بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلاةً وسلامًا على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأهلًا ومرحبًا بكم أحبتنا الكرام، إلى أولى حلقات هذا البرنامج معنا غرة شهر رمضان المبارك، مع (فتاوى رمضان).
حيث نستضيف كُلًّا من الشيخين الكريمين: معالي الشيخ الدكتور: عبدالله بن محمد المطلق، وفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان.
ومع أولى هذه الحلقات ننطلق بكم بإذن الله ، ومع أسئلتكم واستفساراتكم الشرعية، مع ضيف حلقة هذا اليوم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العُليا بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
في مطلع هذه الحلقة: باسمكم وباسم فريق العمل نرحب بفضيلته، السلام عليكم يا شيخ سعد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله وحيا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: حياكم الله، ونبارك لكم وللإخوة المستمعين بلوغ هذا الشهر الكريم، ونسأل الله لنا ولكم ولهم الإعانة والقبول بإذنه .
الشيخ: اللهم آمين، وأنا أبارك لكم وللإخوة المستمعين ببلوغ شهر رمضان، وأسأل الله تعالى أن يستعملنا جميعًا في طاعته، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى من الأقوال والأعمال.
المقدم: نبدأ مع أولى اتصالات الإخوة الكرام من تبوك، الأخ أبو عبدالملك تفضل.
انقطع الصوت، ذهب الأخ أبو عبدالملك.
يا شيخ سعد، يكثر الحديث الآن في بداية كل شهر رمضان في استغلال الشهر بقراءة القرآن الكريم، هل يكون الاستغلال بالقراءة أو الحفظ؟ القراءة بتدبر، أو أن الإنسان يقرأ أكبر قدر ممكن من القرآن، ويكثر من الختمات؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن شهر رمضان موسم من مواسم التجارة مع الله بالأعمال الصالحة، والإنسان في هذه الدنيا في ميدان العمل، وهو كالزارع الذي يزرع الزرع، ثم يحصده فيما بعد، كذلك المسلم هو في ميدان الزراعة يزرع أعمالًا في هذه الحياة الدنيا، ثم بعد ذلك في الآخرة يأتي الحصاد، ويحاسب على ما عمل في هذه الحياة الدنيا، فعلى المسلم أن يغتنم ما تبقى من عمره في طاعة الله وأن يتزود بزاد التقوى، خاصة في المواسم الفاضلة، ومنها هذا الموسم الذي نحن فيه، الذي هو شهر رمضان، ترفع فيه الدرجات، وتضاعف فيه الحسنات، وتكفر فيه السيئات، وتعتق فيه الرقاب من النار.
وطرق الخير كثيرة ومتنوعة، وبخصوص ما سألتم عنه من تلاوة القرآن؛ فشهر رمضان هو شهر القرآن، والله تعالى يقول: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185].
وقد كان النبي يدارسه جبريل القرآن كل ليلة من ليالي رمضان، ويعرض المصحف مرة واحدة على جبريل، إلا في العام الذي تُوفي فيه النبي فقد عرض عليه المصحف مرتين.
أما بالنسبة لتلاوة القرآن، فيكسب المسلم على كل حرف يقرأه عشر حسنات، كما جاء ذلك في حديث ابن مسعود : من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنةٌ، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ [1]، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما عدد حروف القرآن، وإذا ضربت في عشرة، فيكون الناتج أكثر من ثلاثة ملايين، أي: أن الذي يختم المصحف موعود بأن يحصل على أكثر من ثلاثة ملايين حسنة، وهذا فضل الله، وفضل الله يؤتيه من يشاء.
وأما بالنسبة للطريقة: هل الأفضل أن يقرأ قراءةً متأنيةً مرتلةً، يتدبر معاني ما يقرأ؟ أو أنه يكثر من القراءة من غير إسقاط شيءٍ من الحروف؛ لأنه ينال بكل حرفٍ عشر حسناتٍ؟
هذا محل خلاف بين أهل العلم، ولكن من حيث الأصل: القراءة المتأنية مع التأمل والتدبر هي الأفضل؛ لأن هذا هو فعل الصحابة ، فقد كانوا لا يتجاوزون عشر آياتٍ حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل.
ولكن يأتي للإنسان أحيانًا أوقاتٌ لا يكون الذهن صافيًا، وربما يكون متعبًا، أو نحو ذلك، فلا يتهيأ له أن يقرأ القراءة التي يتدبر فيها ويتأنى، وحينئذٍ لا يترك قراءة القرآن؛ وإنما يقرأ، ولو أن يقرأ قراءةً سريعةً، وهي قراءة الحدر، من غير أن يسقط شيئًا من الحروف.
وابن القيم رحمه الله، يمثل لمن يقرأ قراءةً متأنيةً بترتيلٍ وتأملٍ وتدبرٍ بمن يتصدق بالجوهرة النفيسة، ومن يقرأ قراءة سريعة بطريقة الحدر من غير إسقاط شيء من الحروف، بمن يتصدق بجواهر كثيرةٍ، فهذا له فضلٌ، وهذا له فضلٌ، ولكن أقول: إن تيسر للإنسان أن يقرأ القراءة المتأنية التي يتدبر فيها معاني ما يقول، هذا هو الأكمل، وهذا هو الأفضل، وإن لم تتهيأ له هذه الحال؛ فلا بأس أن يقرأ بقراءة الحدر، وله بكل حرف عشر حسنات.
المهم أن المسلم يرتبط في هذا الشهر بتلاوة القرآن، يرتبط بكتاب الله ، ولا يليق بالمسلم ولا بالمسلمة أن يمر عليه شهر رمضان ولم يختم فيه كتاب الله .
المقدم: أحسن الله إليكم، وبارك في علمكم وفي توجيهكم.
عاد إلينا أبو عبدالملك من تبوك، تفضل.
السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عندي ثلاثة أسئلة، أسعدكم الله جميعًا:
السؤال الأول: انتشر مقطع صوتي لفضيلتكم، نريد أن نسأل عن صحة هذا المقطع؛ لأن بعض المقاطع توجد فلا تأتي كاملة، وأيضًا نريد شيخنا أن يبيَّن الحكم الشرعي، متى تقام الصلاة الآن صلاة الفجر بالنسبة للأغلب يقيم بعد عشر دقائق، أو ربع ساعة بالكثير، يمكن 90% الآن من الناس بعد 15 دقيقة يقيمون الصلاة، بالنسبة لصلاة الفجر، ودخول الوقت يا شيخنا.
السؤال الثاني: بالنسبة لمن شفع مع الإمام وأوتر آخر الليل، أو من أوتر آخر الليل وذهب لبيته كي يتنفل، هل هناك أفضلية؟ وهل كلاهما يدخل في حديث: من قام مع الإمام حتى ينصرف [2]؟
المقدم: يعني ما يقوم معه في الوتر؟ أو أنه يجعله شفعًا، يقوم بعد سلام الإمام؟
السائل: أحيانًا إذا أوتر الإمام هو لا يسلم مع الإمام يأتي بركعة شفعًا، ويوتر في بيته آخر الليل، ومثلًا: لو أوتر مع الإمام وصلى في بيته مثلًا، مثنى هل هناك أفضلية؟
السؤال الثالث: آخر سؤال يا شيخنا، من أراد أن يُخرج زكاة ماله ما أدري يا شيخنا كم النصاب؟
المقدم: زكاة الأوراق النقدية؟
السائل: نعم الأوراق النقدية.
المقدم: طيب، طيب، شكرًا جزيلًا للأخ أبي عبدالملك.
نبدأ بالسؤال الأخير يا شيخنا، وكثير من الناس من يؤخر هذه الزكاة، أو يجعل زكاته دائمًا -خصوصًا زكاة الأموال النقدية- يجعلها في رمضان، يعني؛ حتى يكون أفضل للأجر، فيسأل عن زكاة الأوراق النقدية: كم تكون؟
الشيخ: زكاة الأوراق النقدية يكون نصابها نصاب الفضة؛ وذلك لأن الفضة أرخص من الذهب بكثير، والذي استقر عليه رأي أكثر المعاصرين، وأيضًا المجامع الفقهية وكثير من الهيئات العلمية: أن نصاب الأوراق النقدية، هو أدنى النصابين من الذهب والفضة، ونصاب الفضة أرخص بكثير من الذهب، وعلى ذلك فنصاب الأوراق النقدية هو نصاب الفضة.
ونصاب الفضة: هو 595 جرامًا، ومعنى ذلك: إذا أردنا أن نعرف مقدار نصاب الورق النقدي؛ نعرف مقدار سعر الجرام، ونضربه في 595، فيخرج لنا نصاب الأوراق النقدية، هذه هي المعادلة والطريقة، وهذه الآن أصبحت متيسرة ومتاحة في الإنترنت، الإنترنت ممكن أن تدخل في أحد محركات البحث، وتضع سعر الجرام من الفضة، وتجد مواقع تُحَدِّث المقدار على مدار الساعة، ثم تضربه في 595 جرامًا، وأنا إن شاء الله تعالى سوف أحسب هذا قريبًا، وأكتب الرقم على حسابي على تويتر بإذن الله تعالى.
المقدم: أحسن الله إليكم، طيب يا شيخنا، كيف يحسب الزكاة إذا بلغت النصاب؟
الشيخ: إذا بلغت النصاب الواجب هو ربع العشر، وهناك طريقة: وهي أن يقسم أي مبلغ يريد زكاته على أربعين، فإذا قسمه على أربعين يخرج مقدار الزكاة، ويخرج ربع العشر.
المقدم: أحسن الله إليكم، وبارك في علمكم.
السؤال الثاني يقول: إذا أوتر مع الإمام ثم قام بعد سلام الإمام حتى يتمها شفعًا، ثم في آخر الليل يأتي بركعات مثنى مثنى، ثم يوتر، هل هو أفضل؟ أو أنه يوتر مع إمامه في التراويح، ثم إذا عاد إلى البيت يصلي ما شاء من الشفع؟
الشيخ: الأمر في هذا واسع، لكن كونه إذا صلى الإمام صلاة الوتر قام وشفع بركعة، ثم صلى آخر الليل هذا هو الأكمل؛ لأنه يحقق قول النبي : اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا [3]، بينما لو أوتر مع الإمام، ثم بعد ذلك في البيت قام وصلى مثنى مثنى، لم يحقق ما أرشد إليه النبي من جَعْلِ آخر الصلاة وترًا.
فإذَنْ، الأفضل: أنه إذا سلَّم الإمام، يقوم ويشفع بركعة، ثم بعد ذلك يصلي ما شاء مثنى مثنى، ثم يُوتر بواحدة.
لكن لو أنه سلك الطريقة الأخرى، خاصة أن بعض الناس ربما يتحرج من كونه ملفتًا للنظر، ونظرات الناس إليه، ونحو ذلك، فبعض الناس يتحسس من هذا، مع أنه يفترض عدم التحسس، فأنت تفعل طاعة لم تفعل أمرًا محرمًا، لكن بعض الناس عنده تحسس من هذا؛ فله أن يوتر مع الإمام، ثم يصلي في بيته ما شاء، لكن مثنى مثنى، وهذا جائز، ومما يدل لجوازه: ما جاء في “صحيح مسلم” من حديث أبي هريرة أن النبي كان يصلي بعد الوتر ركعتين وهو جالس [4]، وكان هذا في آخر حياته، قال أهل العلم: لعل ذلك لبيان الجواز، أنه يجوز للمسلم أن يصلي بعد الوتر، فإذا نشط الإنسان، وأراد أن يصلي في الليل بعدما صلى صلاة التراويح في المسجد فلا بأس، لكن يصلي مثنى مثنى، ركعتين ركعتين، وإذا شفع مع الإمام وصلى في البيت وجعل آخر صلاته باليل وترًا، لا شك أن هذا هو الأكمل والأحسن.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم، نستقبل اتصالًا من الرياض من الأخ فهد، تفضل يا فهد.
السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نبارك لفضيلة الشيخ وللإخوة المستمعين بحلول شهر رمضان المبارك، ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.
يا فضيلة الشيخ، سؤالي -حفظكم الله- أن زوجتي مريضة بداء السكري، وأبلغنا الطبيب بأنها لا تستطيع صيام شهر رمضان، سؤالي يا فضيلة الشيخ: ما مقدار الإطعام؟ وهل نؤجله إلى بعد رمضان؟ بحيث الآن فترة الليل قصيرة، ويبقى أطعمة من وجبة الإفطار، فحبذت أن أضعها بعد رمضان؟
الشيخ: بالنسبة لمرض السكر الذي في زوجتك هو من نوع الأول؟
السائل: والله هو لها فترة من الآن، هم أبلغونا هكذا، وقبل رمضان راجعْنا الطبيب، وألحَّ علينا بأن عليها الإفطار.
الشيخ: لأن السكر على درجات، والنوع الأول هذا يجب على الإنسان الفطر، ولو لم يفطر ربما يتضرر، لكن هناك درجات أقل منه، يمكن لمريض السكر أن يصوم ولا يتضرر.
السائل: والله يا شيخنا هكذا قال الطبيب.
الشيخ: طيب.
المقدم: تسمع إن شاء الله الإجابة، شكرًا جزيلًا.
يكثر السؤال عمن لديه مرض يا شيخ، سواء سكري أو غيره، هل يكون له الفطر؟ أيضًا كيف يكون القضاء لو كان يستطيع أن يقضي؟ وجانب الإطعام يا شيخنا: هل يكون كل يوم بيومه أو يؤخره، أو يقدمه قبل رمضان؟
الشيخ: المريض يجوز له أن يفطر في نهار رمضان، بل إن الله تعالى قدمه على المسافر وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185].
وضابط المرض المبيح للفطر: هو المرض الذي يتضرر به الإنسان، أو أنه يتسبب في تأخير البرء والشفاء، أو أن المريض يلحقه الحرج، ويشق عليه مشقة كبيرة، يلحقه الحرج بالصيام، ويشق عليه الصيام مشقة كبيرة؛ فيجوز له في هذه الحال أن يفطر.
أما إذا كان المرض يسيرًا، ولا يتضرر معه بالصيام، ولا يلحقه الحرج الكبير، كما لو أصيب بزكام مثلًا، وكما أيضًا في السكري الخفيف ليس من النوع الأول، يعني من النوع الثالث، فهذا يصوم ويلزمه الصيام في هذه الحال.
أما بالنسبة لسؤال الأخ الكريم: ما دام أن الأطباء أوصَوْا زوجته بأن تفطر؛ فعليها أن تلتزم بنصيحة الأطباء، وأن تفطر ولا تصوم؛ لأنه كما يبدو أنه من النوع الأول، وهذا النوع إذا صام معه الإنسان فقد يتضرر، وربما يصاب بغيبوبة، كما ذكر بعض الأطباء، وربما يؤدي إلى أمور كبيرة، والله تعالى يقول: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، وحينئذٍ تفطر هذه المرأة، وتطعم عن كل يوم مسكينًا.
وأما صفة الإطعام: فالإطعام عن كل يوم مسكينًا، فإذا كان شهر رمضان ثلاثين يومًا، تطعم ثلاثين مسكينًا، وإذا كان تسعة وعشرين يومًا، فيُطعم تسعة وعشرون مسكينًا.
لكن متى يخرج الإطعام؟
له في هذا طريقتان:
- إما أن يخرج كل يوم بيومه، فإذا مثلًا: قضى اليوم الأول، أخرج الإطعام عن اليوم الأول، وإذا قضى اليوم الثاني أخرج الإطعام عن اليوم الثاني، وهكذا.
- أو أنه يتأخر إلى آخر رمضان، أو إلى ما بعد رمضان، فيخرج الإطعام عن الأيام السابقة جميعها.
وأما كونه يقدم إخراج الإطعام عن جميع أيام الشهر في أول رمضان، فهذا محل خلاف بين الفقهاء، فأجاز ذلك الحنفية والحنابلة، ومنع من ذلك المالكية والشافعية، والقول الراجح هو القول الثاني، وهو أن هذا التقديم لا يصح؛ لأنه لو قدمه في شعبان لم يصح عند الجميع؛ فتقديمه في أول رمضان كذلك، والقول بأن شهر رمضان كاليوم الواحد غير مُسلَّم، فكل يوم مستقل بأحكامه الشرعية.
ثم أيضًا ذكر ابن رجب وغيره قاعدةً في هذا الباب، وهي: أن تقديم العبادة قبل سبب وجوبها لا يصح، وتقديمها بعد سبب الوجوب، وقبل شرط وجوبها يصح، فهنا تقديم للعبادة قبل سبب وجوبها، وهو الفطر، فلا يصح التقديم حينئذٍ.
وعلى هذا؛ فنقول للأخ الكريم: إما أن تطعم عن كل يوم بيومه، أو تؤخر الإطعام إلى آخر رمضان، أو إلى ما بعد رمضان، ويجوز أن تعطوا الإطعام لعشرة مساكين، بل حتى الإطعام لو جمعتموه لمسكينٍ واحدٍ صح، فلا يلزم استيعاب العدد، بخلاف كفارة اليمين، لا بد فيها من استيعاب العدد، وكذلك أيضًا الكفارة المغلظة.
أما في الإطعام لمن أفطر في نهار رمضان، فلا يلزم استيعاب العدد، وإنما الذي يلزم هو الإطعام عن كل يوم بمقدار إطعام مسكين.
هذه الأحكام المتعلقة بالإطعام.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
من القصيم الأخ إبراهيم، تفضل.
السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عندي سؤالان يا شيخ:
السؤال الأول: أنا سأسافر مساء اليوم إلى بلدٍ، وسأقيم الغد، وسأرجع مساء الغد، هل يجوز لي أن أفطر؛ لأن بعض الناس قالوا لي: إذا وصلت المدينة تعتبر مقيمًا؛ ولا يجوز لك الإفطار؟ هذا السؤال الأول.
الشيخ: عفوًا، أنت الآن مقيم في القصيم؟
السائل: لا، أنا الآن سأسافر من القصيم، وسأقيم يومًا واحدًا، وسأرجع مساء الغد.
الشيخ: تقيم يومًا واحدًا، طيب المسافة أكثر من ثمانين كيلو؟
السائل: نعم أكثر من ثلاثمائة كيلو، وبعض الناس قالوا لي: لا، أنت مقيم؛ ما يجوز لك الإفطار؟
السؤال الثاني يا شيخ: عندنا بعض الأئمة -ما شاء الله تبارك الله- حفظة لكتاب الله، ولكن يكون همُّه ما هو بختم القرآن، ولكن يكون همُّه زيادة عدد المصلين؛ ولذلك يخفف الصلاة، كلِمَتَكم يا شيخنا حول هؤلاء الأئمة حفظة كتاب الله.
المقدم: ما أدراك أن همَّه زيادة عدد المصلين؟
السائل: نظن ذلك.
المقدم: النية في القلب، عمومًا توجيه الشيخ إن شاء الله للأئمة جميعًا، كم يقرأ في الركعة؟
السائل: تكون صلاته خفيفة، لا يستطيع ختم القرآن في نهاية الشهر؟
الشيخ: لكن كم مجموع الوقت بالنسبة لصلاة التراويح؟
السائل: تقريبًا أقل من نصف ساعة.
المقدم: أقل من نصف ساعة إحدى عشرة ركعة؟
السائل: نعم.
المقدم: طيب، تسمع الإجابة إن شاء الله، شكرًا جزيلًا للأخ إبراهيم.
الأخ إبراهيم سأل: أنه سيسافر مساء اليوم، ثم يعود من الغد في المساء، وسيقيم يومًا واحدًا خارج بلده، هل يجوز له الفطر؟ قال له بعض الناس: إنه لا يجوز لك الفطر؛ لأنك سوف تكون مقيمًا هناك، ولن تكون على سفر؟
الشيخ: ما دام أن مسافة السفر أكثر من ثمانين كيلو، فيعتبر مسافرًا، وله أن يفطر في نهار رمضان، فالله تعالى يقول: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، وإقامته يومًا واحدًا هي سفر، وهذا باتفاق العلماء إلى أربعة أيام هذا بالاتفاق، إنما ما زاد على الأربع هو محل الخلاف بين أهل العلم، فهو يعتبر إذن مسافرًا، وله أن يترخص بجميع رخص السفر، من قصر الصلاة والجمع والفطر في نهار رمضان.
المقدم: أحسن الله إليكم، وبارك في علمكم. شيخنا توجيه للأئمة سواء في تقصير صلاة التراويح إلى أن تكون قصيرة في دقائق يسيرة، أو كذلك لمن يطيل إطالة قد تضر بالناس؟
الشيخ: على الإمام أن يتقيَ الله ، وأن يستحضر عظم المسؤولية، وأن هذا المقام مقام الإمامة أمانة، فعليه أن يستشعر حجم هذه الأمانة، وعظم المسؤولية، وإذا صلى بالناس فعليه أن يطمئن في الصلاة، وأن يأتي بالصلاة بجميع أركانها وشروطها وواجباتها وسننها أيضًا، فعلى الإمام أن يُمكِّن المأموم من الإتيان بالسنن، وأن يطمئنَّ فيها اطمئنانًا تامًّا.
وأما ختم القرآن فليس بلازم؛ لأنه لم يرد في هذا شيء عن النبي ، ولم يرد أيضًا عن الصحابة أنهم كانوا يتسابقون على ختم القرآن، لكن بعض الفقهاء يقولون: ينبغي للإمام أن يُسمِع من خلفه جميع المصحف، فإن تيسر ذلك من غير أن يلحق الحرج بمن خلفه كان ذلك حسنًا، لكن المهم أن يصلي صلاة مطمئنة، وألا يستعجل ويُعْجِل من خلفه ويخفف الصلاة تخفيفًا مخلًا.
وقد ذكر لي بعض الإخوة مستفتيًا يقول: إنه يصلي خلف إمام لا يستطيع أن يقول خلفه: سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى في السجود، ولو مرةً واحدةً، وهذا التخفيف الزائد الذي لا يتمكن معه المأموم من أن يأتي بالذكر الواجب في الركوع والسجود، هذا مُخِلٌّ بركن من أركان الصلاة، ومخل بالطمأنينة، والذي يصلي صلاة لا يطمئن فيها ليس له من صلاته إلا التعب، فالنبي رد المسيء في صلاته ثلاث مرات وهو يقول: ارجع فصلِّ؛ فإنك لم تُصَلِّ [5]، وعلَّمه الطمأنينة في الصلاة.
ولكن أيضًا في المقابل: لو أنَّ الإمام أراد أن يصلي بالناس في وقتنا الحاضر كما كان السلف الصالح يفعلون، فإنهم كانوا يطيلون القراءة حتى إنهم ليقرؤون بالمئين، ويعتمدون على العِصِيِّ من طول القيام، أقول: لو فعل ذلك إمام المسجد في وقتنا الحاضر، لربما شق هذا على الناس؛ لأن الناس الآن ليسوا كالناس في صدر الإسلام؛ فعلى الإمام أيضًا أن يراعي اختلاف أحوال الناس، وألا يطيل عليهم إطالة منفرة، والنبي لما قيل له: إن فلانًا يطيل صلاة الفجر، وقال له أحد الصحابة: إني أتأخر عن صلاة الفجر مما يطيل بنا فلان، فغضب النبي وقال: أيها الناس، إن منكم منفرين [6]، فعلى الإمام أيضًا ألا ينفر جماعة المسجد بسبب تطويل الصلاة وتطويل القراءة، وعليه أن يكون معتدلًا، فلا يكون هناك اختصار مخل، ولا يكون هناك تطويل يشق على الناس وينفرهم.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
نستقبل اتصالًا في ختام هذه الحلقة، الاتصال الأخير أو قبل الأخير من القصيم، أم مجاهد، تفضلي.
السائلة: السلام عليكم، حياكم الله.
يا شيخ، سؤالي الأول: أمي مريضة، عقلها ليس معها، ولها ثلاث سنوات لا تصوم ولا تصلي، فهل عليها شيء؟
الشيخ: عقلها ليس معها تمامًا؟
السائلة: مصابة بالزهايمر عقلها ليس معها.
الشيخ: طيب، وقضاء حاجتها تستطيع أن تقضي حاجتها بنفسها؟
السائلة: لا أبدًا.
السائلة: متى نزكي على المال، يعني النصاب الذي نحن نزكي عليه كم؟ وهل يجوز أن أدفعه لعوائل عندنا الآن ظروفهم صعبة أدفعه لهم؟ أو أسألهم: أنتم من أهل الزكاة؟
المقدم: نصاب الأوراق النقدية تقصدين المال؟
السائلة: نعم المال يعني كم؟
المقدم: الشيخ أجاب عن هذا في بداية الحلقة، وتجدون إن شاء الله الإجابة في رابط الحلقة.
أما السؤال الثاني فسوف يجيب عليه الشيخ، شكرًا جزيلًا للأخت أم مجاهد من القصيم.
شيخنا تسأل عن أمها المصابة بالزهايمر لا تعقل من شأنها شيئًا، من ثلاث سنواتٍ لا تصلي ولا تصوم ماذا عليها؟
الشيخ: هذه المرأة بهذا الوصف مرفوع عنها القلم، وليس عليها صلاة ولا صيام، ولا يُطعم عنها؛ لأنها مرفوع عنها القلم ما دام أن عقلها ليس معها، فهي مرفوع عنها القلم، في حكم المجنون الذي رفع عنه القلم، والحمد لله، ليس عليها صلاة ولا صيام ولا إطعام.
المقدم: طيب السؤال الأخير يا شيخنا إذا كان لديها مال زكوي تعطيه أقاربها ممن هم في حاجة، لكن ليست متأكدة أنهم من أصناف الزكاة، هل عليها أن تسألهم أو أنها بغالب ظنها تخرج لهم الزكاة؟
الشيخ: تبني الأمر على غالب الظن، بأنْ لم تَظهر منهم حالة غنًى، وإذا شكَّت في حالهم تخبرهم بأنها زكاة، سأل النبيَّ رجلان شابان جلدان يسألانه، فصعَّد النظر فيهما، ثم قال: إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغنيٍّ ولا لقويٍّ مكتسب [7].
فيجوز أن يعطَى الإنسان الذي لم يظهر عليه غنًى، أن يعطَى من الزكاة من غير أن يطالب بالبينة، وكونه يعطى الزكاة من غير أن يطالب بالبينة، قد يترتب عليه مفسدة، وهي أن الزكاة تذهب إلى غير مستحقها، لكن لو طالبنا الفقراء بالبينة لترتب على ذلك مفسدة أعظم، وهي حرمان المستحق للزكاة من الزكاة بسبب عدم استطاعته الإتيان بالبينة؛ لأن مفسدة حرمان المستحق أشد من مفسدة إعطاء غير المستحق كما قرر ذلك أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى، وجمع من المحققين من أهل العلم، ولذلك؛ فيعتمد الإنسان على ظاهر الحال، فإن ظهر من حال هذا الشخص أنه مستحق للزكاة، فيعطيه الإنسان من الزكاة، وهذا الآخذ يتحمل المسؤولية، لكن بشرط ألا يظهر عليه أثر غنًى، فإذا أعطاه الزكاة بناءً على غالب ظنه بأنه مستحق للزكاة؛ فتبرأ ذمته بذلك، حتى لو تبيَّن له فيما بعد أنه أخطأ فذمته تبرأ؛ ولهذا قال الفقهاء: لو دفع الزكاة لغنيٍّ ظنه فقيرًا أجزأ.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
نشكركم في ختام هذه الحلقة شيخ سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ أن أجبتم على أسئلة الإخوة والأخوات، وعلى وعد منكم بإذن الله أن تكونوا معنا في حلقتي الغد بإذن الله.
الشيخ: إن شاء الله تعالى، وشكرًا لكم ولإخوتي المستمعين.
المقدم: شكرًا لكم أنتم أحبتنا الكرام، وهذه تحية من الزملاء من منفذ الفترة الزميل: وليد النعمان، ومن مذيعها الزميل: خالد المصري، ومن التنسيق: جمعان الجمعان، وعبدالرحمن الحوطي، ومن الإعلام الجديد: فرحان السبيعي، ونبيل الخليف، ومن منفذ الفترة الزميل فارس، أو منفذ الحلقة فارس بن سعود الطيان، ومني محدثكم من الإعداد والتقديم: فيصل بن جديان العتيبي، ومن الإخراج الزميل: عزام بن حسن الحميضي.
حتى الملتقى بكم يوم غد بإذن الله في تمام الساعة السادسة مساءً، أستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.