logo
الرئيسية/برامج إذاعية/فقه المعاملات/(48) أحكام الشركة- تتمة أحكام شركة المضاربة وشركة الوجوه

(48) أحكام الشركة- تتمة أحكام شركة المضاربة وشركة الوجوه

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخليله نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

أيها الإخوة المستمعون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تتمة أحكام شركة المضاربة

كنا قد تكلمنا في الحلقة السابقة عن جُملة من أحكام ومسائل الشركات، وكانت آخر مسألة تكلمنا عنها هي أحكام شركة المضاربة، ووعدنا باستكمال الحديث عنها في هذه الحلقة.

متى يقسم الربح في المضاربة؟

فنقول: من أحكام المضاربة: أنه لا يُقسم الربح في المضاربة قبل إنهاء العقد بين رب المال والمضارِب، إلا بتراضيهما؛ لأن الربح وقاية لرأس المال، ولا يؤمن أن تقع خسارةٌ مستقبلًا فتُجبَرُ من الربح، وإذا قُسِم الربح مع بقاء عقد المضارب لم يبق رصيدٌ يُجبر منه الخسران، فالربح وقاية لرأس المال لا يستحق العامل -الذي هو المضارِب- منه شيئًا إلا بعد كمال رأس المال.

ونوضِّح هذا بالمثال: رجلٌ أعطى آخر مالًا يتّجر به مضاربة، ثم إن هذا المضارِب قد ربح، فأراد قسمة هذا الربح بينه وبين ربّ المال، فنقول: إن أراد فسخ عقد المضاربة قُسِم الربح، وكذلك إن تراضيا على قسمة الربح قُسِم الربح كذلك، ولكن مع بقاء عقد المضاربة لا يُقسم الربح إلا باتفاقهما.

فنقول في هذا المثال للمضارِب الذي أراد قسمة الربح: ليس لك ذلك إلا برضا ربّ المال، أو بإنهاء عقد المضاربة؛ لأن الربح في الحقيقة هو وقايةٌ لرأس المال؛ ولذلك ذكر الفقهاء: أنه متى ما كان في المال خسارة وربح، فإن الخسارة تُجبر من الربح، سواء كان الربح والخسارة في مرّة واحدة أو كان الخسران في صفقة والربح في أخرى، أو كان الربح في سفرة والخسارة في سفرة أخرى؛ لأن الربح هو الفاضل عن رأس المال، وما لم يفضل عن رأس المال فليس بربحٍ في الحقيقة، وقد حُكي الاتفاق على ذلك بين أهل العلم.

وهكذا لو كان الذي قد طلب قسمة الربح هو ربُّ المال، فليس له ذلك إلا برضا العامل الذي هو المضارِب، أو بإنهاء عقد المضاربة.

هل عقد المضاربة عقد لازم؟

ومن أحكام المضاربة: أنها عقدٌ جائزٌ وليس لازمًا، أي أن لكلٍّ من المضارِب وربِّ المال له الفسخ متى ما شاء، فإن انفسخت والمال لا ربح فيه أخذه ربُّ المال ولا شيء للمضارب الذي هو العامل، وإن كان فيه ربحٌ قسماه على ما شرطا، هذا إذا كان المال ناضًّا ليس من العروض.

أما إن كان المال من العروض فإن اتفقا على بيعها أو قسمتها جاز ذلك؛ لأن الحق لهما فجاز على ما اتفقا عليه، أما إن طلب العامل الذي هو المضارب بيع تلك العروض فإن كان قد ظهر في المال ربحٌ أُجبِر رب المال على البيع؛ لأن حق العامل الذي هو المضارِب في الربح لا يظهر إلا بالبيع، وإن لم يظهر ربحٌ لم يُجبر؛ لأنه لا حق له فيه وقد رضيه مالكه كذلك فلم يُجبر على بيعه.

التنضيض الحكمي

نقول: ماذا عن الشركات والمنشآت والصناديق الاستثمارية، والتي تكون موجوداتها من العروض، ويدخل فيها بعض الناس بأموالهم مضاربة بينهم وبين القائمين على تلك الشركات أو الصناديق، فإذا أراد أرباب الأموال التصفية النهائية مع تلك الشركات أو الصناديق، فكيف يكون الحكم الشرعي؟

بحث مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من رابطة العالم الإسلامي هذه المسألة وأصدر فيها قرارًا، وأنقل فيما يأتي نص هذا القرار:

“إنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة قد نظر في موضوع التنضيض الحكمي، والمراد بالتنضيض الحكمي: تقويم الموجودات من عروض وديونٍ بقيمتها النقدية، كما لو تمَّ فعلًا بيع العروض، وتحصيل الديون، وهو بديلٌ عن التنضيض الحقيقي الذي يتطلّب التصفية النهائية للمنشئات، وأوعية الاستثمار المشتركة، كالصناديق الاستثمارية، ونحوها، وبيع كل الموجودات، وتحصيل جميع الديون.

وبعد استعراض البحوث التي قُدِّمت والمناقشات المستفيضة حول الموضوع قرَّر المجلس ما يأتي:

أولًا: لا مانع شرعًا من العمل بالتنضيض الحكمي -أي التقويم- من أجل تحديد أو توزيع أرباح المضاربة المشتركة، أو الصناديق الاستثمارية، أو الشركات بوجهٍ عام، ويكون هذا التوزيع نهائيًا مع تحقق المبارأة بين الشركاء صراحة أو ضمنًا، ومستند ذلك النصوص الواردة في التقويم لقوله : تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا، أو فيما قيمته ربع دينارٍ فصاعدًا [1].

وقوله عليه الصلاة والسلام: من أعتق شقصًا له في عبدٍ، فخلاصه في ماله إن كان له مال، فإن لم يكن له مالٌ قُوِّم عليه العبد قيمة عدل [2]، رواه مسلم.

ويُستأنس لذلك بما ذكره صاحب “المغني” في حالة تغيّر المضارِب لموته أو لزوال أهليته، مع عدم نضوض البضائع، فيجوز تقويمها لاستمرار المضاربة بين رب المال، ومن يخلف المضارب، فضلًا عن التطبيقات الشرعية للتقويم، مثل تقويم عروض التجارة للزكاة، وقسم الأموال المشتركة، وغير ذلك.

ثانيًا: يجب إجراء التنضيض الحكومي من قِبل أهل الخبرة في كل مجال، وينبغي تعددهم بحيث لا يقل العدد عن ثلاثة، وفي حال تباين تقديراتهم يصار إلى المتوسط منها، والأصل في التقويم اعتبار القيمة السوقية العادلة”.

شركة الوجوه

وننتقل للنوع الثالث من أنواع شركة العقود، وهو: شركة الوجوه.

ومعناها: أن يشترك اثنان فأكثر فيما يشتريان بذمتيهما، وما ربحا فهو بينهما على ما شرطاه.

وسُمّيت بذلك لأنها ليس لها رأس مال، وإنما تُبذل فيها الذمم والجاه، وثقة التُجّار بهما، فيشتريان ويبيعان بذلك، ويقتسمان ما يحصل لهما من الربح على حسب الشرط بينهما؛ لقول النبي : المسلمون على شروطهم [3].

نوضح هذا النوع من الشركة بالمثال: هذان رجلان ليس عندهما مال، ذهبا إلى رجلٍ عنده محلٌ، فقالا له: نريد أن نشتري منك هذا المحل بمائة ألف ريالٍ في ذممنا، وهذا المحل لو بيع بنقدٍ حاضر لكانت قيمته ثمانين ألفًا مثلًا، فباعهما هذا الرجل هذا المحل بمائة ألفٍ في الذمة بناءً على ثقته فيهما وجاههما عنده.

فهما شريكان في هذا المحل، هذا النوع من الشركة يُسمَّى شركة الوجوه، ويحتاج إليها الفقراء الأقوياء على التكسُّب، أو الذين يحسنون البيع والشراء، وأمور التجارة، ولكن ليس عندهم رؤوس أموال، فيحتاجون لهذا النوع من الشركة.

قال الفقهاء: وكل واحدٍ من الشريكين فيها وكيلٌ عن الآخر فيما يشتريه وفيما يبيعه، وكفيلٌ عنه بذلك.

هذه الشركة -أعني شركة الوجوه- تُشبه شركة العِنان التي سبق أن تكلمنا عنها بالتفصيل في حلقة سابقة؛ ولذلك فما قلناه في شركة العنان من أحكام، فإنها تنطبق على شركة الوجوه.

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، ونستكمل الحديث عن بقية أنواع شركة العقود في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

فإلى ذلك الحين أستودعكم الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 6789، ومسلم: 1684.
^2 رواه مسلم: 1503.
^3 رواه أبو داود: 3594.
مواد ذات صلة
zh