الرئيسية/محاضرات/الأوقاف في التاريخ الإسلامي
|categories

الأوقاف في التاريخ الإسلامي

مشاهدة من الموقع

عناصر المادة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أهلًا وسهلًا بكم، وحياكم الله أحبتنا الحضور في هذه الليلة الجميلة، وفي هذه الأمسية الرائعة، والتي نتحدث فيها عن موضوع مهم من موضوعات العلم والثقافة والمعرفة، حيث تستضيف ديوانية “واقف” في لقائها الثامن معالي الشيخ الأستاذ الدكتور/ سعد بن تركي الخثلان، وهو الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ورئيس مجلس إدارة الجمعية الفقهية السعودية في حديث عنوانه: “الأوقاف في التاريخ الإسلامي”.

أحبتنا الحضور من يقرأ في تاريخ الأوقاف عبر تاريخنا الإسلامي الحافل يجد أن لها دورًا كبيرًا وبارزًا وواضحًا وجليًّا في بناء حضارتنا الإسلامية، وتلبية احتياجاتنا، ودعم برامج كثيرة ومتنوعة لخدمة القضايا الإسلامية، فمنذ عهد النبوة، وعصر الحضارة، عهد نبينا محمد شيدت الأوقاف منذ ذلك الحين إلى وقتنا هذا، فنجد دعم البر والخير والتنمية كبناء المساجد والمدارس والمكتبات ورعاية الأيتام والخطباء، وحفر الآبار، والخدمات الصحية، وغيرها، شاهد على ذلك؛ لذلك جاءت هذه الندوة، مرحبين مرة أخرى بالأستاذ الدكتور/ سعد بن تركي الخثلان في هذا الحديث المهم: “الأوقاف في التاريخ الإسلامي”.

بإذن الله تعالى سوف يكون لقاءنا مع الشيخ سعد للحديث في هذا الموضوع في مدة تقارب الأربعين دقيقة، وبعدها نفتح المجال للإخوة لمن أراد أن يشارك بمداخلة أو سؤال أو استفسار، حول هذا الموضوع، فمرحبًا بكم معالي الشيخ، ونترك المجال لكم.

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد:

فأشكر الإخوة المنظمين لهذا اللقاء، وعلى رأسهم الإخوة في مؤسسة “واقف”، وأخص بالشكر الشيخ/ سليمان الجاسر ومن معه، وكذلك أيضًا أشكر المستضيف لهذا اللقاء أخونا الأستاذ/ عبدالله الشدي، وأشكركم جميعًا على حضوركم، وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذا اللقاء، وأن يبارك فيه.

الحديث عن الأوقاف حديث ذو شجون، وحديث ماتع، وحديث يثير معانٍ عظيمة، ومعانٍ جلية متعلقة ببناء حضارتنا الإسلامية.

الوقف كان من أعمدة بناء الحضارة الإسلامية على مر العصور، كما سنبين، وكان هو أعظم شيء فاعل في بناء الحضارة.

تعريف الوقف وفضله

الوقف معناه في اللغة: الحبس والتسبيل.

ومعناه اصطلاحًا: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة.

والوقف هو أفضل ما تبذل فيه الأموال، والدليل لذلك قصة عمر ، والقصة في الصحيحين، قال: أصبت مالًا بخيبر، هو أنفس مال أصبته في حياتي، فذهبت للنبي فاستشرته، ماذا أصنع فيه؟ فأشار النبي عليه بالوقف [1] قال أهل العلم: المستشار مؤتمن، ولو كان هناك شيء تبذل فيه الأموال أفضل من الوقف لأشار به النبي على عمر ، فدل هذا على أن أفضل ما تبذل فيه الأموال الأوقاف؛ ولهذا فهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم، هذا المعنى، يقول جابر رضي الله تعالى عنهما: “لم يكن أحد من أصحاب النبي ذو مقدرة إلا وقف” [2].

أهمية الوقف وأثره في بناء الحضارة الإسلامية

الوقف -أيها الإخوة- هو بلا مبالغة سر نهضة الحضارة الإسلامية، الدولة الإسلامية فيما سبق كانت الدولة تعنى بحفظ الأمن الداخلي والخارجي والتقاضي بين الناس، وما عدا ذلك من الخدمات تقوم بها الأوقاف، التعليم على الأوقاف، الصحة على الأوقاف، خدمات الطرق على الأوقاف، الخدمات الاجتماعية على الأوقاف، كل ما يحتاج إليه المسلم على الأوقاف، الدولة فقط مهمتها حفظ الأمن، وتطبيق العدل بين أفراد المجتمع فقط، بينما بقية الأمور تعتمد على الأوقاف؛ ولذلك كانت مساحة الحرية واسعة.

دور الوقف في النهضة بالعلم والعلماء

وأيضًا كوَّنت هذه الأوقاف بيئة علمية، حيث هيأت هذه الأوقاف الجو والبيئة المناسبة لكي يتفرغ العالم لبذل علمه، ويتفرغ الطالب للتعلم وطلب العلم، ويتفرغ أيضًا العالم للتأليف؛ ولهذا عندما نجد نتاج بعض العلماء النتاج الغزير نتعجب لولا أن هناك بيئة مشجعة لما كَتب هذه المؤلفات، ولولا أنه مكفي عيشه لما كتب هذه المؤلفات.

لو أخذنا مثلًا الموفق ابن قدامة شيخ الحنابلة، توفي سنة 620 للهجرة، يعني: هذا العالم له مؤلفات لو لم يكن منها إلا “المُغني”، المغني يعتبر موسوعة فقهية عظيمة، و”الكافي” و”المقنع” و”العمدة” و”روضة الناظر” و”لمعة الاعتقاد” و”مختصر منهاج القاصدين”، وكتب كثيرة، لو أخذنا ابن الجوزي والسيوطي، وأخذنا الإمام ابن تيمية، وابن القيم، وغيرهم، فلولا أن هناك بيئة هيأت لهم التفرغ للتأليف لما أنتجوا هذه المؤلفات العظيمة.

كان العالم يجلس في المسجد مع طلابه يعلمهم ويفقههم، وكان مكفي المعيشة، الأوقاف توفر له المعيشة له ولطلابه، وتوفر لهم السكن، وتوفر لهم كل شيء، حتى وجد أوقاف على غسيل ثياب طلاب العلم، فلاحظوا -أيها الإخوة- أن الحضارة الإسلامية في العصور الماضية كانت تعتمد اعتمادًا كليًّا على الأوقاف.

ضعف الوقف من أسباب الاستعمار الأجنبي

لهذا يعني في كلمة جميلة لشكيب أرسلان، أمير البيان، يقول: “إن الإفرنج لا يكرهون شيئًا في الدنيا كرههم للأوقاف الإسلامية؛ لعلمهم بأن الأوقاف الإسلامية إذا ضبطت، وأحسن إدارتها لها الأثر العظيم على المجتمعات الإسلامية” [3]؛ ولهذا لما أرادت الدول الغربية استعمار دول العالم الإسلامي في القرن الماضي أرسلت مستشرقين، ودرسوا أحوال العالم الإسلامي، واكتشفوا السر، وجدوا أن السر في الحضارة الإسلامية هي هذه الأوقاف، فأوصوا بأن تشل أولًا الأوقاف، حتى يسهل استعمارها، وهو في الحقيقة احتلال تلك البلدان، وبالفعل حصل ذلك، فكانت أول قضية هي أنهم قاموا بشل الأوقاف، ثم بعد ذلك أمكنهم الاستيلاء على كثير من بلدان العالم الإسلامي، وهذه البلاد -ولله الحمد- لم يشملها الاستعمار، سلمت من الاستعمار بحمد لله تعالى ومنته.

لكن بدؤوا أولًا بأن يضعفوا من شأن الأوقاف، حتى تسهل عليهم السيطرة على بلدان العالم الإسلامي، فالوقف إذًا له أثر عظيم في بناء الحضارة الإسلامية، وما أحوجنا الآن إلى أن نعيد للوقف دوره وأثره، الحقيقة أن الوقف لو فُعّل سيكون له الأثر الكبير على المسلمين في مساعدة الفقراء والمحتاجين، وفي جانب الدعوة إلى الله تعالى، وفي نشر العلم وتعليمه، وفي الخدمات الصحية، وفي كل ما يحتاج إليه المجتمع.

نماذج من الأوقاف عبر التاريخ الإسلامي

المسلمون في العصور الماضية أوقفوا على كل ما يحتاج إليه المجتمع، كل ما يحتاج إليه، حتى أنهم تفننوا، فوُجد هناك وقف اسمه وقف الأعراس، المرأة التي تزف تأخذ ما تحتاج إليه من هذا الوقف، تستعيره وقت الزفاف، ثم بعد ذلك ترجعه، ولا يحتاج إلى أنها تقوم وتشتري هذا وقف الأعراس، وجد أيضًا وقف على طيور الحرمين، تفنن المسلمون، بل وجد من عجائب الأوقاف وقف على أواني إذا كسر الرقيق آنية سيده، وخشي من العقاب يأخذ منها، لاحظ التفنن، وصل إلى هذه الدرجة، كل شيء أوقفوا فيه، جميع المجالات التي يحتاج إليها المجتمع أوقفوا فيها.

الوقف إذًا له أثر كبير في النهضة بالمجتمع، وهو من أعمدة بناء الحضارة الإسلامية، ونريد الآن أن نستعرض نماذج من هذه الأوقاف على مر التاريخ الإسلامي.

أول وقف في الإسلام

فأول وقف في الإسلام هو وقف عمر  الذي أشرت إليه قبل قليل، فإن عمر لما أصاب أرضًا بخيبر، واستشار النبي ، أشار عليه بالوقف، فأوقفها عمر ، وشرط فيها شروطًا، وجعل الناظر عليها من بعده ابنته حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها.

قال جمهور أهل العلم: إن هذا أول وقف في الإسلام، وقيل: إن أول وقف في الإسلام هي أراضي مخيريق التي أوصى بها إلى النبي ، ولكن الأول أشهر.

ومن أهل العلم من قال: إن أول وقف هو لما قدم النبي المدينة، وأراد أن يبني المسجد، يعني المسجد النبوي، وكانت الأرض التي فيها المسجد لبني النجار، فقال: يا بني النجار ثامنوني على أرضكم قالوا: والله لا نطلب ثمنه إلا من الله، فأوقفوا أرضه [4] فأيضًا هذا من الأوقاف، هذه كلها من أوائل الأوقاف في الإسلام.

أوقاف الصحابة رضي الله عنهم

وأبو بكر الصديق  أيضًا وقف دورًا له بمكة، وعثمان  وقف بئر رومة؛ لما كانت بئر رومة ليهودي، وكان يرفع سعرها على المسلمين، فقال النبي : من يشتري بئر رومة، وله الجنة فقال عثمان : أنا أشتريها، فاشتراها، وأوقفها على المسلمين [5] ولا تزال هذه البئر موجودة إلى الآن، قد ذهبت إليها قبل سنتين، وهي موجودة، فهذه البئر أوقفها عثمان .

قال البخاري في صحيحه: ووقف أنس دارًا، فكان إذا قدم نزلها، ووقف ابن الزبير دوره، وقال: للمردودة من بناته، يعني المطلقة، أن تسكن فيه غير مضرة ولا مضر بها، فإن استغنت بزوج فلا حق لها فيه [6].

ووقف علي  أموالًا له بينبع، ووقفت عائشة رضي الله عنها دارًا اشترتها، ووقفت أم سلمة وأم حبيبة وصفية بنت حيي رضي الله عنهن أوقافًا، وأوقف جابر وأبو هريرة وخالد بن الوليد وعمر بن العاص وغيرهم، وكما يقول جابر : “لم يكن أحد من أصحاب النبي ذو مقدرة إلا وقف” [7].

الأوقاف في عصر التابعين

ومن بعد الصحابة التابعون وتابعوهم، أوقفوا أوقافًا، وكانت الأوقاف مزدهرة، وكذلك في عصر الدولة الأموية كانت الأوقاف مزدهرة، وأمر هشام بن عبدالملك بإنشاء أول إدارة للأوقاف بمصر، وأيضًا في عصر الدولة العباسية كانت الأوقاف منتشرة ومشتهرة، ومن أشهر الأوقاف وقف “عين زبيدة” بعد حجها عام مائة وستة وثمانين؛ لما رأت حاجة الحجاج إلى الماء، فأوقفت هذه العين العظيمة، ولا تزال آثارها باقية إلى اليوم.

خزائن الكتب الوقفية

وأيضًا في القرن الرابع الهجري وما بعده، انتشرت خزائن الكتب الوقفية، وكانت تسمى خزائن الكتب الوقفية، بمعنى المكتبات العامة، وقلّ ما تخلو مدينة من كتب موقوفة، وقد بلغ من انتشار هذه الخزائن وتوفرها في الأندلس أن أبي حيان التوحيدي النحوي كان يعيب على مشتري الكتب، ويقول لمن يراه يشتري كتبًا: الله يرزقك عقلًا، أي كتاب أردته استعرته من خزائن الأوقاف، يعني: من كثرتها وتوفرها وسهولة الحصول على الكتاب، يعني: يقول: لا حاجة لأن تشتري، كل شيء موجود ومتيسر ومتاح للإعارة، تستعيره وتقرأ فيه، ثم ترجعه، انظروا يعني وصلت إلى هذه الدرجة.

أوقاف الدولة الأيوبية

كذلك أيضًا في عصر الدولة الأيوبية انتشرت الأوقاف انتشارًا واسعًا في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وانتشرت في مصر، وأقام صلاح الدين الأيوبي أوقافًا عظيمة، ومن ضمن هذه الأوقاف أنشأ وقفًا لإنشاء ميزاب يسيل منه الحليب في إحدى القلاع، هذا بدمشق، وميزابًا آخر يسيل منه الماء الذي فيه السكر، وتأتي الأمهات في يومين من الأسبوع ليأخذن ما يحتجن إليه من الحليب أو السكر، يعني: إلى هذه الدرجة، ونور الدين محمود زنكي وقف ما لا يكاد يُحصى، ومن ذلك المستشفى النوري الكبير في دمشق أوقفه على الفقراء والمساكين، وكان من أحسن مستشفيات الدنيا، وبقي إلى ألف وثلاثمائة وسبعة عشر للهجرة، يعني: بقي قرابة ثمانمائة عام، وكذلك أيضًا المدارس النظامية انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الخامس الهجري، وأول من أنشأ هذه المدارس نظام الملك الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، توفى سنة أربعمائة وخمسة وثمانين هجرية، وكانت تعتمد على الأوقاف؛ ولما أراد أن ينشئها أحضر القضاة، وأحضر الشهود، وقرئت كتب وقفيتها، هكذا في كتب التراجم، قرئت كتب وقفيتها، ووقفت الكتب فيها، فكانت هذه المدارس كلها تعتمد على الأوقاف بناء وكتبًا، وكل ما فيها.

المدارس الوقفية في بغداد

وابن جبير الرحالة المشهور كتب في رحلته أنه رأى في بغداد نحو من ثلاثين مدرسة، ويقول: وما منها مدرسة إلا وهي يقصر الوصف عن وصفها، وأعظمها وأشهرها المدرسة النظامية التي ابتناها نظام الملك، ولهذه المدارس أوقاف عظيمة، وعقارات مُحبّسة، تصير إلى الفقهاء المدرسين بها، إلى آخر ما ذكر في الوصف، فكانت هذه المدارس النظامية تعتمد اعتمادًا كليًّا على الأوقاف.

الأوقاف في عهد المماليك

كذلك أيضًا في عهد المماليك كثرت الأوقاف والأحباس، وأدى إلى أن تقوم الدولة بإنشاء دواوين للأوقاف، منها دواوين أحباس المساجد، ودواوين الأوقاف الأهلية، ودواوين أحباس الحرمين، بل إنه أصبح من سمات عصر المماليك أن ينشئ السلاطين والأمراء وكبار رجال الدولة المؤسسات الخيرية، ويقفون عليها الأوقاف، ومن لم يفعل ذلك فإنه يعير به، ويعتبر ذلك شاذًّا؛ ولهذا يقول ابن تغري بردي في كلامه عن أحد الأمراء: ومع تمكنه الزائد لم يفعل ما يذكر به من سبل ومساجد على عادة عظماء الملوك، يعني لهذه الدرجة أصبح عرفًا لدى السلاطين أنهم يوقفون الأوقاف.

الأوقاف في عهد الدولة العثمانية

وكذلك أيضًا في عهد الدولة العثمانية انتشرت الأوقاف انتشارًا واسعًا.

الأوقاف في بلاد الحرمين

وأيضًا في الوقت الحاضر وجدت أوقاف كثيرة، أوقاف يعني على مستوى الدولة، وأوقاف على مستوى الأفراد، ومن أشهر هذه الأوقاف وقف الملك عبدالعزيز، على الحرمين، وأيضًا وقف العنود بنت عبدالعزيز بن جلوي، والدة الأمير فيصل بن فهد، وكتب الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله من وقفيتها، مع أن المبلغ الذي أوقفته لم يكن كبيرًا، ولكن الله تعالى جعل فيه البركة، وأنشئت هذه المؤسسة العظيمة التي نرى آثارها الكبيرة.

كذلك أيضًا المؤسسات الوقفية الآن الكثيرة، مؤسسة الراجحي، ومؤسسة الجميح، ومؤسسة السبيعي، ومؤسسات كثيرة، هي مؤسسات وقفية.

مجالات الوقف في الوقت الحاضر

ومن أفضل ما توضع فيه الأوقاف في نظري في الوقت الحاضر أن تجعل على شكل المؤسسات، ويجعل لها مجلس نظارة، ويجعل لها يعني قسم إدارة واستثمار، هذا بإذن الله تعالى يضمن استمراريتها، ويضمن كذلك تنميتها، وأيضًا تكون عملًا مؤسسيًّا لا يرتبط بأشخاص.

ولهذا فإنني أدعو من رزقه الله تعالى مالًا أن يجعل له مؤسسة خيرية وقفية، فإن أجرها عظيم، وثوابها جزيل، خاصة إذا وفقت في إدارة جيدة.

بعض التجار تكون عنده أموال، لكنه يصرفها مباشرة، يصرفها هذا في بناء مسجد، وهذا في الفقراء والمساكين، وهذا في كذا، لو أنه جعل هذه الأموال في مؤسسة خيرية وقفية، وجعل لها أصولًا، وأصبح يصرف من ريع هذه الأصول؛ لكان هذا أكثر نفعًا وفائدة، وأيضًا استمرارية لهذا الوقف.

فأقول: من عنده مال، ووسع الله عليه، أنصحه بأن ينشئ مؤسسة وقفية، ويحافظ على الأصول، وينميها، وتكون التبرعات والنفقات من الريع، من ريع هذه الأصول، فهذا يكون أكثر نفعًا وفائدة.

في فترة مضت لم يكن الوعي كبيرًا بكيفية إنشاء الأوقاف؛ ولذلك كان كثير من الأوقاف كبار السن في أضحية، وفي حجة، معظم الأوقاف فيما سبق أضحية وحجة، لكن الآن -ولله الحمد- ارتفع الوعي، وأنشئت المؤسسات الوقفية، وأصبح هناك أيضًا حرص على أن تخدم الأوقاف ما فيه نفع كبير للمسلمين.

الوقف في مجال الدعوة إلى الله

ومن أبرز مجالات الأوقاف التي ينبغي أن يحرص عليها من يريد وقفًا: مجال الدعوة إلى الله ، وعندي أنه أعظم من مجال جعل الوقف في طعام أو شراب، مع أهمية إطعام الطعام، وأنه من خير الأعمال، لكن قلّ أن نسمع أن أناسًا ماتوا من الجوع، موجود، لكنه قليل، ولكن نرى أن أناسًا كثيرين انحرفوا عن الصراط المستقيم، يعني: لو أخذنا فقط إحصائية بعدد سكان العالم الآن، كم عدد سكان الأرض؟ أكثر من سبعة مليار إنسان، طيب كم عدد المسلمين؟ عدد المسلمين بجميع الطوائف مليار ونصف، يعني: خمسة مليارات ونصف على غير الإسلام، طيب هل أقمنا عليهم الحجة؟ هل بلغناهم الإسلام؟ هل وضحنا لهم صورة الإسلام الصحيح؟ نحن الآن بحاجة لنبلغهم دين الله .

وهناك أناس لم يسمعوا بالإسلام خاصة في أمريكا الجنوبية، وفي بعض أيضًا دول أفريقيا، هناك أناس لم يسمعوا بالإسلام أصلًا، فلا بد من أن نقوم بواجب الدعوة إلى الله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران:104].

الدعوة إلى الله فرض كفاية، والدولة -وفقها الله- في النظام الأساسي للحكم ذكر في أنها تقوم في واجب الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولكن لا يمكن أن تنهض هذه الدعوة إلا إذا وجد مال، وهذا المال لا يمكن أن يكون مالًا يعني ذا شأن ومستمر، إلا إذا وجدت أوقاف، فهي كلها ترجع إلى الأوقاف

فينبغي أن تُوجّه بعض مجالات الأوقاف إلى جانب الدعوة إلى الله ، ونشر الإسلام عبر الوسائل الإعلامية، هذا جانب عظيم من جانب الأوقاف.

تلمس احتياجات المجتمع

كذلك أيضًا من جوانب الأوقاف تلمس احتياجات المجتمع، ما الذي يحتاج إليه المجتمع؟ مجال المساجد، مجال عظيم، لكن في بعض البلدان مثل عندنا في المملكة، المساجد كثيرة، وجعلت الأرض مسجدًا وطهورًا، يعني: إن لم تجد مسجدًا سوف يبنيه غيرك، هناك مجالات ربما يغفل عنها بعض الناس، والمجتمع بحاجة إليها، ومن ذلك مثلًا مجال التسديد عن الغارمين، فإن من الغارمين المدينين أناس قابعون في السجن، ربما بعضهم سنوات طويلة، انقطع عن أسرته، وعن أطفاله، وعن أهله، وابتلي بهذا الدَّين، ولا يقول قائل: لماذا يفعل؟ ولماذا يفعل كذا؟ قدر عليه هذا التصرف، واجتهد ولم يوفق في تجارته، أو في أموره، ولحقته الديون، فهذا من مجالات الأوقاف العظيمة، تسديد الديون عن الغارمين.

وأيضًا مجال نشر العلم وتعليمه، والمقصود أنه ينبغي تلمس حاجات المجتمع عند إنشاء الأوقاف.

أسباب ضياع الأوقاف

عندما نرى هذه الأهمية العظيمة للأوقاف، وعناية المسلمين الكبيرة بها على مر التاريخ، وعلى مر العصور، يرد التساؤل الكبير مع هذه العناية وهذا الانتشار الواسع للأوقاف في جميع الأمصار وجميع الأعصار التساؤل الكبير الذي نطرحه: أين هذه الأوقاف؟

الجواب: ضاعت، أو ضاع أكثرها، لماذا ضاعت هذه الأوقاف؟ والوقف من خصائصه أنه لا يباع، ولا يشترى، ولا يوهب، ولا يورث، حبيس ما دامت السماوات والأرض، فيفترض أنه من الناحية النظرية أن هذه الأوقاف بقيت واستمرت؛ لأنه لا يجوز بيعها، ولا تورث، أين أوقاف المسلمين على مر العصور الماضية، نحن الآن في القرن الخامس عشر الهجري، فأين هذه الأوقاف؟

نجد أن هذه الأوقاف أو كثير منها قد ضاع، وسبب هذا الضياع التعدي عليها، تعدى عليها أناس، ومع مرور الوقت وتملكها أناس بغير حق، وباعوها، وأكلوا ثمنها، وهذا يُبيّن لنا أهمية العناية بترتيب النظارة، نظارة الوقف؛ لأن الواقف إذا لم يرتب النظارة، فإن هذا الوقف سيضيع، فينبغي أن يكون هناك ترتيب، ويجعل للناظر أيضًا أجرة، حتى يتشجع على العناية بهذا الوقف، وأما إذا جعل احتسابًا، فقد لا يتشجع كثير من الناس على القيام بهذه النظارة ومؤونتها، ثم تضيع تلك الأوقاف؛ ولذلك من أبرز أسباب ضياع هذه الأوقاف عدم إحسان النظارة.

حماية الوقف من الضياع

فمن أراد أن يوقف وقفًا ينبغي أن يرتب موضوع النظارة لهذا الوقف، يقول: الناظر عليه أنا مثلًا حياتي، وبعد وفاتي فلان، وبعده فلان، وبعده فلان، وبعده فلان، والذي أرى في وقتنا الحاضر أن أحسن طريقة لترتيب النظَّار أن يكون بإنشاء مؤسسة وقفية، يكون هناك مجلس للنظار، ويكون هناك نظام أو لائحة لهذه المؤسسة الوقفية، وهذا -بإذن الله- يضمن استمرار هذه الأوقاف، وأيضًا عدم ضياعها، وعدم ارتباطها بشخص معين، سواء كان الواقف موجودًا أو غير موجود، هذه المؤسسة الوقفية أمورها ماشية، سواء كان حيًّا أو ميتًا، هذه المؤسسة الوقفية تسير على نظام، وعلى لوائح، فالأحسن هو أن يكون ترتيب النظَّار عن طريق المؤسسة الوقفية، لكن بعض الناس قد يقول: ما عنده مال كثير؛ لأجل أن يجعل له مؤسسة وقفية، يعني عنده مال ليس كبيرًا، ربما يريد أن يوقف عقارًا، فنقول: حتى مثل هذه الأوقاف التي ليست كبيرة، ينبغي الترتيب لنظارتها، وأن يرتب الناظر لها في حياته، والناظر بعد وفاته، وبعد وفاة هذا الرجل، وهكذا بالتسلسل، وينبغي أن توثق تلك الأوقاف، وأن يشهد عليها، فإذا اعتنى الواقف بقضية التوثيق، وترتيب النظارة، وأيضًا وضع أجرة للناظر تشجيعًا له، فإن هذا بإذن الله تعالى يضمن استمرار ذلك الوقف.

أهمية استشارة أهل العلم في إدارة الوقف

وينبغي لمن أراد أن يوقف أن يستشير أهل العلم في الصيغة التي يكتب بها الوقف، حتى تكون صيغة الوقف محررة، وليس بها لبس، وربما أيضًا من يستشيره ويدله على مجالات من الخير.

وأذكر قصة هنا أن أشخاصًا توفيت والدتهم، فمروا علي يسألون، قالوا: نريد أن نجعل لها وقفًا فما تنصحنا؟ هل نجعله في مسجد أو في ماذا؟ قلتُ: اجعلوه في عقار، ومن ريع العقار فيما بعد ذلك ابنوا مسجدًا، وبالفعل اشتروا عقارًا، وحصل من هذا العقار خير عظيم، ينفقون منه في وجوه البر، ويقولون: ربما في المستقبل هذا الريع يتجمع منه مبلغ لبناء مسجد، فانظروا إلى حسن التدبير، استطاعوا أن يوجدوا من هذا المبلغ عقارًا له ريع، وأيضًا مسجدًا، بدل ما يجعله كله في مسجد، جعله في عقار، وهذا العقار له ريع، فهذا من حسن التدبير للوقف.

ولذلك من أراد أن يوقف يستشير أهل العلم عن صيغة الوقف، وفي ماذا يوقف؟ كما استشار عمر النبي عما يفعل بماله؛ ولما أشار عليه بالوقف أيضًا استشاره في ماذا يكون؟ فبين له النبي ماذا يصنع بذلك العقار؟

عناية المملكة العربية السعودية بالوقف الإسلامي

والمقصود -أيها الإخوة- أن الوقف له شأن عظيم في الإسلام، وأيضًا له دور كبير في بناء الحضارة الإسلامية -ولله الحمد- في السنوات الأخيرة بدأت العناية تتزايد، والوعي كذلك يرتفع بأهمية الأوقاف، وعندنا هنا في المملكة العربية السعودية أنشئت أولًا وزارة الحج والأوقاف، ثم بعد ذلك وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ثم في السنوات الأخيرة فصلت الأوقاف بغية تفعيل الوقف أكثر، وجعلت هيئة مستقلة للأوقاف، ولها مجلس إدارة، ونؤمل إن شاء الله أن هذه الهيئة يكون لها دور كبير في تفعيل الوقف، وإعادة رسالته.

أقول -أيها الإخوة-: ينبغي أن نقتدي بأصحاب النبي الذين لم يكن أحد منهم ذو مقدرة إلا وقف، فمن كان ذا مقدرة ينبغي أن يوقف.

الفرق بين الوصية والوقف

والوقف أفضل من الوصية، والفرق بين الوصية والوقف أن الوصية تكون بعد الموت، وأما الوقف فإنه يكون ناجزًا في الحياة، والوقف يصح أن يكون ما دام في زمن الصحة أكثر من الثلث، حتى لو أوقف الإنسان ماله، أو معظم ماله، بينما الوصية لا تكون إلا في الثلث.

الوقف يصح أن يكون للورثة، والوصية لا تكون لوارث، كلاهما فيهما خير، الوقف والوصية، لكن الوقف أفضل من الوصية.

وقف منزل العائلة

ومن الأوقاف الحسنة التي يفعلها بعض الناس أن يكون عنده بيت يسكن فيه هو وعائلته، ويريد أن يكون هذا البيت مركزًا للعائلة بعد وفاته، فيوقفه بحيث تسكن فيه العائلة بعد وفاته، يقول: أسكن أنا وعائلتي في حياتي، وبعد وفاتي تسكن العائلة، أو من يريد من العائلة في هذا البيت، فيكون مركزًا تجتمع فيه العائلة، ولا يكون لأحد على من في هذا البيت منة، ثم يرتب أيضًا ماذا يكون هذا البيت عندما تستغني العائلة عنه؟ فهذا من الأمور الحسنة التي يفعلها بعض الناس؛ لأنه يحسن إلى أسرته، وإلى عائلته إحسانًا عظيمًا بهذا الترتيب.

بينما في المقابل بعض الناس يهمل هذه المعاني، وبعد وفاته يبدأ بعض الورثة، ويطالب ببيع هذا البيت، وربما تبقى زوجته التي هي الأم، وربما يكون عنده بنات مطلقات، أو عنده أطفال صغار، أين يذهبون؟ يستأجر لهم، ماذا لو أنه جعل هذا البيت مركزًا للأسرة، لكن هذا فيه إحسان عظيم لهم.

تعليق الوقف على الموت

كذلك أيضًا من الأوقاف الحسنة أن يوقف الإنسان ما يريد، ويستثني أن تكون المنفعة منفعة هذا الوقف له في حياته يتصرف فيها كما يشاء.

هذا رجل عنده عقار يوقف هذا العقار، لكن يقول: على أن لي أن أتصرف في ريع هذا العقار زمن حياتي، كما أشاء، وبذلك تكون يده مطلقة في التصرف في العقار، كما لو لم يوقف، لكن فقط هو ممنوع من التصرف في رقبة هذا العقار، فإيجار هذا العقار يأخذه ويتصرف فيه كما يريد، لكن لا يبيع هذا العقار، وبعد وفاته يقول: الوقف يكون في كذا وكذا وكذا، هذه من الأفكار التي يطرحها، والتي يعني تشجع الحقيقة على الوقف؛ لأن بعض الناس يقول: أخشى أني أوقف ثم أحتاج، فأقول: هذه من الأفكار التي يمكن أن تفعلها، وبذلك تستفيد من ريع الوقف وتستخدمه فيما تريد، لكن فقط رقبة الوقف لا تبيعه، أنت ممنوع من التصرف فيه، وبعد وفاتك يكون الوقف فيما أردت، فهذه من الأفكار يعني الجميلة التي أطرحها فيما يتعلق بالوقف،

من أراد أن يوقف وقفًا هنا لا يخلو من أن يكون الوقف ناجزًا، أو يكون معلقًا: إن كان ناجزًا في زمن الصحة، فإنه ينفذ بمجرد الوقفية، وإن كان معلقًا بأن يكون بعد وفاته، فهذا يكون حكمه حكم الوصية؛ لأنه لا ينفذ إلا في الثلث.

المبادرة بالوقف وترك التسويف

أقول -أيها الإخوة- بعد هذا يقول النبي : ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتيه وعنده شيء يريد أن يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه [8]، متفق عليه.

يقول ابن عمر رضي الله عنهما: “ما بت ليلة بعدما سعمت النبي يقول هذا الكلام، إلا ووصيتي مكتوبة عند رأسي” [9]، فينبغي أن نبادر أيها الإخوة.

من أراد أن يوصي أو يوقف ينبغي أن يبادر وألا يتأخر، مشكلة بعض الناس تأتي من التسويف، يقول: فيما بعد، فيما بعد، وكأنه سيعيش عمرًا طويلًا.

أذكر أن رجلًا كان عنده أطفال صغار، وعنده أيضًا أولاد من زوجة أخرى، وكان يخشى من الاختلاف، فأتى يريد أن يوقف بيته، وأتيت إليه، فطلبت منه أن يأتي بصورة من صك البيت، لكنه تأخر، ويقول: غدًا، غدًا، ثم أتاه الموت فجأة، ويقول من حضر وفاته: إنه كأنه يريد أن يتكلم، لكنه ما استطاع، فأخبرت ورثته بما أراد والدهم ففي البداية قالوا: أبدًا، اعتبر أنه نفذ ذلك، واعتبر أن الأمر قد تم.

كتبت لهم في هذا خطابًا، لكن فيما بعد غيروا رأيهم، فقالوا: إن والدنا لم يوقف أصلًا، فهذا كله بسبب التفريط، ونعرف وتعرفون أناسًا كثيرين أغنياء وأثرياء جمعوا ثروة طائلة، لكنهم تركوها للورثة من بعدهم، ولم يوصوا منها بشيء، ولم يوقفوا منها شيئًا، والإنسان إذا لم ينفع نفسه في حياته لا ينتظر ورثته ينفعونه بعد وفاته.

فينبغي أن يبادر الإنسان بإنفاذ الوقف الذي يريد أن يوقفه، والوصية التي يريد أن يوصي بها، وإذا كان عنده تردد يمكن أن يجعلها وصية؛ لأن الوصية لا تلزم إلا بالموت، والوصية يمكن إلغاء والتعديل عليها، ويمكن الإضافة عليها، وأما الوقف المنجز هذا إذا تم، فلا يمكن التعديل عليه، لكن الوقف لا شك أنه أفضل من الوصية، وأعظم أجرًا.

وفي الختام أقول: لا يحقر الإنسان نفسه، حتى لو أوقف شيئًا يسيرًا، لا يحقر نفسه أوقف كتابًا، أوقف مصحفًا، أوقف برادة، أوقف أي شيء، فإن هذا مما يبقى للإنسان بعد وفاته، والنبي يقول: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له [10].

الصدقة الجارية هي الوقف، وهذا الوقف يدر حسنات على الإنسان، ما دام ينتفع به؛ ولذلك ينبغي أن يكون الوقف في شيء تطول مدته، كأن يكون في عقار مثلًا.

رجل أوقف عقارًا في وجوه البر، طيب هذا العقار يبقى كم سنة؟ خمسين سنة، مائة سنة، أو أكثر، وهو يدر حسنات على هذا الموقف، وهو في قبره، فانظر إلى عظيم أثر هذا الوقف، وبينما بعض الناس لا يوفق لهذا الخير، وثروته ربما تذهب إلى من لا يحمده.

قصة وعبرة

أذكر أنَّ مديرًا لأحد المصارف يذكر لي قصة يقول: كان عندنا حساب لأحد كبار السن، وكان فيه مبلغ كبير، يعني كذا مليون، أذكر أربعين مليونًا أو تزيد، يقول: وافتقدنا هذا الرجل، ثم أردت أن أتصل بأهله، قلت: ربما أنه حصل له شيء، فاتصلت بأهله، فقالوا: هذا توفي من مدة، فقلت: معكم فلان مدير فرع البنك الفلاني، أريد أكبر الأبناء أن يكلمني، كلمه وطلب منه أن يأتي إليه؛ ولما أتى عزيته في والده، وأخبرته بأن عندهم لوالده رصيد، قال: كم؟ قلت: كذا مليون، يقول: فانهار بالبكاء يدعو على والده، فجعلت أهدئ من روعه، وأقول: أخلف لكم كذا، قال: لا، هو عاش فقيرًا، وعشنا معه فقراء، ونحن نسكن الآن في أفقر أحياء مدينة الرياض، وكنا نعذره، ولا نطالبه؛ لأننا كنا نعتقد أنه فقير، كيف يفعل هذا؟ فجعل يدعو عليه!

إذًا ماذا استفاد هذا الإنسان من هذه الثروة؟ ماذا استفاد منها؟! لا انتفع بها في حياته، ولا بعد مماته، وخلفها إلى من لا يحمده عليها، بل من يدعو عليه، فانظر إلى النظرة غير السوية للمال، كيف تقود صاحبها إلى هذه الدرجة؟!

فينبغي إذًا أن يحسن الإنسان تدبير المال، ويحسن النظرة، تكون نظرته سوية إلى هذا المال، وأن يجعل له نصيبًا في آخرته من هذا المال، بأن يوقف وقفًا، أو يوصي وصية، ونحو ذلك؛ وليجعل نصب عينيه، قول النبي : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له [11]، ويجعل له آثارًا حسنة، فإن الله تعالى يقول: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ [يس:12].

يكتب للإنسان أمران: ما قدمت يده من أعمال صالحة من صلاة وزكاة وصدقات وصيام وحج وعمرة إلى غير ذلك، ويكتب له شيء آخر وهو الآثار، الآثار تكتب له، ومن أعظم هذه الآثار الأوقاف، فتكون في صحيفة حسناته يوم القيامة إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ [يس:12] وفي المقابل تكتب أيضًا الآثار السيئة على الإنسان، تكتب له الآثار الحسنة، وتكتب عليه الآثار السيئة، فاطرح على نفسك هذا السؤال، لو قدر الله عليك ومت، فما هي الآثار الحسنة التي خلفتها في هذه الحياة؟ ألا تجعل لك وقفًا، ولو وقفًا يسيرًا يكون من هذه الآثار.

أسأل الله تعالى أن يستعملنا جميعًا في طاعته، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى من الأقوال والأعمال.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدم: اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، شكر الله لكم معالي الشيخ سعد هذا الحديث.

الأسئلة

والآن نستعرض الأسئلة التي وصلت، وسنبدأ بالأسئلة التي في لُب الموضوع.

حكم العدل في الوقف بين الأبناء

السؤال: شيخ أحد الأخوة يسأل يقول: نص الواقف أن يصرف ريع الوقف على أولاده البنين والبنات، ثم على أولاد البنين دون أولاد البنات، هل يصح هذا؟

الجواب: نعم، هذا لا بأس به؛ لأن الواجب عليه أن يعدل بين أولاده فقط، أولاد الصلب، وأما أولاد البنين وأولاد البنات، لا يلزمه العدل بينهم، حتى العدل بين البنين محل خلاف أيضًا، والقول الراجح أنه واجب على أن الجمهور يرون أنه مستحب، القول الراجح هو مذهب الحنابلة على وجوبه.

وأما أولاد البنين وأولاد البنات لا يجب العدل بينهم بالإجماع، فهذا الوقف وقف صحيح، ولا بأس به، بل ينبغي أن يبين الواقف إذا أراد أن يوقف يوضح مقصوده، يقول مثلًا: هذا الوقف على أولادي ومن بعدهم أولاد البنين ومن بعدهم كذا، فيوضح هذا بعبارة لا تسبب لبسًا على الورثة من بعده.

الفرق بين الوصية والوقف بعد الموت

السؤال: هذا يقول: شيخ نريد إعادة ما ذكرتم في الفرق بين الوصية والوقف بعد الموت، هل الوقف بعد الموت محدد بالثلث، ولا يجوز أكثر من ذلك؟

الجواب: نعم، الوقف بعد الموت كالوصية، لا يزيد على الثلث، وكذلك أيضًا جميع التصرفات في مرض الموت المخوف لا تزيد على الثلث، الإنسان عندما يمرض مرض الموت المخوف، فيحجر عليه في التصرفات المالية إلا في حدود الثلث، وما زاد على الثلث فليس له أن يتصرف، حتى لو وهب مثلًا أحد الناس نصف ماله، لا ينفذ إلا الثلث، وقف أكثر من الثلث، لا ينفذ إلا الثلث، أوصى بأكثر من الثلث، لا ينفذ إلا الثلث؛ إذ أن الثلث يكون في مكان معلقًا بعد الوفاة، وأيضًا فيما كان في مرض الموت.

وقف البيت على البنات

السؤال: يقول: رجل ليس لديه إلا بيت واحدة فقط، وذريته كلهم بنات، هل الأفضل أن يوقف هذا البيت على بناته أم لا؟

الجواب: إذا رأى أن المصلحة في ذلك فيوقف هذا البيت على بناته؛ لأنه إذا لم يفعل فهذا البيت سيكون للورثة، والبنات ليس لهن إلا الثلثان، ومعنى ذلك أن الثلث المتبقي سيدخل ورثة آخرون، ربما أخوته أو أبناء عمومته، فما دام أن بناته محتاجات، ويريد ألا يدخل معهم غيرهم في هذا البيت، يمكن أن يوقف هذا البيت على بناته، بل إن هذا ربما يكون من الإحسان لهؤلاء البنات أن يوقف هذا البيت عليهن، حتى لا يدخل معهم غيرهم من الورثة.

حكم إلغاء الوقف

السؤال: يقول: إنه أوقف لله عدة سنوات، وأراد بعد ذلك أن يلغي هذا الوقف، هل يجوز له ذلك؟

الجواب: ليس له ذلك، ما دام أن الوقف منجز، ليس له ذلك، فإن من خصائص الوقف أنه لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، خرج من ملكه لله ؛ لما قال: هذا البيت وقف خرج هذا البيت من ملكه لله ، لكن إذا أراد أن يستبدله بما هو أفضل فلا بأس، ولكن هذا إنما يكون عن طريق المحكمة الشرعية؛ لتنظر في ذلك، إذا أراد أن يستبدله بما هو أفضل، فلا بأس، أما أنه يريد إلغاء الوقف، فليس له ذلك بخلاف الوصية، الوصية له أن يلغيها، وله أن يعدل فيها، وله أن يبدل ويزيد وينقص؛ لأن الوصية لا تلزم إلا بالموت، وأما الوقف فإنه يلزم بمجرد أن يقول: هذا الشيء وقف، يكون لازمًا، ويخرج من ملكه لله .

هل يجوز للناظر أن يتصرف في الوقف إذا تعطلت منافعه؟

السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: هل يجوز للناظر أن يتصرف في الوقف إذا تعطلت المنافع دون رجوع للواقف إذا كانت المصلحة راجحة؟

الجواب: لا بد من الرجوع للواقف ما دام أن الواقف حي وموجود، فإنه يرجع للواقف، والواقف أيضًا ينظر في المصلحة؛ لأن الناظر هو مؤتمن على هذه النظارة، وهذا العمل، فإذا كان الواقف موجود هنا يرجع للواقف، لكن ربما أن السؤال الأكثر أهمية لو كان الواقف غير موجود، وهنا هل الناظر له أن يتصرف فيما هو أصلح؟

نقول: نعم، نقل الوقف لما هو أصلح لا بأس به، وقد جاء عند أبي داود وغيره بسند جيد: أن رجلًا أتى النبي فقال: يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله عليك أن أصلي في بيت المقدس ركعتين، قال له النبي : صلها ها هنا، يعني: في المسجد الحرام، فأعادها عليه، قال: صلها ها هنا فأعادها عليه، قال: فصلها ها هنا فأعادها عليه، قال: فشأنك إذًا [12].

فإذا كان هذا في النذر ونقله النبي من المفضول إلى الأفضل، فكذلك الوقف من باب أولى، يجوز نقله إلى ما هو أفضل وأصلح.

هل بناء المدرسة أو المركز الصحي أو الحديقة من الوقف؟

السؤال: يقول: هل بناء مدرسة أو مركز صحي أو حديقة يعتبر وقفًا؟

الجواب: نعم، الأوقاف تكون في كل شيء، كل شيء يحتاج له الناس، لكن كلما كان النفع أعظم، كان الأجر أكبر، فما كان مثلًا في مجال الدعوة إلى الله، في مجال إطعام الطعام، في مجال نشر العلم، لا شك أنه أعظم أجرًا، ولو أراد الإنسان أن يوقف حديقة لأجل يعني أن يتفسح فيها الناس، فأيضًا هذا وقف طيب، أو يوقف مدرسة، أو يوقف أي شيء يحتاج له المجتمع، فإن هذا يكون وقفًا صحيحًا، وكلما عظمت حاجة الناس للوقف كان الأجر أعظم.

السبالة من أسماء الوقف

السؤال: دائمًا أسمع والدي يقول: هذه سبالة، هل هي نفسها الوقف؟

الجواب: نعم، السبالة من أسماء الوقف، يقال: أوقاف وسبايل وأحباس؛ ولذلك من صيغ الوقف أن يقول: سبلت، وكذلك وقفت وحبست، وفي بلاد المغرب العربي يسمون الأوقاف أحباس، وعندنا هنا يعني كثير من الناس كبار السن يسمون الأوقاف سبايل، سبلت، وهذه سبالة، وكلها مصطلحات صحيحة.

المشرف على أعمال الأوقاف، هل له أجر الوقف؟

السؤال: يقول: يا شيخ المشرف على أعمال الأوقاف، مثل المساجد والمدارس، هل له أجر مثل المتبرع؟ خصوصًا إذا كان المشرف هو الذي دل المتبرع عليه؟

الجواب: من دل على خير فله مثل أجر فاعله [13]، هذا حديث صحيح عن النبي ، رواه مسلم، من دل على خير فله مثل أجر فاعله فالذي يدل غيره على وقف يكون له مثل أجره، وهذا يدل على فضل الدلالة على الخير، بعض الناس قد لا يكون عنده مال كثير، لكنه يدل الآخرين على الأوقاف، فيكون له مثل أجورهم تمامًا، مثل مؤسسة واقف، فهي تدل غيرها على الأوقاف، فنرجو أن يكتب الأجر والثواب للمسؤولين فيها، فليحرص المسلم للدلالة على الخير؛ وليجعل هذا الحديث العظيم نصب عينيه: من دل على خير فله مثل أجر فاعله.

مداخلة من فضيلة الشيخ محمد أحمد بافضل

السؤال: هنا مداخلة من فضيلة الشيخ/ محمد أحمد بافضل عضو الدعوة.

الشيخ محمد: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه.

هنيئًا لكم هذا التوفيق من ربكم ، وشكر الله لكم، وشكر الله لديوانية واقف الكرام لهذا الموضوع المهم، وقد… الشيخ الفاضل…، جزاه الله خيرًا، وبارك الله فيه على ما بذله، ويبذل من خدمة ودعوة إلى الإسلام، وإلى هذا الفضل، وهذا الكرم وهذا العز وهذا الشرف.

موضوع الأوقاف أراه كرم في الإسلام، وفضل الإسلام، كرم على الأحياء والأموات، من ألفاظ الشيخ جزاه الله خيرًا في هذه الأوقاف، وأنها من عصر نبينا والصحابة، وما ذكره من كثير من الأوقاف من كثير من البلدان، وكما تعلمون الأوقاف عندنا هنا على رأس الواقفين الأمراء وبعدهم الأغنياء الأثرياء، وبعدهم طلاب الخير، طلاب الجنة.

والشيء بالشيء يذكر، كنتُ في رحلة إلى إحدى المناطق، وبعد العشاء جلسنا في هكذا محاضرات وتساؤلات، وإذا بكمٍ غير قليل من الأسئلة التي تأتيني عن هذه الأوقاف، فهذا يقول: والدي أوقف وقفًا على إنارة، وعلى بذل زيت نضيء به المسجد، ونضيء به طريقًا، واليوم يعني أصبحت كهرباء، وآخر يقول: هذا تمر لصوام رمضان، والناس ربما ليسوا في حاجة للتمر، وذكروا أوقافًا، هكذا هم يعني يرون الوقت قد تغير، فماذا يعملون فيها؟

اغتنمت الفرصة هنا، وقلت لهم: هذه أوقاف آبائكم، طيب أين أوقافكم أنتم؟ وكلنا على علم أنكم أحسن حالًا من أهليكم الذين وقفوا هذه الأوقاف، وقفوها على شظف من العيش، وأنتم في رغد، وفي خير، فأرجو أن يكون لكم عظة وعبرة، سأجيبكم عن هذه الأسئلة، لكن أرجو أن تتأملوا حالكم، وأن تقتدوا بآبائكم في هذا الوقف، فأنتم كما سمعتم الحديث الذي ذكره فضيلة الشيخ جزاه الله خيرًا: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له [14]، وكما سمعتم الشيخ قال: صدقة جارية، أجر الأوقاف يدخل فيها.

وأشكر فضيلة الشيخ على هذه المحاضرة القيمة، وفرحت جدًّا حينما نبه على الأوقاف، والحرص عليها، والحرص على عدم ضياعها، وأن سبب الضياع يكون بعدم وضع ناظر، فتنبيه حسن وجميل، تناقلوه وتذاكروه، نعم ضاعت أوقاف كثير من المسلمين، وسببها…، عدم ناظر، وبارك الله فيك، اجعل الناظر أنه هكذا يتواصل بمن بعده من يخلفه في هذه النظارة.

المقدم: بقي فقط سؤالين، ونختم بهما يا شيخ.

حكم فتح حساب جاري بعوائد شهرية

السؤال الأول: يقول: سمعنا عن بعض البنوك هنا أعلنت عن فتح حساب جارٍ وبعوائد شهرية، فما مدى صحة هذا الأمر من الناحية الشرعية؟

الجواب: لا بأس بهذا، هذا يمكن أعلن عنه بنك البلاد، وهو يقوم على المضاربة الشرعية، فيقولون: بدلًا ما يكون حساب جاري يستفيد منه البنك فقط، نجعل بيننا وبينك قابل للربح والخسارة، مع كون المخاطر قليلة، لكنه يعني يبنى على المضاربة الشرعية، يقول: نحن هذا الحساب الجاري نعمل فيه بطريقة المضاربة الشرعية، وتكون لك نسبة من الأرباح، والبنك له نسبة من الأرباح، هذا لا بأس به؛ لأنها مضاربة شرعية جائزة، ولا بأس بها.

هل الماء والتمر الذي يوضع في المسجد من الوقف؟

السؤال الثاني: أخيرًا يقول: هل الأشياء التي ينبغي أو يبتغي منها الشخص الأجر من الله، مثل الأجر بالماء أو التمر ووضعها في المساجد، هل يعتبر هذا من الوقف؟

الجواب: الوقف لا بد أن يكون فيما يبقى، وينتفع به، لكن ما يذهب عينه لا يكون وقفًا عند الجمهور، فالتمر يوضع ويؤكل انتهى أٌكل وانتهى، لا يعتبر وقفًا، وإنما يعتبر صدقة، إلا عند المالكية الذين يجيزون ذلك، ولا مشاحة في الاصطلاح، الجمهور يسموها صدقة، وعند المالكية يقولون: يصح أن يكون وقفًا، لكن أكثر الفقهاء يقولون: إن الوقف إنما يكون فيما ينتفع به، وتبقى عينه، فإذا كان تمر في مسجد فهذا يعتبر صدقة، لكن لو وضع برادة مياه؟ هذا يعتبر وقفًا، مصحف يعتبر وقفًا، كتاب أوقفه يعتبر وقفًا، وأما الشيء الذي يؤكل، أو تذهب عينه بالانتفاع به، فهذا يعتبر صدقة، ولا يعتبر وقفًا عند جمهور الفقهاء.

المقدم: بقي مجموعة من الأسئلة، لكن الوقت محدد لهذه المحاضرة، انتهى.

نشكر كل من حضر، وكل من شارك، وكل من بعث بسؤاله، سواء طرحناه، أو لم نطرحه، شكر الله لكم جميعًا حضوركم، كما نشكر فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ سعد بن تركي الخثلان، الأستاذ بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، هذا الحديث الماتع حول موضوع الأوقاف في التاريخ الإسلامي، وشكر الله لديوانية واقف على هذا الجهد المبارك.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 2737، ومسلم: 1632.
^2 أورده ابن قدامة في المغني: 8/ 185.
^3 الارتسامات اللطاف، لشكيب أرسلان: ص ٩٠.
^4 رواه البخاري: 428، ومسلم: 524.
^5 رواه الترمذي: 3703، والنسائي في السنن الكبرى: 6402.
^6 صحيح البخاري: 4/ 13.
^7, ^11, ^14 سبق تخريجه.
^8 رواه البخاري: 2738، ومسلم: 1627.
^9 رواه أحمد: 6100.
^10 رواه مسلم: 1631.
^12 رواه أبو داود: 3305.
^13 رواه مسلم: 1893.
مواد ذات صلة
  • عناصر المادةحديث حذيفة  في التحذير من الفتنضعف الإنسان أمام الفتنأبرز أسباب الفتنالاستشراف للفتنةاتباع الهوىضعف التقوىفتنة التكفيرتحصين الشباب من فتنة…

  • عناصر المادةجزاء محبة الله للعبدمعنى محبة الله ومنزلتهاصفات من يحبهم الله كما في القرآن الكريمصفة الإحسانفيم يكون الإحسان؟صفة الصبرحقيقة الصبرصفة…