بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أهلًا ومرحبًا بكم معنا في هذه الحلقة الجديدة في برنامجكم اليومي (فتاوى الحج).
هذه الحلقة التي يسرنا أن نلتقي فيها بفضيلة الشيخ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء.
باسمكم -أيها الكرام- جميعًا أرحب بمعالي الشيخ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان: السلام عليكم معالي الشيخ.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: حياكم الله معالي الشيخ.
نبدأ بسؤالٍ يستشكل على كثيرٍ ممن يسافر للحج أو العمرة بالطائرة: فوات عقد النية في الطائرة عند المحاذاة، هنا حالتان شيخ سعد:
- من كان نائمًا واستيقظ على إعلان ربط الأحزمة والهبوط.
- الحالة الثانية: من لم يعلم بمحاذاة الميقات، فاته الإعلان، لم ينتبه له، وبالتالي وصل إلى محطته وفاته عقد النية.
في هاتين الحالتين ماذا يلزم؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الإحرام في الطائرة يكون عند محاذاة الميقات، وهنا أنبه إلى قضيةٍ مهمةٍ، وهي أن الطائرة تسير بسرعةٍ كبيرةٍ جدًّا، قد تصل إلى (800 كيلومترٍ) في الساعة، أو تزيد على ذلك، ربما تصل إلى (1000 كيلومترٍ) أو أكثر، ومن المعلوم أن المواقيت مساحتها محدودةٌ، فكثير منها أوديةٌ؛ وادي يلملم مثلًا، أو وادي السيل الكبير، الذي هو القَرْن، أو وادي ذي الحُليفة، فهي أوديةٌ، ومساحتها محدودةٌ، مساحة المواقيت محدودةٌ، والطائرة تسير بسرعةٍ كبيرةٍ جدًّا، وعلى هذا فسير الطائرة لدقيقةٍ واحدةٍ مؤثرٌ في هذه المسألة، ربما لو تأخر المحرم عن عقد نية الإحرام لمدة دقيقةٍ يكون قد تجاوز الميقات؛ ولهذا لا بد من الدقة في الإحرام عند محاذاة الميقات، وإن خشي الإنسان من عدم الدقة، أو خشي أن الإعلان عن المحاذاة لا يكون دقيقًا، فإنه يحتاط، ويعقد نية الإحرام قبيل الإعلان عن محاذاة الميقات، ويُلاحَظ أن بعض الناس يتأخر، يُعلَن عن محاذاة الميقات ويتأخر في عقد النية.
كما أن المسؤولين عن الطائرة؛ من قائد الطائرة والمضيفين، عليهم تحري الدقة؛ لأنه يلاحظ أحيانًا عدم الدقة في الإعلان؛ بدليل اختلاف الإعلان في أول الرحلة عن الإعلان بعده، فيلاحَظ أحيانًا فرقٌ، والفرق أحيانًا دقائق، وهذه الدقائق لا شك أنها مؤثرةٌ، هذه أعمالٌ شرعيةٌ، ينبغي توخي الدقة فيها، والطائرة تسير بسرعةٍ كبيرةٍ جدًّا، وهذه المواقيت مساحتها محدودةٌ، فلا بد أن تكون هذه المسألة حاضرةً في أذهان الجميع، في أذهان المسؤولين عن الطائرة، وكذلك في أذهان من يريد الإحرام وهو في الطائرة.
وأما بخصوص السؤال، وهو: من لم ينتبه لمحاذاة الميقات إلا عند ربط الأحزمة، فهنا يُنظر هل مضى على ذلك وقت كثيرٌ؟ لأنه مثلًا في الرحلة من الرياض إلى جدة، تكون محاذاة الميقات عند الإعلان عن ربط الأحزمة، يعني: قُبيل الهبوط بنحو عشر دقائق تكون الطائرة قد حاذت ميقات السيل الكبير، فهذا ربما يكون هو الوقت أصلًا للمحاذاة، لكن لو قُدِّر أنه تجاوز الميقات فلا يعقد نية الإحرام، وإنما بعد هبوط الطائرة يرجع للميقات ويُحرم منه.
وهكذا أيضًا من نام ولم يَصِل إلا إلى المطار، فبعد مجاوزة الميقات يجب عليه أن يرجع للميقات الذي مر به، ويعقد منه نية الإحرام، وإلا فإنه إذا لم يفعل ذلك، وعقد نية الإحرام بعد مجاوزة الميقات؛ يكون عليه دم عند جمهور العلماء.
المقدم: أحسن الله إليكم معالي الشيخ، معنا الآن المتصل الأول من نجران: السلام عليكم.
السائلة: وعليكم السلام.
المقدم: حياكِ الله، تفضلي.
السائلة: كيف حالك يا شيخ؟
الشيخ: بخيرٍ ونعمةٍ.
السائلة: عندي سؤالٌ: هل يجب عليَّ أن أصلي العيد داخل البيت أو خارجه؟
الشيخ: هل يجب ماذا؟
السائلة: أصلي العيد داخل البيت، أو خارجه؟
المقدم: طيب، سؤالٌ ثانٍ؟
السائلة: شكرًا، مع السلامة.
المقدم: شكرًا لكِ، تستمعين للجواب، تفضل معالي الشيخ.
الشيخ: إذا أرادت المرأة أن تصلي العيد فإنها تذهب وتصلي مع الناس في مصلى العيد إن تيسر، أو في الجامع إن لم تتيسر الصلاة في المصلى، وهذا هو المأثور عن النساء في عهد النبي ، كان عليه الصلاة والسلام يأمر النساء بالخروج لصلاة العيد، حتى إنه يأمر العواتق والحيَّض وذوات الخدور، ويأمر الحيَّض أن يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزلن المصلى [1]، وهذا يدل على تأكد صلاة العيد، وعلى أن حضور النساء لصلاة العيد من الأمور المستحبة، بخلاف غيرها، غيرها صلاة المرأة في بيتها أفضل، إلا صلاة العيد، فإن صلاتها مع المسلمين في المصلى أفضل، وحتى وإن كانت المرأة حائضًا، تستمع للخطبة لكن لا تصلي، تعتزل المصلى.
وأما كونها تصلي صلاة العيد وهي في بيتها، العبادات مبنيةٌ على التوقيف، صلاة العيد لها صفةٌ معينةٌ، ويكون فيها خطبةٌ، وحينئذٍ إما أن تصلي مع الناس في المصلى أو في المسجد، أو أنها لا تصلي وتكتفي مثلًا بصلاة الضحى ونحوها من الصلوات الأخرى المشروعة.
المقدم: نعم، أحسن الله إليكم معالي الشيخ.
معنا الآن متصلٌ من تبوك: السلام عليكم.
السائل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثلاثة أسئلةٍ أحسن الله إليك.
المقدم: طيب تفضل، الأول.
السائل: شيخنا، سؤالنا الأول: رجلٌ لديه أسرتان، كل أسرةٍ في منطقةٍ، ونوى أن يضحي بكبشين، يقول: إذا ذبح الأضحية الأولى في المنطقة، وبعد يومٍ سيسافر إلى المنطقة الأخرى، هل يأخذ من شعره وأظافره، أم لا بد أن يذبح الكبشين حتى يأخذ شيئًا من أظافره..؟
الشيخ: لكنه في المنطقة الأخرى سيضحي عن نفسه أيضًا؟
السائل: نعم.
المقدم: طيب، السؤال الثاني.
السائل: السؤال الثاني يا شيخ: امرأةٌ كبيرةٌ في السن تسأل: يصعب عليها إذا صلت المغرب أن تنتظر لصلاة العشاء، كبيرةٌ في السن ومريضةٌ، وتقول: هل لها أن تجمع العشاء بصفةٍ دائمةٍ؛ لأنه يشق عليها جدًّا أن تقوم مرةً أخرى من فراشها؟
المقدم: طيب، السؤال الثالث.
السائل: السؤال الأخير يا شيخ: رجلٌ أراد أن يشتري سيارةً من أحد المعارض، ولحاجته للمال يريد أن يشتريها ويبيعها، لكن علم أن أحد أقاربه يبحث عن سيارةٍ، ووعده إذا اشتراها أنه سيبيعها له بسعرٍ رمزيٍّ حسب حاجته للمال، لكن هل له شيخنا الآن أن ينقلها باسم هذا القريب مباشرةً؟
المقدم: واضحٌ السؤال الثالث يا شيخ؟
الشيخ: هو الآن سيشتريها من المعرض، كذا؟
السائل: لا، لا.
الشيخ: من المعرض بطريقةٍ مباشرةٍ من غير أن تُكتب باسمه هو؟
السائل: نعم، هذه هي الصورة يا شيخ.
الشيخ: نعم.
المقدم: طيب، نجيب عن هذا السؤال يا شيخ.
الشيخ: نعم، هذا لا بأس به، لكن بشرط أن قريبه إذا أراد أن يبيعها أن يوضح هذا لمن يشتري منه، حتى لا يكون في هذا تغرير به، فينبهه عند البيع، يقول: إذا أردت أن تبيعها فتخبر من يشتري منك بأنها قد مرت بأكثر من طرفٍ، ولم يُسجَّل في الاستمارة إلا هؤلاء الأطراف فقط، فإذا انتفى هذا المحذور فلا بأس، المهم ألا يكون في هذه المعاملة غشٌّ للمشتري من قريبك.
وأيضًا تتمة لهذا، لا بد أن تحوز البطاقة الجمركية الأصلية من المعرض، حتى يتحقق القبض، لا بد من أن تشتري السيارة أنت، وتحوز البطاقة الجمركية الأصلية، ثم بعد ذلك تبيعها لقريبك، لا أن تبيعها من غير حيازة البطاقة الجمركية الأصلية.
المقدم: في سؤاله الأول يقول: رجلٌ لديه أسرتان، كل واحدةٍ في منطقةٍ، اليوم الأول سيضحي بأضحيةٍ في منطقةٍ، واليوم التالي يضحي بالأضحية الثانية عند الأسرة الأخرى، هل يلزمه الامتناع عن قص الشعر والأظافر حتى ينتهي من الاثنتين؟
الشيخ: نعم، يلزمه أن يُمسك عن الأخذ من شعره وأظافره حتى تُذبح الأضحية الثانية؛ لأنه يصدق عليه قول النبي : إذا دخلت هذه العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا [2]، أخرجه مسلمٌ في “صحيحه”، وهذا الرجل أراد أن يضحي لكن الأضحية الأولى ضحى بها، وبقيت الأضحية الثانية، فيلزمه أن يمسك عن الأخذ من الشعر والأظافر حتى تُذبح أضحيته الثانية.
المقدم: طيب، في سؤاله الآخر يقول: امرأةٌ عاجزةٌ، ويصعب عليها الانتظار بعد المغرب إلى وقت العشاء، فيسأل: هل يجوز لها أن تجمع المغرب والعشاء؟
الشيخ: نعم، يجوز لها في هذه الحال أن تجمع العشاء مع المغرب جمع تقديمٍ؛ وذلك لأنه يشق عليها الانتظار للعشاء، وتشق عليها أيضًا الطهارة، والقاعدة الشرعية: أنه إذا ضاق الأمر اتسع، والله تعالى يقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، ويقول: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]، فما دام أن هذه المرأة كبيرةٌ في السن، ويشق عليها أن تصلي صلاة العشاء في وقتها، وهي مريضةٌ أيضًا، فلا بأس أن تجمع العشاء مع المغرب جمع تقديمٍ.
المقدم: الحمد لله، أحسن الله إليكم معالي الشيخ، معنا الآن الأخت فاطمة: السلام عليكم، طيب، انقطع الاتصال.
من رسائل الجوال -معالي الشيخ- هذا السؤال من الرياض، يقول: ما حكم استخدام معجون الأسنان، ومزيل العرق والشامبو، وكذلك معقمات اليدين بالنسبة للحاج، علمًا أنه يوجد منها ما هو بدون عطرٍ، ولكن يحتوي على رائحةٍ، يسأل أيضًا ما هو المعيار والضابط لهذه الأشياء؟
الشيخ: ما كان منها مُعطَّرًا يجتنبه المحرم، وما كان غير معطرٍ فلا بأس به، ولو كانت له نكهةٌ؛ فمثلًا معجون الأسنان ليس معطَّرًا، وإنما فيه نكهةٌ فقط، فلا بأس باستخدامه للمحرم، والشامبو منه ما هو معطرٌ، ومنه ما هو غير معطرٍ، فلا بأس باستخدام الشامبو غير المعطر، ويمكن أن يسأل أهل الخبرة أو البائعين، عن الأنواع المعطرة فيجتنبها، والأنواع غير المعطرة فيستخدمها.
وهكذا أيضًا الصابون، فمنه ما هو معطرٌ، ومنه ما هو غير معطرٍ، فيجتنب الصابون المعطر.
القاعدة في هذا أن ما كان فيه عطرٌ، وفيه طيبٌ، فإن المحرم ممنوعٌ منه، وما لم يكن كذلك فلا بأس به، وأما النكهة فإنها لا تعد عطرًا.
المقدم: نعم، أحسن الله إليكم معالي الشيخ، معنا الآن متصلٌ من الرياض: السلام عليكم.
السائل: وعليكم السلام ورحمة الله، لدي ثلاثة أسئلةٍ.
المقدم: طيب، الأول.
السائل: السؤال الأول: من كانت عليه فديةٌ واختار الإطعام، هل لا بد أن يكون لفقراء الحرم، وماذا إذا كان عاد إلى بلده؟
السؤال الثاني: جاء في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما لما قال الرجل: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجَّةً، وإني اكتُتِبت بغزوة كذا وكذا، قال: انطلق فحُج مع امرأتك [3]، رواه مسلمٌ.
الآن هل يَلزم الزوج أن يكون مَحرمًا، إذا لم يوجد مَحرمٌ إلا هو، بناءً على هذا الحديث، وخاصةً أن الجهاد أفضل من الحج، ومع ذلك أمر النبي أن يذهب مع امرأته لهذا الأمر؟
السؤال الأخير أحسن الله إليكم: من لم يُسَمِّ على أضحيته ناسيًا، هل تحل الأضحية أم لا؟
أحسن الله إليكم، جزاكم الله خيرًا.
المقدم: طيب، تستمع للإجابة إن شاء الله.
في سؤاله الأول -معالي الشيخ- يسأل يقول: من عليه فديةٌ واختار الإطعام، هل لا بد أن يكون لفقراء الحرم، أو أن يكون في بلده إذا رجع؟
الشيخ: نعم، هو إذا كان عليه فديةٌ فالفقهاء يقولون: كل هديٍ أو إطعامٍ فهو لمساكين الحرم، وعلى هذا: فلا بد من أن يكون الإطعام لمساكين الحرم، وهكذا أيضًا لو أنه اختار النسك، وهو ذبح شاةٍ، فلا بد أن يكون في الحرم، ويُذبح في الحرم، في منطقة الحرم؛ إما في مكة، أو في منى، المهم أنه داخل حدود الحرم، ويوزع على فقراء الحرم.
والإطعام كذلك، لكن الصيام يكون في أي مكانٍ، الصيام لا يشترط أن يكون في الحرم، إذا اختار الصيام ثلاثة أيامٍ، وهو في أي مكانٍ ولو بعد رجوعه إلى بلده.
وأما بالنسبة للإطعام فهو لمساكين الحرم.
المقدم: نعم، في سؤاله الثاني يسأل يقول: هل يلزم الزوج أن يكون مَحرمًا لزوجته في الحج، بناءً على حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما؟
الشيخ: نعم، الزوج هو مَحرمٌ لزوجته لا شك، لكن هل يجب عليه أن يذهب مع زوجته للحج أو لا يجب؟ لا يجب عليه ذلك، ولا يجوز للمرأة أيضًا أن تسافر إلا ومعها ذو محرمٍ، لكن لو أوجبنا على الزوج أن يحج بزوجته، وأن يكون محرمًا لها لأوجبنا عليه الحج في العمر أكثر من مرةٍ، وهذا خلاف النص، وخلاف الإجماع، لكنه يستحب له هذا ويندب له، وهو مأجورٌ على ذلك إن شاء الله، وهذا يدخل أيضًا في حسن العشرة، لكن هذا ليس بواجبٍ عليه، فلو أن الزوج امتنع من أن يحج بامرأته؛ لكونه مثلًا قد حج عن نفسه فليس عليه إثمٌ، لكن الأفضل والأكمل أن يحج مع امرأته، وأن يكون محرمًا لها.
المقدم: في سؤاله الثالث يسأل عن التسمية عند الأضحية، نسيان التسمية هل يضر، والأضحية هل تجزئ؟
الشيخ: هذه المسألة محل خلافٍ بين الفقهاء، إذا نسي الإنسان أن يسمي عند أضحيته، أو عند ذبح الذبيحة عمومًا، هل تحل أو لا تحل؟
فمن الفقهاء من قال: إن الذبيحة في هذه الحال تكون ميتةً، وأنها لا تحل؛ لقول الله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام:121].
ومن أهل العلم من قال: إنه إذا نسي التسمية على الذبح فلا حرج عليه، وقد رُوي هذا عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، وبَوَّب البخاري على هذه المسألة بقوله: “باب التسمية على الذبيحة، ومن ترك متعمدًا”، ثم ساق أثر ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: “قال ابن عباسٍ: من نسي فلا بأس”، وقال البخاري: “قال الله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام:121]، والناسي لا يسمى فاسقًا”، وهذا استدلال لطيفٌ من البخاري رحمه الله؛ لأن الناسي لا يسمى فاسقًا، الله تعالى قال في الآية: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام:121].
وعلى هذا: فالقول الراجح: أن هذه الذبيحة تحل، وهو قول جمهور الفقهاء، أن هذه الذبيحة إذا ترك التسمية عليها ناسيًا أنها تحل؛ لأن الله تعالى قال في الآية: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام:121]، وعند عامة أهل العلم: أن الناسي للتسمية لا يسمى فاسقًا؛ فدل ذلك على أن المقصود بالنهي في هذه الآية: أنه من تعمد ترك التسمية على الذبيحة على سبيل العمد.
أما على سبيل النسيان فالقول الراجح: أن الذبيحة تحل، والله تعالى أعلم.
المقدم: أحسن الله إليكم يا معالي الشيخ، معنا الآن الأخت هبة من بيشة: السلام عليكم.
السائل: وعليكم السلام ورحمة الله.
المقدم: حياكِ الله، تفضلي.
السائل: يا شيخ، أنا علي قضاء أربعة أيامٍ، غدًا آخر شيءٍ، هل أصوم الباقي…، أُفطرها، أو أتابعها مع بعضها؟
المقدم: طيب، تستمعين الإجابة، بقي سؤالٌ آخر؟
السائل: لا، شكرًا.
المقدم: شكرًا لكِ.
تقول: عليها قضاءٌ، وغدًا تنتهي منه، أربعة أيامٍ، هل تتابع بعد ذلك الصيام إلى يوم عرفة، أو تجعل هناك فاصلًا بينها؟
الشيخ: بل تتابع الصيام إلى يوم عرفة، الفرق بين صوم الفريضة والنافلة بالنية فقط، فهي تكمل القضاء الذي عليها، ثم تتابع الصيام إلى يوم عرفة، هذا هو الأفضل والأحسن؛ لأننا في هذه العشر المباركة العمل الصالح فيها مضاعفٌ جدًّا، بل إن العمل الصالح لا يعدله شيءٌ، هو أحب إلى الله تعالى من كل شيءٍ، إلا رجلًا خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيءٍ.
المقدم: معنا الآن متصلٌ من عنيزة: السلام عليكم.
السائل: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله.
السائل: مساك الله بالخير.
المقدم: مساك الله بالنور، تفضل.
السائل: مساك الله بالخير يا شيخ سعد.
الشيخ: مساك الله بالخير والعافية، حياك الله.
السائل: حياك الله، طال عمرك، أنا عادةً أصوم ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ، ورأيت أني أؤخر صيام ذي القعدة، الأيام الثلاثة، إلى ثلاثة أيامٍ ذي الحجة بالعشر، ما أدري هل أنا محقٌّ في ذلك أو لا؟
الشيخ: نعم، عملك طيبٌ؛ لأنك تريد أن تجعل هذه الأيام الثلاثة في عشر ذي الحجة، وتغتنم مناسبة الزمان، فعملك طيب، وهي مستحبةٌ ليست واجبةً، الأمر فيها واسعٌ، والحمد لله، لكن الذي فعلته حسنٌ.
السائل: ولا فيها شيءٌ يعني؟
الشيخ: نعم، ما فيها بأسٌ.
السائل: ولو تكررت؟
الشيخ: لا بأس، الأمر واسعٌ.
السائل: الحمد لله، جزاك الله خيرًا.
الشيخ: اللهم آمين.
المقدم: شكرًا لك، معنا الآن متصلٌ من جدة: السلام عليكم.
السائل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المقدم: حياك الله، تفضل.
السائل: كيف حالكم يا إخواني الفضلاء.
المقدم: الله يحييك.
السائل: أريد أن أسأل الشيخ سؤالين فقط.
المقدم: الأول.
السائل: السؤال الأول: أود أن يذكر الشيخ عقوبة من أخر صلاة الفجر؟
المقدم: طيب، السؤال الثاني.
السائل: السؤال الثاني: أنا العام الماضي اعتمرت في رمضان، وبعدما فرغت من العمرة ذهبت إلى الطائف بإحرامي، ونزعت الإحرام ونمت، بعدما استيقظت حلقت رأسي، فماذا علي؟
الشيخ: طيب، يعني كنتَ جاهلًا أو متعمدًا؟
السائل: بعض الإخوة أخبروني، لكن قلت: الدين يُسرٌ.
الشيخ: ولبستَ ثيابك؟
السائل: نعم.
الشيخ: طيب هل غطيتَ رأسك أم لا؟
السائل: ذهبت إلى البيت ونزعت الملابس، واليوم الذي يليه حلقت.
الشيخ: طيب، لكن الآن عرفنا أنك لبستَ الثوب وما تحته من الملابس الداخلية، لكن هل غطيت رأسك؟
السائل: نعم.
الشيخ: لبستَ شِماغًا مثلًا أو غُترةً؟
السائل: نعم.
الشيخ: نعم، طيب.
المقدم: طيب، تستمع للإجابة.
السائل: جزاكم الله خيرًا.
المقدم: وإياك.
السؤال الأول يسأل عن عقوبة تأخير الفجر.
الشيخ: نعم، تأخير صلاة الفجر أو غيرها من الصلوات وقتها محرمٌ، ومن كبائر الذنوب، الله يقول: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]، توعدهم الله بالويل، وقد قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما في حق معنى (الساهين): أنهم يؤخرونها عن وقتها، وتوعدهم الله بالويل فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون:4]، فمن يؤخر الصلاة عن وقتها فإنه يدخل في الوعيد الوارد في هذه الآية، الله تعالى قد جعل لكل صلاةٍ وقتًا لا تصح قبله ولا يجوز تأخيرها بعده.
فعلى المسلم أن يتقي الله ، وأن يؤدي الصلاة في وقتها، وإن كان رجلًا فيجب عليه أن يؤديها مع الجماعة في المسجد، وليرفع المسلم مستوى الاهتمام بهذه العبادة وهذا الركن الذي هو آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وأيضًا هذه العبادة هي عمود دين الإسلام، فإذا رفع الإنسان الاهتمام بهذه العبادة، فإنه سيجد من الوسائل ما يعينه على أن يؤديها في وقتها مع الجماعة في المسجد.
أما إذا كان الاهتمام بها ضعيفًا، فإنه سيجد ثقلًا وكسلًا وترددًا، وغلبة نومٍ؛ ولهذا قال : وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45]، والصلاة ثقيلةٌ وكبيرةٌ إلا على الخاشعين الذين يريدون ما عند الله من الأجر والثواب.
وصلاة الفجر على وجه الخصوص أخبر الله تعالى بأنها تشهدها الملائكة، فقال: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ أي: صلاة الفجر، وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]، أي: أنها تشهدها الملائكة؛ كما أخبر بذلك النبي [4].
وأيضًا أخبر عليه الصلاة والسلام بأن من صلى صلاة الفجر كان في ذمة الله [5]، كما جاء في “صحيح مسلمٍ” من حديث سمرة .
ومعنى: في ذمة الله، أي: في حفظ الله تعالى وعهده؛ لأنه لا يحافظ على صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد، أو تحافظ المرأة عليها في وقتها، إلا إنسانٌ صادقٌ مع الله ، قويٌّ في إيمانه، فكان جزاؤه أن يكون في عهد الله وفي حفظه طيلة يومه، وهذا يفوت على من أَخَّر صلاة الفجر عن وقتها.
المقدم: في سؤاله الثاني يقول: أنه اعتمر، ثم ذهب إلى الطائف ونام، وبعدما استيقظ خلع الملابس، ومن ثم حلق رأسه؟
الشيخ: نعم، عليه فديتان: فديةٌ عن لبس المخيط؛ لكونه قد لبس ثوبه، وفديةٌ أخرى عن تغطية الرأس؛ لكونه قد لبس الشماغ أو الغترة أو الطاقية، فعليه فديتان، والفدية هي إما ذبح شاةٍ، أو صيام ثلاثة أيامٍ، أو إطعام ستة مساكين.
وعلى هذا: فيكون عليه إما ذبح شاتين، أو صيام ستة أيامٍ، أو إطعام اثني عشر مسكينًا، وربما يكون أيسرها بالنسبة للأخ السائل الإطعام، لكن الإطعام لا بد أن يكون في الحرم، فيذهب أو يوكِّل من يشتري له ثنتي عشرة وجبة أرزٍ مع لحمٍ، أو أرزٍ مثلًا مع دجاجٍ، أو نحو ذلك، ويشتريها من المطعم ويوزعها على الفقراء -فقراء الحرم- يوزعها على فقراء الحُجاج أو فقراء الحرم، لكن لا بد أن يكون الإطعام في الحرم، ربما يكون هذا هو الأيسر.
وإن شاء انتقل للصيام، لكنه يصوم ستة أيامٍ؛ يصوم ثلاثة أيامٍ عن الكفارة الأولى، وثلاثة أيامٍ عن الفدية الثانية، وإن أراد أن ينتقل أيضًا للنسك فله ذلك، لكنه يذبح شاتين في الحرم، لا بد أن يكون ذلك في الحرم، فالصيام يكون في أي مكانٍ، أما الإطعام والذبح فلا بد أن يكون في الحرم.
المقدم: ولو كان فعل هذا جهلًا، هل تلزمه أيضًا الفدية؟
الشيخ: لو كان جهلًا ليس عليه شيءٌ، لكننا سألنا الأخ الكريم، وقال: إنه ليس بجهلٍ، وإنما تساهلًا، وقال: إن الدين يسرٌ، الدين يسرٌ، لكنْ له حدودٌ، وله ضوابط، الله تعالى لما قال: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، قال في آخر الآية: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:196]، الله تعالى غفورٌ رحيمٌ، لكنه شديد العقاب، فكون الدين يسرًا لا يجعلك تتجاوز حدود الله وتقع في المحظورات.
الذي يظهر من سؤال الأخ الكريم: أنه متعمدٌ، لكنه فعل هذا على سبيل التساهل، فيكون عليه فديتان.
المقدم: طيب، أحسن الله إليكم معالي الشيخ.
الاتصال الأخير، مع المتصلة أم عليٍّ من الرياض: السلام عليكم.
السائلة: وعليكم السلام ورحمة الله.
لو سمحت يا شيخ، لو أن امرأةً… بالتمتع، ولكن العمرة شاقةٌ عليها؛ لأنه يلزمها عربةٌ، ويمكن… عندها انزلاقٌ غضروفيٌّ، فهل لو أفردت، هل العمرة في أي وقتٍ آخر مثل عمرتها، لو أنها متمتعةٌ؟ هذا السؤال الأول.
الشيخ: حج فريضةٍ أو نافلةٍ؟
السائلة: نافلةٍ، ولكن -يا شيخ- توفر العربة هو الذي سيكون إشكالًا.
الشيخ: طيب.
المقدم: طيب، السؤال الآخر.
السائلة: السؤال الثاني يا شيخ: في بعض السيارات… ما… المسجل عند الأقدام، هل يجوز أن نشغل إذاعة القرآن، فيها شيءٌ، فيها حرجٌ علينا عندما نسمع والسماعة عند الأقدام في بعض السيارات؟
المقدم: طيب، تستمعين للإجابة إن شاء الله.
السائلة: شكرًا لك، جزاك الله خيرًا.
المقدم: السؤال الأول -يا شيخ- تقول: امرأةٌ تريد التمتع، لكن تشق عليها العمرة؛ لعدم توفر العربة، ما التوجيه لها في هذه الحالة؟
الشيخ: هي مخيرةٌ بين الأَنساك الثلاثة: التمتع والإفراد والقِران، لكن ننصحها ما دام أن العمرة تشق عليها، بأن تكون قارنةً؛ فإن القران أفضل من الإفراد، ولأنها بالقران يكون لها أجر عمرةٍ وحجٍّ، والفرق بين الإفراد والقران فقط في الهَدْي؛ فالقارن يُهدِي، والمُفرِد ليس عليه هديٌ، ما دام أنها تسأل عن الأفضل، وتريد الأعظم ثوابًا، فننصحها بالقِران، إن لم يتيسر لها التمتع فننصحها بالقران.
وأما سؤالها هل العمرة مع التمتع أفضل، أو بعد الحج؟ فالعمرة أفضل ما تكون مع التمتع؛ لأنها في أشهر الحج، وأيضًا العمرة في رمضان تعدل حجةً، فالعمرة في رمضان وفي أشهر الحج هي أفضل من غيرها من أيام السنة، وما دام أن الحج بالنسبة لها نافلةٌ فالأمر واسعٌ، تختار ما هو الأيسر لها، لكن ما دام أن التمتع يشق عليها، فيمكن أن تختار نسك القِران، فهو أفضل من الإفراد.
المقدم: الحمد لله، في سؤالها الآخر تقول: بعض السيارات تكون السماعة محاذية للأقدام، تسأل عن تشغيل القرآن؟
الشيخ: لا حرج في هذا؛ لأن هذه السماعات ينطلق منها ذبذبات في الهواء، ليس في هذا امتهان للقرآن، وليس فيه تقليلٌ من القرآن، وإنما هذه ذبذباتٌ تنتقل في الأثير وفي الهواء، وليس في هذا حرجٌ، وينبغي عدم طرح مثل هذه الأسئلة؛ لأن مثل هذه الأسئلة تُشعر بشيءٍ من التقعُّر، وربما أيضًا التنطع؛ ولهذا مثل هذه الأسئلة ينبغي عدم طرحها، فالقرآن ما دام أنه يُسمع، ولم يحصل له امتهانٌ، فسواءٌ أكان من أعلى السيارة أم وسطها أم أسفلها، الأمر في هذا لا إشكال فيه.
المقدم: طيب، أحسن الله إليكم -معالي الشيخ- وبارك الله في علمكم.
كان معنا معالي الشيخ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء، والذي تولى الإجابة عن أسئلتكم واستفساراتكم في هذه الحلقة.
شكر الله لكم معالي الشيخ.
الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.
المقدم: الشكر موصولٌ لكم أنتم -أيها الكرام- لطيب متابعتكم.
شكرًا لطيب متابعتكم، ونلقاكم -إن شاء الله- في حلقةٍ قادمةٍ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.