شيخنا، كذلك من المسائل ما يتعلق بالعمرة، وقد أشرتم إلى تعريفها عند الفقهاء قبل قليل، لكن بوُدِّي لو أشرتم أيضًا إلى حكمها الشرعي، هل هي واجبة أو ليست بواجبة؟
مشاهدة من الموقع
السؤال
شيخنا، كذلك من المسائل ما يتعلق بالعمرة، وقد أشرتم إلى تعريفها عند الفقهاء قبل قليل، لكن بوُدِّي لو أشرتم أيضًا إلى حكمها الشرعي، هل هي واجبة أو ليست بواجبة؟
الجواب
العمرة تُسمَّى الحج الأصغر، واختلف الفقهاء في حكمها: هل هي واجبة أو مستحبة؟ على قولين:
القائلون بالوجوب استدلوا بأحاديث، منها حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلتُ: يا رسول الله، هل على النساء من جهاد؟ قال: نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة. أخرجه أحمد وابن ماجه[3]، وظاهر إسناده الصحة، وأصله في “صحيح البخاري” لكن بلفظ آخر.
ووجهُ الدلالةِ قولُه: عليهن جهاد، فقوله: عليهن ظاهرٌ في الوجوب؛ لأن “على” من صيغ الوجوب كما هو مقرر عند الأصوليين، وإذا ثبت ذلك في حق النساء ففي حق الرجال من باب أولى.
واستدلوا كذلك لقولهم بوجوب العمرة بحديث أبي رَزِين العقيلي: أنه أتى النبي فقال: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظَّعْنَ -يعني الركوب على الراحلة-؟ فقال النبي : حُجَّ عن أبيك واعتمر. أخرجه أحمد وأصحاب السنن، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح[4].
فقوله -عليه الصلاة والسلام-: واعتمر هذا أمر بالعمرة، والأمر يقتضي الوجوب، خاصة أنه قد قرنه بالحج.
وقد اختار هذا القول البخاري في “صحيحه”، حيث بوب عليه بقوله: باب وجوب العمرة وفضلها. ثم قال: وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: ليس أحدٌ إلا وعليه حَجَّة وعُمْرة، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: إنها لَقَرِينَتُها في كتاب الله: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196].
قوله: “لقرينتها”؛ يعني: الفريضة. وأصل الكلام أن يقول: قرينته، لكن المقصود الحج.
ثم ساق البخاري بسنده عن أبي هريرة : أن رسول الله قال: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة[5].
أما القائلون بأن العمرة مستحبة وليست واجبة، قالوا: إنه لم يَرِد في الأدلة دليل صحيح صريح يدل على وجوب العمرة، وإنما الوارد في ذلك إما أدلة صحيحة غير صريحة، أو صريحة غير صحيحة. هكذا قرروا ذلك.
والقول الراجح في هذه المسألة -والله أعلم- هو القول الأول، وهو أن العمرة واجبة؛ لقوة أدلتهم، ثم إننا نجد أن العمرة قرينة الحج، كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما- فلا يذكر الحج إلا وتُذكر معه القرينة، فهي الحج الأصغر، كما أن الزكاة قرينة الصلاة، والحج واجب، وكذلك العمرة.
لكن إذا قلنا: إن العمرة واجبة، وهو القول الراجح، فإن وجوبها أدنى من وجوب الحج، الحج ركن من أركان الإسلام، وفريضة من فرائض الدين، إذا قلنا: العمرة واجبة، فهنا نقول: إن وجوب العمرة أدنى من وجوب الحج.
الحاشية السفلية
^1 | “المجموع” للنووي: 7/ 7، و”المغني” لابن قدامة: 5/ 13. |
---|---|
^2 | “بدائع الصنائع” للكاساني: 2/ 226، و”التمهيد” لابن عبد البر: 12/ 342. |
^3 | رواه أحمد: 25322، وابن ماجه: 2901. |
^4 | رواه أحمد: 16184، وأبو داود: 1810، والترمذي: 930، وابن ماجه: 2906، والنسائي: 2621. |
^5 | رواه البخاري: 1773، ومسلم: 1349. |