logo
الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(164) أحكام الجنائز- تكفين الميت وصفته وكفن الشهيد والمُحرم

(164) أحكام الجنائز- تكفين الميت وصفته وكفن الشهيد والمُحرم

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

لا يزال الحديث موصولًا عن أحكام الجنائز، وقد كان الحديث في الحلقة السابقة عن أحكام تغسيل الميت، وأتحدث معكم في هذه الحلقة عن أحكام تكفين الميت وتقديمه للصلاة عليه، فأقول وبالله التوفيق:

تكفين الميت

تكفين الميت المسلم فرض كفاية كتغسيله والصلاة عليه ودفنه.

وقبل الحديث عن أحكام هذا التكفين أشير إلى مسألة ذكرها بعض أهل العلم، وهي: أنه لا بأس أن يجهّز الإنسان كفنه، قال البخاري في صحيحه: “بابٌ من استعد الكفن في زمن النبي فلم يُنْكَر عليه”، ثم ساق بسنده عن سهل بن سعد : “أن امرأة جاءت النبي ببردة منسوجة فيها حاشيتها، فقالت: يا رسول الله نسجتها بيديَّ فجئت لأكسوكها، فأخذها النبي محتاجًا إليها، فخرج إلينا وإنها إزاره، فقال رجلٌ: ما أحسنها، اكسنيها يا رسول الله، فأعطاه إياها، فقال القوم: ما أحسنت، لبسها النبي محتاجًا إليها ثم سألته وقد علمت أنه لا يردُّ -أيْ سائلاً-؛ فقال الرجل: إني والله ما سألته لألبسها إنما سألته لتكون كفني، قال سهل: فكانت كفنه” [1].

وقد روي عن عددٍ من الصالحين أنهم جهّزوا أكفانهم، جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: “دخلت على أبي بكر  -أيْ في مرض موته- فقال: في كم كفّنتم النبي ؟ قالت: فقلت: في ثلاثة أثوابٍ بيضٍ سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة، فنظر إلى ثوبٍ عليه كان يمرّض فيه، به ردعٌ من زعفران -أيْ ملطّخٌ به- فقال: اغسلوا ثوبي هذا، وزيدوا عليه ثوبين فكفّنوني فيهما، قالت: فقلت: إن هذا خَلَقٌ، قال: إن الحي أحق بالجديد من الميت، إنما هو -أيْ الكفن- للمهلة -أيْ للصديد-، فما أمسى حتى توفي وكُفِّن فيما أوصى به رضي الله تعالى عنه وأرضاه” [2].

صفة الكفن

ويُستحب تكفين الميت في ثلاث لفائف بيضٍ ليس فيها قميصٌ ولا عمامة، للحديث السابق وهو حديث عائشة رضي الله عنها قالت: “كُفِّن رسول الله في ثلاثة أثوابٍ بيضٍ سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة” [3]، متفقٌ عليه.

ويُستحب في الكفن أن يكون أبيض؛ لأن النبي  إنما كُفِّن في ثلاثة أثواب بيض، ولقوله عليه الصلاة والسلام: البسوا من ثيابكم البياض فإنها خير ثيابكم، وكفّنوا فيها موتاكم [4]، أخرجه أبو داود والترمذي وصححه.

ويُستحب تجمير الأكفان؛ لقول النبي : إذا جمّرتم الميّت فأجمروه ثلاثًا رواه أحمد، والحاكم، وقال: “صحيحٌ على شرط مسلم”.

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “يُستحب تجمير الأكفان، وهو تبخيرها بالعود، فيُجعل العود على النار في مجمرٍ ثم يبخَّر به الكفن حتى تعبق رائحته، ويكون ذلك بعد أن يرشّ عليه ماء الورد لتعلق به الرائحة، ثم ذكر قول النبي : إذا جمّرتم الميّت فأجمروه ثلاثًا“، قال الموفق: “وأوصى أبو سعيد وابن عمر وابن عباس أن تُجمَّر أكفانهم بالعود”.

قال رحمه الله: “والمُستحب أن يؤخذ أوسع اللفائف وأحسنها فتُبْسط أولاً لتظهر للناس؛ لأن هذا عادة الحي فإنه يجعل الظاهر أفخر ثيابه فكذا يُفعل بالميت، ويُجعل عليها حنوطًا، ثم تُبسط الثانية التي تليها في الحُسن والسعة ويُجعل فوقها حنوطًا وكافورًا، ثم تُبسط فوقها الثالثة ويُجعل فوقها حنوطًا وكافورًا، ولا يُجعل على وجه العلياء ولا على النعش شيئًا من الحنوط، ثم يُحمل الميت مستورًا بثوبٍ فيوضع عليها مستلقيًا؛ لأنه أمكن لإدراجه فيها، ثم تُردّ اللفائف على الميت، ويُجعل ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه؛ لأنه أحق بالستر من رجليه، وإذا خيف انتشار اللفائف فإنها تُعقد بعُقد فإذا وضِع الميت في قبره حُلّت العُقد؛ لأن عقدها إنما كان للخوف من انتشارها وقد أُمِن بدفنه”.

كفن المرأة

وأما المرأة فتكفّن في خمسة أثواب: إزارٍ، وخمارٍ، وقميص، ولفافتين.

قال ابن المنذر رحمه الله: “أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن تكفّن المرأة في خمسة أثواب، وإنما استحب ذلك؛ لأن المرأة تزيد في حال حياتها على الرجل في الستر لزيادة عورتها على عورته فكذا بعد الموت”.

كفن الشهيد والمُحرم

والسُنّة أن يكفّن الشهيد الذي قُتِل في المعركة في ثيابه، ولا تُنزع منه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: “أمر رسول الله بقتلى أُحد أن يُنزع عنهم الحديد والجلود، وأن يُدفنوا بدمائهم وثيابهم» [5]، أخرجه أبو داود، وابن ماجه.

وذهب كثيرٌ من أهل العلم إلى أن المحرم كذلك يكفَّن في ثوبيه: إزاره وردائه.

قال البخاري في صحيحه: بابٌ كيف يكفَّن المحرم، ثم ساق بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان رجلٌ واقفٌ مع النبي  بعرفة فوقع عن راحلته فوقصته فمات، فقال النبي : اغسلوه بماءٍ وسدر، وكفّنوه في ثوبين، ولا تحنّطوه ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يُبعث يوم القيامة ملبيًا [6].

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “دل هذا الحديث على استحباب تكفين الميّت في ثياب إحرامه، وأن إحرامه باقٍ وأنه لا يكفَّن في المخيط”.

قال ابن القيم رحمه الله: “كان لا يغسل الشهداء قتلى المعركة، وذكر الإمام أحمد أنه نهى عن تغسيلهم، وكان ينزع عنهم الجلود والحديد ويدفنهم في ثيابهم ولم يصلِّ عليهم، وكان إذا مات المحرم أمر أن يُغسَّل بماءٍ وسدر ويكفّن في ثوبيه -وهما ثوبا إحرامه- إزاره ورداؤه، وينهى عن تطييبه وتغطية رأسه، وكان يأمر من ولي الميت أن يُحسن كفنه، ويكفنه في البياض، وينهى عن المغالاة في الكفن، وكان إذا قصُرَ الكفن عن ستر جميع البدن غطّى رأسه، وجعل على رجليه شيئًا من العشب”.

هدي النبي  في الصلاة على الجنازة

وبعد تكفين الميت يقدَّم للصلاة عليه، والغالب من هدي النبي أنه كان يصلي على الجنازة خارج المسجد، وربما صلى عليها في المسجد أحيانًا.

قال ابن القيم رحمه الله: “ولم يكن من هديه الصلاة عليه في المسجد، وإنما كان يصلي على الجنازة خارج المسجد، وربما كان يصلي أحيانًا على الميت في المسجد كما صلى على سهيل بن بيضاء وأخيه في المسجد. رواه مسلم، لكن لم يكن ذلك من سنته وعادته “.

وقال الخطابي رحمه الله: “قد ثبت أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما صُليَّ عليهما في المسجد، ومعلومٌ أن عامة المهاجرين والأنصار شهدوا الصلاة عليهما، وفي تركهم الإنكار الدليل على جوازه”.

مشروعية القيام للجنازة

والسنة لمن رأى جنازة أن يقوم إذا كان قاعدًا؛ لما جاء في الصحيحين عن أبي سعيد أنَّ النبي قال: إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع [7].

قال العلماء: حتى ولو كانت جنازة كافر، فيقام عند رؤيتها؛ لما جاء في صحيح البخاري عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: “مُرّ بجنازة فقام لها النبي فقمنا، وقلنا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي، فقال : إذا رأيتم الجنازة فقوموا [8]، وفي رواية قال: أليست نفسًا؟ [9].

والحكمة من ذلك؛ جاء النص عليها في رواية عند مسلم من حديث جابر أنَّ النبي قال: إن الموت فزَع، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا [10].

قال القرطبي رحمه الله: “معناه أن الموت يُفزَعُ منه إشارة إلى استعظامه”.

ومقصود الحديث: ألا يستمر الإنسان على الغفلة بعد رؤية الموت؛ لما يشعر ذلك من التساهل بأمر الموت، فمن ثم استوى فيه كون الميت مسلمًا أو غير مسلم.

ويلاحظ أيها الإخوة غفلة أو جهل كثير من الناس بهذا الحكم، فيؤتى بالجنازة للصلاة عليها فيرونها ولا يقومون إلا إذا كبّر الإمام للصلاة عليها، ويُمرُّ بالجنازة قبل أو بعد الصلاة عليها والناس قاعدون فلا يقومون، وهذا خلاف السنة، فالسنة للمسلم أن يعظّم شأن الموت، وأن يقوم إذا رأى الجنازة، وإذا تبعها لا يقعد حتى توضع؛ فإن عدم قيامه إذا رأى الجنازة أو قعوده قبل أن توضع يُشعِر بغفلته واستهانته بشأن الموت، ولهذا قام النبي لما مُرّ بجنازة يهودي، وقال: أليست نفسًا؟، وفي رواية قال: إن للموت فزعًا! [11].

هذا ما تيسر عرضه في هذه الحلقة، ونستكمل الحديث عن بقية أحكام الصلاة على الجنازة في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1277.
^2 رواه البخاري: 1387.
^3 رواه البخاري: 1271، ومسلم: 941.
^4 رواه أبو داود: 3878، والترمذي: 994، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقال الترمذي: حسن صحيح.
^5 رواه أبو داود: 3134، وابن ماجه: 1515
^6 رواه البخاري: 1265، ومسلم: 1206.
^7 رواه البخاري: 1310.
^8 رواه البخاري: 1311، ومسلم: 960.
^9 رواه البخاري: 1312.
^10 رواه مسلم: 958.
^11 رواه أحمد: 8527.
مواد ذات صلة
zh