logo
الرئيسية/برامج إذاعية/فقه المعاملات/(25) أحكام القرض – فضل الإقراض وتعريف القرض وحكمه وشروط صحته

(25) أحكام القرض – فضل الإقراض وتعريف القرض وحكمه وشروط صحته

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخليله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

أيها الإخوة المستمعون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نتناول معكم في هذه الحلقة الكلام عن جملة من المسائل المتعلقة بباب القرض، وسوف نتناول جملة من هذه المسائل، ونستكمل الحديث عن بقيتها في حلقة قادمة إن شاء الله.

فضل الإقراض

فنقول: القرض من عقود الإرفاق والإحسان، وقد رغّب فيه الشارع لما فيه من التعاون والتكافل بين المسلمين، وسدّ حاجة المعوزين، وقد جعل النبي  الإقراض مرتين بمثابة الصدقة مرة، فعن ابن مسعود  أن النبي  قال: ما من مسلم يقرض مسلمًا مرتين إلا كان كصدقتها مرة [1]، أخرجه ابن ماجه، وهو حديثٌ حسن.

بل إن من أهل العلم من قال: إن القرض أفضل من الصدقة؛ إذ الغالب أنه لا يقترض إلا محتاج؛ ولما روي عن أنس  قال: قال رسول الله : رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبًا: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر، فقلت: يا جبريل، ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ فقال: لأن السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة [2]، أخرجه ابن ماجه في سننه، ولكنه حديثٌ ضعيف الإسناد، لا يثبت عن رسول الله .

ولذلك فالصحيح عند المحققين من أهل العلم أن الصدقة أفضل من القرض؛ لحديث ابن مسعود  السابق: ما من مسلم يقرض مسلمًا مرتين إلا كان كصدقتها مرة وهو حديثٌ ثابت عن رسول الله  كما سبق، وهو ظاهر الدلالة في تفضيل الصدقة على القرض.

تعريف القرض وحكمه

القرض معناه في اللغة القطع، وهو مصدر: قَرَض الشيء يقرضه.

ومعناه في اصطلاح الفقهاء: دفع مالٍ لمن ينتفع به، ويرد بدله، وهو مندوبٌ إليه في حق المقرِض لما سبق من الأدلة؛ ولأن فيه تفريجًا عن أخيه المسلم، وقضاءً لحاجته، فكان مندوبًا إليه كالصدقة، ولكنه ليس بواجب، قال الإمام أحمد رحمه الله: “لا إثم على من سُئل فلم يقرض؛ وذلك لأنه من المعروف أشبه صدقة التطوع”.

وأما في حق المقترض فإنه مباح، وليس مكروهًا، خاصة إذا كان لحاجة.

قال الإمام أحمد رحمه الله: ليس القرض من المسألة -يريد أنه لا يُكره-؛ لأن النبي  كان يستقرض كما في حديث أبي رافع أنّ النبي استسلف من رجلٍ بكرًا، فقدمت عليه إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع، فقال: يا رسول الله لم أجد إلا خيارًا رباعيًا، فقال النبي : أعطه، فإنّ خير الناس أحسنهم قضاءً [3]، رواه مسلم، ولو كان الاستقراض مكروهًا لكان النبي  أبعد الناس منه.

ولكن ينبغي للإنسان ألا يقترض إلا لحاجة؛ لأن القرض يدخل في مسمى الدَّين، والدين أمره عظيم، حتى إن النبي أخبر بأن الشهيد يُغفر له كل شيءٍ إلا الدَّين، فإذا كان الشهيد الذي قد باع نفسه لله ​​​​​​​ لا يُغفر له الدين، فكيف بغيره.

ثم إن المقترض ينبغي له أن يحرص على الوفاء، فإنه إذا اقترض بنية الوفاء يسّر الله تعالى له الوفاء، وفتح له أبوابًا من الرزق يفي منها، بخلاف ما إذا اقترض بنية عدم الوفاء، أو بنية المماطلة؛ فإن الله تعالى لا يُبارك له في ذلك المال، بل يسلّط عليه من الآفات ما يتلفه، ويمحق بركته، كما قال النبي : من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله [4].

شروط صحة القرض

القاعدة فيما يصح قرضه هي: أن كل ما صح بيعه صحّ قرضه إلا العبيد والإماء، فإنه لا يصح قرضهم.

ويُشترط لصحة القرض: أن يكون المقرض ممن يصح تبرُّعه، فلا يجوز لولي اليتيم مثلًا أن يقرض من مال اليتيم.

وكذلك يُشترط معرفة قدر المال المدفوع في القرض، ومعرفة صفته؛ وذلك لأجل أن يتمكّن من ردّ بدله إلى صاحبه.

حكم القرض إذا أريد به المعاوضة والربح

والقرض من عقود الإرفاق والإحسان؛ ولهذا سماه النبي منيحة؛ لأنه ينتفع به المقترض، ثم يعيده إلى المقرض، فإذا خرج عن موضوعه الأصلي الذي شُرع لأجله، وهو الإرفاق والإحسان بين الناس، وأصبح يراد به المعاوضة والربح دخله الربا؛ ولذلك فالقاعدة المشهورة عند الفقهاء هي: أن كل قرضٍ جرّ نفعًا فهو ربا، ولكن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، فما من قرضٍ إلا ويتضمن نفعًا.

قال أبو محمد ابن حزم رحمه الله: “ليس في العالم سلفٌ إلا وهو يجرُّ منفعة؛ وذلك بانتفاع المسلِف بتضمين ماله فيكون مضمونًا تلِف أو لم يتلف، مع شكر المستقرض إياه، وانتفاع المستقرض بمال غيره مدةً”.

وحينئذٍ تُحمل المنفعة المحرّمة في القرض على المنفعة التي يختص بها المقرِض، كسكنى دار المقترض، وركوب دوابِّه، وقبول هديّته، ونحو ذلك من المنافع التي يختص بها المقرِض، ولا مصلحة للمقترض فيها.

أما ما كان فيه منفعة للمقرض وللمقترض جميعًا من غير ضرر بواحدٍ منهما، فليس هذا بمحرَّم؛ إذ إن الشرع لا ينهى عما فيه مصلحة ومنفعة للطرفين من غير ضرر بواحد منهما.

قال ابن القيم رحمه الله: “المنفعة التي تجر إلى الربا في القرض هي التي تخص المقرض كسكنى دار المقترض، ونحو ذلك”.

تعريف السفتجة وحكمها

وعلى هذا التأصيل يتفرع الكلام حول مسألة السفتجة، والتي عُرِّفت بأنها معاملة مالية يُقرض فيها إنسانٌ قرضًا لآخر؛ ليوفيه المقترض أو نائبه أو مدينه في بلدٍ آخر.

وفائدتها: السلامة من خطر الطريق، ومؤونة الحمل.

ومن صورها المعاصرة: التحويلات البنكية مع اتحاد العملة، كأن يكون شخصٌ يسكن مثلًا في مدينة الرياض يريد أن يحوّل له مبلغًا لقريبٍ، أو لصديقٍ له يسكن في مكة؛ لأن وضع المال في البنك هو في حقيقته قرضٌ لذلك البنك وليس وديعة، وحينئذٍ فهل المنفعة الحاصلة في السفتجة تدخل في منفعة القرض المحرمة أو لا تدخل؟

اختلف الفقهاء في ذلك، فالجمهور على عدم جواز السفتجة؛ وذلك لأن السفتجة قرضٌ استفاد بها المقرض سقوط خطر الطريق، وهذا نوع نفع.

والقول الثاني في المسألة: هو جواز السفتجة، وهو مرويٌ عن عدد من الصحابة ، منهم علي بن أبي طالب وابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وهذا القول رواية عند المالكية، ورواية عند الحنابلة، وقد اختاره موفق الدين ابن قدامة، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم رحمة الله تعالى على الجميع.

ووجه هذا القول: أن المنفعة التي في السفتجة ليست خاصة بالمقرض وحده، بل تشمل المقرض والمقترض، فالمقرض ينتفع بأمن خطر الطريق في نقل دراهمه إلى ذلك البلد، والمقترض ينتفع بالقرض وبأمن خطر الطريق بالوفاء في ذلك البلد، والشارع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “الصحيح في هذه المسألة -يعني السفتجة- الجواز؛ لأن كلًا من المقرض والمقترض منتفعٌ بهذا الاقتراض، والشارع لا ينهى عما ينفعهم ويصلحهم، وإنما ينهى عما يضرّهم”.

ونكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، ونستكمل الكلام عن بقية مسائل وأحكام القرض في الحلقة القادمة إن شاء الله، فإلى ذلك الحين أستودعكم الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه ابن ماجه: 2430.
^2 رواه ابن ماجه: 2431.
^3 رواه مسلم: 1600.
^4 رواه البخاري: 2387.
مواد ذات صلة
zh