المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلاةً وسلامًا على نبينا محمدٍ وعلي آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بكم -أحبتنا الكرام- إلى حلقةٍ جديدةٍ من برنامج الفتاوى المباشر (فتاوى رمضان).
ضيف حلقتنا هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء.
نحيي ضيفنا في هذه الحلقة: السلام عليكم يا شيخ سعد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياكم الله وحيَّا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: حياكم الله وبارك فيكم.
شيخ سعد، من ضمن الأسئلة التي وصلت للبرنامج، وهي تتكرر دائمًا في فهم بعض الأحاديث -أحاديث النبي – فهمًا جيدًا:
أحدهم يسأل عن حديث: من قام مع الإمام حتى ينصرف…، يقول: هل يلزم المأمومَ ألا يخرج من المسجد حتى يخرج الإمام؛ حتى يأخذ هذه الفضيلة؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن هذا الحديث: من قام مع الإمام حتى ينصرف، كُتب له قيام ليلةٍ [1]، حديثٌ صحيحٌ، وقد أخرجه الترمذي وغيره، وهو فيه بشارةٌ للمسلم؛ لأنه إذا استمر في صلاة التراويح، ولم ينصرف حتى ينصرف الإمام، كتب له قيام ليلةٍ كاملةٍ.
ولكن ما المراد بالانصراف؟ فبعض الناس يفهم الانصراف بأنه انصراف الإمام من المسجد، ولذلك؛ تجد أنه يَرقُب الإمام حتى إذا انصرف من المسجد انصرف بعده، وهذا الفهم فهمٌ غير صحيحٍ، والمقصود بالانصراف الوارد في الحديث: أي التسليم من الركعة الأخيرة، والغرض من هذا: هو أن المأموم ينبغي أن يؤدي الصلاة كاملةً، يؤدي صلاته كاملةً ولا يصلي جزءًا منها ثم ينصرف، وإنما يبقى مع الإمام إلى أن يسلم من آخر ركعةٍ.
المراد إذنْ بالانصراف في هذا الحديث: التسليم من آخر ركعةٍ، إذا سلم الإمام من آخر ركعةٍ في صلاة التراويح واستمر المأموم معه، فقد قام حتى ينصرف الإمام.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
نستقبل أول اتصالات هذه الحلقة من جدة، الأخ جياد تفضل.
السائل: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
السائل: كيف حالك يا شيخ؟
الشيخ: حياكم الله، بخيرٍ ونعمةٍ، بارك الله فيك.
السائل: يا شيخ، عندي سؤالٌ.
المقدم: تفضل.
السائل: يا شيخ، عندما أذهب مع والدِي لصلاة التراويح يعطيني الجوال، وأقرأ وأتابع مع الإمام، وعندما يسجد أضع الجوال على الأرض، هل هذا يجوز أو لا يجوز؟
المقدم: الله يصلحك، كم عمرك جياد؟
السائل: عشرة.
المقدم: الله يصلحك ويبارك فيك، شكرًا للأخ جياد، شيخنا سؤاله واضحٌ لكم؟
الشيخ: إي نعم.
المقدم: تفضل.
الشيخ: إذا سجد لا بأس أن يضع الجوال على الأرض؛ لأن الجوال ليس هو المصحف، وإنما بداخله برنامج المصحف، والذي هو عبارةٌ عن ذبذباتٍ إلكترونيةٍ وكهربائيةٍ، وهي ليست هي المصحف بحد ذاته، فأما لو كان هو المصحف الورقي فهذا صحيحٌ، هذا لا يوضع على الأرض؛ لأن هذا فيه نوع امتهانٍ له، وأما بالنسبة للجوال فهو إنما وَضَع الجهاز، ولذلك؛ هذا الجهاز فيه برنامج المصحف، وهو عبارةٌ عن ذبذباتٍ، هو لا يأخذ حكم المصحف الورقي في هذا، ولهذا؛ فلا حرج عليه في أن يضع الجوال على الأرض.
المقدم: المتابعة -متابعة الإمام بالجوال- ألا تشغل عن الصلاة والخشوع، أو أنها لا تؤثر يا شيخ؟
الشيخ: هو يتابع الإمام عن طريق المصحف نعم، لكن المصحف الموجود في الجوال، فإذا كان هذا في صلاة نافلةٍ فلا بأس، إذا وَجد في هذا مصلحةً، ومن المصالح: الفتح على الإمام، إذا كان الإمام يقرأ حفظًا ينبغي أن يكون أحد المأمومين خلفه يتابع في المصحف؛ إما في المصحف الورقي، أو المصحف الإلكتروني في الجوال؛ حتى يفتح عليه؛ لأن بعض الأئمة -هداهم الله- لا يجعلون من يتابعهم، فتجد أنه يخطئ الأخطاء الكثيرة في صلاته، ولا يجد أحدًا يفتح عليه، والمطلوب ممن يقرأ حفظًا أن يجعل أحد المأمومين يتابع له في المصحف حتى يفتح عليه إذا أخطأ في قراءة الآية.
ومن المصالح أيضًا: أن المأموم يرى أنه إذا أمسك بالمصحف يتدبر القرآن، وأن هذا أكثر خشوعًا له، فصلاة النافلة بابها واسعٌ، صلاة النافلة أوسع من صلاة الفرض، لكن لا يمسك المصحف في صلاة الفرض، صلاة الفرض ينبغي أن يعتنى بها أكثر، ولذلك فقد يجوز في النافلة ما لا يجوز في الفريضة، وقد يشرع أيضًا في النافلة ما لا يشرع في الفريضة؛ فمثلًا: عندما يمر الإمام بآيةٍ فيها التسبيح، أو بآيةٍ…، فإنه يسبح في صلاة النافلة، أو إذا مر بذكر الجنة سأل الله من فضله، أو إذا مر بذكر النار استعاذ بالله من النار، هذا كله في صلاة النافلة، لكن لا يفعل هذا في صلاة الفريضة.
المقدم: ما دام جوابكم -شيخنا- في هذا الموضوع بالتحديد، البعض يسأل -يا شيخ- إذا كان هناك بعض الأدعية في القرآن الكريم إذا مر عليها الإمام، هل يقول المأموم أو الإمام كذلك: آمين، بعد الدعاء، أو أنه يستمر؟
الشيخ: إذا كان في صلاة النافلة فلا بأس، صلاة النافلة بابها واسعٌ، ولذلك؛ النبي في قيام الليل كان إذا مر بآيةٍ فيها تسبيحٌ سبَّح، وإذا مر بآيةٍ فيها سؤالٌ سأل، وإذا مر بآيةٍ فيها عذابٌ استعاذ، فأمرها واسعٌ، حتى لو مر مثلًا بدعاءٍ ودعا به أو أمن عليه فلا بأس به، أما صلاة الفرض فلا يفعل فيها هذا.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم، نستقبل اتصالًا من تبوك، الأخ أبو عبدالملك، تفضل.
السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل أبا عبدالملك.
السائل: سؤالي الأول يا شيخ: المرأة الحائض إذا كانت مرتبطةً برفقةٍ، وأتتها الدورة قبل الميقات، طبعًا هي لا تريد أن تأخذ موانع، هل لها أن تُحرِم وتشترط؛ حتى لا تؤخر رفقتها إذا تأخر طهرها فتذهب، أم أنها تذهب بدون أن تحرم وإذا طهرت قبل مغادرة مكة تذهب للتنعيم؟
المقدم: طيب سؤال ثاني؟
السؤال الثاني يا شيخ: أيضًا من أحرم قبل الميقات، يعني البعض يحرم مثلًا: (300 كيلو، 400 كيلو)، سواءٌ ذهب بطائرةٍ أو برًّا، هل له أن يمتنع عن محظورات الإحرام من لبسه الإحرام، أم من يوم ينوي الدخول في النسك؟
سؤالي الأخير أخي فيصل.
المقدم: تفضل.
السائل: من سافر وعليه -يا شيخنا- كفارة صيام شهرين؛ كفارة القتل الخطأ، أو الجماع في نهار رمضان، هل السفر يقطع التتابع، أم له الإفطار في السفر ولا يؤثر على التتابع؟
المقدم: طيب، تسمع الإجابة إن شاء الله، شكرًا جزيلًا للأخ أبي عبدالملك من الرياض، الأخ ياسر تفضل ياسر؟
السائل: السلام عليكم.
المقدم: عليكم السلام، تفضل بسؤالك.
السائل: يا شيخ، جدتي مسنةٌ، وأردت أن أسأل: أُذِّن للعصر فحسِبَتْه أذان المغرب فأفطرت، هل عليها قضاءٌ أو لا؟
والسؤال الثاني: هل يجوز مضرب الكهرباء؟
المقدم: كيف؟
السائل: هل يجوز مضرب الكهرباء للبعوض؟
المقدم: طيب السؤال الأول أنت سألت، هل جدتك تدرك إدراكًا كاملًا؟ تعرف الأوقات وتصلي وتصوم وكل شيءٍ؟ ما هو كبيرة في السن؟
السائل: إلا كبيرة بالسن، كبيرة بالسن، وأذن العصر تحسبه أذان المغرب.
المقدم: لكن هي تدرك جيدًا؟ إدراكها جيد؛ تعرف الأوقات ودخولها وخروجها؟
السائل: نعم تعرف.
المقدم: طيب.
الشيخ: طيب لما أذن العصر تظنه المغرب أفطرت؟
المقدم: نعم.
السائل: أفطرت وحدها.
الشيخ: ثم نبهتها فأمسكت؟
السائل: كيف؟
الشيخ: لما نبهتموها توقفت عن الأكل؟
السائل: نعم وتوقفت.
المقدم: طيب، تسمع الإجابة ياسر، شكرًا جزيلًا لك.
سؤاله، أو قبل ذلك سؤال أبي عبدالملك من تبوك، يقول: الحائض إذا كانت مرتبطة برفقة، وقبل الميقات أتتها الدورة، يقول: هل تُحرِم ثم تشترط أنها إن طهرت أنها تدخل في الإحرام، أو أنها تنتظر حتى تطهر، بعد ذلك تذهب إلى التنعيم؟
الشيخ: لا بأس أن تشترط المرأة إذا أتاها الحيض، تشترط وهي عند الميقات، تقول: “لبيك عمرةً، وإن حبسني حابسٌ فمحلي حيث حبستني”، وحينئذٍ بعد هذا إذا كانت في مكة إن تيسر لها أن تأتي بالعمرة بعد طهرها، فهذا هو الأفضل، وهذا هو الأحسن، ولا داعي لأن تذهب للتنعيم -كما ذكر الأخ السائل- لا تذهب للتنعيم؛ لأنها باقية على إحرامها، لكن لو قُدِّر أنها ما استطاعت أن تأتي بعمرة؛ لأن الرفقة التي معها لن تنتظرها، ولا يتيسر لها المجيء لمكة قريبًا، فهنا تتحلل بمقتضى الشرط؛ لأنه حبسها هذا الحابس، تتحلل ولا شيء عليها، بمقتضى شرطها، لكن الأفضل أنها تنتظر حتى تطهر ثم تغتسل وتأتي بالعمرة مباشرةً من غير حاجةٍ لئن تذهب إلى التنعيم.
المقدم: السؤال الثاني يقول: إذا أحرم قبل الميقات بمدةٍ طويلةٍ يقول هل بلبس ملابس الإحرام فقط يمتنع عن المحظورات، أو أنه إذا دخل في النية فقط؟
الشيخ: الإحرام حقيقته عند الفقهاء: نية الدخول في النسك، الإحرام هو النية وليس اللباس، بعض الناس يعتبر الإحرام هو مجرد اللباس الذي هو بالنسبة للرجل الرداء والإزار، وهذا الفهم غير صحيحٍ، فربما أنك تلبس الرداء والإزار لكنك لم تنو ولا تعتبر محرمًا، ولا تمتنع من محظورات الإحرام، فالإحرام هو عندما تنوي لا تكون محرمًا إلا إذا أهللت بالنسك، أو قلت: لبيك عمرة، بالنسبة للعمرة، أو بالنسبة للحج: لبيك حجًّا، فهنا تصبح محرمًا، وأما قبل ذلك فلست بمحرمٍ وإن لبست لباس الإحرام.
وعلى ذلك: فمثلًا لو كنت في بلدك وتريد السفر لمكة بالطائرة، فلا بأس أن تغتسل في بلدك وأن تلبس لباس الإحرام، لكن من غير نية الإحرام، وتبقى في الطائرة، فإذا حاذيت الميقات وأنت في الطائرة تنوي وتهل بالنسك، تقول: لبيك عمرة، وهنا يبدأ الإحرام، عندما تقول: اللهم لبيك عمرةً، يبدأ الإحرام بالنسبة لك، وأما قبل ذلك فلست بمحرمٍ ولو كنت لابسًا لباس الإحرام.
المقدم: يسأل يقول: الفطر في السفر هل يقطع التتابع في كفارة الصيام؟
الشيخ: السفر لا يقطع التتابع بالنسبة لصيام الشهرين المتتابعين، وهكذا الأعذار الشرعية الأخرى؛ كالحيض بالنسبة للمرأة والنفاس، ويوم العيد، هذه كلها لا تقطع التتابع.
المقدم: المتصلة الرابعة معنا اليوم، الأخت عائشة من جدة، تفضلي.
السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
السائل: فضيلة الشيخ عندي ثلاثة أسئلةٍ.
المقدم: تفضلي.
السائل: السؤال الأول: حديث: خيركم في الرجال أولها وشرها آخرها، وخيركم في النساء آخرها وشرها أولها، يا شيخ مساجدنا في العصر الحاضر تأخذ نفس الحكم، إذا كانت العلة أن قرب الرجال من النساء، مساجدنا اليوم مفصولة تمامًا؟
المقدم: طيب.
السائل: السؤال الثاني: هل النساء كالرجال في تسوية الصفوف في الصلاة؟
المقدم: طيب.
السائل: السؤال الثالث: متى تعتبر الكدرة والصفرة من الحيض، ومتى لا تعتبر من الحيض؟ وعلى أساسه تعتبر أن هذا مفطر، وأنه متى تعرف أنها تفطر أو لا تفطر؟
المقدم: طيب تسمعين.
السائل: جزاكم الله خيرًا.
المقدم: وإياك، شكرًا للأخت عائشة.
ياسر من الرياض كان له سؤالان يقول: جدته كبيرةٌ في السن يقول: لما أذن العصر حسِبَت أنه المغرب فأفطرت، فلما نُبِهَت أمسكت؟
الشيخ: صومها صحيحٌ، على القول الراجح أن صومها صحيحٌ ولا شيء عليها؛ لأنها لم تتعمد الإفطار، وإنما أفطرت بطريق الخطأ، والله تعالى يقول عن المؤمنين: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:5]، وقد جاء في “صحيح البخاري” عن أسماء رضي الله عنها قالت: “أفطرنا على عهد رسول الله في يوم غيمٍ، ثم طلعت الشمس” [2]، ولم يُنقل أنهم أُمروا بالقضاء، ولو أنهم أمروا بالقضاء لاشتهر ذلك كما اشتهر فطرهم.
فالقول المرجح الذي اختاره جمعٌ من المحققين من أهل العلم؛ كأبي العباس ابن تيمية، وعليه فتوى كثيرٍ من مشايخنا: أن من أفطر قبل غروب الشمس يظن أن الشمس قد غربت، ثم تبين أنها لم تغرب، أن صيامه صحيحٌ -والحمد لله- ولا يلزمه القضاء.
المقدم: الحمد لله، السؤال الثاني: يسأل عن بعض الأجهزة الجديدة هذه في مكافحة البعوض على شكل مضربٍ، وهي تعمل بالكهرباء، هل الفعل هذا يجوز، أو أنه يعتبر من الإحراق بالنار؟
الشيخ: لا بأس بهذا الفعل؛ لأنه قتل لها بالصعق الكهربائي، وليس تعذيبًا لها بالنار؛ فهي ليست نارًا، ولذلك لو أنك وضعت بجوارها ورقة لا تشتعل، هي ليست نارًا، لكنها تصعق هذا البعوض فتقتله، فيوضع فيها تيارٌ كهربائيٌّ خفيفٌ يصعق البعوض والحشرات ونحوها، ويحصل به التخلص من هذه الحشرات الضارة، وهذا لا بأس به، ولا يعتبر من قبيل التعذيب بالنار.
المقدم: الحمد لله، الأخت عائشة من جدة سألت ثلاثة أسئلةٍ، وتسأل عن قول النبي : خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها، تقول هل الحكم يسري كذلك؟ والوضع الآن أن هناك حواجز لا يرى الرجال فيها النساء في المساجد الآن؟
الشيخ: أولًا هذا الحديث حديثٌ صحيحٌ، أخرجه مسلمٌ في “صحيحه” عن أبي هريرة أن النبي قال: خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها [3]، قد كان النساء في عهد النبي يصلين خلف الرجال من غير حاجزٍ، ولذلك كان خير صفوف النساء آخرها لكون الأخيرات أبعد عن الرجال، وأبعد عن الفتنة، وأستر لهن، فلذلك كانت خير صفوف النساء آخرها، وأما في وقتنا الحاضر فقد أصبحت مصليات النساء تعزل تمامًا عن الرجال؛ حيث إن الرجال لا يرون النساء، والنساء لا يرين الرجال، فانتفت العلة التي لأجلها جعل خير صفوف النساء آخرها.
وعلى هذا: ما دام أن هذه العلة، وهي علةٌ معقولةٌ وواضحةٌ من سياق الشارع في هذه الأحكام الشرعية، ما دام أن هذه العلة قد انتفت فيبقى الأمر على الأصل، وهو أن خير الصفوف أولها، وعلى هذا إذا كان مصلى النساء معزولًا عن الرجال عزلًا تامًّا؛ حيث إن النساء لا يرين الرجال، والرجال لا يرون النساء، فتكون خير صفوف النساء أولها، هذا هو الذي يظهر، والله أعلم.
أما إذا كان يمكن أن النساء يرين الرجال، أو أن الرجال يرون النساء، فيبقى على ما ورد في الحديث أن خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها.
المقدم: تسأل تقول: هل النساء في حكم الرجال في تسوية الصفوف؟
الشيخ: النساء في حكم الرجال في تسوية الصفوف، وهذه المسألة مما يجهلها بعض النساء، ولذلك؛ عندما يصلين في مصلى النساء يصلين متفرقاتٍ، وهذا خطأٌ، لا بد من العناية بتسوية الصف والتراص في الصف، وألا تدع المرأة بينها وبين من تصلي بجوارها فرجةً، فبعض النساء يجهلن هذه المسألة، النساء في هذا كالرجال، مطلوبٌ منهن التراص في الصف وسد الفرج.
المقدم: أحسن إليكم وبارك في علمكم، معنا متصلة أخرى كذلك، تفضلي.
السائلة: أم عبدالله من الرياض.
المقدم: تفضلي يا أم عبدالله.
السائلة: أريد أن أسأل -يا شيخ- بخصوص المرأة، هي تقرأ القرآن في رمضان من أجل أن تختم، ويوم تأتيها الدورة تكمل من الجوال، تكمل الختمة من الجوال أو لا يجوز لها؟
المقدم: طيب سؤالٌ آخر؟
السائلة: السؤال الآخر: الحديث أن هناك بعد صلاة الفجر إلى الشروق أحدهم يقعد ويدعو ويقرأ القرآن إلى أن تطلع الشمس، ويصلي ركعتين، أنه أدى عمرةً أو حجةً، هذا حديثٌ صحيحٌ، وإذا كان صحيحًا كم الوقت الذي بين شروق الشمس؟ أحدهم يقدر أن يصلي بعد شروق الشمس، صلي مباشرةً أم ينتظر قليلًا، عشر دقائق، ربع ساعةٍ؟
المقدم: طيب سؤالٌ آخر؟
السائلة: جزاك الله خيرًا.
المقدم: جزاك الله خيرا، شكرًا جزيلًا للأخت أم عبدالله، معنا متصلةٌ أخرى، تفضلي.
السائلة: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام، تفضلي.
السائلة: الله يعطيك العافية، أسأل عن أولًا: حَصَّالة الأطفال إذا حال عليها الحول، هل عليها زكاةٌ أم لا؟
السؤال الثاني:…
الشيخ: حصالات ماذا؟
المقدم: حصالات الأطفال؟
الشيخ: طيب كم فيها؟
السائلة: ما أدري والله، ربما واحدة فوق الألفين، والأخرى ربما ألف، كذا.
الشيخ: إي نعم، الغرض من السؤال نعرف أن الوسط نصاب أم لا؟ نعم، نعم.
السائلة: كيف؟
الشيخ: أقول غرضي من السؤال حتى أعرف هل بلغت النصاب أم لا؟
المقدم: طيب.
السائلة: السؤال الثاني: أسأل عن الصبغة السوداء، إذا كانت المرأة أرملةً، ما عندها زوج، هل تصبغ شعرها باللون الأزرق أم لا؟
المقدم: طيب.
السائلة: السؤال الثالث: عن الأذان الأول من يوم الجمعة، هل فيه دعاء أم لا؟
المقدم: وترديدٌ يعني؟
السائل: نعم، يعني إذا انتهى الآذان أقول الدعاء أو لا أقوله؟
المقدم: طيب، شكرًا جزيلًا للأخت أم غادة.
بقي من أسئلة الأخت عائشة من جدة، تقول: الصفرة والكدرة متى تكون من الحيض، ومتى تكون من الطهر؟
الشيخ: الصفرة والكدرة، أو ما يسميها بعض الناس بالإفرازات، هذه تعتري النساء، وإذا كانت في وقت الدورة الشهرية فإنها تأخذ حكم الحيض، إذا أتت مثلًا في منتصف الدورة تأخذ حكم الحيض، وإذا أتت بعد الطهر فإنها لا تعد شيئًا؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: “كنا لا نَعُد الصفرة والكُدْرة بعد الطهر شيئًا”، أما إذا أتت في أول الحيض أو في آخره متصلةً بالحيض، فإنها تأخذ حكم الحيض، وذلك لأنها كالمقدمة أو كآخر الحيض، إذا أتت متصلةً بالحيض قبله أو بعده فإنها تأخذ حكم الحيض.
المقدم: الأخت أم عبدالله سألت أنها تقرأ القرآن في رمضان، فإذا أتتها العادة تكمل من الجوال، هل فعل ذلك صحيحٌ في إكمال الختمة؟
الشيخ: فعلها صحيحٌ، ولها أن تكمل حتى من المصحف الورقي، لكن من وراء حائلٍ؛ بأن تلبس قفازين مثلًا ونحوها، والمرأة الحائض غير ممنوعةٍ من قراءة القرآن في أرجح أقوال أهل العلم؛ لأنه لم يثبت عن النبي في هذا شيءٌ صحيحٌ، وما رُوي أنه نهى الحائض عن أن تقرأ القرآن فحديثٌ ضعيفٌ لا يصح من جهة الصناعة الحديثية.
وهذه المسألة مما تحتاج الأمة إلى بيانها؛ لأنها تتعلق بنصف الأمه، تتعلق بجميع النساء، ولو كانت المرأة الحائض ممنوعةً من قراءة القرآن لبين هذا النبي للأمة، ولا اشتهر كما اشتهر منع الحائض من الصلاة، وكما اشتهر منع الحائض من الصيام، وكما اشتهر منع الحائض من الطواف، لكنه لم يشتهر منعها من قراءة القرآن، ولأنه جاء في “صحيح البخاري” عن جابرٍ في قصة عائشة رضي الله عنها لما حاضت بحجة الوداع قال: فأمرها النبي أن تفعل ما يفعل الحاج غير ألا تطوف بالبيت ولا تصلي [4]، فنهاها فقط عن أمرين: عن الطواف بالبيت، وعن الصلاة، ولا ريب أن قراءة القرآن من أفضل أعمال الحاج، ولو كانت ممنوعةً منها لبين هذا النبي لعائشة رضي الله عنها.
فعلى هذا نقول للأخت الكريمة: إذا كنت حائضًا المهم لا تمسي المصحف مباشرةً، تَقرئين القرآن، تكملين الختمة التي أنت فيها، تَقرئين القرآن سواءٌ كان عن طريق المصحف الورقي أو كان عن طريق الجوال، فلست ممنوعةً من قراءة القرآن.
المقدم: نعم، تسأل أيضًا تقول: هل الحديث الوارد في فضل المكوث في المسجد من بعد الفجر إلى الإشراق صحيحٌ أو لا؟ وإذا كان صحيحًا فما مدة الانتظار بعد الإشراق حتى يصلي ركعتين؟
الشيخ: الحديث المروي في هذا: من جلس في مصلاه بعد صلاة الصبح يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، كتب له أجر حجةٍ وعمرةٍ تامةٍ تامةٍ تامةٍ [5]، هذا الحديث أخرجه الترمذي في “جامعه”، ولكنه حديثٌ ضعيفٌ لا يصح عن النبي .
ولكن الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح -سواءٌ كان في المسجد بالنسبة للرجل، أو المصلى بالنسبة للمرأة- حتى تطلع الشمس، هذا قد وردت به السنة، فقد كان النبي يجلس بعد صلاة الفجر في مصلاه حتى تطلع الشمس غالبًا، جاء في حديث جابر بن سمرة قال: كان النبي لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم” [6]، وهذا الحديث في “صحيح مسلمٍ”، وجاء أيضًا في “صحيح مسلمٍ” من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: أن النبي كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسنًا” [7]، يعني طلوعًا حسنًا.
فالجلوس بعد صلاة الفجر سنةٌ لمن تيسر له ذلك حتى تطلع الشمس، ولكن الحديث المروي بأنه ينال أجر حجةٍ وعمرةٍ تامةٍ، هذا لا يثبت، وعلى هذا يبقى النظر في الركعتين، فما دام أن الحديث ضعيفٌ، فهاتان الركعتان ليس ليستا مشروعتين إذا كانتا يقصد بهما الإشراق، وإنما يصلي ركعتين بنية الضحى في أول وقتها، إذا جلس في المسجد أو جلست المرأة في المصلى حتى تطلع الشمس، وترتفع ثم صلى ركعتين فإنه ينوي بهاتين الركعتين صلاة الضحى في أول وقتها؛ لأن الحديث المروي في حديث صلاة ركعتين مستقلتين لأجل الإشراق -كما ذكرت- حديثٌ ضعيفٌ، لكن من صلى ركعتين فهي صلاة الضحى في أول وقتها.
وبهذه المناسبة أنبه إلى أن بعض الناس من حين أن تطلع الشمس يقوم ويصلي ركعتين، وهذا خطأٌ؛ لأن وقت طلوع الشمس هو وقت نهيٍ، بل ينبغي أن ينتظر حتى ترتفع الشمس قِيدَ رُمحٍ، يعني حتى تطلع الشمس، يعني حتى يكون الوقت بعد طلوع الشمس بنحو عشر دقائق فأكثر، فيأخذ ورقة التقويم وينظر إلى الشروق، ويضيف للشروق الموجود في ورقة التقويم عشر دقائق، ثم بعد ذلك يصلي ركعتين، ناويًا بهما صلاة الضحى في أول وقتها.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
نستقبل اتصالنا الأخير من الأخت شذا من الرياض، تفضلي، شذا معنا؟ تفضل بالسؤال طيب ذهبت الأخت شذا.
تبقى من أسئلة الأخت أم غادة، تقول: حصالات الأطفال إذا جُمع فيها شيءٌ من المال وحال عليه الحول، أنت استفسرت -يا شيخ- على المبلغ؛ حتى تعلم هل بلغ النصاب أو لا، تقول: هل عليه زكاةٌ؟
الشيخ: عليه زكاةٌ إذا بلغ نصابًا وحال عليه الحول، وهي قد ذكرت لنا رقمين: ذكرت لنا حصالةً فيها ألف ريالٍ هذه قد بلغت النصاب، فإذا حال عليها الحول فإنها تزكَّى، وزكاتها خمسون ريالًا، والحصالة الثانية ذكرت أن فيها ألف ريالٍ فقط هذه لا زكاة فيها؛ لأنها أقل من النصاب؛ لأنها دون النصاب فلا زكاة فيها.
المقدم: إذا كان لا يعلم ما فيها -يا شيخ- ومكثت أكثر من سنةٍ.
الشيخ: لا بد أن يعرف ما فيها؛ حتى يُعرف هل تجب فيها الزكاة أم لا؛ لأن الزكاة إنما تجب إذا بلغت بلغ المال النصاب، إذا لم يبلغ نصابًا فلا زكاة فيه.
المقدم: يعني البعض يضعها في البيت -يا شيخ- وتكون الحصالة كبيرةً وغير شفافةٍ لا تُرى الأموال التي فيها، وربما تُنسى سنةً، سنتين مثلًا، ويضعون فيها الأموال.
الشيخ: لا بد أن يضع آليةً لفتحها ومعرفة من فيها، حتى إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول تزكَّى.
المقدم: تسأل كذلك، تقول: أرملةٌ هل يجوز لها صبغ شعرها بالسواد؟
الشيخ: صبغ الشعر بالسواد عمومًا للرجل وللمرأة محل خلافٍ بين أهل العلم؛ فمن أهل العلم من قال بتحريمه، وهو قولٌ عند الشافعية، ومنهم من قال بأنه مكروهٌ، وهو المذهب عند الحنابلة، ومنهم من قال بجوازه، وهو قول كثيرٍ من أهل العلم، وسبب الخلاف في هذه المسألة: الخلاف في ثبوت النهي عن السواد؛ فإن النبي لما أُتي بوالد أبي بكرٍ رضي الله عنهما -والده أبو قحافة- قال النبي : غيروا شعر هذا [8]، وجاء في إحدى الروايات زيادة: وجنبوه السواد [9]، هل وجنبوه السواد محفوظةٌ أم لا؟
الراجح عند كثيرٍ من أهل الحديث: أنها غير محفوظةٍ، وأيضًا لم يثبت في النهي عن السواد شيءٌ حتى حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: يكون في آخر الزمان قوم يخضبون هذا السواد كحواصل الحمام لا يجد رائحة الجنة [10]، هذا رواه الإمام أحمد، لكنه أيضًا ضعيفٌ، بل إن ابن الجوزي رحمه الله عده في الموضوعات.
فالراجح: أنه لم يثبت في النهي عن السواد شيءٌ، ومما يدل لهذا: أن ابن القيم رحمه الله في “زاد المعاد” نقل عن تسعةٍ من أصحاب النبي أنهم كانوا يخضبون بالسواد، ولا شك أن الصحابة من أعظم الناس ورعًا وتقوى لله ، فلو كان في هذه المسألة شيءٌ محفوظٌ عن النبي لما فعل هذا العدد الكثير من الصحابة، وخاصةً أن هذا أمرٌ متعلقٌ باللحية، وهو شيءٌ ظاهرٌ، فليس من الأمور الخفية التي يقال: إنها اجتهاد صحابيٍّ خاصٌّ به.
وعلى هذا فالأقرب -والله أعلم- في هذه المسألة: هو الجواز، فنقول أختي الكريمة: لا حرج عليك في الخضاب بالسواد في هذه الحال، وإن أردت الاحتياط فخلطت هذا السواد بلونٍ آخر كان هذا أحوط، وفيه خروجٌ من الخلاف.
المقدم: تسأل تقول: الأذان الأول هل يعامل كما يعامل أي أذانٍ آخر؛ في الترديد مع المؤذن، والإتيان بالدعاء المأثور بعده؟
الشيخ: الأذان الأول أذانٌ مشروعٌ؛ لأنه من سنة الخلفاء الراشدين، وأول من زاد هذا الأذان الأول يوم الجمعة عثمان ، وهو أحد الخلفاء الراشدين، قد قال النبي : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي [11].
فعلى هذا: يكون أذانًا مشروعًا، يتابع المؤذن، ويؤتى بالأذكار التي تقال بعد الأذان.
المقدم: نختم -فضيلة الشيخ- بسؤالٍ وصلنا عبر جوال البرنامج، إحدى الأخوات تقول: أمي وجدتي أدَّتَا العمرة، وعند الانتهاء عادتا إلى الفندق الذي تقيمان فيه، وكانت نيتهما التقصير، ولكن أمي نسيت التقصير، ولم تتذكر إلا بعد أن وضعت المعطر، وكذلك جدتي، فما الحكم؟
الشيخ: من حين أن تذكر تقصِّر ولا شيء عليها؛ للنسيان، ما دام أنها نسيت هذا ووضعت العطر، وهي ناسيةٌ أنها لم تقصر، فلا شيء عليها فيما ارتكبت من هذا المحظور، لكنها تبادر، من حين أن تذكر تبادر بتقصير شعرها، ولا شيء عليها بالنسبة للعطر.
المقدم: أحسن الله لكم وبارك في علمكم فضيلة الشيخ، نشكركم جزيلًا أن كنتم معنا -يا شيخ سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء- وأجبتم على أسئلة الإخوة والأخوات.
الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.
المقدم: شكرًا لكم أنتم أحبتنا الكرام، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.