logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(75) باب ركني النكاح وشروطه- من قوله: “ركناه: الإيجاب والقبول..”

(75) باب ركني النكاح وشروطه- من قوله: “ركناه: الإيجاب والقبول..”

مشاهدة من الموقع

باب ركني النكاح وشروطه

قال المؤلف رحمه الله:

باب: رُكْنَي النكاح وشروطه.

تعريف الركن

(بابُ رُكْنَي) “رُكْنَي” تثنية رُكْنٍ، والرُّكْنُ: هو الجانب الأقوى؛ ولذلك تُسمَّى الزاوية “رُكْنًا”؛ لأن أقوى ما في الجدار زاويته؛ لأنها مدعومة من الجانبين.

وأما معنى الركن في الاصطلاح فهو: “ما كان من ماهِيَّة الشيء ولا يتم الشيء إلا به”. وبهذا يختلف الركن عن الشرط: فالشرط ليس من ماهِيَّة الشيء، وإن كانا يتفقان أنه لا يتم إلا به، لكن الركن من ماهِيَّتِه، بينما الشرط ليس من ماهِيَّتِه.

الطهارة مثلًا ليست من ماهية الصلاة، لكن تكبيرة الإحرام من ماهِيَّتها.

قال: (رُكْنَي النِّكاح) وهنا اقتصر على ركنين:

الإيجاب والقبول  مُرَتَّبين

قال:

رُكْناه: الإيجاب والقبول  مرتَّبَين.

وفي “زاد المستقنع” جعلها أربعة، فأضاف: الزوجين الخاليين من الموانع، فعندنا الركن الأول: الإيجاب، والثاني: القبول، والثالث: الزوج، والرابع: الزوجة.

الأقرب أنها أربعة، وليس ركنين فقط، لكن مَن يترك ذِكر الزوجين فلا يعدُّهما في الأركان فباعتبار أن هذا أمر ظاهر. لكن الأحسن أن يُذكَرَا في الأركان كما ذكر ذلك صاحب “الزاد”، لكن قول صاحب “الزاد”: “الزوجين الخاليين من الموانع” يعني زيادة “الخاليين من الموانع” هذه تدخل في الشروط لا في الأركان.

ولذلك؛ فالصواب أن يُقال: إن أركان النكاح أربعة: الإيجاب، والقبول، والزوج، والزوجة. وإن شئت قلت: الإيجاب، والقبول، والزوجان. فهذه أركان النكاح.

الزوجان هذا ظاهر. الإيجاب والقبول؛ الإيجاب معناه: “اللفظ الصَّادر مِن الولي أو مَن يقوم مقامه”. والقبول: “اللفظ الصادر من الزوج أو مَن يقوم مقامه”.

إذن؛ الإيجاب والقبول؛ الإيجاب هو: اللفظ الصادر من الولي، والقبول: اللفظ الصادر من الزوج، أو مَن يقوم مقامهما.

هنا قال: “مُرَتَّبين” يعني: لا بد أن يتقدَّم الإيجاب على القبول، فيقول الولي: “زوَّجتك”، ويقول الزوج: “قبلتُ”.

فإن لم يقعا مُرَتَّبين بأن تَقَدَّم القبول على الإيجاب، فقال مثلًا: “أتزوجني ابنتك؟”، فقال: “زوجتك”، هنا تقدَّم القبول على الإيجاب؛ فلا يصح النكاح على المذهب عند الحنابلة. وهو من المفردات.

وسبق أن مرَّ معنا هذا المصطلح في دروس سابقة، إذا قلنا: “من المفردات”؛ فنعني: انفرد به الحنابلة عن بقية المذاهب.

فإذن؛ المذهب عند الحنابلة يقولون: إذا تقدَّم القبول على الإيجاب فإنه لا يصح النكاح. وقلنا: هذا من المفردات. وعلَّلوا لذلك قالوا: لأن القبول إنما يكون للإيجاب، فمتى وُجِد قبله لم يكن قبولًا، كما لو تقدَّم بلفظ الاستفهام.

والقول الثاني في المسألة: إنه يصح تقدُّم القبول على الإيجاب، فلو قال: “أتزوجني ابنتك؟”، قال: “زوجتك”؛ صح.

وهذا هو قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة، واستدلوا بقصة الرجل الذي قال للنبي : إن لم يكن لك بها -يعني: الواهِبة نفسها- حاجة فزوِّجنيها. قال : زوجتكها بما معك من القرآن. هذا الحديث في البخاري: لمَّا أتت امرأة ووهبت نفسها للنبي ، فقال: صوَّب النظر إليها، ثم قال: لا حاجة لي في النساء. فقال رجل ممن حضر مجلس النبي عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجة، زوِّجنيها. قال : ما تُصْدِقُها. فقال: إزاري. قال : إن أعطيتَها إزارك لم يكن عليك شيء. فقال : الْتَمِس ولو خاتمًا من حديد. ثم لم يجد، فقال : تحفظ من القرآن شيئًا؟. قال: نعم، سورة كذا وكذا. قال : زوَّجتُكَها بما معك من القرآن[1].

فهنا وجه الدلالة: أن القبول تقدَّم على الإيجاب، قال: زوِّجنيها. قال : زوَّجتُكَها، فتقدَّم القبول على الإيجاب، ولم يُنْقَل -كما قال الموفق ابن قدامة- أن النبي قال له: “قُلْ: قبلت”، لم يُنقل، ولو قال: “قل: قبلتُ” لَنُقِل واشتُهر.

فدل ذلك على أنه يصح تقدُّم القبول على الإيجاب؛ ولأنه قد وُجد الإيجاب والقبول مجتمعين فصحَّ، كما لو تقدم الإيجاب على القبول.

والقول الراجح والله أعلم: هو قول الجمهور القول الثاني: أنه يصح النكاح مع تقدُّم القبول على الإيجاب، هذا هو القول الراجح والأظهر من حيث الدليل، ورجَّحه الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله، ودلالته ظاهرة، فإن حديث الواهِبة نفسها ظاهر في ذلك.

وأيضًا، لا مانع يمنع من هذا، ليس هناك مانع يمنع مِن تقدُّم القبول على الإيجاب، خاصة إذا كان بلفظ الاستفهام أو الطلب أو نحوه.

فإذن؛ يكون الصواب هو خلاف ما ذهب إليه المؤلف مِن كونهما مُرَتَّبين، والصواب: أنه لا يُشترط أن يكونا مُرَتَّبين.

هل يصح النكاح هزلًا؟

قال:

ويصح النكاح هَزْلًا.

يعني: ولو كان على سبيل الهَزْل.

والهَزْلُ: هو مقابل الجِدِّ؛ وذلك لحديث أبي هريرة  أن النبي  قال: ثلاثٌ جِدُّهنَّ جِدٌّ، وهَزْلُهنَّ جِدٌّ؛ النِّكاح، والطلاق، والرَّجْعة [2]. وهذا الحديث حديث مشهور، أخرجه أبو داود والترمذي، وأخرجه الحاكم في “المستدرك” وصححه، وله طرق متعدِّدة، وحسَّنه الألباني في “إرواء الغليل”.

ولكن في إسناده عبدالرحمن بن حبيب بن أَرْدَك، هذا وإن كان وثَّقه ابن حِبَّان، إلا أن ابن حِبَّان متساهلٌ في التوثيق؛ ولذلك فإن النسائي قال: “إنه منكر الحديث”، وضعَّفه ابن المَدِيني، وقال الحافظ ابن حجر: “إنه لَيِّن الحديث”. ومع وجود هذا الرجل في إسناده يكون ضعيفًا؛ لهذا قال الترمذي: “إنه غريب”، قال: “حديثٌ حسنٌ غريبٌ”، وقول الترمذي: “غريب” فيه إشارة إلى ضعفه، إذا قال الترمذي: “غريب” فهو يُشير إلى ضعف الحديث.

وكذلك أيضًا ضعَّفه ابن القطَّان، وضعَّفه كذلك ابن حزم، وكذلك الذهبي في “التلخيص”، وضعَّفه كذلك ابن المُلَقِّن في “البدر المنير”.

فالأقرب أنه ضعيف، وأن ما ذَكَره الألباني من طُرُقٍ وشواهد لا ترتقي بهذا الحديث إلى درجة الحسن، فهو مع اشتهاره إلا أنه لا يصح ولا يثبت. ولكن، قال الترمذي لمَّا قال: إنه حديث حسن وغريب، قال: “والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم”. فهو وإن كان ضعيفًا من جهة الإسناد، إلا أن العمل عليه عند أهل العلم.

ولذلك؛ أخذوا بهذا الحكم الذي دَلَّ عليه، فقالوا: إن النكاح يصح هَزْلًا؛ وذلك لأن النكاح من الأمور العظيمة التي لا ينبغي أن يدخلها الهَزْل والمزاح، فلو قال على سبيل المزاح: زوَّجتك ابنتي، فقال: قبلتُ؛ انعقد.

وأذكر مرةً أني دخلت قاعة في إحدى الكليات، وكان أحد الطلاب متزوجًا، ورُزِق ذلك اليوم بِبُنَيَّة، فقال له أحد زملائه: “زوِّجنيها”، قال: “زوَّجتُكَ”، قال: “قبلتُ”، فلما دخلتُ سألوني السؤال، قال: هل انعقد النكاح؟ قلت: نعم، انعقد. ينعقد نكاح الهازل، ينعقد حتى وإن قلنا بضعف الحديث، لكن عندك أكثر أهل العلم أنه ينعقد. فكان في أول الأمر أَخَذ الأمر بالهَزْل ويضحك، بعد ذلك تغيَّر وجهه، وقلت: لا بُد أن تُحَلَّ الإشكالية، لا بُد أن يُطلِّقها وإلا هي زوجته، فرفض زميله أن يُطلِّقها، ولا أدري ماذا تم في الموضوع.

إذن؛ نكاح الهازل يصح وينعقد حتى وإن كان على سبيل المزاح والهَزْل.

ومثل ذلك أيضًا ذِكر الفقهاء نكاح “التلجئة”، وهي: أن يلجأ إلى تزويجها لسببٍ من أسباب، كأن يتقدم لخطبتها رجل ولا يُريد تزويجه فيُزَوِّجها شخصًا آخر لا يرغب فيه، لكن حتى لا يتزوج بها فلان، أو مثلًا يُريد أن يعصمها، مثل وقوع حرب -مثلًا- واضطراب أمن، فيُريد أن يتزوج بها رجل وينتقل بها، أو نحو ذلك من الأسباب. فهذا أيضًا يصح وينعقد، فهو كنكاح الهازِل.

عقد النكاح بغير العربية

قال:

وبكلِّ لسانٍ من عاجزٍ عن عربيٍّ.

يصح (بكُلِّ لسان)؛ أي: أنه لا يُشترط أن يكون باللغة العربية، فمن كان لا يُحسن اللغة العربية فيعقد النكاح بِلُغَتِه، ويصح ذلك في قول عامة أهل العلم، ولا يلزمه أن يتعلَّم اللغة العربية، وكذلك أيضًا حتى باللغة العربية، هو ينعقد بكُلِّ ما دلَّ عليه.

ولهذا؛ قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: “ينعقد بما عَدَّه الناس نكاحًا بأيِّ لغة ولفظ”، قال: “ولم يُنقل عن أحمد أنه خصَّ بلفظ إنكاح أو تزويج“؛ لأن الله تعالى أطلق النكاح فقال: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3]، فكُلُّ ما سُمِّي نكاحًا فهو نكاح. ولهذا؛ جاء في حديث الواهِبة نفسها، جاء عدة روايات: زوَّجتُكَها بما معك من القرآن، وجاء في روايةٍ أخرى: ملَّكْتُكَها بما معك من القرآن.

ومن المعلوم أنه عند رواية الحديث بالمعنى لا يجوز أن يُؤتى بمعنى يُخِلُّ، يُغِيِّر المقصود، فكون بعض الرواة نقلوها بلفظ: ملَّكْتُكَها دليل على أنهم فهموا أنه لا فرق بين مثل هذه الألفاظ في الحكم، فلا فرق بين أن يقول: زوَّجْتُكها أو ملَّكْتُكَها.

وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عنده قاعدة: وهي أن جميع العقود -بما فيها عقد النكاح- تنعقد بكُلِّ ما دَلَّ عليها من قول أو فعل.

فإذن، ينعقد النكاح بأيِّ لغة، ينعقد كذلك حتى في اللغة العربية لمن يتحدث بها، ينعقد بأيِّ لفظ يدُلُّ على معنى النكاح، ولا ينحصر في لفظ النكاح أو التزويج.

فمثلًا؛ بعض العامة إذا قيل: “قل: زوجتك ابنتي”، يقول: “جوَّزتك”، يُقدِّم الجيم على الزاي، بدل “زوَّجتك”، جوزتك؛ فعلى المذهب: أنه لا يصح، لكن على القول الراجح يصح، وعلى قول شيخ الإسلام يصح؛ لأنه يصح النكاح بكُلِّ ما دَلَّ عليه من قول أو فعل.

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، يَرِدُ إشكالات كثيرة، لو أخذنا بهذين اللفظين، يعني أحيانًا لا يُتقيَّد بهذه اللفظين.

لا يصح العقد بالكتابة ولا بالإشارة

قال:

لا بالكتابة والإشارة، إلا من أخرس.

يعني: (لا) يصح العقد (بالكتابة) ولا بالإشارة لغير الأخرس؛ لأن النكاح عقدٌ عظيم، وسمَّاه الله : مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:21]، فلا يُستهان به، ولا يُكتفَى بالكتابة، لا بد من النطق، ولا بد من أن يُؤتَى بالإيجاب والقبول. لكن الكتابة -ما يكتبه الناس- هي للتوثيق فقط؛ ولذلك لو حصل الإيجاب والقبول من غير كتابةٍ انعقد النكاح.

الناس هنا في المملكة قبل خمسين عامًا كان زواجهم من غير كتابة، يقول: “زوجت”، فيقول: “قبلت” بحضور شاهدين، فلا يُشترط إذن الكتابة، الكتابة إنما هي للتوثيق فقط، وبعض العامة يعتقد أنه لا بد من الكتابة، وهذا فهمٌ غير صحيح، الكتابة للتوثيق، بل لو وُجِدت الكتابة ولم يوجد الإيجاب والقبول لم يصح، فلا بد من الإيجاب والقبول.

قال: (والإشارة) أيضًا، ما تكفي الإشارة إلا من الأخرس، فالأخرس يُجزئ أو يصح النكاح منه بالإشارة، لكن المُفهِمة، ومعنى “المُفهمِة” أي: التي يفهمها صاحبها، وهو مثلًا الزوج إن كان وليًّا، أو الوليُّ إن كان زوجًا، وكذلك الشهود يفهمون مقصوده بها.

وإذا صح النكاح أو العقد من الأخرس بالإشارة، فبالكتابة من باب أولى، الكتابة من باب أولى.

وأذكر أنني عقدتُ ذات مرة لأخرس فطلبتُ منه الأمرين جميعًا، فأتى بإشارة مُفهِمة، وأيضًا من باب الاحتياط كَتَب، فمثْلُ هذا يُحتاط له، فإن أُتي بالكتابة وبالإشارة فهو أولى، مع أن إحداهما تكفي، لكن الإشارة لا بد أن تكون إشارة مُفهِمة.

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، في قولٍ لبعض أهل العلم، هذه مسألةٌ أخرى، إذا كان يتكلم باللغة العربية وأراد أن يعقد بغير العربية، فيها كلامٌ لأهل العلم.

شروط صحة النكاح

قال:

وشروطه خمسة.

يعني: شروط صحة النكاح خمسة، وهذه الشروط هي: تعيين الزوجين، والرِّضا -ونَعُدُّها إجمالًا- والوليُّ، وكذلك شهادة الشهود، والخامس: خُلُوُّ الزوجين من الموانع. هذه الشروط إجمالًا.

الشرط الأول: تعيين الزوجين

نبدأ بالشرط الأول: وهو تعيين الزوجين؛ قال:

وشروطه خمسة: تعيينُ الزَّوجين.

وهذا هو الشرط الأول؛ فلا يصح “زوَّجتُك بنتي” وله غيرها، ولا “قَبِلْتُ نكاحها لابني” وله غيره حتى يُميَّز كلٌّ منهما باسمه أو صفاته.

إذن؛ لا بد أولًا من تعيين الزوجين، فمع عدم التعيين لا يصح النكاح، كما مثَّل المؤلف: إذا زوَّج فقال: “زوجتك بنتي”، وله أكثر من بنت فلا يصح؛ لأنه يحتمل أن يقصد فلانة أو فلانة أو فلانة، لا بد أن يُسمِّيها، إلا إذا لم يكن له إلا بنت واحدة فلا بأس، ولا يصح أيضًا أن يقول: “قبلتُ نكاحها لابني” إذا كان وكيلًا، مِن غير أن يُعيِّن “ابني فلانًا” إذا كان له أكثر من ابن.

فيُشترط إذن التعيين؛ لأن المقصود في النكاح التعيين، فلا يصح بدونه، وهذا ظاهر، هذا الشرط ظاهر وهو متفق عليه.

الشرط الثاني: رضا الزوجين

قال:

الثَّانِي: رضا زوجٍ مكلَّفٍ.

“الرضا” الشرط الثاني، “الرضا” رضا الزوجين، والمؤلف بدأ برضا الزوج، فلا بد مِن رضاه؛ وذلك لأن العقد له؛ فاعتُبِرَ رضاه كالبيع.

هنا قال: (رضا زوجٍ مكلَّفٍ)؛ يعني: أن يكون بالغًا عاقلًا.

ولو رَقِيقًا.

حتى ولو كان هذا الزوج رَقِيقًا فلا بد مِن رضاه.

يُفهَم من هذا أنه إذا كان غير مكلف فلا يُشترط رضاه؛ ولذلك قال:

حكم تزويج غير المكلف

فيُجبِرُ الأبُ -لا الجَدُّ- غيرَ المكلَّفِ.

ولهذا؛ قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “أما الغلام العاقل فلا نعلم بين أهل العلم خلافًا في أن لأبيه تزويجه”؛ يعني: من غير رضاه. وقد ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما زوَّج ابنه وهو صغير.

فإذن؛ له أن يُزوِّج أولاده الصغار بغير رضاهم، يعني: طفل عمره مثلًا سنة، سنتان، أربع سنوات، هذا لا إذْنَ له ولا يُعتَبر رضاه، لو أراد أبوه أن يُزوِّجه فهنا لا يُعتبَر رضاه كما ذكر ذلك الموفق اتفاقًا بين أهل العلم.

وهل يصح تزويج الصغير الذي عمره سنة أو أشهر؟ يصح، لا مانع، لا حَدَّ لسِنِّ الزواج، فقد يستفيد، يعني: قد يكون هذا الصغير مثلًا له وضع خاص، ويُريد الأب أن يُزَوِّجه لأجل المَحْرَمِيَّة، أو لأيِّ سببٍ من الأسباب، هنا لا بأس بتزويجه وهو صغير.

فإذن؛ يُستثنى من هذا الأولادُ الصغار، وكذلك أيضًا المجانين، فله أن يُزوِّج ابنَه المجنون بغير رضاه؛ والمقصود بالمجنون هنا يعني: المعتوه، أما المجنون جنونًا مُطبِقًا فقد لا يتَأَتَّى تزويجه، لكن المقصود هنا ناقص العقل قليل الفهم، إذا كان له شهوة ورأى ميله مثلًا للنساء فيُزوِّجه أبوه، ومن غير رضاه.

وكذلك أيضًا بناته الأبكار بغير إذنهم، ولو كانت بالغةً فهذه سيأتي الكلام عنها.

إذن؛ قال: (فيُجبِرُ الأبُ -لا الجَدُّ- غيرَ المكلَّفِيعني: فله أن يُزوِّجه، سواءٌ كان غير بالغ أو كان مجنونًا، لكن المقصود بالمجنون: المعتوه، يعني: قليل الفهم.

فإن لم يكن. 

يعني: فإن لم يكن الأب.

فوصيُّهُ.

أي: فوصيُّ الأب يقوم مقامه.

فإن لم يكن.

يعني: وصيُّه.

فالحاكم.

الذي هو القاضي.

لحاجةٍ.

إذا رأى المصلحة في ذلك.

ولا يَصِحُّ مِن غَيرِهِم.

يعني: مِن غير هؤلاء الثلاثة، وهم: الأب، والوَصِي، والحاكم.

أن يُزوِّج غيرَ المكلَّف، ولو رَضِيَ.

وذلك لأنه إذا كان لا يملك تزويج الأنثى مع قصورها، فالذَّكَرُ أولى، الذَّكَر أولى.

إذن؛ هذا خاصٌّ فقط: بالأب، أو الوصي، أو الحاكم، هو الذي يُزوِّج غيرَ المُكلَّف.

هل يشترط رضا المرأة على الزواج؟

وأما بالنسبة للإناث ففصَّل الكلام فيها؛ قال:

ورِضَا زوجةٍ حُرَّةٍ عاقلةٍ ثَيِّبٍ.

يعني: لا بد من رضا المرأة الثَّيِّب، لا بد من رضاها؛ وذلك لقول النبي : لا تُنْكَحُ الأيِّمُ حتى تُسْتَأْمَر، ولا تُنْكَحُ البِكْر حتى تُسْتَأْذَن، قالوا: وما إذنها يا رسول الله؟ قال: صُمَاتُها، أو قال: أن تسكت[3]. فهنا فرَّق النبي بين الثَّيِّب وبين البِكْر، فهنا الثَّيِّب لا بد مِن أن تُستَأمَر، ولا بد من أن يأخذ منها التصريح بالموافقة على الزواج؛ ولهذا قال: (ورضا زوجة حرة عاقلة ثيب).

قال:

تمَّ لها تسعُ سنين.

فهذه لا بد إذن مِن رضاها؛ لصراحة الحديث في هذا.

قال:

ويُجبِر الأبُ ثَيِّبًا دون ذلك.

يعني: دون تسع سنين.

وبِكرًا ولو بالغة.

فأفاد المؤلف بأنَّ الأبَ خاصةً، له أن يُجبِر مَن كانت دون تسع سنين، سواءٌ كانت بِكْرًا أو ثيِّبًا، فدون تسع سنين لا إذن لها، ولا يُعتبر رضاها، لكن بشرط أن يكون الزوج كُفؤًا.

وقد نقله الموفق ابن قدامة اتفاقًا بين أهل العلم، نقل اتفاق العلماء على ذلك، ونقله كذلك الوزير ابن هُبَيرة اتفاقًا، لكن اتفاق الوزير يُقصد به اتفاق المذاهب الأربعة.

والأصل في هذا أن أبا بكر الصديق زوَّج رسولَ الله عائشةَ رضي الله عنها وهي بنتُ ستِّ سنين، يعني: عَقَد عليها النبي عليه الصلاة والسلام وهي بنتُ ستٍّ، ودخل بها وهي بنت تسع. فإذن؛ هذا حُكِيَ اتفاقًا، إذا كانت دون تسع سنين.

قال:

وبِكرًا ولو بالغة.

هنا قسَّم النساءَ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:

  • الأول: الثَّيِّب التي لها تسع سنين فأكثر، هذه لا بد مِن رضاها.
  • الثاني: مَن كانت دون تسع سنين، هذه لا إذْنَ لها، وهذا بالاتفاق. هذان القسمان بالاتفاق.
  • القسم الثالث: أن تكون بِكْرًا بالغة، فهل يُشترط رضاها أو لا يُشترط؟ المؤلف يرى أنه لا يُشترط رضاها، وهذا أحد قولي العلماء في المسألة.

فإذن؛ المذهب عند الحنابلة أن لأبيها خاصة دون سائر الأولياء له أن يُجبرها. وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو أيضًا مذهب المالكية والشافعية، يعني: قول الجمهور، قول الجمهور: أن للأب خاصة أن يُجبر ابنته البِكْر البالغة.

واستدلوا لذلك بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال: الأيِّمُ أحقُّ بنفسها من وليِّها والأيِّم: هي الثيب والبكر تُستأمَر، وإذنها صُماتها. هذا الحديث في الصحيحين[4].

ووَجْه الدلالة كما قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: أن النبي قسَّم النساء إلى قسمين: الأيِّم التي هي الثيِّب، فهذه أثبَت لها الحق، فيُفهَم منه أن الأخرى ليس لها الحق في الإذن.

ففرَّق النبي في التعبير بينهما، قال: الأيِّمُ أحقُّ بنفسها من وليِّها، والبكر تُستأمَر، وفي لفظ: تُستأذن، وإذنها صُماتهافأثبت النبي عليه الصلاة والسلام الحق للأيِّم؛ فدلَّ ذلك على نفيه عن البكر؛ لأنه قال: والأيِّم أحقُّ بنفسها؛ فدلَّ ذلك على أن البكر ليست أحقَّ بنفسها مِن وليِّها، فيكون وليُّها أحقَّ منها.

وأما استئذانها فعلى سبيل الاستحباب، هذا هو القول الأول في المسألة، وعمدتهم هذا الحديث.

القول الثاني في المسألة: أنه ليس للأبِ إجبار ابنته البكر البالغة، بل ولا يصح النكاح إذا أجبرها. وهذا هو مذهب الحنفية، ورواية عند الحنابلة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الذي عليه الفتوى الآن، فتوى مشايخنا على هذا: شيخنا عبدالعزيز ابن باز، والشيخ محمد ابن عيثمين، والذي عليه الفتوى الآن، رحمة الله تعالى عليهم أجمعين.

واستدلوا بحديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي قال: لا تُنكح الأيِّم حتى تُستأمر، ولا تُنكح البكْر حتى تُستأذَن، قالوا: وما إذنها؟ قال: أن تسكت، وفي رواية إذنها صُماتها[5].

قالوا: فصرَّح النبيُّ بأنَّ البِكْر لا تُنكح حتى تُستأذَن، لكنه فرَّق بينها وبين الثيب؛ لأن الثَّيِّب تكون في الغالب أكثر جرأة من البِكْر، فالاختلاف إنما هو في أسلوب أخذ الإذن، وليس في نفي الإذن عن البِكْر، وإنما الثيِّب لا بد أن تُعلن صراحةً قبولها بالزواج، وأما البكْر فيكفي مجرد الإشارة ولو بالصمت.

وأيضًا استدلوا بما جاء في “صحيح البخاري”: أن خَنْساء بنت خِذَام أنكحها أبوها وهي كارهة، فرَدَّ النبي ذلك. وهذا الحديث في “صحيح البخاري”[6]، وهو صريح الدلالة في اشتراط رضا البِكْر.

وجاء في رواية أبي داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما هو أصرح من هذا: أن جاريةً بِكْرًا أتت النبي فذكرت له أن أباها زوَّجها وهي كارهة، فخيَّرها النبي [7]، وجاء في بعض الروايات: أنها اختارت الزوج، لكن قالت: أردت أن أُبيِّن أن للنساء حقًّا. يعني: أن لهُنَّ حقَّ الإذْنِ.

فهذه الأدلة تدل على اشتراط الرضا للمرأة البِكْر، وهذا هو القول الراجح في المسألة: أنه يُشترط رضا المرأة، وأنه لا فرق بين البِكْر والثَّيِّب في هذا، وأنَّ ما ورد في الحديث من الاختلاف إنما هو اختلافٌ في أسلوبِ معرفةِ رِضَا المرأة، لا نفيٌ لإذْنِ البِكْر، وإنما هو أسلوبٌ لمعرفة مدى رضاها؛ لأن الثيِّب أجرأ من البكْر في الغالب.

هذا حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.

تزويج اليتيمة

ثم قال المؤلف رحمه الله:

ولكلِّ وليٍّ تزويجُ يتيمةٍ بلغت تسعًا بإذنها، لا مَن دُونها بحالٍ، إلا وصِيُّ أبيها.

وليُّ اليتيمة له أن يُزوِّجها إذا بلغت تسعًا، أما دون التسع فليس له ذلك؛ لأن هذا الحكم -وهو تزويج مَن دون التِّسع بدون رضاها- إنما هو خاصٌّ كما ذكرنا بالأب أو وصيِّه أو الحاكم، دون سائر الأولياء. فوليُّ اليتيمة ليس له أن يُزوِّجها قبل التسع، إذا بلغت تسعًا فيُزوِّجها بإذنها.

والخلاف السابق إنما هو في الأب، وهذه امرأة يتيمة؛ فإذن لا بد في اليتيمة من إذْنِها، بِكْرًا كانت أم ثيِّبًا.

(لا مَن دونها بحالٍ، إلا وصِيُّ أبيها)؛ “لا مَن دونها” يعني: لا مَن كان أقلَّ مِن تسع، فليس لوليِّها أن يُزوِّجها مطلقًا حتى ولو رضيت؛ لأنه لا إذْنَ لها، “إلا وصِيُّ أبيها” فيقوم الوصِيُّ مقام أبيها.

إذْنُ الثيِّب والبِكْر

قال:

وإذنُ الثَّيِّب..

استطرد المؤلف وبَيَّن كيف يكون إذْنُ الثَّيِّب والبِكْر.

وإذنُ الثَيِّبِ الكلامُ، وإذنُ البِكْر الصُّمَاتُ.

يعني: الثَّيِّب كما ذكرنا أجرأ مِن البِكْر، فلا بد أن تُصرِّح بقبولها الزواجَ مِن هذا الرجل، والبِكْرُ الغالبُ عليها الحَيَاء فتستحي أن تُصرِّح بذلك، فيكفي الصُّمَات.

وهذا يدل على أن المرأة ينبغي أن تُعوَّد على الحياء، خاصة في مثل هذه الأمور، وألا تتجرَّأ على الحديث في مثل هذه الأمور وهذه المسائل؛ بحيث إنها إذا ذُكِرَ لها الزواج أنها تستحي.

ولكن، إذا طبَّقْنا هذا على الواقع في الوقت الحاضر لَأَصْبَحَتِ الآن النساء الأبكار يُصرِّحن بالزواج، بل ويُفاصِلن ويسألن ويشترطن. هذا دليلٌ على أنه قَلَّ الحياء لدى كثيرٍ من النساء، وإلا فالأصل في المرأة خاصة المرأة البِكْر أنها تكون حَيِيَّة. ولذلك؛ فمجرد صُماتها إذْنٌ لها.

لكن، في وقتنا الحاضر قلَّ أن نجد امرأةً يكون إذنُها صُمَاتها، وهذا له أسباب كثيرة، ربما ليس المقام مقام الحديث عنها.

قال:

وشُرِط في استئذانها: تسمية الزوج لها على وجهٍ تقع به المعرفة.

وهذا لا بد منه، حتى لا يكون هناك إبهام وعدم معرفة.

إجبار السيد عبده وأمته على الزواج

قال:

ويُجِبر السيد -ولو فاسقًا- عبدَه غير المُكلَّف، وأمَتَه، ولو مُكلَّفة.

السيد له أن يُجبِر عبدَه غيرَ المكلف، أما إذا كان مكلَّفًا فسبق أن قلنا: إنه لا بد مِن رضاه، لكن عبده غير المكلف فله أن يُجبره، وكذلك أمَتُه ولو كانت مُكلَّفة، قال الموفق ابن قدامة: “لا نعلم خلافًا في أن السيد إذا زوَّج أمَتَه بغير إذنها أنه يصح، ثيِّبًا كانت أو بِكْرًا، صغيرةً كانت أو كبيرة؛ لأن منافعها مملوكة له، والنكاح معدود من منافعها”.

فإذن؛ السيد له أن يُزوِّج أَمَتَه، مكلفة كانت أو غير مكلفة، وله أن يُجبِر عبده غير المكلَّف، وأما المكلف فسبق أن ذكرنا اشتراط رضاه.

الشرط الثالث: الوَلِيُّ

قال: الشرط:

الثالث: الوَلِيُّ.

يعني: الشرط (الثالث) من شروط صحة النكاح: (الوَلِيُّ) في قول جمهور أهل العلم من الحنابلة والمالكية والشافعية؛ لقول النبي لا نكاح إلا بِوَلِيٍّ، هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والدارقطني والحاكم، وله طرق متعددة يشدُّ بعضها بعضًا[8].

وكذلك أيضًا حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي قال: أيُّما امرأةٍ نكحت نفسها بغيرِ إذْنِ وليِّها فنكاحها باطلٌ، باطلٌ، باطلٌ. رواه أبو داود والترمذي[9]. فهذه الأحاديثُ بمجموعها تدلُّ على اشتراط الولي.

ولأن النبيَّ وأصحابَه مِن بعده، إنما كان الذي يعقد هو الوليُّ.

وأيضًا من دلالة القرآنِ قولُ الله : وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ [البقرة:221]، فقال: وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ وقال: وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ دلَّ ذلك على أنه لا بد مِن وليٍّ يعقِدُ للمرأة.

وذهب الحنفية في المشهور مِن مذهبهم إلى أنه لا يُشترط الوليُّ، وأن المرأة لها أن تُزوِّج نفسها، وقالوا: إن هذه الأحاديثَ أحاديثُ ضعيفة، واستدلوا بحديث: الأيِّم أحقُّ بنفسها من وليِّها[10].

ولكن هذا القولَ قولٌ ضعيف، قول الحنفية في هذه المسألة قولٌ ضعيفٌ؛ ولذلك فالمتأخرون من فقهاء الحنفية تركوا هذا القول؛ وذلك لما يترتب عليه من الآثار الخطيرة؛ لأنَّ مثل هذا القول يفتح باب الزنا، فإذا أراد رجل أن يزني بامرأة يعقد عليها ثم يطلقها، يعني تقول: “زوَّجتك نفسي”، ويقول: “قبلتُ”، ثم بدل أن يزني بها يفجُر بها، يعني: يكون بهذه الطريقة، يَعتبر هذا نكاحًا.

هذا يفتح أبوابًا عظيمة من الشر ومن الفساد؛ لذلك فهو قول ضعيف؛ لهذا فالمتأخرون من الحنفية تركوا هذا القول، وليس لهذا القول حجة.

وأما قولهم: إن الحديث ضعيف؛ فإنه يشُدُّ بعضها بعضًا، فهي صحيحة بمجموع الطرق، ثم هَدْي النبي عليه الصلاة والسلام، وكما ذكرنا ظاهر دلالة القرآن يدل لهذا.

وأما حديث: الأيِّم أحقُّ بنفسها من وليِّها، هذا في مسألة استئذان الولي، بل إن هذا الحديث فيه دلالة على اشتراط الولي؛ لأنه أشار للولي، فقوله: أحقُّ بنفسها من وليِّها يعني: أنها لا بد من استئذانها، وأنه لا يكفي أن الولِيَّ يُزوِّجها من غير إذْنٍ، ولا بد من أن تُصرِّح بذلك، والأحاديث يُفسِّر بعضها بعضًا، والروايات يُفسِّر بعضها بعضًا.

لهذا؛ فإن قول الحنفية في هذه المسألة في غاية الضعف.

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، مطلقًا، يقولون: لا يُشترط الولي، لكنه قول ضعيف.

شروط ولي النكاح

قال:

وشُرِط فيه.

يعني: في الوليِّ، شروط.

ذُكُوريَّة، وعقل، وبلوغ، وحرِّية.

وذلك لأن المرأة لا تُزوِّج نفسها، فلا تُزوِّج غيرها. وكذلك أيضًا غير العاقل، وكذلك أيضًا غير البالغ، هؤلاء لا يُزوِّجون أنفسهم، فمن باب أولى أنهم لا يُزوِّجون غيرهم.

ولهذا؛ قال الإمام أحمد: “لا يُزوِّج الغلام حتى يحتلم، ليس له أمر”؛ يعني: الغلام لا يصح أن يَلِي عقد النكاح حتى يبلغ، حتى ولو كان قريبًا من البلوغ ليس له أن يعقِد.

قال:

واتِّفاقُ دِينٍ.

فلا بد من اتفاق الدِّين بين الوليِّ وبين المرأة، فلا ولاية لكافر على مسلمة، ولا ولاية لمسلم على كافرة؛ وذلك لأنه لا توارث بينهما؛ لقول الله : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]؛ ولقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:73]. فإذن؛ لا بد من اتِّفاق الدِّين.

وعدالةٌ ولو ظاهرة.

لا بد أن يكون الوليُّ عدلًا، لكن المقصود بالعدالة: العدالة الظاهرة؛ ويعني الفقهاء بها: مستور الحال، يعني: بألا يَظهر منه فِسْقٌ.

ورُشْدٌ.

لا بد أن يكون الوليُّ أيضًا رشيدًا، يُشترط في الوليِّ أن يكون رشيدًا، لكن ما المقصود بالرشد؟ ليس المقصود به الرُّشد في المال؛ ولذلك فسَّر المؤلف الرُّشد، قال:

وهو معرفة الكُفء ومصالح النِّكاح.

(وهو) أي: الرشد (معرفة الكُفء ومصالح النِّكاح)، وليس حِفظ المال، فإنَّ رُشْدَ كُلِّ مقامٍ بحسبه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “رُشْدُ كُلُّ مقام بحسبه”. فالرُّشد في المال غير الرُّشد في النكاح، الرُّشد في النكاح هو معرفة الكُفء ومصالح النكاح.

فبعض الناس مثلًا قد يكون رشيدًا في النكاح، لكنه سفيه في المال، رشيدٌ في النكاح يستطيع أن يختار الكُفء لموليته، لكنه في المال ما يعرف كيف يصرف المال، سفيهٌ، هنا يُحْجَر عليه، يكون رشيدًا في النكاح سفيهًا في المال.

وقد يكون العكس، قد يكون رشيدًا في المال سفيهًا في النكاح، في المال يُحسِن تدبير المال، لكن في النكاح إذا تقدَّم أحدٌ لموليته بدأ يضطرب، وبعض الناس عنده سوء ظَنٍّ بالآخرين، فيظن بالناس ظَنَّ السُّوء، وربما يكون عنده شيء من الأمراض النفسية، أو الإشكالات النفسية، كلما تقدم إنسان لموليته يبدأ يُشكِّك فيه، ويُسِيء به الظَّنَّ حتى لا يُزوِّج موليته. وهذا يحصل كثيرًا.

وتشتكي بعض النساء من أن وَلِيَّها لا يُزوِّجها، وأنه يرُدُّ بغيرِ سببٍ، فهذا يُعتبر سفيهًا، إذا كان لا يعرف الكفء ومصالح النكاح وأن هذه المرأة لها عمر إذا فات عليها هذا العمر ربما لا يطرق بابها خاطب، هذا يُعتبر سفهًا.

ولذلك؛ سيأتينا أنه تسقط ولايته، فبعض الناس قد يكون رشيدًا متدينًا، رشيدًا في المال، لكنه فيما يتعلَّق بولاية النكاح سفيه، كما ذكرنا كلما خطب إنسان موليته يبدأ يضطرب ويردُّه مباشرة، أو يحسب ألف حساب، ويُفكِّر ويُقدِّر ويخشى عواقب الأمور، وبعض الناس ليس عنده قدرة على اتخاذ القرار، يخشى من تبعاته، يخشى من المسؤولية، يخشى أن يفشل هذا النكاح، ولذلك تجد أنه يقول: أردُّه وأستريح، فيَرُدُّ هذا الخاطب، وهذا موجود في المجتمع، فمثل هذا يُعتبر سفيهًا، ولا يُعتبر رشيدًا في ولاية النكاح.

فإذن؛ لا يُفهم من الرُّشد أنه الرشد في المال، أو الرشد أنه متديِّن، لا، قد يكون متديِّنًا، وقد يكون رشيدًا في المال، لكنه سفيه فيما يتعلق بولاية النكاح لا يعرف الكفء، ولا يعرف مصلحة المرأة، فمثل هذا لا يُمَكَّن من الولاية على المرأة، وإنما يسقط فيه شرطٌ من شروط الولِيِّ، وتنتقل الولاية لمن بعده.

الأولى بالتقديم في ولاية النكاح

قال:

والأحقُّ بتَزويج الحُرَّة أبوها وإن علا.

أحقُّ الناس بتزويج المرأة الحرة هو أبوها؛ وذلك لأنه أكمل نظرًا وأشد شفقة.

وقوله: (وإن علا) يعني: أبوها، وإن علا أبوها؛ ولذلك قال:

فابنها.

فبناءً على ذلك؛ أيهما أولى: الجد أو الابن؟ الجد أولى. فإذن؛ الأب وإن علا هو المقدَّم، يليه قال:

فابنها وإن نزل.

الابن، وابن الابن وإن نزل.

فالأخ الشَّقيق، فالأخ للأب.

إذا لم يكن لها أب ولا ابن، فالأخ الشقيق، الأخ الشقيق مقدَّم على الأخ لأب.

طيب، إذا كان لها أكثرُ من أخٍ، فأيُّهم يُقدَّم؟ لها مثلًا أربعةُ إخوةٍ أشقاء، الأكبر هل يُشترط؟ لو زوَّج الأصغر قبل الأكبر، زوَّج الأصغر بغير إذْنِ ورضا الأكبر؟

مداخلة: …..

الشيخ: لا، يعني: امرأة لها أربعة إخوة أشقاء، ومتقاربون في العدالة، مستورو الحال ومتقاربون، فالصغير زوَّج، زوَّجها أخوها الصغير، ما علم الكبير إلا وقد عُقد النكاح.

مداخلة: …..

الشيخ: كانا متساويين في الرشد، مستورَي الحال، ومتقاربين، فزوَّجها الصغير، ثم بعد ذلك لما عقد لها أخبر الكبير، فما رَضي الكبير، هل نقول: النكاح لا يصح؟

مداخلة: …..

الشيخ: طيب، لو ما تشاوروا، إذا تشاوروا ليس عندنا إشكال، الكلام إذا لم يتشاوروا، حصل نزاع، قال الكبير: أنا ما رضيت، كيف يُزوِّج الصغير وأنا موجود؟

مداخلة: …..

الشيخ: هي ليس عندها إشكال، هي راضية.

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، إذن نقول: لا أثر للسِّنِّ، لا أثر للسِّن بالنسبة للإخوة، فلو زوَّج الصغيرُ صحَّ النكاح ولو بغير رضا الكبير، وهذا في قول عامة أهل العلم، لكن المروءة تقتضي تقديم الأكبر، من باب المروءة فقط، وإلا لو زوَّج الأصغر مع وجود الأكبر فلا بأس، حتى ولو لم يرضَ الأكبر فلا بأس، ما دام أن المرأة راضية.

فإذن؛ لا أثر للسِّن بالنسبة للأخوة الأشقاء، لكن الصحيح أن الشقيق مقدَّم على الأخ لأب؛ ولهذا قال المؤلف:

فالأخُ الشَّقيق، فالأخ للأب، ثم الأقرب فالأقرب، كالإرث.

يعني: على حسب الميراث في الترتيب.

طيب، فإن عُدِم؟ قال:

ثم السُّلطان.

(ثم السُّلطان) السُّلطان هو الإمام، أو مَن ينوب منابه، في وقتنا الحاضر: القاضي يقوم مقامه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها السابق: أيُّما امرأةٍ نكحت نفسها بغيرِ إذْنِ وليِّها فنكاحها باطلٌ، باطلٌ، باطلٌ قالت: وإن اشتَجَرُوا فالسلطانُ وليُّ مَن لا وليَّ له. أخرجه أبو داود الترمذي وابن ماجه وأحمد[11]. وقلنا: له طرق متعددة.

أو نائبه.

والذي ينوب عن السُّلطان في مثل هذه الأمور هو القاضي، فينوب عنه، وهذا هو الذي عليه العمل. 

لكن قال الإمام أحمد: “القاضي أحبُّ إليَّ مِن الأمير في هذا”؛ وذلك لأن القاضي في الغالب أن عنده من العلم الشرعي، ما ليس عند الأمير في هذا.

قال:

فإن عُدِمَ الكُلُّ، زوَّجها ذُو سلطانٍ في مكانها.

إن عُدِم هؤلاء كلهم، وهذا يحصل لبعض المسلمات في الغرب، عندما تُسلِم ويكون مثلًا أقاربها كلهم غير مسلمين، والدولة غير مسلمة، فهنا يُزوجها ذو سلطان؛ مدير المركز الإسلامي مثلًا أو نحوه، في مكانها.

فإن تعذَّر.

ما وُجِد عندها أحدٌ إطلاقًا، لا أقارب، والدولة مثلًا غير مسلمة، وليس عندها مركز إسلامي. 

متى توكل المرأة من يزوجها؟

قال:

وكَّلَت مَن يُزوِّجها.

تُوكِّل أحدًا من الناس يُزوِّجها؛ وذلك لأن اشتراط الوليِّ في هذه الحال يمنع النكاح بالكلية؛ لأنه لا حلَّ عندنا الآن، ليس عندنا أقارب لهذه المرأة، ما يوجد ذو سلطان في مكانه، فهنا تُوكِّل أحدًا من الناس فيُزوِّجها.

حكم تزويج الولي الأبعد للمرأة مع وجود الأقرب

قال:

فلو زوَّج الحاكم أو الوليُّ الأبعد بلا عذر للأقرب؛ لم يصح.

إذا زَوَّج الأبعدُ مع وجود الأقرب وبدون عذر لم يصح، فلو مثلًا زوَّج الأخ مع وجود الأب لم يصح النكاح إلا أن يأذن له، أو يكون هناك عذر، فإن افتَأَت عليه وقام وزوَّج فما يصح الزواج.

وهنا، تزويج الحاكم أو الولي الأبعد بلا عذر، يقول: إنه لا يصح؛ لأنه لا ولاية لهما، لا ولاية للحاكم والأبعد مع وجود الأقرب، فهو أشبه بالأجنبي، فإذا كان ليس له ولاية؛ فإنه لا يصح النكاح.

ثم ذكر المؤلف أمثلة للعذر؛ قال:

ومِن العُذر:  غَيبَةُ الوَليِّ فوق مسافة قصرٍ، أو تُجهل المسافة، أو يُجهَل مكانه مع قُرْبه.

يعني: إنسان غاب، ما ندري أين ذهب، وهذا يُتصوَّر أكثر في الزمن السابق، بعض الأولياء يُسافر ولا يُدرى أين ذهب، ينقطع عن الناس، يبحثون عنه ولا يجدون له أيَّ أثر، فهنا ما تُتْرك هذه المرأة تتضرَّر، لا بد من حلٍّ لهذه المشكلة.

فهنا نقول: تنتقل الولاية لمَن بعده، في وقتنا الحاضر أيضًا قد يُوجد بعض الناس المفقودين، يُسافر، يذهب لا يُدرى أين هو، فهنا أيضًا لا تُتْرك هذه المرأة بلا وليٍّ، وإنما تنتقل الولاية لمَن بعده.

لكن، ينبغي أن يكون ذلك عن طريق الحاكم، هذا هو الأصل لكن ليس ذلك بشرط، لكن من باب السياسة الشرعية للناس يُقال: ينبغي أن يكون عن طريق الحاكم، لكن من حيث الحُكم لو تُؤُكِّد من أن هذا.. يعني تأكَّدوا من أن هذا الوليَّ أنه فُقِد، له مدة طويلة، فيُزوُّجِها مَن بعده مباشرة من غير حاجة لأن يكون ذلك عن طريق المحكمة.

لكن، من باب السياسة الشرعية وضَبْط الأمور، الأحسن أن يكون عن طريق المحكمة، بأن تُنزَع ولاية الأول، وتنتقل الولاية لمَن بعده.

عضل الولي

قال:

أو يمنع مَن بَلَغت تِسْعًا، كُفئًا رَضِيَتْه.

وهذا ما يُسمِّيه الفقهاء بماذا؟

مداخلة: …..

الشيخ: بـ”العَضْل”، أحسنت. ما معنى العَضْل؟

العَضْل ذكره الله في القرآن: فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:232]، العَضْل: أن يمنع الوليُّ المرأةَ مِن أن تتزوَّج بمَن رضيتْ به.

وهنا، المؤلف بناءً على المذهب قال: (من بَلَغت تسعًا) بشرط أن يكون المتقدِّم لها كُفئًا، فليس للوليِّ أن يمنعها من الزواج ما دام أنها قد رضيتْ به، وهو كفء، وليس فيه مَطعن، ليس له أن يمنعها من ذلك.

لأن الولي مُؤتمَن على تزويج هذه المرأة، مؤتمن على اختيار الأصلح لها، على اختيار الكفء، الزوج الكفء، فإذا منعها مِن أن تتزوَّج بالكفء فقد خان الأمانة، فتسقط ولايته.

لأن ولايته ليست لأجل التحكُّم فيها ولأجل الوصاية عليها، وإنما الولاية عليها لأجل اختيار الأصلح والأكفأ، فإذا كان هذا الولي يمنعها من الأصلح والأكفأ فتسقط ولايته وتنتقل لمَن بعده، فإن امتنع -والغالب أن الأولياء بعد هذا الوليِّ يُجاملون الوليَّ، يُجاملونه أو يخشون مِن شرِّه فيمتنعون- تنتقل لمَن بعده، ولمَن بعده، وهكذا إلى أن تصل إلى القاضي، فيُزوِّجها القاضي.

وقد ذكَر الفقهاء: أن الوليَّ يفسُق بالمنع إن تكرَّر منه، يعني: إن ردَّها أكثر من مرة يُصبح فاسقًا؛ لأن هذا ذنب عظيم، وهذا جناية عظيمة على هذه المرأة، أن يمنعها ممن رضيت به.

وكم من امرأة حرمها وليُّها من الزواج، وفاتها قطار الزواج، والسبب في ذلك هو وليُّها، بل من أسباب العنوسة هو هذا، هذا أحد أسباب العنوسة، أن يمنعها وليُّها ممن رضيت به.

والمرأة في الغالب لا تُسامح هذا الوليَّ، خاصة إذا لم تتزوج فيما بعد، أو تزوجت بإنسان أقلَّ منه، يبقى ذلك في قلبها طِيلة حياتها، ولا تُسامح هذا الولي؛ لأنه قد جنى عليها جناية عظيمة، وأيُّ جناية أعظم من أن يمنع الوليُّ المرأةَ من أن تتزوَّج بمن رضيت به.

وأذكر قصة سمعتها من أحد المشايخ: أن امرأة كان وليُّها يعضِلُها، وربما أن ذلك لسبب دنيوي طمعًا في راتبها ونحو ذلك، لكن كان يعضِلُها، كلما تقدَّم خاطب رفض، كلما تقدَّم خاطب رفض، إلى أن تقدَّم بها السِّن، ثم حضرتها الوفاة، ولما كان عند وفاتها وكان أبوها حاضرًا عندها، دعت على والدها، فقالت: قل: آمين، أسأل الله تعالى أن يحرمك الجنة كما حرمتني من الزواج! ثم لفظت أنفاسها الأخيرة وتُوفيت، وبقي ذلك حسرة على هذا الوليِّ طيلة عمره؛ وهذا بسبب سوء تصرُّف هذا الولي.

أحيانًا قد يكون ذلك بسبب طمع دنيوي، وأحيانًا يكون من شِدَّة محبَّته لهذه البنت يعضِلُها؛ لأن عنده مواصفات خيالية مثالية لزوج ابنته، قد لا يتقدَّم الزوج على هذه المواصفات، فحينئذٍ مَنَعها من التزويج بمن ترضى. المهم أن ترضى به، ممن يكون مَرْضِيَّ الدِّين والخُلُق، مَنْعُها في الحقيقة هو من أعظم الجناية عليها.

وأيضًا يُلاحظ السلبية أحيانًا من بعض أفراد الأسرة، قد يتسلَّط هذا الوليُّ ولا تجد هذه المرأة الضعيفة مَن يُناصرها مِن إخوتها أو من أقاربها، فتجد الناس يتخلَّون عنها، وتبقى هذه البنت إما أنها تذهب وتُكافح وتذهب للمحاكم، وإما أن تصبر ويفُوتها قطار الزواج.

ثم أيضًا ينبغي للقضاة التعاون في هذا، وأن يُسهِّلوا أمر النساء، وأيضًا أحيانًا يكون بعض أقارب هذه الفتاة عنده نوع من الشفقة والرحمة، فيرفع القضية، وتبقى القضية في أرْوِقة المحاكم أحيانًا سنوات.

أذكر امرأة حصل لها شيء من هذا، أن وليَّها عضَلَها، فأخوها رفع القضية للمحكمة، وبدأ القاضي في القضية مدة طويلة إلى أن ملُّوا من القضية، وبقيت هذه الفتاة، ثم تُوفِّيت.

 وأيضًا ينبغي أن يتعاون جميع أفراد المجتمع لحلِّ هذه المشكلة؛ لأن -أحيانًا- الوليَّ يكون غير رشيد، يكون عنده سَفَهٌ، يكون عنده أسباب تمنع من تزويج هذه المرأة، فلا يُمَكَّن من ذلك.

هناك بعض التفريعات المتعلقة أيضًا بهذا الشرط، نُكملها ثم نقف عند (شرط الشهادة)، ليس فيها كلام كثير.

توكيل الولي لغيره في عقد النكاح

قال:

فصل
ووكيلُ الوَليِّ يقوم مقامَه.

يعني: ولو كان حاضرًا، فلو أن الوليَّ -الذي هو الأب مثلًا- قال لابنه: زوِّج أنتَ عني، هل يصح؟ وهما حاضران في المجلس، لكن قال: أُريدك أنت الذي تَلِي تزويج أختك، هل يصح؟ يصح، لا مانع من هذا، لا مانع.

قال:

وله أن يُوكِّل بدون إذنها.

يعني: للوليِّ أن يُوكِّل بدون إذنها، وقد وكَّل النبي أبا رافع في تزويجه ميمونة رضي الله عنها[12].

والوكالة تصلح بالنسبة للوليِّ وبالنسبة للزوج، ومرَّت معنا هذه المسألة في (باب الوكالة)، فالوليُّ له أن يُوكِّل ولو بدون سبب، والزوج أيضًا له أن يُوكِّل.

فلو كان مثلًا الزوج طالبًا يدرس، مبتَعثًا، ووكَّل أخاه في قبول النكاح، هل يصح؟

مثلًا: إنسان مبتَعث، وأراد أن يتزوج، وخطب له أهلُه امرأةً رضي بها، وقال: أنا وكَّلت أخي فلانًا أن يعقد وكالة عني. فيقول الوليُّ: “زوَّجتك”، وأخوه يقبل عنه، هل هذا يصح؟ يصح باتفاق العلماء، ليس فيه إشكال.

لكن لا بد من إذْنِ غير المُجبَرَة للوَكِيلِ بعد تَوكِيله.

يعني: إذا وكَّل الوليُّ مَن يقوم مقامه، يقولون: غير المُجبَرَة: وهي الثيِّب، فلا بد من أن تُوكِّل الوكيل، لا بد أن تأذَنَ للوكِيل بعد توكيله، يقول: ولا أثر لإذنها قبله، فلا بد من أن تأذَنَ له مرة أخرى.

ويُشترَط في وكيلِ الوليِّ ما يُشترَط فيه.

يعني: يُشترط في وكيل الوليِّ ما يُشترَط في الوليِّ من شروط؛ وذلك لأنها ولاية؛ فلا يصح أن يُباشرها غير أهلٍ.

ويصح توكيل الفاسق في القبول.

وذلك لأنه إذا كان يصح قبول النكاح لنفسه؛ فصح لغيره، يعني: الزوج لو وكَّل رجلًا يقبل عنه النكاح، وكان هذا الوكيل فاسقًا، فيصح ذلك؛ لأن الفاسق يصح أصلًا أن يكون زوجًا، فكذلك يصح أن يكون وكيلًا من باب أولى.

قال:

ويصح التوكيل مطلقًا: كـزوِّج مَن شئت، ويتقيَّدُ بالكفء..

لو أن رجلًا مثلًا أراد أن يُسافر سفرًا طويلًا، فأتى لأحد الناس الصالحين، وقال: أنا عندي مثلًا بناتي، أو بنتي فلانة، زوِّجها مَن شئت من الأكْفَاء؛ فيصح ذلك، تكون وكالة مطلقة.

وقد رُوي أن رجلًا من العرب ترك ابنته عند عمر بن الخطاب ، وقال: زوِّجها كُفئًا تراه، قد وكَّل رجلًا قويًّا أمينًا، فزوَّجها عمر الخطاب مَن؟ زوَّجها عثمان، زوجها عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

قال:

ومقَيَّدًا: كـزوِّج زيدًا.

إذا وكَّله بـ”زوِّج زيدًا”؛ تتقيَّد الوكالة به.

صيغة الوكالة

ويُشترَط قولُ الوَليِّ أو وكيله: زَوَّجتُ فلانًا فلانة.

يعني: عند العقد، لو كان مثلًا الوليُّ يقول: “زوجتك بنتي فلانة”، إذا كان وكيله: “زوجتُ فلانًا فلانة” بهذه الصيغة.

 أو لفلان. وقولُ وكيل الزوج: قَبِلته لمُوكِّلي فلان، أو لفلان.

لو كان الوكيل عن الزوج، فعندما يقول مثلًا الولي: “زوجت ابنتي فلانة لفلان”، فوكيل الزوج ما يقول: “قبلت”، وإنما يُقيِّد هذا، يقول: “قبلت هذا الزواج لفلان”. هذا معناه.

فلا بد من هذا، “قبلته لموكلي فلان، قبلت هذا الزواج لموكِّلي فلان ابن فلان”.

فعند الوكالة لا بد من هذه التقييدات.

وصِيُّ الولِيِّ في النِّكاح بمنزِلَتِه

قال:

ووصِيُّ الولِيِّ في النِّكاح بمنزِلَتِه، فيُجبِر مَن يُجبِره مِن ذكر وأنثى. 

وسبق أن قلنا: إن الوَصِيَّ هو كالوَليِّ تمامًا؛ وذلك لأنها ولاية ثابتة للمُوصِي؛ فجازت وصيته بها كولاية المال.

إذا استوى الأولياء في الدرجة فمن يُقدم؟

وإن استوى وليَّان فأكثر في درجةٍ، صحَّ التَّزويج من كلِّ واحدٍ إن أذِنَتْ لهم.

إن أَذِنت لهم صحَّ التَّزويج من كلِّ واحد، كما مثَّلنا في الإخوة الأشقاء، وقلنا: لا أثر في السِّنِّ، لا أثر في اعتبار السِّن.

فإِن أَذِنت لأحدهم تَعَيَّن، ولم يصحَّ نكاحُ غيره.

قالت: يُزوِّجُني أخي الأصغر؛ فيصح، وليس للأكبر أن يُزوِّجها.

أو قالت: يُزوِّجني أخي الأكبر، أو يُزوِّجني أخي فلان، أَذِنْتُ لأخي فلان؛ فهنا يتعيَّن مَن عيَّنته.

حكم تولي شخص واحد طرفي عقد النكاح

قال:

ومَن زوَّج -بحضرة شاهدين- عبده الصغير بأَمَتِه.

فيجوز، والمعنى: أنه يجوز أن يتولَّى طَرَفَي العقد، فيُزوِّج عبده الصغير بأَمَته بحضرة شاهدين. وهذا باتفاق العلماء.

أو زوَّج ابنه بنحو بنت أخيه.

يعني: بنت أخيه هو وليُّها، وزوَّجها ابنَه؛ يصح.

أو وكَّل الزوجُ الوَلِيَّ. 

أن يقبل له النكاح.

أو عكسه.

يعني: يلي هو طَرَفَي العقد، يعني هو مثلًا الولي، فأتى الزوج وقال: أنا أُريد أن أسافر، أنا مثلًا مُبتَعث، وكَّلتك أن تعقد عني؛ فيصح هذا، يصح أن يَلِي طَرَفَي العقد. لاحِظ توسيع الفقهاء في مسألة الوكالة في النكاح، لا يُشدِّدون فيها.

أو وكَّلا واحدًا.

يعني مثلًا: الوليُّ وكَّل هذا الرجل، والزوج وكَّل هذا الرجل، فأصبح هو يَلِي طَرَفَي العقد.

صحَّ أن يتولَّى طَرَفَي العقد، ويكفي: زوَّجتُ فلانًا فلانة، أو: تزوَّجتُها، إن كان هو الزوج.

يعني: إن كان هو الذي يَلِي طَرَفَي العقد فيأتي بهذه الصيغة،  يقول: “زوجت فلانًا فلانة”.  ولا داعي لأن يقول: “زوجت فلانًا فلانة”،  ثم يقول: “قبلت عن فلان”؛ يعني: لا داعيَ لأن يقول: “زوجت فلانًا فلانة”،  ثم يقول: “قبلت عن فلان”.  يعني: لا داعيَ لها،  وإنما يكفي أن يقول: “زوجت فلانًا فلانة”.

طيب، إن كان هو الزوج، وهو أيضًا وكَّلَه الوليُّ، فيقول: “تزوَّجتها” أو: “تزوَّجت فلانة”.

ومَن قال لأَمَتِه: أعتقتك وجعلتُ عِتْقَكِ صَدَاقك؛ عَتَقَتْ، وصارت زوجةً له، إن توفَّرت شروط النكاح.

هذا الأصل فيه: قصة صفية بنت حُيي رضي الله عنها، فإن النبي أعتق صفية رضي الله عنها، وجعل عتقها صداقها[13]، فإذا أعتقها وجعل عتقها صداقها صح، فتُعتَق وتُصبح زوجة له إن توفَّرت بقية شروط النكاح.

بهذا نكون قد انتهينا من الكلام عن الشرط الثالث، ويبقى معنا الشرط الرابع والخامس، وفيهما كلام كثير لأهل العلم، نتوقف عند هذا، ونكتفي بهذا القدر، ونسأل الله للجميع الفقه في الدين والعلم النافع.

الأسئلة

طيب، ما تبقى من الوقت نُجيب فيه عما تيسر من الأسئلة.

السؤال: …..

الشيخ: نعم، تحديد سِنِّ الزواج، هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، أكثر العلماء على أنه لا يُحَدَّد سِنُّ الزواج، لا يُحدَّد، الله يقول: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4]، لم يحِضْنَ لأيِّ شيء؟ لصغرهن.

والنبي عليه الصلاة والسلام كما تعلمون عَقَد على عائشة رضي الله عنها وعمرها ست سنين، ودخل بها وعمرها تسع[14].

فأكثر أهل العلم على أنه لا يُحدَّد.

لكن، من أهل العلم مَن يرى أن لوليِّ الأمر أن يُقيِّد ذلك إذا ترتَّب على عدم التحديد مفسدة، وكان الغالب أنَّ مَن يُزوِّج ابنته وهي صغيرة طمعًا في المال، وليس ذلك مراعاة لمصالح النكاح، أجاز هذا بعض أهل العلم، ومنهم الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله، يرى أن لوليِّ الأمر التقييد.

لكن أكثر العلم على عدم التقييد، وهذا هو الأقرب، على عدم التقييد، دَعْكَ من القوانين الوضعية التي تُقيِّد، وأنه لا يجوز تزويج القاصر أقلَّ من ثمانية عشرة سنة، هذه كلها قوانين وضعية ما أنزل الله بها سلطانًا.

أما كون بعض الناس يُسِيء في تزويج الصغيرة فنحن نُنْكِرُ إساءة مَن أساء، لكن لا نمنع حكمًا في الكتاب والسنة.

الأقرب هو ما عليه أكثر أهل العلم من عدم التقييد.

السؤال: …..

الشيخ: فيها خلاف بين أهل العلم، لكن الصحيح أنه تنتقل الوصية؛ لأنه لا فرق بين أن الوليَّ يقول: وكَّلت فلانًا، أو جعلتُ فلانًا وصيًّا بعد وفاتي. والمنع لا دليل عليه، ليس هناك دليلٌ ظاهر على المنع.

طيب نأخذ سؤالًا من هنا، وسؤالًا من هنا.

السؤال: أحسن الله إليكم وبارك فيكم. هذا يقول: إن تعذَّر وجود من يُزوِّج المرأة، فوَكَّلَتْ من يُزوِّجها، هل للوكيل أن يتزوجها؟

الشيخ: نعم، نحن قلنا: له أن يتزوجها، وله أن يَلِي طَرَفَي العقد، ولا مانع من ذلك، لكن المهم كما ذكرنا بالترتيب الذي ذكره الفقهاء، يعني لا يُتعجَّل في هذا، يُبحث عن الوليِّ، فإذا لم يُوجد فمَن بعده، حسب ترتيب الميراث، فإن لم يُوجد فالسلطان أو مَن ينوب عنه، فإن لم يُوجد فذو السلطان في مكانه، فإن لم يُوجد فتُوكِّل أيَّ رجل من المسلمين.

السؤال: …..

الشيخ: الأبناء كذلك، نعم إذا كانوا في مرتبة واحدة، طبعًا كلهم أبناء، فكذلك لا أثر للسِّنِّ، لكن المروءة تقتضي تقديم الأكبر، من باب المروءة فقط.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: ذكرتم يا فضيلة الشيخ أن مَن دون تسع سنوات، لأبيها إجبارها على الزواج، والبالغة البكر لا تُجبَر. فما حال مَن جاوزت تسع سنوات ولم تبلغ بعد؟

الشيخ: مَن جاوزت التسع سنوات ولم تبلغ، فهذه يقولون: حكمها حكم البِكْر، على المذهب لوليِّها أن يُجبِرَها، والمذهب عندهم أن يُجبِرها أصلًا حتى وإن كانت بالغة، فإذا كانت غير بالغة من باب أولى.

وعلى القول الآخر الذي رجَّحناه: أنها إذا بلغت تسعًا لا بد من إذْنِها حتى لو لم تبلغ؛ لأنها إذا بلغت تسعًا كما قالت عائشة رضي الله عنها: إذا بلغت المرأة تسعا فهي جارية، أصبحت امرأة، وأصبحت تفهم وتعرف معنى الزواج، فحينئذ لا بد من إذنها.

السؤال: …..

الشيخ: هو إذا كان يترتب على ذلك قطيعة رحم، لا شك أن الأولى أنه ما يُزوّج، لكن مِن حيث صحة النكاح؛ النكاح صحيح، لكن كونه مثلًا يُقال: إن الأولى أنك لا تفعل حتى لا يُؤدِّي لقطيعة، حتى لا يُؤدِّي لشحناء، المروءة تقتضي هذا، هذا صحيح، لكن كلامنا الآن كحكم فقهيٍّ، حكم فقهي من حيث صحة النكاح، النكاح صحيح، لكن الأولى والأحسن أن يكون الأكبر هو الذي يُزوِّج، أو على الأقل يأذن له.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: إذا ثبت ضعف حديث: ثلاثٌ جِدُّهن جدٌّ وهزلُهن جدٌّ، فما الدليل على انعقاد نكاح الهَازِل؟

الشيخ: هو كما قال الترمذي: “العمل على هذا الحديث عند أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم”. فعملوا به؛ لأن نكاح الهازل قد توفَّرت فيه الأركان والشروط، فما الذي يمنع من صحته؟

هذا قال: “زوجتك ابنتي فلانة”، وهذا قال: “قبلتُ”، توفَّرت فيه الأركان، توفَّرت فيه الشروط، أما كونه هازِلًا: هذا غير مؤثر في عدم انعقاد النكاح، فكما نقلنا على الترمذي أن هذا هو الذي عليه العمل عند الصحابة  وغير الصحابة ، أو مَن بعدهم، أن نكاح الهازِل ينعقد.

مداخلة: …..

الشيخ: النية هنا يقولون: غير مؤثرة، النية غير مؤثرة في هذا.

السؤال: …..

الشيخ: نعم، الله لما ذكر الشهداء قال: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ [البقرة:282]، وهذا يختلف باختلاف الأزمان وباختلاف الأحوال، فمثلًا: في وقتنا الحاضر لا يكون الفِسق إلا على ارتكاب كبيرة ظاهرة، فشُرب الدخان قد لا نعتبره من الكبائر، هو من الصغائر.

وكذلك مثلًا حلق اللحية، هو من الصغائر، إلا إذا أصَرَّ عليه، فقد يُعتبر من الكبائر بالإصرار عند بعض أهل العلم، لكن الذي عليه العمل أنه لا تُنزَع الولاية لأجل ذلك، وذلك لكثرة هذا الأمر في الناس، والله قال: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ، فإذا لم يُوجد منه كبيرة من الكبائر، كـ(مثلًا) شرب الخمر، أو ارتكاب الفواحش، أو نحو ذلك، فلا تُنزَع منه الولاية. هذا هو الأقرب في هذا، وهو الذي عليه العمل في المحاكم.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: هل في عقد النكاح خيارُ مجلس؛ فيكون للوليِّ الرجوع قبل التفرق؟

الشيخ: ليس هناك خيار، إذا زوَّجتُه، وقال: “قبلتُ” انعقد النكاح، وليس هناك خيارٌ في عقد النكاح.

السؤال: …..

الشيخ: على كلِّ حالٍ، الإجماع الذي نقلناه نقله ابن قُدَامة، وكذلك الوزير ابن هُبَيرة، قد يُوجد بعض الخلاف في مثل هذا، قد يُوجد، لكن نحن نقلنا الإجماع، على الأقل إن لم يصح الإجماع، فهو يُبيِّن أن هذا قول الأكثرية، هذه فائدة إجماعات ابن المنذر وابن قُدَامة، أحيانًا قد لا تكون إجماعًا بمعنى الإجماع؛ لأنه ليس هناك خلاف، لكن تُعطيك مؤشرًا أن هذا هو رأيُ أكثر أهل العلم على الأقل.

مداخلة: …..

الشيخ: لا، هذه مسألة أخرى، هذه تختلف.

السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: هل يجوز أن يكون الأخ هو الولي في حالة العَضْل للمرأة من قِبَل والدها؟

الشيخ: إذا وكَّله الوالد في ذلك فيصح ولو بدون سبب، لو قال له أبوه: زوِّج أختك مثلًا، فيصح أن يكون الأخ هو الوليُّ.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: ما الفرق بين الحديث المرفوع والحديث بلفظ: “قال: قال رسول الله “؟ ولماذا لا تُختصر جميع الأحاديث فتكون: قال: قال رسول الله ؟

الشيخ: هو إذا قال: ” قال رسول الله ” هو مرفوع، هذه مصطلحات، إذا قيل: “مرفوعًا” يعني: مرفوع للنبي ، بعضهم يُعبِّر بهذا، بعضهم يُعبِّر: “قال: قال رسول الله “، وبعضهم يُعبِّر: “أن النبي قال”، لكن بعضهم يُفضِّل صيغة “سمعت”، “سمعت النبي يقول كذا”، يقول: إنها أقوى من: “قال: قال رسول الله “.

لأن الصحابي أحيانًا ينقله بواسطة، ابن عباس رضي الله عنهما روى أحاديث كثيرة، تُوفي النبي عليه الصلاة والسلام وعمره ثلاث عشرة سنة، لم يسمع إلا أحاديث قليلة، كثير من الأحاديث سمعها بواسطة، لكن إذا قال: “سمعت” يقولون: إن هذا أقوى.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: ما هو الوقت المحدَّد لقول أذكار الصباح والمساء؟ وماذا لو قدَّمه أو أخَّره أو نَسِيَه، هل يقضيه؟

الشيخ: أذكار الصباح تكون في الصبح، والصبح يبدأ من بعد طلوع الفجر الصادق، لكن كثيرًا من أهل العلماء يستحب أن يكون بعد صلاة الفجر، بعد صلاة الفجر هذا هو الوقت الأفضل، وكذلك بالنسبة لأذكار المساء بعد صلاة العصر أو المغرب.

وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ق:39]، فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ [الروم:17].

فالأمر في هذا واسع، لكنَّ كثيرًا من أهل العلم استحبَّ أن تكون بعد صلاة الفجر، وبعد صلاة العصر أو المغرب؛ لأن هناك أيضًا بعض الأذكار التي تكون في الليل فلا تكون بعد العصر، مثل -مثلًا- قراءة آخر آيتين من سورة البقرة: مَن قرأهما في ليلة كَفَتَاه[15]، هذه لا بد أن تكون بعد المغرب، يصدق عليها أنها تكون في الليل، فلا تكون بعد العصر، والأمر في هذا واسع.

 السؤال الأخير: أحسن الله إليكم. يقول: ما صحة الحديث الذي فيه إثبات صفة الاستلقاء لله ؟

الشيخ: الله أعلم، أنا ما يحضرني الحديث.

السؤال: …..

الشيخ: حال غَيبته هذه نعم، كان يُفترض أن نُنَبِّه عليها، يعني: يا إخوان الوضع الآن في وقتنا الحاضر يختلف عما سبق، في وقتنا الحاضر مع وجود وسائل الاتصالات يبحث عن هذا الولي إذا غاب ويسأل، وربما يتصل بالسفارة مثلًا لتلك البلد، ويُعلن عنه بالوسائل المتاحة، فلا بد من البحث عنه.

لأن الوضع في وقتنا الحاضر يختلف، الآن كما يُقال: “العالم كالقرية الواحدة الصغيرة”، فمن السهل البحث عنه، لكن لو افترضنا أنه بحث عنه ولم يوجد، هنا تسقط ولايته، وتنتقل إلى مَن بعده.

مداخلة: …..

الشيخ: هو بالنسبة للمفقود، فيما يترتب على المفقود من أحكام، من -مثلًا- كون زوجته تُحِدُّ عليه، ثم يُؤذَنُ لها في الزواج، ومن جهة -أيضًا- قِسمة تَرِكَتِه، ومن جهة اعتباره ميتًا.

هذه المسألة تكلم عنها الفقهاء في (باب المفقود)، والمذهب عند الحنابلة أنه يُنتظر أربع سنين منذ فُقِد إن كان الغالب عليه الهلاك، وتسعين سنة منذ وُلِدَ إن كان الغالب عليه السلامة، ولكن هذا قولٌ مرجوحٌ.

وبعضهم قال: يُنتظر إلى أن يبلغ عمره ستين، وبعضهم قال: سبعين، وبعضهم قال: خمسة وسبعين.

ولكن القول الصحيح والذي عليه العمل: أن المرجع في ذلك إلى اجتهاد القاضي، وأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال، واختلاف الأشخاص، واختلاف البلدان، وباختلاف أيضًا الأمور المصاحِبة لافتقاده، هذا بالنسبة لتَرِكَتِه وبالنسبة لتزوُّج امرأته، ونحو ذلك.

أما بالنسبة لانتقال الولاية فالأمر أسهل، انتقال الولاية، الولاية تنتقل بأدنى شيء، فإذا غاب غَيبة طويلة، ولا يُنتَظر أيضًا حتى يُحكَم بوفاته، وإنما مباشرةً تنتقل الولاية لمَن بعده، فبالنسبة لانتقال الولاية هو أسهل من الأمور الأخرى المترتبة على المفقود.

مداخلة: …..

الشيخ: لا، ليس مقبولًا عند الجميع، لكن يستأنسون به، الترمذي مُحقِّقٌ، إذا قال: “عليه العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم” هذه الكلمة لا شك لها اعتبارها، فهو من المحدِّثين، ومن كبار المحدِّثين الذين لهم عناية بالتحقيق.

لكن بالتتبُّع أحيانًا يكون هناك مَن خالف، ليست المسألة مسألة إجماع، فعندك كلام الترمذي، وكلام ابن المنذر، وكلام ابن عبدالبر، وابن قدامة، والنووي، أحيانًا قد لا تكون دقيقة، لكن كما ذكرتُ يُستفاد منها: أن هذا هو رأي الأغلبية، إذا حكوا الإجماع في هذا يُستفاد أنه هو رأي الأغلبية.

السؤال: …..

الشيخ: نعم، إذا كان محكومًا عليه بالسجن مدة طويلة لها أن تطلب الفسخ؛ لأن هذا يُفوِّت عليها حقَّ الوطء، وربما يُفوِّت عليها حقَّها في الولد، فلها أن تطلب الفسخ من الحاكم إذا كان محكومًا عليه بمدة طويلة.

نكتفي بهذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 5871، ومسلم: 1425.
^2 رواه أبو داود: 2194، والترمذي: 1184، وابن ماجه: 2039.
^3 رواه البخاري: 5136، ومسلم: 1419.
^4, ^10 سبق تخريجه.
^5, ^11 سبق تخريجه.
^6 رواه البخاري: 6969.
^7 رواه أحمد: 2469، وأبو داود: 2096، وابن ماجه: 1875.
^8 رواه أحمد: 2260، وأبو داود: 2085، والترمذي: 1101.
^9 رواه أحمد: 24372، وأبو داود: 2083، والترمذي: 1102.
^12 رواه مالك: 69.
^13 رواه البخاري: 4200، ومسلم: 1365.
^14 رواه البخاري: 3896، ومسلم: 1422.
^15 رواه البخاري: 4008، ومسلم: 807.
zh