(25) باب فضائل أبي دجانة- من حديث “من يأخذ مني هذا؟..”

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

حياكم الله جميعًا في هذا الدرس الخامس والعشرين في التعليق على الفضائل من “صحيح مسلم”، في هذا اليوم الثلاثاء، الرابع من شهر رجب، من عام 1442 للهجرة.

من فضائل أبي دجانة 

وكنا قد وصلنا إلى باب فضائل أبي دجانة .

قال:

وأبو دجانة: صحابي جليل، شهد بدرًا، واشتهر بشجاعته، كما سيأتي في هذا الحديث، وقُتل باليمامة، واسمه سماك بن خرشة .

في غزوة أحدٍ أخذ النبي  سيفًا، وقال: مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذَا؟. يعني يقاتل به، فبسطوا أيديهم، يعني عدد كثير من الناس بسطوا أيديهم، كلٌّ يريد أن يأخذ هذا السيف من رسول الله  فيقاتل به، فقال: فَمَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ؟. فأحجم القوم، يعني تأخروا، وإنما أحجموا؛ لأنهم عرفوا أن الوفاء بحق سيف رسول الله  أمر خطير، وخافوا أن يلحقهم العجز بذلك.

فقام أبو دجانة سماك بن خرشة  فقال: أنا آخذه بحقه، فأخذه ففلق به هام المشركين أي شق رؤوسهم.

وهذا الحديث يدل على فضل هذا الصحابي الجليل من وجوه:

• الوجه الأول: أنه هو الوحيد الذي وافق على هذا العرض من النبي ، فإنه عليه الصلاة والسلام قال: من يأخذ هذا السيف بحقه؟. فأحجموا لم يتكلم أحد؛ خوفًا من ألا يقوموا بحقه، فقال أبو دُجانة: أنا يا رسول الله، وهذا يدل على فضل هذا الصحابي الجليل.
• الوجه الثاني: أنه لما أخذه قام بحقه، وقاتل المشركين قتالًا شديدًا، وفلق به هام المشركين، أي: شق رؤوسهم.
• الوجه الثالث: شجاعة أبي دُجانة ، حيث إنَّ أخذ سيف رسول الله  بحقه ليس بالأمر الهين، هو أمر كبير وخطير، ولذلك؛ أحجموا ولم يقبل بهذا العرض إلا هذا الصحابي الجليل، وهذا يدل على شجاعته، وعلى فضله رضي الله عنه وأرضاه.

ويستفاد من هذا أيضًا: أن الإنسان إذا غلب على ظنه القيام بمسؤولية فلا بأس أن يتقدم لها، ويسأل الله تعالى الإعانة، ووجه ذلك: أنَّ أخذ سيف رسول الله  بحقه فيه مسؤولية عظيمة، ومخاطرة كبيرة، فقد لا يقوم بحقه، وقد يعجز عن ذلك، ولكن لما كان أبو دُجانة  يعرف من نفسه الشجاعة والإقدام قبل بذلك، وهذا يدل على أن الإنسان إذا عرف من نفسه أنه سيقوم بهذه المسؤولية، فلا بأس أن يقبل بها، بل إذا رأى المصلحة الراجحة في طلبها فلا بأس، فإن يوسف عليه الصلاة والسلام قال للمَلِك: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ[يوسف: 55]. فطلب الولاية وزكَّى نفسه، وذلك؛ لما يترتب على ذلك من المصلحة العظيمة، بل من المصالح، وهذا ما تحقق بالفعل؛ فقد قام يوسف عليه الصلاة والسلام بهذه المسؤولية خير قيام، ولما حصلت المجاعة العظيمة أصبح الناس يفدون إلى مصر، ويأخذون من المِيرَة التي اجتمعت في مصر بفضل حسن إدارة يوسف عليه الصلاة والسلام للطعام في تلك الفترة.

تزكية النفس، وكذلك أيضًا القبول بالمسؤولية والولاية إذا علم الإنسان من نفسه الكفاية، وكذلك أيضًا غلب على ظنه حصول المصالح الراجحة، ولم يوجد من هو مثله ممن يقوم بذلك، فلا بأس أن يقبل بتلك المسؤولية، بل لا بأس أن يطلبها؛ كما فعل يوسف عليه الصلاة والسلام: قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ[يوسف: 55]، ولكن يطلبها لأجل تحقيق المصالح للمسلمين، وليس لأجل مصالحه الشخصية؛ فإن يوسف عليه الصلاة والسلام إنما طلب الولاية لأجل أن يحقق المصلحة العامة للناس، وليس لمصلحته الشخصية.

من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام 

ننتقل بعد ذلك إلى:

عبدالله بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي: صحابي جليل، وقد قُتل يوم أحد ومُثِّل به، قال جابر : حوَّلت أبي بعد ستة أشهر فما أنكرتُ شيئًا منه إلا شعرات من لحيته كانت مستها الأرض؛ لأنه كان قد دُفن في وادٍ في مسِيل، فخشي عليه من السيل، فأراد أن ينقله إلى مكان آخر بعد ستة أشهر، فلما كشف عن قبره وجده كما هو لم يتغير منه شيء إلا شعرات من لحيته فقط.

وقد جاء في الحديث: أن الله ​​​​​​​ كلمه كفاحًا، ولا يُعلم أن أحدًا غير الأنبياء كلمه الله كفاحًا إلا هو، وهذا يدل على فضله رضي الله عنه وأرضاه.

قال الإمام مسلم رحمه الله:

ثم ساق المصنف رحمه الله هذا الحديث بروايةٍ أخرى:

ثم ساق المصنف رحمه الله هذا الحديث:

ثم أيضًا ساق المصنف رحمه الله هذا الحديث:

عبدالله بن عمرو بن حرام قُتِل يوم أحد ومُثِّل به، وأتي به إلى النبي  مُسَجًّى، فأراد جابر  أن يرفع الثوب فيراه، فنهاه قومه؛ لئلا يتأثر؛ لأن والده قد مثَّل به المشركون، فرفعه رسول الله ، ورئي عبدالله بن عمرو، وقد مثَّل به المشركون، وسمع النبي عليه الصلاة والسلام صوت أخته تبكيه، فقال: ولم تبكي؟ فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع. وفي روايةٍ قال: تبكيه أو لا تبكيه، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه.

فوائد من قصة مقتل عبدالله بن حرام

وهذا الحديث فيه فوائد:

• أولا: فضل عبدالله بن عمرو بن حرام، هذ الصحابي الجليل الذي قُتِل يوم أحد، وقد كلمه الله كفاحًا كما ذكرنا.
  وفي هذا الحديث: بيَّن النبي  أن الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع.
  وإنما كانت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع لتزاحمهم عليه؛ لبشارته بفضل الله ورضاه عنه، وما أعد له من الكرامة، قاله القاضي عياض، فازدحموا عليه إكرامًا له وفرحًا به.
  وقيل: إنما أظلته الملائكة بأجنحتها من حرِّ الشمس؛ لئلا يتغير ريحه أو جسمه.
  وكلا المعنيين محتمل، فيحتمل أن المعنيين مرادان؛ أن الملائكة أتت وازدحمت عليه تبشره، وأيضًا حتى تظله من حرِّ الشمس؛ لأنه قال: تظله بأجنحتها حتى رُفع. وبكل حال، فهذه منقبة لهذا الصحابي الجليل، وفضيلة لم يشاركه فيها غيره.

• ثانيًا: من فوائد هذا الحديث: استحباب تسجية الميت وتغطيته، وهو مجمع عليه، والحكمة من ذلك: صيانة الميت من الانكشاف، فالميت ينبغي إذا مات أن يُغطَّى بغطاء فلا يكون مكشوفًا، وإنما يُغطى جميع جسمه بغطاء صيانة له عن الانكشاف؛ لأنه قد يظهر منه أمور لا يحب أن تظهر، فينبغي أن يسجى، وأن يغطى بغطاء حتى يغسل ويكفن، ويصلى عليه ويدفن.
• أيضًا من الفوائد: عناية الملائكة بخدمة الصالحين ومصاحبتهم؛ كما قال الله تعالى عنهم أنهم قالوا: نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ[فصلت: 31]. تقول الملائكة للصالحين: نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ[فصلت: 31]. فهنا في هذه القصة، الملائكة ما زالت تظل هذا الصحابي الجليل بأجنحتها حتى رُفع.
  والملائكة قد تستمع لتلاوة القرآن؛ كما جاء ذلك في قصة أسيد بن حضير  لما كان يقرأ القرآن فرأى ظُلَّة فيها نور، وأخبره النبي عليه الصلاة والسلام أنها الملائكة تستمع لتلاوته، فالملائكة قد تظهر لبعض الصالحين على صورٍ شتَّى.
  جاء في قصة عمران بن حصين  في “صحيح مسلم”: أن الملائكة كانت تسلم عليه عند السَّحَر، فتظهر الملائكة للصالحين بصور شتى، فهذا عمران  تسلم عليه، وهذا أسيد  تستمع لتلاوته، وهنا في هذه القصة تظل عبدالله بن حرام  بعد وفاته بأجنحتها، وهذا مصداق لقول الله  عنهم: نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ[فصلت: 31].

• أيضًا من الفوائد: فضل الشهادة في سبيل الله ؛ فإن هذا الصحابي الجليل نال ما نال من هذه الفضائل والرفعة والتكريم لأجل أنه استشهد في سبيل الله ، مع ما كان له من فضل، ومِن قَدَمِ صدقٍ في الإسلام.
  ومرتبة الشهادة تلي مرتبة النبوة والصدِّيقية، فأعلى المراتب: مرتبة النبوة، يليها في الفضل مرتبة الصدِّيقية، يليها مرتبة الشهادة، يليها مرتبة الصالحين؛ كما قال الله : وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا[النساء: 69]. فهؤلاء هم الذين أنعم الله عليهم من بني آدم هم أعظم بني آدم، وأكملهم وأشرفهم، أعظمهم الأنبياء، ثم الصديقون، ثم الشهداء، ثم الصالحون.
  ولهذا أُمر المسلمُ في كل ركعة من كل صلاة يصليها، فريضة كانت أم نافلة، أن يدعو الله  بهذا الدعاء العظيم: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ۝صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ[الفاتحة: 6، 7]، وصراط الذين أنعم الله عليهم، يعني: أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فإنه صراط مستقيم واحد واضح لا عوج له.

• أيضًا من الفضائل: النهي عن البكاء على الميت؛ فإن النبي  لما سمع صوت باكية قال: ولِمَ تبكي؟ فما زالت الملائكة تظله…. والبكاء على الميت إذا كان برفع صوت فإنه لا يجوز؛ لأن هذا هو النياحة التي نهى عنها النبي  ولعن النائحة، وقال: النائحة إذا لم تتب يجاء بها يوم القيامة ولها سربال من قطران ودرع من جرب ^[1]، وقال: ليس منا من شق الجيوب، ولطم الخدود، ودعا بدعوى الجاهلية ^[2].
  أما إذا كان البكاء بصوت منخفض ليس مرتفعًا فلا بأس به، وقد فعل بحضرة النبي  فإنه لما مات سعد بن معاذ  سُمع صوت بكاء من يبكي عليه، وأيضًا قصص أخرى كثيرة في هذا تدل على أنَّ البكاء من غير رفع صوت على الميت لا بأس به، ومثل ذلك أيضًا: دمع العين وحزن القلب، هذا كله لا بأس به، ولا ينافي الرضا، فالنبي  أعظم الناس رضًا بقضاء الله وقدره ومع ذلك؛ لمَّا مات ابنه إبراهيم دمعت عيناه، فقيل له: أنت يا رسول الله تدمع عيناك! قال: إنَّ القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون ^[3].
  الفضيل بن عياض رحمه الله، لما مات ابنه جعل في المقبرة يضحك، فقيل: لم تضحك؟! قال: إنَّ الله قضى قضاء فأردت أن أُبيِّن رضائي عن قضاء الله وقدره.
  وقال ابن تيمية رحمه الله وبعض أهل العلم قالوا: إن مقام النبي  أعظم من مقام الفضيل بن عياض؛ لأن الفضيل بن عياض إنما غلَّب جانب الرضا على الرحمة، بينما النبي عليه الصلاة والسلام جمع بين مقامي الرضا والرحمة، فهو راض بقضاء الله وقدره، ومع ذلك رحم هذا الطفل الذي مات؛ فجمع بين الرضا بقضاء الله والرحمة، ولذلك دمعت عيناه مع رضاه التام بقضاء الله وقدره، فكان مقام النبي عليه الصلاة والسلام أفضل وخيرًا من مقام الفضيل بن عياض الذي لم يستطع الجمع بين هذين المقامين، فغلَّب جانب مقام الرضا، ولذلك جعل يضحك.
  ولا شك أن المطلوب هو الاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، فالجمع بين الرحمة والرضا هو الأكمل.

• أيضًا: دل هذا الحديث على أنَّ من مات على خير عمله، فينبغي عدم البكاء والحزن عليه؛ لأنه قد انتقل إلى ما هو خير، ولذلك؛ لما سمع النبي  صوت الباكية قال: ولم تبكي؟ فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع. وفي الرواية الأخرى قال: تبكيه أو لا تبكيه، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه. فهو قد انتقل إلى ما هو خير، فلا وجه للبكاء والحزن عليه حينئذ.
  فمن خُتم له بخاتمة حسنة، وكان معروفًا بحسن السيرة والعمل الصالح، ينبغي عدم البكاء عليه، وعدم الحزن عليه؛ لأنه يرجى أنه قد انتقل لما هو خير ولما هو أفضل.
  والمؤمن بموته يستريح من هذه الدنيا، يستريح من عنائها ونصبها وتعبها، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: مستريح ومستراح منه ^[4]. قال: إن المستريح: هو المؤمن الذي يستريح من عناء الدنيا ونصبها، والمستراح منه: هو الكافر أو الفاجر.

• بقي فائدة أخيرة، وهي: أنه ينبغي لمن عزَّى ميتًا أن يُسَلِّيَه، وأن يذكر فضائل ما يعرفه عن هذا الميت؛ فإن النبي  لما سمع صوت أخت عبدالله بن حرام تبكي، أراد أن يسليها بهذا الكلام، قال: تبكيه أو لا تبكيه فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه. وهذا فيه تسلية عظيمة لها، وهذا يدل على أنه ينبغي لمن عزَّى أهل ميت في مُصابهم أن يحرص على تسليتهم ما أمكن، بأن يقول: إن هذا الميت مشهود له مثلًا بالخير والصلاح، ونرجو أنه قد انتقل إلى ما هو خير، ونحو ذلك؛ فإن هذه الكلمات فيها تسلية، وفيها جبر لأهل هذا الميت، ولها أثر عظيم في جبر مصابهم.

من فضائل جُليبيب 

ننتقل بعد ذلك إلى:

قصة زواج جُليبيب 

وجُلَيْبِيبٌ: تصغير جِلْبَابٍ، كان من بني ثعلبة حليفًا في الأنصار، ولم يكن من المشهورين من الصحابة، وكان  كان في وجهه دَمَامَة، فعرض عليه النبي  أن يتزوج، فقال: يا رسول الله أنا أتزوج؟ إذَنْ، تجدني كاسدًا يا رسول الله، فقال له النبي : إنك عند الله لست بكاسدٍ ^[5].

ثم قال النبي  لرجل من الأنصار: زوِّج ابنتك جليبيبًا، فقال هذا الرجل: حتى أستشيرها وأمها. فذهب هذا الرجل لزوجته، وكلمها بتزويج جليبيب فرفضت، وقالت: كيف نزوج جليبيبًا وكذا، وكذا،…؟! وسمعت الفتاة الصالحة الحوار بين أبيها وأمها، ثم قالت لأبيها وأمها: أتردون على رسول الله  أمره؟! فرضِيَت به، فزوجها أبوها جليبيبًا فدعا لها النبي  وقال: اللهم صُبَّ عليها الخير صبًّا، ولا تجعل عيشها كدًّا كدًّا ^[6]. فما رُئيت امرأةٌ من الأنصار أغنى ولا أنفق منها.

وفي هذه القصة قال الإمام مسلم رحمه الله:

فوائد من قصة مقتل جُليبيب

• وهذه منقبة لهذا الصحابي الجليل ، هو لم يكن مشهورًا، ولم يكن يعني من كبار الصحابة، والنبي عليه الصلاة والسلام قال بعد الغزوة: ماذا تفقدون؟ هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟. عدُّوا له من يعرفون، فلانا وفلانًا وفلانًا، ثم قال: هل تفقدون..؟، هل تفقدون..؟. حتى قالوا: لا. قال: لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا. يعني هذا الرجل الذي ليس مشهورًا، وليس معروفًا، ولا يهتم به أحد، النبي  قال: «لكني أفقده»، فطلبوه ووجدوه قد فعل فعلًا عظيمًا؛ قتل سبعة من المشركين ثم قتلوه، فالنبي عليه الصلاة والسلام احتمله على ساعدَيه، وقال: قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه. وهذا يدل على فضل هذا الصحابي الجليل .
• ويدل أيضًا على حسن خلق النبي عليه الصلاة والسلام حيث كان لا يحتقر أحدًا ويعامل الناس معاملة واحدة الغني والفقير عنده سواء، وأيضًا يدل على اهتمام النبي عليه الصلاة والسلام بأصحابه، كان يهتم بهم جميعًا، فهذا الرجل لم يكن أحد يهتم به، ولهذا لما عرض عليه النبي عليه الصلاة والسلام الزواج قال: إذَنْ..
  فانظر إلى عظيم خلق هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وعنايته بأصحابه العناية الكبيرة العظيمة، رجل ليس بمشهور ولا بمعروف، ومع ذلك يعتني به النبي عليه الصلاة والسلام هذه العناية ويهتم به.
  أولًا: أنه عرض عليه الزواج، وهذا الرجل قد أيس أن أحدًا يزوجه؛ لأنه كما قيل كان في وجهه دمامة، ولم يكن معروفًا من الكبار، ومن الأغنياء، ومن الأثرياء، فقال: إذن تجدني كاسدًا، قال هذه الكلمة محبطًا ويائسًا من أن يزوجه أحد، فرفع النبي عليه الصلاة والسلام من معنوياته، وقال: إنك عند الله لست بكاسد.
  ثم بعد ذلك خطب له امرأة من الأنصار، وقبلت به؛ لأن النبي  هو الذي خطبها له.
  ثم أيضًا بعد قتله في هذه المعركة، النبي عليه الصلاة والسلام سأل عنه، وقال: لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا. وأتي به فحمله ووضعه على ساعديه، وقال: هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه. فانظروا إلى حسن خلق النبي عليه الصلاة والسلام وإلى عنايته بأصحابه رضي الله تعالى عنهم، يعني رجل ليس من كبار الصحابة، وليس من الأثرياء، وليس من المعروفين، ومع ذلك يفعل به النبي  هذا الأمر، ما ظنك بحبه للنبي عليه الصلاة والسلام وتعلقه به، ولذلك؛ وصف الله تعالى نبينا محمدًا  بهذا الوصف العظيم، قال: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ[القلم: 4]. أكَّد الله ذلك بعدة مؤكدات:
  المؤكد الأول: (إنَّ).
  المؤكد الثاني: اللام.
  المؤكد الثالث: على حرف الاستعلاء (على).
  المؤكد الرابع: وصف الخُلُق بأنه عظيم، فعندما يقول الرب العظيم  لنبيه : وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ[القلم: 4]. فهذا يدل على عظيم خلقه  الذي فاق به جميع البشر، وهو سيد البشر، وسيد الأولين والآخرين صلوات الله وسلامه عليه.
  وأحاديث السيرة تكشف لنا شيئًا من جوانب هذه الأخلاق الكريمة الرفيعة العالية.

• وأيضًا من فوائد هذا الحديث: أن شهيد المعركة لا يُغسَّل، ولذلك؛ لم يذكر غَسلًا، فإن النبي  أمر بأن يدفن في ثيابه، وشهداء المعركة لا يغسلون، ويدفنون في ثيابهم، وقد وردت السُّنة بهذا، ولا يُصلَّى عليهم أيضًا؛ لأن الصلاة عليهم طلب مغفرة ورحمة، والله تعالى قد غفر لهم وأكرمهم بهذه الشهادة، كما ذكرنا أن مرتبة الشهادة أعظم المراتب بعد مرتبة النبوة والصِدِّيقيَّة.
  فشهيد المعركة إذَنْ لا يُغسَّل، ويُدفن في ثيابه بدمائه، ولا يصلَّى عليه؛ إكرامًا له، وهذا يدل على فضل الشهادة، وأنها من أعلى المراتب.

من فضائل أبي ذر 

ننتقل بعد ذلك إلى:

أبو ذَرٍّ: هو جُنْدُب بن جُنَادَة الغِفَاريُّ ، صحابي جليل، كان من السابقين إلى الإسلام.

سبب سكنى أبي ذر  الرَّبَذَةَ

وساق المصنف رحمه الله له هذه القصة العجيبة المليئة بالفوائد والعبر، وفي آخر حياته كانت له بعض الآراء التي انفرد بها عن بعض الصحابة، فكان له رأي بأن ما فضل عن الحاجة: أنه كنز ويجب التصدق به، كان يُنكر على الصحابة، يقول: كُلُّ ما فضل عن حاجتك ثلاثة أيام يجب عليك أن تتصدق به ولا تدخره؛ فشكاه معاوية إلى عثمان رضي الله عنهما، وأن هذا رأي لم يوافق عليه بقية الصحابة، فكلَّمه عثمان  في هذا، كأنه رأى أن الصحابة لم يوافقوه، وأنهم استنكروا عليه هذا الرأي، فاستأذن عثمانَ  في أن يسكن الرَّبَذَةَ، فسكن بها وتوفي سنة 31، ولم يصح أن عثمان  نفاه إلى الرَّبَذَة، وحاشا عثمان  أن يفعل ذلك؛ وإنما هو الذي طلب من عثمان ، استأذن منه أن يذهب إلى الرَّبَذَة فيعيش بها.

وكان عنده  صلابة في الرأي، ولذلك؛ قال له النبي : يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا، فلا تَأَمَّرَنَّ على اثنين، ولا تَوَلَّيَنَّ مال يتيم. لماذا قال: أراك ضعيفًا. مع أنه معروف بصلابة رأيه؟ قالوا: لأن صلابة الرأي ضعف، المرونة قوة، مرونة الإنسان في الرأي والأخذ والإعطاء والمحاورة، والتنازل عن الرأي، هذه قوة في شخصية الإنسان، كون الإنسان يتمسك برأيه، ما يتنازل عنه، هذا هو الضعف المراد في هذا الحديث، وهذه شخصية هذا الصحابي الجليل ، ليست نقصًا فيه، وإنما الناس خلقهم الله  متفاوتين في طباعهم.

كان  عنده هذه الصلابة في الرأي، فالنبي عليه الصلاة والسلام اعتبر هذا ضعفًا، فنهاه عن أن يتأمر على اثنين.

وقد ظهرت هذه الصلابة في القضية التي ذكرنا، أنه كان ينكر على من فَضَلَ عنده أكثر من ثلاثة أيام أن يدخره، ويأمره بالصدقة، ويرى أن ذلك واجبًا عليه، مع أن بقية الصحابة خالفوه، وبينوا له وأنكروا عليه، لكن كان عنده هذا التمسك بالرأي رضي الله عنه وأرضاه، ولذلك؛ نهاه النبي عليه الصلاة والسلام عن أن يتأمر على اثنين، أو أن يتولى مال يتيم.

إسلام أبي ذر  ورحلته إلى مكة

هذه القصة تدل على فضل هذا الصحابي الجليل:

يعني: يستبيحونه ويفعلون في الشهر الحرام ما يفعلون في غير الأشهر الحرم.

والأشهُر الحُرُم هي: ذو القعدة وذو الحجة ومُحرم ورجب، فهذا الشهر الذي نحن فيه الآن شهر رجب، هو أحد الأشهر الحرم.

أنيس بن جندب أخوه.

يعني: عشيرته، رأوا أن خالهم أكرم ابني أخته وحسدوهم.

يعني: قاموا بوشاية بين خال أبي ذر، وأبي ذر وأخيه، فقالوا لأبي ذر :

قالوا لخال أبي ذر وخال أنيس: إنك إذا خرجت عن زوجتك خالف إليها أنيس، ففعل الفاحشة بزوجتك.

يعني: أشاع وتكلَّم.

يعني: قال أبو ذر : قلت:

بسبب اتهامك لأخي أنيس بما هو بريء منه، كان ينبغي له أن يتثبت.

يعني لا اجتماع بيننا وبينك.

الصرمة: هي القطعة من الإبل، يعني قربنا الإبل.

حملنا أمتعتنا، وكُلَّ ما يخصنا عليها.

يعني: جعل يبكي ندمًا على ما حصل منه من اتهامه لابن أخته بفعل الفاحشة، فندم على ذلك ندمًا عظمًا، ولكن هذا جُرْحٌ، كون الإنسان يأتي وينقل كلام الآخرين، ويقول: إنك تفعل بزوجتي كذا، وهذا المتهَم بريء، هذا لا شك أنه من أعظم ما يكون من الجرح للمشاعر، ولهذا؛ كان موقف أبي ذر وأخيه صارمًا، فقالوا: إنك أفسدت معروفك الذي فعلت معنا، بنقل هذا الكلام إلينا، ولهذا؛ قال: أما ما مضى من معروفك فقد كدَّرته، ولا جِماع لك فيما بعد، يعني: لا اجتماع بيننا وبينك.

يعني: قريبًا من مكة.

المنافرة: كانت معروفة عند العرب، يعني: هي المفاخرة والمحاكمة، وتكون في عدة أشياء ومن بينها الشِّعر.

أنيس بن جنادة أخو أبي ذر وجد رجلًا من العرب، فطلب منه أن ينافره في الشعر، يعني: هذا يقول شعرًا، وهذا يقول شعرًا، وهذا يقول شعرًا، وهذا يقول شعرًا، ثم يأتيان إلى كاهن، ويقولان: أيُّنا أفضل؟ فالأفضل يأخذ براحلةِ وصرمةِ وناقةِ الآخر، فأنيس اتفق مع واحد من العرب، وكل منهما قال شعرًا، وذهبا إلى كاهن.

قال الكاهن لأنيس : أنت الأفضل، وأنت الخير.

يعني: أتى بالإبل التي لنا وإبل مثلها، التي أخذها من الرجل بسبب هذه المنافرة.

قال أبو ذر :

يقول هذا لعبدالله بن الصامت ، يقول: إني كنت أصلي قبل أن ألقى النبي 

كيف كان يصلي قبل أن يُسلِم؟! كيف كان أبو ذر  يصلي قبل أن يسلم بثلاث سنين؟

قال أبو العباس القرطبي، أحد الشراح “لصحيح مسلم”: هذا من الإلهام للقلوب الطاهرة، والعقول السليمة.

والذي يظهر، والله أعلم: أنه كان يصلي صلاةً ليس مثل الصلاة المعروفة؛ لأن أبا ذرٍّ كان يَتَأَلَّه في الجاهلية، ويقول: لا إله إلا الله، ولا يعبد الأصنام، كان هناك بعض العقلاء من العرب يفعلون ذلك، كان عنده نوع من التَّأَلُّه والتوجه إلى الله ، وكانوا على بقايا دين إبراهيم ، وكانوا ينكرون عبادة الأصنام، ولا يشربون الخمر، فكان من هؤلاء الصنف أبو ذر ، فكان يصلي صلاة ليست مثل الصلاة المعروفة، لكنها نوع من التعبد.

قال:

يعني: لمن صليت قبل أن تسلم؟

يعني: تتوجه إلى ماذا؟

يعني أصلي إلى أي جهة.

يعني: كان يصلي من الليل طويلًا، حتى إذا كان آخر الليل اضطجع كأنه كِسَاءٌ، خِفَاء يعني: كساء، يعني: يصلي، يصلي، يصلي، ثم يُلقِي نفسه في الفراش كأنه كساء.

أخوه أنيس يقول له: إن لي حاجة في مكة.

يعني: قم بالأمور التي أقوم بها هنا.

يعني: أبطأ وتأخَّر.

يقول أبو ذر لأخيه أنيس: ما صنعت؟

يعني: على التوحيد.

يريد: النبي عليه الصلاة والسلام.

كان من فحول شعراء العرب.

يعني: على أنواع الشعر وطرقه.

يعني يقول: أنا أعرف الشعر، جميع طرق الشعر وجميع أنواع الشعر، ليس القرآن بشعر أبدًا، وهذا يعني أن أنيس من فحول شعراء العرب.

الصادق يُعرف من وجهه، ويُعرف من لهجته، ويُعرف من مقالته، ولهذا؛ لما رأى عبدُالله بن سلام النبي  قال: فلما رأيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب. من عنده فراسة يستطيع بمجرد أن ينظر إلى الشخص أن يعرف أنه صادق أو كاذب.

يعني: قم بما قمتُ به أنا واكفني. يعني: يقصد ما عنده من الإبل، وكذلك الأهل ونحو ذلك؛ حتى أذهب لمكة.

يعني بحثت عن أضعفهم، تضعَّفت يعني: نظرت إلى أضعفهم فسألته؛ لأن الضعيف يعني يقولون مأمون الغائلة غالبًا.

يعني النبي .

يعني: بدلًا من أن يدلني على رسول الله  جعل يشير إليَّ، ويدعو الناس إليَّ، ويغريهم أن يلحقوا بي الضرر.

يعني: مستهزئًا وساخرًا.

يعني أهل مكة.

جعلوا يضربونه، وأخذوا المدرة، المدرة: هو التراب المتلبد، جعلوا يضربونه به.

يضربونه بالتراب وبالعظم وبالحصباء.

يعني: من شدة الضرب.

النصب: هو الصنم والحجر، كانت الجاهلية تنصبه وتذبح عنده فيحمر بالدم، فمن شدة ضربهم له يقول: كأني أصبحتُ مثل هذا الصنم الذي يذبح عنده؛ لأنه سالت منه الدماء بسبب شدة ضربهم له.

يعني أنه مكث خمسة عشر يومًا بلياليها، فثلاثين بين ليلة ويوم، يريد: خمسة عشر يومًا بلياليها.

خمسة عشر يومًا ما يأكل ولا يشرب إلا زمزم فقط.

سبحان الله! كان لا يأكل ولا يشرب إلا من زمزم ومع ذلك سمن، زاد وزنه.

يعني: حتى تكسر لحم البطن من السمنة، مع أنه ما كان -خلال خمسة عشر يومًا- يأكل ولا يشرب إلا من زمزم.

أي ما وجدت رِقَّة جوعٍ أو ضعفٍ بسبب الجوع.

في ليلة قمراء، يعني: مقمرة، وهي ليالي البدر.

وقوله: “إضحيان”. يقال: إضحيان، وأضحيان. المقصود بها: الليلة المضيئة.

يعني: أسماخ الأذان، يعني: المقصود: أنهم ناموا، يريد بهذا العبارة “ضُرِب على أسمختهم”: أنهم ناموا، أن الناس ناموا، وكان في ليلة مقمرة والناس قد ذهبت ونامت.

أتى للكعبة ما وجد أحدًا يطوف.

إلا فقط وجد امرأتين.

تدعوان الصنمين اللذين يسميان إسَافًا ونائلة.

إسَاف: رجلٌ من جُرْهُم، وهو إسَاف بن عليٍّ.

ونائلة: بنت زيد بن جرهم، وكان إساف هذا قد عشق نائلة، ثم أقبلا حاجَّين، ثم دخل إساف ونائلة في الكعبة فزنا بها، نسأل الله العافية! فمُسِخا حجرين، فأمر عمرو بن لُحَيٍّ بعبادتهما، فجُعل أحدُهما مُلصَقًا بالكعبة، والآخر عند زمزم.

ثم بعد ذلك قيل: إنهما نقلا إلى الصفا والمروة.

فجَعَلَتا هاتان المرأتان تدعوان هذين الصنمين: إسافًا ونائلة.

يريد بذلك الاستهزاء والسخرية، كيف تعبدان هذين الصنمين؟! ويريد تعيير عبادة الأصنام.

يعني: ما انتهتا، بل استمرتا في عبادة هذين الصنمين.

 فقلت: “هَنٌ”. الهَنُ: كناية عن كل شيء، وأكثر ما يستعمل عن الفرج والذَّكر خاصة، فيقول: هذا من الخشبة. ويريد بذلك سب إسافٍ ونائلة بالكلام الصريح، يقول: إني لا أكني.

يعني: تدعوان بالويل والثبور.

يعني: من رجالنا.

وجدهما تُوَلْوِلان.

يريدان أبا ذر، تشكوان أبا ذر  للنبي عليه الصلاة والسلام.

لأنه عيَّر هذه الأصنام بكلام فيه سب صريح ولا يَكْنِي.

يعني: أبا بكر.

ويحتمل: أن أبا ذر أُلهِم ذلك، أو أنه علم ذلك بالاستقراء والسؤال.

لكن في بعض الروايات قال: وعليك السلام ورحمة الله.

لما قال من غفار قال النبي عليه الصلاة والسلام هكذا.

طيب: لماذا قال هكذا؟

لأن غفار كانوا معروفين بقطع الطريق، فتعجب النبي عليه الصلاة والسلام كيف يخرج منهم هذا الرجل الذي يكون من السابقين إلى الإسلام من قبيلة معروفين بقطع الطريق، وبسمعتهم السيئة، يعني أنت من غفار؟ جعل النبي عليه الصلاة والسلام يقول هكذا: أنت من غفار؟ ثم قال: إن الله يهدي من يشاء، يخرج الحي من الميت، والميت من الحي، فقلت: نعم.

 فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ، جعل أبو ذر يريد أن يأخذ بيد النبي عليه الصلاة والسلام.

 فَقَدَعَنِي صَاحِبُهُ أبو بكر. يعني: كفني.

 وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي، يعرف ماذا يريد.

يعني: من خمسة عشر يومًا بلياليها.

يعني: لحم البطن.

يعني: ضعفًا ولا هزالًا.

يعني: يكون ضيفًا عندي.

أبو بكر كان من أغنياء الصحابة؛ فأطعمه من زبيب الطائف.

يعني: بمكة.

يعني: بقيتُ ما بقيت.

يعني: أُريت وِجهة أرض سأهاجر إليها، وإني أظنها يثرب التي هي المدينة، كانت تسمى يثرب قبل تسمية النبي  لها بالمدينة، وطابة، وطيبة.

يعني: اذهب وادع قومك للإسلام فإن الله سينفع بك ويأجُرك فيهم؛ لأنه من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه.

يعني: أنني أيضًا سأسلم مثلك.

أسلم إذَنْ أخوه أنيس.

إذَنْ أسلم أبو ذر، وأخوه أنيس، وأمهم.

يعني: مبالغة في الحمل أي: حملنا أنفسنا وأمتعتنا وكل ما معنا على إبلنا فسافرنا.

نصفهم أسلم، ونصفهم قال: سنسلم إذا قدم النبي عليه الصلاة والسلام المدينة.

فأسلمت الآن قبيلة غِفار وقبيلة أسلم.

هذه القصة قصة عجيبة، مليئة بالفوائد والعبر، ولا يتسع الوقت للكلام عن فوائدها، نحن فقط شرحنا ألفاظ هذه القصة العظيمة، وإن شاء الله نفتتح الكلام عن فوائدها الدرس القادم بإذن الله .

ونكتفي بهذا القدر.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة والأجوبة

هل البسملة آية من الفاتحة؟

السؤال: هل البسملة آية من الفاتحة؟

الجواب: هذا محل خلاف بين العلماء، والقول الراجح: أن البسملة ليست بآية من الفاتحة وإن كانت آية من القرآن، هي آية من القرآن، نزلت للفصل بين السور، ما عدا سورة براءة فليست بآية بينها وبين الأنفال، ولكنها ليست بآية من الفاتحة على القول الراجح، ويدل لذلك ما جاء في “صحيح مسلم” عن أبي هريرة  عن النبي  قال: قال الله تعالى: قسمتُ الصلاة -يعني الفاتحة- بيني وبين عبدي نصفين؛ فإذا قال العبد: الحمدُ لله رب العالمين. قال الله: حمدني عبدي. فإذا قال العبد: الرحمن الرحيم. قال الله: أثنى عليّ عبدي. فإذا قال العبد: مالكِ يوم الدين. قال الله: مجدني عبدي،… إلى آخر الحديث ^[7].

ووجه الدلالة أنه قال: فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين. ولم يقل: فإذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم؛ فدل على أن البسملة ليست بآية من الفاتحة.

حكم ترك سجود التلاوة

السؤال: هل يأثم الشخص إذا ترك سجود التلاوة؟

الجواب: لا يأثم؛ لأن سجود التلاوة ليس واجبًا؛ وإنما هو مستحب، ويدل لذلك: أن النبي  قرأ عليه زيد بن ثابت سورة النجم فلم يسجد، هذا في البخاري، وأيضًا في “صحيح البخاري” عن عمر  أنه خطب الناس، وقرأ سورة النحل، فلما بلغ آية السجدة نزل من على المنبر وسجد، وسجد الناس معه، ثم قرأها في الجمعة الثانية، فلما وصل إلى آية السجدة لم يسجد، وقال: إنه لم يكتب علينا السجود إلا أن نشاء، وكان هذا بمحضر من الصحابة؛ فكان كالإجماع، فسجود التلاوة ليس واجبًا؛ وإنما هو مستحب استحبابًا مؤكدًا، فمن لم يسجد سجود التلاوة فلا شيء عليه.

هل القراءات السبع هي الأحرف السبعة؟

السؤال: هل القراءات السبع هي الأحرف السبعة التي أخبر بها النبي ؟

الجواب: لا، ليست هي الأحرف السبعة، القرآن نزل على سبعة أحرف من باب التيسير على الناس؛ لأن العرب كان لهم عدة لهجات، فنزل القرآن على لغات العرب، ثم بعد ذلك في عهد عثمان  لما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، وحصل الاختلاف في قراءة القرآن جمع عثمان  المصاحف، واتفق الصحابة على كتابة المصحف على حرف قريش، وعلى العرضة الأخيرة التي عرض النبي  فيها المصحف على جبريل ، وأمر عثمان  بتحريق بقية المصاحف، فاجتمعت الأمة على حرف واحد، ثم هذا الحرف الواحد كانت منه هذه القراءات السبع المتواترة، فهذه القراءات السبع إنما هي من حرف واحد، وهو حرف قريش الذي أجمع عليه الصحابة، وليس المقصود بقراءة السبع الأحرف السبعة.

حكم ترك صلاة الجماعة للنزهة

السؤال: ما حكم ترك صلاة الجماعة بسبب النزهة في البَرِّ؟

الجواب: إذا كان الذهاب للبَرِّ أكثر من فرسخ، يعني: أكثر من 5 كيلو عن البلد فلا بأس، يكون هذا عذرًا له في ترك صلاة الجماعة فيصلي وحده، وإن كان معه في البَرِّيَّة أحد فيصلون جماعة في البرية؛ لأنه بعيد عن البلد، ولا يسمع النداء، والجماعة إنما تجب على من سمع النداء.

ماتت أمها وتريد وإشراكها في الصدقة التي كانت عن أبيها

السؤال: امرأة وضعت لوالدها بعد وفاته بَرَّادة ماء على نيته، وبعد وفاة والدتها تريد إشراكها كذلك في البرادة على نيتها؟

الجواب: إذا كان هناك وصية فليس لها ذلك، إنما يُخَصُّ الوالد بوصيته، أما إذا لم يكن هناك وصية وتريد هذه البنت أن تجمع بين أمها وأبيها في هذه البرادة فلا بأس، لكن هنا أنبه إلى أن الإشراك في الثواب يُنقِص من الأجر، يعني: من كان له الأجر كاملًا هذا أكمل وأحسن، وإذا أشركت معه غيره في الثواب فمعنى ذلك: أن هذا الثواب يشترك فيه أكثر من شخص فيكون أقل ممن لم يشرك معه في الثواب.

حكم العمل في الشركة التي هي وسيطة لشركات التأمين

السؤال: إذا كانت الشركة وسيطة لشركات التأمين، هل يجوز العمل فيها؟

الجواب: التأمين ينقسم إلى قسمين: تأمين تجاري، وتأمين تعاوني، أما التأمين التعاوني فهو جائز، والتأمين التجاري أكثر العلماء المعاصرين والذي عليه المجامع الفقهية وهيئة كبار العلماء في المملكة أنه مُحرَّم، وعلى ذلك؛ فما كان من قبيل شركات التأمين التعاونية فهي جائزة، وما كان من قبيل شركات التأمين التجاري فممنوعة.

صفة بيع الدَّين بالدَّين

السؤال: ما صفة بيع الدين بالدين المحرمة؟

الجواب: بيع الدَّين بالدَّين له عدة صور؛ من أشهرها: أنه يبيع دينًا بدين، يعني هذا الدَّين مؤجل في ذمة إنسان، ويبيعه بدين آخر، فيكون هذا من قبيل بيع الكالئ بالكالئ، والدَّين بالدَّين، وهذا لا يجوز، ونُقل إجماع العلماء على تحريمه.

ومن الصور أيضًا: أنه إذا حل الدَّين على المدين، قال الدائن للمدين: إما أن تقضي وإما أن تُرْبِي. فإن قضى، وإلا أخَّر عنه الدَّين وزاد عليه في مقداره، وهذا من صور ربا الجاهلية.

ومن ذلك أيضًا: قلب الدَّين، بأن يزيد في مقدار الدين بسبب زيادة الأجل، فالدين إذا ثبت في الذمة لا تجوز زيادته، لا تجوز الزيادة عليه، والشرط الجزائي في الدَّين محرم.

حكم الشرط الجزائي: الشرط الجزائي إذا كان في الديون فإنه محرم، وذلك بأن يقول الدائن للمدين: إذا حل الدين ولم تسدد، أحسب عليك غرامة تأخير. هذا محرم.

أما الشرط الجزائي في غير الديون فلا بأس به، لو اتفقت مع عامل على أن يبني لك بيتًا، وقلتَ: أحسُبُ عليك غرامة تأخير إذا تأخرت عن المدة المتفق عليها لبناء البيت، مثلًا المدة المتفق عليها سنة، فكل يوم تأخير يحسب عليك غرامة تأخير، هذا لا بأس به، كذلك مثلًا: اتفقت مع مكتب استقدام على أنه إذا تأخر فيحسب عليه غرامة تأخير، لا بأس بذلك.

فالقاعدة في هذا: أن الشرط الجزائي في الديون محرم، والشرط الجزائي في غير الديون لا بأس به.

ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.