من المسائل المهمة والتي يذكرها الفقهاء في الحج: ما يتعلق بشروط وجوب الحج، متى يكون الحج واجبًا على المسلم والمسلمة؟
مشاهدة من الموقع
السؤال
من المسائل المهمة والتي يذكرها الفقهاء في الحج: ما يتعلق بشروط وجوب الحج، متى يكون الحج واجبًا على المسلم والمسلمة؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فالحج يكون واجبًا على المسلم إذا تحققت شروط وجوبه، وشروط وجوبه يقسمها الفقهاء إلى ثلاثة أقسام:
أما شروط الوجوب والصحة، وهما: الإسلام والعقل، مع كونهما شروط وجوب وصحة: أنه لا يجب الحج على من لم يتحقق فيه هذا الشرط ولا يصح منه لو حج، وهما الإسلام والعقل؛ فكونه غير المسلم لا يجب عليه الحج؛ لأن الكافر لا تصح منه عبادة؛ لقول الله : وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة:54]، وإذا لم تُقبل منهم نفقاتهم لم يقبل منهم حجهم ولا صيامهم ولا صلاتهم.
لكن مع ذلك يُعاقَب الكافر على ترك الحج؛ لقول الله عن المجرمين: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:42-43] إلى قوله: وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدثر:46]. وهذا يدل على أنهم كفار، ومع ذلك عوقبوا على ترك الصلاة، وإذا عوقبوا على ترك الصلاة فيعاقبون أيضًا على ترك الحج والصيام والزكاة وسائر العبادات.
وأما شرط العقل: فأيضًا الحج لا يصح من المجنون، ولا يجب عليه أصلًا، لا يجب على المجنون ولا يصح منه لو حج؛ لأن المجنون مرفوع عنه القلم؛ لقول النبي : رُفع القلم عن ثلاثة وذكر منهم: عن المجنون حتى يفيق[1]؛ ولأن المجنون لا يعقل النية، والحج عبادة تحتاج إلى قصد ونية.
وأما القسم الثاني، وهو: شروط الوجوب والإجزاء دون الصحة، فهي شرطان: البلوغ وكمال الحرية؛ ومعنى كونهما شروطًا للوجوب والإجزاء: أنه لا يجب الحج على غير البالغ، ولا على الرقيق، ولا يجزئهما عن حجة الإسلام. لكن لو حج صح منهما الحج.
أما كون الحج لا يجب على الصبي؛ فلأنه غير مكلف، وقد رفع عنه القلم. وأما الرقيق فلا يجب عليه الحج؛ لأنه لا مال له وماله لسيده، والحج إنما يجب على المستطيع، والآن الرق قد انقرض الآن في العالم وأصبح ممنوعًا، بل مُجرَّمًا في جميع دول العالم.
وأما كونه لا يجزئ عنهما لو حج عن حجة الإسلام؛ فلحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي قال: أيما صبي حج ثم بلغ؛ فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم أُعتق فعليه حجة أخرى[2]. وهذا الحديث في سنده مقال، لكن عمل به كثير من الصحابة.
ولهذا؛ قال ابن تيمية -رحمه الله- بعدما ذكر هذا الحديث: المرسل إذا عمل به الصحابة حجة وفاقًا، وهذا مجمع عليه؛ ولأنه يصح منه الحج لأنه أهل للعبادات؛ ولا يجزئه لأن فعله قبل أن يصير من أهل وجوبه[3].
لكن في وقتنا الحاضر أقول: الأفضل ألا يحج بالصبي؛ لأن الحج بالصبي يلحق الحرج بالصبي وبوليه وبالحجاج، والآن عدد المسلمين يقارب مليارًا وثمانمائة مليون، ومن يحج منهم أقل من 1%؛ فينبغي أن تتاح الفرصة للبالغين الكبار الذين لم يحجوا حج الفريضة. وأما الصبي فما دام أن الحج غير واجب عليه فالأحسن ألا يحج بالصبي؛ لِمَا قد يلحقه من الحرج به، والحرج أيضًا بوليه، والحرج أيضًا بالحُجَّاج.
أما القسم الثالث…
المقدم: لكن -أحسن الله إليكم- قبل القسم الثالث، إذا قلنا: إنه يصح منهما: المقصود أنه يصح على سبيل النفل؟
الشيخ: يصح على سبيل النفل نعم؛ ولهذا لما رفعت امرأةٌ صبيًّا للنبي فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر. رواه مسلم[4]. فقوله: نعم دليل على أنه يصح منه الحج حتى ولو كان غير مميز، حتى ولو كان عمره سنة.
لكن -يعني- سبق أن قلنا في حلقة سابقة: إن هذا مما يختص به عبادة الحج، يعني العبادات الأخرى لا تصح من غير مميِّز، الصوم مثلًا لا يصح من غير مميز، الصلاة لا تصح من غير مميز، لكن الحج يصح، وهذه من الخصائص التي اختص بها الحج.
القسم الثالث: شرط الوجوب فقط، وهو الاستطاعة، وهذا الشرط قد ورد منصوصًا عليه في القرآن الكريم، في قول الله : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ [آل عمران:97]، فذكر الله تعالى هذا الشرط؛ فغير المستطيع لا يجب عليه الحج.