عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.
زكاة الفطر ورد تسميتها بـهذا الاسم في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: “فرض رسول الله زكاة الفطر، طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمةً للمساكين” [1]، وإضافتها للفطر؛ لأنه سبب وجوبـها.
الحكمة من مشروعية زكاة الفطر
وفي حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما السابق، إشارةٌ إلى الحكمة من مشروعيَّتها، فهي طهرةٌ للصائم مـمَّا قد يقع في صيامه من اللغو والرفث، وتكون هذه الزكاة بـمثابة الجُبْـران لذلك النقص والخلل، وهذا في الأعم الأغلب، وإلا فإن الصغير مرفوع عنه القلم، وربَّـما يكون طفلًا لا يصوم.
وهي طعمةٌ للمساكين في يوم العيد، الذي هو يوم فرحٍ وسرور، حتى يشاركوا الأغنياء في فرحهم وسرورهم بالعيد، فيكون عيدًا للجميع.
وفيها أيضًا شُكرٌ لنعمة الله تعالى على إتـمام شهر رمضان وصيامه وقيامه، وفعل ما تيسَّر من الأعمال الصالحة.
حكم زكاة الفطر
وتجب زكاة الفطر على كل مسلمٍ فَضَلَ له يوم العيد وليليته صاعٌ عن قوته، وقوت عياله، وحوائجه الأصلية.
لقول ابن عمر رضي الله عنهما: “فرض رسول الله زكاة الفطر صاعًا من تـمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، على الذكر والأنثى، والحرِّ والعبد، والكبير والصغير من المسلمين” [2]، متفقٌ عليه.
وقوله: “من المسلمين” إشارةٌ إلى أنَّـها إنـما تجب على المسلم، فغير المسلمين لا تجب عليهم زكاة الفطرة؛ لأن الزكاة طهرةٌ، والكافر ليس أهلًا للتطهير إلا بالإسلام، فلا يطهره إلا الإسلام، وبناءً على هذا: فإن العمال والخدم من غير المسلمين لا تخرج عنهم زكاة الفطر.
ويجب على المسلم أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه، وعمَّن تلزمه نفقته من زوجةٍ وأولادٍ، وقد نقل ابن بطَّال الإجماع على أن الرجل تلزمه زكاة الفطر عن زوجته الفقيرة، ونقل ابن القطَّان الإجماع على أنه يجب أداء زكاة الفطر عن أطفاله الذين لا مال لهم، وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يخرج زكاة الفطر عن نفسه، وعن أهل بيته، حتى إنه يخرج عن نافعٍ مولاه.
حكم إخراج زكاة الفطر عن العمال والخدم والسائقين
وهل يجب إخراج زكاة الفطر عمَّن تحت كفالة الإنسان من العمال والخدم والسائقين؟
الجواب: في هذا تفصيل: فإن كان ملزمًا بنفقتهم بِـمُوجِب العقد، وهو الذي يتكفَّل بطعامهم وشرابـهم، فيلزمه أن يخرج زكاة الفطر عنهم، أما إن كان ليس ملزمًا بنفقتهم، بحيث إنهم مستقلون بتوفير طعامهم وشرابـهم، فلا يلزمه إخراج زكاة الفطر عنهم، ولكن لو تبَرَّع بإخراج عنهم برضاهم، كان ذلك حسنًا، وإحسانًا إليهم، والله تعالى أعلم.
حكم إخراج زكاة الفطر عن الجنين
وأما إخراج زكاة الفطر عن الجنين، فإن كان دون أربعة أشهر، فلا تُخرج عنه زكاة الفطر؛ لأنه ليس إنسانًا، قال الله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ [البقرة:28]، ولهذا: فإن السِّقْط دون أربعة أشهر، لا يُغسَّل ولا يُكفَّن، ولا يصلى عليه، أما إذا كان عمر الجنين أربعة أشهر فأكثر، فاستحب كثيرٌ من أهل العلم إخراج زكاة الفطر عنه؛ لفعل عثمان ، وإنـما كان التحديد بأربعة أشهر؛ لأنه هو الوقت الذي تنفخ فيه الروح، كما قال النبي : إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفةً، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملَك، فيؤمر بنفخ الروح فيه، ويؤمر بأربع كلماتٍ: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقيٍّ أو سعيد [3]، متفقٌ عليه.
حكم زكاة الفطر عن المرأة الناشز
ولا تجب زكاة الفطر على الزوج للمرأة الناشز: وهي التي تترفَّع على زوجها، وتعصيه فيما يجب عليها طاعته فيه، وذلك لأنه لا تجب عليه لها النفقة، فلم تجب عليه زكاة الفطر عنها، وإنـما يجب عليها هي أن تخرج زكاة الفطر عن نفسها.
وقت إخراج زكاة الفطر
وتجب زكاة الفطر بغروب الشمس ليلة عيد الفطر.
لقول ابن عباس رضي الله عنهما: “فرض رسول الله صدقة الفطر، طُهْرةً للصائم من اللغو والرفَث” [4]، فأضافها للفطر؛ ولأنـها تسمى: صدقة الفطر، وزكاة الفطر، فتضاف إليه، والفطر من رمضان إنـما يتحقق بغروب الشمس ليلة عيد الفطر.
وعلى هذا: فوقت وجوب زكاة الفطر غروب شمس الثلاثين من رمضان، إن كان الشهر تامًّا، أو غروب شمس التاسع والعشرين من رمضان، إن كان الشهر ناقصًا.
ويترتَّب على قولنا: إن زكاة الفطر تجب بغروب الشمس ليلة العيد جملةٌ من المسائل؛ منها:
- من مات قبل غروب الشمس ليلة العيد، لَـم يجب إخراج الزكاة عنه، وإن مات بعد غروب الشمس ليلة العيد، ولو بدقيقة واحدة، فيجب إخراج زكاة الفطر عنه.
- من أسلم قبل غروب الشمس ليلة العيد، فجيب عليه إخراج زكاة الفطر، أما إن أسلم بعد غروب الشمس، فلا فطرة عليه؛ لأنه وقت الوجوب لَـم يكن من أهل الوجوب.
- من عقد على امرأةٍ بعد غروب الشمس ليلة عيد الفطر، لَـم يجب عليه فطرتـها، أما إن عقد عليها قبل غروب الشمس، فإن كان قد دخل بـها، فعليه فطرتـها، أما إن كان لَـم يدخل بـها، فلا تجب عليه فطرتـها؛ لأنه لا تجب عليه نفقتها حتى يتسلَّمَها، وما دامت عند أهلها، فلا نفقة لها عليه، والفطرة تابعةٌ للنفقة.
- ومنها: لو ولد إنسانٌ بعد غروب الشمس ليلة العيد، لَـم يجب إخراج الفطرة عنه، ولكن يستحب كما سبق؛ لأن زكاة الفطر يستحب إخراجـها عن الجنين، ولو ولد قبل غروب الشمس ولو بدقيقة، وجب إخراج زكاة الفطر عنه.
لِمَا جاء في (صحيح البخاري) عن ابن عمر رضي الله عنهما: “أنه كان يعطي صدقة الفطر الذين يقبلونـها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيومٍ أو يومين” [5].
حكم تعجيل زكاة الفطر قبل العيد بيومٍ أو يومين
قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “وفي هذا إشارةٌ إلى جميعهم فيكون إجماعًا؛ ولأن تعجيلها بـهذا القدر لا يُـخلُّ بالمقصود منها، فإن الظاهر أنَّـها تبقى، أو يبقى بعضها إلى يوم العيد، فيُستغنى بـها عن الطواف والطلب فيه؛ ولأنـها زكاةٌ، فجاز تعجيلها قبل وجوبـها كزكاة المال، وعلى هذا فيبتدئ وقت إخراج زكاة الفطر بغروب شمس اليوم الثامن والعشرين من شهر رمضان”.
والأفضل إخراجـها يوم العيد قبل الصلاة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: “أن النبي أمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة” ولأن المقصود منها إغناء الفقراء في يوم العيد عن السؤال، من أجل أن يشاركوا الموسرين فرحتهم بالعيد.
ويجب أن تصل الزكاة إلى الفقير، أو إلى وكيله قبل الصلاة، ويُكره إخراج زكاة الفطر بعد صلاة العيد في باقي اليوم، ويحرم تأخيرها عن يوم العيد.
وقال بعض أهل العلم: يحرم تأخير إخراجها إلى ما بعد صلاة العيد؛ لأن النبي أمر بـها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، فإذا أخَّرها حتى يخرج الناس من الصلاة، فقد عمل عملًا ليس عليه أمر الله ورسوله فهو مردود، وقد قال البني : من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد [6]، ولقول ابن عباسٍ رضي الله عنهما: “من أداها قبل الصلاة فهي زكاةُ مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقةٌ من الصدقات” [7].
وهذا هو الأقرب في هذه المسألة، والله تعالى أعلم.
مقدار زكاة الفطر
ومقدار زكاة الفطر: صاعٌ بصاع النبي ؛ واختلف في تقديره بالكيلو جرامات، وأكثر ما قيل: أنه يعادل ثلاثة كيلو جرامات تقريبًا.
وتُخرج زكاة الفطر من غالب قوت أهل البلد.
لقول أبي سعيدٍ : “كنا نخرج على عهد رسول الله صاعًا من طعام، وكان طعامنا يومئذٍ الشعير والزبيب والأقط والتمر” [8].
وعلى هذا: فلا بأس بإخراج زكاة الفطر من الأرز؛ لأنه غالب قوت الناس اليوم، والمستحقون لزكاة الفطر هم الفقراء والمساكين.
ويجوز أن تُعطى الفطرة الواحدة لأكثر من شخصٍ، ويجوز أن تعطى الفِطَر شخصًا واحدًا؛ لأن النبي قدَّر المعطَى ولـم يقدر الآخذ.
أسأل الله تعالى أن يتقبل منا جميعًا الصدقة والصيام والقيام وصالح الأعمال، وإلى الملتقى في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.