logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح أبواب من صحيح مسلم/(45) باب استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام- من حديث “اشفعوا فلتؤجروا..”

(45) باب استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام- من حديث “اشفعوا فلتؤجروا..”

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

حياكم الله تعالى في هذا الدرس العلمي في شرح “صحيح مسلم”، وهو الدرس الخامس والأربعون في كتاب البِرِّ والصلة والآداب، في هذا اليوم الثلاثاء الثامن عشر من شهر ربيع الآخر 1443 للهجرة.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.

ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

نبدأ على بركة الله:

كنا قد وصلنا إلى:

باب: استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام

قال الإمام مسلم -رحمه الله- في “صحيحه”:

عن أبي موسى، قال: كان رسول الله  إذا أتاهُ طالب حاجة، أقبل على جُلَسائِه فقال: اشفعُوا، فَلْتُؤجَرُوا، وَلْيَقْضِ الله على لسان نبيِّه ما أحب[1].

هذا الحديث يدل على فضل الشفاعة لأصحاب الحوائج، سواء أكانت الشفاعة إلى السلطان، أو الشفاعة إلى إنسان ثري، أو نحو ذلك من الناس، مما تُقضَى على يده حوائج الناس.

وكذلك أيضًا الشفاعة في وصول إنسان إلى حقه، أو الشفاعة في رفع ظلم عن إنسان، أو نحو ذلك مما ليس فيه إبطال حق أو إحقاق باطل.

فإذا كانت الشفاعة ليس فيها إبطال حق ولا إحقاق باطل، ولم تكن الشفاعة أيضًا في الحدود بعد بلوغها السلطان، فإنها من الأمور المندوب إليها، ومن الأمور المستحبة.

ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: اشفعوا فَلْتؤجروا؛ يعني: أنَّ مَن يشفع فإنه يؤجر من الله ​​​​​​​ على شفاعته؛ لأنها عملٌ صالح، ففيها مساعدة لأخيك المسلم، وفيها سعي لقضاء حوائجه، ولكن بشرط ألا تكون الشفاعة في إبطال حق أو إحقاق باطل، فإنها لا تجوز.

فإذا كانت الشفاعة مثلًا لأجل تَخَطِّي الأنظمة التي وُضعت لأجل المصلحة العامة، فإن هذه تدخل في الشفاعة الممنوع منها.

وكذلك أيضًا الشفاعة في الحدود بعد بلوغها السلطان، لا تجوز؛ كما جاء في الحديث: إذا بلغت الحدود السلطان، فلعن الله الشافع والمشفع[2] وأيضًا في الحديث الآخر: مَن حالت شفاعته دون حدٍّ من حدود الله، فقد ضادَّ الله في أمره[3].

فالشفاعة -إذن- قد تكون مُحرَّمة، وقد تكون مستحبة:

  • فتكون محرمة إذا كانت في إبطال حق أو في إحقاق باطل أو في إسقاط الحدود بعد بلوغها السلطان.
  • وأما إذا كانت في قضاء حوائج المسلمين ومساعدتهم، أو في رفع ظلم، أو في الشفاعة لإيصال حق إلى صاحبه، فهذه مساعدة لأخيك المسلم، وهي عمل صالح يؤجر عليه المسلم.

ومِن أبرز مَن أدركنا مِن مشايخنا ممن لهم عناية بالشفاعة للمسلمين: سماحة شيخنا عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله تعالى-، فإنه كان كثير الشفاعة لمن يطلب منه الشفاعة في قضاء حاجته، وقضى الله تعالى على يديه حوائج كثيرة للمسلمين.

وكان يقول: أنا أشفع، فإما أن تُقضَى حاجة أخي المسلم، وإما أن يكون لي الأجر، فالأجر حاصل حاصل، سواء قُضِيتْ حاجة أخي المسلم أو لم تُقضَ حاجته، فبمجرد الشفاعة يحصل الأجر، فإذا حصل الأجر على الشفاعة وقُضِيَتْ حاجة المسلم فذلك ما نبغي، وهذا نور على نور، وإذا حصلت الشفاعة ولم تُقْضَ الحاجة فقد ثبت الأجر.

وقد ورد في القرآن الكريمِ الإِشارةُ إلى هذا المعنى في قول الله تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85]، فقسَّم الله تعالى الشفاعة إلى قسمين: شفاعة حسنة، وشفاعة سيئة.

  • فالشفاعة السيئة كالشفاعة مثلًا التي تحول بين إقامة الحدود، هذه شفاعة سيئة، ويكون على الإنسان كفل منها، ووزر منها وإثم.
  • وأما إذا كانت الشفاعة حسنة؛ كالشفاعة لمساعدة المسلم الفقير في قضاء حاجته، فهذه شفاعة حسنة؛ ولهذا قال ربنا سبحانه: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85].

باب: استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء

ننتقل بعد ذلك إلى:

باب: استحباب مُجالسة الصالحين، ومُجانبَةِ قُرناء السُّوء.

أخرج مسلم -رحمه الله- في “صحيحه”:

عن أبي موسى، عن النبي  قال: إنما مَثَلُ الجليس الصالح والجليس السَّوء، كحامل المِسك ونافخ الكِير؛ فحامل المسك: إما أن يُحْذِيَكَ، وإما أن تَبْتَاعَ منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيِّبة. ونافخ الكِير: إما أن يُحْرِقَ ثيابك، وإما أن تجد ريحًا خَبيثة[4].

مَثَلُ الجليس الصالح والجليس السوء

فمثَّل النبي الجليسَ الصالح والجليس السوء بهذا المثال العجيب.

“مَثَلُ الجليس الصالح كحاملِ المسكِ”، والمِسكُ هو طِيب وهو من أجود أنواع الطِّيب.

“فحامل المسك” -يعني- هذا يبيع الناس المسك، هذا “إما أن يُحذيك”؛ يعني: يُهدي لك هدية، “وإما أن تبتاع منه”؛ يعني: تشتري منه هذا المسك، “وإما” على الأقل “أن تجد منه ريحًا طيبة”، فأنت رابح بكل حال، ولو لم يحصل لك إلا أن تجد منه الرائحة الطيبة.

وأما “نافخ الكير”؛ المقصود به: الذي ينفخ في النار لأجل تليين الحديد ونحو ذلك، فهذا نافخ الكير، “إما أن يُحرق ثيابك”؛ يعني: أثناء عمله بنفخ الكير يحرق ثيابك، “وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة”، فأنت خاسر بكل حال.

دل هذا الحديث على فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق، وأهل العلم والورع، وأن المسلم يستفيد بهذه المجالسة، ويرى أثرها عليه في أمور دينه ودنياه.

وكما يقال: إن الإنسان يتأثر بأكثر خمسة مجالسين له، أيُّ إنسان في الدنيا يتأثر بأكثر خمسة مجالسين له.

فإذا كان جلساؤه من أهل الخير والاستقامة والصلاح فلا بد أن يتأثر بهم، وإذا كان جلساؤه على العكس من ذلك فلا بد أن يتأثر بهم.

ولهذا؛ من قديم الزمانِ والناسُ إذا أرادوا تقييم شخص سألوا عن جلسائه، فإذا ذكر أن جلساءه من أهل الخير والصلاح فإن هذا يعتبر تزكية له، وإذا قيل إن جلساءه على العكس من ذلك من أهل الشر والفساد، فإن هذا يعتبر عند الناس ذمًّا له. ثم إن أثر المجالسة لا يخفى، فالإنسان يتأثر بجلسائه تأثرًا كبيرًا.

ولذلك؛ ينبغي أن يختار المسلم، وأن ينتقي من الجلساءِ الجليسَ الصالح الذي يعينه إذا ذكر، ويُذكِّره إذا نسي.

وأما الجليس السوء، فإنه يجد الأثر السيئ عليه في أمور دينه ودنياه، فهو شؤم عليه؛ ولهذا، فيوم القيامة عندما يرى الظالم الأوزار التي عليه والذنوب التي كُتبت عليه يَعَضُّ على يديه، وقد ذكر الله تعالى لنا هذا المشهد فقال: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا [الفرقان:27]، فيندم ندمًا عظيمًا؛ لكونه لم يكن مستقيمًا ولم يطع الرسول .

ثم إنه في حياة مليئة بالندم، يخص أمرًا واحدًا يرى أنه هو السبب في انحرافه عن الصراط المستقيم، وهو السبب في انتكاسته، وأن معظم الذنوب إنما أتت بسببه، ما هو؟ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ۝لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي [الفرقان:28-29].

فيرى أن الجليس السوء كان له الأثر السيئ عليه؛ ولهذا يندم الندم العظيم على مصاحبته، فيقول: لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا، لماذا؟ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي.

ولذلك يكون عدوًّا له يوم القيامة؛ لأنه يرى أنه قد تسبَّب له في مصائب عظيمة؛ كما قال الله تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67].

فيرى أن هذا الخليل الذي كان خليله في الدنيا، أنه قد أساء إليه، وتسبَّب له في مصائب؛ ولذلك يكون عدوًّا له، ويندم الندم العظيم، ويقول: لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ۝ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي [الفرقان:28-29].

وهذا يبين لنا عظيم أثر الجليس، وأن الجليس يؤثر على الإنسان من حيث لا يشعر.

علامة الجليس الصالح والجليس السوء

فما علامة الجليس الصالح، وما علامة جليس السوء؟!

علامة الجليس الصالح أنك تجد أثر ذلك عليك في أمور دينك ودنياك، فتجد أن أمور دينك تسير من حسن إلى أحسن، وأمور دنياك كذلك، يكون عندك حسن تدبير لها.

وعلامة الجليس السيئ -جليس السوء- أن ترى أثر النقص عليك في أمور دينك ودنياك، فتجد أن أمور دينك تسير من سيئ إلى أسوأ، وكذا أمور دنياك.

فهذه هي علامة الجليس الصالح وجليس السوء.

ومن أعظم ما يكون من الجليس الصالحِ المرأةُ الصالحة؛ لأن الزوجة تكون قريبة من الزوج، ويقضي الزوج معها الكثير من الوقت.

فإذا كانت الزوجة صالحة؛ فإنها تُعين الرجل على أمور دينه ودنياه وتكون بركة عليه، أما إذا كانت الزوجة سيئة فإنها تكون شؤمًا عليه ويرى النقص في أمور دينه ودنياه.

ولهذا؛ لما ذكر النبي الشؤم قال: إن كان الشؤم في شيء ففي ثلاث، وذكر منها: المرأة يعني: الزوجة[5].

فبعض النساء صالحات قانتات بركةٌ على الزوج، تُعينه على أمور دينه ودنياه، تحثه على الاستقامة على طاعة الله ، تحثه على المحافظة على الصلوات، تحثه على بره لوالديه وعلى صلته لرحمه، تُحسن تدبير المال، تكون بركة على هذا الزوج.

وعلى العكس من ذلك المرأةُ السيئة، تكون شؤمًا عليه، ويرى أثرها السيئ في أمور دينه ودنياه، فيرى أنها لا تحثه على الاستقامة على طاعة الله ، بل على العكس من ذلك، وربما تأمره بعقوق الوالدين، وبقطيعة الرحم، وتكون سيئة التدبير في المنزل.

فهذه المرأة امرأة سيئة، فهي تشبه جليس السوء الذي شبهه النبي بنافخ الكير. وأما المرأة الصالحة، فهي تشبه الجليس الصالح الذي شبهه النبي بحامل المسك؛ ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: الدنيا متاعٌ، وخيرُ متاعها المرأةُ الصالحة[6].

من فوائد هذا الحديث: جواز بيع المسك؛ وذلك لأن النبي قال: فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، فذكر النبي البيعَ للمسك، وهذا يدل على طهارته، وعلى أنه لا بأس ببيعه. وهذا قول عامة أهل العلم، بل قال النووي: أجمع العلماء على ذلك، على أنه يجوز بيع المسك.

باب: فضل الإحسان إلى البنات

ننتقل بعد ذلك إلى:

باب: فضل الإحسان إلى البنات.

قال الإمام مسلم -رحمه الله- في “صحيحه”، وساق بسنده:

عن عائشة زوج النبي ، قالت: جاءتني امرأةٌ ومعها ابنتان لها، فسألتني فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة واحدةٍ، فأعطَيتُها إيَّاها، فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكُل منها شيئًا، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فدخل عليَّ النبيُّ فحدَّثتُهُ حديثها، فقال النبيُّ : من ابتُلِيَ من البنات بشيءٍ فأحسن إليهِنَّ؛ كنَّ له سِتْرًا من النار[7].

ثم ذكر المصنف -رحمه الله- قصة أخرى:

عن عائشة، أنها قالت: جاءتني مسكينةٌ تحمل ابنتين لها، فأطعَمْتُهَا ثلاث تمرات، فأعطت كلَّ واحدةٍ منهما تمرة، ورفعت إلى فِيهَا تمرة لتأكُلَها، فاسْتَطْعَمَتْهَا ابنتاها، فشقَّت التمرة التي كانت تريد أن تأكُلَها بينهما، فأعجبني شأنُها، فذكَرْتُ الذي صنعتْ لرسول الله ، فقال: إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار[8].

هاتان القصتان، والقصتان مختلفان، فليستا قصة واحدة، ولهذا نبَّه الشُّراح إلى تعدد القصة.

وبيت النبي -عليه الصلاة والسلام- يقصده ناس كثير، وكان الفقراء في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- كثيرين؛ ولذلك لا غرو في تعدد القصة.

ففي القصة الأولى تقول عائشة -رضي الله عنها-: جاءتني امرأة ومعها ابنتان، فسألتني فلم تجد عندي إلا تمرة، فأعطيتها إياها، فأخذتها وقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئًا. فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: مَن ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار.

فوائد من قصة عائشة لما جاءتها مسكينة تحمل ابنتين لها

  • أولًا: دل هذا الحديث على أن بيت النبي أنه كان بيت زهد؛ ولذلك تقول عائشة -رضي الله عنها-: كان يمر علينا الشهر والشهران والثلاثة، ولم يكن يوقد في بيت رسول الله نار[9]. يعني: لما أتت هذه المسكينة تسأل عائشة -رضي الله عنها- شيئًا، فلم تجد شيئًا تعطيها إياها سوى تمرة واحدة، تمرة واحدة فقط في بيت النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو خير البشر وسيد البشر، فأخذتْ هذه التمرة وأعطتها هذه المرأة وقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئًا، فذكرتْ ذلك عائشةُ رضي الله عنها للنبي عليه الصلاة والسلام، فقال: مَن ابتلي من البنات بشيء سمَّى ذلك ابتلاء؛ يعني: لأن الناس من قديم الزمان يفضلون الذَّكَر على الأنثى؛ كما قال الله تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [النحل:58].

أو لأن القيام بشؤون البنات فيه نوع من الابتلاء؛ لأن البنت تحتاج إلى تربية وإلى رعاية ثم تزويج، وتحمُّل ما قد يقع من مشكلات، ونحو ذلك.

فسماه النبي -عليه الصلاة والسلام- ابتلاء، وقال: مَن ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن، وفيه الحث على الإحسان إلى البنات نظرًا لضعفهن، كن له سترًا من النار، وهذه بشارة من النبي لمن كان عنده بنات فأحسن إليهن: أن هؤلاء البنات يكن سترًا له من النار يوم القيامة؛ فينال بذلك هذا الفضل العظيم؛ بإحسانه لبناته أنهن يكن سترًا له من النار يوم القيامة.

وأما في القصة الأخرى: تقول عائشة -رضي الله عنها-: “جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كلَّ واحدة من ابنتيها تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعتْ لرسول الله “.

يعني: هذه المرأة المسكينة، لما أتت عائشة رضي الله عنها، عائشة رضي الله عنها لم تجد إلا ثلاث تمرات فأعطتها إياها، فأعطت كل واحدة من ابنتيها تمرة، التمرة الثالثة أرادت أن تأكلها فاستطعمتها ابنتاها فأخذت التمرة وقسمتها نصفين، وأعطت كل واحدة من ابنتيها نصف تمرة، ولم تأكل شيئًا، قالت عائشة رضي الله عنها: فأعجبني شأنها، فذكرتُ ذلك الذي صنعت لرسول الله ، فقال: إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار.

  • وهذا يدل على فضل الإحسان إلى البنات، وأن هذا الإحسان قد يكون سببًا لدخول الجنة، والعتق من النار؛ ولذلك؛ فهذه المرأة لما أحسنت إلى ابنتيها بهذه التمرة، أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن الله قد أوجب لها بها الجنة.

ولهذا؛ فالإحسان إلى الأولاد عمومًا من بنين وبنات، فيه الأجر العظيم، وفيه الثواب الجزيل من الله .

فعلى الأب والأم أن يحتسب الأجر والثواب عند الله سبحانه في الإحسان إلى أولادهما؛ فإن الإحسان إلى الأولاد سبب من أسباب دخول الجنة؛ ولهذا فالنبي عليه الصلاة والسلام قال في هذا الحديث: إن الله قد أوجب لها بها الجنة.

  • ودل هذا الحديث على أن الإنسان لا يدري أين مَحَالُّ مَحَابِّ الله تعالى ومرضاته، فهذه المرأة المسكينة التي أتت إلى عائشة رضي الله عنها تستطعمها، فأعطتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة من ابنتيها تمرة، فلما رفعت التمرة الثالثة إلى فيها استطعمتها ابنتاها، فأخذتها وشقتها وقسمتها نصفين بين ابنتيها، ولم تأكل شيئًا.

هذه المرأة -يعني- ربما أنها لم تُعِر اهتمامًا بهذا الأمر وهذا الذي حصل منها، لكن هذا الذي حصل منها قد وقع عند الله تعالى موقعًا عظيمًا، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن الله تعالى قد أوجب لها بها الجنة؛ بسبب هذا العمل، بسبب هذا الإحسان، الذي ربما أن هذه المرأة لم تُلْق له بالًا، وإنما بحكم العاطفة والشفقة على ابنتيها أخذت التمرة وقسمتها بين ابنتيها نصفين، ومع ذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار.

وهذا يدل على أن الإنسان لا يدري أين مَحَالُّ محابِّ الله تعالى ومرضاتِه، فربما يعمل الإنسان عملًا لا يُلقي له بالًا، يقع عند الله تعالى موقعًا عظيمًا يوجب الله تعالى له بسببه الجنة، أو يعتقه به من النار.

ولذلك؛ يقول النبي : إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالًا؛ يَكتب الله تعالى له بها رضوانه إلى يوم يلقاه[10].

وهذا يدل على أنه ينبغي للمسلم ألا يحتقر شيئًا من الأعمال الصالحة؛ لا تَسْتهِن بشيء، لا تحتقر شيئًا من الأعمال الصالحة، لا تدري ربما أن هذا العمل الصالح الذي تراه أنت قليلًا يقع عند الله موقعًا عظيمًا.

فدائمًا، احرِص على أن تكون مبادرًا مسارعًا للخيرات مسابقًا إليها، ولا تحتقر فتقول: هذا عمل يسير؛ ربما هذا اليسير الذي تراه أنت يسيرًا ربما يكون عند الله تعالى عظيمًا، ويكون عند الله تعالى كبيرًا.

ولذلك؛ أخبر النبي عن رجلٍ وجد غصن شجرة في الطريق، فأخَّره عن المسلمين فغفر الله له، وأخبر عن امرأة بغي وجدت كلبًا يلهث يأكل الثرى من شدة العطش فسقت هذا الكلب فغفر لها.

فالإنسان لا يدري أين يقع هذا العمل عند الله ، فربما يقع عند الله تعالى موقعًا عظيمًا.

ولهذا؛ ينبغي ألا يستقل المسلم شيئًا من الأعمال الصالحة، خاصة ما كان في باب الإحسان للآخرين؛ فإن الإحسان للآخرين ثوابه عظيم، وأجره عند الله جزيل.

إذا أحسنت إلى فقير، أو أحسنت إلى مسكين، أو أحسنت إلى أرملة، أو أحسنت إلى يتيم، فإن هذا الإحسان ثوابه عند الله عظيم جدًّا، وأجره عند الله تعالى كبير، والله تعالى يقول: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195].

وفي المقابل أيضًا، ينبغي للمسلم ألا يستقل ويحتقر شيئًا من الذنوب بحجة أن هذه معصية ذنبها قليل أو يسير؛ فربما أنها تقع عند الله عظيمة، ويكون هذا الذنب عند الله تعالى كبيرًا.

ولذلك؛ قال عليه الصلاة والسلام: قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان. قال الله: من ذا الذي يتألى عليَّ ألا أغفر لفلان، قد غفرت له وأحبطت عملك[11].

هذا الرجل تكلم بكلمة، قال: “والله لا يغفر الله لفلان”، هذه الكلمة كانت سببًا لحبوط عمله، فربما أن الإنسان يتكلم بكلمة، أو أنه يقع في ذنب ويستهين به، لكنه يكون عند الله عظيمًا.

ولهذا؛ قال عليه الصلاة والسلام: وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا يكتب الله تعالى بسببها سخطه إلى يوم يلقاه[12].

فضل مَن عال جاريتين حتى تبلُغا

ثم ساق المصنف رحمه الله حديث أنس :

قال: قال رسول الله : مَن عال جاريتين حتى تبلُغا، جاء يوم القيامة أنا وهو وضمَّ أصابعه[13].

وهذا يدل على فضل الإحسان إلى البنات، وأن من احتسب الأجر عند الله في الإحسان لبناته أنه يكون ذلك العمل سببًا لدخول الجنة، بل يكون سببًا لمرافقة النبي في الجنة.

قال: جاء يوم القيامة أنا وهو وضمَّ أصابعه.

باب: فضل من يموت له ولد فيحتسبه

باب: فضل من يموت له ولد فيحتسبه.

وساق المصنف رحمه الله حديث أبي هريرة :

عن أبي هريرة، عن النبيِّ  قال: لا يموتُ لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسَّه النار، إلا تَحِلَّةَ القَسَم[14].

أولًا: معنى قوله: إلا تحلة القسم؛ أي: ما ينحل به القسم، وهو اليمين في قول الله : وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [مريم:71].

وإن منكُم إلا واردها هنا الواو على تقدير قَسَم مُقدَّر؛ أي: والله إن منكم إلا واردها، فالمقصود بالورود هو المرور على الصراط؛ وذلك أن الصراط يُنصَب على متن جهنم، ولا بد أن يمر عليه جميع الناس حتى الأنبياء والرسل، لكن مِن الناس مَن يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كأجود الخيل، ومنهم من يسقط وهم أهل النار.

فهذا معنى تحلة القسم؛ يعني أن هذا الذي مات له ثلاثة من الولد أنه لا تمسه النار إلا فقط تحلة القسم؛ يعني: مروره على الصراط كغيره من أهل الجنة الذين لا بد أن يمروا على الصراط.

وهنا، في هذا الحديث، قال: لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد، لكن جاء في حديث أبي هريرة الآخر الذي ساقه المصنف رحمه الله:

أن رسول الله قال لنسوة من الأنصار: لا يموتُ لإحداكنَّ ثلاثة من الولد فَتَحْتَسِبهُ، إلا دخلت الجنة. فقالت امرأةٌ منهنَّ: أو اثنين يا رسول الله؟ قال: أو اثنين[15].

وأيضًا ساق المصنف رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري :

قال: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثِك، فاجعل لنا من نفسِك يومًا نأتيك فيه، تُعلِّمُنا مما عَلَّمَكَ الله. قال: اجتمِعْن يوم كذا وكذا. فاجتمَعْن، فأتاهنَّ رسول الله فعلَّمهُنَّ مما عَلَّمَهُ الله، ثم قال: ما منكنَّ من امرأةٍ تُقَدِّمُ بين يديها من ولدها ثلاثة، إلا كانوا لها حجابًا من النار. فقالت امرأةٌ: واثنين، واثنين، واثنين؟ فقال رسول الله : واثنين، واثنين، واثنين[16].

وساق المصنف رحمه الله أيضًا أحاديث أخرى في هذا المعنى.

أولًا: حديث أبي هريرة : لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم، هذا يدل على فضل مَن مات له ثلاثة من الولد قبل بلوغ الحُلُم؛ يعني وهم صغار، لكن بشرط الاحتساب.

ولهذا؛ في الحديث الآخر قال: فتحتسبه، فإذا مات للإنسان ثلاثة من الأولاد الصغار فاحتسَبَه لن تمسه النار، يكون هؤلاء الثلاثة من الولد سترًا له من النار.

ولذلك أيضًا؛ في حديث أبي هريرة قال: لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة.

ثم إن المرأة لما سألت النبي عليه الصلاة والسلام قالت: واثنين؟ قال: واثنين.

وهذا محمول على أنه أوحي إلى النبي عليه الصلاة والسلام أنه ما مِن إنسان يموت له ثلاثة إلا دخل الجنة، أو كانوا له سترًا من النار، ثم إنه أوحي إلى النبي عليه الصلاة والسلام أنه كذلك لو مات اثنان يكون ذلك سببًا لدخول الجنة.

وقد جاء أيضًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله قال: مَن كان له فَرَطان من أمتي أدخله الله بهما الجنة[17]. يعني: من مات له طفلان صغيران قبل البلوغ فاحتسَب ذلك عند الله ؛ كان ذلك سببًا لدخوله الجنة.

قالت عائشة رضي الله عنها: ومَن كان له فَرَطٌ؟ يعني: مَن لم يمت له إلا ولد واحد، ابن أو بنت، وهو صغير قبل البلوغ.

فقال عليه الصلاة والسلام: ومن كان له فَرَطٌ، أيضًا فإنه يدخل الجنة، ثم قال عليه الصلاة والسلام: يا مُوفَّقَة. لأن هذا السؤال يدل على التوفيق، فوفِّقَت عائشة رضي الله عنها في هذا السؤال؛ ولذلك أثنى النبي عليه الصلاة والسلام عليها بهذا السؤال، فقال: ومَن كان له فَرَطٌ يا موفقة.

قالت: فمن لم يكن له فَرَطٌ من أمتك؟؛ يعني: من لم يمت له أحد من أولاده قبل البلوغ، قال عليه الصلاة والسلام: فأنا فَرَطُ أمتي، لم يصابوا بمثلي. أخرجه الترمذي وأحمد بسند صحيح[18].

وهذا يدل على أنه أولًا أوحي إلى النبي عليه الصلاة والسلام: أنه ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد إلا أدخله الله بهم الجنة، ثم قال الصحابة: واثنين؟! فأوحي إليه: واثنين، ثم قالت عائشة رضي الله عنها: وواحد؟ فأوحي إليه، قال: وواحد، وفرح النبي عليه الصلاة والسلام بذلك؛ ولهذا قال لعائشة رضي الله عنها: يا موفقة.

وهذا يدل على فضل الصبر والاحتساب عند فقدِ الولد، فَقْدُ الولد هو من أعظم ما يكون من المصائب، أعظم ما يكون من مصائبِ فَقْدِ الأعزاء فقدُ الأولاد؛ وذلك لأن الله تعالى جبل الوالدين على المحبة والشفقة على أولادهما، فإذا أصيب الأب أو الأم بفقد ولده فإن هذه المصيبة مصيبة عظيمة، فإن صبر واحتسب كان له الأجر العظيم من الله تعالى.

وهنا خصَّ الأولاد بمَن مات قبل البلوغ، قالوا: لأن محبة هؤلاء الأولاد تكون أشد، وتتعلق أنفس والديهما بهما أكثر، فتكون المصيبة أعظم، فإذا صبر الأب والأم على فقد هؤلاء الأولاد كان ذلك سببًا لدخولهم الجنة.

وهذا يدل على فضل الصبر والاحتساب عند المصائب، خاصة إذا كانت المصيبة عظيمة كفقد الأولاد، فقد الأولاد هو أشد ما يكون من مصائب الدنيا، أشد ما يكون من مصائب الدنيا.

فقد الأولاد هو أشد مِن فقد أي قريب آخر؛ ولذلك كان الأجر عظيمًا عند الصبر والاحتساب بأن هذه المصيبة تكون سببًا لدخوله الجنة والنجاة من النار، بل إنه في حديث أبي هريرة قال: لا تمسه النار إلا تحلة القسم؛ يعني: إلا فقط مجرد المرور على الصراط.

فهذا يبين الفضل العظيم في حق من مات له ولد فأكثر قبل البلوغ، ثم صبر واحتسب الأجر عند الله ، وكذلك أيضًا لو مات له ولد بعد البلوغ، فإن الأجر عظيم عند الله .

ولهذا؛ جاء في الحديث الصحيح: أن النبي قال: إن الله يقول: إذا ابتليت عبدي بفقد حبيبتيه فصبر واحتسب دخل الجنة أو كما قال عليه الصلاة والسلام[19].

فهذا يدل على الفضل العظيم عند الصبر والاحتساب على هذه المصائب، وأن الأجر عند الله تعالى عظيم، وأن الثواب جزيل.

وهذا أيضًا يشمل بقية مصائب الدنيا، كلما كانت المصيبة أعظم وصبر الإنسان عليها واحتسب الأجر من الله تعالى والثواب، فإن الأجر يكون أعظم.

ولذلك؛ ذِكْر النبي عليه الصلاة والسلام لفقد الولد قبل البلوغ، هو كالمثال لتلك المصائب العظيمة التي تقع للإنسان، فإن هو صبر واحتسب الأجر عند الله كان ذلك من أسباب دخوله الجنة.

دل حديث عائشة رضي الله عنها في قول النبي عليه الصلاة والسلام: يا موفقة، على أنه لا بأس باستخدام هذا اللفظ؛ أن تقول لغيرك: يا موفق، إذا رأيته قد وُفق في طرح سؤال أو في إيراد فائدة، أو نحو ذلك، فتقول له: يا موفق، أو: أنت موفق في هذا.

فهذا المصطلح استخدمه النبي عليه الصلاة والسلام مع عائشة رضي الله عنها لما سألت هذا السؤال العظيم، فأجابها النبي عليه الصلاة والسلام، ثم أثنى على سؤالها، فقال: يا موفقة؛ لأن السؤال من مفاتيح العلم، فالسؤال هو أحد مفاتيح العلم، فإذا سأل الإنسان غيره فإنه يستفيد بإجابته، خاصة إذا كانت الإجابة ينتفع بها أناس كثير، كإجابات النبي عليه الصلاة والسلام، فطَرْح السؤال المفيد هذا توفيق من الله .

ولهذا؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها لما طرحت هذا السؤال عليه، قال: يا موفقة.

فلا بأس باستخدام هذا المصطلح، أن تستخدمه في حق من رأيت أنه قد وُفق، مَن طرح سؤالًا مهمًّا، تقول: يا موفق، أو مَن طرح فائدة مهمة، تقول: يا موفق، أو تقول لفلان: أنت موفق، ونحو ذلك.

حكم اجتماع النساء للاستفادة من العالم

دل حديث أبي سعيد الخدري على أنه لا بأس باجتماع النساء إلى العالِم للاستفادة من علمه؛ ولذلك فالنساء طلبن من النبي عليه الصلاة والسلام أن يُخصص لهن يومًا، فاجتمعن به، وعلَّمهن مما علَّمه الله.

وعلى ذلك؛ فإذا خصص دروسًا خاصة بالنساء يلقيها أحد العلماء، فهذا من الأمور المشروعة، فإن النساء شقائق الرجال، فيمكن أن تُخصَّص بعض الدروس أو المحاضرات للنساء فيلقيها عالِم من العلماء، وتستفيد النساء، ويعلمهن ذلك العالم مما علَّمه الله .

وفي وقتنا الحاضر، مع وجود وسائل التقنية الحديثة، يمكن للمرأة المسلمة أن تستفيد من الدروس والمحاضرات، ومما يُلقى مما فيه فائدة، أن تستفيد عبر هذه الوسائل، فتستفيد بذلك أجرًا عظيمًا، وتتفقه في أمور دينها؛ كما كان نساء الصحابة رضي الله عنهن يحرصن على ذلك، ويجتمعن بالنبي عليه الصلاة والسلام، ويطلبن أن يعلمهن مما علَّمه الله، ويطرحن عليه الأسئلة. فهذا من الأمور المشروعة.

بل كان بعض النساء يسألن النبي عليه الصلاة والسلام عن أحكام بعض الأمور الخاصة؛ ولهذا أثنت عليهن عائشة رضي الله عنها، فقالت: “نِعْمَ النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين”[20].

فلا بأس بأن تسأل المرأة عما يُشكل عليها من أمور دينها، وإن كان المسؤول رجلًا، فتسأله مثلًا عن أحكام الحيض؛ حتى تستبين ويتضح لها الأمر وتكون على بصيرة من أمر دينها، وتسأله مثلًا عن أحكام النفاس، وتسأله عن -مثلًا- ما قد تجده من وساوس أو إشكالات، أو نحو ذلك.

فهذا لا بأس به، وهذا من التفقه في الدين؛ ولهذا قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: “نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين”.

حتى وإن كان السؤال عن أمر خاص لكنه أشكل عليها في أمر دينها، فلا مانع من أن تسأل وتطرح هذا السؤال، هذا خير من أن تبقى على جهل ولا تدري عن الحكم.

بعض النساء يشكل عليها أمر الدورة الشهرية، الحيض، وتكون أمور الحيض عندها مرتبكة، وتفتي نفسها بنفسها، وهذا خطأ كبير، فالواجب عليها أن ترجع لأحد أهل العلم، وأن تسأله عن الحكم الشرعي في ذلك، وهل هي حائض أو أنها طاهر؟ هل تصلي وتصوم وتأخذ حكم الطاهرات أو أنها تبقى حائضًا؟

ومع وجود وسائل التقنية الحديثة، يمكن أن تصل لأحد أهل العلم وتسأله عما أشكل عليها من أمور دينها؛ فالمرأة كالرجل، مطلوب منها أن تتفقه في الدين، وأن تسأل عما يشكل عليها من أمور دينها.

ولهذا؛ كان النساء يجتمعن بالنبي عليه الصلاة والسلام، ويطرحن عليه الأسئلة، حتى يطرحن عليه بعض الأسئلة في الأمور الخاصة كما كان نساء الأنصار يفعلن؛ ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: “نعم النساء نساء الأنصار؛ لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين”.

هل صوت المرأة عورة؟

ودل هذا الحديث على أن صوت المرأة ليس بعورة؛ لأن هؤلاء النسوة اجتمعن بالنبي عليه الصلاة والسلام، وكان أولًا عنده بعض الصحابة، وربما طرحن السؤال وعنده بعض الصحابة أيضًا.

وهذا يدل على أن صوت المرأة ليس بعورة، ولكن لا يجوز لها أن تخضع بالقول عند مخاطبة الرجال؛ ولهذا قال الله : فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب:32].

فقوله: وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا يدل على أن صوت المرأة ليس بعورة إذا كانت المرأة تتكلم بالكلام المعروف الذي ليس فيه خضوع بالقول.

وأيضًا: ليس مطلوبًا من المرأة أن تتكلم بالكلام الخشن؛ لأن بعض النساء ربما تفهم هذا أن تتكلم بالكلام الخشن الذي يكون فيه نوع من الجفاء. ليس هذا المطلوب من المرأة، وإنما المطلوب عند محادثة الرجال أن تتكلم بالكلام المعروف، بالقول المعروف من غير خضوع بالقول: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب:32]؛ يعني: إذا تكلمتُنَّ فتكلمن بالكلام المعروف من غير جفاء وقسوة، ومن غير خضوع بالقول.

ننتقل بعد ذلك إلى حديث أبي هريرة :

عن أبي حَسَّانَ قال: قُلْتُ لأبي هُرَيْرَة: إنه قد مات لِيَ ابْنَانِ، فما أَنْتَ مُحَدِّثِي عن رسول اللهِ بِحَدِيثٍ تُطَيِّبُ به أَنْفُسَنَا عن مَوْتَانَا؟ قال أبو هريرة: نَعَمْ: صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ، يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ –أَو: أَبَوَيْهِ- فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ -أَوْ قَالَ: بِيَدِهِ- كما آخُذُ أَنَا بِصَنفَةِ ثَوْبِكَ هَذَا، فَلَا يَتَنَاهَى -أَوْ قَالَ: فَلَا يَنْتَهِي- حَتَّى يُدْخِلَهُ اللهُ وَأَبَاهُ الْجَنَّةَ[21].

قوله: صغارهم دعاميص الجنة؛ “دعاميص”: جمع “دعموص”، وهم الصغار، “دعاميص” يعني: صغار أهلها، وأصل الدعموص: دويبة تكون في الماء لا تفارقه؛ أي: أن هذا الصغير في الجنة لا يفارقها.

فيأخذ بصَنفة ثوبك أو بصَنْفة ثوبك، وبإسكان النون أصح؛ ولهذا ضبطها النووي رحمه الله قال: بفتح الصاد، أو أنه بكسر النون: وصَنِفَة ثوبك هكذا، وهذا هو الذي اختاره النووي رحمه الله، قال: هو بفتح الصاد وكسر النون بصَنِفة ثوبك، قال: وهو طَرَفُه، ويقال لها أيضًا: صنيفة ثوبك.

فيأخذ هذا الصغير أباه حتى يُدخِله الله تعالى به الجنة.

ثم ساق المصنف رحمه الله هذا الحديث أيضًا من طريق أخرى:

عن أبي هريرة قال: أتت امرأةٌ النبيَّ بصبيٍّ لها، فقالت: يا نبيَّ الله، ادع الله له؛ فلقد دفنت ثلاثةً. قال: دفنتِ ثلاثةً؟. قالت: نعم. قال: لقد احْتَظَرْتِ بِحِظَارٍ شديدٍ من النار[22].

ومعنى قول النبي عليه الصلاة والسلام: احْتَظَرْتِ بِحِظَارٍ شديدٍ؛ أي: امتنعتِ بمانعٍ وثيق. وأصل الحظر: المنع. والحَِظار: ما يُجعل حول البستان وغيره من قضبان وغيرها كالحائط؛ يعني: أنكِ لما مات لكِ ثلاثةٌ من الولد فهؤلاء الثلاثة يكونون سببًا لنجاتك من النار، ودخولكِ الجنة.

وهذا يؤكد المعنى السابق للأحاديث السابقة، وهو أنَّ مَن مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحِنث، أو اثنان، أو واحد، فيكونون سببًا لنجاته من النار ودخوله الجنة.

ولكن، هذه الأحاديث التي ذُكرت في أن موت هؤلاء الأولاد يكونون سببًا لدخول الجنة، وأيضًا ما ذكرنا من أحاديث سابقة في المرأة التي أحسنت لابنتيها، يكون هذا -يعني- سببًا للجنة، ونحو ذلك أحاديث الوعد التي فيها: مَن فعل كذا دخل الجنة أو حرَّمه الله على النار، أو لن تمسه النار إلا تحلة القسم.

لا بد أن تُفهم هذه الأحاديث على وجهها الصحيح؛ لأنه قد ضلَّ فيها بعض الطوائف، انحرفوا في فهمها، فانحرف فيها طائفتان:

  • فأحاديث الوعد انحرف فيها طائفة المرجئة، أخذوا بها وتركوا نصوص الوعيد، فقالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب.
  • وفي مقابلهم الوعيدية من الخوارج والمعتزلة، أخذوا بنصوص الوعيد وتركوا نصوص الوعد، فقالوا: إن مرتكب الكبيرة كافر، وإنه في النار مخلد فيها. إلا أن المعتزلة قالوا: إنه في الدنيا يكون في منزلة بين منزلتين. واتفقوا جميعًا على أنه في الآخرة يكون مخلدًا في النار.

أما أهل السنة والجماعة فتوسطوا، وقالوا: إن مرتكب الكبيرة مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته في الدنيا، وأما في الآخرة فهو تحت مشيئة الله تعالى: إن شاء عذَّبه، وإن شاء عفا عنه، لكنه لا يخلد في النار.

وأما نصوص الوعد؛ كهذه الأحاديث وما جاء في معناها، فهذه تمر على ظاهرها، ويقال: إنه يدخل الجنة إذا تحققت الشروط وانتفت الموانع، وإلا فلو أن إنسانًا مات له ثلاثة من الولد قبل البلوغ لكنه تارك للصلاة بالكلية فلا ينفعه ذلك، أو أنه مات له ثلاثة من الولد وهو من المنافقين فلا ينفعه ذلك، والله تعالى يقول: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145].

بل إن المنافقين كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ [المنافقون:1]، ولم ينفعهم ذلك، بل قال الله ​​​​​​​ عنهم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145].

فنصوص الوعد هذه لا بد من أن تفهم على الوجه الصحيح، فيقال: إن نصوص الوعد هذه: مَن فعل هذه الأعمال التي ذُكر فيها هذا الوعد فيتحقق له ذلك بإذن الله بشرط انتفاء الموانع وتحقق الشروط، لا بد من تحقق الشروط وانتفاء الموانع، وإلا فإذا عمل هذا العمل الذي قد رُتب عليه هذا الوعد لكنه لم تتحقق بقية الشروط، كما ذكرنا مثلًا: لم يكن محافظًا على الصلاة، لم يُصَل، لم يكن من المصلين، أو أنه وُجدت موانع: وقع في الشرك مثلًا، أو الكفر؛ فلا ينفعه ذلك، بل إن الله تعالى يقول: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]؛ يعني: في حق من أشرك ومن كفر بالله .

فإذن، نصوص الوعد هذه تكون مع تحقق الشروط وانتفاء الموانع.

ونكتفي بهذا القدر، ونقف عند (باب: إذا أحبَّ الله عبدًا أمر جبريل فأحبه).

الأسئلة

السؤال: أنا طالب، وغالبًا أصلي الجماعة في القاعة في الدور الأرضي من الكلية إذا كانت المواعيد متقاربة؛ لأن المسجد يتأخر في موعد الإقامة، ونخشى من التأخر على المحاضرة؟

الجواب: الأصل أنكم تصلون في المسجد، هذا هو الأصل، والوقت الذي يستغرق في صلاتكم في الكلية أو في المسجد واحد، فقط الذي يختلف هو مسافة الطريق، والطريق لا يأخذ وقتًا كثيرًا، ويمكن أن تجعل في الطريق الأذكار التي بعد الصلاة.

فينبغي لكم أن تحرصوا على الصلاة في المسجد، فالنبي عليه الصلاة والسلام لما أتاه رجل أعمى قال: يا رسول الله، إني رجل أعمى، وليس لي قائد يلائمني، فهل تجد لي رخصة في أن أصلي في بيتي؟ مع أنه في بيته قد يكون فيه جماعة، فيه أهله، قد يصلي جماعة، فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يُرخص له، قال: هل تسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟. قال: نعم. قال: فأجب[23].

إلا إذا كان يلحقك الضرر، فهنا لا بأس، كأن يكون -مثلًا- تخشى أن الأستاذ يُغيِّب في أول المحاضرة، وتخشى أنك تُغيَّب ويتسبب ذلك في الحرمان؛ يكون هذا عذرًا لك. أما إذا كنت لا تخشى الضرر، فالأصل أنك تصلي مع الجماعة في المسجد.

السؤال: عندما يأخذ الشخص تمويلًا من بنك، يؤخذ عليه رسوم إدارية، ثم يقال: إذا استخرجت بطاقة شرائية ائتمانية رددنا عليك الرسوم، فما حكم ذلك؟ وهل يجوز لي إخراج هذه البطاقة لاسترداد الرسوم؟

الجواب: لا بأس بهذا؛ لأنه في دائرة التمويل، والتمويل هو بيع وشراء، فإذا تنازل البنك عن الرسوم الإدارية مقابل استخراجه لبطاقة شرائية ائتمانية فلا بأس بهذا، المهم: الخروج من دائرة القرض الذي هو السلف؛ لأنه لا يجوز الانتفاع بالقرض، كل قرض جر نفعًا فهو ربًا.

فعند التمويل تكون قد خرجت من دائرة القرض إلى دائرة البيع والشراء، والبيع والشراء بحسب ما يتفق عليه البائع والمشتري، فإذا كان البنك تنازل عن الرسوم الإدارية مقابل استخراج هذه البطاقة، فالأصل في هذا الحِل والإباحة.

ولا بأس أيضًا أن تستخرج هذه البطاقة؛ لأجل استرداد الرسوم الإدارية، لا بأس بذلك؛ لأنك لم تقع في محظور شرعي.

السؤال: إذا وصل المحرم مكة نهارًا، وأراد أن يكون وقت عمرته منتصف الليل لقلة الزحام، وأن يصلي من العصر إلى العشاء في المسجد الحرام، وهو لم يعتمر بعدُ، هل له ذلك؟

الجواب: لا بأس بهذا، لكن الأفضل أن يبادر للعمرة، هذا هو الأفضل، فإن أراد أن يؤخر العمرة إلى منتصف الليل لأجل أن هذا أخف في الزحام؛ فلا بأس، الأمر في هذا واسع، ولا يجب عليه أن يعتمر من حين وصوله إلى مكة، فلو أنه أخر العمرة إلى وقت آخر يخف فيه الزحام، فالأمر في هذا واسع.

السؤال: في نصف الليل أو ثلث الليل، إذا كان الشخص لا يستطيع القيام لصلاة الليل، فهل الأفضل له أن يدعو وهو جالس، أو يذكر الله وهو يسبح حتى يؤذن لصلاة الفجر؟

الجواب: أولًا: إذا تيسر له أن يقوم ويتوضأ ويصلي ما شاء الله، ثم يختم ذلك بصلاة الوتر، فهذا هو الأكمل والأفضل، لكن إن لم يتيسر له ذلك كما ذكر الأخ السائل فالأفضل أولًا أن يأتي بالذكر الوارد، وهو أن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد له، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم يدعو؛ فإن النبي قال: مَن تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: فإن دعا استُجيب له[24].

وهذا يدل على أن هذا الموضع موضع دعاء، ومن مواطن إجابة الدعاء، فإن توضأ وصلى قُبلت صلاته؛ فلهذا نقول: الأفضل أن يأتي بهذا الذكر ثم يدعو الله بما يحضره من خيري الدنيا والآخرة، فإن هذا من مواطن إجابة الدعاء.

وكذلك أيضًا إذا كان ذلك في وقت السحر، فيستحب الإكثار من الاستغفار، فإن الاستغفار في السحر له خصوصية، وله مزية، فإن الله تعالى أثنى على المستغفرين بالأسحار في موضعين في القرآن: في سورة آل عمران قال: وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ [آل عمران:17]، وفي سورة الذاريات قال: وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:18].

فأثنى الله تعالى على المستغفرين في هذا الوقت، وهذا يدل على أن الاستغفار في وقت السحر له مزيد فضيلة وخصوصية.

فينبغي للمسلم أن يُكثر من الاستغفار وقت السحر، واللحظات التي تسبق أذان الفجر، هذا أفضل ما تشتغل به، أن تشتغل بالاستغفار.

السؤال: هل المضمضة والاستنشاق واجبان في الغسل؟

الجواب: أما في الوضوء فواجبان على القول الراجح، وأما في الغسل فليس هناك دليل ظاهر يدل على إيجاب المضمضة والاستنشاق في الغسل، بل ظاهر الأدلة يدل على عدم الوجوب، فإن النبي قال للرجل الذي أصابته جنابة وكان معه في سفر: خذ هذا، أعطاه إناء فيه ماء، قال: خذ هذا، فأفرِغْه على نفسك[25]؛ يعني: صبَّ هذا الماء على جسدك، ولم يذكر له مضمضة أو استنشاقًا. ولم يرد أيضًا حديث صحيح صريح يدل على إيجاب المضمضة والاستنشاق في الغسل.

وعلى هذا؛ فالقول الراجح: أن المضمضة والاستنشاق في الغسل أنهما غير واجبين، وإنما يستحبان فقط، لكنهما واجبان في الوضوء خاصة.

السؤال: هل يجب غسل ما تحت الأظافر؟

الجواب: لا يجب، أنت إذا غسلت يدك يكفي هذا، لا يلزم أن تقوم بتتبع ما تحت الأظافر، بل إن هذا ربما يدخل في التنطع، الواجب هو أن تغسل فقط ما ظهر من الأظافر.

أما تتبع ما كان تحت الأظافر فهذا ليس واجبًا عليك، إلا أن يكون على الأظافر طلاء أو مادة تمنع من وصول الماء إليها؛ فلا بد من إزالة هذا الشيء الذي يمنع من وصول الماء إلى الأظافر. أما إذا لم يكن عليها شيء، فتكتفي بغسل ظاهر هذه الأظافر.

السؤال: إذا لم يتابع المأموم إمامه؛ إما لأنه ضعيفُ سَمْعٍ أو حصل عنده غفلة حتى فات عليه ركن؛ كأن يبقى المأموم في السجود الأول ولم يعلم برفع إمامه من السجود الأول إلا بعد أن سجد السجود الثاني، فماذا يفعل؟

الجواب: المطلوب منه أن يقوم، ويأتي بما فاته، فإذا لم يعلم بالإمام إلا في السجود الثاني يرفع ويجلس بين السجدتين ويأتي بالذكر الواجب ثم يسجد ويتابع الإمام، وتأخره عن الإمام في هذه الحال لا يضر؛ لأنه لم يتعمد ذلك؛ لأنه لم يتعمد التأخر، وإنما حصل بطريق الخطأ، فلا يضر.

وهكذا أيضًا لو كان يصلي خلف الإمام وكان الإمام بعيدًا عنه ثم انقطع الصوت، وهذا يحصل أحيانًا في بعض الجوامع، ثم رجع الصوت مرة أخرى.

وهكذا أيضًا أحيانًا يحصل التباس فلا يُسمع صوت الإمام، فالحكم في هذه المسائل كلها: أن المأموم إذا تنبَّه يقوم ويأتي بما فاته حتى يدرك الإمام، وهذا التأخر الذي تأخر به عن الإمام- هذا لا يضر؛ لأنه لم يتعمد هذا التأخر، وإنما حصل هذا بطريق الخطأ.

السؤال: هل صلاة المرأة في بيتها أفضل حتى من الصلاة في المسجد الحرام أو المسجد النبوي؟

الجواب: أولًا: النبي عليه الصلاة والسلام قال: وبيوتهن خير لهن[26]، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي في مسجده، ومع ذلك قال عن النساء: وبيوتهن خير لهن.

فهذا يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل، لكن هذا إنما هو في حق المقيمين في مكة والمدينة، فصلاة المرأة في بيتها أفضل.

وأما من لم يكن مقيمًا وإنما وَفَد على مكة أو وفد على المدينة: فالذي يظهر -والله أعلم- أن صلاة المرأة في المسجد الحرام وفي المسجد النبوي أفضل؛ وذلك لأن صلاتها في البيت يفوت معها فضل هذه البقعة.

فالذي يظهر -والله أعلم- هو التفريق بين من كان مقيمًا ومن كان وافدًا: فمن كان مقيمًا نقول: إن المرأة صلاتها في بيتها أفضل؛ لأنها تصلي أحيانًا في المسجد الحرام وفي المسجد النبوي.

لكن الوافد ربما لا يأتي له مثل هذه الفرصة، فكونه يصلي في المسجد الحرام وفي المسجد النبوي، يكون هذا أفضل بالنسبة للمرأة من أن تصلي مثلًا وحدها في بيتها أو في الفندق ونحوها.

هذا هو الذي يظهر -والله أعلم- بالنظر إلى مجموع ما ورد في هذه المسألة.

السؤال: هل صحيح أن النساء هن أكثر أهل النار؟

الجواب: هذا أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام، هذه الأمور المرجع فيها للوحي، العقل البشري لا يستطيع أن يهتدي إلى الجواب عن هذا السؤال، المرجع في ذلك إلى الوحي، والنبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأن النساء أكثر أهل النار.

وأيضًا دلت النصوص على أن النساء أكثر أهل الجنة أيضًا، باعتبار وجود الحور العين في الجنة، فهن أكثر أهل النار، وأكثر أهل الجنة؛ ولذلك لما قال النبي عليه الصلاة والسلام: تصدقن؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار. قلن: بم يا رسول الله؟ قال: تُكثرن اللعن، وتكفرن العشير[27]؛ يعني: أنكن تفعلن أسبابًا هي من أسباب دخول النار، ومن ذلك كثرة اللعن؛ لأن اللعن من كبائر الذنوب، فهذا يكون من أسباب دخول النار.

وكذلك كفران العشير؛ يعني كفران الزوج: أن المرأة تنسى وتجحد كل معروف قام به الزوج، فهذا أيضًا لا يجوز، وهو من أسباب دخول النار.

ولكن المرأة الصالحة القانتة هذه هي كالرجل، النساء شقائق الرجال؛ ولهذا قال الله تعالى: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195]، وقال الله تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195].

مع أن قوله سبحانه: أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ يدخل فيه الذكر والأنثى، لكن من باب التأكيد في المساواة في الأجر ذكر الله تعالى الذكر والأنثى، قال: مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، ثم أكدَّ هذا المعنى فقال: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ.

فالذكر والأنثى متساوون بالنسبة للثواب والعقاب من الله ، فهم متساوون في ذلك لا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك.

لكن النبي عليه الصلاة والسلام يخبر بأن أكثر أهل النار النساء؛ لأن بعضهن يتعاطين أسباب دخول النار، ومن ذلك: الإكثار من اللعن، وكفران العشير.

السؤال: هل الأم مثل الأب في عدم جواز المفاضلة بين الأولاد في العطية؟

الجواب: نعم، الأم كالأب على القول الراجح: أن الأم كالأب؛ لأن المعنى الذي لأجله منع الشارعُ الأبَ من تفضيل بعض الأولاد على بعضٍ في العطية موجود أيضًا في الأم. وأيضًا الأحكام التي وردت في هذه المسائل تشمل الأم والأب، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: إنَّ أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم[28]، هذا يشمل الأب والأم.

فيجوز للأب والأم أن يأخذا من أموال أولادهما ما شاءا، بشرط ألا يكون في ذلك ضرر، فهذا يشمل الأب والأم.

وكذلك في التفضيل بين الأولاد في العطية، هذا أيضًا يشمل الأب والأم، لا يجوز للأب ولا للأم أن يفضلا أحد أولادهما بالعطية دون بقية الأولاد إذا كانت العطية عطية محضة، أما عطية الحاجة فالعدل فيها أن يعطى كل واحد من الأولاد بقدر حاجته.

فلو كان أحد الأولاد من ابن أو بنت كان مريضًا مثلًا يحتاج للعلاج، فهذا يُعطى، أو كانت مثلًا إحدى البنات تحتاج إلى الخلع مثلًا وطلبت المهر من أبيها أو أمها، فساعدها فلا بأس بذلك.

وأيضًا حاجة الكبير غير حاجة الصغير، وحاجة الذكر غير حاجة الأنثى؛ فالعدل في عطية الحاجة أن يُعطى كل واحد منهم بقدر حاجته.

أما العطية المحضة فهذه يجب فيها العدل بالتسوية بين الذكور، وأن تكون الأنثى على النصف من الذكر: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء:11]، وهذا يشمل الأم والأب.

السؤال: هل يصح المسح على الشراب الذي لا يغطي الكعبين؟

الجواب: لا يصح المسح عليه؛ فيشترط للمسح على الجورب أن يكون مغطيًا للقدم وللكعب، أما إذا كان قصيرًا بحيث يبدو منه الكعب فلا يصح المسح عليه.

والآن، يوجد في الأسواق جوارب قصيرة لا تغطي الكعبين، هذه يجوز لبسها لكن لا يمسح عليها، إنما التي يُمسح عليها هي التي تغطي القدمين والكعبين.

السؤال: ما حكم التورق من البنك عن طريق شراء أسهم شركات مباحة، مع العلم أنه في نفس الجلسة يبيع الموظفُ الأسهمَ وتنزل في حسابي بعد وقت يسير؟

الجواب: لا بأس بذلك، إذا كانت هذه الأسهم أسهم شركاتٍ مباحةٍ فلا بأس، بل إن هذه الطريقة هي أفضل طريقة للحصول على السيولة النقدية عن طريق المصارف، أفضل طريقة أن تكون بطريقة التورق في أسهم الشركات المباحة؛ لماذا كانت أفضل طريقة؟ لأن التملك فيها واضح والقبض فيها واضح.

فأنت تطلب من البنك أن يشتري لك أسهمًا معينة، ثم يبيعها عليها بالأجل، ثم بعد ذلك تبيعها أنت أو تطلب من البنك أن يبيعها على طرف ثالث، ويُنزل لك ما أردت من السيولة نقدية، فكل هذه بيع وشراء فلا بأس بهذا، فالتورق عن طريق أسهم الشركات المباحة لا بأس به.

أحد المستفتين لما ذكرتُ له هذه الطريقة، قال: أخشى أن الأسهم إذا باعها على البنك ودخلت في محفظتي، أن تنزل قيمتها. قلتُ: وهذا يؤكد حِلَّها، وأنها ليست صورية، وإنما بيع وشراء، وأن فيها قدر من المخاطرة.

فالتورق عن طريق أسهم الشركات المباحة لا بأس به، بل هو أفضل طريقة للحصول على السيولة النقدية عن طريق المصارف.

ونكتفي بهذا القدر. والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 2627.
^2 رواه مالك: 3087.
^3 رواه أحمد: 5385.
^4 رواه مسلم: 2628.
^5 رواه البخاري: 5753، ومسلم: 2225.
^6 رواه مسلم: 1467.
^7 رواه مسلم: 2629.
^8 رواه مسلم: 2630.
^9 رواه أحمد: 24420.
^10, ^12 رواه البخاري: 6478.
^11 رواه مسلم: 2621.
^13 رواه مسلم: 2631.
^14, ^15 رواه مسلم: 2632.
^16 رواه مسلم: 2633.
^17 رواه أحمد:3097
^18 رواه أحمد: 3097، والترمذي: 1062.
^19 رواه البخاري : 5653.
^20 رواه مسلم: 332.
^21 رواه مسلم: 2635.
^22 رواه مسلم: 2636.
^23 رواه مسلم: 653.
^24 رواه البخاري: 1154.
^25 رواه البخاري: 344.
^26 رواه أحمد: 5468.
^27 رواه البخاري: 1462، ومسلم: 79.
^28 رواه أحمد: 6678.
zh