بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلاةً وسلامًا على النبي الأمين وآله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بكم -أحبتنا الكرام- إلى حلقةٍ جديدةٍ من برنامج الفتاوى المباشر (فتاوى الحج).
ضيف حلقتنا هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء.
في بدء حلقتنا نرحب بضيفنا: السلام عليكم يا شيخ سعد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وحياكم الله، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.
المذيع: حياكم الله وبيَّاكم.
شيخنا، في بداية هذه الحلقة، ونحن قدَّمنا الحديث وطرح البرامج المختصة بفتاوى الحج؛ لكي يكون المسلم على درايةٍ واضحةٍ بأحكام الحج؛ حتى لا يقع في الإشكالات التي نُسأل عنها في هذه البرامج دائمًا، فهل من كلمةٍ توجيهيةٍ -يا شيخ سعد- للتفقُّه في أعمال الحج والعمرة قبل الذهاب؛ لارتباطها بأمورٍ أخرى؛ كما تذكرون في فتاواكم للإخوة والأخوات، قد يكون الإنسان لا يزال على إحرامه حتى إلى سنواتٍ وهو لا يعلم، فلو كان لديه درايةٌ وتفقهٌ قبل الذهاب إلى مكة لسَلِم من كثيرٍ من الإشكالات.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن التفقه في دين الله أمارةٌ على إرادة الله بالعبد الخير؛ كما قال النبي : من يُرِد الله به خيرًا يفقهه في الدين [1]، وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلمٌ.
ومفهومه: أن من لم يُرَد به الخير فإنه لا يُوفق للفقه في الدين، فعلى المسلم أن يسعى للتفقه في دين الله عمومًا، وبخاصةٍ من أراد الحج، عليه أن يتفقه في مسائل الحج وأحكامه، وأن يعرف ما المطلوب منه، وأن يعرف محظورات الإحرام، والمحظورات التي يجب عليه اجتنابها، والإنسان لو أراد أن يسافر إلى بلدٍ، تجد أنه يَسأل عن ذلك البلد، ويسأل عن الطريق، ويسأل عن الصعوبات، ويسأل عما يحتاج إليه في سفره، وهو كذلك أيضًا في رحلة الحج ينبغي أن يسأل، وأن يتفقه في أحكام الحج وفي مسائله؛ حتى يأتي بهذه العبادة العظيمة وهذا الركن الجليل كما أمر ربنا ، وحتى لا يقع في أخطاءٍ ربما تؤثر على صحة حجه، أو أنها تُنقِص من أجره، أو أنها تؤثر على أمورٍ أخرى؛ كما لو أنه ارتكب خطأً مثلًا في طوافه مَنَع صحة الطواف، ثم بعد ذلك استمر في إحرامه، ثم عَقَد النكاح، فإنَّ عَقْد النكاح لا يصح في هذه الحال، وعليه أن يجدد عقد النكاح.
فانظر كيف ترتبت مسألة عقد النكاح على مسألة الحج، وهذا يدل على أهمية التفقه في مسائل الحج وأحكامه، وبخاصةٍ في وقتنا الحاضر؛ تيسرت أمور التفقُّه والتعلم، فمصادر التعلم لمسائل الحج وأحكامه أصبحت كثيرةً ومتنوعةً.
فهناك مثلًا الكتيبات النافعة، هناك كتيباتٌ عُنيت ببيان أحكام الحج بأسلوبٍ مبسطٍ سهلٍ، ومن علماء ثقاتٍ أثباتٍ، وهناك الأشرطة النافعة، وهناك أيضًا القنوات الهادفة التي يكون فيها توضيحٌ لمسائل الحج وأحكامه، وكذلك الإذاعات؛ مثل هذه الإذاعة المباركة، يكون فيها برامج كثيرةٌ عن مسائل الحج وأحكامه، إلى غير ذلك من الأمور التي يستطيع المسلم -إذا وُجد لديه الاهتمام- أن يتعلم مسائل الحج وأحكامه.
ثم لو قُدِّر أنه عَرض له عارضٌ، ووقع في إشكالٍ، واحتاج للسؤال، فعليه أن يسأل، وعليه أن يأخذ رقم أهل العلم والمشايخ ويسأل عما أشكل عليه، و”وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد” في كل عامٍ تنتدب مجموعةً من العلماء، ومن طلبة العلم الأفاضل، يجيبون السائلين في الحج خلال موسم الحج على مدار الساعة، ووَضَعت لهذا آليةً؛ بحيث إن المتصل إذا لم يتيسر أن يُرَدَّ عليه عن طريق هذا الهاتف، يكون عن طريق هاتفٍ آخر، عبر سنترالٍ وُضع لهذا الشأن.
المهم: أن يوجد الاهتمام لدى المسلم، فإذا وُجد لديه الاهتمام فإنه سيجد من الوسائل ما يعينه على التفقه ومعرفة أحكام الحج ومسائله.
المذيع: البعض إذا استشكل شيئًا في الحج -شيخنا- يسأل أقرب من يرى، بدون التحقق من علمه في هذا الموضوع.
الشيخ: نعم، وهذا خطأٌ، أن الإنسان يسأل من يرى، أو حتى من يرى عليه أثر الصلاح؛ لأنه ليس بالضرورة أن يكون عالمًا أو طالب علمٍ، بل إن بعض الناس إذا رأى إنسانًا ملتحيًا ذهب وسأله، حتى في غير مسائل الحج، وتجد بعض الناس إذا أتى رجلٌ وألقى موعظةً في مسجدٍ لحقه بعض جماعة المسجد وسألوه عن بعض الأمور، وبعض الأسئلة في نوازل، هذا خطأٌ، ليس كل إنسانٍ مؤهلًا للفُتيا، فربما بعض الناس عنده حب الخير، وعنده قدرةٌ على الوعظ ونحو ذلك، لكن ليس مؤهلًا للفتيا، فلا بد أيضًا أن يعرف الإنسان من يسأل ومن يستفتي، وكما قال السلف الصالح: إن هذا العلم دينٌ؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم.
المذيع: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
نستقبل أول اتصالات هذه الحلقة من الرياض الأخ خالد، تفضل.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل يا خالد بسؤالك.
المتصل: كلكم جزاكم الله خيرًا؛ المشايخ والعاملين والمستمعين جميعًا.
المذيع: وإياك، جزاك الله خيرًا.
المتصل: بالنسبة لطواف القدوم إذا كان الحاج متمتعًا أو قارنًا أو مُفرِدًا؟
المذيع: متى يعني يطوف طواف القدوم؟
المتصل: نعم متى؟
المذيع: طيب، السؤال الثاني.
المتصل: السؤال الثاني: مثلًا نحن كطلاب علمٍ، الناس يقولون لنا مثلًا: أنتم وهابيةٌ، ماذا نرد عليهم؟
المذيع: طيب، تسمع إجابة الشيخ، تكون معنا حتى تستمع للإجابة.
شيخ سعد، السؤال الأول يقول: متى يكون طواف القدوم للأنساك الثلاثة؟
الشيخ: أما بالنسبة للتمتع: فإن التمتع تكفي العمرة عن طواف القدوم؛ لأن المتمتع يأتي أولًا بعمرةٍ، ثم يأتي بعد ذلك بالحج، فهو إذا أتى وطاف طواف العمرة، وسعى سعي الحج أجزأ ذلك عن طواف القدوم.
المذيع: حتى لو لم ينوِ شيخنا؟
الشيخ: حتى لو لم ينوِ؛ فطوافه للعمرة يكفي عن طواف القدوم بالنسبة للتمتع.
وأما بالنسبة للمفرد والقارن: فيستحب ولا يجب، وإنما يستحب أول ما يَقدَم مكة أن يطوف طواف القدوم، ثم بعد ذلك إن شاء قدَّم سعي الحج بعد طواف القدوم، وإن شاء أخَّر سعي الحج بعد طواف الإفاضة.
المذيع: يسأل كذلك: ماذا يَرُدُّ على من يصفونه بـ(الوهابية)، أو غيرها من الألفاظ؛ لما يرون فيه من التزامه بالسنة ودفاعه عن التوحيد؟
الشيخ: أولًا: ليس هناك طائفةٌ اسمها (الوهابية)، فهناك طائفةٌ كانت في المغرب في القرن الثاني الهجري تنتسب لعبدالوهاب بن رستم، وهذه ليست هي التي يقصدونها، وإنما يقصدون: الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، والشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ليس له مذهبٌ أو جماعةٌ تختص به، إنما أتى بدعوة الناس إلى التوحيد، إلى توحيد الله ، وإخلاص الدين لله ، ولم يأتِ بشيءٍ جديدٍ حتى يُجعل له مذهبٌ جديدٌ وجماعةٌ جديدةٌ، هو فقط مجددٌ، دعا الناس إلى تحقيق التوحيد وإخلاص الدين لله ، لكن بعض أصحاب الفرق المنحرفة هم الذين يريدون تشويه الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، وتشويه دعوته؛ ولذلك أصبحوا يحذرون من هذه الدعوة ويشوهونها، ويصفونها بأوصافٍ سيئةٍ، وهذا ليس بغريبٍ إذا نظرنا إلى ما حصل للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام؛ فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام نَبَذَهم كثيرٌ من أقوامهم، وحاربوهم ووصفوهم بما ذكره الله تعالى لنا في القرآن: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الذاريات:52-53]، فكانوا يصفون أنبياء الله ورسله، الذين هم صفوة البشر، يصفونهم بالسحر والجنون والكهانة والشعر وغير ذلك، يصفونهم بأوصافٍ غير لائقةٍ، يصفونهم بأوصافٍ منفِّرةٍ، ومع ذلك لم يضر هؤلاء الأنبياء والرسل مثل هذه الأوصاف، وهذا التشويه، وكانت العاقبة لهم، وكان النصر والتمكين لهم.
فمن كان على الحق عليه أن يصبر، وعليه أن يتحمل، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ [الفرقان:31]، فإذا كان الله تعالى جعل لكل نبيٍّ عدوًّا من المجرمين؛ فكذلك أتباع الأنبياء يجعل الله تعالى لهم أعداءً وخصومًا، فعليهم الصبر، وعليهم التحمل وعدم التأثر بما يقوله هؤلاء.
المذيع: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم، وشكرًا للأخ خالدٍ من الرياض.
من تبوك نستقبل اتصالًا من الأخ أبي عبدالملك، تفضل، تفضل بالسؤال.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: ثلاثة أسئلةٍ أحسن الله إليكم.
المذيع: تفضل.
المتصل: السؤال الأول: من دخل شهر شوالٍ وهو ناوٍ الحج، ولم يأتِ بعمرةٍ، هل يلزمه العودة للميقات؛ لأن البعض يعتبر نفسه مقيمًا، نريد من شيخنا أن يوضح ضابط الإقامة في هذا؟
السؤال الثاني شيخنا: من أدى عمرةً بعد صلاة الفجر يوم عرفة، ثم ذهب لعرفة، هل يكون متمتعًا، أم أن التمتع ينقطع بطلوع فجر يوم عرفة؟
سؤالي الأخير أخي فيصل: إمامٌ في صلاة المغرب، وهو في التشهد الأخير هم بالنهوض، يريد أن يقوم لرابعةٍ ناسيًا، المأموم خلفه نبهه مباشرةً، عندما رآه تحرك، قال: سبحان الله، لكنه حتى لم يصل إلى نصف القيام، وسجد بعد السلام، ما حكم صلاة المأموم الذي لم يسجد معه بعد السلام؛ لأنه لم ينهض؟
المذيع: طيب، تسمع إجابة الشيخ، شكرًا للأخ أبي عبدالملك.
السؤال الأول يقول: من دخل مكة في شوالٍ وهو ينوي الحج ولم يأتِ بعمرةٍ، هل يلزمه العودة إلى الميقات؟
الشيخ: نعم، يلزمه العودة إلى الميقات؛ وذلك لأنه قد مر بالميقات وهو مريدٌ للنسك، وقد قال النبي : هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة [2]، فهو قد أتى على الميقات مريدًا للحج، أو مريدًا للعمرة؛ فيجب عليه أن يحرم من الميقات، وحيث إنه تجاوز الميقات بدون إحرامٍ؛ فيلزمه إذا أراد العمرة أو الحج أن يرجع مرةً أخرى للميقات فيحرم منه.
المذيع: يقول: من أتى بعمرةٍ فجر عرفة، هل يعتبر متمتعًا، أو ينقطع التمتع بدخول يوم عرفة؟
الشيخ: يعتبر متمتعًا إذا أتى بعمرةٍ؛ طاف وسعى، ثم قصَّر أو حلق، ثم بعد ذلك أحرم بالحج، يصدق عليه وصف التمتع؛ لأنه أتى بالعمرة في أشهر الحج، ثم أحرم بالحج في عامه، فوَصْف التمتع منطبقٌ عليه.
ولكن الأفضل: ألا يكون متمتعًا في هذه الصورة، وإنما يكون قارنًا، هذا هو الأفضل والأكمل؛ لأن التمتع الغرض منه أن يأتي الإنسان بالعمرة ثم يتمتع بما أباح الله تعالى له مما يحرم عليه بالإحرام، ثم بعد ذلك يحرم بالحج، هذا هو الأفضل، وهذا هو الأكمل، وهذا هو هدي الصحابة .
أما أنه إذا أتى الإنسان متأخرًا -كما لو أتى مثلًا ليلة عرفة، أو فجر يوم عرفة، أو حتى في اليوم الثامن أيضًا- فالأفضل في حقه ألا يكون متمتعًا، وإنما يكون قارنًا، لكن هذا على سبيل الأفضلية، ولو أنه أتى بالعمرة ثم أحرم بالحج، فإنه يصح أن يكون متمتعًا.
المذيع: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
السؤال الثالث: عن إمامٍ وهو في التشهد الأخير قام للرابعة في صلاة المغرب، ثم لم يستتم قائمًا ونبهه مَن وراءه، فيقول هذا الذي نبهه يعني يقول: إنه لم يستتم قائمًا، فلما سجد بعد السلام لم يسجد معه، فما حكم فعل الإمام والمأموم كذلك؟
الشيخ: الإمام فعله صحيحٌ، لكونه سجد عن زيادة في الصلاة، وسجود السهو يُشرع إما لزيادةٍ أو نقصٍ أو شكٍّ.
المذيع: حتى لو لم يقم -شيخنا- قيامًا كاملًا؟
الشيخ: حتى لو لم يقم، هو أتى بفعلٍ زائدٍ في الصلاة.
وأما بالنسبة للمأموم: فالمأموم تبعٌ لإمامه، والمفترض أن الإمام لما سجد للسهو أن يسجد معه المأموم، ولكن هذا التصرف لا يؤثر على صحة الصلاة؛ فصلاته صحيحةٌ والحمد لله.
المذيع: الحمد لله، أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
نستقبل اتصالًا من جدة، الأخ إسماعيل، تفضل.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله، تفضل بسؤالك.
المتصل: شيخ سعد، كيف حالك؟
الشيخ: حياكم الله، بارك الله فيك.
المتصل: الله يسعدك يا رب، أقول: في إحدى الجمعيات في مدينة جدة هنا، جمعيةٌ خيريةٌ دعويةٌ، عندهم برنامج للدعوة في دول إفريقيا، فعندهم -هذه السَّنَةَ- برنامجٌ لجمع الأضاحي وذبحها لفقراء القرى الفقيرة في إفريقيا؛ بغرض دعوتهم للإسلام، هم غير مسلمين، فهل يجوز أن يأخذ الأضحية مثلًا لغير مسلمين؟
المذيع: طيب، سؤالٌ آخر؟
المتصل: فقط هذا السؤال، وهذا في الدعوة؛ لترغيبهم في الإسلام.
الشيخ: نقل لحومٍ فقط، أما الذبح عندكم في جدة؟
المتصل: لا، الذبح لا، هناك، هم يأخذون نقدًا بوكالةٍ ويذبحوها في إفريقيا، ومثلًا يأخذون الأغنام أو الأبقار ونحوها، يأخذونها لقرًى فقيرةٍ نائيةٍ، ويذبحونها ويُرُونهم سماحة الإسلام، ولترغيبهم في الإسلام.
المذيع: طيب، سؤالٌ آخر؟
المتصل: الله يسلمك، والله يجزيكم خيرًا.
المذيع: تفضل فضيلة الشيخ بالإجابة.
الشيخ: الأضحية شعيرةٌ من الشعائر، وينبغي أن تظهر هذه الشعيرة في البلد الذي فيه المضحي، ونقل الأضاحي يخالف هذا المقصود؛ فإن المقصود من الأضاحي ليس هو اللحم؛ وإنما المقصود التقرب إلى الله بإراقة الدم؛ كما قال ربنا : لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37]، فلا يُفهم من الأضحية أن المقصود بها هو مجرد هذه اللحوم؛ وإنما المقصود بها أمورٌ أعظم من هذا، هذا المعنى ينبغي أن يستشعره المسلم، وأن يتقرب إلى الله بإراقة دم هذه الأضاحي؛ فإن هذا من أفضل الأعمال، بل إن أبا العباس ابن تيمية رحمه الله يقول: إن التقرب إلى الله تعالى بإراقة الدم أفضل العبادات المالية، كما أن الصلاة أفضل العبادات البدنية؛ ولهذا جمع الله تعالى بينهما فقال: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2].
وعلى هذا: فالمطلوب إظهار الشعيرة في البلد، بل حتى إظهارها في البيت، فننصح بعدم نقل الأضاحي، وإنما نقول للأخ الكريم: اذبح أضحيتك عندك في البيت، وكُلْ منها وتصدَّق، هذا هو المشروع، وهذه هي السُّنة في هذا.
لكن لو كان عند الإنسان عددٌ كثيرٌ من الأضاحي، فبعض الناس مثلًا يكون عنده عشر أضاحٍ، أو أكثر أو أقل، فيضحي بعددٍ من الأضاحي في بيته، ويأكل ويتصدق، ويرى أن العدد المتبقي يريد نقله لبلدٍ آخر تكون حاجة المسلمين فيه أشد؛ هذا لا بأس، إذا كان عنده عددٌ كثيرٌ من الأضاحي، وظهرت الشعيرة في البيت وفي البلد، ثم أراد أن ينقل الأضاحي الزائدة إلى بلدٍ آخر، لا بأس بهذا.
أما أن الإنسان ينقل أضحيته، ويبقى في بيته بدون أضحيةٍ، وتختفي هذه الشعيرة، هذا أمرٌ غير مشروعٍ، وبعض الناس تأخذهم العاطفة لمساعدة المسلمين، ونحو ذلك، نقول: ساعدهم بالصدقة، ساعدهم بالتبرعات، ساعدهم بغير الأضاحي، أما الأضاحي فهي شعيرةٌ، ينبغي أن تبقى في البلد، وأن تظهر في البلد، وأن تظهر في البيت، وأن يراها الناس، وأن يأكل المضحي منها وأسرته، يأكلون منها ويتصدقون، ونقل الأضاحي إلى بلدٍ آخر ينافي هذا المعنى.
وأما بالنسبة لإعطائها لغير المسلمين، إذا أكل الإنسان منها، وأراد أن يعطي غير المسلمين؛ فالأضحية هي من جنس الصدقة، وصدقة التطوع تجوز لغير المسلم، وكما أقر ذلك أهل العلم، بل حُكي الإجماع عليه.
وعلى هذا فالأمر فيه سعةٌ، ولكن هذا -كما ذكرنا- لا يكون إلا لمن عنده عددٌ كثيرٌ من الأضاحي، أما من ليس عنده إلا أضحيةٌ واحدةٌ ونحوها، فإنه يضحي في بلده، ولا ينقل الأضحية إلى بلدٍ آخر.
المذيع: إعطاء غير المسلمين من الأضحية -شيخنا- ما حكمه؟
الشيخ: نعم أجبت عنه قبل قليلٍ، قلت: إن الأضحية هي من جنس الصدقة، والصدقة لغير المسلمين الأصل فيها الجواز.
المذيع: لكن ما فهمته من سؤال الأخ: أنهم يجعلون جميع الأضاحي لبعض القرى التي ليس فيها مسلمون؛ لدعوتهم إلى الإسلام بهذه الطريقة.
الشيخ: نعم، فعلهم بهذه الطريقة فيه إشكالاتٌ الحقيقة، عليهم أن يستفتوا أهل العلم؛ لأنه -كما ذكرت- قد يأتي إنسانٌ ما عنده إلا أضحيةٌ واحدةٌ، ويعطيهم هذه الأضحية، ويبقى في بيته بدون أضحيةٍ، وتختفي هذه الشعيرة في البيت، هذا في الحقيقة فيه إشكالٌ، فعليهم إذا أرادوا هذا أن يَقصُروه على من عنده عددٌ كثيرٌ من الأضاحي، أما أن يستقبلوا جميع الأضاحي من الناس هذا حقيقةً فيه إشكالٌ.
المذيع: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم، الأخ محمود من جدة تفضل.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: أحبك في الله يا شيخ.
الشيخ: أحبك الله وأكرمك.
المتصل: يا شيخ، اختلفت أنا وأخي في أمور العمل، وحلفت عليه الحرام والطلاق ما تدخل بيتي، وبعد شهرين تصالحنا وأدخلته البيت، فما حكم الطلاق في اليمين هذا؟
المذيع: تفضل شيخ سعد.
الشيخ: نعم، مسائل الطلاق -يا أخي الكريم- ما يُفتَى فيها عبر الإذاعة، مسائل الطلاق مسائل متعلقةٌ بأسرةٍ، يترتب عليها مصير أسرةٍ، ويترتب عليها استحلال فروجٍ، ويترتب عليها أمورٌ عظيمةٌ؛ ولذلك فعليك أن تتصل بدار الإفتاء أو المحكمة الشرعية؛ لكي يتأملوا في سؤالك وفي مسألتك ويفتوك إن شاء الله تعالى.
المذيع: شكرًا للأخ محمود من جدة.
من الرياض أبو عائشة، تفضل.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل بسؤالك.
المتصل: أستاذ فيصل، كيف حالك؟
المذيع: حياك الله، الله يسعدك.
المتصل: كيف الشيخ سعد؟
الشيخ: حياكم الله، بارك الله فيك.
المتصل: بارك الله فيك، حديث عمر بن الخطاب ، قال: «سمعت النبي بوادي العقيق يقول: أتاني الليلة آتٍ من ربي فقال: صَلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرةٌ في حجةٍ [3]، رواه البخاري، ما هي هذه البركة؟
وهل للسكنى قرب الوادي المبارك أفضليةٌ على غيره؛ كساكن المدينة؟
والسؤال الثالث: هل للإحرام صلاةٌ تخصه، وقوله : صل في هذا..، الأمر هنا هل هو للوجوب أم للاستحباب، وبارك الله فيكم؟
المذيع: بارك الله فيك، الشيخ أجاب على هذا الحديث وهذا التساؤل، لكن لو -شيخنا- تختصرون الحديث عنه والإجابة.
الشيخ: نعم، نحن أجبنا عنه بالأمس، وحلقات هذا البرنامج موجودةٌ على موقع الإذاعة، لكن باختصار أقول: إن القول الراجح: إنه ليس للإحرام ركعتان تخصه.
وأما الحديث الذي أشار إليه الأخ السائل، أن النبي قال: أتاني في هذا الوادي آتٍ، وقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرةٌ في حجةٍ، فالصلاة إنما هي لبركة الوادي، ويدل لذلك قوله: في هذا الوادي المبارك، وليس لخصوص الإحرام، لكن السنة أن يجعل المسلم إحرامه عقب صلاةٍ؛ فإن كان الوقت قريبًا من صلاة فريضةٍ جعل إحرامه بعد صلاة الفريضة، وهذا هو أكمل الأحوال؛ لأنه هدي النبي ، أما إذا كان الوقت بعيدًا عن وقت الفريضة، فيجعل إحرامه عقب صلاةٍ مشروعةٍ، فإن كان في وقت الضحى جعل إحرامه بعد ركعتي الضحى، إن كان في الليل جعل إحرامه بعد صلاة الوتر مثلًا، وهكذا.
أما أن يخصص ركعتين للإحرام، فهذا ليس عليه دليلٌ ظاهرٌ.
المذيع: سأل كذلك يا شيخ: هل يسن أو يستحب أن يُسكَن في هذا المكان؛ لكونه مباركًا؟
الشيخ: أما السكنى فلا أعلم دليلًا يدل لهذا، ولكن يقال كما جاء في الحديث، يقال: إن من صلى في هذا الوادي المبارك فقد اقتدى بالنبي ؛ لأنه قيل له: صل في هذا الوادي المبارك.
المذيع: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم، من ضمن الأسئلة التي وصلت عبر جوال البرنامج الأخ يسأل يقول: في قريتنا المصلون إذا خرجوا من صلاة العيد يذهبون مباشرةً إلى المقبرة، يتقدمهم إمام المسجد؛ للسلام والدعاء لموتاهم، يقول: أنكرنا عليهم، لكن لم يتغير شيءٌ، علمًا أنه طوال السنة لا نرى أحدًا يدخل المقبرة إلا لجنازةٍ، فما نصيحتكم وتوجيهكم؟
الشيخ: هذا العمل من البدع، تخصيص وقت العيد للذهاب والسلام على الأموات وزيارتهم، هذا من البدع الإضافية، وإن كان أصل الزيارة مشروعًا، ولكن تخصيص هذا الوقت والمداومة عليه كل عامٍ، ويذهبون بهذه الطريقة لزيارة المقبرة والسلام على الموتى بهذا الترتيب وبهذه الطريقة، ويعتقدون أن هذا سنةٌ، هذا من البدع، وقد قال النبي : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ [4]، وقال: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ [5].
والأصل في العبادات: التوقيف، فليس للإنسان أن يتعبد الله بموجب هواه ورأيه، وإنما بمقتضى الدليل من الكتاب والسنة، فمثل هذا التخصيص يحتاج إلى دليلٍ، وليس هناك دليلٌ يدل على مشروعية هذا العمل، وعلى هذا نقول للأخ الكريم: استمر في مناصحة هؤلاء، استمر واصبر على ما قد تجده من الأذى أو عدم القبول أو نحو هذا، لكنك على خيرٍ، استمر في مناصحتهم بالرفق وباللطف واللين.
المذيع: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
متصلٌ أخيرٌ معنا في هذه الحلقة، الأخ أحمد من المدينة، تفضل.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: كيف حالك يا شيخنا؟
الشيخ: بخيرٍ ونعمةٍ، حياكم الله.
المتصل: أقول يا شيخ: أنا أريد أن أذهب إلى مكة، أريد أن أطوف بالبيت، من غير عمرةٍ ولا شيءٍ، أنا من سكان المدينة المنورة؟
الشيخ: وسؤالك عن ماذا؟
المتصل: سؤالي: هل هناك إثمٌ، أو..؟
المذيع: بدون إحرامٍ، تدخل بدون إحرامٍ وتطوف فقط؟
المتصل: نعم أطوف، أتقرب إلى الله .
المذيع: طيب، تسمع الإجابة، شكرًا لك.
شيخنا، يريد أن يتقرب إلى الله بالطواف، هو من أهل المدينة، الطواف في مكة بدون إحرامٍ وبدون دخولٍ في النسك؟
الشيخ: لا بأس بهذا، لا بأس بأن يتطوع الإنسان بالطواف، لكن الذي أنصحه به -ما دام أنه سيذهب إلى البلد الحرام وإلى هذه البقعة الطاهرة- أن يأتي بعمرةٍ، والعمر قصيرٌ، عمر الإنسان قصيرٌ، والإنسان لا يدري متى يفجؤه الأجل، فما دام أنه سيضرب هذه المسافة، وهذا السفر، ويذهب إلى مكة، فلا يحرم نفسه من الخير، والعمرة عملٌ صالحٌ، والنبي يقول: العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما [6].
فالذي أنصح الأخ الكريم به: أن يجعلها عمرةً، وأن يُحرِم من الميقات ويعتمر؛ يطوف ويسعى، ويحلق أو يقصر، هذا هو الأكمل والأفضل.
لكن لو أنه ذهب إلى مكة بدون إحرامٍ وطاف طواف التطوع فلا بأس.
المذيع: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
كان هو المتصل الأخير معنا في هذه الحلقة، ومعنا آخر رسالةٍ وصلتنا عبر جوال البرنامج من السودان، الأخ محمد يقول: زكاة الفطر لم أخرجها إلى الآن، ما حكم ذلك؟
الشيخ: أولًا عليك التوبة إلى الله ؛ لكونك قد فرطت في إخراج زكاة الفطر، ومن تمام التوبة أن تبادر إلى إخراجها الآن، وتكون قضاءً، لكن لا بد من أن تخرجها الآن، من حين العلم بالحكم، فيجب عليك إذنْ أن تخرج زكاة الفطر عن نفسك، وعمن تلزمك نفقته إذا كان لم يخرجها، مع التوبة إلى الله .
المذيع: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
نشكركم -يا شيخ سعد- أن أجبتم عن أسئلة الإخوة والأخوات، شكرًا جزيلًا.
الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.
المذيع: شكرًا لكم أنتم أحبتنا الكرام، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.