logo
الرئيسية/فتاوى/هل الأجر دائمًا على قدر النَّصب؟

هل الأجر دائمًا على قدر النَّصب؟

مشاهدة من الموقع

السؤال

هل الأجر على قدر النَّصَب دائمًا في العبادات؟

الجواب

لا، ليس الأجر على قدر النَّصَب دائمًا، وقد يعمل الإنسان عملًا يسيرًا ويُؤجَر عليه أجرًا كثيرًا، بل ربما يفوق مَن عَمِل العمل الكثير.

ولذلك جاء في "صحيح مسلمٍ" أن النبي صلى ذات يومٍ صلاة الصبح، ثم خرج ووجد أم المؤمنين جويرية رضي الله عنها تُسبِّح، ثم رجع بعد أن أضحى -يعني بعدما مضى ساعاتٌ، قرابة ثلاث ساعاتٍ- فقال لأم المؤمنين جويرية: مازلتِ على الحال التي فارقتُكِ عليها؟ -يعني: تسبحين- قالت: نعم، قال عليه الصلاة والسلام: لقد قلتُ بعدك أربعَ كلماتٍ ثلاث مراتٍ، لو وُزِنَتْ بما قُلْتِ لَوَزَنَتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، سبحان الله وبحمده زِنَة عرشه، سبحان الله وبحمده رضا نفسه، سبحان الله وبحمده مداد كلماته [1].

فالنبي عليه الصلاة والسلام قال هذه الكلمات الأربع ثلاث مراتٍ، ومع ذلك أخبر بأنها تعدل تسبيح جويرية رضي الله عنها لساعاتٍ؛ وهذا يدل على أنه ليس دائمًا الأجر على قدر النصب والمشقة.

ثم أيضًا ما يقوم في القلوب من أعمال القلوب له أثرٌ عظيمٌ في قبول العمل وفي تعظيم الأجر والثواب؛ ولهذا نجد مثلًا أن سعد بن معاذٍٍ أسلم وعمره واحدٌ وثلاثون، وتوفي وعمره سبعٌ أو ثمانٍ وثلاثون، بقي في الإسلام ستَّ أو سبعَ سنواتٍ فقط، ومع ذلك لما مات؛ اهتز لموته عرش الرحمن [2]، مع أن السنوات التي قضاها مسلمًا سنواتٌ قليلةٌ، وهذا يدل على أنه كان يعمل أعمالًا عظيمةً، خاصةً أعمال القلوب، ورفعه الله تعالى بها درجاتٍ؛ فهذا يدل على أن العبرة بكيفية العمل وليس بكثرة العمل؛ ولهذا قال الله ​​​​​​​: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2]، قال أَحْسَنُ، ولم يقل: "أكثر عملًا".

فالعبرة بحُسن العمل وليس بكثرته؛ ولهذا ليس دائمًا الأجر على قدر النصب.

وأما ما جاء في قصة عائشة رضي الله عنها لمَّا اعتمرت بعد الحج في حجة الوداع، فقال لها النبي : أجرُكِ على قدر نصبك [3]؛ فهذا على تقدير ثبوته يُحمل على حالةٍ خاصةٍ، على حال أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولكن الأدلة الأخرى تدل على أن هذا ليس قاعدةً مطردةً.

فليس دائمًا الأجر على قدر النصب والمشقة [4]؛ فقد يعمل الإنسانُ أعمالًا قليلةً يُؤجَر عليها أجورًا عظيمةً، وربما يفوق مَن يكون أكثر عملًا منه؛ لِمَا قد يقوم بقلبه من الإخلاص واليقين والأعمال القلبية ونحو ذلك.

^1 رواه مسلم: 2726.
^2 رواه البخاري: 3803، ومسلم: 2466.
^3 رواه البخاري: 1787، بلفظ: ولكنها على قدر نفقتك أو ‌نصبك.
^4 قال ابن عباس رضي الله عنهما: بينا النبي يخطب؛ إذا هو برجلٍ قائمٍ، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل، ‌نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل ولا ‌يتكلم، ويصوم، فقال النبي : مره فليتكلم وليستظل وليقعد، وليتم صومه، رواه البخاري: 6704، وروى أحمد: 2834، عن ابن عباس أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج ماشية، فسأل النبيَّ ، فقال: إن الله عز وجل ‌غني ‌عن نذر أختك، لتركب ولتهد بدنة.
zh