الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(90) صفة الصلاة- التسليم
|categories

(90) صفة الصلاة- التسليم

مشاهدة من الموقع

إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية تقدم: (فقه العبادات).

(فقه العبادات) برنامج من إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، تنفيذ فهد بن سعد الفريان.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أيها الإخوة المستمعون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تكلمنا في الحلقات السابقة عن صفة الصلاة، وكان آخر ما تكلمنا عنه: الأدعية التي تقال في التشهد الأخير قبل السلام.

وقد ذكرنا أنه ينبغي للمصلي بعدما يستعيذ بالله من أربعٍ: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، يختار بعد ذلك ما تيسر من الدعاء؛ لقول النبي : ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه [1].

صفة التسليم بعد التشهد

ثم بعد ذلك يسلم عن يمينه وعن يساره، وهذا التسليم واجبٌ عند جمهور الفقهاء، بل هو معدودٌ من أركان الصلاة عند فقهاء الحنابلة، ويدل لذلك حديث عليٍّ ، أن النبي قال: مفتاح الصلاة الطُّهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم [2]، أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وهو حديثٌ صحيحٌ بشواهده.

ولأن النبي فعله وواظب عليه، وقد قال: صلوا كما رأيتموني أصلي [3].

حكم التسليمتين

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “التسليمة الأولى هي الواجبة، وهي ركنٌ من أركان الصلاة، والثانية سنةٌ في الصحيح، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن صلاة من اقتصر على تسليمةٍ واحدةٍ جائزةٌ”.

ويسن أن يلتفت عن يمينه في التسليمة الأولى حتى يُرى خده الأيمن، وعن يساره في التسليمة الثانية حتى يُرى خده الأيسر، ويدل لذلك حديث ابن مسعودٍ قال: “كان رسول الله يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، حتى يرى بياض خده الأيمن، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، حتى يرى بياض خده الأيسر” [4]، أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد، وقال الترمذي: “حديثٌ حسنٌ صحيحٌ”.

ولا بأس أن يزيد أحيانًا في التسليمة الأولى: “وبركاته”؛ لثبوت ذلك عن النبي ، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله في “بلوغ المرام”.

على من يسلم المصلي

فإن قيل: على من يسلم المصلي؟

فالجواب: إذا كان معه جماعةٌ فالسلام عليهم، وإن لم يكن معه جماعةٌ، فالسلام على الملائكة الذين عن يمينه وشماله، ويدل لذلك: ما جاء في “صحيح مسلمٍ” عن جابر بن سمرة قال: كنا إذا صلينا مع رسول الله قلنا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيده إلى الجانبين، فقال رسول الله : علام تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيلٍ شُمسٍ؟! إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله [5].

وهذا الحديث يدل على أن المقصود بالسلام في الأصل، السلام على من عن يمينه وشماله، وإذا سلم المصلي في جماعةٍ عن يمينه وشماله فلا يُحتاج إلى أن يُرد عليه السلام؛ لأنه لما كان كل واحدٍ من المصلين يسلم على الثاني اكتُفي بهذا عن الرد.

الأصل في فعل النساء في الصلاة

أيها الإخوة المستمعون: ما ذكرناه من صفة الصلاة في هذه الحلقة والحلقات السابقة، المرأة فيها كالرجل؛ لعدم الدليل على التفريق بينهما، والأصل في النساء أنهن كالرجال في الأحكام إلا ما قام الدليل على تخصيصه بأحدهما.

قال إبراهيم النخعي، الذي قيل: إنه أفقه الناس في الصلاة: تفعل المرأة في الصلاة كما يفعل الرجل. أخرجه ابن أبي شيبة عنه بسندٍ صحيحٍ.

واستثنى بعض الفقهاء من ذلك: الحالة التي يشرع للرجل التجافي فيها -كما في حال الركوع والسجود- فقالوا: المرأة لا تجافي، بل تضم نفسها، فإذا سجدت تجعل بطنها على فخذيها، وفخذيها على ساقيها، وإذا ركعت تضم يديها.

وقد رُوي في ذلك حديثٌ أخرجه أبو داود في “المراسيل”، لكنه حديثٌ ضعيفٌ لا يصح، ولا تقوم به حجةٌ؛ ولهذا فإن الصحيح عند كثيرٍ من المحققين من أهل العلم عدم استثناء هذه الحال، وأن المرأة كالرجل في الصلاة مطلقًا؛ لعدم الدليل الدال على التفريق بينهما.

وهكذا ما ذكره بعض الفقهاء من أن المرأة يشرع لها أن تَسدُل رجليها في جانب يمينها، ولا تفترش ولا تتورك، وهذا ليس عليه دليلٌ ظاهرٌ، والصحيح: أنها كالرجل في الافتراش والتورك وغيرهما من أفعال الصلاة.

والحاصل أيها الإخوة: أن المرأة مساويةٌ للرجل في كيفية الصلاة مما سبق بيانه، والله تعالى أعلم.

ما يسن للمصلي عقب الصلاة

وبعد أن يسلم المصلي من صلاته يسن له أن يستغفر ثلاثًا، ويقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام، ويقول ذلك قبل أن ينصرف إلى الناس إذا كان إمامًا.

ويدل لذلك ما أخرجه مسلمٌ في “صحيحه” عن ثوبان  قال: كان رسول الله إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا، وقال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام، قال الوليد أحد رواة الحديث: فقلت للأوزاعي: كيف الاستغفار؟ قال: يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، [6].

والاستغفار في الصلاة له مناسبةٌ عظيمةٌ، وهي جبر التقصير والخلل في الصلاة.

وننبه هنا -أيها الإخوة- أن بعض الناس يزيد في ذلك: تباركت وتعاليت ذا الجلال والإكرام، وزيادة: “وتعاليت”، لم تثبت، وإنما المحفوظ: تباركت ذا الجلال والإكرام، وفي روايةٍ: تباركت يا ذا الجلال والإكرام.

وفي “صحيح مسلمٍ”: أن ابن الزبير كان يقول في دبر كل صلاةٍ حين يسلم: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون”، وقال: “كان رسول الله يهلل بهن دبر كل صلاةٍ” [7].

وفي “صحيح مسلمٍ” أيضًا عن وَرَّادٍ مولى المغيرة بن شعبة  قال: كتب المغيرة بن شعبة إلى معاوية: أن رسول الله كان إذا فرغ من الصلاة وسلم قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ [8].

قال النووي رحمه الله في بيان معنى قوله: ولا ينفع ذا الجد منك الجد: الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه بالفتح، أي: الجَد، وهو الحظ في الدنيا بالمال أو الولد أو العظمة أو السلطان، والمعنى: لا ينجيه حظه منك، وإنما ينجيه فضلك ورحمتك.

وفي “الصحيحين” عن أبي هريرة قال: جاء الفقراء إلى النبي فقالوا: ذهب أهل الدُّثور من الأموال -أي الأغنياء- بالدرجات العلى والنعيم المقيم؛ يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضلٌ من أموالٍ يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون، فقال النبي : ألا أحدثكم بأمرٍ إن أخذتم به أدركتم من سبقكم، ولم يدركُّم أحد بعدكم، وكنتم خيرَ مَن أنتم بين ظَهْرانَيْه، إلا من عمل مثله؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين قال: فاختلفنا بيننا، وقال بعضنا: نسبح ثلاثًا وثلاثين، ونحمد ثلاثًا وثلاثين، ونكبر أربعًا وثلاثين، فرجعت إليه فقال: تقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، حتى يكون منهن كلهن ثلاثٌ وثلاثون [9]، هذا لفظ البخاري.

وجاء عند مسلمٍ: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله ، فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء [10]

وفي “صحيح مسلمٍ” عن أبي هريرة  أن رسول الله قال: من سبح الله في دبر كل صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبر الله ثلاثًا وثلاثين، وقال تمام المئة: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر [11].

أيها الإخوة المستمعون: هذا ما تيسر عرضه من الأذكار التي يشرع أن تقال أدبار الصلوات، ونستكمل الحديث عن بقيتها في الحلقة القادمة، إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 835.
^2 رواه أبو داود: 61، والترمذي: 3، وابن ماجه: 275.
^3 رواه البخاري: 631.
^4 رواه أبو داود: 996، والترمذي: 295، والنسائي: 1082، وابن ماجه: 914، وأحمد: 3699.
^5 رواه مسلم: 431.
^6 رواه مسلم: 591.
^7 رواه مسلم: 594.
^8 رواه مسلم: 593.
^9 رواه البخاري: 843، ومسلم: 595.
^10 رواه مسلم: 595.
^11 رواه البخاري: 6405، ومسلم: 597.
مواد ذات صلة