الرئيسية/دروس علمية/دروس من الحرم- عمدة الفقه/(2) تتمة باب سجود السهو- من قوله: “الضرب الثاني: النقص..”
|categories

(2) تتمة باب سجود السهو- من قوله: “الضرب الثاني: النقص..”

مشاهدة من الموقع

تتمة أسباب سجود السهو

قال:

الضرب الثاني: النقص.

قلنا: الضرب الأول: الزيادة، وبعضهم يقول: السبب الأول: الزيادة.

الثاني: النقص، مثَّل له المؤلف فقال: “كنسيان واجبٍ”، فيُجْبَر بسجود السهو، يُجْبَر نسيان الواجب بسجود السهو، كما لو نسي التشهد الأول، فات محلُّه، فإن ذلك النقص يُجْبَر بسجود السهو، وكما لو نسي أن يُسبِّح في الركوع أو في السجود مثلًا.

حكم من قام عن التشهد الأول

قال:

فإن قام عن التشهد الأول، فذَكَر قبل أن يستتِمَّ قائمًا؛ رجع فأتى به، وإن استتمَّ قائمًا لم يرجع.

وهذه المسألة قد ورد فيها حديث المغيرة بن شعبة : أن النبي قال: إذا صلى أحدكم فقام، فإن لم يَسْتَتِمَّ قائمًا فليجلس، فإن استوى قائمًا فليَمْضِ في صلاته، ولْيَسْجُد سجدتين [1]، وهذا الحديث رواه أحمد وغيره، وهو حديثٌ سنده حسنٌ أو صحيحٌ.

فهنا قال: فإن لم يَسْتَتِمَّ قائمًا فليجلس، فإن استوى قائمًا فليَمْضِ في صلاته.

إذن إذا قام ناسيًا التشهد الأول، ولم يستتم قائمًا، نقول: ارجع وأتِ بالتشهد الأول، فإن استتمَّ قائمًا -استوى قائمًا- نقول: أكمِل صلاتك ولا ترجع، لكن تسجد سجود السهو آخر صلاتك.

وبعض الفقهاء يُفصِّل في هذا؛ يقول: إن استوى قائمًا وقبل أن يشرع في قراءة الفاتحة كُرِهَ له الرجوع، فإن شرع في قراءة الفاتحة حَرُمَ عليه الرجوع، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.

والقول الثاني في المسألة: أنه إذا استوى قائمًا حَرُمَ عليه الرجوع ولو لم يشرع في قراءة الفاتحة، وهذا هو القول الراجح في المسألة؛ لأن حديث المغيرة لم يُفصِّل بين ما إذا قرأ الفاتحة أو لم يقرأ الفاتحة، إنما قال: فإن استوى قائمًا فليَمْضِ في صلاته.

إذن نقول: مَن نسي التشهد الأول؛ فإن كان لم يَسْتَوِ قائمًا، فإنه يرجع ويأتي بالتشهد ويسجد للسهو، أما إن استوى قائمًا، فإنه يمضي في صلاته ولا يرجع، ويسجد للسهو.

حكم مَن نسي ركنًا وذكره وهو يُصلي

قال:

وإن نسي ركنًا، وذكره قبل شروعه في قراءة ركعةٍ أخرى، رجع فأتى به وبما بعده، وإن ذكره بعد ذلك بطلت الركعة التي تركه منها.

نسي ركنًا من أركان الصلاة، نفترض مثلًا أنه نسي إحدى السجدتين، يعني: هذا أكثر ما يكون النسيان فيه، فبعض الناس يظن أنه سجد سجدتين، وهو لم يسجد إلا سجدةً واحدةً، ثم ذكر بعد ذلك أو ذُكِّر، فهنا يقول المؤلف: إن كان ذكر قبل الشروع في قراءة الفاتحة في الركعة الأخرى؛ رجع فأتى به وبما بعده، وسجد للسهو، أما إن ذكره بعد الشروع في قراءة الفاتحة؛ تبطل تلك الركعة، وتقوم التي بعدها مقامها، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.

والقول الثاني في المسألة: أنه إن ذكره قبل أن يصل إلى موضعه من الركعة التي تليها؛ رجع فأتى به وبما بعده، وسجد للسهو، أما إن ذكره بعد وصوله إلى موضعه من الركعة التي تليها؛ بطلت تلك الركعة، وقامت التي بعدها مقامها.

نوضح هذا بمثالٍ، مثالنا السابق: رجل نسي السجدة الثانية من الركعة الأولى، فلما قام للركعة الثانية قبل أن يشرع في قراءة الفاتحة ذكر أو ذُكِّر، هنا على كلا القولين يرجع ويأتي بالسجود وما بعده، ويسجد للسهو.

طيب، لو أنه لم يذكر أو لم يُذكَّر إلا بعدما شرع في قراءة الفاتحة من الركعة الثانية، يقولون على رأي المؤلف: تبطل الركعة الأولى، وتقوم الركعة الثانية مقامها، ويسجد للسهو، وعلى القول الثاني: أنها لا تبطل الركعة الأولى إلا إذا وصل إلى موضعه من الركعة التي تليها.

ما معنى هذا الكلام؟

يعني: إلا إذا وصل إلى السجدة الثانية من الركعة الثانية، أما قبل ذلك فإنه يرجع ويأتي بذلك الركن وبما بعده، وهذا هو القول الراجح في المسألة.

وأما التحديد بقراءة الفاتحة، فهذا لا دليل عليه، أما التحديد بما إذا وصل إلى موضعه من الركعة التالية؛ فلأنه لا يستفيد بالرجوع، هو الآن وصل إلى السجود، كيف لو قلنا له: ارجِع وائتِ به وبما بعده؟ ماذا يستفيد؟ سيأتي بركعةٍ كاملةٍ؛ فلذلك نقول: تبطل الركعة التي نسي فيها ذلك الركن، وتقوم التي بعدها مقامها، ويسجد للسهو.

هذا هو الحكم فيما إذا نسي ركنًا، انتبهوا يا إخوة، هذه المسألة دقيقةٌ.

إذن نريد -يا إخوان- أن نضبط هذه المسائل.

إذا نسي واجبًا ما الحكم؟

يجبره بسجود السهو.

نسي ركنًا، ما الحكم؟

إذا ذكره قبل شروعه في القراءة من الركعة التي تليها رجع وأتى به وبما بعده، فإن لم يذكره إلا بعد شروعه في قراءة الفاتحة، فعلى قول المؤلف: تبطل تلك الركعة، وعلى القول الراجح: لا تبطل إلا إذا وصل إلى موضع ذلك الركن من الركعة التالية.

طيب، الأخ الكريم يسألني: إذا كان ذلك في آخر ركعةٍ؟

يعني مثلًا: نسي السجود من الركعة الرابعة، ثم ذكر وهو في التشهد، يقوم ويأتي به وبما بعده، ويسجد للسهو.

قال:

وإن ذكر بعد ذلك بطلت الركعة التي تَرَكَه منها.

وإن نسي أربع سجداتٍ.

يعني: سجودات.

من أربع ركعاتٍ، فذكر في التشهد؛ سجد في الحال، فصحَّتْ له ركعةٌ.

لأن هذه السجدة تُكمل الركعة الأخيرة.

ثم يأتي بثلاث ركعاتٍ.

لأن الركعات الثلاث الأُوَل قد بطلتْ؛ لكونه قد شرع في قراءة الفاتحة من الركعة التي تليها.

هذا فيما يتعلق بالنقص.

الضرب الثالث: الشك، فمتى شكَّ في ترك ركنٍ فهو كتركه.

علاج الشك

قبل أن ندخل في الشك -يا إخوان- أُقدِّم مقدمةً، وهي: أن بعض الناس مُبتلًى بكثرة الشكوك، ولستُ مبالغًا إن قلتُ: إنه في عددٍ ليس بالقليل من الناس، وهذا أعرفه من واقع الاستفتاءات التي تَرِد، وهذه الشكوك تتحول إلى وسواس، ثم هذا الوسواس مع مرور الوقت قد يتحول إلى وسواسٍ قهريٍّ، لا يتحكم فيه الإنسان، لا يتحكم الإنسان في نفسه معه.

ولذلك -أولًا- على المسلم أن يبتعد عن الشكوك، وأن يتبصَّر في دينه، وأن مَن عنده بصيرةٌ في الدين يكون في مَنْأًى عن هذه الشكوك، لكن أحيانًا قد يُبتلى الإنسان بكثرة الشكوك لأسبابٍ مَرَضيةٍ.

وقد ذكر بعض المُختصين أنه أحيانًا عند نقص مادةٍ في الدماغ تكثر الشكوك لدى ذلك الإنسان؛ ولذلك إذا ذهب للطبيب النفسي أُعطي دواءً لكي يُعوِّض ذلك النقص الذي حصل في الدماغ، فتزول عنه -بإذن الله- تلك الشكوك.

فأنصح مَن ابتُلي بالوسواس -خاصةً مَن أصبح الوسواس لديه قَهْرِيًّا- أن يذهب للطبيب كي يصف له علاجًا؛ لأنه بالإقناع لن يقتنع، إنما الذي يقتنع الذي لم يصل إلى حد الوسواس القهري، وما زال في أوله، أو في بدايته.

وأذكر أن رجلًا من الناس اتصل بي وقال: إنه من شِدَّة ما يُعاني من الوسواس ترك الصلاة! أصبح لا يصلي، فقلتُ له: إن ذمتك لا تبرأ بهذا، ولا يحل لك ذلك؛ لأنك قادرٌ على أن تصلي، لكنك استجبتَ لهذه الوساوس، وحتى لو كانت الحالة مَرَضيةً فينبغي أن يُبادر لعلاجها؛ لأنها ليست من الأمراض المُستعصية.

هذا ما يتعلق بالوسواس، وأما ما يَرِد على الخواطر من بعض الوساوس المتعلقة بالإيمان، فهذه قد يجدها بعض الصالحين، وقد اشتكى بعض الصحابة للنبي فقالوا: يا رسول الله، إن أحدنا ليجد في نفسه ما يتعاظم أن يتكلم به. فقال عليه الصلاة والسلام: أوجدتُموه؟ قالوا: نعم. قال: ذاك صريح الإيمان [2] أخرجه مسلم في “صحيحه”.

كيف صريح الإيمان؟

يعني: هذا دليلٌ على قوة الإيمان؛ لأن الشيطان إذا رأى الإنسان مستقيمًا على طاعة الله تعالى، لا يجد سبيلًا عليه إلا بهذه الوساوس؛ لكي يُحزنه، لكي يُؤثر عليه، فهذه من صريح الإيمان، ولا تضر الإنسان شيئًا، والإنسان لا يُؤاخذ بها، كما قال عليه الصلاة والسلام: إن ‌الله ‌تجاوز عن أمتي ما حدثتْ به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم [3]، فإذا كنت لم تعمل به، ولم تتكلم؛ فإنه لا يضرك.

ولهذا لما سمعت اليهود أن بعض الصحابة يُعاني من هذه الوساوس، قالوا: نحن خيرٌ منكم؛ نحن لا نجد هذه الوساوس. فقال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: “وماذا يفعل الشيطان بالبيت الخَرِب؟!” الشيطان لا يأتي إلا بيتًا عامرًا بذكر الله ​​​​​​​، أما البيت الخَرِب فالشيطان لا يأتي إليه.

لكن أرشد النبي مَن أتت إليه هذه الوساوس: أن يستعيذ بالله من الشيطان، وأن ينتهي [4]، يعني: إذا أتت إليك هذه الوساوس المتعلقة بالإيمان والذات الإلهية، أو شيءٍ من هذا القبيل، فقل: أعوذ بالله من الشيطان، وأعرض عنها، ولا تفكر فيها.

وجاء في بعض الروايات أنه يقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص] [5]، وفي بعضها يقول: آمنتُ بالله ورسله [6].

فيعمل بهذا العلاج الذي أرشد إليه النبي ، ولا تضرُّه شيئًا بإذن الله.

حكم مَن شكَّ في ترك ركنٍ

قال:

الضرب الثالث: الشك، فمتى شكَّ في ترك ركنٍ فهو كتَرْكه.

هذا ضابطٌ عند الفقهاء: أن مَن شكَّ في ترك ركنٍ فهو كتَرْكِه، يعني: شككتَ هل أتيتَ بالركوع أو لم تأتِ به؟ فاعتبر نفسك لم تأتِ به.

شككتَ في السجود: هل سجدتَ أم لم تسجد؟ اعتبر نفسك أنك لم تسجد.

طبعًا هذا إلا إذا كان الإنسان مُبتلًى بكثرة الشكوك، فلا يلتفت إليه، أما الإنسان العادي غير المُبتلى بكثرة الشكوك فنُطبِّق عليه هذا الضابط: أن مَن شكَّ في ترك ركنٍ فهو كتَرْكِه.

كذلك أيضًا: مَن شكَّ في ترك واجبٍ فهو كتركه؛ لأن الأصل عدم الإتيان به.

وعلى ذلك مثلًا: لو أتيت والإمام في الركوع، فلما أردتَ أن تُكبر رفع الإمام، قال: سمع الله لمَن حمده. فهل الأصل أنك أدركتَ الركوع، أو أنك لم تُدركه؟ لا بد أن يَغلِب على ظنك أنك أدركته، فإذا لم تَحصل غَلَبَة الظن بإدراكك له فتعتبر أن الركعة قد فاتتك.

حكم مَن شكَّ في عدد الركعات التي صلاها

قال:

ومَن شكَّ في عدد الركعات بنى على اليقين.

مَن شكَّ: صلى ثلاثًا أو أربعًا، بنى على اليقين، وهو الأقل: ثلاث، شكَّ هل صلى ركعتين أو ثلاثًا؟ بنى على اليقين، وهو الأقل، يعني: ركعتين.

فعند المؤلف قاعدة: أنه إذا شكَّ في عدد الركعات يأخذ بالأقل، وهذا هو القول الذي مشى عليه المصنف رحمه الله، وهو المذهب عند الحنابلة.

والقول الثاني في المسألة هو التفصيل؛ فإن كان الشك متساوي الطرفين أخذ بالأقل، وإن كان قد ترجَّح عنده أحد الاحتمالين: الزيادة أو النقص، فيعمل به مع سجود السهو.

إذن مرةً أخرى: القول الثاني: التفصيل؛ فإن كان الشك متساويًا أخذ بالأقل، وإن كان عنده غلبة ظنٍّ عَمِلَ بغلبة ظنِّه، سواءً كانت زيادةً أو نقصًا.

وهذا هو القول الراجح في المسألة، وهو الذي تجتمع به الأحاديث؛ فإنه قد جاء في حديث أبي سعيدٍ : أن النبي قال: إذا شكَّ أحدكم في صلاته فلم يَدْرِ كم صلى: أثلاثًا أم أربعًا؟ فليَطَّرِح الشك، وَلْيَبْنِ على ما استيقن، ثم ليسجد سجدتين قبل أن يُسلِّم [7]. وهذا الحديث أخرجه مسلم في “صحيحه”، ولكن أيضًا جاء حديث ابن مسعودٍ : أن النبي  قال: إذا شكَّ أحدكم في صلاته فليتحرَّ الصواب، فليُتِمَّ عليه، ثم ليسجد سجدتين بعدما يُسلم [8] متفقٌ عليه.

فعندنا حديث أبي سعيدٍ : وَلْيَبْنِ على ما استيقن، وحديث ابن مسعودٍ : فليتحرَّ الصواب.

فأصحاب القول الثاني جمعوا بين هذين الحديثين؛ قالوا: إن قوله: وَلْيَبْنِ على ما استيقن هذا في الشك المتساوي، فيبني على ما استيقن، وهو الأقل، وأما حديث ابن مسعودٍ : فليتحرَّ الصواب إذا كانت عنده غلبة ظنٍّ، فيعمل بغلبة ظنِّه.

إذن هذا هو القول الراجح في مسألة الشك.

حكم الإمام إذا شكَّ في عدد الركعات التي صلاها

قال:

إلا الإمام خاصةً، فإنه -يعني: في حال الشك- يبني على غالب ظنه.

وذلك لأن الإمام عنده مَن يُذكِّره، وهم المأمومون، فالإمام يبني على غلبة ظنِّه، يعمل بما غلب على ظنِّه.

وعلى القول الراجح لا نحتاج لهذا الاستثناء، نقول: إمامًا كان أو مُنفردًا، إذا كان عنده غلبة ظنٍّ يعمل بغلبة ظنِّه، ما عنده غلبة ظنٍّ يبني على اليقين، وهو الأقل.

ما أدري هل تريدون أن نُكمل أو نتوقف؟

لعلنا نُكمل سجود السهو.

موضع سجود السهو

قال:

ولكل سهوٍ سجدتان قبل السلام، إلا مَن سلَّم عن نقصٍ في صلاته.

بيَّن لنا المؤلف موضع سجود السهو، هل هو قبل السلام أو بعده؟

فيقول: إن سجود السهو قبل السلام إلا إذا سلم عن نقصٍ في صلاته، وهذا يقودنا إلى مسألة موضع سجود السهو: هل هو قبل السلام أو بعده؟

وفيها أربعة أقوالٍ:

  • القول الأول: أن سجود السهو قبل السلام مطلقًا، وهذا هو مذهب الشافعية
  • القول الثاني: أن سجود السهو بعد السلام مطلقًا، وهو مذهب الحنفية.
  • القول الثالث: إن كان السهو عن زيادةٍ فبعد السلام، وإن كان عن نقصٍ فقبل السلام، وهذا مذهب المالكية.
  • القول الرابع: هو القول الذي حكاه المؤلف: أن سجود السهو قبل السلام إلا في الموضعين اللذين ورد النصُّ بأن سجود السهو فيهما بعد السلام.

إذن القول الرابع: أن سجود السهو كله قبل السلام إلا في الموضعين اللذين ورد النص أن سجود السهو فيهما بعد السلام، وهما:

الموضع الأول الذي ذكره المؤلف: إذا سلَّم عن نقصٍ في صلاته، يعني: صلى مثلًا الظهر ركعتين، ثم ذَكَر أو ذُكِّر فأكملها، كما في قِصَّة ذي اليدين [9].

الموضع الثاني: إذا شكَّ، وكان مع الشك تَحَرٍّ وغلبة ظنٍّ، فيسجد للسهو بعد السلام؛ لحديث ابن مسعودٍ السابق، فإن فيه: فَلْيَتَحَرَّ الصواب، وليسجد سجدتين بعدما يُسلم [10].

إذا أردنا أن نُوازن بين هذه الأقوال:

  • القول بأن سجود السهو قبل السلام، يَرِدُ عليه: أن النبي سجد بعد السلام.
  • وأيضًا القول الثاني: أن سجود السهو كله بعد السلام، يَرِدُ عليه: أن النبي سجد قبل السلام.

فالقول الأول والقول الثاني ضعيفان، تبقى الموازنة بين القول الثالث والرابع:

القول الثالث من حيث التنظير جيدٌ، لكن يَرِدُ عليه إشكال؛ يقولون: إن كان عن زيادةٍ بعد السلام، وإن كان عن نقصٍ قبل السلام.

وبالمناسبة: هذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، لكن نعود لهذا الإشكال.

في قصة ذي اليدين النبي سلَّم عن نقصٍ أم زيادةٍ؟

يعني: الآن صلى ركعتين ثم سلَّم، هل هذا نقصٌ أم زيادةٌ؟

لو أردتَ أن تُقْنِع شخصًا أنها زيادةٌ هل تستطيع؟

طيب، إذن أصحاب القول الثالث يقولون: زيادة.

أما أصحاب القول الرابع فيقولون: كيف تكون زيادةً وقد سلَّم عن ركعتين؟!

لو أراد إمام مسجدٍ أن يُقْنِع جماعته: سلَّم عن ركعتين وقال: يا جماعة، ترانا زدنا في الصلاة. هل سيستطيع إقناعهم؟

سلَّم عن ركعتين، فهو قد سلَّم عن نقصٍ في الحقيقة، وليس عن زيادةٍ، لكن أصحاب القول الثالث مثلما قال الأخ؛ هو قد زاد التشهد وزاد السلام، لكن هذه لا تُعتبر زيادةً من حيث الأصل، هذه إذا أردتَ أن تُصنِّفها الآن، هذا السهو عن زيادةٍ أو عن نقصٍ؟

هو في الحقيقة عن نقصٍ، فيُشكل على القول الثالث قصة ذي اليدين، ولا تستطيع أن تُقْنِع الناس أنك إذا سلمتَ عن نقصٍ أنك سلمتَ عن زيادةٍ، وفي قصة ذي اليدين لا شك أن النبي نقص ركعتين، فكيف نقول: إنه زاد؟! نقص ركعتين.

ولذلك فالقول الراجح -والله أعلم- هو القول الرابع، وهو اختيار شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وأن سجود السهو كله قبل السلام إلا في الموضعين اللذين ورد النص أنه سجد فيهما بعد السلام، وهما: إذا سلَّم عن نقصٍ، وإذا شكَّ وكان مع الشك تَحَرٍّ وغَلَبَة ظنٍّ، بل قال الإمام أحمد: “لولا أنه قد ورد سجود السهو بعد السلام في هاتين الحالتين، لقلتُ: إن سجود السهو كله قبل السلام”؛ لأن الأصل أن سجود السهو جبرٌ للنقص والخلل الواقع في الصلاة، وهذا من شأنه أن يكون في صلب الصلاة، وليس بعد الصلاة.

إذن هذه أقوال العلماء في المسألة، أقواها: القول الثالث والرابع، لكن -والله أعلم- القول الرابع هو الأظهر في هذه المسألة، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله:

والإمام إذا بنى على غالب ظنِّه، والناسي للسجود.

“والإمام إذا بنى على غالب ظنِّه” يعني: يسجد للسهو بعد السلام، هذه الحالة الثانية التي ذكرناها، والمؤلف قال: “الإمام”؛ لأنه على رأيه: أن هذا خاصٌّ بالإمام، وقلنا: على القول الراجح يشمل الإمام والمنفرد.

والناسي للسجود قبل السلام، فإنه يسجد سجدتين بعد سلامه.

يعني: إذا نسي فإنه يسجد بعد السلام، ولا إشكال؛ لنسيانه.

حكم التشهد بعد سجود السهو

قال:

ثم يتشهد.

يعني: المُصلي بعد سجوده للسهو بعد السلام يجلس للتشهُّد.

والقول الثاني في المسألة: أنه لا يُشرع التشهد بعد سجود السهو، وهذا هو القول الراجح؛ لعدم ثبوت ذلك عن النبي ، وإنما يسجد ثم يجلس بين السجدتين، ثم يسجد سجدةً أخرى، ثم يجلس ويُسلم من غير أن يتشهد.

طبعًا هذا فيما إذا كان سجود السهو بعد السلام، أما قبل السلام فواضح، لكن بعد السلام.

إذن نقول: القول الراجح: أنه لا يتشهد بعد سجود السهو.

قال:

ويُسلِّم.

يعني: يُسلم مرةً أخرى، وهذا ظاهرٌ، يعني: يسجد سجدتين بينهما جلسةٌ ثم يُسلِّم.

حكم سهو المأموم

وليس على المأموم سجود سهوٍ.

المأموم تابعٌ لإمامه، فإذا سها المأموم خلف الإمام فلا يُشرع له أن يسجد سجود السهو؛ لأنه تابعٌ لإمامه.

فلو أن المأموم مثلًا نسي أن يقول: “سبحان ربي العظيم” في الركوع، فما الحكم؟ هل عليه سجود سهوٍ؟

ما عليه سجودٌ، يتحمل عنه إمامه، إلا إذا نسي المأموم ركنًا؛ فتبطل تلك الركعة، ويقضي ركعةً بعد سلام الإمام، أما إذا نسي ما عدا الركن فإن الإمام يتحمل عنه ذلك الذي قد نسيه.

قال:

إلا أن يسهو الإمام فيسجد معه.

يعني: إذا سها الإمام فالمأموم يدخل معه في سهوه ولو لم يَسْهُ المأموم.

لنفترض مثلًا: أن الإمام في صلاةٍ سريةٍ -الظهر أو العصر- صلى أربع ركعاتٍ، ثم سجد للسهو، والمأموم لا يدري ما الذي سها فيه الإمام، يُتابِع إمامَه؛ لأن الإمام قد يكون نسي واجبًا من واجبات الصلاة، فيُتابع إمامه.

ما يعمل المأموم إذا سها إمامه؟

ومَن سها إمامُه، أو نابَه أمرٌ في صلاته، فالتسبيح للرجال، والتصفيق للنساء.

لقول النبي : إذا نابكم أمرٌ فَلْيُسبِّحِ الرجال، وَلْتُصَفِّقِ النساء [11] أخرجه البخاري ومسلم.

وهذا التسبيح للرجال ليس فقط للسهو، في كل ما ينوب في الصلاة، فلو أنك تُصلي في غرفتك، ثم طرق الباب طارقٌ، فتقول: سبحان الله.

لو أن أمامك طفلًا يعبث، وتريد أن تُنبِّه غيرك، فتقول: سبحان الله.

ناداك أحدٌ: يا فلان. ولم يعلم أنك تصلي، تقول: سبحان الله.

كل ما ناب المصلي في صلاته يُشرع له أن يقول: “سبحان الله” إذا كان رجلًا، وتُصفق المرأة، هذه هي السنَّة في هذا.

ونكتفي بهذا القدر، وإن شاء الله غدًا نبدأ في باب صلاة التطوع.

الأسئلة

نُجيب الآن عما تيسر من أسئلةٍ، مُبتدئين بالأسئلة المكتوبة:

السؤال: هذا سؤالٌ يقول فيه السائل: هل الصلاة في جميع مساجد مكة بمئة ألف صلاةٍ؟

الجواب: هذا السؤال يتضمَّن مسألتين:

  • المسألة الأولى: مسألة التضعيف بمئة ألف صلاةٍ، هل هو ثابتٌ؟
  • المسألة الثانية: هل هذا خاصٌّ بالمسجد الحرام، أو يشمل جميع مساجد مكة؟

أما المسألة الأولى -وهي التضعيف بمئة ألف صلاةٍ-: لا شك أن هذا الرقم كبيرٌ جدًّا، حَسَبَها بعض أهل العلم فقال: كما لو صلى الإنسان خمسًا وخمسين سنةً، رقمٌ كبيرٌ جدًّا، ومثل هذا الأجر العظيم لو كان ثابتًا لاشتهر اشتهارًا كبيرًا مُستفيضًا، ولتَنافَس عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين، وهذا يستدعي النظر في إسناد الحديث الوارد في ذلك من جهة الصناعة الحديثية.

والأقرب -والله أعلم- أن هذا الحديث لا يصح مرفوعًا إلى النبي ، وإنما هو موقوفٌ على عبدالله بن الزبير، وإنما الذي صحَّ عن النبي  قوله: صلاةٌ في مسجدي هذا يعني: المسجد النبوي تَعْدِل ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام [12] رواه مسلم.

وهذا يدل على أن التضعيف في المسجد الحرام أكثر من ألف صلاةٍ، لكنه لا يصل إلى مئة ألف صلاةٍ، فوصوله إلى مئة ألف صلاةٍ يستدعي سندًا ثابتًا من حيث الصناعة الحديثية، ولا يَثْبُت ذلك الحديث، وإنما هو موقوفٌ على ابن الزبير، لكن -كما ذكرتُ- أكثر من ألف صلاةٍ لا شك أنه أجرٌ عظيمٌ، وهذا يشمل الفريضة والنافلة.

ولهذا ينبغي لنا -أيها الإخوة- ما دُمنا في هذه البقعة الطاهرة أن نغتنم زمن وجودنا، وأن نُكثِر من الصلاة مثنى مثنى، ولك أن تُصلي ما شئتَ إلا في أوقات النهي، وهي: من بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس، يعني: بعد طلوع الشمس بعشر دقائق، وحين يقوم قائم الظهيرة، يعني: قبيل أذان الظهر بحدود خمس دقائق، ومن بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، ما عدا ذلك فالمجال أمامك مفتوحٌ، تصلي مثنى مثنى.

كان الإمام أحمد يتطوع بثلاثمئة ركعةٍ، ولما حصلت له المحنة وجُلِدَ وضعف بدنه أصبح يتطوع بمئةٍ وخمسين ركعةً.

وكان الحافظ عبدالغني المقدسي -صاحب “عمدة الأحكام”- يقتدي بالإمام أحمد؛ كان يتطوع بثلاثمئة ركعةٍ في اليوم والليلة.

فإن شئتَ أن تُكثر بعد صلاة المغرب تُصلي ما شئتَ: ركعتين ركعتين، فتستفيد وتغتنم أجر التضعيف في هذه البقعة.

أما المسألة الثانية، وهي: هل التضعيف خاصٌّ بالمسجد الحرام، أو يشمل جميع مساجد مكة؟

هذه المسألة محل خلافٍ بين أهل العلم، والقول الراجح -والله أعلم- أنه خاصٌّ بمسجد الكعبة -هذا المسجد-، والدليل: أن النبي  قال: صلاةٌ بمسجدي هذا تَعْدِل ألف صلاةٍ فيما سواه إلا مسجد الكعبة [13] رواه مسلم.

ومما يؤيد هذا: لو أن أحدًا من الناس أراد أن يشدَّ الرَّحل لأحد مساجد مكة، أراد أن يشدَّ الرَّحل مثلًا لمسجد الراجحي، هل يجوز أو لا يجوز؟

لا يجوز، فلو كان الحكم واحدًا لقلنا بالجواز، وهذا يدل على أن مساجد مكة تختلف في كثيرٍ من الأحكام عن المسجد الحرام.

ومَن قال بأن التضعيف يشمل جميع المساجد ليس معه إلا عموم قول النبي : إلا المسجد الحرام، وهذا اللفظ يحتمل أن يُراد به: مسجد الكعبة، ويحتمل أن يُراد به: جميع الحرم، فلما جاءت رواية مسلم بتخصيص مسجد الكعبة دلَّ على أن المقصود به: مسجد الكعبة، ولكن مع ذلك لا شك أن الصلاة في الحرم -في منطقة الحرم- أفضل من الصلاة في الحِلِّ؛ لأن النبي لمَّا كان في الحُدَيْبِيَة كان إذا أراد أن يصلي دخل الحرم، وهذا يدل على أن الصلاة في الحرم أفضل، وأما التضعيف الوارد فعلى التحقيق هو خاصٌّ بهذا المسجد: مسجد الكعبة، ولا يشمل جميع مساجد مكة.

السؤال: هذا يقول: هناك أبياتٌ تُذْكَر في ثمرة كل فنٍّ، ما هي الأبيات؟

الجواب: أنصح الأخ السائل ألا يُغْرِق في هذه المسائل التي هي أقرب للتَّرف العلمي، وأن يحرص على تحصيل المَلَكة لديه؛ فإن هذا هو الأهم، وتحصيل المَلَكة إنما يكون بكثرة تحرير المسائل، وكثرة المُدارسة، وأيضًا ضبط المسألة بدليلها، فإن معرفة المسألة من غير دليلٍ ليس له كبير فائدةٍ، قال ابن عبدالبر: “أجمع العلماء على أن المُقلِّد ليس معدودًا من العلماء”. العلم هو معرفة الحكم بدليله.

السؤال: هذا يسأل عن أن بعض الصفوف تكون خاليةً في المسجد الحرام، ويصلي أناسٌ في الصفوف الخلفية؟

الجواب: الأمر في هذا واسعٌ، داخل محيط المسجد الأمر في هذا واسعٌ، حتى لو صليت في الصفِّ الأخير والصف الذي أمامك خالٍ، الصلاة صحيحةٌ بشرط ألا تنفرد، ألا تُصلي خلف الصف وحدك.

وقد نقل النووي وغيره الإجماع على صحة صلاة مَن صلى داخل المسجد من غير اتصال الصفوف، نُقِل الإجماع على ذلك، لكن بشرط ألا تنفرد، ألا تُصلي خلف الإمام وحدك، وإن كان الأفضل والأولى هو إتمام الصف الأول فالأول، ولكن في المسجد الحرام -كما ترون- ربما أن بعض الناس قد لا يتيسر له مثل هذا، فالأمر في هذا واسعٌ، ولا يُشدَّد فيه، إنما خارج المسجد الحرام هو الذي فيه الخلاف بين العلماء: هل يُشترط اتصال الصفوف أو لا يُشترط؟ أما داخل المسجد فنقل النووي وغيره الإجماع على عدم اشتراط اتصال الصفوف، فداخل المسجد الأمر فيه واسعٌ.

السؤال: لو أن من أمامي اتخذته سُترةً، ثم تحرك من مكانه، فهل يجوز لي أن أتحرك إلى أن أقترب من العمود أو سترةٍ أخرى؟

الجواب: أولًا: لا بأس أن تتخذ مَن أمامك سترةً، والسُّترة تكون بأي شيءٍ: بإنسانٍ، بحيوانٍ، بعمودٍ، بأي شيءٍ، لكن لو أنك صليت خلف شخصٍ ثم قام، فلا بأس أن تتحرك لأجل تحصيل السترة، فهذه حركةٌ مُستحبَّةٌ لأجل تحصيل السُّترة، بشرط ألا تكون حركةً كثيرةً.

السؤال: يقول: ما هو الدعاء الذي يُقرأ مع سورة الإخلاص للذي تكثر عنده الوساوس؟

الجواب: “آمنتُ بالله ورسله”، والأهم أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

يا إخوان، الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم هذه قد أرشدنا الله تعالى إليها: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200]، كل إنسانٍ معه شيطانٌ، هذا الشيطان متفرغٌ لإضلالك، لكن من رحمة الله تعالى أنه ليس له سبيلٌ على ابن آدم إلا بطريقٍ واحدٍ وهو الوسوسة فقط، لكن إذا أتيت بكلمةٍ واحدةٍ هرب منك هذا الشيطان، خَنَس وكَفَّ، إذا قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

وجرب هذا بنفسك، كلما توارَدَتْ عليك الوساوس قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، تجد أنها تنقشع مباشرةً، يهرب الشيطان: مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس:4].

دائمًا اجعل الاستعاذة بالله من الشيطان على لسانك، كلما أتت وساوس قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بل حتى كلما توارد عليك همٌّ أو حزنٌ قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن الذي يُحب لك الحزن ويُحب جَلْبَه هو الشيطان: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا [المجادلة:10]، فإذا أتت لك هذه الوساوس عمومًا فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم.

أيضًا عند الغضب؛ لذلك جاء في “صحيح البخاري” عن النبي أنه رأى رجلين يَسْتَبَّان، قد احمرَّ وجه أحدهما، فقال عليه الصلاة والسلام: إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال ماذا؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقيل لهذا الرجل: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال: أبي جنونٌ؟! [14]. لم يقلها من شدة الغضب.

لاحظ أسلوب النبي ، ما قال له: قُل. قال: أعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجد.

إذن دائمًا اجعل الاستعاذة من الشيطان الرجيم على لسانك؛ لأنك تتحصن بالله من هذا العدو الذي هو مُصاحبٌ لك، وإذا عرف الشيطان أنك تُكثر من الاستعاذة بالله منه ييأس منك ويَكُفُّ، ما يتسلط عليك بوساوس، فدائمًا تستحضر قول الله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت:36]، وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ۝وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [المؤمنون:97- 98]، أيضًا هذا من الأدعية العظيمة: رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ۝وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ.

السؤال: ما مستوى كتاب “منار السبيل” من كتب الفقه؟

الجواب: “منار السبيل” هو شرح “دليل الطالب”، “منار السبيل” هو للشيخ ابن ضويان رحمه الله، شَرَح فيه “دليل الطالب”، و”دليل الطالب” من متون الفقه الحنبلي، وهو متنٌ عظيمٌ أنصح بحفظه والإفادة منه، وهو يتميز بسهولته، وأيضًا مناسبته للتعليم، وهو من أفضل المتون في تعليم الطلاب؛ لأن عبارته سلسةٌ وسهلةٌ ومُرتبةٌ، يجمع لك الشروط في مكانٍ واحدٍ، والأركانَ في مكانٍ واحدٍ، والواجبات في مكانٍ واحدٍ.

وإن شاء الله تعالى سيخرج لي شرحٌ لـ”دليل الطالب”، شرحٌ مُفصَّلٌ في عدَّة مجلدات، كنتُ قد شرحته في أحد الدروس في الرياض، وفرَّغه بعض الطلاب، وفي طور المراجعة، وإن شاء الله سوف يخرج شرحًا كاملًا لـ”دليل الطالب” بإذن الله ​​​​​​​.

وهو موجودٌ على الموقع بالصوت، يعني: شرح الدليل بالصوت موجودٌ، لكن طباعةً -إن شاء الله- سيخرج، نرجو أن يكون قريبًا.

السؤال: طيب، إذا نسي سجود السهو؟

إنسانٌ مثلًا نسي التشهد الأول، واستمر في صلاته على أنه سيسجد في آخر الصلاة سجود السهو، ثم نسي أن يسجد سجود السهو.

هذا رجلٌ يقول: والله من أسبوعٍ صليت صلاةً، وكنتُ نسيتُ التشهد الأول، على أني سأسجد للسهو، لكني نسيتُ.

الجواب: جمهور الفقهاء يقولون: لا شيء عليه مع طول الفصل.

هناك قولٌ آخر لأبي العباس بن تيمية رحمه الله: أنه يسجد للسهو ولو طال الفصل، ولكن الراجح هو قول الجمهور؛ لأن القول بأنه يسجد للسهو ولو طال الفصل يَرِد عليه لوازم؛ ماذا لو كان قبل عشر سنين، يسجد للسهو الآن؟!

فهذا لا يتفق مع الأصول والقواعد الشرعية فيما يظهر، والأقرب -والله أعلم- هو قول الجمهور: وهو أنه إذا طال الفصل ليس عليه شيءٌ، لكن إذا تعمد ترك السهو فهنا لا، إذا تعمد ترك سجود السهو فقد أخلَّ بصلاته، ولا أحد يتعمد ترك ركنٍ، لكن ما من أحدٍ يتعمد ترك ركنٍ أو واجبٍ، أو ترك سجود السهو؛ لأن الإنسان ما أتى يصلي إلا وهو يبتغي فضلًا من الله ورضوانًا.

السؤال: إذا قال: الله أكبر، بدلًا من: سمع الله لمَن حمده، هل يسجد للسهو؟

الجواب: نقول: هذا فيه تفصيلٌ؛ إذا استدرك، قال: الله أكبر، ثم تذكر وقال: سمع الله لمَن حمده، هنا لا شيء عليه، أما إذا لم يستدرك، لم يقل: سمع الله لمَن حمده، فيكون قد أخَلَّ بواجبٍ من واجبات الصلاة، وهو قول: “سمع الله لمَن حمده” للإمام وللمنفرد، فعليه أن يسجد سجود السهو؛ لأنه ترك واجبًا من الواجبات.

ولعلنا نختم بهذا السؤال، ونترك بقية الأسئلة ليوم غدٍ.

السؤال: يستبعد أن الإمام أحمد صلى ثلاثمئة ركعةٍ؛ لأن ذلك مستحيلٌ، هل هذا صحيحٌ؟

الجواب: هذا غير صحيحٍ، مسألة الاستبعاد غير واردةٍ؛ لأنك لو جربتَ أنت وصليتَ صلاةً خفيفةً، فإنك سوف تصلي هذا القدر أو قريبًا منه، وهذا يُسميه بعضهم بالحَذْف، يعني: يصلي صلاةً خفيفةً يطمئن فيها، فالطمأنينة ركنٌ من أركان الصلاة، لكنه يُخففها، فكان الإمام أحمد رحمه الله يُخصص جزءًا كبيرًا من الليل للصلاة، فلا نقيس الإمام أحمد على واقعنا وما نحن عليه من الضعف.

فهذا أمرٌ غير مُستبعدٍ، وأمرٌ ممكنٌ، وتُشبه هذه المسألة مسألة: لما ذُكِرَ في أحد الدروس أو أحد الكتب: أن الإمام الشافعي رحمه الله يختم في رمضان ستين مرةً، قال بعض الناس: كيف هذا؟!

وجدتُ هنا -يا إخوان- مَن يختم القرآن في رمضان تسعين مرةً، هذا فضل الله، وفضل الله يُؤتيه مَن يشاء، وقد تكون عند الإنسان سرعةٌ في القراءة من غير إسقاط شيءٍ من الحروف؛ أن يكون حافظًا حفظًا مُتقنًا، ليس كغيره، وقد يكون بالنسبة للصلاة كذلك؛ يُخصص جزءًا كبيرًا من الوقت، وربما أيضًا يُخفف الصلاة، ويُخفف القراءة، ويُخفف الركوع والسجود، مع الإتيان بالطمأنينة، فهذا الأمر ليس أمرًا مستحيلًا.

وإن شاء الله نستكمل غدًا الدرس، ونُجيب عن بقية الأسئلة التي لم يتسع الوقت للإجابة عليها.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 1036، وابن ماجه: 1208، وأحمد: 18222.
^2 رواه مسلم: 132.
^3 رواه البخاري: 5269، ومسلم: 127.
^4 رواه البخاري: 3276، ومسلم: 134.
^5 رواه أبو داود: 4722.
^6 رواه مسلم: 134.
^7 رواه مسلم: 571.
^8 رواه البخاري: 401، ومسلم: 572.
^9 رواها البخاري: 482، ومسلم: 573.
^10 سبق تخريجه.
^11 رواه البخاري: 1203، ومسلم: 422.
^12 رواه مسلم: 1394.
^13 رواه مسلم: 1396.
^14 رواه البخاري: 3282، ومسلم: 2610.