بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلاةً وسلامًا على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ومرحبًا بكم -مستمعينا الأعزاء- إلى حلقةٍ جديدةٍ من برنامج الفتاوى المباشر (فتاوى رمضان).
ضيف حلقتنا هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية.
في مطلع هذه الحلقة نرحب بفضيلته: السلام عليكم يا شيخ سعد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وحياكم الله، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: حياكم الله شيخنا الفاضل، وحيَّا الله المستمعين الكرام.
أول الأسئلة التي وصلتنا من الأخت أم عبدالله من ألمانيا، تقول: أنا مسافرة من المملكة إلى ألمانيا، مرافقة لابنتي المريضة، وأجد مشقة في الصيام هناك؛ لطول مدة الصيام، وسؤالي: هل أفطر بما أني مسافرة، وأقضي فيما بعد أم لا؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فبالنسبة للأخت الكريمة: إذا كانت لا تدري متى ترجع، إذا كانت في مهمة علاجية، ولم تحدد زمن إقامتها، بل تنتظر متى تنتهي هذه المهمة العلاجية ثم تعود؛ فإنها تترخص برخص السفر؛ فإن المسافر إذا أقام وله مهمة أو حاجة لا يدري متى تنقضي، بل يقول: اليوم أرجع، غدًا أرجع، فله أن يترخص برخص السفر، وإن بقي مدة طويلة، وقد نقل إجماع العلماء على ذلك ابن المنذر وغيره.
أما إذا كانت حددت زمن إقامتها مثلًا بأربعة أشهر، فهنا لا تترخص برخص السفر؛ المسافر إذا حدد زمن إقامته، فإن كانت مدة الإقامة قصيرة، فإنه يترخص برخص السفر على خلاف بين العلماء في تحديد القصر لهذه المدة.
أما إذا كانت المدة طويلة، كأن تكون مثلًا ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر، فيكون حكمه حكم المقيم، ولا يترخص برخص السفر؛ فإذا كانت كذلك، فليس لها أن تفطر، وعليها أن تصبر وتتحمل وتحتسب الأجر عند الله ، إلا إذا كانت مريضة، فإنها تفطر لمرضها، أما إذا لم تكن مريضة، ولم يصدق عليها وصف السفر، فعليها أن تصبر وتحتسب الأجر عند الله ، وجسم الإنسان له قدرة على تحمل الجوع والعطش، والأطباء يقولون: بإمكان الإنسان أن يتحمل الجوع لأكثر من ثلاثة أيام، ويتحمل العطش لمدة فوق هذا، ولكن قد يجد ألمًا بسبب ذلك، فعليه أن يصبر.
ومن حِكَم مشروعية الصيام: تدريب النفس على الصبر، فإذَنْ، حال الأخت الكريمة يكون بهذا التفصيل، وهي لم تفصل لنا واقعها، فإذا كانت من الحالة الأولى فإنها تفطر، وإذا كانت من الحالة الثانية فإنها لا تفطر.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
أول اتصالات هذه الحلقة من (جازَانَ) الأخ أبو عبدالله، تفضل.
السائل: يا شيخ بعض الأئمة يقَصِّرون صلاة الفجر، حتى إن إمامنا يقرأ آية واحدة في الركعة الثانية من صلاة الفجر، يعني قبل يومين قرأ آخر آية من سورة آل عمران، ما هو التوجيه، أحسن الله إليك؟
الشيخ: آية واحدة في صلاة الفجر؟
السائل: آية واحدة في الركعة الثانية، حتى إنك تركض لتدرك الركعة، يعني: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا [آل عمران:200]، قرأها.
السؤال الآخر: المرأة إذا كانت عادتها سبعة أيام، ثم حصل معها طول في العادة، يعني أصبحت عادة خمسة عشر يومًا، فماذا تفعل؟
المقدم: شيخنا توجيهكم لمن يقرؤون قراءة قصيرة في صلاة الفجر من الأئمة خصوصًا في رمضان بدعوى التخفيف على المصلين كونهم أتوا من سحور، وسيستقبلون نومًا بعد صلاة الفجر؟
الشيخ: الإمام مؤتمن، إذا صلَّى بالناس فعليه أن يطبق السُّنة، أما إذا صلى لنفسه، فإنه يصلي ما شاء، لكن إذا صلى بالناس، فإن ذلك لا يخضع لمزاجه الشخصي، فكونه في صلاة الفجر التي يشرع تطويل القراءة فيها، وسماها الله تعالى بقرآن الفجر، قال: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]، وقرآن الفجر: هو صلاة الفجر، سميت قرآنًا؛ لأنه يشرع تطويل القراءة فيها، والنبي كان يقرأ فيها ما بين الستين إلى المائة، وكان يقرأ من طوال المفصل، فكيف يكتفي بقراءة آية واحدة في صلاة الفجر؟!
هذا لا شك أنه إخلال بالأمانة، وأن هذا الإمام غير مؤهل لإمامة هذا المسجد، لكن مع ذلك، ينبغي أن يناصح؛ فالدين النصيحة، ينبغي أن يناصح هذا الإمام، والغالب على أئمة المساجد حرصهم على الخير، وعلى السُّنة، فينبغي مناصحته، وربما أيضًا يكون له عذر، ربما يكون مريضًا، أو نحو ذلك، أو عرض له عارض في الصلاة، فلا ندري عن واقعه، لكنه إذا لم يكن هناك شيء من الأعذار، فيعتبر هذا قصور، وينبغي أن يقرأ من طوال المُفَصَّل في صلاة الفجر، وأن يعتني بصلاة الفريضة أكثر من عنايته بالنافلة؛ فإن الفرائض أحب إلى الله تعالى من النوافل؛ فالله تعالى يقول في الحديث القدسي: .. وما تَقَرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه [1].
وينبغي أن تَشِيع النصيحة بأدبها بين المسلمين، فالأخ السائل الكريم كان ينبغي -قبل أن يتصل ويسأل ويطرح مثل هذا السؤال- أن يتكلم مع الإمام، وأن يبذل له النصيحة، ويتحدث معه في ذلك، والنبي يقول: الدين النصيحة [2].
يعني فانظر إلى عظم شأن النصيحة، كأن الدين كله النصيحة الدين النصيحة، هذا من باب التنويه بشأنها؛ فأقول للأخ السائل الكريم: عليك أن تناصح هذا الإمام، وأن تبين له ما ذكرنا.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
البعض من الأئمة ربما يطيل في الركعة الأولى، يعني يقرأ عشرات الآيات، لكن الركعة الثانية ربما يقتصر على آية أو آيتين أو ثلاث.
الشيخ: هذا خلاف السُّنة، كونه يقتصر على آية واحدة في الصلاة، وإن كانت الصلاة صحيحة، يعني نحن نطمئن الأخ السائل الكريم بأن الصلاة صحيحة، لكن هذا خلاف السُّنة، ولا يقتصر على آية واحدة، خاصة في صلاة الفجر، صلاة الفجر لا يُقتصَر فيها على آية واحدة؛ لأنه يشرع تطويل القراءة فيها، وسماها الله قرآن الفجر، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يطيل القراءة فيها، والسُّنة أن يقرأ فيها من طوال المُفَصَّل، فلا تُقَصَّر القراءة لا في الركعة الأولى، ولا في الركعة الثانية.
المقدم: سؤاله الثاني يقول: المرأة إذا كانت عادتها وعذرها الشرعي سبعة أيام، واستمر الآن إلى خمسة عشر يومًا، الزيادة هذه الثمانية أيام ماذا تعد للمرأة؟
الشيخ: إذا كانت هذه الزيادة دمًا، فيمكن للحيض أن يستمر إلى خمسة عشر يومًا، ولكن لو قدر أنه زاد على خمسة عشر يومًا، فإنه ليس بدم حيض، وإنما دم فساد، تغتسل معه المرأة، وتصوم وتصلي، لكن ما دام أن الدم المستمر معها هو دم، وليس مجرد إفرازات، فيمكن لدم الحيض أن يصل إلى خمسة عشر يومًا.
المقدم: سؤال إحدى الأخوات قريب من هذا الموضوع، تقول: هل الكُدْرَة والصُّفْرَة من العذر الشرعي، وهل تتوقف المرأة عن الصيام والصلاة أم لا؟
الشيخ: الكدرة والصفرة وما يسميها بعض الناس اليوم بالإفرازات، هذه لها أحوال:
فإن كانت في أثناء الحيض فتأخذ حكم الحيض، بأن تأتي مثلًا في اليوم الثاني، ما بين اليوم الثاني والثالث، يخرج معها صفرة، أو يكون الدم متقطعًا يتخلله صفرة، أو كدرة، فهذه تأخذ حكم الحيض.
- والحالة الثانية: أن تكون هذه الإفرازات متصلة بالحيض، قبله أو بعده، وتأخذ أيضًا حكم الحيض؛ لأنها إذا كانت قبله فهي مقدمة للحيض، وإذا كانت بعده فهي خاتمة للحيض، فتأخذان حكمه.
- الحالة الثالثة: أن تكون الإفرازات بعد الطهر، فلا تعد شيئًا؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: “كنا لا نعد الصفرة ولا الكدرة بعد الطهر شيئًا” [3].
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
من (بُرَيْدَةَ) الأخ إبراهيم.
السائل: عندي سؤال: أنا سائق عائلة، فأحيانًا مع وقت الصلاة أو أذان الصلاة، أو قرب إقامة الصلاة، يقولون لي: اركب السيارة نذهب (مشوارًا)، وأحيانًا قبل ما نصل المكان يخرج وقت الصلاة.
المقدم: ما تستطيع أن تتوقف للصلاة؟
السائل: لا، ما أستطيع أحيانًا في الرياض.
الشيخ: طيب، والعائلة، ما يمكن أن تقنعهم بأن (المشوار) بعد الصلاة؟
السائل: والله أحيانًا أقول لهم: بعد الصلاة، يقولون لي: لا، قريب، فأقول: يمكن ندرك، فأركب السيارة، وبعدما أركب يغيرون رأيهم، يقولون: لا، اذهب إلى الطريق الفلاني.
الشيخ: وعليك ضرر لو امتنعت، يلحقك ضرر؟
السائل: أحيانًا، لو رفضت مع المرأة، المرأة تتقبل، أما الرجال إذا رفضت يصيح عليك، ويسمعك كلامًا سيئًا.
سؤال آخر: أنا والدي عنده ديون، فكان محزونًا بسبب الديون، فقلت: أنا أتحملها، فأنا تحملت الديون عنه، فهل أستطيع أن أسأل الناس صدقة لأسدد الديون؟
الشيخ: الوالد حي موجود؟
السائل: نعم حي وموجود، وأموره صعبة، وهو غير موجود في السعودية، أنا مقيم فقط.
الشيخ: ولا يستطيع الوالد أن يسدد الديون التي عليه؟
السائل: نعم، هو لا يستطيع، ومهموم، وصار عنده هم ومرض بسبب الديون، فقلت له: خلاص أنا أتحمل الديون عنك.
المقدم: جزاك الله خيرًا، ورزقك الله بِرَّه، تسمع الإجابة إن شاء الله.
الأخ إبراهيم سؤالين:
السؤال الأول: يقول: هو سائق لعائلة، وبعض (المشاوير) تكون في وقت الصلاة، ويحاول هو قدر الإمكان أن يؤخر أو يقدم (المشوار)، لكن بعض المرات يجبرونه على ذلك، وتفوته صلاة الجماعة؟
الشيخ: عليه أن يتقيَ الله تعالى ما استطاع، إذا طلبوا منه (المشوار) وقت الصلاة يُبيِّن لهم أنه وقت صلاة، وأنه سيقضي حاجتهم بعد انقضاء الصلاة، فإن كان يخشى ضررًا من ذلك، بأن يُنهَى عقدُه مثلًا، ويتضرر بإنهاء العقد ونحو ذلك، فهو معذور في هذا، معذور بترك الجماعة، لكنه ليس معذورًا بترك الصلاة، يجب عليه أن يصلي الصلاة في وقتها، فإذا انقضى (المشوار) صلى الصلاة إن تيسر أن يصلي معه أحد، أو يجد جماعة فهذا هو الأكمل، وإن لم يتيسر فإنه معذور بترك الجماعة في هذه الحال إن شاء الله.
وقد ذكر الفقهاء أعذارًا لترك الجماعة أقل مما ذكره الأخ السائل.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
سؤاله الثاني: أنَّ والده مَدِينٌ، واهتم لذلك كثيرًا، وربما مرض لذلك، فتحمل عنه هذا الدين، يقول: الآن هل أستطيع أن آخذ الصدقة والزكاة لسداد دينه؟
الشيخ: أولًا: نشكر الأخ الكريم على بره بوالده، فإن هذا العمل الذي قام به من أعظم البرِّ بوالده، وهو قد وصف والده بأنه مهموم، وأنه ربما مرض بسبب تلك الديون التي لحقته، فكونه يقوم ويتحمل بسداد الديون عن والده هذا عمل طيب، وهذا نُبْلٌ منه وبِرٌّ بوالده، فأسأل الله تعالى أن يأجره، وأن يثيبه على ذلك، وعليه أن يسعى في سداد الدين، وإذا لم يتيسر إلا بسؤال الزكاة أو الصدقة فلا بأس؛ لأن والده مستحق للزكاة، فهو أحد الأصناف الثمانية، يعتبر غارمًا، والغارمون من أصناف الزكاة، فيمكن أن يطلب الزكاة لتسديد الدين عن والده.
المقدم: ألا يعتبر هو صاحب الدَّين الآن؟ بما أنه تحمل عن والده؟
الشيخ: المطالب الأصلي بالدين هو والده، لكن حتى لو افترضنا -باعتبار الكفالة أو الضمان- أنه أصبح هو المطالب، فله أيضًا أن يأخذ من الزكاة؛ لأنه ما دام أن واقعه هو ما ذكر، فله أن يأخذ من الزكاة لسداد هذه الديون.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
من تبوك الأخ أحمد.
السائل: عندي سؤال عن زكاة تقسيط السيارات، أنا العام زكيت، وفي هذه السنة زاد رأس المال مائة ألفٍ زيادةً، أزكي الألف، أو أزكي المال كاملًا؟
الشيخ: عندك سيولة نقدية أو عندك محل؟
السائل: لا، تقسيط، ما عندي سيولة نقدية.
الشيخ: يعني تبيع بالتقسيط؟
السائل: نعم بالتقسيط أبيع.
الشيخ: تبيع بالتقسيط سيارات؟
السائل: نعم.
الشيخ: طيب، وكيف طريقة الزكاة، كيف تزكي؟
السائل: أنا أزكي المبلغ كاملًا، يعني العام وقبل العام زكيت حق سنتين.
الشيخ: تزكيها مع أرباحها لجميع السنوات أو ماذا؟
السائل: لا، الأرباح، أنا أجمع رأس المال كاملًا أزكيه.
الشيخ: طيب، نبين لك الطريقة، طريقة زكاة الأقساط، بإذن الله.
المقدم: طيب تسمع الإجابة، شكرًا جزيلًا.
يسأل عن زكاة التقسيط، لديه تقسيط سيارات، ويقول: زاد في رأس مالي الآن مائة ألف؟
الشيخ: زكاة الديون المقسطة أعدل الأقوال فيها وأرجحها: هو القول الذي أقره المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، وأيضًا هيئة المعايير الشرعية من هيئة المراجعة والمحاسبة، والمؤسسات المالية وغيرها من الهيئات العلمية، وهذا القول هو: أن الديون المقسطة يَزَكَّى رأس مالها مع ربح السنة الحالية، دون أرباح بقية السنوات، ومعنى ذلك أن الربح يزكَّى كل سنة، ربح كل سنة يزكى، ويزكى رأس المال، أو ما تبقى من رأس المال>
وأضرب لهذا مثالًا: رجل باع سيارة بالتقسيط، رأس مالها خمسون ألف ريال، ومقسطة لأربع سنوات، وربح كل سنة خمسة آلاف، فمعنى ذلك أن هذه السيارة بالتقسيط سبعون ألفًا، في السنة الأولى يزكي رأس المال، وهو خمسون ألفًا مع ربح السنة الأولى، وهو خمسة آلاف، أي أنه يزكي خمسة وخمسين ألف ريال، في السنة الثانية يزكي خمسة آلاف -التي هي الربح- مع ما تبقى من رأس المال، ورأس المال هنا سينقص، رأس المال سيبدأ بالنقصان والتآكل، فرأس المال هنا لن يبقى خمسين ألفًا؛ وإنما سينقص، وفي السنة الثالثة يزكي خمسة آلافٍ وما تبقى من رأس المال، في السنة الرابعة يزكي خمسة آلافٍ وما تبقى من رأس المال.
فأقول للأخ الكريم: تزكي هذه الأقساط التي عندك بهذه الطريقة، تزكي رأس المال وربح السنة الحالية، وفي السنة الثانية ما تبقى من رأس المال مع ربح تلك السنة، وفي السنة الثالثة ما تبقى من رأس المال مع ربح تلك السنة،.. وهكذا.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
من الرياض الأخ عمر: يجمع لشراء أرض، ويقول: كُلَّما توفر معي مبلغ أشتري بعض القطع الذهبية، وأجعلها لدي من الحلي وغيره، وتستخدمها كذلك زوجتي، وأيضًا لديه مبالغ نقدية قد جمعها لشراء هذه الأرض، هل عليها زكاة من ناحية الذهب أو النقود؟
الشيخ: أما بالنسبة للمبالغ النقدية ففيها الزكاة إذا حال عليها الحول، ولو كان قد ادخرها لما ذكر، وأما بالنسبة للحلي؛ فينظر للقصد الأساسي من شراء هذا الحلي، والقصد الأساسي من ادخاره.
إذا كان القصد الأساسي هو التكسب، فهذا فيه الزكاة.
أما إذا كان القصد الأساسي هو التزين، أن تلبس زوجته هذا الحلي وتتزين به، فهذا لا زكاة فيه، وإن كان كما ذكر اشتراه للأمرين جميعًا؛ فينظر للغالب منهما، ما هو القصد الغالب؟ هل القصد الغالب الادخار؟ أم القصد الغالب هو أن تلبسه زوجته وتتزين به؟ فإذا كان القصد الغالب هو الادخار، فيزكى، وإذا كان القصد الغالب هو اللبس والتزين به، فلا تجب فيه الزكاة.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
من (الدمام) الأخت إسراء تسأل تقول: إحدى صديقاتها في بريطانيا، وبناء على الفتوى الموجودة هناك أنهم يخرجون زكاة الفطر مالًا، تقول: ترسل هذا المال إلى السعودية، فهل يجوز؟
الشيخ: السُّنة في زكاة الفطر: أن تُخرَج طعامًا، كما هو قول جمهور الفقهاء، وليس نقدًا، ويبيَّن لهذه المرأة أن السُّنة أنْ تُخرَج طعامًا، لكن بإمكانها أن ترسل نقدًا، وتوكل من يشتري طعامًا، ويعطَى للمستحِق طعامًا، وهي قد ذكرت أن المستحِقِّين هنا في المملكة، فيمكن أن يبيَّن لهذه المرأة أنها توَكِّل من يشتري لها، مثلًا أرزًا، ويعطَى للمستحقين طعامًا أرزًا، وليس نقدًا.
المقدم: طبعًا يكون شخصا ثالثًا، وليس ذات الشخص المستحِق؛ لأنها هي تقول: هل يجوز أن نعطيه مالًا وهو يشتري به، مثلا أرزًا، ويعتبر له.
الشيخ: لا، يكون شخصًا ثالثا، يكون وكيلًا يرسَل له النقد، ويَشترِي طعامًا، ويعطيه المستحِقَّ طعامًا.
المقدم: تقول: سبق أن تحدثتم يا شيخنا في إحدى حلقات البرنامج عن انقطاع النية في رمضان لمن لديه عذر، تقول: من جهة النساء انقطاع الصيام بالحيض، هل تحتاج أن تعيد، أو تستأنف نية أخرى، أو نيتها من بداية الشهر تكفيها؟
الشيخ: لا بد من تجديد النية في هذه الحال، النية الواحدة تكفي لرمضان كله، لكن إذا أفطر الإنسان لعذر كالمرأة التي تفطر لسبب الحيض، فإنها بعد الطهر لا بد من تجديد النية، لا بد من أن تنوي نية جديدة لصيام بقية أيام الشهر.
المقدم: تسأل عن الشك، هل تسجد له السهو قبل السلام، وكذلك الزيادة قبل السلام، أو هناك تفصيل؟
الشيخ: هذه المسألة محل خلاف بين الفقهاء، ونحن الآن في آخر الحلقة، ولعلي أقتصر على القول الراجح، والقول الراجح: هو ما ذهب إليه الحنابلة، وهو أن سجود السهو كله قبل السلام، إلا في الموضعين اللذين ورد النص بأن يكون فيهما بعد السلام، وهما:
إذا سلم عن نقص في عدد الركعات، كأن يصلي مثلًا صلاة الظهر ثلاث ركعات، ثم ينتبه أو يُنبَّه فيأتي بواحدة، فيسجد للسهو بعد السلام.
والحالة الثانية: أن يشك ويكون مع الشك تحري، وغلبة ظن، فيبني بناء على ما غلب على ظنه، ويسجد للسهو بعد السلام، هذا هو القول الراجح، وهو المروي عن الإمام أحمد، وأيضًا اختاره من المعاصرين: سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله.
المقدم: أحسن الله إليكم، وبارك في علمكم.
معنا اتصال من الأخ عبدالرحمن.
السائل: يا شيخ، أنا بعضَ الأحيان، أو أغلبَ الأحيان، ما أصلي التراويح، فالوالد كأنه زعلان مني، أو أخذ على خاطره مني، فهل علَيَّ شيء، أو يُعتبر من العقوق؟
الشيخ: لماذا لا تصلي صلاة التراويح؟
السائل: يا شيخ والله ما أقدر، نفسي ما تحثني على الصلاة، لكن أنا أعوضها بأعمال أخرى؟
سؤال آخر يا شيخ: هل يجوز أن الوالد أو أنا آمر إخواني بصلاة السنن؟
المقدم: طيب، تسمع الإجابة، شكرًا جزيلًا للأخ عبدالرحمن، وهو المتصل الأخير معنا في هذه الحلقة.
شيخنا، سؤاله الأول: التكاسل عن صلاة التراويح، ويرى أن والده وكذلك كل من هو حريص على مَن تحتَ يديه يحرص أن يصلوا حتى السنن، فيقول: هل يُعتبر هذا عقوقًا مني؟
الشيخ: صلاة التراويح وإن كانت ليست واجبة، إلا أنها سُنة مؤكدة، وعمر الإنسان قصير، كم سيعيش في هذه الآن؟ وهو قد ذكر أنه يؤمل أن يفعل أعمالًا أخرى من الخير، هل تضمن أن تعيش حتى تعمل هذه الأعمال، فأنصح الأخ الكريم بأن يبادر من هذه الليلة بأن يصلي صلاة التراويح، وعتب والده عليه في محله؛ لأن والده يريد له الخير، والده عندما يرى الناس يصلون والشباب المسلمين يصلون، ويرى هذه الأيام كثرة مرتادي المساجد لصلاة التراويح، ويرى أن ابنه لا يصلي، لا شك أن والده يحس بالألم، ويعتب على ولده؛ لأنه حرم نفسه من هذا الخير، وهو شاب وعنده فراغ، ما الذي يمنعه أن يصلي صلاة التراويح؟
فأنا أسوق نصيحة للأخ الكريم، فأقول: اغتنم ما تبقى من العمر، فإنك لا تدري، ربما يكون الأجل قريبًا وأنت لا تشعر، ثم إن صلاة التراويح وصلاة النافلة عمومًا فيها فائدة عظيمة للإنسان، وهي أنها تكمل النقص والخلل الذي يكون في الفريضة، هل تضمن أنك أتيت بالفرائض كاملة كما أمرك الله؟ لا أحد منا يضمن ذلك؛ ولذلك نحن بحاجة للنوافل؛ لأجل أن نكمل النقص والخلل الواقع في الفرائض.
وأما قوله: إن نفسه تغلبه. هذا ليس بعذر، هذا ليس بحجة، النفس تحتاج إلى حزم وعزم، وتحتاج إلى نهي، والله تعالى يقول: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىفَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات: 40-41]، فالنفس تحتاج إلى نهيها عن الهوى، أما أن الإنسان يطلق لنفسه العنان، ويتمنى على الله الأماني، هذا لا ينفعه، ويندم حين لا ينفع الندم.
فأقول للأخ الكريم: ما دمت حريصًا على برك بوالدك، فاحرص أولًا: على أن تطيع ربك سبحانه، وأن تصبر نفسك على أداء هذه العبادة، وأيضًا في الوقت نفسه: تبر والدك، وتدخل السرور على نفسه؛ لأن والدك يريد لك الخير، وإن كانت هذه الصلاة غير واجبة عليك، لكن والدك يريد أن تحصل أجرًا وثوابًا بهذه الصلاة، وأن تغتنم هذا الموسم الذي نحن فيه بأداء هذه العبادة العظيمة.
المقدم: سؤاله الثاني يقول: هل يجوز لي أنا، ووالدي كذلك لأبنائه أو لإخوانه، أن يشد عليهم في جانب صلاة السنن، ويأمرهم بالسُّنة كذلك، أو يكتفي بأمرهم بالفرائض فقط؟
الشيخ: يأمرهم بالفرائض، ويرشدهم للنوافل؛ لأن غير البالغ، حتى الفرائض غير واجبة عليه، لكن الأب مطلوب منه أن يأمر أولاده بها؛ لأجل التربية، ولأجل التعود، فكذلك أيضًا في السنن المستحبات، من كمال التربية أن يرشد هؤلاء الصغار إلى أن يأتوا بها؛ فهذا من حسن التربية، ولكن لا يشدد عليهم فيها، لو كان ابنه صغيرًا، وتشق عليه صلاة التراويح وغير ذلك، ولم يرغب فلا يشدد عليه الأب ويلزمه بأن يصلي صلاة التراويح؛ لأنها غير واجبة، لكن يرشده لها، ويُبيِّن له فضلها وثوابها، ويضع له حوافز، ويرغبه في ذلك، فهذا من كمال التربية.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
نشكركم يا شيخ سعد في ختام هذه الحلقة.
الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.
المقدم: شكرًا لكم أنتم أحبتنا الكرام، كان معنا فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وأستاذ الدراسات العليا في الجامعة، شكرًا لكم أنتم أحبتنا الكرام.
دمتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.