logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح أبواب من صحيح مسلم/(38) باب فضل عيادة المريض- من حديث “عائد المريض في مخرفة الجنة..”

(38) باب فضل عيادة المريض- من حديث “عائد المريض في مخرفة الجنة..”

مشاهدة من الموقع

عناصر المادة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

حياكم الله تعالى في هذا الدرس العلمي لهذا اليوم، الثلاثاء 28 من شهر صفر، من عام 1443 للهجرة.

فأسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا.

اللهم ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رَشَدًا.

فضل عيادة المريض

هذا الدرس في التعليق على كتاب البِرِّ والصلة والآداب من «صحيح مسلم».

وكنا قد وصلنا إلى:

13 – بَابُ فَضْلِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ

قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى:

(2568) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ -يَعْنِيَانِ: ابْنَ زَيْدٍ- عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: أَبُو الرَّبِيعِ، رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ ، وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : عَائِدُ الْمَرِيضِ فِي مَخْرَفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ.

ثم ساق المصنف رحمه الله هذا الحديث من طريق أخرى:

عَنْ ثَوْبَانَ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : مَنْ عَادَ مَرِيضًا، لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ .

ثم ساقه من طريق أخرى:

إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ.

ثم ساقه أيضًا من طريق أخرى بلفظ:

مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ. قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: جَنَاهَا.

هذا الحديث بألفاظه وطرقه يدل على فضل عيادة المريض، وزيارة المريض وعيادة المريض سُنة مؤكدة، وقد تكون واجبة في حق من له عليك حق واجب؛ كأبيك وأمك، وأخيك وأختك، ونحو ذلك.

فمثلًا لو كان أبوك مريضًا ولم تزره في مرضه مع قدرتك على ذلك، فهذا يعتبر نوعًا من العقوق.

وهكذا لو كانت أمك مريضة ولم تعدها في مرضها من غير عذر، فهذا يعتبر نوعًا من العقوق.

وهكذا لو كان أخوك أو أختك أو من له عليك حق واجب.

فإذَنْ، الأصل في عيادة المريض: أنها مستحبة استحبابًا مؤكدًا، لكنها قد تكون واجبة باعتبارات أخرى؛ باعتبار مثلًا برِّ الوالدين، أو باعتبار صلة الرحم، ونحو ذلك.

وقد ورد في فضل عيادة المريض أحاديث عن النبي تدل على عظيم أجرها، وعلى عظيم ثوابها عند الله سبحانه، ومن هذه النصوص هذا الحديث العظيم أن النبي قال: عائد المريض في مَخْرَفَة الجنة حتى يرجع. وفي اللفظ الآخر: لم يزل في خُرْفَة الجنة حتى يرجع. قيل: وما خُرفة الجنة؟ قال: جَناها. أي: أن ذلك يؤول به إلى الجنة.

فدل هذا على أن عيادة المريض من أسباب دخول الجنة، وأنها من أسباب نيل الثواب العظيم الذي يوصل صاحبه إلى جنات النعيم.

ولذلك -أيها الإخوة- ينبغي لمن عاد مريضًا أن يحتسب الأجر والثواب عند الله في عيادته لهذا المريض؛ فإن هذا الاحتساب يضاعف به الأجر والثواب.

أيضًا مما ورد في عيادة المريض حديث أبي هريرة .

قال المصنف رحمه الله:

حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ:

(2569) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : إِنَّ اللهَ ​​​​​​​ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟! قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟ يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ لوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي.

من فوائد حديث: إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ..

  • هذا حديث عظيم دلَّ على فضل عيادة المريض، وعلى فضل إطعام الطعام، وعلى فضل سقيا الماء.

في أول الحديث يقول الله في هذا الحديث القدسي: يا ابن آدم مرضتُ فلم تعُدني. والمعنى: أنَّ فلانًا من الناس مرض، وليس المعنى بأن الله مرض؛ فإن هذا المعنى مُنْتَفٍ قطعًا؛ لأن الله سبحانه يستحيل عليه المرض؛ فإن المرض صفة نقص، والله سبحانه منزه عن كل نقص؛ بدليل قوله: أما علمتَ أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده، فهذا مفسر لقوله: مرضت فلم تعدني المعنى: أني أثيبك الثواب العظيم على عيادتك لفلان لو أنك عدته، لوجدتني عنده أي: وجدت ثوابي وكرامتي لك على عيادتك لهذا المريض.

  • وهذا الحديث يدل على فضل عيادة المريض، وعلى أنها من الأعمال الصالحة العظيمة، فإن الله في هذا الحديث يقول: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني. فيقول: يا ربِّ كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! فيقول: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟. وإنما قال الله ذلك تشريفًا لهذا العبد، قال: مرضتُ فلم تعدني. من باب التشريف له، وإلا فالمعنى: أنه مرض عبدي فلان فلم تعده أنت، لو أنك عدته لوجدت ثوابي وكرامتي لك جزاء وفاقًا على عيادتك لهذا المريض.
  • أيضًا من فوائد هذا الحديث: دلَّ قول الله في هذا الحديث القدسي: أما علمتَ أنك لو عدته لوجدتني عنده. دلَّ هذا الحديث على قرب المريض من الله ، ولهذا؛ قال بعض العلماء: إنَّ دعوة المريض حَرِيَّة بالإجابة إذا دعا لشخص أو دعا على شخص؛ لأنَّ الله قال في هذا الحديث القدسي: أما علمتَ أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟. وهذا يقتضي إجابة دعوته، هذا يدل على أنَّ دعاء المريض حَرِيٌّ بالإجابة؛ سواء دعا لغيره أو دعا عليه، ومن باب أولى إذا دعا لنفسه.

ولهذا ينبغي للمريض أن يتضرع إلى ربه في أن يكشف عنه الضر، وأن يعافيه وأن يشفيه؛ لأن بعض المرضى يعتمد على الأسباب المادية، وربما اعتمد بقلبه على علاج الأطباء ونسي بأن الشافي هو الله ؛ كما قال الله تعالى: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ[الشعراء: 80]. فالله هو الشافي وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ[يونس: 107].

ولهذا؛ ينبغي أن يتعلق قلب المريض بالله سبحانه، وأن يستحضر بأن الشفاء من عند الله، فهو الذي يشفي، وهو الذي يكشف الضر وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ[يونس: 107]، فيلجأ المريض بقلبه إلى الله سبحانه، ويفعل الأسباب -أسباب الشفاء؛ من الأدوية والعلاجات ونحوها- على أنها مجرد أسباب، وإلا فالشفاء بيد الله سبحانه، وكشف الضر بيد الله .

فينبغي توعية المرضى بهذه المعاني، وهي أن تتعلق قلوبهم بالله ، وأن يستحضروا أن الشفاء بيد الله سبحانه: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ[الشعراء: 80]. وأن الله هو الذي بيده الضر والنفع: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ[البقرة: 102]، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ[الأنعام: 17، يونس: 107]، فتَضْرَع القلوب إلى الله في كشف الضر، وفي الشفاء وفي طلب العافية، وأن يفعل الأسباب على أنها مجرد أسباب، وإلا فلو اجتمع جميع أطباء العالم على علاج مريض من المرضى لم يرد الله تعالى شفاءه فإنه لن يَشفَى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ.

دل هذا الحديث على فضل إطعام الطعام؛ لقوله الله تعالى في هذا الحديث القدسي:

يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟.

فدل هذا على فضل إطعام الطعام؛ فإن قول الله تعالى في هذا الحديث القدسي: لوجدت ذلك عندي. أي: وجدت ثوابه عندي مدَّخَرًا لك يوم القيامة.

ويتأكد ذلك في حق الجائع؛ فإنه يتأكد إطعامه، ويتأكد ذلك أيضًا في حق من استطعمك، إذا أتاك فقيرٌ أو مسكينٌ فاستطعمك طعامًا فيتأكد أن تجيب دعوته، وأن تطعمه ما دمت قادرًا على ذلك؛ فإن في هذا الأجر العظيم، والثواب الجزيل من الله .

فضل إطعام الطعام

وقد ورد في فضل الطعام أحاديث عن النبي ، فقد جاء في «صحيح البخاري»: عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي سئل: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف [1]، هذا الحديث جاء في “صحيح البخاري” و”صحيح مسلم”، أي: في الصحيحين.

سُئل النبي : أي الإسلام خير؟ قال: أن تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف.

وقوله: أيُّ الإسلام خير؟. أي: أيُّ أعمال الإسلام أكثر نفعًا وخيرًا؟

فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن من أعظم أعمال الإسلام التي هي خير، والتي هي أكثر نفعًا وثوابًا وأجرًا عند الله : إطعام الطعام، فإطعام الطعام فضله عظيم، وأجره جزيل.

وهكذا أيضًا: إفشاء السلام، ولهذا؛ قال: وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف.

وجاء في حديث عبدالله بن سلام الذي كان حبرًا من أحبار اليهود، كان أتى إلى النبي يختبره، يريد أن يعرف هل هو نبي فيتبعه أم لا؟ قال عبدالله بن سلام: لما قدم النبي المدينة انجَفَل الناس عليه، فكنت ممن انجفل، فلما تبينت وجهه عرفتُ أن وجهه ليس بوجه كذاب. وهذه فراسة، الإنسان الفطن يتفرس فيمن يقابله، فتعرف بفراستك من هو الصادق من الكاذب، تعرف أن وجه هذا الإنسان ليس بوجه كذاب، وأن وجه فلان وجه كذاب؛ من خلال تعابير وجهه ومن خلال كلماته، ومن خلال سمته، فهذه الأمور يعرفها من كان عنده فطنة ومن كان عنده ذكاء، ومن كان عنده فراسة يستطيع أن يميز الصادق من الكاذب؛ فإن الصدق له صولة، وتظهر آثاره على صاحبه، تظهر آثار الصدق على صاحبه في منطقه، وفي تعابير وجهه، وفي تصرفاته، وفي نظراته؛ بينما الكذب تظهر آثار الكذب على الكذاب في كلامه، وفي نظراته، وفي تعابير وجهه، وفي مشاعره، فآثار الصدق والكذب تظهران على الصادق وعلى الكاذب، وهذا أمر معروف.

ولهذا؛ أصبح الآن من الأمور التي تُدرَّس: كيف تعرف الكذاب من الصادق، وأصبح هذا تخصصًا يتخصص فيه بعض الناس، يسمونه: تخصص في كشف الكذب بأن يقف وينظر لهذا الإنسان، وينظر إلى كلامه، وإلى تعابير وجهه، وإلى مشاعره، وإلى حركاته، فيعرف أنه صادق أو كاذب، فالصدق له صولة.

 ولهذا؛ لما رأى رجل اثنين يختصمان فيما بينهما أتاه شخص وقال: ما شأنهما؟ قال: والله ما فهمتُ منهما شيئًا، لكن عرفت بأن هذا الرجل ليس وجهه بوجه كذاب، يعني أن له صولة وله جزمًا وعزمًا، وتعابير الصدق تظهر على وجهه، فقال: عرفت بأن -هذا كلامه- وجهه ليس بوجه كذاب.

ولهذا؛ قال عبدالله بن سلام هنا في هذا الحديث: فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب. فوقر الإسلام في قلبه فأسلم ، يقول عبدالله بن سلام: فكان أول شيء سمعتُه من النبي قوله: أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام [2]، وهذا الحديث أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه بسند صحيح، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بإطعام الطعام، فإطعام الطعام من أفضل الأعمال الصالحة، بل جعله النبي لما سئل: أي الإسلام خير؟ جعله من خير خصال الإسلام.

فضل سقيا الماء

أيضًا: دل هذا الحديث على فضل سقيا الماء؛ لقول الله تعالى في هذا الحديث القدسي:

يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ لوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي.

أي: لوجدت ثواب ذلك عندي، وهذا يدل على فضل سقيا الماء، خاصة إذا طلب السقيا أحد الناس، إذا إنسان ظمآن أو ليس عنده ماء وطلب منك السقيا فيتأكد في حقك أن تسقيه ماء.

ودل هذا الحديث على أنَّ سقيا الماء من الأعمال الصالحة العظيمة التي يؤجر عليها المسلم أجرًا جزيلا من الله .

ولذلك ما يفعله بعض الناس من وضع السقيا في المساجد؛ سواء كان ذلك بقوارير الماء، أو كان ذلك بوضع برادات قريبة من المساجد أو من مجتمعات الناس، كل هذا من الأعمال الصالحة، فسقيا الماء من الأعمال الصالحة العظيمة.

ثواب المؤمن فيما يصيبه من بلاء

ننتقل بعد ذلك إلى:

14 – بَابُ ثَوَابِ الْمُؤْمِنِ فِيمَا يُصِيبُهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ حُزْنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا.

وذكر المصنف رحمه الله في هذا الحديث عدة أحاديث:

أشد الناس بلاء الأنبياء

الحديث الأول: حديث عائشة رضي الله عنها، قال:

(2570) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ -قَالَ: إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا- جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللهِ . وَفِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ مَكَانَ الْوَجَعِ: وَجَعًا.

ثم ساق المصنف رحمه الله هذا الحديث من طرق أخرى، ثم ساقه:

عَنْ عَبْدِاللهِ [بن مسعود] قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَهُوَ يُوعَكُ، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ.

أولًا: قول عائشة رضي الله عنها: «ما رأيتُ رجلًا أشد عليه الوجع». الوجع المقصود به المرض، والعرب تسمى كل مرض وجعًا، ولا يزال هذا المصطلح شائعًا عند العامة يسمون المرض وجعًا، وَجِع فلان، فلان وَجْعَان، فيقصدون أنه مريض.

فالنبي عليه الصلاة والسلام في آخر حياته اشتد عليه المرض، واشتدت عليه الحمى، ودخل عليه ابن مسعود وقال: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكًا شديدًا، قال: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم. وذلك؛ لأجل أن ينال النبي أعلى درجات الصبر؛ فإنه كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي قال: أشدُّ الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، إن كان في صلابة من دينه شدد عليه البلاء [3]؛ وذلك لأجل أن ينال أعلى درجات الصبر، وإن العبد ليكون له المنزلة من الجنة ما يبلغها بكثرة صلاة ولا صيام ولا عمل؛ وإنما يبلغها ببلاء يصيبه فيرفعه الله تعالى بسبب ذلك البلاء حتى يصل إلى الدرجة الرفيعة التي كتبها الله تعالى له.

وهذا الحديث يدل على رفعة قدر النبي ؛ حيث ضوعف له الأجر بمرضه الذي أصابه في آخر حياته، فإنه قد اشتد به المرض، وأصبح يوعك وعكًا شديدًا كما يوعك رجلان، يعني مرضه كمرض رجلين أصابتهما الحمى، وذلك؛ ليرفعه الله تعالى بهذا المرض درجات، ولينال أعلى درجات الصبر؛ فإنه عليه الصلاة والسلام سيد الصابرين وسيد الشاكرين.

قال: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ : مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ، إِلَّا حَطَّ اللهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا.

فوائد من حديث: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ..

  • في الحديث بشارة عظيمة لكل من ابتلي بمرض أو غيره من المصائب ومن البلايا بأن فيها تكفيرًا للخطايا والسيئات.

لهذا؛ قال النووي رحمه الله: هذه الأحاديث فيها بشارة عظيمة للمسلمين؛ فإنه قلَّما ينفك الواحد منهم ساعة من شيء من هذه الأمور.

  • وفيه: تكفير الخطايا بالأمراض والأسقام ومصائب الدنيا وهمومها وإن قلت مشقتها.
  • وفيه: رفع الدرجات بهذه الأمور، وزيادة الحسنات.

وانظر إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام: إلا حطَّ الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها. وهذا يدل على أن المريض يُكفِّر الله تعالى عنه بسبب هذا المرض من سيئاته، ويُكفِّر الله تعالى عنه به من خطاياه.

ولهذا؛ فينبغي للمريض أن يستحضر هذا المعنى، وهو أن هذا المرض الذي قد ابتلي به، أن فيه تكفيرًا لخطاياه، وتكفيرًا لسيئاته، ورفعة لدرجاته إن هو احتسب الأجر والثواب عند الله .

فتأملوا قول النبي عليه الصلاة والسلام: ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حطَّ الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها. أرأيت الشجرة عندما يَتَحَاتُّ ورقها؟ هكذا أيضًا تتحاتُّ الذنوب والخطايا من هذا الذي قد ابتلي بمصيبة من مرض أو غيره.

المصائب مكفرات للسيئات

ثم ساق المصنف رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها:

عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: دَخَلَ شَبَابٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ بِمِنًى، وَهُمْ يَضْحَكُونَ، فَقَالَتْ: مَا يُضْحِكُكُمْ؟ قَالُوا: فُلَانٌ خَرَّ عَلَى طُنُبِ فُسْطَاطٍ.

“الطُّنُب”: هو الحبل.

و”الفسطاط”: هو الخباء.

فَكَادَتْ عُنُقُهُ، أَوْ عَيْنُهُ أَنْ تَذْهَبَ، فَقَالَتْ: لَا تَضْحَكُوا؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ قَالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا، إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ.

وساق المصنف هذا الحديث:

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً.

هذه عائشة رضي الله عنها دخل عليها شباب وهم يضحكون على إنسان سَقَطَ وخَرَّ على حبل خباء فتعثر فكادت عنقه أو عينه أن تذهب، فقالت عائشة رضي الله عنها: لا تضحكوا؛ فإني سمعت النبي يقول: ما من مسلم يُشاك شوكة فما فوقها، إلا كُتبت له بها درجة، ومُحيت عنه بها خطيئة. أي أن هذا سيكون تكفيرًا لسيئاته ورفعة لدرجاته.

ثم ساق المصنف رحمه الله هذا الحديث أيضًا:

عَنْ عَائِشَةَ بلفظ: لَا تُصِيبُ الْمُؤْمِنَ شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلَّا قَصَّ اللهُ بِهَا مِنْ خَطِيئَتِهِ.

ثم ساقه أيضًا بلفظ:

مَا مِنْ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُ، إِلَّا كُفِّرَ بِهَا عَنْهُ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا.

وفي لفظ:

لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ مُصِيبَةٍ، حَتَّى الشَّوْكَةِ، إِلَّا قُصَّ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ، أَوْ كُفِّرَ بِهَا مِنْ خَطَايَا.

وفي لفظ:

مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ حَتَّى الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ.

وأيضًا في معنى هذا الحديث -معنى حديث عائشة رضي الله عنها- حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما: أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللهِ ، يَقُولُ: مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ، وَلَا سَقَمٍ وَلَا حَزَنٍ، حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ، إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ.

وهذه الأحاديث تدل على أن المصائب التي تصيب الإنسان، يُكفِّر الله تعالى عنه بها من سيئاته، أيًّا كانت تلك المصيبة؛ سواء كانت المصيبة مرضًا، أو كانت تلك المصيبة في أمر مالي، أو كانت تلك المصيبة في أمر متعلق بأهله، أو كانت تلك المصيبة في أي أمر من أمور الحياة، فيكفر الله تعالى عنه بها من سيئاته، حتى الشوكة يشاكها، وحتى الهم يُهَمُّه، ولهذا في حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قال عليه الصلاة والسلام: ما يصيب المؤمن من وصب يعني وجع، ولا نصب يعني: تعب، ولا سقم يعني: مرض، ولا حزن، حتى الهم حتى مجرد الهم يُهَمُّه إلا كُفِّر به من سيئاته [4].

هل الاحتساب شرط للأجر والثواب مع الكفارة؟

لكن اختلف العلماء: هل المصائب التي تصيب الإنسان هي مجرد كفارات، أو أنَّ المسلم يؤجر عليها، يعني: ينال مع الكفارة أجورًا؟

قال بعض العلماء: إن المصائب هي فقط كفارات، ولا يؤجر عليها المسلم، ولكن هذا القول قول مرجوح.

والصواب، وهو ظاهر الأدلة: أن جميع المصائب تكفر الذنوب، ويؤجر المسلم عليها إن هو احتسب الأجر والثواب، فالمصائب يُكفِّر الله تعالى بها عن الإنسان من خطاياه ولو لم يحتسب، فإن احتسب الأجر عند الله على المصيبة كان له فائدتان:

  • الفائدة الأولى: تكفير الذنوب.
  • والفائدة الثاني: الأجر والثواب من الله .

ولذلك إذا أصيب الإنسان بأي مصيبة، حتى وإن أصابته شوكة، فينبغي أن يحتسب الأجر والثواب عند الله ؛ فإن تلك المصيبة تكون تكفيرًا لسيئاته، ويكون فيها أيضًا أجر من الله له.

دعاء عند المصيبة

ولهذا؛ يشرع عند المصيبة، كما جاء في حديث أم سلمة رضي الله عنها، أن يقول المصاب: اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها، فيقول النبي : ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول: اللهمَّ آجرني في مصيبتي وأَخلِف لي خيرًا منها، إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها. قالت أم سلمة: فلما مات أبو سلمة قلتُ: إنا لله وإنا إليه راجعون! اللهم آجرني في مصيبتي، وأَخلِف لي خيرًا منها، وأنا أقول في نفسي: ومن خير من أبي سلمة؟! فأخلف اللهُ تعالى علَيَّ من هو خير من أبي سلمة [5]. وهو رسول الله ، تزوجها وأصبحت إحدى أمهات المؤمنين.

فقوله: آجرني في مصيبتي [6] يدل على أن المصائب ليست فقط كفارات للذنوب، وإنما أيضًا يؤجر المسلم عليها إن هو احتسب الأجر والثواب عند الله .

ولهذا؛ من أصيب بمصيبة فعليه أن يستحضر أن هذه المصيبة فيها تكفير لسيئاته، وأنه يؤجر عليها إن احتسب الأجر والثواب عند الله.

ولهذا؛ أقول للمرضى: هذا المرض الذي أصبت به فيه تكفير عن الخطايا والسيئات، وكذلك أيضًا فيه أجر وثواب عند الله لك، إن أنت احتسبت الأجر والثواب عند الله .

هل يشرع تمني المسلم المصيبة؟

إذا كان المسلم تكفَّر عنه خطاياه بالمرض، فهل يشرع أن يتمنى المسلم المرض؟

الجواب: لا، لا يشرع ذلك؛ لأن تمنيه له تعرض للبلاء، وقد نهى النبي عن ذلك، فقال: لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا [7].

ولهذا؛ فلا يتمنَّ المسلم المرض، ولا يتمنَّ المصيبة، لكنه إذا أصيب بالمرض أو أصيب بمصيبة فيحتسب الأجر والثواب عند الله ، وأن هذا المرض أو المصيبة سبب لتكفير خطاياه وسيئاته.

حكم التداوي

بل يشرع له إذا مرض -مع الاحتساب والصبر- أن يفعل أسباب الشفاء، وذلك بالتداوي؛ فإن النبي قال: تداوَوا يا عباد الله، ولا تداوَوا بحرام [8].

ولما مرض أحد الناس وعادها النبي قال: ادعوا طبيب بني فلان فأتى الطبيب، وقال: يا رسول الله، أَوَينفعُ الدواء؟ قال: سبحان الله! ما أنزل الله من داءٍ إلا أنزل له دواءً؛ علمه مَن علمه، وجهله مَن جهله [9]. فكون النبي يدعو الطبيب لعلاج هذا المريض هذا يدل على استحباب التداوي.

وقوله: تداووا يا عباد الله ولا تداووا بحرام فهذا أمر وأقل ما يفيد الأمر الاستحباب.

فالقول الراجح: أن التداوي مستحب؛ لأن الإنسان بهذا التداوي يفعل أسبابًا لعلاج هذا المرض الذي قد يعيقه عن فعل بعض الطاعات وبعض الأعمال الصالحة.

فنقول: الإنسان إذا كان في عافية فالعافية خير له، ولهذا ما أعطي أحد عطاء خيرًا ولا أوسع من العافية، العافية خير له، سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة، لمَّا قال العباس للنبي عليه الصلاة والسلام: علمني دعاء أدعو به؟ قال: سل الله العافية في الدنيا والآخرة؛ فإنه ما أعطِيَ أحد عطاءً خيرًا ولا أوسع من العافية [10].

فإذا كان الإنسان في العافية لا يتمنى البلاء، ولا يتعرض للبلاء، ولا يتمنى المصيبة، بل يحمد الله تعالى على أن عافاه، لكن إذا أصيب بمصيبة أو مرض هذا الإنسان، فعليه أن يصبر وأن يستحضر أن هذا المرض كفارة لسيئاته وخطاياه، ويحتسب الأجر والثواب عند الله .

وقوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: ما من مصيبة يصاب بها المسلم إلا كُفِّر بها عنه حتى الشوكة يشاكها. يدل على أن المصائب التي تصيب الإنسان -أي نوع كان من المصائب- أن الله تعالى يكفر بها عنه من خطاياه، فهذا من رحمة الله تعالى بالإنسان، ألا يجمع عليه جزاءين: جزاءً في الدنيا، وجزاءً في الآخرة، بل إذا أصيب المسلم بمصيبة في الدنيا، كان في ذلك تكفير لبعض خطاياه وبعض الذنوب التي ارتكبها في الدنيا؛ حتى لا يعاقب عليها في الآخرة.

قصة نزول آية: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ

ننتقل بعد ذلك إلى حديث أبي هريرة :

(2574) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبْي شَيْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ -وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ- حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ، شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ [أبو هريرة ]: لَمَّا نَزَلَتْ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء: 123]، بَلَغَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَبْلَغًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : قَارِبُوا وَسَدِّدُوا، فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ، حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا، أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا.

هذه الآية لما نزلت: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا[النساء: 123].

شقَّ ذلك على المسلمين، أنَّ كل سوء يجزى به الإنسان، فبلغت من المسلمين مبلغًا شديدًا؛ فذهبوا للنبي عليه الصلاة والسلام وشكوا له، فقال: قاربوا وسددوا، ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة، حتى النكبة ينكبها. والمقصود بالنكبة، يعني: العثرة يعثرها برجله، فهذه أيضًا يُكفِّر الله تعالى عنه بها من سيئاته.

حتى الشوكة يشاكها يُكفِّر الله عنه بها من سيئاته، حتى الهمَّ يُهَمُّه يُكفِّر الله عنه به من سيئاته، فمكفرات الذنوب كثيرة، فهذا من رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين.

حكم سب الحُمَّى

قال الإمام مسلم رحمه الله:

53 – (2575) حَدَّثَنِي عُبَيْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ، دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ، أَوْ أُمِّ الْمُسَيَّبِ، فَقَالَ: مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ، أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيِّبِ، تُزَفْزِفِينَ؟. قَالَتْ: الْحُمَّى، لَا بَارَكَ اللهُ فِيهَا! فَقَالَ: لَا تَسُبِّي الْحُمَّى؛ فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ.

دخل النبي على هذه المرأة، أم السائب أو أم المسيب، فقال: ما لي أراكِ تزفزفين؟.

تزفزفين أي: تتحركين حركة شديدة، والمعنى: أي ترعدين، أخذتها الرِّعْدَة هكذا من شدة الحمى، فيظهرأن الحرارة عندها مرتفعة، ومع حمى شديدة، فدخل عليها النبي عليه الصلاة والسلام وهي ترتعد من شدة الحرارة، فقالت: الحمى لا بارك الله فيها! يعني: أن هذا بسبب الحمى، ثم سبَّت الحمى، قالت: لا بارك الله فيها! فقال لها النبي : لا تسبي الحمى. ثم قال: فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد. يعني: كما أن الحديد إذا صُهِر على النار ذهب خبثه وبقي صافيًا؛ فكذلك الحمى إذا أصابت الإنسان فإنها تكون تكفيرًا لخطاياه وذنوبه وسيئاته، كما تذهب النار خبث الحديد.

فوائد من حديث: مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائبِ تُزَفْزِفِين؟

  • دل هذا الحديث على أن المرض يكون فيه كفارة للذنوب والخطايا، وأنه كلما اشتد المرض كلما كان أعظم في تكفير الذنوب والخطايا والسيئات، وأعظم أيضًا في رفعة الدرجات.
  • ودل هذا الحديث أيضًا على أنه لا يجوز سب المرض، لا الحمى ولا غيرها؛ لأنه لا وجه لسبها، هذه أمور قد قدرها الله ، ثم أيضًا: قد يكون فيها منفعة، فالنبي قال لهذه المرأة: لا تسبي الحمى؛ فإنها تذهب خطايا بني آدم، فذكر لها فيها هذه المنفعة، وهي أنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد.

فعلى المسلم أن يحتسب الأجر وأن يقول: الحمد لله، يحمد الله تعالى ويشكره، ولا يسبُّ المرض بأي صورة من صور السب والشتم، حتى لو كان بهذه الصيغة: لا بارك الله في هذا المرض. فهذه المرأة قالت: لا بارك الله في الحُمى. فنهاها النبي عن ذلك؛ فهذا يدل على أن المسلم ينبغي له إذا أصيب بمرض أن يحفظ لسانه ولا يسب المرض، ولا يكون سبابًا، ويبتعد عن السب والشتم، وإذا أصيب بالمرض يحتسب الأجر عند الله ، ويكثر من قول: الحمد لله. يحمد الله تعالى، ويحرص على أنَّ يصل أو يرتقي إلى درجة الرضا، ويستحضر أن هذا المرض فيه كفارة لذنوبه وخطاياه، وأن فيه رفعة لدرجاته.

  • دل هذا الحديث على أن قول: لا بارك الله في هذا الشيء. أنه نوع من السب؛ لقوله عليه الصلاة والسلام لهذه المرأة التي قالت: لا بارك الله في الحمى. قال: لا تسبي الحمى. فاعتبر النبي قول: لا بارك الله في هذا الشيء. أنه نوع من السب، ولهذا؛ ينبغي الابتعاد عن هذا الدعاء؛ لأنه دعاء بسب، كأن يقول الإنسان: لا بارك الله في هذا الشيء، لا بارك الله في هذا المكان، لا بارك الله في هذا المال ونحو ذلك، ينبغي أن يبتعد عن هذا اللفظ، فإن قوله: لا بارك الله.. هذا نوع من السب، اعتبره النبي سبًّا، وقال لهذه المرأة التي قالت: لا بارك الله في الحمى. قال: لا تسبي الحمى.

الصبر على المرض من أسباب دخول الجنة

ننتقل إلى حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال:

حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ لِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ ، قَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي. قَالَ [لها النبي ]: إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ. قَالَتْ: أَصْبِرُ. قَالَتْ: فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ أَلَّا أَتَكَشَّفَ. فَدَعَا لَهَا.

هذه امرأة سوداء ابتليت بمرض الصرع، فأتت النبي  وطلبت منه أن يدعو لها، وهذا المرض من الأمراض الصعبة المزمنة، فالنبي خيَّرها بين أمرين: بين أن يدعو الله تعالى لها، فيشفيها الله تعالى ويعافيها، وبين أن تصبر على هذا المرض، ويكون الجزاء عند الله تعالى عظيمًا، والجزاء هو الجنة، فاختارت هذا الجزاء العظيم، وأن تصبر على هذا المرض حتى تنال هذا الجزاء، وهو الجنة، قالت: يا رسول الله أصبر، ولكن ادع الله ألا أتكشف. فدعا الله لها ألا تتكشف.

وفي هذه القصة: بشارة لأصحاب الأمراض المزمنة بأنهم إن صبروا فإن جزاءهم عند الله تعالى عظيم، وأن جزاءهم الجنة إن هم صبروا واحتسبوا، كل من أصيب بمرض صعب مزمن فصبر عليه فإن جزاءه الجنة؛ لأن النبي إنما طلب من هذه المرأة أن تصبر على هذا المرض لعظيم الأجر والثواب. المرتب عليه، وهو الجنة، فهذا فيه بشارة لكل من أصيب بمرض صعب مزمن، وصبر على ذلك المرض، واحتسب الأجر عند الله بأن يكون الأجر عظيمًا، والثواب جزيلًا، بل أن يكون ذلك المرض سببًا من أسباب دخوله الجنة.

أحوال الناس مع البلاء

بعض الناس قد يصاب بإعاقة أو يصاب بمرض مزمن، أو يصاب بمرض من الأمراض النادرة، أو نحو ذلك، وهو بين أمرين:

  • إما أن يظل متسخطًا متشكيًا، معترضًا على قضاء الله وقدره، ويعيش في هذه الدوامة، ولن يستفيد من هذا التشكي والتسخط شيئًا، غير أنه يتكدر خاطره ولا يسعد في حياته.
  • والخيار الثاني: أنه يحتسب الأجر عند الله ، ويرضى بما قضاه الله تعالى وقدره عليه، وأن يستحضر أن الأجر المرتب على ذلك عظيم جدًّا، وأن يستحضر دومًا هذا الحديث العظيم في قصة المرأة التي كانت تصرع، وقال لها النبي : إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة. فإنْ هو صبر، هذا الذي قد ابتلي بهذا المرض العضال أو هذه الإعاقة، إن هو صبر واحتسب الأجر عند الله فإن الأجر عند الله تعالى عظيم، وينال بسبب هذا المرض الجنة، وهذا فضل عظيم، وماذا تساوي الدنيا إذا كان الإنسان سينال بسبب هذا المرض الجنة؟! هذه الدنيا متاع الغرور، وعمر الإنسان فيها قصير، فيقول: أنا أحتسب الأجر عند الله سبحانه، وأصبر على هذه الإعاقة، أو هذا المرض الذي قدَّره الله تعالى عليَّ، وأرضى بما قدَّر الله تعالى عليَّ، فيعيش راضيًا، ويكون مبتعدًا عن التسخط والتشكي، ويحتسب الأجر العظيم عند ربه ، ويتعايش مع واقعه ومع حياته، فهذا هو الذي نوصي به كل من أصيب بإعاقة أو بمرض مزمن أن يُغَلِّب جانب الرضا والتفاؤل، وأن يحتسب الأجر الجزيل والثواب العظيم عند الله ، وأن يستحضر دائمًا هذه القصة العظيمة، وأن هذه المرأة قال لها النبي : إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة. وأن كل من ابتلي بمرض عضال، أو إعاقة أعاقته؛ فإن هو صبر يكون حاله كحال هذه المرأة، إن هو صبر يكون له الجنة: إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة. وهكذا نقول: لكل من ابتلي بمرض عضال مزمن، أو ابتلي بإعاقة مزمنة: إن شئت صبرت ولك الجنة، فهذا خير لك من أن تتسخط وأن تتشكَّى، وأن تعترض على قضاء الله وقدره.

حديث قدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم..

ننتقل بعد ذلك لحديث أبي ذر وهو حديث طويل.

قال الإمام مسلم رحمه الله:

55 – (2577) حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامَ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ -يَعْنِي: ابْنَ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيَّ- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي! إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ. قَالَ سَعِيدٌ: كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ.

ثم ساق المصنف رحمه الله هذا الحديث من طريق أخرى.

هذا حديث عظيم، وكما ذكر الإمام مسلم رحمه الله: أن الراوي لهذا الحديث عن أبي ذر ، أبا إدريس الخولاني، كان إذا حدَّث بهذا الحديث جثا على ركبتيه، وقال الإمام أحمد: ليس لأهل الشام حديث أشرف من هذا الحديث.

فوائد من حديث: يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ..

هذا الحديث تضمن معان عظيمة:

  • أولها: قال الله تعالى: يا عبادي! إني حرمتُ الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا. فالله تعالى حرَّم الظلم على نفسه جل وعلا، وهو عدل: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49].

الله جل وعلا حرَّم الظلم على نفسه، وجعله محرمًا بين عباده، ولهذا؛ قال: فلا تظالموا. يعني: لا يظلم بعضكم بعضًا.

والظلم عاقبته وخيمة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: واتَّقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب [11].

دعوة المظلوم مستجابة، وإذا دعا على ظالمه فقد تستجاب تلك الدعوة، ويكون ذلك سببًا لحلول العقوبة بالظالم.

وقد تقتضي حكمة الله أن يؤخر عقوبة الظالم؛ كما قال الله سبحانه: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم: 42].

لكن في الغالب أن عقوبة الظالم معجلة في الدنيا قبل الآخرة، والقصص في هذا متواترة في عقوبة من ظلم غيره، فدعا المظلوم على ظالمه فعوقب الظالم، وقد يعاقب الظالم بدون دعوة من المظلوم، ينتقم الله تعالى لهذا المظلوم من الظالم، فينتقم الله تعالى من الظالم بأن يعاقبه بعقوبة حسبما تقتضيه حكمته البالغة.

ولهذا؛ فعلى المسلم أن يحذر الظلم بشتى أنواعه وصوره؛ ظلم الناس، بل حتى ظلم البهائم، لا يجوز له أن يظلم حتى البهيمة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: دخلت النار امرأة في هرة حبستها، لا هي أطعمتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها خَشَاش الأرض [12]، فلا يظلم الإنسان غيره، وإلا فإنه إذا ظلم غيره، في الغالب عقوبته معجلة في الدنيا قبل الآخرة.

ثم قال الله تعالى في هذا الحديث القدسي:

يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ.

أي إن الهداية مِنَّةٌ من الله على العبد، وإلا فإن الله تعالى إذا لم يَمُنَّ على العبد بالهداية فإنه ضالٌّ، فالهداية مِنَّةٌ من الله تعالى ليست بحول الإنسان ولا بقوته، ولا بطوله ولا ذكائه؛ إنما هي من الله .

ولهذا؛ ذكر ابن تيمية رحمه الله عن المعتزلة -المعتزلة كانوا من أذكى الناس، أعطوا ذكاء، وأعطوا عقليات جبارة، لكنهم لم يوفقوا للحق والهداية- قال عنهم: “أُعطُوا ذكاءً ولم يُعطَوا زكاءً، وأعطوا فهومًا ولم يُعطَوا علومًا، وأعطوا سمعًا وأبصارًا وأفئدة فلم تغن عنهم أسماعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء”.

فالإنسان إذا لم يوفق للهداية فإنه يكون ضالًّا، حتى وإن كان من أذكى الناس، وإن كان من أعقل الناس، إذا لم يهده الله ولم يوفقه لهدايته فإنه يكون ضالًّا، ولهذا؛ على المسلم أن يضرع إلى الله سبحانه في أن يهديه.

ولهذا؛ فرضٌ على كل مسلم في كل ركعة يصليها أن يدعو الله تعالى بهذا الدعاء العظيم: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 6، 7].

يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ.

فالله هو الذي يرزق عباده جل وعلا، وهو الذي يطعم عباده، وهو الذي يرزقهم، وإلا فإنهم ضعفاء فقراء.

يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ.

فالله تعالى هو الرزاق، وهو خير الرازقين، وهو الذي يرزق عباده، وهو الذي يعطي عباده، فينبغي أن تتوجه القلوب إليه.

ثم قال الله تعالى في هذا الحديث القدسي:

يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ.

كل بني آدم خَطَّاء، وخير الخطائين التوابون [13]. والله تعالى غفور غفار، واسع المغفرة، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ولهذا؛ قال الله تعالى في هذا الحديث القدسي: يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا؛ فاستغفروني أغفر لكم. كما قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53]. مهما وقع العبد في ذنب أو معصية، مهما كانت المعصية فإنه إذا أقبل تائبًا إلى ربه سبحانه فإن الله تعالى يغفر له جميع الذنوب، مهما كان الذنب، ومهما كانت المعصية، ومهما كان عليه من الذنوب والمعاصي والخطايا، ما دام أنه لم تبلغ الروح الحلقوم، فمجال التوبة مفتوح، والله تعالى يغفر جميع الذنوب: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ يعني: بالذنوب والخطايا والمعاصي لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ المهم أنه يُقبِل على ربه سبحانه ويتوب إلى الله.

شروط التوبة

والتوبة لها ثلاثة شروط:

  • الشرط الأول: الندم على الوقوع في المعصية وفي الذنب.
  • الشرط الثاني: الإقلاع عن الذنب، فلا بد أن يقلع عن المعصية أو الذنب.
  • الشرط الثالث: العزم على ألا يعود إليه مرة أخرى.

وإذا كانت المعصية متعلقة بحقوق الآدميين فيضاف شرط رابع، وهو: التحلل من هؤلاء الآدميين، وطلب المسامحة منهم، فلا بد من هذه الشروط لتَصِحَّ التوبة، وإلا إذا تخلف شرط واحد منها لم تصح.

ثم قال الله تعالى في هذا الحديث القدسي: يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ.. . هذا إن شاء الله نقف معه وقفات، فنكمل إن شاء الله الكلام عن هذا الحديث في الدرس القادم، ونكتفي بهذا القدر.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة والأجوبة

حكم الترديد مع المؤذن عند إقامة الصلاة

س: ما حكم الترديد مع المؤذن عند إقامة الصلاة؟

ج: هذه المسألة محل خلاف، والقول الراجح: أنه لا يشرع الترديد مع المؤذن عند الإقامة؛ وإنما ذلك يشرع عند الأذان فقط، أما الإقامة فلا يشرع ذلك؛ لعدم وروده، ولأنه قد ورد في بعض الأحاديث كما في «صحيح مسلم» تفسير ذلك بالأذان، قال عليه الصلاة والسلام: إذا قال المؤذن: الله أكبر، الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، الله أكبر.. [14]. وذكر صفة الأذان، ولم يذكر صفة الإقامة، فدل ذلك على أن المتابعة إنما تكون في الأذان، ولأن الإقامة كانت تقام بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام خمس مرات في اليوم والليلة، ولم يرد عنه ولا عن أحد من أصحابه أنهم كانوا يتابعون المؤذن حين يقيم الصلاة.

وعلى هذا؛ فالقول الراجح: أنه لا يشرع المتابعة في الإقامة؛ وإنما ذلك في الأذان فقط.

حكم الشراء عن طريق البنك ثم يأخذ البائع حقه والزيادة للمشتري

س: عندي عمارة للبيع بـ(300,000)، قالوا: نشتريها عن طريق البنك، وبعدما تستلم المبلغ تأخذ حقك، وتعطينا الزيادة، هل هذا يجوز؟

ج: هذا لا يجوز، هذه المعاملة شائعة عند بعض الناس، يقولون: يأتي إنسان ويريد أن يشتري عمارة أو عقارًا عن طريق البنك، ويذهب للمالك ويقول: ارفع السعر، يعني إذا كان سعرها (300) اجعلها (400)، وهذه الزيادة تعطينا إياها بعد إتمام البيعة، هذا العمل لا يجوز؛ لأن هذه الزيادة البنك قد حسب عليك أرباحًا، ويفترض أن الربح يكون مقابل العقار، وهذه الزيادة أصبح البنك يحتسب عليها ربحًا، وهي نقدٌ، محلُّها نقدٌ، فأصبحت نقدًا بنقدٍ مع الزيادة، فيؤول ذلك للربا، وهذا لايجوز، لا يجوز هذا العمل، وهذه المعاملة الشائعة عند بعض الناس، وهي غير جائزة، فلا يجوز للمالك أن يتفق مع هذا المشتري؛ لأن هذا فيه إعانة له على هذا العمل المحرم.

ونقول لهذا المشتري: بإمكانك أن تَجِدَ السيولة من طرق أخرى، أما هذه الطريقة فهي طريقة محرمة وغير جائزة.

كيفية الجمع بين التبكير إلى الصلاة وبين أداء الراتبة في البيت

س: كيف نجمع بين التبكير إلى الصلاة وبين أداء السنة الراتبة في البيت؟

ج: أولًا السُّنة الراتبة البعدية: فهذه الأفضل أنها تفعل في البيت؛ لقول النبي : أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة [15].

وأما السُّنة الراتبة القبلية: فيمكن أن تأتي بها بعد الأذان مباشرة مثل سنة الظهر مثلًا، تأتي بها بعد الأذان مباشرة ثم تذهب للمسجد، ويمكن أن تذهب للمسجد مبكرًا وتأتي بالسنة الراتبة في المسجد، والأمر في هذا واسع، وهما فضيلتان، التبكير للمسجد فضيلة وأداء السنة فضيلة، فإن كنت ستأتي بها بعد الأذان مباشرة ثم تذهب للمسجد، فإنك تجمع بين الفضيلتين، وإن أردت أن تبكر وتذهب مع الأذان أو قبل الأذان وتأتي بالسنة الراتبة في المسجد فهذا أمر حسن.

حكم التأجير المنتهي بالتمليك

س: ما حكم التأجير المنتهي بالتمليك؟

ج: التأجير المنتهي بالتمليك له صور جائزة وصور ممنوعة؛ الصورة الممنوعة التي مَنَعت منها هيئة كبار العلماء: هي أن يجتمع البيع والإجارة في عقد واحد، وهذه الصورة غير موجودة الآن في السوق، وحتى الشركات لا تحبذها.

والصورة الجائزة: أن يكون العقد عقد إجارة تترتب عليه آثار عقد الإجارة، مع الوعد بالتمليك بأي صورة من صور التمليك، إما بالهبة يقول مثلًا: أؤجر لك هذا العقار كذا سنة، ثم بعد ذلك إن أنت انتظمت في سداد الأقساط يكون هبة لك، أو نؤجر لك هذه السيارة لمدة كذا، فإن انتظمت في سداد الأقساط تكون السيارة هبة لك.

أو يكون التمليك بالبيع بسعر مخفَّض، وهو ما يسمونه بـ(الدفعة الأخيرة)، فيقولون مثلًا: نؤجر لك هذه السيارة بأقساط لمدة معينة، ثم يكون هناك دفعة أخيرة، هذه الدفعة الأخيرة هي بيع السيارة لك بثمن مخفض، فهذه أيضًا لا بأس بها، تأجير مع وعد بالتمليك بأية صورة من صور التمليك، فهذه الصورة لا بأس بها؛ لأنها عقد إجارة حقيقي يترتب عليه آثار عقد الإجارة مع وعد بالتمليك، فلا بأس به، وقد أجازه مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وأكثر العلماء المعاصرين على جوازه.

لكن هنا أُنبِّه إلى أن بعض الشركات وبعض البنوك تضع شرط غرامة التأخير، فيقولون: إذا تأخر المستأجر عن سداد الدفعة الإيجارية يحسب عليه غرامة تأخير، وهذا الشرط لا يجوز؛ لأنه من جنس ربا الجاهلية؛ كانوا في الجاهلية إذا حل الدَّين على المدين يقول الدائن للمدين: إما أن تقضي وإما أن تُرْبِي، فهنا إذا تأخر كذلك المستأجر عن سداد الدفعة الإيجارية فلا يجوز أن يفرض عليه غرامة تأخير، فإذا خلا التأجير مع الوعد بالتمليك من هذا الشرط من شرط غرامة التأخير، وكان تأجيرا مع وعد بالتمليك فلا بأس بذلك؛ لأن الأصل في العقود الصحة، والأصل في المعاملات الحِل والإباحة، فهذا عقد تأجير حقيقي تترتب عليه آثار عقد الإجارة مع وعد بالتمليك؛ إما بالهبة، أو بالبيع بسعر مخفض، وهو ما يسمى بالـ(دفعة الأخيرة) فلا بأس بهذا التأجير مع الوعد بالتمليك.

صيغة التسليم من الصلاة

س: ما الصيغة الواردة في التسليم من الصلاة؟

ج: الصيغة الواردة أن يقول: “السلام عليكم ورحمة الله”.

وأما زيادة: وبركاته. فهذه لم تثبت عن النبي ؛ وإنما المعروف أنه عليه الصلاة والسلام يلتفت عن يمينه قائلًا: السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره قائلًا: السلام عليكم ورحمة الله [16]. والأفضل أن يبتدئ في التسليم مع بدئه في الالتفات، يعني هكذا: يقول: السلام عليكم ورحمة الله. بحيث تكون “عليكم” مع نهاية الالتفات، السلام عليكم ورحمة الله، هكذا، السلام عليكم ورحمة الله، فهذه هي الصيغة الواردة في لفظ التسليم.

مسافر بالطائرة إلى جدة وينوي العمرة بعد قضاء حوائجه

س: مسافر من الدَّمَّام إلى جدة بالطائرة ظهر الخميس لمؤتمر، وبعدها ينوي عمرة، ولا يوجد حجز.. اعتمرنا إلا الجمعة كيف النية لأداء العمرة؟

ج: هو بين خيارين:

إما أن يحرم عند محاذاة الميقات وهو في الطائرة، فيبقى في جدة بإحرامه، وهذا قد يكون فيه مشقة عليه.

الخيار الثاني: أنه يذهب إلى جدة ويقضي حوائجه، ثم إذا أراد العمرة يرجع للميقات ويحرم من الميقات؛ لأنه عندما مر بالميقات كان ناويًا النسك، فيرجع إلى الميقات ما دام أنه من الدمام، فالميقات هو قَرْنُ المَنَازل، فيرجع إما إلى السَّيل الكبير، وإما إلى وادي مَحْرَم؛ لأن وادي مَحرَم هو أعلى السيل، وربما يكون وادي مَحرَم أقرب بالنسبة له ما دام في جدة، وادي محرم الذي هو في الهَدَا في الطائف أقرب إلى جدة، لكنه إن شاء ذهب إلى وادي محرم وإن شاء ذهب إلى السيل الكبير وأحرم، والحمد لله المسافة ليست كبيرة، لا تستغرق أكثر من ساعة ونصف إلى ساعتين، فإذا أراد العمرة يذهب إلى للميقات ويحرم من الميقات.

حكم رفع اليدين في دعاء الرجوع من السفر

س: هل يشرع رفع اليدين في دعاء الرجوع من السفر؟

ج: الأصل مشروعة رفع اليدين عند الدعاء، هذا هو الأصل؛ لقول النبي : إن الله يستحيي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صِفْرًا [17]. أي خائبتين، كان هدي النبي أنه إذا دعا رفع يديه إلا في المواضع التي دعا فيها النبي ولم يرفع يديه فلا يشرع رفع اليدين؛ ومن ذلك: دعاء الخطيب في خطبة الجمعة، لا يشرع لا للخطيب ولا للمأمومين أن يرفعوا أيديهم، ولهذا؛ أنكر عمارة بن رؤيبة على الخطيب لما دخل المسجد ورأى الخطيب رافعًا يدعو فقال: وددت أن هاتين اليدين تقطعان؛ لقد رأيت النبي لا يجاوز أن يقول بإشارته هكذا [18]. رواه مسلم.

فلا يشرع للخطيب ولا للمأمومين رفع أيديهم عند دعاء الخطيب، إلا في حالة واحدة، وهي إذا استسقى الخطيب فيشرع للخطيب أن يرفع يديه ويشرع للمأمومين أن يرفعوا أيديهم بالدعاء؛ لأن النبي لما استسقى رفع يديه وقال: اللهم أغثنا [19]. ورفع الصحابة أيديهم، فهذه يكون رفع اليدين فيها بهذا التفصيل.

لكن من حيث الأصل، الأصل في المسلم أنه إذا دعا الله يشرع له أن يرفع يديه، هذا هو الأصل، وعلى ذلك: إذا أراد أن يدعو وهو في السفر فيستحب له أن يرفع يديه، هكذا إذا أراد أن يدعو بين الأذان والإقامة يستحب له أن يرفع يديه، عند فطره عندما يكون صائمًا ويريد أن يدعو يستحب له أن يستقبل القبلة وأن يرفع يديه، فالأصل هو مشروعية رفع اليدين عند الدعاء هذا هو الأصل؛ إن الله يستحيي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صِفْرًا، يعني: خائبتين، والنبي ذكر الرجل يطيل السفر يمد يديه إلى السماء يقول: يا ربِّ يا ربِّ.. [20]، هذا يدل على أن الأصل هو رفع اليدين عند الدعاء، والنبي عليه الصلاة والسلام لما استغاث في غزوة بدر ودعا الله ​​​​​​​ رفع يديه حتى سقط رداؤه فأخذ أبو بكر رداءه والتزمه وقال: كفاك يا رسول الله مناشدتك لربك [21]، فهذا يدل على أن هدي النبي عليه الصلاة والسلام أنه إذا دعا رفع يديه، فالأصل: أن رفع اليدين من آداب الدعاء، إلا في المواضع التي دعا فيها النبي ولم يرفع يديه.

ونكتفي بهذا القدر.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 12، ومسلم: 39.
^2 رواه الترمذي: 2485، وقال: صحيحٌ، وابن ماجه: 1334، وأحمد: 23784.
^3 رواه أحمد: 27079.
^4 رواه مسلم: 2573.
^5 رواه مسلم: 918.
^6 اللهمَّ أْجُرْني: قال القاضي: أجرني بالقصر والمد، حكاهما صاحب الأفعال، وقال الأصمعي وأكثر أهل اللغة: هو مقصور لا يمد. قاله النووي في شرح مسلم: 6/ 220.
^7 رواه البخاري: 3026، ومسلم: 1741.
^8 رواه أبو داود: 3874.
^9 رواه أحمد: 23156.
^10 رواه الترمذي: 3514، وقال: صحيحٌ.
^11 رواه البخاري: 2448.
^12 رواه البخاري: 2365، ومسلم: 2242. وخشاش الأرض، بفتح الخاء وكسرها: هَوَامُّها، وقيل: نباتها. ينظر مشارق الأنوار للقاضي عياض: 1/ 214.
^13 رواه الترمذي: 2499، وأحمد: 13049.
^14 رواه مسلم: 385.
^15 رواه البخاري: 731.
^16 رواه أبو داود: 996، والترمذي: 295، وقال: حسنٌ صحيحٌ، والنسائي: 1141، وابن ماجه: 914.
^17 رواه أبو داود: 1488، والترمذي: 3556، وابن ماجه: 3865.
^18 رواه مسلم: 874.
^19 رواه البخاري: 1014، ومسلم: 897.
^20 رواه مسلم: 1015.
^21 رواه مسلم: 1763.
zh