الحمد لله رب العالمين، وصلاةً وسلامًا على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بكم -أحبتنا المستمعين الكرام- إلى حلقةٍ جديدةٍ من برنامج الإفتاء المباشر فتاوى رمضان، عبر أثير إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية.
نسعد بكم أحبتنا الكرام، ونسعد بأسئلتكم الشرعية التي نطرحها على ضيف البرنامج، فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية.
أهلًا وسهلًا بكم، وأهلًا بأسئلتكم الشرعية، سواءٌ المتعلقة برمضان والصيام والعمرة والزيارة، أو غيرها من الأسئلة التي تَعِنُّ لكم وتريدون الإجابة عنها.
مرحبًا بكم -أحبتنا الكرام- في هذا اليوم الكريم من أيام شهر رمضان المبارك، نسعد بكم، ونرحب بضيفنا فضيلة الشيخ سعد: السلام عليكم، وأهلًا وسهلًا بكم.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: مرحبًا بكم.
في مطلع هذه الحلقة سؤالٌ من الأخت أم محمدٍ، هي تريد توجيهًا في موضوع الصدقة والبذل والجود في رمضان للإخوة المستمعين والمستمعات.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فشهر رمضان هو شهر الجود والإحسان، وقد كان النبي أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان [1]، فكان جوده عليه الصلاة والسلام يتضاعف في رمضان، فينبغي أن نقتدي بالنبي في الجود وفي البذل وفي الإنفاق في سبل الخير.
ويتأكد من ذلك: الزكاة، فعلى المسلم أن يتفقد أمواله فيخرج ما وجب فيه الزكاة منها؛ فإن الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، ثم بعدما يُخرج الزكاة يُكثر من الصدقة ومن البذل والإنفاق في سبل الخير؛ فإن الصدقة شأنها عظيمٌ، الصدقة تطفئ غضب الرب [2]، والصدقة برهان [3]، كما قال النبي ، ومعنى كون الصدقة برهانًا: أي أنها برهانٌ ودليلٌ على صدق إيمان المتصدق؛ وذلك لأن المنافق لا يتصدق إلا أن يكون رياءً، وكذلك أيضًا المال محبوبٌ للنفوس، فكون الإنسان يتصدق به ويبذله للغير، هذا برهانٌ على صدق إيمانه وابتغائه الأجر والثواب من الله .
ثم إن الصدقة تدفع البلاء عن الإنسان، وكما ذكر ابن القيم رحمه الله، يقول: إن الصدقة تدفع البلاء حتى لو كانت من ظالمٍ، بل حتى لو كانت من كافرٍ، وأن هذا أمرٌ قد عرفه الناس كلهم، بَرُّهم وفاجرهم؛ لأنهم قد جربوه.
والمؤمن يكون في ظل صدقته يوم القيامة [4]، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام بأنه ما من يومٍ يصبح العباد فيه إلا وينزل ملكان من السماء، يقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا [5]، متفقٌ عليه.
وكان بعض الصالحين يحرص على أن يتصدق كل يومٍ بصدقةٍ، ولو بمبلغٍ يسيرٍ؛ لأجل أن ينال دعوة المَلَك له بالخَلَف، حتى يدخل في دعوة الملك، فإنه في كل يومٍ ينزل هذان الملكان ويدعوان بهذا الدعاء، أحدهما يقول: اللهم أعط منفقًا خلفًا، والآخر يقول: اللهم أعط ممسكًا تلفًا.
ولذلك: فينبغي أن يحرص المسلم على البذل وعلى الجود وعلى الإنفاق في سبل الخير، وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا [المزمل:20].
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
من الأسئلة التي وصلتنا في (تويتر) أيضًا: الأخت غزوة تقول: هل العطور، ووضع المكياج للصائمة، يؤثر على صيامها؟
الشيخ: هذه كلها لا تؤثر على الصيام، فوضع العطور ليس من مفطرات الصيام، وهكذا وضع المكياج ومساحيق الزينة عمومًا، هذه كلها ليس لها أثرٌ على الصوم.
المقدم: الأخ إبراهيم يقول: شخصٌ قادمٌ من مصر لزيارة ابنته، ونيته أنه -إن شاء الله- يعمل عمرةً في رمضان، لكن لم يُحرِم من الميقات بالطائرة، هل عليه شيءٌ؟
الشيخ: لا بد أن يرجع للميقات ويحرم منه، فإن أحرم بعد مجاوزة الميقات، فعليه -عند جمهور أهل العلم- دمٌ يُذبح في الحرم، ويوزع على فقراء الحرم، فإن كان لم يؤد العمرة بعد فيلزمه الرجوع إلى الميقات والإحرام منه.
أما إن كان أحرم بعد مجاوزة الميقات فقد ترتب في ذمته دمٌ يذبح في الحرم، ويوزع على فقراء الحرم.
المقدم: هنا الأخت أمل تقول: هل اللبان -العَلَك- من غير سكِّرٍ تمامًا، يفطِّر إذا لم يكن معه طعمٌ؟
الشيخ: إذا لم يكن بسُكَّرٍ، وكان مجرد مضغٍ فهذا عند الفقهاء مكروهٌ، يكره أن يمضغ اللبان، لكنه لا يصل إلى حد التفطير؛ لأنه ليس أكلًا ولا شربًا، ولا في معنى الأكل والشرب.
ولكن مضغ هذا اللبان وهو صائمٌ..، وأيضًا سيختلط بريقه، هذا مكروهٌ.
المقدم: هنا أيضًا من أسئلة الإخوة: أم محمدٍ تقول: هل يوجد عددٌ معينٌ للتمر عند الإفطار، أو يفطر بأي عددٍ؟
الشيخ: لا أعلم أنه ورد في هذا سنةٌ، وإنما كان النبي يفطر على رطبٍ، فإن لم يجد فتمراتٍ، فإن لم يجد فماءٍ، فالسنة إن تيسر الإفطار على الرطب، إن لم يتيسر فعلى التمر، ولا أعلم أنه ورد في ذلك عددٌ معينٌ.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
نستقبل بعض اتصالات الإخوة والأخوات، أبو فهد من الرياض، تفضل.
السائل: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام، تفضل بسؤالك.
السائل: كيف حالك يا شيخ سعد؟ أقول لك يا شيخ الله يحفظك ويجزيك خيرًا: الآن إنسانٌ -طال عمرك- يريد أن يسافر خارج المملكة نهاية الشهر هذا، فهل يُتِم صيامه، أو يفطر، أو يرجع ويكمل؟ هذا واحدٌ.
الشيخ: كم مدة إقامته؟
السائل: والله ربما تكون عشرة أيامٍ.
السؤال الثاني طال عمرك: رجلٌ طلق امرأته، ولديه ذريةٌ طبعًا، وحَكَم الشيخ: أن لهم نفقةً، ويعطيهم النفقة.
السؤال هنا: هل يجب على الزوج أن يخرج إطعامًا لهم، أو مِن الذي حكم به عليه الشيخ؟
الشيخ: الزوجة الآن ليست في عصمته.
السائل: لا، ذهبت.
المقدم: الأولاد فقط؟
الشيخ: الأولاد فقط، النفقة للأولاد؟
السائل: نعم.
الشيخ: يعني قصدي: أنها خرجت من العدة، الزوجة؟
السائل: نعم، الآن لها.. رمضان هذا قد تُكمِل سنةً.
السؤال الثالث الله يحفظك: الآن إنسانٌ يقرأ مع الإمام، على أساس يتابع معه؛ لأنه حافظ للقرآن هو..
المقدم: في التراويح، أو في الصلوات العادية.
السائل: لا لا، صلاة التراويح..، فهل إذا قرأ الفاتحة ومباشرةً يقرأ من القرآن، هل يلزم أنه يتابع أن يقرأ الفاتحة أم لا؟
الشيخ: يعني: يتابع فقط متابعةً؟
السائل: نعم يتابع مع الإمام من أجل ألا يغلط أو شيء…
السؤال الرابع الله يحفظك: الآن -طال عمرك- هل يجب على الإنسان أنه إذا دخل المسجد والإمام راكعٌ أن يقول دعاء الاستفتاح ثم يركع، أو مباشرةً يركع بدون شيءٍ؟
المقدم: طيب تسمع الإجابة إن شاء الله، شكرًا جزيلًا، حياك الله.
الأخ عبدالله من القصيم، تفضل.
السائل: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام، أنت على الهواء، تفضل بسؤالك.
السائل: لو سمحت، نسأل الشيخ.
المقدم: يسمعك، تفضل.
السائل: غلبة الظن في دخول وقت صلاة الفجر أو اليقين، إذا كان عندي غلبة ظنٍّ أو يقينٌ، لكني لا أدري ما صحته، وأنا عندي إشكالٌ في صلاة الفجر في رمضان، يعني: أني أصلي بعدما تنتهي الجماعة، هل أغير غلبة الظن أو اليقين الذي عندي؟
الشيخ: متى يصلون الجماعة؟ بعد كم دقيقةٍ من الأذان؟
السائل: بعضهم يقيمون بعد ربع ساعةٍ، وبعضهم بعد عشرين دقيقةً.
الشيخ: طيب عشرون دقيقةً كافيةٌ، عشرون دقيقةً تصل لليقين، ما فيها إشكالٌ.
السائل: يعني: بعد عشرين دقيقةً أقيم وأنا مطمئنٌ يا شيخ؟
الشيخ: إي نعم.
السائل: فقط عندي سؤالٌ.
المقدم: تفضل.
السائل: كيف يجعل الإنسان قلبه -إذا حصل منه تقصيرٌ أو عصيانٌ أو أي شيءٍ- يتألم لذلك، خاصةً أنه كان في السابق يخف عنده الأمر، أو ما أدري..
المقدم: واضحٌ.
السائل: فكيف يكون الإنسان من عباد الله المخلصين؟
المقدم: طيب تسمع الإجابة، شكرًا جزيلًا للأخ عبدالله.
الأخ أبو فهدٍ سأل أربعة أسئلةٍ:
يقول: من أراد أن يسافر في آخر هذا الشهر، وسيقيم في سفره عشرة أيامٍ، هل له أن يأخذ برخص السفر؟
الشيخ: نعم، هذا يعتبر مسافرًا، وله أن يفطر في نهار رمضان، وأن يترخص برخص السفر، والله تعالى يقول: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، إذا كان الصوم يشق عليه، فيستحب في حقه الفطر، أما إذا كان الصوم لا يشق عليه، فهو بالخيار؛ إن شاء صام، وإن شاء أفطر وقضى بعد رمضان.
المقدم: سؤاله الثاني: عن زوجته، طلقها، مطلقةٌ طبعًا، وهو الآن ينفق على أولاده، أولاده منها لديها، فيقول: هل كذلك أدفع زكاة الفطر عنهم أو أكتفي بالنفقة؟
الشيخ: نعم، يدفع زكاة الفطر عنهم؛ لأن النفقة هذه لم تحسب معها زكاة الفطر؛ ولذلك يخرج زكاة الفطر عن أولاده من بنين وبناتٍ، وأما مطلقته فلا، لا يلزمه ذلك، لا يلزمه؛ باعتبار أنها خرجت من عصمته، وأما أولاده فإنه ملزمٌ بإخراج زكاة الفطر عنهم.
المقدم: أنت سألته -فضيلة الشيخ- قبل قليلٍ، الآن المطلقة الرجعية التي لا زالت في العدة، هل تعتبر..، يعني مثلما أنه ينفق عليها، كذلك يدفع عنها زكاة الفطر أم لا؟
الشيخ: المطلقة الرجعية حكمها حكم الزوجة تمامًا في جميع الأحكام، وعلى ذلك: فلو كانت المطلقة رجعيةً، ولا زالت في عصمته، فإنه ينفق عليها حتى تخرج من العدة.
المقدم: هو يقول: إن أحدهم يتابع مع الإمام، ويرد عليه في صلاة التراويح، فيقول: إذا شرع الإمام بعد الفاتحة مباشرةً في القراءة، أريد أن أتابع معه، فلا أستطيع أن أقرأ سورة الفاتحة؟
الشيخ: ما جَهَر فيه الإمام لا يجب على المأموم أن يقرأ فيه سورة الفاتحة، في قول أكثر أهل العلم، وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة؛ خلافًا للشافعية الذين أوجبوها.
والصواب: ما عليه جمهور أهل العلم، وأن قراءة الإمام قراءةٌ لمن خلفه فيما جهر فيه الإمام.
وعلى ذلك: فهذا الذي يتابع القراءة؛ لأجل أن يفتح على الإمام فيما لو أخطأ، لا يلزمه أن يقرأ الفاتحة، إن قرأها فحسنٌ، وإن لم يقرأها فلا شيء عليه.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
سأل عن الاستفتاح إذا أدرك الإمام وهو في الركوع، هل يكبر ويقرأ الاستفتاح، ثم بعد ذلك يركع؟
الشيخ: يسقط دعاء الاستفتاح عنه في هذه الحال، المسبوق إذا أدرك الإمام في الركوع فلا يستفتح، وإنما يكبِّر تكبيرة الإحرام وهو قائمٌ، ثم يكبر تكبيرة الركوع، أي: أنه يكبر تكبيرتين: تكبيرة الإحرام، ثم تكبيرة الركوع، وأما دعاء الاستفتاح فيسقط عنه في هذه الحال.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
نستقبل اتصالًا من المدينة، أبو منصور، تفضل.
السائل: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام، تفضل بسؤالك.
السائل: عندي ثلاثة أسئلةٍ طال عمرك:
أول شيءٍ: أنا الحمد لله، أصابني السكر، وبُتِرَت إحدى رجليَّ، وركَّبت لها طرفًا، والرِّجل الأخرى بُتر نصفها.
سؤالي يا شيخ جزاك الله خيرًا: أنا بعض الأوقات يأخذني الأولاد لأتوضأ في البيت، ويخرجونني خارجًا، وألبس الجورب، وألبس عليه حذاءً، هل إذا أردت أن أتوضأ أمسح على الحذاء، أو أمسح على الجورب؟
المقدم: طيب، أنت الآن تقول: أطرافك مقطوعةٌ، كاملةً أو شيءٌ منها؟
السائل: لا والله، إحداهما مقطوعةٌ إلى حد الركبة.
المقدم: والثانية؟
السائل: والثانية مقطوعةٌ إلى نصف القدم، وعندما يخرجني الأولاد يحملونني بالعربة خارجًا، أتوضأ في البيت، وأمسح على الحذاء، هل أصلي بها، أو أخلعها.. أريد أن أتوضأ؟
المقدم: طيب، تسمع الإجابة إن شاء الله، السؤال الثاني.
السائل: والطرف هذا عندما يحملني الأولاد مثلًا يريدون أن يذهبوا بي لعمرةٍ، هل الطرف هذا يظل عليَّ، أو أتركه..، والرِّجل التي.. هذه المقطوع منها الثانية، ألبس عليها الجورب، أو أتركها هكذا؟
الشيء الثاني: أنا في رمضان تصيبني حُمَّى بعضَ الأوقات، وأصوم في رمضان، لا أُفطِر، وأنا الحمد لله ليس عليَّ مشقةٌ في رمضان، لكني أنا معتادٌ أن أصوم رمضان، أعرف أن يوم رمضان لا يرجع، يوم رمضان أجره لا يرجع، هل عليَّ إثمٌ إن كنت ما أخذت بالرخصة؟
الشيخ: أنت السكر عندك من النوع الأول؟
السائل: والله السكر منذ أكثر من خمسةٍ وثلاثين سنةً، منذ زمنٍ.
المقدم: تسمع الإجابة، شكرًا أبا منصور، تسمع إجابة الشيخ إن شاء الله.
الأخت أم محمدٍ من المدينة، تفضلي أنت على الهواء.
السائلة: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام.
السائلة: لو سمحت أنا أسأل عن حكم مدافعة الأخبثين، يعني إذا كانت ليس من بداية الصلاة، يعني دخل الإنسان الصلاة وليس هناك شيءٌ، فقط الركعات الأخيرة، وأحيانًا..؟
المقدم: طيب، تسمعين الإجابة إن شاء الله، شكرًا جزيلًا، شكرًا للإخوة والأخوات.
بقي من أسئلة الأخ عبدالله، قال: إن الإنسان قلبه يتألم لفعل المعصية، لكن الإنسان يجد من قلبه ربما ضعفًا، أو مرضًا، أو عدم تألمٍ للمعصية، فما هي الوسائل التي يحيا بها القلب؛ حتى يكون دائمًا قلبًا يقظًا عند فعل المعصية، أو عند فعل الطاعة؟
الشيخ: نعم، من أعظم ما يحيي القلوب: الإكثار من ذكر الله ؛ لأن الإنسان إذا أكثر من ذكر الله سبحانه، ارتبط بالله ، وقَلَّ تعلقه بالأمور المادية، والتعلق بالأمور المادية هو الذي يقسي القلوب.
ولذلك،.. في القلب يجد حياةً في قلبه، ويجد رقةً وخشوعًا؛ ولهذا جاء رجلٌ إلى الحسن البصري رحمه الله، وقال: إني أجد قسوةً في قلبي، فما العلاج يا أبا سعيدٍ؟ فقال له الحسن: “أَذِب قسوة قلبك بكثرة ذكر الله “.
فالإكثار من ذكر الله يحيي القلوب، ويعالج القسوة التي في القلوب.
وأيضًا: تدبر القرآن العظيم؛ فإن قراءة القرآن، والاستماع للقرآن وتدبره، من أعظم ما يزيد به الإيمان؛ كما قال الله تعالى: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2]، فالارتباط بهذا القرآن العظيم من أعظم أسباب زيادة الإيمان.
وأيضًا: ألا يكثر من..، -كما يقال- كثرة الإمساس يقل معها الإحساس، فكونه يكثر من مخالطة الأماكن، أو ارتياد الأماكن التي يكون فيها المعاصي، فإنه مع مرور الوقت يقل تأثره، ويقل إنكاره لها.
المقدم: هنا من أسئلة (تويتر)، وقبل ذلك الأخت سارة معنا.
السائلة: لو سمحت يا شيخ، أنا أستعمل مانعًا للحمل، ومن أعراضه الجانبية: أنه لا تنتظم معه الدورة، يعني تأتي في وقتها وفي غير وقتها، لو جاءت في غير وقتها هل تعتبر استحاضةً، ولو اعتُبِرَت استحاضةً، ما الحكم عليَّ في الأيام التي أفطرت فيها؟
الشيخ: طيب، وتأتيك في وقتها، الدورة؟
السائلة: نعم، تأتيني في وقتها وفي غير وقتها.
الشيخ: كم تأتيك في وقتها، كم يومًا؟
السائلة: خمسة أيامٍ تقريبًا.
الشيخ: ثم في غير وقتها يأتيك دمٌ آخر مختلفٌ؟
السائلة: لا، نفس دم الدورة.
الشيخ: ويستمر إلى كم يومٍ؟
السائلة: خمسة أيام إلى ستةٍ.
الشيخ: يعني المجموع كم؟
السائلة: كثيرٌ، يعني تقريبًا يأتيني مرتين في الشهر إلى ثلاث مراتٍ.
المقدم: تسمعين توجيه الشيخ.
شيخنا، بحكم الأمر، استوضحت أنت من الأخت المتصلة، لعلك تجيب عن سؤالها.
الشيخ: نعم، الدورة الشهرية عندها فيها إشكالاتٌ كثيرةٌ، من جهة التقدم والتأخر، وكونها تأتيها في فتراتٍ قصيرةٍ؛ ولذلك ننصحها بأن ترجع للطبيبة المختصة؛ لأنها لما ركبت هذا (اللَّولب)، هو الذي سبب لها هذا الاضطراب، فمع هذا الاضطراب الذي ذكرت ترجع للطبيبة المختصة، والطبيبة تميز بين دم الدورة وغيره.
فما كان دمًا للدورة الشهرية يأخذ أحكام الحيض؛ لا تصوم معه ولا تصلي، وما لم يكن كذلك يكون دم فسادٍ؛ تصوم معه وتصلي ولا يضرها، لكنها تتوضأ للصلاة، ولا يضرها خروج الدم بعد ذلك.
المقدم: الأخت أم محمدٍ تقول: مدافعة الأخبَثَين إذا كان بسبب مرضٍ، يعني أنه يكون طارئًا، يكون في منتصف الصلاة، هل يؤثر على الصلاة؟
الشيخ: لا يؤثر على الصلاة، هو غاية ما فيه أنه مكروهٌ، لا صلاة في حضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان [6]، الصلاة مع مدافعة الأخبثين مكروهةٌ، لكن مع ذلك لو صلى فصلاته صحيحةٌ؛ لأنها مكتملة الأركان والشروط والواجبات.
المقدم: هنا أحد الإخوة يقول: امرأةٌ اعتمرت، وفي السعي سعت خمسة أشواطٍ ولم تُكمِل؛ للتعب، فماذا عليها؟
الشيخ: لا بد أن ترجع وتعيد السعي من جديدٍ، إي نعم، السعي لا بد من أن تكون الأشواط متواليةً، فلا بد من رجوعها إلى مكة، وإعادة السعي، ثم أيضًا تعيد التقصير بعد السعي.
المقدم: في مثل هذه الأمور شيخنا أمَا يعذر الإنسان بجهله؟
الشيخ: لا يعذر بالجهل، ما كان من باب ترك المأمور لا يعذر فيه بالجهل، أرأيت لو أن رجلًا صلى الصلاة بدون وضوءٍ جاهلًا؟ لا نعذره بالجهل؛ وإنما نطلب منه أن يتوضأ وأن يعيد الصلاة، وهكذا أيضًا جميع الأوامر، ما كان من باب ترك المأمور لا يعذر فيه بالجهل، وأما ما كان من باب ارتكاب المحظور، فهذا يعذر فيه بالجهل والنسيان.
وهذه قاعدةٌ مفيدةٌ، أن ما كان من باب ترك المأمور لا يعذر فيه بالجهل ولا بالنسيان، وقد يعذر بالتأخير، لكن لا يعذر بالجهل، لا بد أن يأتي بهذا المأمور به، وأما ما كان من باب ارتكاب المحظور، فهذا يعذر فيه بالجهل والنسيان.
لو مثلًا فعل محظورًا من محظورات الإحرام جاهلًا أو ناسيًا، نقول: لا شيء عليك، لكن إذا ترك السعي، مثل الأخت الكريمة، تركت أشواطًا من السعي، فهنا لا بد من أن تأتي بالسعي، ولا تعذر بالجهل، هي معذورةٌ بالتأخير، وربما أيضًا لو ارتكبت محظورات الإحرام، أو بعضًا من محظورات الإحرام جهلًا، تكون معذورةً بذلك، لكنها لا بد أن تأتي بالسعي؛ لأنه من المأمورات، فلا بد من الإتيان به.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
الأخ أبو منصورٍ سأل أكثر من سؤالٍ، كلها ترتبط بحالته الصحية، نسأل الله أن يشفيه وجميع مرضى المسلمين، وأن يعظم أجورهم.
يقول: لأجل السكري مقطوعٌ أحد أطرافي، والطرف الآخر نصف القدم، يقول: الآن الرِّجل الاصطناعية هذه، هل إذا ذهبتُ للعمرة لا بد أن تكون معي، أو بإمكاني ألا أصطحبها؟
الشيخ: إذا ذهبت للعمرة الأمر واسعٌ؛ إن شئت اذهب بها، وإن شئت لا تذهب، الأمر يعود إليك.
المقدم: ما يتعلق بها حكمٌ؟
الشيخ: أما بالنسبة للقدم المقطوعة، القدم المقطوعة هذه لو أنه لبس جوربًا عليها في العمرة هنا لا بأس، لكن يدفع كفارةً، عليه فديةٌ، فدية أذًى؛ إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيامٍ، أو ذبح شاةٍ، فيمكن أن يأخذ ست وجباتٍ، أو رزًا مع لحمٍ مثلًا من أحد المطاعم في مكة، ويوزعه على ستة مساكين، هذا مقابل لبسه للجورب.
إن لبس الجورب وفوقها مثلًا الحذاء على الرجل المقطوع نصف القدم فيها، وأما الرجل الأخرى فهذه لا شيء عليه؛ لأنها أصلًا مقطوعةٌ من فوق الكعب، فلا شيء عليه حتى لو ركَّب رجلًا صناعيةً لا يضره.
المقدم: وهذا ما سأل عنه من موضوع الجورب، وأجبتم عليه شيخنا، سأل كذلك عن موضوع المسح، فيقول: أنا إذا أردت أن أَخرُج من البيت ألبس الجورب ثم الحذاء، ثم يقول: أريد أن أمسح، هل أمسح على الحذاء، أو لا بد أن أنزعه؟
الشيخ: إذا كنت لن تخلعه -لن تخلع الحذاء بعدما لبسته مع الجورب على طهارةٍ- فيمكن أن تمسح عليهما جميعًا؛ على الجورب مع الحذاء، أو مع الجزمة، أما إذا كنت ستخلعها فلا، تكتفي بالمسح على الجورب، هذا بالنسبة للرجل التي بقي فيها جزءٌ من القدم.
أما بالنسبة للرجل المقطوعة فهذه أصلًا لو ما مسحت عليها ما عليك شيءٌ؛ لأنها أصلًا مقطوعةٌ، وليس عليك بالنسبة لهذا الرجل غسلٌ ولا مسحٌ، هي رجلٌ مقطوعةٌ، والرجل الصناعية لا تأخذ حكم الرجل الطبيعية.
فبالنسبة للرِّجل المقطوعة: هذه ليس عليك فيها شيءٌ، لكن الإشكال هو في الرِّجل الموجودة، التي قطع منها نصف القدم، فهذه إذا لبستَ الجورب ولبست فوقه الحذاء مثلًا، فتمسح عليه إذا كان لبسك له على طهارةٍ تمسح عليه، تمسح على الجورب، وهذا ظاهرٌ كغيرك.
وأما بالنسبة لما تلبسه فوق الجورب من الحذاء ونحوه؛ إن كنت لن تخلعه، فيمكن أن تمسح على الحذاء مع الجورب، فيعتبر كالجورب الواحد، أما إذا كنت ستخلع الحذاء، فتكتفي بالمسح على الجورب فقط.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم.
في الدقيقة الأخيرة في البرنامج -فضيلة الشيخ- بقي له سؤالٌ، الأخ أبو منصورٍ يقول: إني لا آخذ بالرخصة، مع أني ترتفع لديَّ حرارة الجسم في رمضان، بحكم مرض السكري وغيره، يقول: إن رمضان لا يُعوَّض، يعني كأنه يشدد على نفسه قليلًا ويصوم، يقول: هل عليَّ إثمٌ في أنني أرغم نفسي على الصيام؟
الشيخ: ننصحك بأن تأخذ برخصة الله ، الله تعالى الذي فرض الصوم قال: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، فإذا كان الصوم يسبب لك حرجًا، ويسبب ارتفاعًا في الحرارة، وينصحك الطبيب بالفطر؛ فننصحك بأن تفطر، وأن تأخذ برخصة الله .
وأما قولك: إن رمضان لا يعوض، فهذا غير صحيحٍ، من كان معذورًا فقضى بعد رمضان؛ فإن أجره يكون كاملًا، وإذا قُدِّر أنك لا تستطيع القضاء بعد رمضان، فتطعم عن كل يوم مسكينًا، وأجرك كاملٌ، فهو يعوض، فقولك: إنه لا يعوض، هذا بالنسبة لغير المعذور، أما بالنسبة للمعذور فإنه يعوض، ويكون له الأجر كاملًا.
يقول النبي : إذا مرض العبد أو سافر، كتب الله له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا [7]، فما دمت قبل هذا المرض كنت تصوم رمضان، فبسبب هذا المرض أصبحت لا تستطيع أن تصومه، فأجرك تامٌّ وكاملٌ، والحمد لله، لكنك تطعم عن كل يومٍ مسكينًا.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك في علمكم، نشكركم في ختام هذه الحلقة يا شيخ سعد.
الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.
المقدم: شكرًا لكم أنتم أحبتنا الكرام، حتى الملتقى بكم في حلقةٍ الغد تذكروا أن للصائم دعوةً لا ترد.
في أمان الله.