِّل رداءه إن كان مثلًا عليه (المِشْلَحَة) يقلب (المشلحة)، إن كان عليه غُتْرة يقلب الرداء الذي عليه، وكذلك أيضًا المصلون يُحَوِّلون أرديتهم، ثم يدعو والناس يؤمنون على دعائه، هذه هي السنة في هذا، وهذا هو الذي وردت به الأحاديث عن النبي .

الحكمة من تحويل الأردية

والحكمة من التحويل، تحويل الأردية: تفاؤلًا بتغيير الحال؛ لأن الله يغير حالة الناس من الجَدْب والقَحْط إلى الرخاء، وإذا كان مع المصلين من يظن صلاحه فينبغي أن يطلب منه أن يصلي بالناس ويدعو، وقد جاء في “الصحيح”: أن الناس لما قُحِطوا في زمن عمر رضي الله عنه قال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. المراد بالتوسل هنا: طلب الدعاء، وليس التوسل الذي تفهمه بعض الطوائف المنحرفة، يعني ليس التوسل بذاته؛ إنما طلب الدعاء، فيقول: كنا نطلب من النبي أن يدعو الله عند القحط، وإنا نطلب من عم النبي العباس رضي الله عنه أن يقوم ويدعو، فقام العباس رضي الله تعالى عنه، وصلى بالناس ودعا، وقال: اللهم إن الناس قد توجهوا بي إليك، اللهم فلا تردنا خائبين! فمُطِروا، سبحان الله! نزل، يعني ثارت سحابة كالتُّرْس ومُطِر الناس، وكذلك أيضا لما كان استسقى الناس، وكان فيهم الأسود بن يزيد، كان ممن يرجى صلاحه أنه من أولياء الله ناداهم معاوية رضي الله عنه، قال: قم فصل بالناس، فقام وصلى بهم، ومُطر الناس، وفي تراجم السير نجد أن بعض من يترجم يقول: وفلان رجل صالح يستسقى به الغيث، أيش معنى: يستسقى به الغيث؟ يعني: إذا وجد في الناس قيل: قم فادع لنا، واطلب من الله أن يغيثنا. فكانت هذه سنة جارية إلا إذا خُشي على الإنسان من العُجب، يعني بعض أهل العلم يقول: إن هذا ينبغي تركه؛ لأنه قد يُخشى على بعض الناس العجب، أو من غلو بعض الناس فيه، وربما إذا قام ودعا ومطر الناس؛ إما أن يصيبه العُجب، أو الناس تغلو فيه.

لكن بكل حال، لا شك أن هدي السلف هو الأكمل، السلف فعلوا هذا، السلف الصالح فعلوا ذلك، ولا شك أن كونه يذهب ويصلي بالناس ويدعو بهم من يظن صلاحه وولايته، هذا أقرب إلى إجابة الدعاء.

حكم أهل الذمة إذا خرجوا مع المسلمين يستسقون

قال: وإن خرج معهم أهل الذمة لم يمنعوا، أهل الذمة: هم اليهود والنصارى الذين يقيمون في بلاد الإسلام، ويُقَرُّون على دينهم نظيرَ دفعهم الجزية، فلو خرجوا مع المسلمين في الاستسقاء لم يُمنعوا؛ لأنهم خرجوا يسألون الله الغيث، وأُمِروا أن ينفردوا عن المسلمين، وعلل لذلك بعض الفقهاء قالوا: لأنه لا يؤمن أن يصيبهم عذاب، فيعم المسلمين معهم.

الضرب الخامس: سجود التلاوة، وهو: أربع عشرة سجدة، في (الحج) منها اثنتان، ويسن السجود للتالي والمستمع دون السامع، ويكبر إذا سجد وإذا رفع رأسه ثم يسلم.

  • النوع الخامس: سجود التلاوة

الضرب الخامس من أضرب صلاة التطوع: سجود التلاوة، واعتبره المؤلف صلاة، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، والقول الثاني: أنه ليس بصلاة، ورواية عن الإمام أحمد، وهو القول الراجح؛ لأنه ليس هناك دليل ظاهر يدل على أنه صلاة، ويترتب على هذا الخلاف: أننا إذا قلنا: إنه صلاة. فيشترط له ما يشترط للصلاة؛ من الوضوء واستقبال القبلة، ومن سائر شروط الصلاة، وإذا قلنا: ليس صلاة. فلا يشترط له ذلك، والقول الراجح أنه ليس صلاة، وعلى ذلك: لو كنت تقرأ القرآن على غير طهارة، ومررت بآية سجدة فعلى قول المؤلف: أنك لا تسجد، وعلى القول الراجح: أنك تسجد؛ لأنه ليس صلاة، لو كنت تقرأ القرآن في السيارة ومررت بآية سجدة على قول المؤلف لا تسجد؛ لأنه صلاة، وأنت لم تستقبل القبلة، وعلى القول الراجح: أنك تسجد؛ لأنه ليس صلاة.

قال: وهو أربع عشرة سجدة، مشى المؤلف على مذهب الحنابلة، وقد وُضع لهذه السجدات علامة في المصحف، ووُضع خمس عشرة علامة.

إذنْ: المؤلف ترك سجدة واحدة، ذكر أربع عشرة سجدة، بقي سجدة واحدة ما هي؟ (ص) سجدة (ص)، فالمؤلف يرى -وهو المذهب عند الحنابلة- أنه لا يشرع السجود عندها عند قول الله : وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ [ص: 24]. قالوا: لأنها سجود شكر، والقول الثاني في المسألة: أنه يشرع سجود التلاوة عند سجدة (ص)؛ لما جاء في “صحيح البخاري” عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن النبي سجد فيها [11]، ويكفينا هذا الحديث ما دام أنه قد صح عن النبي أنه سجد فيها، والله يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21]. على أن بعض المفسرين قال: إن معنى قوله: وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ. يعني: سجد، وليس المقصود به الركوع بمعناه الاصطلاحي، فالقول الراجح إذنْ: أنه يُشرع سجود التلاوة عند سجدة (ص)، وعلى ذلك: تكون السجدات في القرآن كم؟ خمس عشرة سجدة، قال: في الحج منها اثنتان، وهذا ظاهر.

حكم سجود التلاوة للمستمع والسامع

ويسن السجود للتالي والمستمع دون السامع، ما الفرق؟ أما التالي (قارئ القرآن) هذا واضح، لكن ما الفرق بين السامع والمستمع؟

نعم، إذنْ: المستمع: هو الذي يقصد استماع التلاوة، وأما السامع: فهو الذي لم يقصد الاستماع، فسجود التلاوة إنما يشرع للمستمع دون السامع، يعني: لو أنك مررت بإنسان يقرأ ومر بآية سجدة، وأنت لم تقصد الاستماع لا تسجد، لا يشرع لك أن تسجد، لكن لو أنك جلست بجواره وأنصت لتلاوته ثم سجد، فيشرع لك أن تسجد معه، إذا كنت تستمع له مباشرة.

حكم سجود التلاوة عند الاستماع للمسجل أو الإذاعة

طيب، إذا كنت تستمع للمسجل، وأنت مستمع لست سامعًا، مستمع، فتحت إذاعة القرآن، أو المسجل، واستمعت إلى أحد القراء يقرأ، فمر مثلًا بقول الله كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق: 19]. وأنت مستمتعٌ ولست سامعًا، يعني قصدت الاستماع، هل يشرع لك أن تسجد؟

نقول: لا بد للمستمع -إذا أراد أن يسجد- أن يسجد التالي (قارئ القرآن)، وعندما تستمع للتلاوة في الإذاعة أو المسجل، فهذا القارئ لم يسجد؛ لأن هذه حكاية صوت، وأحيانًا في الإذاعة يأتون بقُرَّاءٍ قد ماتوا، أحد المشهورين الذي قد مات، فأنت تستمع لحكاية صوت، فلا يشرع السجود حينئذ، ومثل ذلك الأذان؛ لو كان الأذان مسجَّلًا ليس منقولًا على الهواء مباشرة، لا يشرع لك متابعته؛ لأن هذه حكاية صوت، وهذا قد نص عليه حتى الفقهاء السابقون، فقهاء الحنفية قالوا: لو أن الببغاء عُلِّم الأذان فأذن، لم تُشرَع متابعته؛ لأن هذه حكاية صوت.

فإذنْ: إنما تسجد إذا كنت مستمعًا إذا سجد القارئ، أما إذا لم يسجد القارئ فلا يشرع لك أن تسجد، وعلى ذلك: فما تستمع إليه في الإذاعة أو مسجل، ومَرَّ القارئ بآية سجدة فلا يشرع لك أن تسجد، ولو كنت مستمعًا.

حكم التكبير عند سجود التلاوة والرفع منه

قال: ويكبر إذا سجد وإذا رفع رأسه، وهذا بناءً على تقرير المؤلف بأن سجود التلاوة صلاة، وعلى القول الراجح: أنه ليس بصلاة.

ليس هناك دليل ظاهر يدل على التكبير، فالقول الراجح: أنه لا يشرع التكبير؛ لا عند السجود، ولا عند الرفع منه، إلا إذا كان سجود التلاوة داخل الصلاة فيشرع التكبير عند السجود وعند الرفع منه؛ لعموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي كان يكبر عند كل خفض ورفع [12].

إذا سجدت سجود التلاوة داخل الصلاة، يشرع أن تكبر خارج الصلاة، لا يشرع أن تكبر ثم يسلم، أيضًا التسليم ليس عليه دليل، لكن المؤلف قال: يسلم. بناء على تقريره بأن سجود التلاوة صلاة، والقول الراجح: أنه لا يشرع التسليم.

إذنْ، إذا كنت خارج الصلاة تسجد من غير تكبير، لا في السجود، ولا في الرفع منه، ولا تسلم، إذا كنت داخل الصلاة فإنك تكبر حين السجود، وتكبر حين الرفع منه.

ما يقال في سجود التلاوة؟

طيب، ما الذي يقال في سجود التلاوة؟

يقال: سبحان ربي الأعلى، وتكرر ذلك، ثم تقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي.

وجاء عند أبي داود وغيره، أنه يقال: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، وعليك توكلت، سجد وجهي لله الذي خلقه وصوره، وشق له سمعه وبصره بحوله وقوته، تبارك الله أحسن الخالقين! [13] لكن الحديث في سنده ضعف، حديث ضعيف، فلو عمل به الإنسان فالأمر في هذا واسع، ولو اقتصر على التسبيح فإن ذلك يكفي.

سجود الشكر

صفته كصفة سجود التلاوة تمامًا، وسجود الشكر يشرع عند تجدد النعم أو اندفاع النقم، تجدد النعم مثل ماذا؟ من يمثل لنا بمثال؟

رزق بمولود، أو بشر بنجاح مثلًا، أو حصل له أي نعمة.

طيب اندفاع النقم مثل ماذا؟

شفاه مثلًا من مرض، كاد أن يحصل له حادث مثلًا ونجا منه، فسجد لله شكرًا على أن نجاه من هذا الحادث، ونحو ذلك.

صفة سجود الشكر

وصفة سجود الشكر: كصفة سجود التلاوة.

والقول الراجح أيضًا: أنه ليس صلاة، وعلى ذلك: لك أن تسجد سجود الشكر ولو كنت على غير طهارة.

ونقف عند أوقات النهي.

أوقات النهي -إن شاء الله- نفتتح بها درسنا القادم.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 755.
^2 رواه البخاري: 3420، ومسلم: 1159.
^3 رواه البخاري: 1115.
^4 رواه البخاري: 2996.
^5 رواه البخاري: 990، ومسلم: 749.
^6 سبق تخريجه.
^7 رواه مسلم: 901.
^8 رواه البخاري: 1043.
^9 رواه البخاري: 1212.
^10 رواه أبو داود: 1165، والترمذي: 558، وقال: حسنٌ صحيحٌ، والنسائي: 1520، وابن ماجه: 1266، وأحمد: 2039.
^11 رواه البخاري: 4807.
^12 رواه مسلم: 392.
^13 رواه أبو داود: 1414، والترمذي: 580، وأحمد: 25821.