عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
حياكم الله تعالى في هذا الدرس العلمي، في شرح صحيح مسلم، في هذا اليوم الثلاثاء الرابع عشر من شهر رجب، من عام ألف وأربعمائة وثلاثة وأربعين للهجرة.
وكنا قد وصلنا في كتاب الذكر من صحيح مسلم إلى باب في أسماء الله تعالى، وفضل من أحصاها.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا، اللهم فقهنا في الدين، ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدًا، اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أصول، وبك أحول، وبك أستعين.
باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها
قال النووي رحمه الله في التبويب: باب في أسماء الله تعالى، وفضل من أحصاها، قال الإمام مسلم في صحيحه:
حدثنا عمرو الناقد، وزهير بن حرب، وابن أبي عمر، جميعًا عن سفيان -واللفظ لعمرو- حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي ، قال: لله تسعة وتسعون اسمًا، من حفظها دخل الجنة، وإن الله وتر، يحب الوتر وفي رواية ابن أبي عمر: من أحصاها [1].
وحدثني محمد بن رافع، حدثنا عبدالرزاق، حدثنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، وعن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي ، قال: إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة زاد همام: وتر يحب الوتر [2].
قوله عليه الصلاة والسلام: إن الله وتر سيأتي الكلام عنها.
لكن قوله عليه الصلاة والسلام: لله تسعة وتسعون اسمًا الله تعالى له الأسماء الحسنى، وله الصفات العُلا، وهناك تسعة وتسعون اسمًا من أحصاها دخل الجنة، قال: من حفظها وفي لفظ: من أحصاها.
والمراد بالحفظ هنا أو الإحصاء: حفظها عن ظهر قلبه، وفهم معناها، والعمل بمقتضاها، المراد بقوله: من أحصاها دخل الجنة أي: حفظها، وفهم معناها، وعمل بمقتضاها.
أما لو حفظها، ولم يعمل بمقتضاها، فإنها لا تنفعه، كأن يحفظها، لكنه يحرفها، أو يجحد بها، أو لا يؤمن بها، فإنها لا تنفعه، فلا بد إذن من اجتماع هذه الأوصاف: الحفظ، وفهم المعنى، والعمل بمقتضاها.
وقوله: دخل الجنة هذا من نصوص الوعد، والمراد دخل الجنة إذا تحققت الشروط، وانتفت الموانع.
فوائد من حديث لله تسعة وتسعون اسمًا
أبرز فوائد وأحكام هذا الحديث:
- أولًا: دل قوله: لله تسعة وتسعون اسمًا على أن الله هو أشهر أسمائه جل وعلا؛ لإضافة هذه الأسماء إليه، ما قال: للرحمن، أو للرحيم، إنما قال: لله، وهذا يدل على أن الله هو أشهر أسمائه، وقد روي أن الله هو اسمه الأعظم، الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب.
- ثانيًا: اتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسماء الله سبحانه، فليس معناه: أنه ليس لله أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما المعنى: أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بحصر الأسماء.
ومما يدل لذلك ما جاء في الحديث الصحيح عن النبي أنه كان يقول: اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك [3]. - ثالثًا: اجتهد بعض أهل العلم في معرفة هذه الأسماء وتحديدها، وقد رُوي في ذلك حديث عند الترمذي، لكنه حديث ضعيف، وفيه أسماء في إثباتها لله نظر، وأحسن من اجتهد في جمع هذه التسعة والتسعين اسمًا: الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى.
- رابعًا: دل قوله: من أحصاها على فضل إحصاء أسماء الله تعالى، وفهم معانيها، والعمل بمقتضاها، وقد دل قول الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] على أنه يستحب أن يُدعى الله بأسمائه الحسنى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180].
من آداب الدعاء
- قال أهل العلم: ويستحب أن يكون الاسم المختار مناسبًا للدعاء، كأن تقول: يا غفور اغفر لي، يا رحمن ارحمني، يا عفو اعف عني، يا وهاب هب لي، وهكذا.
ولا يناسب مثلًا أن تقول: أسألك بأنك أنت القهار أن تغفر لي، هذا غير مناسب، وإنما تأتي بالاسم المناسب للدعاء.
- ويستحب أن يقدم المسلم بين يدي دعائه الثناء على الله ، وتمجيده، وحمده، ثم يُصلي على النبي ، ثم يدعو.
ولما سمع النبي رجلًا يدعو من غير أن يقدم الثناء على الله، والصلاة على رسوله، قال: عجل هذا [4]، ثم أرشد عليه الصلاة والسلام من دعا إلى أن يقدم بين يدي دعائه الثناء على الله، والصلاة على رسوله.
فينبغي إذا أردت أن تدعو أن تقدم بين يدي الدعاء حمد الله، والثناء عليه، وتمجيده، وتصلي على رسوله، ثم تدعو، وقد أرشدنا ربنا إلى هذا في سورة الفاتحة، فإن الفاتحة فيها دعاء عظيم بالهداية: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] هذا دعاء عظيم.
قدم الله تعالى بين يدي هذا الدعاء حمد الله ، والثناء عليه، وتمجيده، بــالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هذا حمد لله، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثناء على الله، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ تمجيد لله، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ إفراد لله بالعبادة وبالاستعانة.
ثم بعد ذلك يأتي الدعاء: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ فهذا من آداب الدعاء، أن المسلم إذا أراد أن يدعو يقدم بين يديه الثناء على الله، وحمده، وتمجيده، ثم الصلاة على رسوله .
- ودل قول الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] على أنه ينبغي للداعي إذا دعا أن يقرن دعاءه بأسماء الله الحسنى، فعندما يسأل الله المغفرة: يا رب اغفر لي، إنك أنت الغفور، يقرن ذلك بالمغفرة، يا غفور يا غفار، اغفر لي، أسألك بأنك أنت الله الغفور الرحيم أن تغفر لي وترحمني.
كذلك مثلًا عندما تسأل الله تعالى العفو: يا عفو اعف عني، إنك عفو تحب العفو فاعف عني، رب آتني من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب، تأتي بالوهاب مناسب لسؤال الهبة هبة الرحمة، ونحو ذلك وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا فالله تعالى يحب من عبده الداعي أن يدعوه بأسمائه الحسنى.
قال الإمام مسلم في صحيحه:
حدثني محمد بن رافع، حدثنا عبدالرزاق، حدثنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، وعن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي ، قال: إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة زاد همام، عن أبي هريرة، عن النبي : إنه وتر يحب الوتر [5].
وهذا أيضًا قد رواه البخاري بهذا اللفظ.
ومعنى قوله: إنه وتر الوتر معناه في حق الله : الواحد الذي لا شريك له، والوتر في الأصل: الفرد، لكنه في حق الله سبحانه معناه: الواحد الذي لا شريك له.
وقوله: يحب الوتر أي: يحب تفضيل الوتر في الأعمال، وكثير من الطاعات، فجعل الصلاة خمس صلوات، وهذا وتر، الطهارة تستحب أن تكون ثلاثًا، هذا وتر، الطواف بالبيت سبعًا، وهذا وتر، السعي بين الصفا والمروة سبعًا، وهذا وتر، رمي الجمار سبعًا، وهذا وتر، أيام التشريق ثلاثًا، وهذا وتر، وكذلك في الأكفان تستحب أن تكون وترًا، وهكذا.
كذلك أيضًا جعل الله تعالى كثيرًا من مخلوقاته وترًا، فجعل السماوات سبعًا، وهذا وتر، وكذلك الأرضين، وأيام الأسبوع جعلها سبعًا، ونحو ذلك.
فالله وتر يحب الوتر: إن الله وتر يحب الوتر ويستحب للمسلم أن يختم صلاة الليل بالوتر؛ لقول النبي : صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح، فليوتر بواحدة [6].
وأما ما ورد من أن المغرب وتر النهار، فهذا فإن صلاة المغرب ليست من صلوات النهار، وإنما من صلوات الليل؛ لأن الليل يبدأ بغروب الشمس، والمغرب إنما تصلى بعد غروب الشمس، لكن إن ثبت هذا حديثًا، فيحمل على أن المقصود يعني قرب آخر النهار، وهذا يكون معنى: إن المغرب وتر النهار.
هل الوتر من أسماء الله تعالى؟
هنا مسألة: هل الوتر من أسماء الله تعالى؟
هذا محل خلاف بين أهل العلم، فمن العلماء من عد الوتر من أسماء الله ، مستدلًا بهذا الحديث: إن الله وتر يحب الوتر.
والقول الثاني في المسألة: أن الوتر ليس من أسماء الله ، وإن كان الله تعالى يوصف بذلك؛ بأنه وتر، لكن هذا ليس من أسماء الله تعالى، فلا يصح أن تقول: أسألك بأنك أنت الوتر، أو يقول: عبد الوتر.
وذلك لأن القاعدة في هذا الباب: أن ما أتى معرفًا بأل فهو من أسماء الله، وما لم يأت معرفًا بأل فليس من أسماء الله، ولم يأت الوتر معرفًا بأل، وإنما ورد غير مقرون بأل: إن الله وتر، ولم يقل: إن الله الوتر، وعلى ذلك فإن القول الراجح في هذه المسألة هو القول الثاني، وهو: أن الوتر ليس من أسماء الله ، ولكن يوصف الله تعالى به، كما قال عليه الصلاة والسلام: إن الله وتر يحب الوتر.
ونظير ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: إن الله جميل يحب الجمال وليس من أسماء الله تعالى الجميل، ولكن يوصف الله تعالى بذلك، فيقال: إن الله جميل يحب الجمال، وهكذا يقال: إن الله وتر يحب الوتر، ولكن ليس الجميل والوتر من أسماء الله على القول الراجح.
باب العزم في الدعاء
ننتقل إلى باب العزم في الدعاء، ولا يقل: إن شئت:
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، جميعًا عن ابن علية، قال أبو بكر: حدثنا إسماعيل ابن علية، عن عبدالعزيز بن صهيب، عن أنس، قال: قال رسول الله : إذا دعا أحدكم فليعزم في الدعاء، ولا يقل: اللهم إن شئت فأعطني، فإن الله لا مستكره له [7].
ثم ساق المصنف هذا الحديث بلفظ:
إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه [8].
ثم ساق المصنف هذا الحديث بلفظ:
لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم في الدعاء، فإن الله صانع ما شاء، لا مُكره له [9].
وقوله: ليعزم المسألة عزم المسألة معناه: الشدة في طلبها، والجزم من غير ضعف في الطلب، ولا تعليق في المشيئة، وهذا يدل على قوة الرغبة في الدعاء.
حكم التعليق على المشيئة في الدعاء
ومعنى الحديث: أنه يستحب عند الدعاء الجزم في الطلب، ويكره التعليق على المشيئة، قال النووي: قال العلماء: سبب كراهة ذلك أنه لا يتحقق استعمال المشيئة، إلا في حق من يتوجه عليه الإكراه، والله منزه عن ذلك، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث: فإن الله لا مُكره له.
دل هذا الحديث على أنه لا يُشرع قول: إن شاء الله في الدعاء؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت فلا يجوز قرن المشيئة بالدعاء، لا تقل: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، أو الله يوفقك إن شئت، أو الله يوفقك إن شاء الله، أو الله يغفر له إن شاء الله، أو الله يرحمها إن شاء الله.
وبعض الناس إذا دعا له أحد بخير قال: إن شاء الله، وهذا غير مشروع، إذا قال له: بارك الله فيك، ووفقك الله، وأحسن إليك، قال: إن شاء الله، هذا غير مشروع، وإنما ليجزم المسألة، فالداعي يدعو من غير قرن ذلك بالمشيئة، والمدعو له يقول: آمين، من غير أن يقرن ذلك بالمشيئة.
ووجه عدم جواز قرن الدعاء بالمشيئة: هو ما أشار إليه النبي في قوله: ليعزم المسألة، وليعظّم الرغبة وذلك أن عزم المسألة يقتضي عدم تعليق الدعاء بالمشيئة، وتعظيم الرغبة كذلك.
ولذلك نمثل هذا، ولله المثل الأعلى، لو قلت لإنسان: أعطني كذا إن شئت، هذا يختلف عن أن تقول: لو تكرمت أعطني كذا، أعطني كذا، أنا محتاج لكذا أعطني، لاحظ الفرق بين الأسلوبين.
ففي الأسلوب الأول يعني كأنك لست جازمًا في الطلب، يعني إن شئت أعطني، وإن شئت لا تعطني، الثاني عندك إلحاح، عندك إلحاح، تقول: أعطني هذا، فالله تعالى يحب من عبده الإلحاح في الدعاء، وتعظيم الرغبة؛ ولهذا قال: ليعزم المسألة؛ وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه.
فالله تعالى خزائنه لا تنفد، فعندما تدعو الله تعالى اطلبه بصيغة الجزم، ولا تقرن ذلك بالمشيئة، وبعض أهل العلم قال: إن سبب كراهة قرن الدعاء بالمشيئة: أن استعمال المشيئة لا يكون إلا في حق من يتوجه إليه الإكراه.
يعني كأنك إذا قلت: يا فلان أعطني كذا، يقول: غصب أو بخيار، تقول: إن شئت، لكن هذا لا يتوجه في حق الله ، فإن الله لا مكره له، فعندما تقول: اغفر لي، لا يتوجه هذا المعنى، وحينئذٍ لا حاجة لأن تقول: إن شاء الله.
حكم العزم في الدعاء
ودل قوله: ليعزم الدعاء على استحباب العزم في الدعاء، والإلحاح على الله تعالى في الدعاء، وكان هدي النبي أنه إذا دعا، دعا ثلاثًا، فعندما تدعو الله تعالى بدعاء، ينبغي أن تعزم الدعاء، وأن تكرر هذا الدعاء، لا تكتف بمرة واحدة، فمثلًا عندما تسأل الله المغفرة، تقول: رب اغفر لي، اللهم اغفر لي، يا رب اغفر لي، يا رب اغفر لي، تكررها، هذا معنى العزم في الدعاء، حتى يظهر رغبتك العظيمة في إجابة الدعاء؛ ولهذا قال: وليعظم الرغبة فإن تعظيم الرغبة من آداب الدعاء، ومن أسباب الإجابة.
فعندما تجزم في الدعاء، ولا تقرنه بالمشيئة، وتكرره، فهذا من تعظيم الرغبة، وتعظيم الرغبة من أسباب الإجابة، أما الذي يدعو الله تعالى، وليس عنده رغبة ملحة في الإجابة، فهذا يكون بعيدًا عن إجابة الدعاء.
ولهذا ينبغي عند الدعاء تعظيم الرغبة في الدعاء، والإلحاح على الله ، وتكرار الدعاء؛ ولهذا وصف الله تعالى إبراهيم بأنه أواه، يعني كثير التأوه، فعندما تدعو الله تعالى تكرر الدعاء، اللهم اغفر لي، يا رب اغفر لي، يا رب اغفر لي، رب ارحمني، رب ارحمني، رب ارحمني، وهكذا، فتكرر تكرر الدعاء.
لكن تدعو الله مرة واحدة من غير تعظيم رغبة، ومن غير تكرار، يعني هذا قد يدل على عدم الرغبة الشديدة في إجابة الدعاء، كلما عظمت الرغبة في الإجابة، كان ذلك أقرب لإجابة الدعاء؛ ولهذا قال: وليعظم الرغبة ليعظم الداعي رغبته في الدعاء، وفي أن الله تعالى يجيب دعوته.
الله تعالى يحب من عبده الإلحاح عليه في الدعاء، وإظهار التضرع والتمسكن، والانطراح بين يديه، والدعاء الذي مظنة الإجابة هو الذي يشتمل على تعظيم الرغبة، والإلحاح على الله تعالى في الدعاء، وإظهار التضرع والتمسكن، والانطراح بين يدي الله، والثناء على الله وتمجيده، وسؤاله بأسمائه الحسنى، فإذا توفرت هذه الأمور، فإن الدعاء حري بالإجابة، بشرط ألا يستعجل في الإجابة.
فإن بعض الناس يريد أن يدعو الله مرة واحدة، ثم يستجاب له، والنبي يقول: يستجاب لأحدكم ما لم يعجّل، يقول: قد دعوت، قد دعوت، ولم يستجب لي [10].
باب كراهة تمني الموت لضر نزل به
ننتقل إلى باب كراهة تمني الموت لضرّ نزل به:
حدثنا زهير بن حرب، حدثنا إسماعيل يعني ابن علية، عن عبدالعزيز، عن أنس، قال: قال رسول الله : لا يتمنين أحدكم الموت لضرّ نزل به، فإن كان لا بد متمنيًا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي [11].
ثم ساق المصنف هذا الحديث:
عن أنس قال: لولا أن رسول الله قال: لا يتمنين أحدُكم الموت لتمنيته.
ثم ساق المصنف هذا الحديث من طريق أخرى، قال:
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبدالله بن إدريس، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: دخلنا على خباب وقد اكتوى سبع كيات في بطنه، فقال: «لو ما أن رسول الله نهانا أن ندعو بالموت؛ لدعوت به» [12].
ثم ساق المصنف هذا الحديث:
عن أبي هريرة أن النبي قال: لا يتمنى أحدُكم الموت، ولا يدعُ به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرًا [13].
الحكمة من النهي عن تمني الموت
في هذا الحديث النهي عن تمني الموت لضرّ نزل به، وبين النبي الحكمة من هذا النهي؛ وذلك أن المسلم ينقطع عمله بالموت، فإذا تمنى الموت انقطع عمله بالموت، والمؤمن لا يزيده عمره إلا خيرًا.
فلهذا نهي عن تمني الموت، وطول العمر مع حسن العمل نعمة عظيمة من الله على الإنسان، طول العمر مع حسن العمل من أعظم النعم التي يُنعم الله تعالى بها على الإنسان، ويدل لذلك قول النبي : خيركم من طال عمره، وحسن عمله، وشركم من طال عمره، وساء عمله [14].
وذلك أن طول العمر مع حسن العمل يزداد به المسلم حسنات، بينما طول العمر مع سوء العمل يزداد به سيئات، فهذا معنى قوله: خيركم من طال عمره، وحسن عمله لأنه يزيده حسنات، وشرّكم من طال عمره، وساء عمله لأنه يزداد بطول العمر سيئات.
ولهذا ينبغي عند الدعاء لأحد بطول العمر تقييد ذلك بأن يكون على طاعة الله، فتقول: أطال الله عمرك على طاعته؛ لأن الدعاء بطول العمر مع سوء العمل، هذا دعاء عليه، ليس دعاء له: شرّكم من طال عمره، وساء عمله لأنه تزيد ذنوبه وسيئاته، فطول العمر لا يكون نعمة، إلا إذا كان مع حسن العمل؛ ولهذا عند الدعاء بطول العمر ينبغي تقييد ذلك بحسن العمل، فتقول: أطال الله عمرك على طاعته.
ومما يدل على أن طول العمر مع حسن العمل، أنه نعمة عظيمة من الله على الإنسان، ما أخرجه أحمد بسند جيد، عن أبي هريرة ، قال: كان رجلان من “بليٍّ”، حي بقضاعة، أسلما مع النبي ، واستشهد أحدهما، وأخر الآخر سنة، قال طلحة بن عبيدالله، فأريت الجنة، فرأيت المؤخر منهما أدخل قبل الشهيد، فتعجبت لذلك، فذكرت ذلك للنبي ، فقال: أليس قد صام بعده رمضان، وصلى ستة آلاف ركعة، أو قال: كذا وكذا ركعة [15].
فانظر كيف أن هذا الرجل الذي مات بعد الشهيد بسنة، كان أعلى منه درجة في الجنة، وبيّن النبي السبب في هذا، وهو: أن هذا الرجل في هذه السنة قد عمل أعمالًا صالحة عظيمة، جعلته أرفع درجة من الشهيد، الذي مات قبله، وهذا يدل على أن طول العمر مع حسن العمل نعمة من الله على العبد.
ولهذا من الأدعية العظيمة التي ينبغي أن يدعو بها المسلم أن يقول: اللهم أطل عمري على طاعتك؛ لأن خير الناس من طال عمره، وحسن عمله.
متى يجوز تمني الموت؟
استثنى العلماء من كراهة تمني الموت: ما إذا تمنى الإنسان الموت خوفًا من الفتنة في دينه، فيجوز ذلك، فإذا خشي الإنسان فتنة في دينه، جاز له أن يتمنى الموت، ويدل لذلك قول الله تعالى عن مريم عليها السلام: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا [مريم:23]، وذلك لأنها حملت من غير زوج، فعند الوضع كانت في كربة عظيمة، وكان أعظم ما يكون من الكربة، الجانب النفسي، كيف ستواجه الناس؟ تأتي بولد، وتقول: إنه من غير أب، كيف ستقنع الناس بذلك؟ فخشيت الفتنة على دينها، فتمنت الموت، وقالت: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا يعني: قبل هذا الموقف وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا.
فإذا خشي الإنسان فتنة فلا بأس أن يتمنى الموت، أو أن يدعو بالموت، إذا خشي فتنة في دينه، وقد روي هذا عن خلائق من السلف، أنهم لما خشوا الفتنة في دينهم دعوا بالموت، وتمنوا الموت.
دل هذا الحديث على أن من لم يصبر على البلوى، وأراد أن يتمنى الموت، فإنه ينبغي أن يقول بدلًا من ذلك: اللهم احييني إن كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إن كانت الوفاة خيرًا لي، والأفضل الصبر والسكون لقضاء الله تعالى وقدره، فإن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرًا.
وقول أنس: “لولا أن رسول الله قال: لا يتمنين أحدكم الموت، لتمنيته” قال هذا أنس؛ لأن أنسًا قد عُمِّر ببركة دعوة النبي له، فإن أنسًا أتت به أمه أم سليم، لما قدم النبي المدينة.
وكانت أم سليم امرأة عاقلة صالحة، وابنها أنس يتيم، قدمته بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام، وقالت: “يا رسول الله، هذا أنس غلام يخدمك” أرادت أن يخدم النبي ، ويتتلمذ على يديه، ويخالطه، ويعرف هديه وسمته، وهذا من كمال عقلها.
ثم أيضًا انظر طلبت من النبي عليه الصلاة والسلام أن يدعو له، قالت: “ادع الله له” قال أنس: “فدعا لي بثلاث دعوات، رأيت منها اثنتين في الدنيا، وأنا أرجو الثالثة في الآخرة”.
قال: اللهم أطل عمره، وأكثر ماله وولده، واغفر ذنبه [16] فأطال الله عمره، حتى جاوز مائة عام، حتى قال: قد اشتقت للقاء ربي، واستحييت من أهلي، وأكثر الله تعالى ماله، حتى إنه أصبح أكثر الأنصار مالًا، وحتى إن بستانه يثمر في السنة مرتين.
وأكثر الله تعالى أولاده، حتى جاوزا المائة، ببركة دعاء النبي ؛ ولما طال عمر أنس ، شهد كثيرًا من الفتن التي وقعت، خاصة بعد مقتل عثمان، شهدها أنس كلها، وأدرك الحجاج بن يوسف، وقد آذاه وآذى كثيرًا من الصحابة، وعاتبه الخليفة الأموي على ذلك، على أذيته لأنس.
المقصود أن أنسًا بعدما امتد به العمر، وجاوز مائة عام، ورأى بعض الفتن، قال هذه المقولة، قال: “لولا أن رسول الله قال: لا يتمنين أحدكم الموت، لتمنيته”؛ يعني: ملَّ من الحياة، عاش أكثر من مائة سنة، ورأى فتنًا، ورأى أن الجيل الذي هو فيه قد انقرض، فكأنه سئم من الحياة، واشتاق للقاء الله سبحانه.
لكن لأجل أن النبي نهى عن تمني الموت، قال: “لولا أن رسول الله قال: لا يتمنين أحدكم الموت، لتمنيته”.
وقريب من ذلك حصل للصحابي الجليل خباب بن الأرت، فإنه قد ابتلي بمرض، واكتوى سبع كيّات في بطنه، وقال أيضًا مقولة قريبة من مقولة أنس، قال: “لولا أن رسول الله نهانا أن ندعو بالموت، لدعوت به”؛ لأنهم أصابهم البلاء والكربة، واشتاقوا للقاء الله ، ويحبون الآخرة أكثر من الدنيا، فكانوا على شوق للقاء الله سبحانه.
لكن باعتبار أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن تمني الموت توقفوا، ولم يدعوا الله تعالى بالموت، هذا منهج الصحابة؛ ولهذا ينبغي للمسلم ألا يدعو الله تعالى بالموت، والمؤمن لا يزيده عمره إلا خيرًا.
وفي حديث أبي هريرة يقول عليه الصلاة والسلام: لا يتمنى أحدكم الموت، ولا يدعو به من قبل أن يأتيه ثم بين العلة في ذلك، قال: إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله بالموت ينقطع العمل، وبالموت يغلق باب التوبة، وبالموت يغلق باب العمل، وينتقل الإنسان إلى الدار الآخرة، من مات فقد قامت قيامته.
ولذلك فالإنسان في الحياة الدنيا في دار يتمناها الأموات، فينبغي أن يغتنم عمره في هذه الدنيا، وأن يعتبر بقاءه في هذه الدنيا كالمزرعة التي يزرع فيها أعمالًا صالحة، يرى ثمارها يوم القيامة، فبالموت ينقطع عمل الإنسان.
ولكن أخبر النبي أن الإنسان إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له [17]؛ فهناك أناس لا تنقطع أعمالهم بالموت، وهم الذين لهم صدقات جارية، يعني أوقاف، ما دامت هذه الأوقاف ينتفع بها، يجري لهم ثوابها.
أو علم ينتفع به بأية صورة من الصور، سواء كان ذلك بتأليف الكتب النافعة، أو بتأهيل تلاميذ ينشرون علمه، أو بمقاطع نافعة من العلم النافع ينشر، أو بغير ذلك.
أو ولد صالح يدعو له وهذا يدل على أن دعاء الولد الصالح ينفع الميت، هذه الثلاث التي تنفع الميت، وما عدا ذلك فإن عمل الإنسان ينقطع بالموت.
دل قول النبي : لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرًا على أن طول العمر مع حسن العمل، أنه خير للإنسان، كما قال عليه الصلاة والسلام: خيركم من طال عمره، وحسن عمله.
لكن طول العمر إنما يكون خيرًا مع حسن العمل، وأما إذا كان مع سوء العمل، فهو نقمة؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: وشرّكم من طال عمره، وساء عمله فالإنسان إذا طال عمره مع حسن العمل، ازداد حسنات، وازداد طاعات، وازداد تقربًا إلى الله ، فكان طول العمر خيرًا له.
أما طول العمر مع سوء العمل، يزداد به ذنوبًا، ويزداد به سيئات، فيكون نقمة على الإنسان، وطول العمر مع حسن العمل نعمة، وطول العمر مع سوء العمل نقمة؛ ولهذا ينبغي لمن دعا بطول العمر لنفسه أو لغيره أن يقيد ذلك بأن يكون مع حسن العمل، فيقول: أطال الله عمرك على طاعته، أو يقول: اللهم اجعلني ممن طال عمره وحسن عمله، لا يقل فقط: اللهم اجعلني ممن طال عمره؛ لأنه لا يدري قد يطول عمره مع سوء العمل، فيكون ذلك نقمة، كأنه يدعو على نفسه.
فلا بد من تقييد طول العمر بحسن العمل، فيقول: اللهم أطل عمري على طاعتك، أو اللهم اجعلني ممن طال عمره وحسن عمله، وعندما يدعو لغيره يقول: أطال الله عمرك على طاعته، ونحو ذلك، ولا يقول: أطال الله عمرك ويسكت، وإنما يقيد ذلك بأن يكون على طاعة الله، أو مع حسن العمل، أو جعلك الله ممن طال عمره وحسن عمله.
باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه
ننتقل بعد ذلك إلى باب من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه:
قال الإمام مسلم في صحيحه:
حدثنا هداب بن خالد، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس بن مالك، عن عبادة بن الصامت، أن نبي الله ، قال: من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه [18].
معنى هذا الحديث يتضح بحديث عائشة الذي ساقه المصنف.
عن عائشة قالت: قال رسول الله : من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه فقلت:
والقائل عائشة.
يا نبي الله أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت، فقال: ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بُشّر برحمة الله ورضوانه وجنته، أحب لقاء الله، فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بُشّر بعذاب الله وسخطه، كره لقاء الله، وكره الله لقاءه [19].
ثم ساق المصنف هذا الحديث بلفظ:
من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه، والموت قبل لقاء الله.
ثم ساق المصنف أيضًا هذا الحديث:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه قال: فأتيت عائشة، فقلت: يا أم المؤمنين…
يقول هذا شريح بن هانئ، الراوي عن أبي هريرة، قال: قلت: يا أم المؤمنين..
سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله حديثًا إن كان كذلك، فقد هلكنا، فقالت: إن الهالك من هلك بقول رسول الله ، وما ذاك؟ قال: قال رسول الله : من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه وليس منا أحد إلا وهو يكره الموت، قالت: قد قاله رسول الله ، وليس بالذي تذهب إليه، ولكن إذا شَخَص البصر، وحشرج الصدر، واقشعر الجلد، وتشنجت الأصابع، فعند ذلك من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه [20].
ثم ساق المصنف هذا الحديث:
عن أبي موسى: من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه [21].
ألفاظ الحديث التي تحتاج إلى توضيح:
قولها: ولكن إذا شَخَص أو شَخُص، والأفصح بفتح الشين والخاء شَخَصَ، ومعناه: ارتفع، شَخَص البصر، يعني: ارتفع البصر، وارتفعت الأجفان إلى فوق.
وقولها: وحشرج الصدر، الحشرجة: هي تردد النفس في الصدر.
وقولها: واقشعر الجلد: هو قيام شعره، وتشنج الأصابع.
المراد بمحبة لقاء الله تعالى
دل هذا الحديث على أن من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، وقد فسر النبي ذلك بحديث عائشة، بأن المراد بمحبة لقاء الله تعالى: أنها التي تكون عند النزع، فيبشر كل إنسان بما هو صائر إليه، وما أعد له، ويكشف له عن ذلك.
فأهل الجنة يحبون لقاء الله تعالى، يحبون الموت، ولقاء الله ؛ لينتقلوا إلى ما أعد لهم، فيحب الله لقاءهم، ويجزل ثوابهم، وأما أهل الشقاوة، فعند النزع يعرفون أنهم قد بشّروا بعذاب الله وسخطه، فيكرهون لقاء الله تعالى؛ لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه، فيكرهون لقاء الله، فيكره الله لقاءهم.
هذا هو المعنى لهذا الحديث، وليس المعنى: من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، يعني: من أحب الموت، أحب الله لقاءه، هذا ليس هو المعنى الصحيح، فإن الناس بفطرتها تكره الموت؛ ولهذا قالت عائشة: “يا نبي الله أكراهية الموت، فكلنا نكره الموت” كل إنسان يكره الموت، كل إنسان يفر من الموت؛ ولهذا إذا أصيب بمرض، تجد أنه يذهب ويبحث عن العلاج، حتى إذا أصيب بمرض عضال يذهب، وربما سافر إلى بلاد بعيدة لأجل العلاج، كل ذلك لكراهية الموت.
بل حتى الحيوان، تجد أنه يكره الموت، ويطلب الحياة، ويقاتل لأجل الحياة، وإذا أراد أحد أن يتعرض له بسوء، أو أراد أن يذبحه، أو يقتله، تجد أنه يقاوم، حتى الحيوان يكره الموت، ما بالك بالإنسان!
فكراهة الإنسان للموت هذا أمر فطري، كل الناس تكره الموت، وهذا لا يُلام عليه الإنسان، ولا يُعاب عليه؛ ولهذا ذكرت هذا عائشة رضي الله عنها، قالت: “يا رسول الله أكراهية الموت، كلنا نكره الموت”، أقرها النبي عليه الصلاة والسلام على قولها هذا.
وبين أن المقصود بمن أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه، أن المقصود عند النزع، عندما تبلغ الروح الحلقوم، هذا هو المقصود، فإنه عند النزع، وعندما تأتي الملائكة يعرف الإنسان مصيره، هل هو من أهل الجنة، أو من أهل النار؟
فإن كان من أهل الجنة، فإنه يفرح ويسر، ويحب لقاء الله، فيحب الله لقاءه، وإن كان من أهل النار، فإنه يضجر ويتكدر ويقلق، وترتد روحه في جسده، لا تريد أن تخرج أصلًا، ويكره لقاء الله تعالى، فيكره الله لقاءه، وتنتزع الملائكة روحه انتزاعًا، وهذا معنى قوله: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا [النازعات:1]، فهذا هو المعنى الصحيح لهذا الحديث، بيّن المعنى الصحيح له حديث عائشة.
فمن أحب لقاء الله، يعني: عند النزع، أحب الله لقاءه، ومن كره القاء الله عند النزع، كره الله لقاءه، وليس المراد بقوله: من أحب لقاء الله يعني: أحب الموت، ومن كره لقاء الله: كره الموت، ليس هذا هو المقصود في الحديث، وإنما المراد حالة الإنسان عند النزع عندما يعرف مصيره، فإنه إذا كان من أهل الجنة يحب لقاء الله، ويحب الله لقاءه، وإذا كان من أهل النار يكره لقاء الله، فيكره الله لقاءه.
يعرف الإنسان مصيره، هل هو من أهل الجنة، أو من أهل النار؟ عند الاحتضار، عندما تبلغ الروح الحلقوم، ويأتيه ملك الموت لقبض روحه، في تلك اللحظة يعرف هل هو من أهل الجنة، أو من أهل النار؟ يعرف مصيره.
فإذا كان من أهل الجنة فإن الملائكة تبشّره، كما قال : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ [فصلت:30] يعني: عند الموت، وتقول لهم: أَلَّا تَخَافُوا يعني: مما أمامكم، وَلَا تَحْزَنُوا: على ما تركتم من أهل ومال وأولاد، فنحن نخلفكم فيها، وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ: تبشرهم بالجنة، فيفرحون بذلك، ويحبون لقاء الله، فيحب الله لقاءهم.
ولهذا توجد أحيانًا بعض العلامات التي تدل على فرح هذا الميت، بأن تظهر عليه مثلًا: ابتسامة، أو إشراقة في وجهه، ونحو ذلك، وفي المقابل من كان من أهل النار يعرف مصيره أنه من أهل النار عند الاحتضار؛ وذلك لأنه تأتيه ملائكة العذاب، وتبشره بعذاب الله وناره وسخطه، فيفزع فزعًا عظيمًا، وترتد روحه في جسده، تريد ألا تخرج، ويكره لقاء الله، وتنتزعه الملائكة، تنتزع الروح من الجسد انتزاعًا، ويكره لقاء الله، ويكره الله لقاءه.
فالإنسان يعرف مصيره، هل هو من أهل الجنة، أو من أهل النار لحظة الاحتضار، تلك اللحظة، تلك الساعة المهيبة العجيبة، الساعة الفاصلة في حياة الإنسان، تلك الساعة ساعة فاصلة في حياة الإنسان، يرى الإنسان الدنيا على حقيقتها، يعرف الدنيا على حقيقتها، ويرى أن الحياة الحقيقية هي حياة الخلود التي بعد الموت، هذه هي الحياة الحقيقية.
ولهذا عندما يرى الإنسان أهوال القبر، وأهوال القيامة يقول: يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24] لأنه يرى أن الحياة الحقيقية هي الحياة التي تكون بعد الموت، هي حياة الخلود، أما الحياة في الحياة الدنيا فهي حياة قليلة، متاع الدنيا قليل، لا يراها حياة أصلًا مقارنة بالحياة الباقية حياة الخلود، يقول: يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24] يرى أن الحياة الحقيقية إنما هي حياة الخلود بعد الممات.
باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله
ننتقل بعد ذلك إلى باب فضل الذكر والدعاء، والتقرب إلى الله، وحسن الظن به، وهذا الحديث قد سبق معنا في الدرس السابق، وهو حديث:
أبي هريرة ، عن النبي قال: قال الله : إذا تقرب عبدي مني شبرًا، تقربت منه ذراعًا، وإذا تقرب مني ذراعًا، تقربت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي، أتيته هرولة [22].
وأيضًا حديث:
أبي هريرة بلفظ: يقول الله : أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن اقترب إليَّ شبرًا، اقتربت إليه ذراعًا، وإن اقترب إليَّ ذراعًا، اقتربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة [23].
وهذه الأحاديث سبق أن شرحناها في الدرس السابق شرحًا وافيًا، لكن الإمام مسلم، ومثله البخاري يكرران أحيانًا بعض الأحاديث، لكونها ترد في مناسبة أخرى فيكررانها، فالأحاديث في البخاري ومسلم مكررة، فيها تكرار، فهذا الحديث قد سبق في الدرس السابق، وشرحناه بما يغني عن إعادة شرحه هنا.
ثم ساق المصنف أيضًا حديث أبي ذر:
قال: قال رسول الله : يقول الله : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن جاء بالسيئة، فجزاؤه سيئة مثلها، أو أغفر، ومن تقرب مني شبرًا تقربت منه ذراعًا، ومن تقرب مني ذراعًا، تقربت منه باعًا، ومن أتاني يمشي، أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئًا، لقيته بمثلها مغفرة [24].
وحديث أبي ذر فيه زيادة: يقول الله : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن جاء بالسيئة، فجزاؤه سيئة مثلها وهذا قد ورد في النصوص الكثيرة من القرآن والسنة: أن الحسنة تضاعف إلى عشر أمثالها أو أكثر، وأن السيئة يجزى عليها الإنسان بمثلها، وهذا من فضل الله أن السيئة لا تضاعف، السيئة يجزى بمثلها، وأما الحسنة فإنها تضاعف إلى عشر حسنات أو أكثر.
وقد تضاعف بغير حساب، كما في الصوم، فإن أجر الصوم بغير حساب، يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به [25]، يعني: جزاء خاصًا من عند الله غير مقيد بعدد، وهذا يدل على عظيم فضل الصيام، وعظيم أجره عند الله .
وقد تضاعف الحسنة بسبعمائة ضعف، كما في الصدقة: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ [البقرة:261]، وهنا المضاعفة كانت بأكثر من عشر مرات، فالحسنة تضاعف أضعافًا كثيرة، والحد الأدنى لمضاعفة الحسنة عشر، وقد تضاعف بأكثر منها، بحسب ما يقوم بالقلب من أعمال القلوب من اليقين والصدق والإخلاص، ونحو ذلك، وأما السيئة فيجزى بمثلها، فهذا من فضل الله ، وإحسانه لعباده أن السيئة يجزى بمثلها، وأما الحسنة فإن أجرها عند الله مضاعف.
فضل التوحيد
وأيضًا في حديث أبي ذر زيادة: ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئًا، لقيته بمثلها مغفرة وهذا يدل على فضل التوحيد، وإخلاص الدين لله ، فإن الشرك هو أعظم الذنوب، أعظم ذنب عُصي الله تعالى به الشرك.
كما قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [النساء:116]، ويقول سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48]، ويقول: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ [المائدة:72]، ويقول: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].
فالشرك هو أعظم الذنوب، الشرك يحبط العمل وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] فالشرك يحبط العمل، فلا تنفع لمشرك صلاة ولا صيام ولا زكاة، ولا أي عمل صالح، بل يجعله الله تعالى هباء منثورًا، كما قال سبحانه: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23].
فالشرك يهدم العمل، والمشرك حرم الله عليه الجنة إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ [المائدة:72] والمشرك مخلد في النار أبد الآباد، نسأل الله السلامة والعافية.
ولا تظن أن الشرك فقط إنما حصل للأمم السابقة، وليس موجودًا في وقتنا الحاضر، بل هو موجود في وقتنا الحاضر، يضرب بأطنابه في كثير من البلدان، فالذين يستغيثون بغير الله ، ويسألون أصحاب القبور المدد، وقضاء الحاجات، وتفريج الكربات، هؤلاء يقعون في الشرك الأكبر، الذين يطوفون في القبور، ويستغيثون بأصحاب القبور، ويسألون أصحاب القبور المدد، ويسألونهم قضاء الحاجات، ويسألونهم تفريج الكربات، هؤلاء يقعون في الشرك الأكبر، الذين يستغيثون بغير الله تعالى من البشر، بأن يستغيثوا بأناس صالحين، أو بصحابة، أو بما يسمونهم أولياء، أو بغيرهم، هؤلاء وقعوا في الشرك الأكبر.
لا يجوز الاستغاثة بغير الله ، حتى لا يجوز أن تقول: يا محمد، أو يا رسول الله، النبي قد مات، ولا بغيره، وإنما تدعو الله مباشرة، تقول: يا الله، فنجد أن الأضرحة الموجودة في بعض البلدان يطوف بها بعض الناس، ويسألون أصحابها قضاء الحاجات، ويسألون أصحابها تفريج الكربات، هؤلاء يقعون في الشرك الأكبر، الذي لا يغفره الله .
أو من يذبحون لغير الله، وأكثر ما يقع هذا من أهل الشعوذة والدجل، يفعلون ذلك، ويطلبون من يأتيهم من أراد الشفاء أن يفعل ذلك، ومن ذبح لغير الله، فقد كفر أو أشرك، فدعاء غير الله، والاستغاثة بغير الله، والذبح لغير الله، كل هذا من الشرك الأكبر، الذي لا يغفره الله .
ودل هذا الحديث على فضل التوحيد، وأن من لقي الله تعالى موحدًا مخلصًا لله ، لا يشرك بالله تعالى شيئًا، فإن الله تعالى يغفر له الصغائر؛ ولهذا قال: لقيته بقرابها مغفرة [26] يعني: لصغائر الذنوب.
فكما قال الله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء:31]، الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم:32]، إِلَّا اللَّمَمَ يعني: الصغائر.
الصغائر يكفرها اجتناب الكبائر، ويكفرها الصلوات الخمس، ويكفرها صيام رمضان، ويكفرها صلاة الجمعة، أما الكبائر فلا بد فيها من التوبة، الكبائر لا بد فيها من التوبة إلى الله .
من مات على التوحيد فهو على خير وإلى خير؛ لأن مصيره إلى الجنة، حتى وإن دخل النار، لا يخلد فيها، فإن معتقد أهل السنة والجماعة: أن من مات على التوحيد فمآله للجنة، ولا يخلد في النار، حتى وإن كان من أصحاب الكبائر، وإن دخل النار يعذب فيها ما شاء الله أن يعذب، ثم يخرج منها برحمة أرحم الراحمين، ويدخل الجنة.
هذا يدل على فضل التوحيد، فمن مات على التوحيد، فهو على خير، وإلى خير، ومآله للجنة، ولكن المصيبة فيمن مات على الكفر أو الشرك، فإن الله تعالى قد حرم الجنة على المشركين: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ [المائدة:72].
ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، نقف عند باب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا، ونجيب عما تيسر من الأسئلة.
الأسئلة
السؤال: ما حكم العمرة الرجبية، وهل ثبت أن النبي اعتمر في رجب؟
الجواب: تخصيص شهر رجب بالعمرة لا أصل له، ولم يثبت عن النبي أنه خصص شهر رجب بالعمرة، وإن كان ذلك قد روي عن ابن عمر، إلا أن عائشة استدركت عليه ، وقالت: “يرحم الله أبا عبدالرحمن، ما اعتمر النبي إلا في ذي القعدة، وما اعتمر في رجب قط” [27].
فالنبي لم يثبت عنه أنه خص شهر رجب بالعمرة، فشهر رجب لا يخص بالعمرة، ولا يخص بصلاة، ولا يخص بصيام، وإنما هو كغيره من الشهور، إلا أنه أحد الأشهر الحرم الأربعة، التي قال الله تعالى عنها: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36].
فهو أحد الأشهر الحرم الأربعة، لكنه لا يجوز تخصيصه بصلاة، ولا بصيام، ولا بعمرة، ولا بعمل صالح؛ لأن التخصيص يحتاج إلى دليل، ومن خصص زمنًا معينًا بعبادة معينة معتقدًا سنية ذلك، فقد وقع في البدعة الإضافية؛ لأن هذا التخصيص يحتاج إلى دليل، والأصل في العبادات التوقيف، إلا ما ورد الدليل بمشروعيته.
ونحن نعبد الله كما أراد الله ، وليس كما أردنا، نعبد الله تعالى كما يريد الله تعالى، ونحن نعرف مراد الله تعالى بالدليل من الكتاب والسنة، وفهم السلف الصالح، نعرف ذلك بهذه الأمور.
فالإنسان لا يستحسن بعقله، ويفعل العبادات بناء على الاستحسان العقلي، الاستحسان العقلي هو أصل البدع، وإنما العبادات المرجع فيها للدليل من الكتاب والسنة، ولم يثبت تخصيص رجب بعبادة من العبادات.
وقد صنف الحافظ ابن حجر رسالة سماها: “تبيين العجب بما ورد في فضل رجب” وخرج بنتيجة وهي أنه لم يثبت تخصيص شهر رجب بعبادة من العبادات.
السؤال: ما حكم شراء الذهب عن طريق مصرف الراجحي؟
الجواب: لا بأس بذلك؛ وذلك لأنه تتحقق معه الضوابط الشرعية، فمصرف الراجحي عنده مخزن يملكه، واتفق مع شركة من الشركات أن تضع ذهبًا في هذا المخزن، ويتوكل عن العميل في شراء الذهب، يعني يكون وكيلًا عنه.
فإذا طلب العميل منه شراء ذهب يكون وكيلًا عنه، ويشتري هذا الذهب نيابة عن العميل، ويودع المبلغ مباشرة في حساب البائع، وبما أن هذه المخازن تابعة لمصرف الراجحي، يكون قد تحقق القبض، فتحقق إذن التقابض وتحقق أيضًا التعيين، البنك عندما يشتري العميل هذا الذهب، يصدر شهادة تعيين فيها مواصفات هذا الذهب، ويرسلها للعميل.
فشراء الذهب عن طريق مصرف الراجحي منضبط بالضوابط الشرعية، ولا بأس به.
السؤال: ما فضل صيام الاثنين والخميس؟
الجواب: أما الاثنين فقد جاء في صحيح مسلم أن النبي كان يصومه، ويقول: ذاك يوم ولدت فيه، وبعثت فيه، أو أنزل عليَّ فيه [28]، وهذا يدل على استحباب صيام يوم الاثنين.
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يحب أن يصوم هذا اليوم، وهو اليوم الذي أنزل فيه القرآن، يعني وافق نزول القرآن يوم الاثنين، وأيضًا وهو اليوم الذي يوافق ولادة النبي عليه الصلاة والسلام، فقد ولد عليه الصلاة والسلام يوم الاثنين، فيستحب صيام يوم الاثنين قولًا واحدًا.
وأما صيام يوم الخميس، فقد ورد في ذلك حديث عن النبي ، وفي سنده خلاف بين أهل العلم، لكن عامة العلماء على استحباب صيام الخميس، فمن كان يصوم الاثنين والخميس، فهو على خير، وهو على عمل صالح.
والمتأكد من صيام النافلة: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، فإن هذا قد ورد في عدة أحاديث عن النبي ، كما في حديث عبدالله بن عمرو، وفي حديث أبي هريرة، وفي حديث أبي ذر، وفي عدة أحاديث صيام ثلاثة من كل شهر.
وبين النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عبدالله بن عمرو: أن صيام ثلاثة من كل شهر يعدل صيام الشهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، ثلاثة في عشرة يعني ثلاثين، فإذا اعتدت في كل شهر أن تصوم ثلاثة أيام منه، كأنك صمت السنة كلها؛ لأن صيام ثلاثة أيام تعدل صيام ثلاثين يومًا، فإذا استمررت على ذلك طيلة السنة، تصوم ثلاثة أيام من كل شهر، كأنما صمت الدهر كله.
ولكن من أحب أن يصوم الاثنين والخميس، فهذه مرتبة زائدة على صيام ثلاثة أيام من كل شهر.
السؤال: ما حكم تمويل التورق، وهل يدخل في النهي عن البيعتين في بيعة، حيث نقل عن بعض العلماء حرمة التورق من هذا الباب؟
الجواب: تمويل التورق لا بأس به، التورق معناه: أن يشتري الإنسان سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها على طرف ثالث نقدًا، ويستفيد من السيولة النقدية، وأكثر الفقهاء على جوازه؛ لأنهما عقدان منفصلان.
فأنا أشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم أعقد عقدًا آخر، وأبيع هذه السلعة على طرف ثالث نقدًا، والله تعالى يقول: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275] فلا بأس بالتورق، والتمويل الموجود في البنوك بالتورق إذا كان منضبطًا بالضوابط الشرعية لا بأس به، وأهم الضوابط الشرعية: أن البنك يبيع ما يملك، لا بد أن البنك يملك البضاعة، وأيضًا يكون تكون السلعة معينة، تكون السلعة معينة، فإذا كانت السلعة مملوكة للبنك، ومتعينة جاز التمويل بالتورق في هذه الحال، وهذا ما تمارسه المصارف الإسلامية.
وأما النهي عن بيعتين في بيعة، فأحسن ما قيل في تفسيره، هو ما ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله من أن المقصود بالنهي عن بيعتين في بيعة: بيع العينة، تكلم ابن القيم عن ذلك كلامًا مفصلًا، وهو أفضل من تكلم عن معنى هذا الحديث، فأحيل الأخ السائل إلى كتاب “تهذيب سنن أبي داود” للإمام ابن القيم عند شرح هذا الحديث، بين أن المقصود بالنهي عن بيعتين في بيعة أنه بيع العينة.
السؤال: هل من السنة دعاء كفارة المجلس عند الانتهاء من قراءة القرآن؟
الجواب: هذا روي فيه حديث، لكنه لا يثبت من جهة الإسناد، والمحفوظ هو حديث كفارة المجلس، الذي فيه أن النبي يقول: من جلس مجلسًا، فكثر فيه لغطه، فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت أستغفرك، وأتوب إليك، إلا كان كفارة لما كان في ذلك المجلس [29].
فقوله: فكثر فيه لغطه يدل على عدم اختصاص ذلك بمجلس القرآن ومجلس الذكر، وإنما تكون الكفارة في المجلس الذي يكون فيه اللغط، وربما يقع منه كلام محرم، فيكون هذا الذكر كفارة لما يكون في مجلسه.
السؤال: ما هي مدة الحيض، وعلامات الطهر، وماذا تفعل من لا ترى علامات الطهر؟
الجواب: مدة الحيض أكثر مدة للحيض هي خمسة عشر يومًا، وهذا هو المذهب عند المالكية والشافعية والحنابلة، يعني عند جمهور الفقهاء؛ وذلك لأن أكثر من خمسة عشر يومًا لا يكون دم حيض معتاد، وإنما هو دم غير طبيعي.
وهذا أيضًا هو المتقرر عند الأطباء، بل إن الأطباء ينقصون هذه المدة، ويقولون: أكثر مدة للحيض عشرة أيام، إلا في حالات نادرة، وهذه الحالات النادرة تصل إلى خمسة عشر يومًا، فإذن خمسة عشر يومًا تستوعب الحالات النادرة، فأكثر مدة الحيض عند جماهير أهل العلم هي خمسة عشر يومًا، فما زاد عليها فهو دم فساد تصلي معه المرأة وتصوم.
وأما علامات الطهر؛ فعلامات الطهر علامتان:
العلامة الأولى: القصة البيضاء، وهو: سائل أبيض يخرج من المرأة عند انتهاء الحيض، لكن هذه العلامة لا توجد عند بعض النساء، أو أنها عند بعض النساء تضطرب وتتأخر كثيرًا، فلا تعتبر، وحينئذٍ تنتقل للمرأة للعلامة الثانية، وهي: مضي يوم وليلة على الجفاف، إذا حصل معها جفاف وانقطاع للدم يومًا وليلة، تعتبر ذلك طهرًا.
فإذا كانت المرأة ممن لا تخرج معها القصة البيضاء تنتظر حينما يحصل معها الجفاف، وانقطاع الحيض، تنتظر يومًا وليلة، فإذا حصل معها الجفاف يومًا وليلة فأكثر، فهذه علامة الطهر، تغتسل معه المرأة وتصلي.
وقول الأخت السائلة: وماذا تفعل من لا ترى علامة الطهر؟
إذا كانت لا ترى علامة الطهر التي هي القصة البيضاء، تعمل بالعلامة الثانية وهي الجفاف، وانقطاع الدم يوم وليلة فأكثر.
ونكتفي بهذا القدر.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحاشية السفلية
^1, ^2 | رواه مسلم: 2677. |
---|---|
^3 | رواه أحمد: 4318، وابن حبان: 972. |
^4 | رواه أبو داود: 1481، والترمذي: 3477، وقال: حسنٌ صحيحٌ، وأحمد: 23937. |
^5 | سبق تخريجه. |
^6 | رواه البخاري: 472، ومسلم: 749. |
^7 | رواه مسلم: 2678. |
^8, ^9 | رواه مسلم: 2679. |
^10 | رواه البخاري: 6340، ومسلم: 2735. |
^11 | رواه مسلم: 2680. |
^12 | رواه مسلم: 2681. |
^13 | رواه مسلم: 2682. |
^14 | رواه الترمذي: 2330، وقال: حسنٌ صحيحٌ، وأحمد: 20415. |
^15 | رواه أحمد: 8399. |
^16 | رواه الطبراني في المعجم الأوسط: 507. |
^17 | رواه مسلم: 1631. |
^18 | رواه مسلم: 2683. |
^19 | رواه مسلم: 2684. |
^20 | رواه مسلم: 2685. |
^21 | رواه مسلم: 2686. |
^22, ^23 | رواه مسلم: 2675. |
^24 | رواه مسلم: 2687. |
^25 | رواه البخاري: 5927، ومسلم: 1151. |
^26 | رواه الترمذي: 3540، وقال: حسنٌ. |
^27 | رواه البخاري: 4254. |
^28 | رواه مسلم: 1162. |
^29 | رواه الترمذي: 3433، وقال: حسنٌ صحيحٌ. |