بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلاةً وسلامًا على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ومرحبًا بكم -أحبتنا الكرام- إلى برنامج الفتاوى المباشر (فتاوى الحج).
ضيف حلقتنا في هذه الحلقة الثالثة من حلقات هذا البرنامج، هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء.
في بداية الحلقة نرحب بفضيلته: السلام عليكم يا شيخ سعد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
حياكم الله، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.
المذيع: حياكم الله وبياكم فضيلة الشيخ.
في بداية الحلقة وَصَلَتنا بعض الأسئلة عن طريق جوال البرنامج؛ من ضمنها: سؤال الأخ، وهو مصريٌّ مقيمٌ في الرياض، يقول: بخصوص الحج لديَّ مبلغٌ من المال، وليس بالكثير، وأنا لم أقم بفريضة الحج أنا وزوجتي حتى الآن، ولا نملك بيتًا في بلدنا في مصر، ونقوم بجمع المال لكي نشتري البيت، وأتى علينا موسم الحج، فهل يجب علينا أن نحج من المال الذي نجمعه للبيت، أم يجوز تأجيل الحج لحين الانتهاء من شراء البيت؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الحج ركنٌ من أركان الإسلام، وفريضةٌ من فرائض الدين، وقد أوجبه الله تعالى على المستطيع؛ كما قال : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97].
والمراد بالاستطاعة: كان العلماء يفسرون الاستطاعة في الزمن السابق بمِلك الزاد والراحلة.
وأما في وقتنا الحاضر فقد أصبح الحج عن طريق شركاتٍ ومؤسساتٍ متخصصةٍ في الحج.
وبناءً على هذا: من استطاع أجرة هذه الشركة أو المؤسسة، من استطاع أن يتحمل أجرة الاشتراك في هذه الشركة أو المؤسسة لأداء فريضة الحج فإنه يكون مستطيعًا للحج، ومن لم يستطع أن يتحمل هذه الأجرة لشركة الحج أو المؤسسة المناسبة لمثله فإنه يكون غير مستطيعٍ.
والظاهر من حال السائل أنه يستطيع أجرة الحج، لكنه يريد أن يدَّخر الأموال لشراء منزلٍ، وشراء المنزل ليس ضروريًّا؛ إذ إن التملك ليس ضروريًّا، فبإمكانه أن يسد حاجة السكنى بالاستئجار، فالسكنى ضروريةٌ، لكن التملك ليس ضروريًّا، فعلى هذا: يجب عليه أن يبادر هو وزوجته للحج، ولو كان هذا المبلغ قد ادُّخِر لشراء منزلٍ، ما دام أنه يستطيع استئجار المنزل بما لديه، فيكون حينئذٍ مستطيعًا للحج.
أما أن يؤخر الحج حتى يشتري له بيتًا فهذا غير صحيحٍ؛ لأن شراء البيت يحتاج إلى مبالغ كبيرةٍ، ولأن شراء البيت من الأمور الكمالية وليس من الأمور الضرورية، فيمكنه أن يسد حاجة السُكنى بالاستئجار.
ثم إن الإنسان لا يدري ما يَعرِض له، فكم من إنسانٍ أصبح صحيحًا مُعافًى، لم يخطر بباله الموت ولو بنسبة (1%)، ثم إذا به في لحظاتٍ يصاب في حادث سيارةٍ، أو بسكتةٍ قلبيةٍ، أو بغير ذلك، فينتقل في دقائق معدودةٍ من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة.
ومن هنا: فينبغي للمسلم أن يبادر لأداء هذه الفريضة وهذا الركن ما دام مستطيعًا، وألا يؤجل، وألا يؤخر؛ فإنه ربما لا يكون في العمر متسعٌ، وربما يكون الأجل قريبًا، فأنصح الأخ السائل الكريم بأن يبادر بالحج.
وأما بالنسبة لزوجته: فإن قام بتحجيجها معه فهذا من حسن العِشرة، وهو مأجورٌ على هذا إن شاء الله، لكن الأصل أنه لا يجب على الزوج أن يحجج زوجته، لا يجب ذلك عليه، وإنما يُستحب له ذلك، فإن تيسر أن يحجج معه زوجته فهذا هو الأحسن، إن لم يتيسر فيُنظر للزوجة؛ هل تستطيع أن تحج بمالها بنفسها؟ فإنه يجب عليها أن تحج، وإن لم تستطع فلا يجب، والله تعالى إنما أوجب الحج على المستطيع.
المذيع: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
نستقبل أول اتصالات هذه الحلقة من الرياض، الأخ خالد، تفضل.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل.
المتصل: جزاك الله خيرًا يا شيخنا وأخانا سعد الخثلان.
الشيخ: حياك الله.
المتصل: والمستمعين أيضًا، والعاملين بالإذاعة المباركة.
المذيع: آمين، تفضل بسؤالك يا أخي.
المتصل: عندي ثلاثة أسئلةٍ.
المذيع: تفضل.
المتصل: السؤال الأول: متى يبدأ الحاج التلبية، ومتى تنتهي؟
السؤال الثاني: بعض الناس يقرؤون القرآن، وتجده يترنح يمينًا وشمالًا، أو أمامًا أو خلفًا؟
السؤال الثالث: قوله : وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الزمر:3]، الآيات الأُوَل من سورة الزمر، ممكن مثلًا…، وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، الله قال: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:3]، يعني: الناس هؤلاء ممكن نقول… يعني؟
الشيخ: ممكن نقول ماذا؟
المتصل: ممكن نقول: إنهم يعاندون ربنا يعني؟
المذيع: أنهم معاندون في ذلك يعني.
المتصل: الأسئلة واضحةٌ؟
المذيع: واضحةٌ، وتبقى معنا حتى تسمع إجابة الشيخ.
شيخنا، سأل عن التلبية للحاج متى تبدأ ومتى تنتهي؟
الشيخ: التلبية للحاج تبدأ من حين الإهلال بالنُّسك، من حين أن يُحرِم، فيبدأ يلبي، فإذا أهلَّ بالنسك -سواءٌ كان مُفرِدًا أم قارنًا أم متمتعًا- يبدأ يقول: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”، فإذا كان مفردًا أو قارنًا، فإنه يستمر في التلبية إلى رمي جمرة العقبة.
وأما بالنسبة للمتمتع: فإن المتمتع يأتي بعمرةٍ، فيلبي من حين الإحرام بالعمرة إلى أن يحلق أو يقصر، ثم تنتهي التلبية، ثم إذا أحرم بالحج يبدأ يلبي إلى رمي جمرة العقبة.
المذيع: السؤال الثاني يقول: الاهتزاز والترنُّح عند تلاوة القرآن الكريم، ما حكمه؟
الشيخ: هذا فيه تفصيلٌ؛ فإن كان من يفعل ذلك يقصد به التعبد، فإن هذا غير مشروعٍ، بل إن هذا من البدع، إذا كان يقصد به التعبد.
أما إذا كان لا يقصد به التعبد، وإنما هي إما عادةٌ، وإما حركةٌ تساعده على الحفظ أو على التدبر، أو على التأمل، فلا بأس بهذا إن شاء الله.
المذيع: أيضًا تَحَدَّث في الآية الكريمة في بداية سورة الزمر، وقال: حال هؤلاء عندما يَدعون الأولياء، هل يُعتبر فعلهم هذا عنادًا، مع أن الله بيَّن لهم أنه ليس لهم ضرٌّ ولا نفعٌ للإنسان؟
الشيخ: نعم هذا ذكره الله تعالى عن المشركين، ذكر الله تعالى هذا عن الكفار: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:3]، هذا ذكره الله تعالى عن المشركين؛ فإن المشركين اتخذوا أولياء من دون الله ، فعبدوا الأصنام، وعبدوا الأشجار، وعبدوا الأحجار، بزعمهم: أن هذه هي أصنامٌ وأحجارٌ لأولياء ونريد أن تشفع لنا عند الله ، وأن هذه الأشياء تقربنا إلى الله زلفى، وهذا هو الشرك الأكبر الذي وقعت فيه الأمم السابقة؛ فالأمم السابقة التي كذَّبت الرسل كانت مُقِرَّةً بالربوبية، فهي تعتقد أن الله تعالى هو الخالق الرازق المدبر، المحيي المميت، لكن اتخذوا أصنامًا واتخذوا أولياء من دون الله ، يقولون: نريد أن تكون واسطةً بيننا وبين الله، تقربنا إلى الله زلفى، تشفع لنا عند الله تعالى، فهذا هو أصل شرك هؤلاء المشركين، وأرسل الله تعالى الرسل، وأنزل الكتب، وبيَّنت الرسل أن هذا هو الشرك الأكبر، أن من فعل هذا فإن الله لا يقبل منه صرفًا ولا عدلًا: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ [المائدة:72].
فهذا هو الشرك الذي كان موجودًا لدى الأمم السابقة، والذي الآن هو موجودٌ، وهو موجودٌ -مع الأسف!- في بعض البلاد الإسلامية، فنجد من يذهب للقبور، ويطوفون بالقبور، ويسألون أصحابها المدد، يسألون أصحاب القبور قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، ويدعونهم من دون الله ، ويقولون هذه قبورٌ لأولياء نريد أن تقربنا إلى الله زلفى، نريد أن يشفع لنا هؤلاء الأولياء عند الله .
فما الفرق بين هؤلاء وبين شرك المشركين الأولين؟! الواقع أنه لا فرق بينهم، وهذا يقتضي الحذر من المسلم، وأيضًا بذل النصيحة لهؤلاء؛ لأن كثيرًا منهم من الجُهَّال، فهو يريد أن يتقرب إلى الله ، لكنه يسلك هذا المسلك وهذه الطريقة التي توقعه في الشرك الأكبر، والذي هو أعظم الذنوب، إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48]، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48]، فيجب على المسلم أن يُخلِص دينه لله ؛ ولهذا قال سبحانه في أول الآية: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، فهؤلاء لم يخلصوا الدين لله .
المطلوب من المسلم أن يخلص الدين لله تعالى، وأن يحرص على تحقيق التوحيد؛ فالتوحيد شأنه عظيمٌ جدًّا، ومن مات موحدًا فإن معتقد أهل السنة والجماعة أنه لا يخلد في النار، وأنه حتى وإن كان قد ارتكب معاصي، أو ارتكب كبائر وموبقاتٍ، فهو تحت مشيئة الله ، إن شاء الله عذبه، وإن شاء عفا عنه، لكنه إذا عُذب في النار لا يخلد في النار، بل يخرج منها برحمة أرحم الراحمين، وهذا يدل على فضل التوحيد، ويدل أيضًا على خطر الشرك، وعلى أن المسلم عليه أن يسعى جاهدًا في تحقيق التوحيد، وإخلاص الدين لله ، والبعد عن الشرك.
المذيع: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
نستقبل اتصالًا من الدمام، الأخ عبدالله، تفضل، تفضل يا عبدالله.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل بسؤالك.
المتصل: السؤال الآن: الأضحية، عندنا مثلًا في الأضحى استراحةٌ، نذبح الأضحية، ويجتمع عليها الأقارب، و..، هل هذا فيه شيءٌ؟
السؤال الثاني: بالنسبة للأذكار، عندما أرجع من صلاة الفجر أو شيء، معي أناس نائمون في الغرفة، ما أريد أن أرفع صوتي، فأحرك فقط اللسان في ذكر الأذكار، هل لا بد ترفع صوتك أو تسمع نفسك؟
الشيء الثالث: بالنسبة لفوات السنن الرواتب، مثلًا في المكتب، أعمالٌ مثلًا عندك، ما فرغت إلا مثلًا بعد إقامة الصلاة وذهبت، هل تقضي السنن الرواتب، أو فاتتك السنن الرواتب؟
الشيء الأخير: إنسانٌ لا يستطيع الحج؛ من أجل الأطفال، لا يجد أحدًا يؤويهم، ما العمل؟
المذيع: طيب، تسمع إجابة الشيخ.
شيخنا السؤال الأول: الأخ يقول: الأضحية، من عادة بعض العوائل أنهم يجتمعون في عيد الأضحى في استراحاتٍ، أو في مخيماتٍ، ثم يذبحون الأضحية، وتؤكل كلها في نفس المكان، يعني ما يوزَّع منها شيءٌ، هل يجوز ذلك؟
الشيخ: الأضحية أولًا هي سنةٌ مؤكدةٌ، وليست واجبةً؛ وإنما هي سنةٌ مؤكدةٌ عند أكثر أهل العلم، والأمر فيها واسعٌ، الأفضل أن يأكل منها، وأن يتصدق؛ لأن الأضحية هي كالهدي، والله تعالى قال: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28]، فالأفضل أن يأكل منها وأن يتصدق، وبعض أهل العلم يقول أيضًا: إنه ينبغي أن يُهدِي منها لأرحامه وأقاربه وجيرانه، فهذا هو الأفضل، ولكن مع ذلك لو أكلها كلها فلا حرج عليه، لو أنه أتى بهذه الأضحية -كما ذكر- في استراحةٍ، وطُبخت وقدمت لمن معه في هذه الاستراحة فلا حرج في هذا، والأمر في هذا واسعٌ والحمد لله.
المذيع: الحمد لله، السؤال الثاني يقول: بالنسبة للأذكار، يتعود هو في أذكاره أن يرفع صوته بها، فيقول مثلًا أذكار الصباح عندما يعود من المسجد من صلاة الفجر، فيكون لديه في الغرفة من هو نائمٌ، فيخشى أن يوقظهم برفع صوته، ويقول: هل يجوز أن أذكُر الأذكار بدون صوتٍ؛ حتى لا أزعجهم؟
الشيخ: نعم، بل هذا هو المطلوب منه، ألا يرفع صوته؛ لأنه إذا رفع صوته تسبب في أذية غيره، وأذية المؤمنين محرمةٌ، والله تعالى يقول: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58]، ويكتفي بأن يأتي بالأذكار سرًّا.
والضابط في هذا هو أن يتلفظ بلسانه، أن يحرك لسانه بالذكر، فإن هذا يكفي، وليس بلازمٍ أن يرفع الصوت، أو أن يُسمع نفسه، بل هذا حتى في الصلاة، مثلًا في الصلاة السرية إذا أراد أن يصلي الظهر، أو أراد أن يقرأ الفاتحة، فالمطلوب أن يحرك لسانه، ولا يجب أن يُسمع نفسه، في أظهر أقوال أهل العلم، وهكذا أيضًا بالنسبة لسائر الأذكار، المطلوب تحريك اللسان، والقدر الواجب هو تحريك اللسان.
وأما رفع الصوت فليس بواجبٍ، وإذا كان حوله من يتأذى برفع الصوت فإنه لا يرفع صوته، والنبي لما رأى بعض أصحابه يرفعون أصواتهم، قال: كلكم مناجٍ ربه؛ فلا يؤذين بعضكم بعضًا، ولا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءة [1]، فالإنسان عندما يذكر الله ، هو يذكر الله تعالى، وإذا دعا الله تعالى يناجي ربه فيما بينه وبين ربه سبحانه، فلا يؤذي غيره برفع الصوت.
المذيع: يسأل عن قضاء السنن الرواتب، هل يُشرع؟
الشيخ: قضاء السنن الرواتب مشروعٌ في أظهر أقوال أهل العلم؛ لعموم قول النبي : من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها [2]، فكما أنه يُشرع قضاء الفرائض، فكذلك أيضًا يشرع قضاء السنن الرواتب.
المذيع: أحسن الله إليك وبارك في علمك.
سأل أيضًا يقول: من يريد أن يحج ولكن لا يستطيع؛ لأن لديه أطفالًا صغارًا لا يجد من يؤويهم في فترة الحج؟
الشيخ: الله تعالى إنما أوجب الحج على المستطيع، وإذا كان هو مستطيعًا لأجرة الحج؛ أجرة الحملة أو الشركة أو المؤسسة المناسبة لمثله، فإنه يجب عليه الحج، وأما الاعتذار بالأطفال فليس عذرًا مقنعًا؛ إذ إن الأطفال يمكن أن يُبقي عندهم من يُراعيهم في فترة الحج، أو يجعلهم عند أقارب له، أو نحو ذلك، فقد يتألم هؤلاء الأطفال ببعد والدهم عنهم قليلًا، لكن هذا التألم لا بد منه، وخاصةً أن الحج في وقتنا الحاضر أصبح ميسورًا، وأصبح الإنسان لا ينقطع كثيرًا عن أسرته في الحج، يعني خمسة أيامٍ أو ستة أيامٍ إذا كان الحاج من الداخل، فالمدة غير طويلةٍ، وقد كان الناس في الزمن السابق يضربون الأرض طلبًا للرزق، ويَبقون مددًا طويلةً، يبقون سنين طويلةً إلى أربع سنين أو أكثر لأجل طلب الرزق، وبعضهم لأجل طلب العلم، وينقطعون عن أطفالهم، وينقطعون عن أزواجهم، وينقطعون عن أسرهم، فلم يكن هذا مانعًا للناس من قديم الزمان، كيف يمتنع الإنسان عن ركنٍ من أركان الإسلام، وفريضةٍ من فرائض الدين لأجل مثل هذا، هذا الذي ذكره الأخ الكريم غير مقنعٍ، ليس مقنعًا، فبإمكانه أن يجعل عند أولاده من يقوم عليهم، أو أن يجعل أولاده عند من يقوم عليهم في هذه الأيام القليلة.
المذيع: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
من الرياض نستقبل اتصالًا من الأخ وسام، تفضل.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: يعطيك العافية.
المذيع: وإياك.
المتصل: لو سمحت عندي فقط سؤالان أو ثلاثةٌ.
المذيع: تفضل.
المتصل: أول سؤالٍ: إذا كنت أريد أن أحمل جماعةً إلى مكة بسيارتي، لا بد أن أُحرِم وأعمل عمرةً أو لا يشترط؟
المذيع: توصلهم وترجع، يعني أنت لن تدخل الحرم؟
المتصل: نعم، ما أدخل الحرم، لكن ربما أظل معهم يومًا مثلًا وأرجع، يعني أنا ما عندي نيةٌ للعمرة.
السؤال الثاني: عندي زوجتي هنا صار لها معي تقريبًا أربع سنواتٍ زيارةً، ولا أنا ولا هي قد حجينا، فهل هي ملزمةٌ بالحج، والقانون هنا بالدولة أن الزيارات ليس لهم حجٌّ؟
السؤال الثالث والأخير: لو أن أحدًا مثلًا يرى حملاتٍ خيريةً، يعملون حملاتٍ خيريةً -الله يجزيهم خيرًا- من أجل الحج، وكان ضمن الشرط مثلًا أن الراتب لنفترض: ثلاثة آلافٍ وخمسمئةٍ مثلًا، أنا راتبي مثلًا كتبت له ووضحت له بالطلب: أن راتبي الأساسي: ثلاثة آلافٍ، ومع البدلات: خمسة آلافٍ، لكن أنا ما وضحت له أنه خمسة آلافٍ، أنا فقط كتبت له ضمن الشروط: أن راتبي الأساسي: ثلاثة آلافٍ، فهل أنا أكون قد كذبت عليه، هو الشخص مثلًا يريد أن يؤدي طاعةً لوجه الله، فلا يكذب، عرفت كيف؟ هذا السؤال.
المذيع: صحيح، تستمر معنا حتى تسمع إجابة الشيخ.
الأخ وسام سأل: أنه يوصل جماعةً إلى مكة ويعود، ربما يمكث معهم يومًا أو أقل، ويقول: ليس لي نيةٌ للعمرة، هل يجوز لي أن أدخل الحرم بدون أن أُحرم؟
الشيخ: نعم يجوز لك أن تدخل مكة بدون إحرام، فلا يلزم الإحرام إلا لمن كان مريدًا للنسك من حجٍ أو عمرةٍ؛ لقول النبي لما ذكر المواقيت: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة [3]، وقوله: ممن أراد الحج أو العمرة، يدل على أن من لم يرد الحج أو العمرة فإنه لا يجب عليه أن يُحرِم.
ولكن مع ذلك ننصح الأخ الكريم -ما دام أنه يتردد على مكة- أن يعتمر؛ فإن العمرة عملٌ صالحٌ، والعمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما، وعُمْر الإنسان قصيرٌ، الإنسان لا يدري متى يفجؤه الموت، عليه -ما دام قد وصل إلى تلك الأماكن المقدسة- أن يتزود بزاد التقوى، وأن يحرص على أن يأتي بالعمرة ولو مرةً واحدةً، ثم بعد ذلك إذا تكرر مجيئه يدخل مكة بغير إحرامٍ.
المذيع: يسأل كذلك عن زوجته هي موجودةٌ هنا بتأشيرة زيارةٍ للبلد من حوالي أربع سنواتٍ، يسأل: هل لها أن تحج، مع أن النظام -كما يذكر- هو -لا أدري عن نص النظام- أن من أتى بتأشيرة زيارةٍ لا يجوز له أن يحج إلا بتأشيرة حجٍّ؟
الشيخ: إذا كانت زوجته تستطيع الحج فيجب عليها أن تبادر للحج، وأما النواحي النظامية الإجرائية فلا بد من التقيد بها، وبإمكانه أن يذهب للجهة المختصة، وأن يبين لهم الواقع، وهم سيدلونه ماذا يعمل لكي تحج زوجته، ما دام أنها قد بقيت هذه المدة الطويلة، أربع سنواتٍ، واستطاع، مع أن مدة الزيارة لا تطول إلى هذه المدة، فإذا كان قد استطاع أن يمدد من الزيارة لهذه السنوات، فأيضًا يمكنه أن يستطيع ويذهب للمسؤولين في الجهات المختصة، ويسأل عن الأمور النظامية التي تجعله يمكِّن زوجته من الحج من غير أن يقع في مخالفةٍ نظاميةٍ.
المذيع: يسأل عن الجهات والمؤسسات الخيرية التي تَشترط أن يكون من يُحَجِّج عن طريقهم لا يتجاوز راتبه ثلاثة آلافٍ، فهو يقول: إن راتبي ثلاثة آلافٍ في الأساس، فكتبت ذلك، لكن البدلات تصل إلى حوالي خمسة آلافٍ، هل يعتبر هذا كذبًا؟
الشيخ: نعم، هذا يعتبر كذبًا؛ لأن المقصود الدخل الشهري الذي يدخل على الإنسان، فلا بد أن تكون واضحًا معهم، فإما أن تبين لهم مقدار الدخل بالراتب الأساسي مع البدلات، أو أن تكتب الأمرين بالتفاصيل، فتقول: راتبي الأساسي كذا، والبدلات كذا، فيكون المجموع كذا، المهم أنه لا بد من الوضوح، ولا بد من الصدق، خاصةً أن الإنسان ذاهبٌ إلى عبادةٍ وإلى طاعةٍ، ويرجو ما عند الله من الأجر والثواب، فينبغي أن يكون صادقًا، وأن يكون واضحًا.
المذيع: هنا سؤالٌ من أحد الإخوة يقول: قول: ما شاء الله، تبارك الله، هل يجوز، أو أن الأفضل -كما سمعت- أن يقال: ما شاء الله، بارك الله، ولا يجوز قول: تبارك الله؟
الشيخ: إذا كان الأخ السائل يقصد: أن الإنسان إذا أعجبه شيءٌ.
المذيع: أظن ذلك.
الشيخ: نعم، إذا أعجب الإنسانَ شيءٌ فالله تعالى ذكر في سورة الكهف: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [الكهف:39]، فهذا هو المشروع، أن يقول الإنسان: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، كما ورد في الآية الكريمة، وإذا قال: ما شاء الله تبارك الله، أو ما شاء الله بارك الله، فلا بأس، فالأمر في هذا واسعٌ، فإذا قال: تبارك الله، فلا بأس، والله تعالى ذكر أنه هو الذي يتبارك تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1]، تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان:1]، فأنت تمجد الله بهذا، تقول: ما شاء الله، يعني: ما شاء الله كان وحصل، فلا راد لمشيئته، وتبارك الله تعالى، تبارك الله ، فالأمر في هذا واسعٌ، سواءٌ قلت: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، أو قلت: ما شاء الله تبارك الله، أو: ما شاء الله بارك الله، الأمر فيه سعةٌ والحمد لله.
المتصل: الحمد لله، أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
نستقبل اتصالًا أخيرًا في هذه الحلقة، من جدة الأخ باخت الجدعاني، تفضل.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: فتح الله عليكم، وجزاكم الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء.
المذيع: وإياك، الله يجزاك خيرًا، تفضل.
المتصل: هناك بعض الناس… يا شيخ، بعض العلماء يقولون: ليس للإحرام ركعتان تَخُصَّانه، إنما تكون بنية الوضوء، أو تكون بعد فريضةٍ..، حديث: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل عمرة في حج، فأُمر النبي هنا بالصلاة، ويكون الإحرام بعد هاتين الركعتين.
المذيع: شيخ سعد، لعلك تجيب بحكم أنه المتصل الأخير.
الشيخ: نعم، يعني أُمر النبي بالصلاة في وادي العقيق، قال: أتاني الليلة آتٍ من ربي فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل: عمرةٌ وحجةٌ، أو قل: عمرةٌ في حجةٍ [4].
لكن الصلاة هنا هل هي لأجل الإحرام، أم لأجل بركة المكان؟ الظاهر هو الثاني؛ لأنه قال: في هذا الوادي المبارك، فهو أمره بالصلاة لأجل أن هذه البقعة مباركةٌ؛ ولذلك لم يُنقل عن النبي أنه صلى في عُمَرِه، فإنه اعتمر بعد الهجرة أربع عُمَرٍ، ولم يُنقل عنه أنه كان يصلي عليه الصلاة والسلام.
وعلى هذا فالقول الراجح: أنه ليس للإحرام ركعتان تخصانه، لكن الأفضل والسنة أن يأتي بالإحرام عقب صلاةٍ، إن كان وقت صلاة الفريضة قريبًا انتظر حتى يصلي الفريضة، ثم أحرم بعدها، هذا هو الأكمل والأفضل، وهو فعل النبي ، وإن كان وقت الفريضة ليس قريبًا، فإنه يأتي بصلاةٍ من الصلوات المشروعة، فإن كان مثلًا في وقت الضحى أتى بركعتي الضحى ثم أحرم، وإن كان مثلًا في الليل أوتر ثم أحرم، وهكذا، فيأتي بصلاةٍ مشروعةٍ.
أما أن يأتي بركعتين تخص الإحرام، فالقول الراجح أنه ليس للإحرام ركعتان تخصانه، وهذا هو اختيار جمعٍ من المحققين من أهل العلم؛ كأبي العباس ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من المحققين؛ لأنه ليس هناك دليلٌ ظاهرٌ يدل على أن للإحرام ركعتين تخصانه.
المذيع: نعم، أحسن الله إليكم، تفضل يا باخت.
المتصل: أنا عندي -والحمد لله- غنمٌ، نسأل الله أن يبارك فيها، والآن يوجد أضاحي، وحجزوا من الناس أضاحيهم، سليمةً سمينةً ما فيها شيءٌ، لكن الإشكال لو حصل فيها عيبٌ الآن، أو ماتت قبل الأضحية، فهل يلزمه أن يشتري غيرها، أم تكون هذه كافيةً له؟ كما في حديث الذئب الذي عدا فأكل ألية إحدى الشياه، فأمر النبي أن يُضحَّي بها [5]، هل هي خاصةٌ بهذا الرجل، أم عامةٌ للأمة، بارك الله فيكم؟
الشيخ: بالنسبة للحديث الذي أشرت إليه يحتاج إلى تأملٍ وتأكدٍ من صحته أولًا، لكن الفقهاء يقولون: إن الأضحية تتعين إذا عيَّنها، إذا عيَّنها بالقول أو بالفعل فإنها تتعين، ويجب عليه أن يضحي بها، فإن تعيبت، إن كان ذلك بتفريطٍ منه أو بتعدٍّ منه فيجب عليه أن يبدلها بمثلها.
آخر سؤال إذا كان هناك سؤالٌ أخير.
المتصل: في حديث النبي عليه الصلاة والسلام عن الله : لا تَعجِز عن أربع ركعاتٍ في أول النهار أَكْفِك آخره [6]، هذا -يا معالي الشيخ- في صلاة الفجر والرغيبة، أم أنها في صلاة الضحى؟ فإذا كان في صلاة الضحى وصفها النبي بأنها أول النهار، وصلاة الأوابين حين تَرْمَض الفِصَال، الله يبارك فيك، أزل عني هذا الإشكال، الله يحفظكم ويبارك في علمكم؟
الشيخ: أولًا: الحديث في سنده مقالٌ، فمن أهل العلم من يضعف هذا الحديث، وعلى القول بتضعيفه لا نحتاج للإجابة عنه.
ولكن على تقدير ثبوته: فالعلماء قد اختلفوا في المراد بهذه الأربع الركعات؛ فمنهم من قال: إن المراد بها ركعتا الفجر مع صلاة الفجر، تكون أربع ركعاتٍ، ومنهم من قال: إنها صلاة الضحى، ويصليها أربعًا.
والأول هو الأقرب على تقدير ثبوت الحديث، على تقدير ثبوت الحديث، الأول هو الأقرب.
المذيع: شكرًا جزيلًا للأخ باخت، وشكرًا للمستمعين والمتصلين جميعًا، ونشكركم فضيلة الشيخ: سعد بن تركي الخثلان، أن أجبتم عن أسئلة الإخوة والأخوات.
الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.
المذيع: شكرًا لكم أنتم أحبتنا الكرام، نستودعكم الله على أمل اللقاء بكم غدًا بإذن الله في تمام الساعة الخامسة عصرًا.
والسلام عليكم ورحمة وبركاته.
الحاشية السفلية