وصلنا إلى يوم عظيم، يباهي فيه الله ملائكته، ويدحر فيه الشيطان دحرًا عظيمًا، يوم عرفة، فما فضل يوم عرفة؟
مشاهدة من الموقع
السؤال
وصلنا إلى يوم عظيم، يباهي فيه الله ملائكته، ويدحر فيه الشيطان دحرًا عظيمًا، يوم عرفة، فما فضل يوم عرفة؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد:
فيوم عرفة يوم عظيم من أيام الله تعالى المشهودة، وهو يوم يباهي الله تعالى بالحجيج عند ملائكته، فيقول: انظروا إلى عبادي هؤلاء أتوني شعثًا، غبرًا، ضاحين، أشهدكم أني قد غفرت لهم [1].
فهذا اليوم تتنزل فيه الرحمات، وتستجاب فيه الدعوات، وترفع فيه الدرجات، وتكفر فيه الخطايا والسيئات.
جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي قال: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو بهم، فيباهي بهم ملائكته، ويقول: ما أراد هؤلاء؟ [2].
فتأملوا هذا الحديث العظيم: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار يوم عرفة أي: أنه في هذا اليوم يكثر العتق من النار، فيعتق الله تعالى فيه عبيدًا كثيرًا من النار، وهذا يدل على عظيم الرحمات التي تتنزل في هذا اليوم؛ ولهذا ما رؤيا الشيطان أحقر ولا أدحر منه في يوم عرفة، إلا ما رؤي يوم بدر؛ لما يرى من تنزل رحمة الله تعالى على عباده.
فيكثر عتق الله بالحجيج من النار في هذا اليوم العظيم، وأنه ليدنو بهم، وأن الرب وهو العلي الأعلى يدنو بالحجيج، دنوًا يليق بجلاله وعظمته سبحانه، وهذا الدنو عند أهل السنة والجماعة دنو حقيقي، على ما يليق بجلال الله تعالى وعظمته، وهو كسائر أفعاله، وكسائر صفاته جل وعلا، على الوجه اللائق به لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].
ويباهي بهم ملائكته فتحصل المباهاة بالحجيج، فيقول الله للملائكة: ما أراد هؤلاء؟ هؤلاء الحجيج المجتمعون بلباس واحد، قد زالت الفروق بينهم، أتوا إلى هذا المكان، من كل حدب وصوب، ومن جميع أقطار الدنيا، أتوا إلى هذا المكان في هذا الزمان بلباس واحد، لغرض واحد، وهدف واحد، أتوا مختارين؛ بل مشتاقين ومتلهفين، ماذا يريد هؤلاء من هذا الاجتماع؟ ولماذا أتوا لهذا المكان؟ أتوا يبتغون فضلًا من الله ورضوانه؛ ولهذا يقول الرب للملائكة: انظروا إلى عبادي هؤلاء أتوني شعثًا غبرًا ضاحين.. يعني: قد كشفوا عن رؤوسهم. أشهدكم أني قد غفرت لهم.
وتحصل المباهاة أيضًا لأن الله تعالى قال للملائكة لما أراد أن يخلق البشر أخبر الملائكة: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة:30] الله تعالى يقول: للملائكة ألستم قلتم: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ انظروا إلى عبادي هؤلاء ماذا أراد هؤلاء؟ ولأي غرض اجتمعوا؟ انظروا إليهم شعثًا غبرًا ضاحين، رافعين أكفهم بالدعاء وبالضراعة إلى الله ، وبالتلبية ما أراد هؤلاء؟ يقول: انظروا إلى هؤلاء ألم أقل لكم إني أعلم ما لا تعلمون؟ هذه من حكمة خلق الله تعالى للبشر أن يجعل منهم صالحين، ويجعل منهم عبَّادًا، ويصطفي منهم أنبياء وأولياء وشهداء وصديقين وصالحين.
وهذا المظهر الحقيقة إنه مظهر عجيب جدًّا، وهذا المظهر مظهر اجتماع الحجيج في عرفات من المظاهر المشرقة، ومن المظاهر العظيمة جدًّا في الأمة؛ ولهذا لو أن أعلام الأمة الإسلامية غطّى هذا المظهر تغطية عالية، ونقله إلى غير المسلمين؛ لحصل من ذلك خير عظيم، وحصل من جراء ذلك تأثر كبير من غير المسلمين.
وفي هذا المظهر في الحقيقة يظهر علو دين الإسلام على سائر الأديان، والله تعالى يقول: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة:33] أعطني دينًا من الأديان، أو ملة من الملل، تجمع هذه الجموع الغفيرة، تجمعهم من جميع أقطار الدنيا، من جميع البلدان، من أقصى الشرق، من أقصى الغرب، من أقصى الشمال، من أقصى الجنوب، يأتون من جميع البلدان، وبعضهم فقراء ما يملك إلا شيئًا يسيرًا، وبعضهم يجمع يعني الدرهم فوق الدرهم لأجل الوصول إلى هذه الأماكن، ومع ذلك يأتون مشتاقين متلهفين، وتجد الفرحة العارمة العظيمة على الإنسان إذا تيسر له الوصول إلى هذه البقاع الطاهرة.
فهذا الدين الذي جمع هذه الجموع الغفيرة لا نظير له في الوقت الحاضر، وهؤلاء المسلمون اجتمعوا بدين الله إخوانًا في هذا المكان، قد زالت بينهم الفوارق، فهذا من أعظم المظاهر، هذا في الحقيقة هو مظهر مصغر للأمة الإسلامية، مؤتمر عظيم للمسلمين، يجتمعون فيه في هذا المكان، يقولون للناس وللعالم: انظروا إلى حال الإسلام، هؤلاء هم أهل الإسلام، انظروا إلى حال المسلمين، انظروا إلى حال الإمة الإسلامية على رغم ما فيها من الجراح، وما حل بها من المصائب والخطوب، إلا أنهم اجتمعوا في هذا المكان استجابة لنداء الخالق، نداء الرب العظيم ، فيتبين بهذا عظمة هذا الدين، وعلو قدره ومكانته ومنزلته.
إرسال مبالغ فقط من غير عقد صفقات تجارية لا بأس به. والنبي لما كان هناك رجلان يتقاضيان دينًا، وارتفعت…